المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌117 - باب افتتاح الصلاة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٨

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌109 - باب ما ينهي عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌110 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌111 - باب سُترة الإمام سترةُ مَن خلفَه

- ‌112 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌(1/ 462)].***113 -باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌114 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌115 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌أبواب تفريع استفتاح الصلاة

- ‌116 - باب رفع اليدين

- ‌117 - باب افتتاح الصلاة

- ‌118 - باب من ذكر أنَّه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

- ‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌(13/ 496/ 14370)].***122 -باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك

- ‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

- ‌124 - باب ما جاء في من لم ير الجهر بـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

- ‌126 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌127 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌128 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌(1/ 116/ 444)].***129 -باب ما جاء في القراءة في الظهر

الفصل: ‌117 - باب افتتاح الصلاة

وكلامهم يؤدي إلى القول بعدم اعتبارها، حيث روى الشيباني الحديث في موطئه (105)، قال: أخبرنا محمد بن أبان بن صالح، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: رأيت علي بن أبي طالب، فذكر نحوه.

قلت: ومحمد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوني: ضعيف [انظر: اللسان (6/ 488) وغيره]، والراوي عنه: محمد بن الحسن الشيباني، وهو: ضعيف أيضًا، كذبه ابن معين [انظر: اللسان (7/ 60) وغيره].

وأبو بكر النهشلي، وإن كان صدوقًا؛ إلا أن روايته هذه منكرة مردودة من وجهين؛ الأول: أن الثابت عن علي بن أبي طالب فيما رواه مرفوعًا: بخلاف ذلك، كما ذكره البخاري والدارمي [ويأتي تخريجه مفصلًا في موضعه كما أشرت]، والثاني: أن جماعة من الثقات الحفاظ قد رووه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر مرفوعًا، بذكر رفع اليدين في المواضع الثلاثة، وصوبه البيهقي كما تقدم، والله أعلم.

***

‌117 - باب افتتاح الصلاة

729 -

. . . وكيع، عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل، عن وائل بن حجر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة.

• حديث مضطرب.

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق (728).

***

730 -

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل: حدثنا أبو عاصم الضحَّاك بن مخلد، ح، وحدثنا مسدد: حدثنا يحيى - وهذا حديث أحمد -، قال: أخبرنا عبد الحميد -يعني: ابن جعفر-: أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حُميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو قتادة.

قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلِمَ؟ فواللُّه ما كنتَ بأكثرِنا له تَبِعةً [وفي رواية ابن داسة: تبَعًا]، ولا أقدمِنا له صحبةً، قال: بلى، قالوا: فاعرِض.

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة برفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما

ص: 201

مَنكِبَيه، ثم يكبِّر حتَّى يَقرَّ كلُّ عظمٍ في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يكبر فيرفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما منكبيه، ثم يركع، ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يَصُبُّ رأسَه ولا يُقْنِعُ، ثم يرفع رأسه، فيقول:"سمع الله لمن حمده"، ثم يرفع يديه حتَّى يحاذي بهما منكبيه معتدلًا، ثم يقول:"الله أكبر"، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتِخُ أصابعَ رجليه إذا سجد، ثم يسجد، ثم يقول:"الله أكبر"، ويرفع رأسه، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتَّى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتَّى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقيَّة صلاته، حتَّى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخَّر رجله اليسرى وقعد مُتورِّكًا على شقِّه الأيسر.

قالوا: صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم.

• حديث صحيح.

أعاده أبو داود في باب: مَن ذَكَر التورُّك في الرابعة، برقم (963).

وأما أحمد بن حنبل فقد رواه في المسند (5/ 424)، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الحميد بن جعفر به.

• أخرجه من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد:

البخاري في رفع اليدين (22)، وأبو داود (730 و 963)، والترمذي (305)، وابن ماجة (1061)، والدارمي (1/ 361/ 1356)، وابن خزيمة (1/ 298 و 317/ 588 و 625)، وابن حبان في صحيحه (5/ 183 و 196/ 1867 و 1876)، وفي كتاب الصلاة (14/ 84/ 17450 - إتحاف المهرة)، وابن الجارود (192 و 193)، والطحاوي (1/ 195 و 223 و 258)، وابن حزم في المحلى (4/ 91)، والبيهقي في السنن (2/ 24 و 72 و 118 و 123 و 129 و 137)، وفي المعرفة (1/ 545 و 546/ 770 و 771) و (2/ 25/ 875)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 252 و 253)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 52)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 13/ 556)، وعلقه ابن المنذر في الأوسط (3/ 164 / 1428).

هكذا رواه عن أبي عاصم النبيل: أحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن يحيى الذهلي، والحسن بن علي الخلال الحلواني، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن سعيد الدارمي [وهم ثقات حفاظ]، وعلي بن مسلم بن سعيد الطوسي، ومحمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي، وأبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي [وهم ثقات]، وغيرهم.

ص: 202

وفي رواية بندار: ويضع راحتيه على ركبتيه معتمدًا، وزاد بعد الرفع من الركوع: حتَّى يَقرَّ كلُّ عظمٍ إلى موضعه، وكذا في رواية الذهلي.

وفي رواية الدارمي والذهلي ورواية لبندار: ولا يُصَوِّب رأسه ولا يُقنع.

وفي رواية الذهلي: ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض مجافيًا يديه عن جنبيه، ثم يسجد، وظاهر هذه الرواية أن المجافاة إنما هي في حال الهوي للسجود، كما ترجم لها ابن خزيمة بقوله:"باب التجافي باليدين عند الإهواء إلى السجود"، وكذا ترجم لها ابن المنذر، وهذه الرواية بخلاف رواية الجماعة: ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه، والتي تدل على أن المجافاة إنما هي في حال السجود، لا في حال الهوي، لكن جاء في رواية الدارمي: ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يسجد، يعني: بعد أن يصل إلى الأرض يبدأ بالمجافاة قبل وضع رأسه على الأرض، إذ الفاء هنا للتعقيب والترتيب، وعلى ذلك يكون الوهم قد وقع في رواية الذهلي لما جعل المجافاة حالًا للهوي، لا فعلًا مترتبًا تاليًا للهوي، والله أعلم.

ورواية يحيى بن سعيد القطان تزيل هذا الإشكال واللبس الحاصل من هذه الرواية، ففي رواية القطان: ثم أهوى إلى الأرض ساجدًا، وقال:"الله أكبر"، ثم جافى عضديه عن إبطيه، وفتخ أصابع رجليه، ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، فجاء فيها بحرف العطف الدال على الترتيب والتراخي، وهذا يجعل القولًا بالمجافاة في حال الهوي قولًا فيه تعسف، ومخالفة لظاهر النص، هذا من وجه، ومن وجه آخر: فإن فتخ أصابع الرجلين إنما يكون في حال السجود، وهي قرينة تدل على المقصود، والله أعلم.

وجاء متابعًا له على هذا اللفظ، بل هو أكثر بيانًا: عبد الملك بن الصباح المسمعي، فقال في روايته: ثم يكبر ويسجد فيجافي جنبيه، ثم يرفع رأسه، وفي رواية أبي أسامة: ثم هوى إلى الأرض، فقال:"الله أكبر"، وسجد، وجافى عضديه عن جنبيه، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، ثم رفع رأسه، والله أعلم.

• وأخرجه من طريق يحيى بن سعيد القطان:

البخاري في رفع اليدين (20)، وأبو داود (730 و 963)، والترمذي (304)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 181 - 182/ 286)، والنسائي في المجتبى (2/ 211/ 1101) و (12/ 187/ 539) و (3/ 3/ 1181) و (3/ 262/ 134) مفرقًا، وفي الكبرى (1/ 324/ 631) و (1/ 692/ 349) و (2/ 31/ 1105) و (2/ 186/ 159) مفرقًا، وابن ماجة (862)، وابن خزيمة (1/ 297 و 327 و 341 و 347/ 587 و 651 و 685 و 700)، وابن حبان في صحيحه (5/ 178/ 1865)، وفي كتاب الصلاة (14/ 84/ 17450 - إتحاف المهرة)، وأحمد (5/ 424)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (3/ 292)، والبزار (9/ 162/ 3711)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 155/ 1403) و (3/ 171 / 1446) و (3/ 198/ 1507) و (3/ 204/ 1514)، والطحاوي (1/ 228) [وانظر: الإتحاف

ص: 203

(14/ 82/ 17450)]، والبيهقي في المعرفة (5/ 541 و 563/ 770 و 795)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 253)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 11 / 555)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 256 و 257)، وابن الجوزي في التحقيق (504).

هكذا رواه عن يحيى بن سعيد: مسدد بن مسرهد، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ويحيى بن حكيم المقوم، وعبيد الله بن عمر القواريري [وهم ثقات حفاظ]، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي [وهو: ثقة].

ولفظ أحمد: سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهم: أبو قتادة بن ربعي، يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا له: ما كنت أقدمَنا صحبةَ، ولا أكثرَنا له تَباعةً [وفي رواية بندار ومحمد بن المثنى: إتيانًا]، قال: بلى [وفي رواية مسدد: بل راقبته]، قالوا: فاعرِض، قال: كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتَّى حاذى بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال:"الله أكبر"، فركع، ثم اعتدل فلم يصُبُّ [وفي رواية بندار ومحمد بن المثنى: فلم يُصوِّب، رأسه [وفي رواية الفلاس: ثم يعتدل في صلبه، ولم ينصب رأسه]، ولم يُقْنِعْه، ووضع يديه على ركبتيه، ثم قال:"سمع الله لمن حمده"، ثم رفع [وفي رواية بندار ومحمد بن المثنى: يديه، [وفي رواية الفلاس: ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه]، واعتدل حتَّى رجع كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم هوى ساجدًا [وفي رواية بندار ومحمد بن المثنى: ثم أهوى إلى الأرض ساجدًا]، وقال:"الله أكبر"، ثم جافى، وفتح عضديه عن بطنه [كذا في رواية أحمد وحده]، وفتخ أصابع رجليه [وفي رواية بندار ومحمد بن المثنى وابن المديني ويحيى بن حكيم: ثم جافى عضديه عن ابطبه، وفتخ أصابع رجليه] [وفي رواية الفلاس: ثم سجد، واستقبل بأطراف رجليه القبلة]، ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه [معتدلًا]، ثم [أ] هوى ساجدًا، وقال:"الله أكبر"، ثم ثنى رجله وقعد عليها [واعتدل] حتَّى يرجع كل عضوٍ إلى موضعه، ثم نهض فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتَّى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتَّى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك حتَّى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة [وفي لفظ لبندار: إذا كان في الركعتين اللتين تنقضي فيهما الصلاة] أخَّر رجله اليسرى، وقعد على شقِّه متورِّكًا، ثم سلم.

• ذكر الخلال، عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي، قال: سئل أحمد بن حنبل عن حديث أبي حميد الساعدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع الأيدي؟ فقال:"صحيح"[الفتح لابن رجب (4/ 310)].

وصححه البخاري في جزء رفع اليدين ضمن أحاديث، فقال (164): "هذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يخالف بعضها بعضًا، وليس فيها تضاد؛ لأنَّها في

ص: 204

مواطن مختلفة"، وقال في موضع آخر (170) فيما نقله عنه ابن حجر في الفتح (2/ 222): "ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة: من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم".

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وكذا نقله الطوسي، والبغوي، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 259)، وابن قدامة في المغني (1/ 274)، وغيرهم.

قال: "ومعنى وقوله: ورفع يديه إذا قام من السجدتين؛ يعني: إذا قام من الركعتين".

قال البغوي: "قلت: وهذا صحيح؛ لأنَّه لم يقل أحد من أهل العلم نعلمه أنَّه يرفع يديه إذا قام من السجدتين في وتر من صلاته".

وقال البزار بعد أن رواه من طريق عبد الحميد بن جعفر وفليح بن سليمان: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي حميد بأحسن من هذين الإسنادين".

واحتج ابن المنذر بحديث أبي حميد هذا مع حديث ابن عمر وعلي بن أبي طالب في ثبوت رفع اليدين في هذه المواضع، على من احتج بحديث ابن مسعود في عدم الرفع (3/ 150)، كما احتج به وبحديث علي بن أبي طالب في ثبوت رفع اليدين عند القيام من الركعتين، على من احتج بحديث ابن عمر على أنَّه خالٍ من هذه الزيادة (3/ 201).

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 167): "حديث صحيح".

وقال ابن القيم في تهذيب السنن (2/ 295): "حديث أبي حميد هذا: حديث صحيح، مُتَلقَّى بالقبول، لا علة له، وقد أعله قوم بما برأه الله وأئمة الحديث منه".

وقال الطحاوي في الشرح (1/ 227): "وأما حديث عبد الحميد بن جعفر؛ فإنهم يُضَعِّفون عبد الحميد، فلا يقيمون به حجة، فكيف يحتجون به في مثل هذا.

ومع ذلك فإن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع ذلك الحديث من أبي حميد، ولا ممن ذُكر معه في ذلك الحديث، بينهما رجل مجهول؛ قد ذكر ذلك العظاف بن خالد عنه عن رجل، وأنا ذاكر ذلك في باب الجلوس في الصلاة إن شاء الله تعالى.

وحديث أبي عاصم عن عبد الحميد هذا ففيه: فقالوا جميعًا: صدقت، فليس يقول ذلك أحد غير أبي عاصم".

قلت: كلام الطحاوي هذا مردود بتصحيح كبار أئمة هذا الشأن وغيرهم لهذا الحديث، مثل: أحمد والبخاري والترمذي وابن المنذر وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والخطابي والبيهقي وغيرهم.

وأما ما نقله من تضعيفهم لعبد الحميد بن جعفر؛ فإنه غير مقبول؛ فإن أكثر الأئمة على توثيقه، فقد وثقه في الجملة: يحيى بن سعيد القطان، وروى عنه هذا الحديث، وأحمد، وابن معين، وابن المديني، وابن نمير، وأبو حاتم، والنسائي [في رواية]،

ص: 205

ويعقوب بن سفيان، وابن سعد، وابن حبان، واحتج به مسلم في صحيحه، وأكثر عنه في المتابعات، وعلق له البخاري في الصحيح، وصحح له الترمذي أحاديث هذا منها [الجامع (318 و 1127)]، والنسائي مع كونه لينه في ضعفائه، ومع شدة انتقائه للرجال: فقد خرج له في سننه الصغرى في مواضع، واحتج به، وبحديثه هذا، وفرقه أحاديث، واحتج به في الأبواب العديدة، وصحح له أيضًا: أبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم.

وضعفه الثوري لأجل القدر والخروج، ولينه النسائي [في كتابه الضعفاء (417)]، وأكثر ما نُقِم عليه: القدر، وخروجه مع محمد بن عبد الله بن حسن، ومثل هذا لا يكون سببًا في رد حديث الراوي، وإنما العبرة بصدقه وضبطه، وأما ما نقله ابن معين من تضعيف يحيى بن سعيد القطان له؛ فلا أظنه يثبت عن القطان، وإن نقله عنه ابن معين؛ فإن المعروف عن القطان توثيق عبد الحميد، وأنه كان ينقل تضعيفه عن الثوري، وينكره عليه، بل إن ابن معين هو الَّذي نقل عن القطان أنَّه كان يوثق عبد الحميد، من رواية ابن أبي خيثمة عنه، والعقيلي لما أورده في الضعفاء لم يورد له حديثًا واحدًا ينكره عليه، وأما ابن عدي فإنه أورده في كامله، وذكر له أحاديث، وما يُنكر منها ليست التبعة فيها على عبد الحميد، ولكن على من روى عنه، مثل: مُعلَّى بن عبد الرحمن الواسطي، وهو: متهم بالوضع، ومثل: علي بن ثابت الجزري، وهو: صدوق، ولا يؤمَن أن يكون الوهم منه، أو ممن هو دونه، وقد رواه أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد مرسلًا، وهو الأشبه، كما قال الدارقطني في العلل (15/ 184/ 3936)، وعليه فإن قول ابن عدي فيه:"ولعبد الحميد غير ما ذكرت روايات، وأرجو أنَّه لا بأس به، وهو ممن يكتب حديثه"، فيه الحطُّ من شأن عبد الحميد، وإنما العمل على قول جمهور الأئمة الذين وثقوه، لذا رمز له الذهبي في أول ترجمته من الميزان بقوله:"صح "؛ أي: أن العمل على توثيقه [كما قال ابن الملقن وابن حجر. البدر المنير (1/ 608)، اللسان (1/ 200) و (2/ 528)]، وقال الذهبي أيضًا في السير:"قد لُطِخ بالقدر جماعةٌ، وحديثهم في الصحيحين أو أحدهما؛ لأنهم موصوفون بالصدق والإتقان"، ثم قال:"احتج به الجماعة سوى البخاري، وهو حسن الحديث"، والله أعلم [تاريخ ابن معين للدارمي (263 و 610)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 165 و 190/ 718 و 853) و (4/ 197/ 3931)، تاريخ ابن أبي خيثمة (2/ 337/ 3244 - 3250)، تاريخ أسماء الثقات (910)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 489/ 3223) و (3/ 153/ 4678)، سؤالات أبي داود (193)، سؤالات ابن أبي شيبة (105)، التاريخ الكبير (6/ 51)، سؤالات الآجري (1)، المعرفة والتاريخ (1/ 427) و (2/ 458)، ضعفاء العقيلي (3/ 43)، الجرح والتعديل (1/ 82) و (6/ 10)، علل الحديث لابن أبي حاتم (1140)، صحيح ابن حبان (5/ 184/ 1867)، الثقات (7/ 122)، علل الدارقطني (4/ 421/ 669) و (6/ 139/ 1031) و (10/ 364/ 2053) و (11/ 73/ 2132)، الميزان (2/ 539)، السير (7/ 20)، التهذيب (2/ 474)].

ص: 206

والطحاوي نفسه مع ما قاله في عبد الحميد؛ فإنه لم يستغن عن حديثه احتجاجًا، أو استشهادًا في كتابه هذا، فكيف يستقيم قوله وفعله فيه [شرح المعاني (1/ 297 و 343) و (2/ 69) و (3/ 182 و 219) و (1/ 204 و 232 و 248 و 300 و 342 و 372)]، وقد تبع ابنُ القطان الطحاويَّ على ذلك [بيان الوهم (2/ 462/ 462)]، ومع ذلك فقد وثقه في موضع آخر [بيان الوهم (3/ 514/ 1287)]، وتكلم عليه في مواضع.

والحاصل: فإن عبد الحميد بن جعفر: صدوق، وله أوهام، لكنه لا ينزل عن رتبة أهل الصدق والأمانة في الرواية، فهو حسن الحديث، ممن يحتج به إذا انفرد، ولم يخالف الثقات في مروياتهم.

وأما دعوى الطحاوي بأن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع ذلك الحديث من أبي حميد؛ فدعوى ضعيفة؛ قام الدليل على خلافها، فقد صرح البخاري بسماع ابن عطاء من أبي حميد، فقال في التاريخ الكبير (1/ 189):"محمد بن عمرو بن عطاء بن عباس بن علقمة العامري القرشي المديني: سمع أبا حميد الساعدي، وأبا قتادة، وابن عباس، روى عنه: عبد الحميد بن جعفر، وموسى بن عقبة، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، والزهري".

وقد ثبت سماع ابن عطاء لهذا الحديث من أبي حميد في رواية عبد الحميد بن جعفر، وفي رواية محمد بن عمرو بن حلحلة الآتية، وسيأتي لهذا مزيد كان، والله أعلم.

وأما دعوى الطحاوي بأن أبا عاصم لم يتابع على قوله في هذا الحديث: "فقالوا جميعًا: صدقت"، فدعوى ساقطة؛ فقد صح من رواية فليح الآتية برقم (734):"فقال القوم كلهم: هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وكذا من رواية ابن إسحاق:"فقالوا: أصبت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

• تابع أبا عاصم النبيل ويحيى بن سعيد القطان عليه:

أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، وعبد الملك بن الصباح المسمعي [ثقة]، وهشيم بن بشير [ثقة ثبت، ولفظه مختصر]:

وهذا لفظ المسمعي، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر المدني، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما كنت أقدمنا له صحبة، ولا أطولنا له تباعة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة [وفي رواية أبي أسامة: استقبل القبلة، ثم]، رفع يديه حتَّى يحاذي منكبيه، ثم كبر واعتدل قائمًا، حتَّى يقِرَّ كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يرفع يديه، ويكبر ويركع، فيضع راحتيه على ركبتيه، ولا يصُبُّ رأسه، ولا يُقْنِعه [وفي رواية أبي أسامة: ثم عدل صلبه، ولم يُصوِّب رأسه، ولم يُقنِعه]، ثم يقول:"سمع الله لمن حمده"، ويرفع يديه حتَّى يحاذي بهما منكبيه معتدلًا، حتَّى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يكبر ويسجد فيجافي جنبيه [وفي رواية أبي أسامة: ثم هوى إلى الأرض، فقال:"الله أكبر"، وسجد، وجافى عضديه عن جنبيه،

ص: 207

واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة]، ثم يرفع رأسه، فيثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، ويفتخ أصابع رجله اليمنى، [وفي رواية أبي أسامة: حتى رجع كل عظم إلى موضعه]، ثم يقوم فيصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم يقوم من السجدتين فيصنع مثل ما صنع حين افتتح الصلاة، [زاد في رواية أبي أسامة: حتَّى إذا كانت السجده التي تكون خاتمة الصلاة: رفع رأسه منهما، وأخَّر رجله، وقعد متورِّكًا على رجله صلى الله عليه وسلم].

أخرجه ابن ماجة (803)، وابن خزيمة (1/ 337/ 677)، وابن حبان في صحيحه (5/ 187/ 1870)، وفي كتاب الصلاة (14/ 84/ 17450 - إتحاف المهرة)، وابن أبي شيبة (1/ 213/ 2438)، والبزار (9/ 162/ 3710)، والطحاوي (1/ 228)، والبيهقي (2/ 116 و 137)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 256).

• قال يحيى بن سعيد القطان: "الفَتْخُ: أن يصنع هكذا، ونصب أصابعه ثم غمز موضع المفاصل منها إلى باطن الراحة"، قال أبو عبيد: "يعني: أنَّه كان يفعل ذلك بأصابع رجليه في السجود. وقال الأصمعي: أصل الفتح: اللين [غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 292)، الأوسط (3/ 172)].

وقال أبو عبيد في غريب الحديث (2/ 131): "لم يصوِّب رأسه، ولم يقنعه"، يقول: لم يرفعه حتَّى يكون أعلى من جسده، ولكن بين ذلك"، ثم قال: "فالإقناع: رفع الرأس وإشخاصه".

وقال أيضًا في فتخ أصابع الرجلين (3/ 294): "أنَّه كان ينصب قدميه في السجود نصبًا، ولولا نصبه إياهما لم يكن هناك فتخ، وكانت الأصابع منحنية".

وقال ابن فارس في معجم المقاييس (834): "فتح: الفاء والتاء والخاء أصل صحيح يدل على لِينٍ في شيء، فالفتح: لينٌ في جناح الطائر، وعُقاب فتخاء: إذا انكسر جناحها في طيرانها، وفتَخَ أصابع رجليه في جلوسه: إذا ليَّنها، وفي الحديث أنَّه كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، وفتخ أصابع رجليه،

".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 13): "قوله: "لم يصبَّ رأسه، ولم يقنع، يقال: صبى الرجل رأسه يصبيه: إذا خفضه جدًّا، أخذ من صبا: إذا مال إلى الصبا، ومنه قوله عز وجل:{أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف: 33]؛ أي: أمِل إليهن، قال الأزهري: الصواب فيه يصوِّب، ويقال: هو يصبئ مهموز، من قولهم: صبا الرجل عن دين قومه؛ أي: خرج، فهو صابئ.

وقوله: "ولم يقنع"؛ أي: لم يرفعه حتَّى يكون أعلى من جسده، والإقناع: رفع الرأس، ويقال أيضًا لمن خفض رأسه: قد أقنع رأسه، والحرف من الأضداد.

وقوله: "جافى عضديه عن إبطيه" أي: باعد بهما، والجفاء بين الناس: التباعد.

قوله: "وفتخ أصابع رجليه" أي: ليَّنها حتَّى تنثني فيوجهها نحو القبلة، والفتح: لين واسترسال في جناح الطائر، ومنه قيل للعقاب: فتخاء؛ لأنَّها إذا انحطت كسرت جناحها".

[وانظر: معالم السنن (1/ 169)، النهاية (3/ 408)].

***

ص: 208

731 -

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد -يعني: ابن أبي حبيب-، عن محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، عن محمد بن عمرو العامري، قال: كنت في مجلسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: فذكر بعض هذا الحديث، وقال: فإذا ركع أمكن كفَّيه من ركبتيه، وفرَّج بين أصابعه، ثم هَصَر ظهره غير مُقْنِعٍ رأسَه، ولا صافِحٍ بخدِّه.

وقال: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا كان في الرابعة أفضى بوَرِكه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدمَيه من ناحيةٍ واحدةٍ.

• حديث حسن لغيره، وهو مروي بالمعنى.

أعاده أبو داود في باب: مَن ذَكَر التورُّك في الرابعة، برقم (965).

ورواه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 84).

• ورواه من طريق قتيبة بن سعيد: الآجري في الأربعين (18)، قال: أخبرنا الفريابي، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد به.

ولفظه: إذا قام إلى الصلاة أكبر، ثم قرأ، فإذا ركع أَمْكَنَ كَفَّيْه من ركبتيه، وفرَّج بين أصابعه، ثم هصر ظهره، غيرَ مُقْنِعٍ رأسَه ولا صافحٍ، فإذا رفع رأسه اعتدل قائمًا حتى يعود كلُّ عُضوٍ منه مكانه، فإذا سجد أمكن الأرض من جبهته وأنفه وكفَّيه، ومن ركبتيه وصدور قدميه، ثم اطمأن ساجدًا، فإذا رفع رأسه اطمأن جالسًا، فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى، فإذا كانت الرابعة أفضى بوَرِكه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة.

قال الآجري: "يعني "غير مقنع": لا يرفع رأسه في ركوعه على ظهره، "ولا صافحٍ": لا يُصَوِّبُهُ، ولكن يمُدُّ ظهره ورأسه فيكون مستويا كُلَّه".

• ورواه عبد الله بن وهب، قال: وأخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحارث [الحضرمي: مصري ثقة]، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه [يعني: نحو حديث ابن وهب عن الليث، كما غير أنَّه لم يقل: فقالوا جميعًا: صدقتَ.

أخرجه الطحاوي (1/ 258)[وانظر: الإتحاف (14/ 83/ 17450)].

هكذا رواه الطحاوي عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه ابن وهب به، فأسقط من إسناده: ابن حلحلة.

وابن أخي عبد الله بن وهب: أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدث بما لا أصل له، حتَّى رمي بالكذب، وقد أنكروا عليه أحاديث تفرد بها عن عمه، ولا أصل لها، حتَّى اتهمه أبو زرعة بالوضع [التهذيب (1/ 81)، إكمال

ص: 209

التهذيب (1/ 75)، الميزان (1/ 113)، ضعفاء النسائي (71)، سؤالات البرذعي (2/ 711 و 712)، المجروحين (1/ 149)، المدخل إلى الصحيح (4/ 130)، [انظر: ما تقدم برقم (148 و 714)].

والمعروف عن ابن وهب: ما رواه بحر بن نصر [الخولاني مولاهم، المصري: ثقة]، قال: قرئ على ابن وهب: أخبرك ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحارث، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى، فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة.

أخرجه ابن وهب في الجامع (398)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 128).

• ورواه مقدام بن داود: ثنا وهب بن المبارك [ليس بالمشهور، روى عنه سعيد بن منصور، ويونس بن عبد الأعلى، وذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (1/ 154)]: ثنا ابن لهيعة، قال مقدام: وثنا أبو الأسود [النضر بن عبد الجبار: ثقة]: ثنا الليث بن سعد، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: كنت في مجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكروا صلاته، فقال أبو حميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من همتي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر، ثم قرأ، فإذا ركع كبر، ووضع كفيه على ركبتيه، وفرَّج بين أصابعه، ثم هصر ظهره، غير مقنع رأسه، ولا صافحًا بخده، فإذا رفع قائمًا قام حتَّى يعود كل عضو إلى مكانه، فإذا سجد أمكن الأرض بكفيه وركبتيه وصدور قدميه، ثم اطمأن ساجدًا، فإذا رفع رأسه اطمأن جالسًا، فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى، فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة.

أخرجه البيهقي في السنن (2/ 102)، وفي بيان من أخطأ على الشافعي (159).

والمقدام بن داود الرعيني: ضعيف [راجع ترجمته تحت الحديث المتقدم برقم (236)، وبرقم (728)، طريق رقم (14)]، وقد توبع على هذه الرواية، فقد رواه عن ابن لهيعة: قتيبة بن سعيد، وعبد الله بن وهب، ورواه عن الليث بن سعد: عبد الله بن وهب، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن صالح [ويأتي ذكره في الحديث الآتي].

وهذا اللفظ لابن لهيعة، وسيأتي لفظ الليث بن سعد في الحديث الآتي.

وابن لهيعة ضعيف؛ وقد تفرد في هذا الحديث ببعض الألفاظ، مثل:"وفرَّج بين أصابعه"، "ولا صافحٍ بخده"، "قعد على بطن قدمه اليسرى"، "وأخرج قدميه من ناحية واحدة"، وغير ذلك، ومعناها صحيح، وثابت من وجوه أُخَرَ: من حديث يزيد بن أبي حبيب، ثم من حديث محمد بن عمرو بن عطاء، ثم من حديث أبي حميد، لكن بلفظ

ص: 210

مغاير، فأما التفريج بين الأصابع في الركوع، فهو مأخوذ من معنى قوله:"أمكن يديه من ركبتيه" في رواية الليث، ومن قوله:"ووضع يديه على ركبتيه، كأنه قابضٌ عليهما" في رواية فليح؛ فإن تمكين اليدين من الركبتين والقبض عليهما يلزم منه تفريج الأصابع.

وأما قوله: "ولا صافحٍ بخده"، فهو معنى قوله:"فلم يُصَوِّب رأسه"؛ أي: لم يخفضه.

وكذلك تعيين الباطن من القدم اليسرى، في حال الافتراش؛ فإنه ظاهر من السياق.

وأما إخراج القدمين من ناحية واحدة، فإنه صحيح إذ انظرنا إليه من جهة المعنى على أن القدمين يكونان في الجهة اليمنى، لا على أنَّه لا ينصب اليمنى، والله أعلم.

وعلى هذا فإن هذه الألفاظ التي أتى بها ابن لهيعة قد رواها بالمعنى، ولم يخالف الثقات فيما رووه، ولم ينفرد بشيء دونهم، فهو حديث حسن لغيره، لا سيما وقد رواه عن ابن لهيعة: ابن وهب [وهو قديم السماع من ابن لهيعة، وكان يتتبع أصوله، يكتب منها]، وقتيبة بن سعيد [كان يكتب حديث ابن لهيعة من كتب ابن وهب، ثم يسمعه من ابن لهيعة]، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار [وكان راويته]، والله أعلم [انظر: الميزان (2/ 475)، السير (8/ 11)، التهذيب (2/ 411)].

***

732 -

. . . الليث بن سعد، عن يزيد بن محمد القرشي، ويزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، نحو هذا، قال: فإذا سجد وضع يديه غيرَ مفترِشٍ ولا قابِضِهما، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة.

• حديث صحيح.

أعاده أبو داود في باب: مَن ذَكَر التورُّك في الرابعة، برقم (964).

وأخرجه البخاري (828)، وابن خزيمة (1/ 324/ 643)، وابن حبان (5/ 186/ 1869)، والطحاوي (1/ 258)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (69)، وابن حزم في المحلى (4/ 126)، والبيهقي في السنن (2/ 84 و 97 و 102 و 116 و 127)، وفي المعرفة (2/ 24 و 25/ 873 و 874)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 253)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 14/ 557)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 258)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 357)[وفي سنده تصحيف].

هكذا رواه عن الليث بن سعد: عبد الله بن وهب، ويحيى بن بكير، وأبو صالح عبد الله بن صالح [ووقع في روايته عند ابن عبد البر: محمد بن عمرو بن طلحة، وإنما هو: ابن حلحلة]، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار [من رواية المقدام بن داود الرعيني عنه، وقد قرن الليث في الإسناد بابن لهيعة، ولم يذكر يزيد بن محمد القرشي، والمقدام:

ص: 211

ضعيف. راجع ترجمته تحت الحديث المتقدم برقم (236)، وبرقم (728)].

رواه أبو داود وابن خزيمة والطحاوي من طريق ابن وهب [وعنه: عيسى بن إبراهيم الغافقي المصري، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب].

ورواه البخاري عن يحيى بن بكير، وهذا لفظه مقرونًا بحديث سعيد بن أبي هلال: عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنَّه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظَكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتَّى يعود كل فَقَارٍ مكانَه، فإذا سجد وضع يديه غيرَ مُفترِشٍ ولا قابِضِهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجلِه اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدَّم رجلًاه اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته.

ورواه ابن خزيمة من طريق ابن وهب بمثل لفظ ابن بكير.

ورواه من طريق ابن بكير أيضًا: ابن حبان والبيهقي.

قال البخاري: "وسمع الليثُ يزيدَ بنَ أبي حبيب، ويزيدُ من محمدِ بن حلحلة، وابنُ حلحلة من ابنِ عطاء.

قال أبو صالح، عن الليث: كل فقار.

وقال ابن المبارك: عن يحيى بن أيوب، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن محمد بن عمرو حدثه: كلُّ فقار" [وانظر: تحفة الأشراف (8/ 409/ 11897 - ط دار الغرب)، وفيه: وقال أبو صالح عن الليث: كل فقار ظهره].

وقد علق البخاري منه أطرافًا في مواضع من صحيحه: في (8) كتاب الصلاة، (28) باب: فضل استقبال القبلة [قبل الحديث (1/ 39)]، وفي (10) كتاب الأذان، (85) باب: إلى أين يرفع يديه [قبل الحديث (738)]، وفي (118) باب: وضع الأكف على الركب في الركوع [قبل الحديث (790)]، وفي (120) باب: استواء الظهر في الركوع، ولم يخرج في الباب حديثًا متصلًا سوى هذا التعليق، وفي (127) باب: الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع [قبل الحديث (800)]، وفي (131) باب: يستقبل بأطراف رجليه القبلة، ولم يخرح في الباب حديثًا متصلًا سوى هذا التعليق، ثم أخرجه متصلًا تامًّا في (145) باب: سُنة الجلوس في التشهد، (828).

قال البيهقي متممًا كلام البخاري على هذا الحديث: "وقد أخبر ابن عطاء أنَّه كان جالسًا مع نفرٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فصح بذلك وصل الحديث، وصحته"[المعرفة (2/ 25)].

• ورواه الليث بن سعد أيضًا، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء به.

ص: 212

أخرجه البخاري (828)، ومن طريقه: البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 14/ 557)، وقال:"هذا حديث صحيح".

رواه عن الليث به هكذا: يحيى بن بكير.

[وانظر في الأباطيل عن ابن حلحلة: الأم (1/ 116)، مسند الشافعي (41)، كان من أخطأ على الشافعي (157)].

• قال البغوي: "قوله: "هصر ظهره" أي: ثناه ثنيًا شديدًا في استواء بين رقبته وظهره، والهصر: مبالغة الثني للشيء الَّذي فيه لين، حتَّى ينثني كالغصن الرطب من غير أن يبلغ الكسر والإبانة"، وقال ابن حجر في الفتح (2/ 308):"ثناه في استواء، من غير تقويس"[وانظر: معالم السنن (1/ 169)، جامع الأصول (5/ 419)].

• وأما رواية يحيى بن أيوب التي علقها البخاري، فقد وصلها:

ابن خزيمة (1/ 327/ 652).

قال: حدثنا أبو زهير عبد المجيد بن إبراهيم المصري: حدثنا شعيب -يعني: ابن يحيى التجيبي-: ثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، أن محمد بن عمرو بن حلحلة، حدثه عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنَّه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، فإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتَّى يعود كل فقار منه مكانه، وإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأصابع رجليه القبلة.

وهذا إسناد مصري حسن، إلى ابن حلحلة، ويحيى بن أيوب هو: الغافقي المصري، وشيخ ابن خزيمة هو الدمياطي، روى عنه ابن خزيمة، وابن جوصاء، والروياني [فتح الباب (3002)، المقتنى (2381)]، وهو حديث صحيح.

• وروى خالد بن مخلد، قال: ثنا عبد السلام بن حفص، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، الدُّؤَلي، فذكر بإسناده مثله [يعني: بمثل رواية الليث وابن لهيعة].

أخرجه الطحاوي (1/ 259)، قال: حدثني أبو الحسين الأصبهاني، هو: محمد بن عبد الله بن مخلد، قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا خالد به.

وهذا إسناد غريب، عبد السلام بن حفص: مدني، صدوق، وله غرائب [التهذيب (2/ 575)، الميزان (2/ 615)، سؤالات ابن أبي شيبة (92)، الفتح لابن رجب (5/ 511)]، وخالد بن مخلد القطواني: ليس به بأس، وله مناكير، يؤخذ عنه حديثه عن أهل المدينة [التهذيب (1/ 531)، الميزان (1/ 640)، شرح علل الترمذي (2/ 775)]، وأبو الحسين الأصبهاني محمد بن عبد الله بن مخلد: صاحب الإمام الشافعي، ووراق الربيع بن سليمان، روى عنه جماعة، وقدم مصر، وحدث بها، ولم أقف على من تكلم فيه بجرح أو تعديل [ذكر أخبار أصبهان (2/ 229)، تاريخ دمشق (54/ 24)، المقفى الكبير (6/ 126)، طبقات الشافعية الكبرى (2/ 242)].

ص: 213

• هكذا روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء بلا واسطة بينه وببن أبي حميد الساعدي:

أ - عبد الحميد بن جعفر [مدني، صدوق، حسن الحديث]، قال: أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حُميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو قتادة، فذكره.

ب - محمد بن عمرو بن حلحلة [مدني، ثقة]، عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنَّه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي:

فذكره.

هكذا بذكر السماع في الرواية الأُولى، وفي الثانية أنَّه كان معهم في نفس المجلس.

• وخالفهما:

أ - عيسى بن عبد الله بن مالك، فرواه عن محمد بن عمرو بن عطاء، أحد بني مالك، عن عباس - أو: عياش - بن سهل الساعدي؛ أنَّه كان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجلس: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو أُسيد،

فذكره.

***

733 -

. . . أبو بدر: حدثني زهير أبو خيثمة: حدثنا الحسن بن الحر: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، أحد بني مالك، عن عباس - أو: عياش - بن سهل الساعدي؛ أنَّه كان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجلس: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو أُسيد، بهذا الخبر يزيد أو ينقص.

قال فيه: ثم رفع رأسه -يعني: من الركوع- فقال: "سمع الله لمن حمده، اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد"، ورفع يديه، ثم قال:"الله أكبر"، فسجد فانتصب على كفَّيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورَّك ونصب قدمَه الأخرى، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام ولم يتورَّك، ثم ساق الحديث.

قال: ثم جلس بعد الركعتين حتَّى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبيرةٍ، ثم ركع الركعتين الأُخريَين، ولم يذكر التورُّكَ في التشهد.

• حديث شاذ.

أعاده أبو داود في باب: مَن ذَكَر التورُّك في الرابعة، برقم (966).

وأخرجه ابن حبان (5/ 181/ 1866)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام

ص: 214

(2/ 108/ 240)، وأبو العباس السراج في مسنده (100 و 101)، في حديثه بانتقاء الشحامي (1926)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 260) و (4/ 354)[وفي سنده تصحيف]، وفي المشكل (15/ 352/ 6071 و 6072)، والطبراني في الكبير (6/ 129/ 5738)، والدارقطني في الأفراد (1/ 396/ 2142 - أطرافه)، وهلال الحفار في جزئه عن الحسين بن يحيى القطان (140 و 141)، والبيهقي (2/ 101 و 118)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 254)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 389).

هكذا رواه عن أبي بدر شجاع بن الوليد:

علي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر العامري، ويقال له: علي بن إشكاب، وهو لقب أبيه [صدوق] [رواه عنه به هكذا: أبو داود، وهو: ثقة حافظ إمام، والحسين بن يحيى بن عياش القطان، وهو ثقة، انظر: تاريخ بغداد (8/ 148)، وتذكرة الحفاظ (3/ 847)، والسير (15/ 319)، وخالفهما: نصر بن عمار البغدادي؛ أحد شيوخ الطحاوي، غير المشهورين. مغاني الأخيار (3/ 977)، فقال في روايته عند الطحاوي: عيسى بن عبد الرحمن بن مالك، وهو وهم].

وأبو همام الوليد بن شجاع الكوفي [ثقة][ولم يشك في إسناده، بل قال: عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، بغير شك][كذا في رواية ابن حبان، وفي مطبوعة الطحاوي تصحيف].

وأحمد بن عباد الفرغاني [المعروف بحمدون: ثقة، تكلم فيه أبو علي الحافظ. الجرح والتعديل (2/ 65)، الثقات (8/ 220)، تاريخ بغداد (4/ 271) و (8/ 177)، صحيح أبي عوانة (1/ 359 و 527)، اللسان (3/ 285)].

ولفظه بتمامه من طريق أبي همام الوليد بن شجاع، قال: حدثنا أبي، قال: ثنا أبو خيثمة، قال: ثنا الحسن بن الحر، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء - أحد بني مالك [وقد تصحفت في بعض المصادر إلى: أخبرني مالك، أو: حدثني مالك، وهو تصحيف قديم،]-، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، أنَّه كان في مجلس كان فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجلس: أبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي، من الأنصار، وأنهم تذاكروا الصلاة، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، [وفي رواية: فقالوا: وكيف؟ فقال: اتبعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم]، قالوا: فأرنا، قال: فقام يصلي وهم ينظرون، فبدأ يكبر ورفع يديه حذاء المنكبين، ثم كبر للركوع، فرفع يديه أيضًا، ثم أمكن يديه من ركبتيه، غير مُقنِع ولا مُصوِّب، ثم رفع رأسه، وقال: سمع الله لمن حمده، اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ثم رفع يديه، ثم قال: الله أكبر، فسجد، فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس وتورَّك إحدى رجليه، ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد الأخرى، فكبر فقام، ولم يتورَّك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى، وكبر كذلك، ثم جلس بعد الركعتين، حتى إذا هو أراد أن ينهض

ص: 215

للقيام أكبر، ثم ركع الركعتين الأخريين، فلما سلم سلم عن يمينه: سلام عليكم ورحمة الله، وسلم عن شماله: سلام عليكم ورحمة الله.

قال الحسن بن الحر: وحدثني عيسى، أن مما حدثه أيضًا في المجلس في التشهد: أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ثم يشير في الدعاء بإصبع واحدة.

قال الدارقطني: "تفرد به زهير عن الحسن، ولم أره إلا عند أبي بدر شجاع بن الوليد عنه".

وقال البيهقي: "والصحيح: أن محمد بن عمرو بن عطاء قد شهده من أبي حميد الساعدي"[وانظر: تحفة الأشراف (8/ 405/ 11892 - دار الغرب)].

قلت: وهو كما قال، وإسناده حسن إلى عيسى، وأبو خيثمة هو زهير بن معاوية الجعفي، لكن أين عيسى بن عبد الله بن مالك الدار هذا من ابن حلحلة وعبد الحميد بن جعفر، فهما أوثق منه، وأضبط وأحفظ، وأشهر بالطلب، وأكثر روايةً وحديثًا منه، فابن مالك الدار وإن ذكره ابن حبان في الثقات، فقد قال فيه ابن المديني:"مجهول؛ لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق".

قلت: وإن روى عنه غير ابن إسحاق فلم يزل غير مشهور بالطلب، قليل الحديث، وقد اختلف في اسمه، لذا قال فيه ابن القطان الفاسي:"وحاله مجهولة"، وقد اختلف عليه في هذا الحديث، فرُوي عنه بإسقاط محمد بن عمرو بن عطاء من الإسناد، حيث رواه عن العباس بلا واسطة، وشك في اسم العباس بن سهل، أهو عباس، أم عياش؟ وزاد في متنه ما ليس منه، مثل التورُّك بين السجدتين، وذكر أبي هريرة في المجلس الَّذي ضم عشرة من الصحابة، ونفى جلسة الاستراحة، ولم يذكر التورُّك في موضعه الصحيح، في التشهد الأخير، ولم يذكر الفرق بين جلستي التشهد الأوسط والأخير، وغير ذلك، وكل هذا مما يؤكد عدم ضبطه لهذا الحديث سندًا ومتنًا [انظر: التهذيب (3/ 360)، التاريخ الكبير (6/ 389)، الجرح والتعديل (6/ 280)، الثقات (7/ 231)، بيان الوهم (5/ 25/ 2262)، ذيل الميزان (610)].

وفي المقابل فلم يقع مثل هذا في رواية ابن حلحلة وعبد الحميد، مع تقدمهما في الحفظ والضبط والشهرة على ابن مالك الدار، فلا شك أن رواية الأحفظ، والذي لم يختلف عليه، ولم يشك: أولى، والله أعلم.

قال ابن عساكر: "هكذا رواه الحسن بن الحر عن عيسى بن عبد الله بن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب، وخالفه عتبة بن أبي حكيم، فرواه عن عيسى عن العباس نفسه، لم يذكر محمد بن عمرو.

ورواه عبد الحميد بن جعفر ومحمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، وأسقطا العباس من إسناده".

وقال الذهبي في تهذيب سنن البيهقي (1/ 521 / 2255) بعد أن ذكر الاختلاف: "والأول أصح"؛ يعني: حديث عبد الحميد وابن حلحلة.

ص: 216

• وممن ذكر أيضًا واسطةً بين محمد بن عمرو بن عطاء وبين أبي حميد:

ب - العطاف بن خالد [ليس به بأس، أعرض عنه صاحبا الصحيح، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها. التهذيب (3/ 112)، الميزان (3/ 69)، وانظر في أوهامه: الحديث المتقدم برقم (581 و 656)]، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال: حدثني رجل؛ أنَّه وجد عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلوسًا، فذكر نحو حديث أبي عاصم سواء.

أخرجه الطحاوي (1/ 259).

قال: فإذا فهد [ابن سليمان:] ويحيى بن عثمان [هو: ابن صالح:]، قد حدثانا، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، -زاد يحيى: وسعيد بن أبي مريم-، قالا: حدثنا عطاف بن خالد به [وقد صححت إسناده من إتحاف المهرة (14/ 83/ 17450)].

قال أبو جعفر: "فقد فسد بما ذكرنا حديث أبي حميد؛ لأنَّه صار عن محمد بن عمرو عن رجل، وأهل الإسناد لا يحتجون بمثل هذا، فإن ذكروا في ذلك ضَعف العطاف بن خالد، قيل لهم: وأنتم أيضًا تضعِّفون عبد الحميد أكثر من تضعيفِكم للعطاف، مع أنكم لا تطرحون حديث العطاف كلُّه، إنما تزعمون أن حديثه في القديم صحيح كلُّه، وأن حديثه بآخره قد دخله شيء، هكذا قال يحيى بن معين في كتابه، فأبو صالح سماعه من العطاف قديم جدًّا، فقد دخل ذلك فيما صححه يحيى من حديثه، مع أن محمد بن عمرو بن عطاء لا يحتمل مثل هذا، وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعًا لمحمد بن عمرو من أبي حميد إلا عبد الحميد، وهو عندكم أضعف، ولكن الَّذي روى حديث أبي حميد ووصله لم يفصِّل حكم الجلوس كما فصَّله عبد الحميد".

وقال أيضًا (1/ 261): "فهذا أصل حديث أبي حميد هذا، ليس فيه ذكر القعود؛ إلا على مثل ما في حديث وائل، والذي رواه محمد بن عمرو فغير معروف ولا متصل عندنا عن أبي حميد؛ لأنَّ في حديثه أنَّه حضر أبا حميد وأبا قتادة، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنَّه قُتل مع علي رضي الله عنهما، وصلى عليه علي رضي الله عنه، فأين سن محمد بن عمرو بن عطاء من هذا".

وقال قبل ذلك (1/ 227): "أما حديث عبد الحميد بن جعفر؛ فإنهم يُضَعِّفون عبد الحميد، فلا يقيمون به حجة، فكيف يحتجون به في مثل هذا.

ومع ذلك فإن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع ذلك الحديث من أبي حميد، ولا ممن ذُكر معه في ذلك الحديث، بينهما رجل مجهول؛ قد ذكر ذلك العطَّاف بن خالد عنه عن رجل، وأنا ذاكر ذلك في باب الجلوس في الصلاة إن شاء الله تعالى.

وحديث أبي عاصم عن عبد الحميد هذا ففيه: فقالوا جميعًا: صدقت، فليس يقول ذلك أحد غير أبي عاصم".

قلت: لم أجد من فصَّل في شأن عطاف هذا التفصيل بين حديثه القديم والجديد، فلعله التبس على الطحاوي ببعض من اختلط في آخر عمره، ولم أجد من ذكر عطافًا فيمن

ص: 217

اختلط، وإنما الشأن في عطاف نفسه، فإنه كان ممن يروي المناكير، مع كونه صدوقًا في الأصل، ولذا حمل عليه مالك بن أَنس، وكلٌّ من ابن حلحلة وعبد الحميد على انفراده مقدَّم على عطاف عند الاختلاف، فكيف إذا اجتمعا على خلافه؟ ".

وتقدم نقد شيء من هذه المقالة تحت الحديث السابق برقم (730).

وقد نقل كلام الطحاوي في نقد هذا الحديث، وأقره عليه وزاد: ابن القطان في كان الوهم (2/ 462/ 462).

وردَّ عليه البيهقي دعواه، وأطال في ذلك النفَس، فكان مما قال: "وما ذَكَر من ضعف عبد الحميد بن جعفر؛ فمردود عليه؛ فإن يحيى بن معين قد وثقه في جميع الروايات عنه، وكذلك أحمد بن حنبل، واحتج به مسلم بن الحجاج في الصحيح.

وما ذكر من انقطاع الحديث فليس كذلك؛ قد حكم البخاري في التاريخ أنَّه سمع أبا حميد وأبا قتادة وابن عباس، واستشهاده على ذلك بوفاة أبي قتادة قبله خطأ؛ فإنه إنما رواه موسى بن عبد الله بن يزيد: أن عليًّا صلى على أبي قتادة، فكبر عليه سبعًا، وكان بدريًا، ورواه أيضًا الشعبي منقطعًا، وقال: فكبر عليه ستًّا، وهو غلط لإجماع أهل التواريخ على أن أبا قتادة الحارث بن ربعي بقي إلى سنة أربع وخمسين، وقيل: بعدها".

قلت: "موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي: لم يلق عائشة، وعدم إدراكه لعليٍّ من باب أولى، فهو منقطع أيضًا، وهذا فضلًا عن كون صورته مرسلًا، ثم وجدت أبا داود أخرج هذا الأثر في مسائله للأمام أحمد (1018) بإسناد صحيح إلى موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: أُخبرتُ أن عليًّا صلى على أبي قتادة، فكبر عليه سبعًا، فقطعت جهيزة قول كل خطيب.

وقد قال الخطيب في تاريخه: "قوله: وكان بدريًا: خطأ لا شبهة فيه؛ لأنَّ أبا قتادة لم يشهد بدرًا، ولا نعلم أهل المغازي اختلفوا في ذلك"، ثم نقل عن أهل التاريخ أن وفاة أبي قتادة كانت سنة أربع وخمسين؛ يعني: بعد وفاة عليٍّ بأَرْبعة عشر عامًا، وقال ابن القيم:"وقد خطَّأ الأئمةُ رواية موسى هذه، ومن تابعه، وقالوا: هي غلط"[المراسيل (810)، تحفة التحصيل (320)، تاريخ بغداد (1/ 161)، تاريخ دمشق (67/ 152)، تهذيب السنن (2/ 300)، التلخيص الحبير (2/ 120 / 766)، وما رجحه ابن حجر هو المرجوح].

ثم ساق البيهقي هذا القول في وفاة أبي قتادة عن الليث بن سعد، والترمذي، وابن منده، وذكر عن الواقدي نقله بأنه توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين، وهو ابن سبعين سنة، ثم قال:"والذي يدل على هذا: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن أبي قتادة، وعمرو بن سليم الزرقي، وعبد الله بن رباح الأنصاري، رووا عن أبي قتادة، وإنما حملوا العلم بعد أيام علي؛ فلم يثبت لهم عن أحد ممن توفي في أيام علي رضي الله عنهم سماع".

ص: 218

ثم أطال البيهقي في ذكر الشواهد الدالة على تأخر وفاة أبي قتادة، وأنه كان حيًّا بعد وفاة علي بن أبي طالب، إلى أن قال: "فكيف يجوز رد رواية أهل الثقة بمثل هذه الرواية الشاذة؟

ثم إن كان ذِكرُ أبي قتادة وقع وهمًا في رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، بتقديم موت أبي قتادة في زعم هذا الراوي، فالحجة قائمة عن أبي حميد الساعدي، ولا شك في سماعه منه، فمحمدُ بن عمرو بن حلحلة وافقَ عبد الحميد بن جعفر على روايته عن محمد بن عمرو بن عطاء، وإثبات سماعه من أبي حميد الساعدي في بعض هذه القصة، وهي في مسألة كيفية الجلوس في التشهد مذكورة".

قلت: لم ينفرد عبد الحميد بذكر أبي قتادة في هذا الحديث، فقد تابعه عليه: ابن إسحاق عن العباس بن سهل في صفة الصلاة عن أبي أسيد وأبي حميد وأبي قتادة، ويأتي.

قال البيهقي: "وأما إدخال من أدخل بين محمد بن عمرو بن عطاء وبين أبي حميد الساعدي رجلًا؛ فإنه لا يوهنه؛ لأنَّ الَّذي فعل ذلك رجلان؛ أحدهما: عطاف بن خالد، وكان مالك بن أَنس لا يحمده.

والآخر: عيسى بن عبد الله، وهو دون عبد الحميد بن جعفر في الشهرة والمعرفة، واختلف في اسمه، فقيل: عيسى بن عبد الله بن مالك، وقيل: عيسى بن عبد الرحمن، وقيل: عبد الله بن عيسى، ثم اختلف عليه في ذلك: فروى عن الحسن بن الحر، عن عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس - أو: عياش بن سهل -، عن أبي حميد.

وروي عن عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل الساعدي، عن أبي حميد، ليس فيه محمد بن عمرو، وروينا حديث أبي حميد عن فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد، وبيَّن فيه عبد الله بن المبارك عن فليح: سماع عيسى بن عبد الله من عباس بن سهل، مع سماع فليح من عباس، فذِكرُ محمد بن عمرو بن عطاء بينهما: وهم"،

، إلى أن قال:

"فالإعراض عنه وترك القول به، والاشتغال بتضعيف رواية عبد الحميد بن جعفر، بأمثال ما أشرنا إليه وأجبنا عنه: ليس من شأن من يريد متابعة السُّنَّة، وترك ما استحلاه من العبارة، وبالله التوفيق"، إلى أن قال:"وإنما حملني على بعض الاستقصاء في هذا: لأنَّ حديث أبي حميد يشتمل على سنن كثيرة، وقد ترك أكثرها هذا الشيخ الَّذي يدعي تسوية الأخبار على مذهبه، ليعلم أنَّه غير معذور فيما ترك من هذه السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الَّذي اعتذر به ليس بعذر، والله المستعان".

وقال أيضًا (2/ 26): "وقد أبطلنا في مسألة رفع اليدين دعوى من زعم في حديث محمد بن عمرو أنَّه منقطع؛ وكفاك بمحمد بن إسماعيل البخاري - منتقدًا للرواة، وعارفًا بصحة الأسانيد، وسقمها -، وقد صحح حديث محمد بن عمرو بن عطاء، وأودعه كتابه

ص: 219

الجامع وصحيح الأخبار [كذا، ولعلها: الجامع لصحيح الأخبار] كما ذكرناه، فلا حجة لأحد في ترك القول به".

وأطال أيضًا في الرد على كلام الطحاوي وابن القطان: ابن حزم في المحلى (4/ 127)، وابن القيم في تهذيب السنن (2/ 295 - 302)، ومغلطاي في شرح سنن ابن ماجة (4/ 1379 - 1382)، وابن رجب في الفتح (5/ 155)، وابن حجر في الفتح (7/ 302)، وغيرهم.

وكان من كلام ابن القيم في ذلك: "فردُّ الأحاديث الصحيحة بمثل هذه الخيالات الفاسدة مما يرغب عن مثله أئمة العلم، والله الموفق".

ثم قال: "وأما إدخال من أدخل بين محمد بن عمرو بن عطاء وبين أبي حميد الساعدي رجلًا؛ فإن ذلك لا يضر الحديث شيئًا؛ فإن الَّذي فعل ذلك رجلان: عطاف بن خالد، وعيسى بن عبد الله، فأما عطاف: فلم يرض أصحاب الصحيح إخراج حديثه، ولا هو ممن يعارض به الثقات الأثبات، قال مالك: ليس هو من جمال المحامل، وقد تابع عبد الحميد بن جعفر على روايته محمدُ بن عمرو بن حلحلة، كلاهما قال: عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد، ولا يقاوم عطاف بن خالد بهذين؛ حتَّى تقدَّم روايته على روايتهما.

وقوله: لم يصرح محمد بن عمرو بن حلحلة في حديثه بسماع ابن عطاء من أبي حميد؛ فكلام بارد، فإنه قد قال: سمع محمد بن عمرو بن عطاء أنَّه كان جالسًا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد، وقد قال: رأيت أبا حميد، ومرة: سمعت أبا حميد، فما هذا التكلف البارد! والتعنت الباطل! في انقطاع ما وصله الله؟

وأما حديث عيسى بن عبد الله: فقال البيهقي:

"، ثم ذكر كلامه، ثم قال: "وهذا - والله أعلم - من تخليط عيسى، أو من دونه".

وقال ابن رجب في الفتح (5/ 158): "ويجاب عن ذلك: بأن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي قد روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنَّه سمع أبا حميد يحدثه، فكيف يعارض ذلك برواية عطاف بن خالد عن محمد بن عمرو بن عطاء، وعطاف لا يقاوم ابن حلحلة ولا يقاربه.

وقد تابع ابن حلحلة على ذكر سماع ابن عمرو له من أبي حميد: عبد الحميد بن جعفر، وهو: ثقة جليل، مقدَّم على عطاف وأمثاله.

وأما رواية عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو: فعيسى ليس بذلك المشهور، فلا يقضى بروايته على رواية الثقات الأثبات؛ فإن رواية عيسى كثيرة الاضطراب، والأكثرون رووه عن عيسى عن عباس بغير واسطة، منهم: عتبة بن أبي حكيم، وفليح بن سليمان".

وقال أيضًا: "واختلف فيه عن الحسن بن الحر: فروي عنه عن عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء: أخبرني مالك [كذا وقع له، وإنما هو: أحد بني مالك]،

ص: 220

عن عباس - أو: عياش - بن سهل، أنَّه كان في مجلس فيه أبوه، ففي هذه الرواية بين محمد بن عمرو وبين أبي حميد: رجلان.

وقد خرجه البيهقي كذلك، ثم قال: روي أيضًا عن الحسن بن الحر، عن عيسى، عن محمد بن عمرو بن عطاء: حدثني مالك، عن عباس.

وقوله: عباس أو عياش يدل على عدم ضبطه لهذا الاسم، وإنما هو عباس بغير شك.

وفي حديث الحسن بن الحر وهمٌ في هذا الحديث، وهو أنَّه ذكر أنَّه تورَّك في جلوسه بين السجدتين دون التشهد، وهذا مما لا شك أنَّه خطأ، فتبيَّن أنَّه لم يحفظ متن هذا الحديث، ولا إسناده.

والصحيح في اسم هذا الرجل أنَّه: عيسى بن عبد الله بن مالك الدار، وجده مولى عمر بن الخطاب، ومن قال فيه: عبد الله بن عيسى، كما وقع في روايتين لأبي داود، فقد وهم.

وزعم الطبراني أنَّه: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو وهم أيضًا، وأما هو: عيسى بن عبد الله بن مالك الدار، قاله البخاري في تاريخه، وأبو حاتم الرازي وغيرهما من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين، وقال ابن المديني فيه: هو مجهول.

وحينئذ؛ فلا يعتمد على روايته مع كثرة اضطرابها، وتعلل بها روايات الحفاظ الأثبات.

فظهر بهذا: أن أصح روايات هذا الحديث: رواية ابن حلحلة عن محمد بن عمرو التي اعتمد عليها البخاري، ورواية عبد الحميد المتابعة لها، ورواية فليح وغيره عن عباس بن سهل، مع أن فليحًا ذكر أنَّه سمعه من عباس ولم يحفظه عنه، إنما حفظه عن عيسى عنه".

وبهذا النقول يتبين خطأ ما ذهب إليه الطحاوي، وأن الحديث صحيح، لا مرية في ذلك، وقد سبق أن قررت ذلك عند الحديث رقم (730)، واللّه الموفق.

وأما قول ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن الحديث الَّذي رواه عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع اليدين؟

فقال: رواه الحسن بن الحر، عن عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن العباس بن سهل بن سعد، عن أبي حميد الساعدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث عبد الحميد بن جعفر، والحديث أصله صحيح؛ لأنَّ فليح بن سليمان قد رواه عن العباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي.

قال أبي: فصار الحديث مرسلًا [العلل (1/ 162/ 461)].

وكذا جمع ابن حبان بين القولين، حيث قال في صحيحه (5/ 181): "سمع هذا

ص: 221

الخبر محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي، وسمعه من عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه، فالطريقان جميعًا محفوظان".

ثم قال بعد ذلك: "في أربع ركعات يصليها الإنسان ست مائة سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجناها بفصولها في كتاب صفة الصلاة، فأغنى ذلك عن نظمها في هذا النوع من هذا الكتاب"، ثم قال:"عبد الحميد رضي الله عنه أحد الثقات المتقنين، قد سبرت أخباره، فلم أره انفرد بحديث منكر لم يشارك فيه، وقد وافق فليحُ بن سليمان، وعيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد: عبد الحميد بنَ جعفر في هذا الخبر".

قلت: أما ما في قول أبي حاتم فقد تقدم بيانه واضحًا بأن حديث عبد الحميد لا يُعَلُّ بحديث ابن مالك، فإن عبد الحميد لم ينفرد به، بل تابعه عليه ابن حلحلة في إثبات السماع والاتصال، ونفيُ الإرسال عن هذا الحديث ظاهر، وأما رواية فليح وغيره - مما سيأتي - فإنها تعلُّ رواية ابن مالك، في كون حديث عباس بن سهل لا ذِكر فيه لمحمد بن عمرو بن عطاء، والله أعلم.

وأما قول ابن حبان في الجمع بين الطريقين فليس بجيد، وإنما يقال بأن ذِكر محمد بن عمرو بن عطاء في حديث عباس: وهم محض، والله أعلم.

وقد سبق أن نقلت أقوال الأئمة في تصحيح حديث أبي حميد، وأنه قد صححه: أحمد والبخاري والترمذي وابن المنذر وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والخطابي والبيهقي وغيرهم، والله أعلم.

***

734 -

. . . عبد الملك بن عمرو: أخبرني فُليح: حدثني عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حُميد، وأبو أُسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بعض هذا، قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابضٌ عليهما، ووَتَّر يديه فتَجافى عن جنبيه، قال: ثم سجد فأمكن أنفَه وجبهتَه، ونحَّى يديه عن جنبَيه، ووضع كفَّيه حَذْوَ منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه، حتَّى فرغ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصَدْر اليمنى على قِبلته، ووضع كفَّه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبَعِه.

• حديث صحيح.

أعاده أبو داود في باب: مَن ذَكَر التورُّك في الرابعة، برقم (967).

وأخرجه البخاري في رفع اليدين (23)، والترمذي (260 و 270 و 293)، وابن ماجة

ص: 222

863 -

، والدارمي (1/ 341/ 1307)، وابن خزيمة (1/ 323/ 640) و (1/ 343/ 689)، وابن حبان في صحيحه (5/ 189/ 1871)، وفي كتاب الصلاة (14/ 83 و 84/ 17450 - إتحاف المهرة)، والبزار (9/ 163 - 164/ 3712)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 190/ 296 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (102)، في حديثه بانتقاء الشحامي (1939)، والطحاوي (1/ 223 و 229 و 257 و 260)، والبيهقي في السنن (2/ 73 و 85 و 112 و 121 و 128)، وفي المعرفة (1/ 544/ 769) و (2/ 15/ 854)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 93 و 141 و 171/ 614 و 647 و 672).

رواه عن أبي عامر العقدي عبد الملك بن عمرو [ثقة]: أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمد المسندي، وبندار محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع، وإبراهيم بن مرزوق، ومحمد بن معمر، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي.

هكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، ولفظ المسندي عند البخاري في رفع اليدين: قام فكبر فرفع يديه، ثم رفع يديه حين كبر للركوع، ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه، وأخرج الترمذي وابن ماجة أطرافًا منه عن بندار، وفي لفظ له: ووَتَّر يديه فنحَّاهما عن جنبيه، ولفظه عند ابن ماجة: قام فكبر ورفع يديه، ثم رفع حين كبر للركوع، ثم قام فرفع يديه واستوى حتَّى رجع كل عظم إلى موضعه.

ولفظ إسحاق بن راهويه عند الدارمي: قام فكبر ورفع يديه، ثم رفع يديه حين كبر للركوع، ثم ركع ووضع يديه على ركبتيه، كأنه قابضٌ عليهما، ووَتَّر يديه فنحَّاهما عن جَنبَيه، ولم يُصَوِّبْ رأسَه، ولم يُقْنِعْهُ.

ولفظ بندار عن ابن حبان مطولًا بتمامه: فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر ورفع يديه، ثم رفع يديه حين كبر للركوع، ثم ركع، فوضع يديه على ركبتيه كالقابض عليهما، فوتَّر يديه فنحَّاهما عن جنببه، ولم يُصَوِّبْ رأسه ولم يقنعه، ثم قام فرفع يديه فاستوى حتَّى رجع كل عضو إلى موضعه، ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتَّى رجع كل عضو في موضعه حتَّى فرغ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بأصبعه السبابة.

قال الترمذي: "حديث أبي حميد: حديث حسن صحيح".

وقال البغوي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال البزار بعد أن رواه من طريق عبد الحميد بن جعفر وفليح بن سليمان: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي حميد بأحسن من هذين الإسنادين".

وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وكذا صححه البخاري في جملة ما صححه من حديث أبي حميد، وتقدم نقل كلامه عند الحديث رقم (730).

ص: 223

وفليح بن سليمان المدني: صدوق، كثير الخطأ، اعتمده البخاري في صحيحه، وروايته هنا عن مدني مثله، وقد توبع عليه.

• ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]: نا فليح بن سليمان: حدثني العباس بن سهل الساعدي، قال: اجتمع ناس من الأنصار فيهم: سهل بن سعد الساعدي، وأبو حميد الساعدي، وأبو أُسيد الساعدي، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: دعوني أحدثكم، وأنا أعلمكم بهذا، قالوا: فحدَّث، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الوضوء، ثم دخل الصلاة، وكبر فرفع يديه حذو منكبيه، ثم ركع، فوضع يديه على ركبتيه، كالقابض عليها، فلم يصُبَّ رأسه، ولم يقنعه، ونحَّى يديه عن جنبيه، ثم رفع رأسه، فاستوى قائمًا، حتَّى عاد كل عظم منه إلى موضعه، ثم سجد فأمكن جبهته وأنفه من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، ثم رفع رأسه،

ثم ذكر الحديث، وقال في آخره: فقال القوم كلهم: هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 298 و 308 و 322/ 589 و 608 و 637)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 191/ 297 - مسند ابن عباس).

• وتابعهما أيضًا: أحمد بن يزيد الحراني [ضعفه أبو حاتم، وقال ابن حبان في الثقات: "يُغرب"، وروى له البخاري متابعة. التهذيب (1/ 51)]: ثنا فليح به، وقال فيه: فأمكن كفيه من ركبتيه، كالقابض عليها، فلم يُقنِع رأسه، ولم يصوِّبه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه،

، ثم سجد فأمكن جبهته وأنفه من الأرض، ونحى مرفقيه عن جنبيه، وجعل يديه حذو منكبيه.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (3/ 154/ 1402) و (3/ 168/ 1437).

• هكذا رواه أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود، وأحمد بن يزيد الحراني.

ورواه ابن المبارك: حدثنا فليح: سمعت عباس بن سهل يحدث، فلم أحفظه، فحدَّثنيه، أراهُ ذكر عيسى بن عبد الله، أنَّه سمعه من عباس بن سهل، قال: حضرتُ أبا حميد الساعدي، [بهذا الحديث].

وصله البخاري في التاريخ الكبير (6/ 390)، وعلقه أبو داود بعد الحديث رقم (735).

وفي رواية ابن المبارك هذه ما يبين أن فليح بن سليمان كان قد سمعه أولًا من العباس بن سهل، ثم سمعه بعدُ من ابن مالك الدار عن العباس به، ولا يقدح هذا في رواية الجماعة عن فليح بشيء؛ بل تزيدها قوة، والله أعلم.

• ورواه محمد بن إسحاق [مدني، صدوق]، عن العباس بن سهل الساعدي، قال: كنت بالسوق مع أبي قتادة، وأبي أسيد، وأبي حميد، كلهم يقول: أنا أعلمكم بصلاة

ص: 224

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لأحدهم: صلِّ، فكبر ثم قرأ، ثم كبر ورفع، فقالوا: أصبت الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد: نا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذا سجد - العباس بن سهل بن سعد بن مالك بن ساعد، قال: جلست بسوق المدينة في الضحى مع أبي أسيد مالك بن ربيعة، ومع أبي حميد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما من رهطه من بني ساعدة، ومع أبي قتادة الحارث بن ربعي، فقال بعضهم لبعض - وأنا أسمع -: أنا أعلم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم منكما، كل يقولها لصاحبه، فقالوا لأحدهم: فقم فصلِّ بنا حتَّى ننظر أتصيب صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فقام أحدهما فاستقبل القبلة، ثم كبر، ثم قرأ بعض القرآن، ثم ركع، فأثبت يديه على ركبتيه حتَّى اطمأن كل عظم منه، ثم رفع رأسه فاعتدل حتَّى رجع كل عظم منه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم وقع ساجدًا على جبينه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه راجلًا بيديه، حتَّى رأيت بياض إبطيه ما تحت منكبيه، ثم ثبت حتَّى اطمأن كل عظم منه، ثم رفع رأسه فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه، حتَّى رجع كل عظم منه إلى موضعه، ثم عاد لمثل ذلك، قال: ثم قام فركع أخرى مثلها، قال: ثم سلم فأقبل على صاحبيه، فقال لهما: كيف رأيتما؟ فقالا له: أصبت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا كان يصلي.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (24)، قال: حدثنا عبيد بن يعيش: حدثنا يونس بن بكير: أخبرنا ابن إسحاق به. وابن خزيمة (1/ 339/ 681)، واللفظ له مطولًا.

وهذا إسناد مدني حسن.

وقد وهم فيه ابن إسحاق بقوله: "ثم رفع رأسه فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه"، وهذه صورة من صور الإقعاء، ولا يحفظ هذا من حديث أبي حميد، وإنما المحفوظ من حديث أبي حميد في الجلسة بين السجدتين: الافتراش، ففي حديث عبد الحميد بن جعفر في الجلسة بين السجدتين: ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، وفي رواية: فيثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، ويفتخ أصابع رجله اليمنى، والله أعلم.

وفيه أيضًا: ذكر صفة الصلاة بالفعل، والمحفوظ أنها بالقول، والله أعلم.

***

قال أبو داود: روى هذا الحديث عُتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل، لم يذكر التورُّكَ، وذكر نحو حديث فُليح، وذكر الحسن بن الحر نحو جِلْسة حديث فليح، وعتبة.

• يأتي تخريج حديث عتبة، وأما حديث الحسن بن الحر وفليح فقد تقدما.

ص: 225

735 -

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان: حدثنا بقية: حدثني عتبة: حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل الساعدي، عن أبي حميد، بهذا الحديث، قال: وإذا سجد فرَّج بين فخِذَيه، غيرَ حاملٍ بطنَه على شيءٍ من فخِذَيه.

• حديث شاذ بهذه الزيادة.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 115)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 255).

عمرو بن عثمان هو: ابن سعيد بن كثير الحمصي، وهو: صدوق حافظ.

وأخرجه من طريقه: الطبراني في مسند الشاميين (1/ 433/ 763)، ولفظه عنده: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثل ذلك، وإذا قال:"سمع الله لمن حمده" فعل مثل ذلك، وقال:"ربنا لك الحمد".

لكن أخطأ الطبراني حيث جعله: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإنما هو عيسى بن عبد الله بن مالك الدار، قلبه بقية.

قال البيهقي: "وكذلك رواه إسماعيل بن عياش عن عتبة؛ إلا أنَّه قال في إسناده: عيسى بن عبد الله، وهو الصحيح".

قلت: رواية بقية وهمٌ؛ حيث قلب اسم عيسى بن عبد الله، وهو ابن مالك الدار، فجعله: عبد الله بن عيسى، وقد أشار البيهقي إلى توهيم بقية في ذلك، قال ابن حبان في الثقات (7/ 272) في ترجمة عتبة:"يعتبر حديثه من غير رواية بقية بن الوليد عنه".

قلت: ورواه إسماعيل بن عياش [روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذه منها]، قال: ثنا عُتْبَة بن أبي حكيم، عن عيسى بن عبد الرحمن العدوي، عن العباس بن سهل، عن أبي حميد الساعدي؛ أنَّه كان يقول لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: من أين؟ قال: رقبت ذلك منه حتَّى حفظت صلاته، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذاء وجهه، فإذا كبر للركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع، قال:"سمع الله لمن حمده"، فعل مثل ذلك، فقال:"ربنا ولك الحمد"، وإذا سجد فرَّج بين فخذيه، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه، ولا مفترش ذراعيه، فإذا قعد للتشهد أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى على صدرها، ويتشهد.

أخرجه الطحاوي (1/ 196 و 260)، قال: حدثني أبو الحسين الأصبهاني، قال: ثنا هشام بن عمار، قال: ثنا إسماعيل به.

وأبو الحسين الأصبهاني محمد بن عبد الله بن مخلد: صاحب الإمام الشافعي، ووراق الربيع بن سليمان، روى عنه جماعة، وقدم مصر، وحدث بها، ولم أقف على من تكلم فيه بجرح أو تعديل [ذكر أخبار أصبهان (2/ 229)، تاريخ دمشق (54/ 24)، المقفى الكبير (6/ 126)، طبقات الشافعية الكبرى (2/ 242)].

ص: 226

• ورواه ابن المبارك عن عتبة بن أبي حكيم ببعضه.

أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة (14/ 84/ 17450 - إتحاف المهرة).

• قلت: عتبة بن أبي حكيم: فيه مقال لا ينزل بحديثه عن رتبة الحسن، إذا لم يتبين لنا خطؤه، ولم ينفرد بأصل وسُنَّة.

وقد ذكرت كلام الأئمة فيه في الحديث المتقدم برقم (44) فليراجع، وله ذكر تحت الحديث رقم (248).

وهو في هذا الحديث قد تفرد بقوله: "وإذا سجد فرَّج بين فخذيه، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه".

• هذا من جهة المتن، وأما من جهة الإسناد؛ فقد تابعه عليه فليح بن سليمان [وهو: صدوق، كثير الخطأ] حيث سمعه من العباس بن سهل، ثم سمعه من عيسى بن عبد الله، عن العباس به [تقدم تحت الحديث السابق].

هكذا بلا واسطة بين عيسى بن عبد الله، وبين العباس بن سهل.

خالفهما الحسن بن الحر بن الحكم الجعفي [وهو: ثقة نبيل]، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء - أحد بني مالك -، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، أنَّه كان في مجلس كان فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجلس: أبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي، من الأنصار، وأنهم تذاكروا الصلاة، فقال أبو حميد:

فذكر الحديث، وتقدم برقم (733)، وهو حديث شاذ.

وبهذا يتبين أن ابن مالك الدار قد اختلف عليه، فمرة يرويه عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي حميد.

ومرة يرويه عن العباس بن سهل، عن أبي حميد الساعدي؛ هكذا بلا واسطة.

والأقرب إلى الصواب: أن ذِكر ابن عطاء في هذا الإسناد وهمٌ من ابن مالك نفسه، وقد تقدم كان ذلك، عند الكلام على حديث الحسن بن الحر، والله أعلم.

***

قال أبو داود: رواه ابن المبارك: حدثنا فليح: سمعت عباس بن سهل يحدث، فلم أحفظه، فحدَّثنيه، أُراهُ ذكر عيسى بن عبد الله، أنَّه سمعه من عباس بن سهل، قال: حضرتُ أبا حميد الساعدي، [بهذا الحديث].

• حديث بن المبارك وصله.

البخاري في التاريخ الكبير (6/ 390)، وتقدم ذكره تحت الحديث السابق برقم (734).

***

ص: 227

736 -

. . . حجاج بن منهال: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جُحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث، قال: فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقعا كفَّاه، قال: فلما سجد وضع جبهته بين كفَّيه، وجافى عن إبطيه.

قال حجاج: وقال همام: وحدثنا شقيق: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا، وفي حديث أحدهما، وأكبر علمي أنَّه حديث محمد بن جحادة: وإذا نهض نهض على ركبَتَيه، واعتمد على فخِذِه.

• حديث شاذ.

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (723).

***

737 -

. . . فِطْر، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع إبهامَيه في الصلاة إلى شَحْمة أُذُنَيه.

• عبد الجبار بن وائل: لم يسمع من أبيه، والحديث صحيح لغيره.

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (724).

***

738 -

قال أبو داود: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث: حدثني أبي، عن جدي، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة، أنَّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك، وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك.

• حديث منكر.

أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (23/ 160).

وأخرجه من طريق عبد الملك بن شعيب: الطحاوي في المشكل (15/ 55/ 5836)، وابن حبان في كتاب الصلاة (16/ 1/ 18/ 20300 - إتحاف المهرة).

قال النووي في المجموع (3/ 409)، وفي الخلاصة (1069):"رواه أبو داود بإسناد صحيح، فيه رجل فيه أدنى كلام، ووثقه الأكثرون، واحتج به البخاري في صحيحه، وقوله: رفع للسجود؛ يعني: رفع رأسه من الركوع".

ص: 228

• ورواه شعيب بن يحيى التجيبي [صدوق عابد]، عن يحيى بن أيوب به، إلا أنَّه قال: وإذا سجد فعل مثل ذلك، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 344/ 694)، وابن حبان في كتاب الصلاة (16/ 1/ 18/ 20300 - إتحاف المهرة).

• تابع يحيى بن أيوب الغافقي المصري [وهو: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه. انظر في أوهامه فيما تقدم معنا في السنن على سبيل المثال: الحديث رقم (158 و 718)، وما تحت الحديث رقم (228 و 335)] على هذا الوجه:

عثمان بن الحكم الجذامي [قال أبو حاتم: "شيخ، ليس بالمتقن"، وقال ابن عبد البر: "ليس بالقوي"، ووثقه أحمد بن صالح، وذكره ابن حبان في الثقات. الجرح والتعديل (6/ 148)، العلل لابن أبي حاتم (1425)، المعرفة والتاريخ (1/ 9)، صحيح ابن خزيمة (695)، ضعفاء العقيلي (4/ 1/ 39)، الثقات (8/ 452)، التمهيد (2/ 145)، الميزان (3/ 32)، التهذيب (3/ 58)]، فرواه عن ابن جريج به، وقال: كبر ورفع يديه حذو منكبيه.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 344/ 695)، وابن حبان في كتاب الصلاة (16/ 1/ 18/ 20300 - إتحاف المهرة).

• تابع ابن جريج على هذا الوجه:

صالح بن أبي الأخضر [ضعيف، وهو من الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري، والراوي عنه: حفص بن عمر أبو عمران الرازي، الواسطي النجار، وهو: ضعيف؛ فرواه عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، قال: كان أبو هريرة يصلي بنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان يرفع يديه إذا سجد، وكان يرفع يديه إذا نهض من الركعتين، فإذا سلم التفت إلينا وقال: إني أشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 107/ 291).

قال أبو حاتم: "هذا خطأ؛ إنما يُروى هذا الحديث: أنَّه كان يكبر فقط، ليس فيه رفع اليدين".

• خالفهما: عبد الرزاق بن همام الصنعاني [من أثبت الناس في ابن جريج، وأكثرهم عنه رواية]، قال: أخبرنا ابن جريج: أخبرني ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن؛ أنَّه سمع أبا هريرة، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبِّر حين يركع، ثم يقول:"سمع الله لمن حمده" حين يرفع صُلْبَه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد"، ثم يكبِّر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه، ثم يكبِّر حين يسجد، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلِّها حتَّى يقضيها، ويكبِّر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس.

ص: 229

ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 62/ 2496) و (2/ 176/ 2954)، ومن طريقه: مسلم (392/ 28)، وأبو عوانة (1/ 425/ 1583) و (1/ 427/ 1592)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 15 / 864)، وابن خزيمة (578 و 611 و 624)، وابن حبان في كتاب الصلاة (1/ 161 16/ 20296 - إتحاف المهرة)، وأحمد (2/ 270)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 133/ 1373) و (3/ 159/ 1414) و (3/ 164/ 1427)، والدارقطني في العلل (9/ 262/ 1745).

قال الدارقطني: "واختلف عنه [يعني: عن ابن جريج] في لفظه:

فرواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أبي بكر، عن أبي هريرة، مثل قول صالح ومن تابعه.

وخالفه: يحيى بن أيوب، وعثمان بن الحكم الجذامي، فروياه عن ابن جريج، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، وإذا أراد الركوع رفعهما، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما، وإذا قام من الركعة الثالثة بعد التشهد.

والصحيح: قول عبد الرزاق في التكبير دون الرفع".

قلت: ولم ينفرد بذلك عبد الرزاق [وإن كان لا يضره تفرده عن ابن جريج]، فقد تابعه عليه: ابن المبارك، وأبو عاصم النبيل:

• أما رواية أبي عاصم [وهو: ثقة ثبت، من أصحاب ابن جريج المكثرين عنه]:

فأخرجها البزار في مسنده (14/ 377 / 8094)، قال: حدثنا زيد بن أخزم أبو طالب الطائي [ثقة حافظ].

وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 15/ 864)، من طريق: محمد بن معمر [البحراني: صدوق]، كلاهما عن أبي عاصم.

قال الطائي: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، من حديث ابن الحارث بن هشام، أنَّه سمع أبا هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام كبر، وإذا ركع كبر، ثم يقول:"سمع الله لمن حمده"[حين] يرفع صلبه، ثم يقول وهو قائم:"ربنا لك الحمد"، ثم كبر، ثم حيث يسجد يكبر، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، حتَّى يقضى صلاته، ويكبر إذا قام من الثنتين.

قال أبو هريرة: وأنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

• وأما رواية عبد الله بن المبارك [وهو: ثقة حجة، إمام حافظ]:

فأخرجها الترمذي (254)، قال: حدثنا عبد الله بن منير المروزي [ثقة]، قال: سمعت علي بن الحسن [هو: ابن شقيق المروزي: ثقة حافظ، كان عالمًا بابن المبارك، حافظًا لكتبه]، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر وهو يهوي. هكذا مختصرًا.

ص: 230

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

• وقد رواه عن ابن شهاب الزهري بمثل حديث ابن جريج [في المحفوظ عنه]:

عقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، وصالح بن كيسان، وغيرهم؛ إلا أن عقيلًا لم يذكر قول أبي هريرة: إني لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقرن بعضهم أبا بكر بن عبد الرحمن بأبي سلمة، وكلاهما محفوظ.

أخرجه البخاري (789 و 803)، ومسلم (392/ 29)، وأبو عوانة (1/ 425/ 1580 - 1582) و (1/ 427/ 1591)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 16/ 865)، وأبو داود (836)، والنسائي في المجتبى (2/ 233 و 235/ 1150 و 1156)، وفي الكبرى (1/ 370 و 372/ 740 و 746)، والدارمي (1/ 315/ 1248)، وابن خزيمة (579)، وأحمد (2/ 270 و 454)، وعبد الرزاق (2/ 16 / 2495)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2491 - 2493 و 2496)، والطحاوي (1/ 221)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 221/ 3135)، وابن المقرئ في الأربعين (34)، والدارقطني في العلل (9/ 261/ 1745)، وابن حزم في المحلى (3/ 261) و (4/ 152)، والبيهقي في السنن (2/ 67 و 93 و 98 و 118 و 127)، وفي المعرفة (1/ 539/ 755 و 756)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 174)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 91/ 613).

• وله طرق أخرى عن أبي هريرة، بذكر التكبير فقط دون رفع اليدين:

أخرجها البخاري (785 و 795)، ومسلم (27/ 392 و 30 - 32)، وأبو عوانة (1/ 428/ 1594)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 14 و 15/ 863 و 866 - 868)، والنسائي في المجتبى (2/ 134/ 905) و (2/ 181/ 1023) و (2/ 235/ 1155)، وفي الكبرى (1/ 371/ 745) و (2/ 29/ 1097)، وابن خزيمة (499 و 688)، وابن حبان (5/ 62 و 63/ 1766 و 1767) و (5/ 100 و 104/ 1797 و 1801)، وابن الجارود (184 و 191)، والحاكم (1/ 232)، ومالك في الموطأ (1/ 126/ 199)، وعنه الشافعي في الأم (1/ 110)، وفي المسند (38)، وأحمد (2/ 236 و 319 و 452 و 497)، وإسحاق (1/ 353/ 353)، والطيالسي (4/ 82/ 2439)، والبزار (14/ 403/ 8156) و (15/ 165/ 8516) و (15/ 201/ 8597)، وأبو يعلى (10/ 392/ 5992)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2498 و 2503)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2850)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 125/ 1353)، والطحاوي (1/ 199 و 221 و 222 و 240)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 119/ 2884)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (38)، وابن المظفر في غرائب مالك (153 و 154)، والجوهري في مسند الموطأ (144)، والدارقطني في السنن (1/ 305 و 306)، وفي العلل (9/ 262/ 1745)، وفي الأفراد (2/ 312/ 5356 - أطرافه)، والبيهقي في السنن (2/ 46 و 58 و 67 و 95)، وفي المعرفة (1/ 516 و 517/ 710 و 711) و (1/ 538/ 753)، وابن عبد البر في التمهيد

ص: 231

(9/ 174)، والخطيب في الموضح (2/ 270)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 90/ 611)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 377).

• وعلى هذا فإن ذكر رفع اليدين منكر من حديث: ابن شهاب الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة، وإنما المعروف فيه ذكر التكبير دون الرفع، والله أعلم.

• ولحديث أبي هريرة في رفع اليدين طرق أخرى، منها:

1 -

روى عمرو بن علي الفلاس [ثقة حافظ]، عن ابن أبي عدي [محمد بن إبراهيم بن أبي عدي: ثقة]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنَّه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الدارقطني في العلل (9/ 283/ 1763)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (206)(1225 - المخلصيات).

قال ابن صاعد: "ليس أحد يقول: يرفع يديه إلا ابنُ أبي عدي، وغيره يقول: يكبر".

وقال الدارقطني: "ولم يتابع عمرو بن علي على ذلك، وغيره يرويه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع، وهو الصحيح"[انظر: الفتح لابن رجب (4/ 327)].

• قلت: رواه على الصواب بالتكبير، دون ذكر الرفع:

خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، ويزيد بن هارون، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وحماد بن سلمة [وهم ثقات حفاظ]:

عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أنَّه كان يصلي بهم، فيكبر كلما وضع رأسه ورفع، فإذا انصرف قال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. لفظ الطحان.

أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة (16/ 1/ 104/ 20456 و 20457 - إتحاف المهرة)، وأحمد (2/ 502 و 527)، وابن أبي شيبة (1/ 218/ 2496)، والبزار (14/ 316/ 7961)، وأبو يعلى (10/ 357/ 5949).

وهو حديث صحيح، ومحمد بن عمرو هو: ابن علقمة الليثي المدني، وهو صدوق.

2 -

وروى إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (110)، وابن ماجة (860)، وأحمد (2/ 132)، والطحاوي (1/ 224)، والدارقطني (1/ 295 - 296)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (542)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (156 و 229)(1175 و 1248 - المخلصيات)، وفي جزء فيه أحاديث عوالٍ منتقاة من المنتقى من سبعة أجزاء من حديثه (35)(3074 - المخلصيات)، وتمام في الفوائد (1641)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 394)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 460) و (36/ 220).

ص: 232

وانظر الاختلاف فيه على ابن عياش: علل الدارقطني (10/ 288/ 2013).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (318): "هذا إسناد ضعيف؛ فيه رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهي ضعيفة، وأصله في الصحيحين من هذا الوجه بغير هذا السياق، وله شاهد من حديث ابن عمر في الصحيحين والترمذي".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 327): "وإسماعيل بن عياش: سيئ الحفظ لحديث الحجازيين، وقد خالفه ابن إسحاق، فرواه عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة موقوفًا؛ قاله الإمام أحمد وغيره".

• قلت: رواية ابن إسحاق وصلها: البخاري في رفع اليدين (45)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 217).

من طريق: ابن إسحاق، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أنَّه كان إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

قلت: وهذا موقوف على أبي هريرة، بإسناد مدني حسن.

• وتابعه على وقفه برفع اليدين:

سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن محمد، عن الأعرج، قال: سمعت أبا هريرة يقول: منكم من يقول هكذا، ورفع سفيان يديه حتَّى تَجاوَزَ بهما رأسه، ومنكم من يقول هكذا، ووضع يديه عند بطنه، ومنكم من يقول هكذا؛ يعني: حذو منكبيه.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 212/ 2422)(2/ 409/ 2437 - ط عوامة).

وهذا موقوف على أبي هريرة، بإسناد صحيح مدني، غير ابن عيينة فهو مكي، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: مدني، ثقة حجة.

• قال الدارقطني في العلل (10/ 289/ 2013): "ورواه عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وقال فيه: إنه كان يكبر إذا رفع، وإذا وضع، وفي الفصل بين الركعتين، ولم يذكر فيه رفع اليدين".

وعبد الله بن الفضل: مدني ثقة، ويُحتمل وقفُه على أبي هريرة بهذين الوجهين، وأما حديث إسماعيل بن عياش فهو من تخليطه في حديث المدنيين، والله أعلم.

3 -

وروى ابن الأعرابي في المعجم (144)، قال: نا محمد بن عصمة: نا سوار بن عمارة: نا رُدَيح بن عطية، عن أبي زرعة بن أبي عبد الجبار بن معج، قال: رأيت أبا هريرة فقال: لأصُلِّينَّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أزيد فيها ولا أنقص، فأقسم بالله إن كانت هي صلاته حتَّى فارق الدنيا، قال: فقمت عن يمينه لأنظر كيف يصنع، فابتدأ فكبر، ورفع يده، ثم ركع فكبر ورفع يديه، ثم سجد، ثم كبر، ثم سجد وكبر، حتَّى فرغ من صلاته، قال: أقسم بالله إن كانت لهي صلاته حتَّى فارق الدنيا.

وقد تصحف هذا الإسناد، وإنما هو: رديح بن عطية، عن أبي زرعة، عن أبي عبد الجبار بن معج، وأبو زرعة هذا هو: يحيى بن أبي عمرو السيباني الحمصي [وهو: ثقة]،

ص: 233

وهو معروف بالرواية عن أبي عبد الجبار عبد الله بن معج، وعنه: رديح بن عطية، وعليه فإن رجال هذا الإسناد ثقات، غير: عبد الله بن معج أبي عبد الجبار: وهو قليل الرواية جدًّا، لم أر له رواية إلا عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولا روى عنه سوى أبي زرعة يحيى بن أبي عمرو السيباني، فهو: مجهول [انظر: التاريخ الكبير (5/ 209)، كنى مسلم (2685)، الجرح والتعديل (5/ 176)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 1/ 39/ 882)، الثقات (5/ 35)].

ومحمد بن عصمة، هو: محمد بن أحمد بن عصمة الكلبي الرملي الأطروش: أكثر روايته عن سوار بن عمارة الرملي، وروى عنه جماعة من الثقات، ولم أقف له على ترجمة سوى ما عند أبي أحمد الحاكم وابن منده في الكنى، وذكره المزي فيمن روى عن سوار بن عمارة [انظر: معجم ابن الأعرابي (1/ 392/ 747)، الأسامي والكنى (283/ ب)، معجم ابن المقرئ (765)، بحر الفوائد (218)، سنن الدارقطني (2/ 227)، الناصح لابن شاهين (259)، فتح الباب (4545)، فوائد تمام (155 و 311 و 798 و 1325)، تاريخ بغداد (1/ 326) و (9/ 351)، تاريخ دمشق (5/ 442) و (25/ 21)، تهذيب الكمال (12/ 241)].

• ورواه عباد بن عباد الخواص [الرملي الأرسوني: صدوق، من العباد الزهاد]، قال: ثنا أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي عبد الجبار - واسمه: عبد الله بن معج -، عن أبي هريرة، قال: لأصلِّينَّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن استطعت لم أزد ولم أنقص، فكبر فشهر بيديه، فركع فلم يُطِلْ ولم يَقصُر، ثم رفع رأسه فشهر بيديه، ثم كبر فسجد.

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 35/ 868)، وأبو أحمد الحاكم في الثاني من الأسامي والكنى (28/ أ- الأزهرية).

وفي الإسناد أبي عباد عند الطبراني وعند أبي أحمد: من يجهل حاله، ومن تُكُلِّم فيه.

فهو حديث ضعيف؛ والله أعلم.

***

739 -

.. ابن لهيعة، عن أبي هبيرة [وفي نسخة: عن ابن هبيرة]، عن ميمون المكي، أنَّه رأى عبد الله بن الزبير - وصلى بهم - يشير بكفَّيه حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام، فيقوم فيشير بيديه.

فانطلقتُ إلى ابن عباس، فقلتُ: إني رأيتُ ابنَ الزبير صلى صلاةً لم أرَ أحدًا يصليها، فوصفتُ له هذه الإشارة، فقال: إنْ أحببتَ أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتدِ بصلاة عبدِ الله بن الزبير.

• حديث ضعيف.

أخرجه أحمد (1/ 255 و 289)، والطبراني في الكبير (11/ 133/ 11273)، والمزي في التهذيب (29/ 234).

ص: 234

رواه عن ابن لهيعة: قتيبة بن سعيد، وموسى بن داود الضبي.

وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، وميمون المكي: مجهول؛ تفرد عنه: أبو هبيرة عبد الله بن هبيرة السبئي [التقريب (622)، الميزان (4/ 236)].

قال ابن رجب في الفتح (4/ 330): "إسناده ضعيف".

• وقد روي عن ابن الزبير رفع اليدين في المواضع الثلاث فقط، لم يزد عليها:

روى أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 312)، والبيهقي في السنن (2/ 73):

من طريق: أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي الترمذي: صليت خلف أبي النعمان محمد بن الفضل، فرفع يديه حين افتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فسألته عن ذلك؛ فقال: صليت خلف حماد بن زيد، فرفع يديه حين افتتح الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه من الركوع، فسألته عن ذلك؟ فقال: صليت خلف أيوب السختياني، فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، فسألته؟ فقال: رأيت عطاء بن أبي رباح يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، فسألته؟ فقال: صليت خلف عبد الله بن الزبير، فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، فسألته؟ فقال عبد الله بن الزبير: صليت خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، وقال أبو بكر: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

قال البيهقي: "رواته ثقات"، ولم يعلق عليه الذهبي في تهذيبه بشيء (1/ 522/ 2257)، وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 219):"ورجاله ثقات".

قلت: هو كما قالا؛ لكنه غريب جدًّا، ولم أجد له علة؛ إلا أن يكون أبو إسماعيل الترمذي أخذه عن عارم أبي النعمان بعد تغيره، فالله أعلم.

• فإن قيل: أصله محفوظ، فقد روى عبد الرزاق، قال: أهل مكة يقولون: أخذ ابنُ جريج الصلاةَ من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم، وما رأيت أحدًا أحسن صلاةَ من ابن جريج.

أخرجه أحمد في المسند (1/ 12)، وفي فضائل الصحابة (1/ 208/ 231)، وفي الزهد (187)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 182/ 282)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 248/ 854)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 147/ 1388)، والبيهقي في السنن (2/ 73)، وفي الشعب (3/ 147/ 3153)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 404)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 378 و 379)، والمزي في التهذيب (18/ 352)، والذهبي في السير (6/ 330).

فيقال: أولًا: لم يسمعه عبد الرزاق من ابن جريج، وثانيًا: ليس فيه ذكر رفع اليدين، وذكره فيه ليس بمحفوظ، والله أعلم.

ص: 235

• وأما ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (2/ 69/ 2525)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (3/ 138/ 1385):

عن ابن جريج، قال: أخبرني حسن بن مسلم، قال: سمعت طاووسًا وهو يُسأل عن رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: رأيت عبد الله، وعبد الله، وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة؛ لعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير.

وأخرجه البخاري في رفع اليدين (62)، من طريق ابن المبارك، عن ابن جريج به.

فهو موقوف بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم [انظر: التحفة (4/ 407 و 408 - ط الغرب)]، وليس فيه ذكر مواضع الرفع، والله أعلم.

وانظر أيضًا: رفع اليدين للبخاري (44 و 114)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 212/ 2430)، الأوسط لابن المنذر (3/ 138/ 1384).

***

740 -

. . . النضر بن كثير -يعني: السعدي-، قال: صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخَيف، فكان إذا سجد السجدة الأُولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرتُ ذلك، فقلتُ لوهيب بن خالد! فقال له وهيب بن خالد: تصنعُ شيئًا لم أر أحدًا يصنعه؟! فقال ابنُ طاوس: رأيتُ أبي يصنعه، وقال أبي: رأيتُ ابنَ عباس يصنعه، ولا أعلم إلا أنَّه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه.

• حديث منكر.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 232/ 1146)، وفي الكبرى (1/ 368/ 736)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 270/ 2605)، وأبو يعلى (5/ 95/ 2704)، والدولابي في الكنى (2/ 617/ 1105)، والعقيلي (4/ 292)، وابن عدي في الكامل (7/ 27)، وابن حزم في المحلى (4/ 94).

وقال النضر في رواية: وأظنه قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه، وفي أخرى بالجزم بغير شك، وقال في رواية: فرأيته رفع يديه كلما ركع وسجد، ويرفع بين السجدتين.

قال العقيلي: "ولا يتابع عليه".

وقال ابن عدي: "وهذا عن ابن طاوس: يرويه النضر".

وقال أبو أحمد الحاكم: "هذا حديث منكر من حديث طاوس"[الفتح لابن رجب (5/ 329)].

قلت: هو حديث منكر؛ لأجل تفرد النضر بن كثير السعدي، أبي سهل البصري به، فإنه: ضعيف؛ ضعفه جماعة، وقال البخاري وأبو حاتم والدارقطني:"فيه نظر"، وله مناكير

ص: 236

هذا منها، وقال فيه النسائي:"صالح"، ومشاه البزار كذلك، فقال:"ليس به بأس"، وقد ضعفه البخاري لأجل حديثه هذا، فقال:"رأى ابن طاوس في رفع الأيدي، وسمع ابن عقيل، وفيه نظر"، كذا في التاريخ الكبير، وفي الأوسط:"روى عن ابن طاوس في رفع الأيدى، وقال مرة: أُراه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، عنده مناكير"، وفي رواية:"فيه نظر"، وكذلك أنكره عليه العقيلي، وقال:"ولا يتابع عليه"، وأنكره ابن عدي عليه بقوله:"وهذا عن ابن طاوس: يرويه النضر"، وقال ابن حبان منكرًا عليه بهذا الحديث:"كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات؛ على قلة روايته، حتَّى إذا سمعها مَن الحديث صناعتُه شهد أنها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال، قال: رأيت ابن طاوس صلى إلى جنبي، فكان إذا سجد السجدة الأُولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه، قال: فأنكرت ذلك، فقال ابن طاوس: رأيت أبي يفعله، وقال أبي: رأيت ابن عباس يفعله، وقال ابن عباس؛ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله"[التاريخ الكبير (8/ 91)، التاريخ الأوسط (4/ 789 و 814/ 1244 و 1279 - ط الرشد) (2/ 178 - ط الصميعي)، الجرح والتعديل (8/ 478)، مسند البزار (12/ 239/ 5978)، المجروحين (3/ 49)، الميزان (4/ 262)، التهذيب (4/ 226)، [وتقدم له معنا في السنن حديث منكر، ذكرته تحت الحديث رقم (705)، شاهد رقم (2)، [وانظر فيمن لم يلتفت إلى هذه العلة: بيان الوهم (5/ 612)].

• فإن قيل: لم ينفرد به النضر، بل توبع عليه:

رواه عمر بن رياح [بمثناة تحتية]، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند كل تكبيرة - وفي رواية: في كل ركعة -.

أخرجه ابن ماجة (865)، والطبراني في الكبير (11/ 28/ 10936)، وابن عدي في الكامل (5/ 51).

فيقال: وهذا أشد نكارة من الَّذي قبله، ولا يصلح في المتابعات، ولا يعتبر به؛ فإن عمر بن رياح، أبا حفص الضرير البصري: متروك، ذاهب الحديث، يحدث عن ابن طاوس بالبواطيل، وقال الفلاس:"دجال"، وقال ابن عدي بعد أن أورد حديثه هذا في مناكيره:"يروي عن ابن طاوس بالبواطيل؛ ما لا يتابعه أحد عليه، والضعف بيِّنٌ على حديثه"[التهذيب (3/ 225)، الميزان (3/ 197)].

• والمعروف عن طاوس عن ابن عباس في هذا ليس فيه الرفع مع السجود، فضلًا عن كونه موقوفًا عليه:

فقد روى البخاري في رفع اليدين (109)، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد [هو المسندي: ثقة حافظ]: أنبأنا أبو عامر أعبد الملك بن عمرو العقدي: ثقة]: حدثنا إبراهيم بن طهمان [ثقة يغرب]، عن أبي الزبير، عن طاوس؛ أن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتَّى يحاذي أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع واستوى قائمًا فعل مثل ذلك.

ص: 237

وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، بذكر الرفع عند الافتتاح والرفع من الركوع حسب.

• وروى ابن جريج، قال: أخبرني حسن بن مسلم، قال: سمعت طاووسًا وهو يُسأل عن رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: رأيت عبد الله، وعبد الله، وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة؛ لعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (62)، وعبد الرزاق (2/ 69/ 2525)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (3/ 138/ 1385).

وهذا موقوف بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم [انظر: التحفة (4/ 407 و 408 - ط الغرب)]، وليس فيه ذكر مواضع الرفع، والله أعلم.

• وروى هشيم، قال: أخبرني أبو حمزة مولى بني أسد، قال: رأيت ابن عباس إذا افتتح الصلاة يرفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (47)، وأحمد في مسائل ابنه عبد الله (269)[وفي سنده سقط]، وعبد الرزاق (2/ 69/ 2523)، وابن أبي شيبة (1/ 212/ 2431).

وهذا موقوف بإسناد لا بأس به، وليس فيه الرفع مع السجود، وأبو حمزة الأسدي هو: عمران بن أبي عطاء القصاب، وهو: ليس به بأس، ليَّنه جماعة [التهذيب (3/ 320)، الميزان (3/ 239)]، والله أعلم.

***

741 -

. . . عبد الأعلى: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ويرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو داود: الصحيح قول ابن عمر، ليس بمرفوع.

قال أبو داود: وروى بقيَّةُ أوَّلَه عن عبيد الله وأسنده، ورواه الثقفي عن عبيد الله، وأوقفه على ابن عمر، قال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه، وهذا هو الصحيح.

قال أبو داود: ورواه الليث بن سعد، ومالك، وأيوب، وابن جريج: موقوفًا، وأسنده حماد بن سلمة وحده عن أيوب، ولم يذكر أيوبُ ومالكٌ الرفعَ إذا قام من السجدتين، وذكره الليث في حديثه، قال ابن جريج فيه: قلت لنافع: أكان ابنُ عمر يجعل الأولى أرفعَهن؟ قال: لا، سواء، قلت: أشِرْ لي، فأشار إلى الثديين، أو أسفلَ من ذلك.

• حديث صحيح.

أخرجه من طريق عبد الأعلى: البخاري في الصحيح (739)، وفي رفع اليدين

ص: 238

103 -

، وأبو داود (741)، والبزار (12/ 149/ 5742)، وابن حبان في كتاب الصلاة (9/ 207/ 10901 - إتحاف المهرة)، وابن حزم في المحلى (4/ 90)، والبيهقي في السنن (2/ 70 و 136)، وفي المعرفة (1/ 542/ 762)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 21/ 560)، وقال:"هذا حديث صحيح".

هكذا رواه عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى [وهو ثقة]: عياش بن الوليد الرقام، ونصر بن علي الجهضمي، وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي، والحسين بن معاذ بن خليف [وهم ثقات].

واختلف فيه على نصر بن علي:

أ - فرواه أبو داود، والبزار [وهما إمامان حافظان كبيران]، وأبو الحسين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يونس السمناني [ثقة حافظ. تاريخ دمشق (32/ 221)، السير (14/ 194)، تذكرة الحفاظ (2/ 718)، تاريخ الإسلام (23/ 122)]، ومحمد بن صالح بن عبد الله الطبري [فيه لين، واتهم بالكذب. تاريخ الإسلام (23/ 330)، اللسان (7/ 199)]، عن نصر بن علي به هكذا.

ب - وخالفهم: إسحاق بن إبراهيم: حدثنا نصر بن علي الجهضمي: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، وركوع وسجود، وقيام وقعود بين السجدتين، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

أخرجه الطحاوي في المشكل (15/ 46/ 5831)، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم به.

قلت: وهو شاذ بهذا اللفظ، والمحفوظ ما رواه جماعة الحفاظ عن نصر بن علي الجهضمي، موافقًا لما رواه جماعة الثقات عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وشيخ الطحاوي هو: إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن موسى البغدادي المنجنيقي، وهو: ثقة [التهذيب (1/ 114)، مغاني الأخيار (1/ 39)]، وأخاف أن يكون الوهم منه، والله أعلم.

وقد نبهت عليه؛ لأنَّ ابن القطان الفاسي احتج بلفظ الطحاوي هذا [في بيان الوهم (5/ 613 / 2831)] على ثبوت الرفع بين السجدتين، وما بين السجود حين النهوض إلى ابتداء الركعة، من حديث ابن عمر، وهو شاذ مردود؛ كما ترى.

قال ابن حجر في الفتح (2/ 223): "وهذه رواية شاذة؛ فقد رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن علي المذكور بلفظ عياش شيخ البخاري، وكذا رواه هو وأبو نعيم من طرق أخرى عن عبد الأعلى كذلك".

وقد أصاب الطحاوي نفسه حين حكم عليه بالشذوذ، فقال:"وكان هذا الحديث من رواية نافع شاذًا لما رواه عبيد الله، وقد روي هذا الحديث عن نافع بخلاف ما رواه عنه عبيد الله".

قلت: نعم؛ هو شاذ بهذا اللفظ؛ إلا أنَّه ثابت بلفظ الجماعة عن عبد الأعلى به.

ص: 239

وانظر: علل الدارقطني (13/ 14/ 2902)، الرابع من فوائد أبي عثمان البحيري (32).

• تابع عبد الأعلى على رفعه، وبأوله فقط: بقيةُ بن الوليد، وهو صدوق:

فرواه بقية، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح رفع يديه، ولم يزد على هذا.

علقه أبو داود (741)، والدارقطني في العلل (13/ 13/ 2902).

• خالف عبد الأعلى وبقيةَ؛ فأوقفه:

1 -

عبدُ الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة]، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وإذا قام من الركعتين يرفعهما.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (139)، وابن حزم في المحلى (4/ 93).

2 -

ورواه محمد بن بشر [العبدي: ثقة حافظ]، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ فعله غير مرفوع، وذكر الرفع في الافتتاح، وفي الركوع، وفي السجود.

علقه الدارقطني في العلل (13/ 14/ 2902)، وأخاف ألا يكون محفوظًا عن ابن بشر.

3 -

ورواه عبد الله بن إدريس [ثقة]، قال: سمعت عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وإذا قام من الركعتين.

وفي رواية: أنَّه كان يرفع يديه حذو منكبيه.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (183)، وابن أبي شيبة (1/ 211/ 2414) و (2/ 490/ 11380)، والبيهقي (4/ 44).

وانظر فيمن قلب إسناده ومتنه على ابن إدريس، فجعله عن يحيى بن سعيد الأنصاري، بدل عبيد الله بن عمر، ورواه مرفوعًا بنحو رواية عبيد الله: تاريخ أصبهان (1/ 319)[تفرد به عن ابن إدريس: سعيد بن عنبسة، وهو: الرازي الخزاز؛ كذبه ابن معين وابن الجنيد، وقال أبو حاتم مرة: "فيه نظر"، وقال أخرى: "كان لا يصدق"، انظر: المعجم الكبير (19/ 181/ 411)، ما انتخبه ابن طاهر السلفي من أصول شيخه الطيوري (433 و 744)، الجرح والتعديل (4/ 52)، المتفق والمفترق (2/ 1097)، الميزان (2/ 154)، اللسان (4/ 69)].

• هكذا اختلف في حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر هذا، في رفعه ووقفه، والصواب قول عبد الأعلى، فقد تابعه على الرفع بقية بن الوليد، وهي زيادة من ثقة فوجب قبولها، ولا أظنه محفوظًا عن محمد بن بشر، كما أن رواية ابن إدريس إنما ساقها لبيان الرفع في تكبيرات الجنائز، وهو موقوف على ابن عمر، فناسبه أن يذكر معه الرفع في تكبيرات الصلاة موقوفًا أيضًا، فإن الحديث في أصله مروي موقوفًا ومرفوعًا،

ص: 240

فمنهم من قصر به، واقتصر على الوقف، ومنهم من أتى به على التمام فزاد فيه الرفع.

وحاصل الاختلاف على عبيد الله في حديث نافع هذا: أن البخاري والدارقطني قد رجحا الرفع، أما البخاري فقد صحح المرفوع بإخراجه في صحيحه، وأما الدارقطني فقد قال في العلل (13/ 14/ 2902):"وأشبهها بالصواب: ما قاله عبد الأعلى بن عبد الأعلى"، وتبعهما على ذلك البيهقي، فقال:"رواه البخاري في الصحيح عن عياش عن عبد الأعلى، وعبد الأعلى ينفرد برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، وقد روي ذلك في حديث أبي حميد الساعدي".

وأما أبو داود فقد رجح الوقف، فقال:"الصحيح قول ابن عمر، ليس بمرفوع"، وقال:"وروى بقيَّةُ أوَّلَه عن عبيد الله وأسنده، ورواه الثقفي عن عبيد الله، وأوقفه على ابن عمر، قال فيه: "وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثديه، وهذا هو الصحيح".

وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في هذا، فقال في رواية المروذي وغيره:"رواه عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وبلغني أن عبد الأعلى رفعه"[الفتح لابن رجب (4/ 315)]، قال ابن رجب:"وقد روي عن أحمد أنَّه صحح رفعه".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مسندًا إلا عبد الأعلى، وقد رواه غيره موقوفًا، ورواه عبيد الله عن الزهري عن سالم عن أبيه، وعن عبد الأعلى، الحديثين جميعًا حديث سالم مرفوعًا، وحديث نافع مرفوعًا"[كان في السياق سقط].

قال ابن حجر في الفتح (2/ 222): "وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنَّه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه، قال الإسماعيلي: وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر -يعني: عن عبيد الله- فرووه موقوفًا عن ابن عمر".

قال ابن حجر: "وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال، لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن ابن عمر،

، وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر،

، وله شواهد منها: حديث أبي حميد الساعدي، وحديث علي بن أبي طالب".

قلت: والصواب مع البخاري ومن تبعه، والله أعلم.

وصححه النووي في المجموع (3/ 409) تبعًا للبخاري، واستشهد له بحديث أبي حميد، وحديث علي، وصححهما.

وصححها أيضًا: شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (22/ 452).

• وقد اختلف في هذا الحديث على عبيد الله، فرواه مرة هكذا.

ورواه مرة: عن ابن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه، وإذا قام من الركعتين، يرفع يديه في ذلك كلِّه [حذو المنكبين]، وكان عبد الله يفعله.

ص: 241

وعبيد الله بن عمر العمري: ثقة ثبت، واسع الرواية، يحتمل من مثله التعدد في الأسانيد، وعليه فإن كلا القولين محفوظ عن عبيد الله، لا سيما وقد صحح الأول البخاري في صحيحه، واحتج به في بابه، حيث ترجم له بقوله:"باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين"، وقد سبق الكلام على حديث الزهري عند الحديث المتقدم برقم (722)، وأرجأت الكلام على الاختلاف الواقع في حديث نافع عن ابن عمر إلى هذا الموضع.

قال البيهقي: "فيثبت هذا الحديث من جهة سالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، كلاهما عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم] [المعرفة (1/ 542)].

قال أبو داود في مسائله (236): "سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين؟ قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين أرفع يدي؟ قال: لا".

قلت: فلو كان حديث عبيد الله بن عمر لا يثبت عنده، لصرح بنفي الرفع في هذا الموطن، كما صرح به فيما بين السجدتين، مما يدل على أنَّه يثبت حديث عبيد الله، ولم أقف له على نص صريح في رده، والله أعلم.

وقال النووي في المجموع (3/ 363): "قال البخاري: وأما رواية الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الرفع عند الافتتاح، وعند الركوع، والرفع منه، ورواية الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع في هذه المواضع وفي القيام من الركعتين: فالجميع صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، واختلفوا فيها بعينها، مع أنَّه لا اختلاف في ذلك، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم، والله تعالى أعلم"[وانظر: البدر المنير (3/ 504)].

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 222): "وقال البخاري في الجزء المذكور: ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة: من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم"[وانظر: عمدة القاري (5/ 277)][وهذا النص الَّذي نقله النووي وابن حجر عن البخاري لم أجده بهذا اللفظ في كتابه: "رفع اليدين"، ويحتمل أن يكون ثمة سقط في المطبوع، تبعًا لأصله المخطوط، أو يكون في نقلِ مَن نقلَ عن البخاري شيء من التصرف، والله أعلم، وهذا نص ما في المطبوع (170): "قال البخاري: والذي يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وما زاد علي وأبو حميد في عشرة من أصحابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من السجدتين: كلّه صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فيختلفوا في تلك الصلاة بعينها، مع أنَّه لا اختلاف في ذلك، إنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم"].

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2/ 357): "والرفع عند القيام زيادة في هذا الحديث على ما رواه ابن شهاب عن سالم فيه، يجب قبولها لمن يقول بالرفع، وليس في حديث ابن شهاب ما يدفعها بل فيه ما يثبتها، وهو قوله: وكان لا يفعل ذلك بين السجدتين، فدليله أنَّه كان يفعلها في كل خفض ورفع ما عدا السجود، وكان أحمد بن

ص: 242

حنبل لا يرفع بين السجدتين، ولا عند القيام من الركعتين، وهو ممن يقول بالرفع في كل خفض ورفع، فيمكن أن يرد عليه البخاري بهذا الحديث".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 23): "ولم يذكر الشافعي رفع اليدين عند القيام من الركعتين؛ لأنَّه بنى قوله على حديث ابن شهاب عن سالم، ومذهبه اتباع السُّنَّة إذا ثبتت، وثبت رفع اليدين عند القيام من الركعتين برواية عبيد الله بن عمر عن نافع، وسائر الروايات".

• وقد احتج البخاري لرواية الرفع عن عبيد الله بأن لها متابعات:

قال البخاري في الصحيح: "رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن طهمان عن أيوب وموسى بن عقبة مختصرًا".

أ - أما حديث حماد بن سلمة:

فأخرجه موصولًا: البخاري في رفع اليدين (106)، وأحمد (2/ 100)، والطحاوي في المشكل (15/ 47 / 5832)، وابن حبان في كتاب الصلاة (9/ 30 / 10333 - إتحاف المهرة)، والبيهقي في السنن (2/ 24 و 70)، وفي المعرفة (1/ 542/ 763)، وابن حجر في التغليق (2/ 305).

من طرقٍ عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع.

هكذا فلم يذكر فيه الرفع عند القيام من الركعتين، والبخاري إنما أراد المتابعة على رفع الحديث، كما في حديث ابن طهمان أيضًا.

فإن قيل: قد رواه حماد بن زيد [وهو: أثبت الناس في أيوب]، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا.

علقه الدارقطني في العلل (13/ 15/ 2902).

فيقال: لم ينفرد برفعه عن أيوب: حماد بن سلمة، فقد تابعه: إبراهيم بن طهمان، هذا من وجه، ومن وجه آخر: فقد كان حماد بن زيد يقف المرفوع أحيانًا، يتهيبه [انظر: التهذيب (1/ 481)]، والله أعلم.

ب - وأما حديث ابن طهمان:

فرواه إبراهيم بن طهمان، عن أيوب بن أبي تميمة، وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّه كان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائمًا من ركوعه حذو منكبيه، ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.

أخرجه موصولًا: ابن حبان في كتاب الصلاة (9/ 30/ 10333 - إتحاف المهرة)، والبيهقي في السنن (2/ 70)، وفي المعرفة (1/ 542/ 764)، ومن طريقه: ابن حجر في التغليق (2/ 306).

قال البيهقي: "فيثبت هذا الحديث من جهة سالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، كلاهما عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ص: 243

• وممن رواه أيضًا عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا:

1 -

رواه وكيع، قال: حدثنا العمري [هو: عبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي]، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله كان يرفع يديه حذو منكبيه.

أخرجه أحمد (2/ 106).

ورواه عبد الرزاق (2/ 68/ 2519)، عن عبد الله بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم، قال: كان ابن عمر إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتَّى يكونا حذو منكبيه، وإذا ركع رفعهما، فإذا رفع رأسه من الركعة رفعهما، وإذا قام من مثنى رفعهما، ولا يفعل ذلك في السجود، قال: ثم يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.

قال عبد الله: سمعت نافعًا يحدث عن ابن عمر مثل هذا؛ إلا أنَّه قال: يرفع يديه حتَّى يكونا حذو أذنيه.

ورواه الحنيني إسحاق بن إبراهيم [مدني، ضعيف]، عن العمري عبد الله بن عمر، ومالك بن أَنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع حذو منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفعهما.

أخرجه ابن المقرئ في المعجم (796)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 325).

قال ابن المقرئ: حدثنا أبو عبد الله حسين بن محمد بن غوث الدمشقي [شيخ لابن المقرئ، وروى عنه جماعة. تاريخ دمشق (14/ 319)، بغية الطلب (6/ 2772)، تاريخ الإسلام (23/ 536)]: ثنا الحسن بن عبد الله البالسي [هو: الحسن بن عبد الله بن منصور الأنطاكي، المعروف بالبالسي، روى عنه جماعة من الحفاظ والمصنفين، مثل: ابن خزيمة والطحاوي، ولم يوثق. تاريخ دمشق (13/ 125)، بغية الطلب في تاريخ حلب (5/ 2452)، الأنساب (1/ 268)، معجم البلدان (1/ 329)، تاريخ الإسلام (19/ 107)، مغاني الأخيار (1/ 165)]: ثنا الحنيني به.

هكذا حمل الحنيني حديث مالك على حديث عبد الله العمري، والمحفوظ عن مالك فيه الوقف، كما سيأتي بيانه.

قال البخاري في رفع اليدين (140 و 141): "وزاد وكيع، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يرفع يديه إذا ركع وإذا سجد".

قال البخاري: "والمحفوظ: ما روى عبيد الله، وأيوب، ومالك، وابن جريج، والليث، وعدة من أهل الحجاز وأهل العراق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: في رفع الأيدي عند الركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

ولو صح حديث العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ لم يكن مخالفًا للأول لأنَّ أولئك قالوا: إذا رفع رأسه من الركوع، فلو ثبت لاستعملنا كليهما، وليس هذا من الخلاف الَّذي يخالف بعضهم بعضًا؛ لأنَّ هذه زيادة في الفعل، والزيادة مقبولة إذا ثبتت".

ص: 244

قلت: نعم؛ الزيادة مقبولة إذا ثبتت؛ وهنا لم تثبت؛ ولو كان البخاري يصحح حديث العمري بهذه الزيادة، لما احتاج إلى تعليق قبولها على الثبوت، وإنما يقول في مثل هذا: والزيادة من الثقة مقبولة، والعمري: ليس بالقوي، تكلموا في حفظه، وكان كثير الخطأ، والبخاري نفسه ممن ضعَّف عبد الله بن عمر العمري، فقال:[ذاهب، لا أروي عنه شيئًا][التهذيب (2/ 388)، التنكيل (2/ 69)][راجع الحديث المتقدم برقم (236) وغيره].

وفي الجملة: فإن زيادته هنا منكرة مردودة، وإنما يُقبل منه ما وافق فيه الثقات، فهو ممن يكتب حديثه، وهو صالح في الشواهد والمتابعات، ورواية عبد الرزاق المتقدمة عنه موافقة لرواية الثقات في الرفع، وفي المتن؛ إلا في قوله: يرفع يديه حتَّى يكونا حذو أذنيه، وإنما هو: حذو منكبيه، والله أعلم.

2 -

ورواه إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتنح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (111)، وأحمد (2/ 132)، والدارقطني (1/ 295 - 296)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (542)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (156 و 230)(1175 و 1249 - المخلصيات)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 394)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 460).

وصالح بن كيسان: مدني، ثقة ثبت؛ لكن الراوي عنه: إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة، وهذه منها.

وهو هنا قد وافق الثقات في رفع الحديث، وخالفهم في زيادة الرفع حين يسجد.

3 -

وروى أرطأة بن المنذر [حمصي، ثقة]، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وعند التكبير للركوع، وعند الهوي للسجود.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند التكبير للركوع، وعند التكبير حين يهوي ساجدًّا.

أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة (9/ 9 / 10257 - إتحاف المهرة)، والطبراني في الأوسط (16).

بإسنادين شاميين جيدين إلى: الجراح بن مليح [البهراني الحمصني] عن أرطأة به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أرطأة إلا الجراح".

قلت: لا يضره تفرده عنه، فهو بلديه، وهو: ليس به بأس.

فهو إسناد شامي حسن إلى نافع به مرفوعًا، غير أن زيادة الرفع عند الهوي للسجود: غير محفوظة.

ص: 245

4 -

وروى مسلم بن خالد الزنجي [صدوق، فقيه، كثير الغلط والأوهام]، عن إسماعيل بن أمية [ثقة ثبت]، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى منكبيه.

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 218/ 711)، قال: حدثنا أحمد [هو: ابن علي بن مسلم، أبو العباس الأبار: ثقة حافظ. السير (13/ 443)]، قال: حدثنا سليمان بن منصور البلخي [لا بأس به]، قال: حدثنا مسلم بن خالد به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أمية إلا مسلم بن خالد".

قلت: هو صالح في المتابعات، وإسناده لا بأس به.

5 -

وروى عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر [ثقة، وهو مدني، نزل عسقلان]، عن نافع مولى عبد الله بن عمر؛ أنَّه أخبره عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه كان إذا افتتح الصلاة وكبر رفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه.

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 382)، بإسناد صحيح، رجاله أئمة مشاهير، إلى إسماعيل بن حصن أبي سليم الجبيلي [صدوق. الجرح والتعديل (2/ 166)، الثقات (8/ 98)، فتح الباب (3623)، الأنساب (2/ 23)، تاريخ دمشق (8/ 381)، اللسان (2/ 113)]: نا محمد بن شعيب بن شابور [صدوق، صحيح الكتاب]: نا عمر به.

وهذا إسناد حسن غريب.

ورواه الدارقطني في الأفراد (1/ 583/ 3397 - أطرافه)، وقال:"تفرد به: محمد بن شعيب، عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن نافع".

قلت: لا يضره تفرده، عمر بن محمد: مدني نزل الشام، ومحمد بن شعيب: شامي صدوق، وثقه جماعة من الأئمة من أهل الشام وغيرهم.

• وبهذه المتابعات عن نافع، تثبث رواية الرفع، وأنها محفوظة عن نافع، يؤيده أن نافعًا روى أوله موقوفًا، وذكر الرفع في آخره، فمنهم من اقتصر على أوله فوقفه، ومنهم رفعه فلم يذكر الموقوف، أو يكون ذلك من فعل نافع، يرويه مرة مرفوعًا، وأخرى موقوفًا، وقد فصله عبد الأعلى في روايته عن عبيد الله عن نافع، وهي الرواية التي اختارها البخاري، وأخرجها في صحيحه، وهو الصواب، والله أعلم.

6 -

وروى مسلمة بن علي، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا أكبر، وإذا ركع، وإذا سجد.

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 29/ 71)، وابن عدي في الكامل (6/ 316).

قال الطبراني: "لم يروه عن ابن عجلان إلا مسلمة".

وقال ابن عدي بعد أن أورده في ترجمة مسلمة: "ولمسلمة غير ما ذكرت من الحديث، وكل أحاديثه ما ذكرته وما لم أذكره: كلها أو عامتها غير محفوظة".

ص: 246

قلت: فهو منكر من حديث ابن عجلان عن نافع؛ مسلمة بن علي الخشني: متروك، منكر الحديث [التهذيب (4/ 76)].

وانظر في الأوهام والمناكير، وفيمن رواه عن نافع من المتروكين: المجروحين (1/ 160)، الكامل لابن عدي (6/ 5)، علل الدارقطني (13/ 13/ 2902).

• وممن رواه عن نافع فاقتصر على ذكر الموقوف:

1 -

مالك بن أَنس، عن نافع: أن عبد الله بن عمربيان إذا افتتح الصلاةَ رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 126/ 201 - رواية يحيى الليثي)(112 - رواية القعنبي)(210 - رواية أبي مصعب الزهري)(85 - رواية سويد بن سعيد الحدثاني)(155 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)، ومن طريقه: الشافعي في الأم (8/ 544 و 711/ 3650 و 1/ 397)، وفي المسند (212 و 228)، وأبو داود (742)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 68)، والبيهقي في بيان خطأ من أخطأ على الشافعي (154)، وفي المعرفة (1/ 541/ 760).

قال أبو داود: "لم يذكر: "رفعهما دون ذلك" أحدٌ غيرُ مالك فيما أعلم".

قلت: هكذا رواه عن مالك: الشافعي، والقعنبي، وأبو مصعب الزهري، ويحيى بن يحيى الليثي، وسويد بن سعيد، ومحمد بن الحسن.

ورواه إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا مالك به، إلا أنَّه لم يذكر فيه قوله:"حذو منكبيه"، و"رفعهما دون ذلك".

أخرجه البخاري في رفع اليدين (129).

وانظر فيمن وهم فيه على الشافعي فرفعه: كان خطأ من أخطأ على الشافعي (153)، المعرفة للبيهقي (1/ 541/ 761)، تاريخ دمشق (14/ 320).

قال البيهقي: "هذا هو الصحيح عن الشافعي [يعني: موقوفًا]، وكذلك رواه أصحاب الموطأ عن مالك، وروي من أوجه غريبة عن مالك مرفوعًا، وليس بمحفوظ.

والحديث في الأصل مرفوعٌ، رواه عبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، وأيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي روايتهم زيادة الرفع عند الركوع، وفي رواية عبيد الله بن عمر زيادة الرفع إذا قام من الركعتين، وليس في روايتهم:"دون ذلك"، بل في رواية أيوب وموسى بن عقبة: وإذا ركع، وإذا استوى قائمًا من ركوعه حذو منكبيه، ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك".

ويمكن أن يقال هنا: فكما أتى مالك بهذه الزيادة المخالفة لرواية الجماعة، وقد أنكرها عليه أبو داود والبيهقي، والمحفوظ عن ابن عمر بخلافها، فكذلك قصر مالك بذكر الرفع في هذا الحديث، أو شك فيه فتركه، أو اقتصر هو على الموقوف حسب.

ويمكن أن يكون نافع قد حدث مالكًا بما رآه من ابن عمر مرة، وهو خلاف ما داوم عليه، لكن رواية ابن جريج تنفي ذلك، وأن الرفع في المواضع الأربعة كان سواء، والله أعلم.

ص: 247

• وقد وهِم جماعة فرووه عن مالك به مرفوعًا مجودًا، مثل:

رزق الله بن موسى، عن يحيى بن سعيد القطان [ورزق الله بن موسى: قال فيه النسائي: "صالح"، ووثقه ابن شاهين والخطيب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة:"روى عن يحيى بن سعيد وبقية أحاديث منكرة، وهو صالح لا بأس به"، وقال العقيلي في حديثه هذا:"ولم يتابع على رفعه"، وقال في الموقوف:"وهذا أولى"، وقال الذهبي:"وقد وهم فرفع حديثًا يرويه عن يحيى القطان، ولأجله قال العقيلي: في حديثه وهم"، التهذيب (1/ 605)، الميزان (2/ 48)].

وخالد بن سليمان أبو معاذ البلخي [ضعفه ابن معين، ومشاه غيره، وحدث عن مالك بما لا يتابع عليه. اللسان (3/ 322)].

وداود بن عبد الله [ابن أبي الكرام الجعفري المدني: صدوق، أخطأ على مالك في هذا الحديث. التهذيب (1/ 565)]، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني [مدني، ضعيف]، وعبد الله بن نافع الصائغ [مدني: ثقة، صحيح الكتاب، لزم مالكًا، لكن روى عنه غرائب. التهذيب (2/ 443)]، وخالد بن مخلد [القطواني الكوفي: صدوق، له مناكير].

أخرج روايتهم: العقيلي (2/ 68)، وابن حبان في كتاب الصلاة (9/ 276/ 11131 - إتحاف المهرة)، وابن المقرئ في المعجم (796)، وابن شاهين في الناسخ (250)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (240)(2395 - المخلصيات)، والخليلي في الإرشاد (1/ 203) و (3/ 976)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 320) و (51/ 48).

قال العقيلي عن رزق الله بن موسى: "ولم يتابع على رفعه"، ثم قال في حديث القعنبي عن مالك:"وهذا أولى".

وقال الدارقطني في العلل (13/ 14/ 2902): "والمحفوظ عن مالك: ما رواه في الموطأ: عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا: أنَّه كان يرفع إذا افتتح، وإذا رفع رأسه من الركوع"، ثم قال في المرفوع:"ولا يصح ذلك في حديث مالك".

وقال الخليلي: "وقد أخطأ فيه رزق الله بن موسى، وهو صالح، من حديث يحيى بن سعيد القطان عن مالك"، ثم ذكر من تابعه على هذا الخطأ والوهم، ومن سرقه من المتهمين بالكذب، وقال في رواية خالد بن سليمان:"هذا خطأ".

2 -

الليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، قال: حدثني نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان إذا استقبل الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (35 و 105).

4 -

ابن جريج [ثقة فقيه عالم]، قال: أخبرني نافع؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكبر بيديه

ص: 248

حين يستفتح، وحين يركع، وحين يقول: سمع الله لمن حمده، وحين يرفع رأسه من الركوع، وحين يستوي قائمًا.

قلت لنافع: كان ابن عمر يجعل الأُولى أرفعَهن؟ قال: لا.

ولفظه في المصنف: أن ابن عمر كان يكبر بيديه حين يستفتح، وحين يركع، وحين يقول: سمع الله لمن حمده، وحين يرفع رأسه من الركعة، وحين يستوي قائمًا من مثنى، قال: ولم يكن يكبر بيديه إذا رفع رأسه من السجدتين. قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأُولى منهن أرفعهن؟ قال: لا سواء، قلت: أكان يخلف بشيء منهن أذنيه؟ قال: لا، ولا يبلغ وجهه، فأشار لي إلى الثديين، أو أسفل منهما.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 68/ 2520)، ومن طريقه: البخاري في رفع اليدين (83).

5 -

عبد الكريم بن مالك الجزري [ثقة متقن]، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّه كان إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه وكبر، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا أراد أن يسجد كبر ورفع يديه.

أخرجه أبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (12)، قال: حدثنا عبد الله: حدثنا عبد الجبار: حدثنا عبيد الله، عن عبد الكريم به.

وهذا موقوف بإسناد صحيح غريب؛ عبيد الله بن عمرو الرقي: ثقة فقيه، وكان أحفظ من روى عن عبد الكريم الجزري، وعبد الجبار بن عاصم أبو طالب النسائي: قال ابن معين والدارقطني: "ثقة"، وقال ابن معين مرة:"صدوق"، وقال أخرى:"لا بأس به"، وروى عنه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له [سؤالات ابن محرز (1/ 356) و (2/ 583)، الجرح والتعديل (6/ 33)، علل ابن أبي حاتم (165)، الثقات (8/ 418)، علل الدارقطني (12/ 29/ 2371)، فتح الباب (4094)، تاريخ بغداد (11/ 111)، تاريخ دمشق (34/ 14)، التهذيب (2/ 468)]، وأبو القاسم البغوي، عبد الله بن محمد بن عبد العزيز: ثقة حافظ [السير (14/ 440)].

وهو شاذ بذكر الرفع مع السجود.

• قال أبو داود: "الصحيح قول ابن عمر، ليس بمرفوع".

وقال الدارقطني في العلل (13/ 15/ 2902): "والموقوف عن نافع أصح"[الفتح لابن رجب (2/ 317)].

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 318): "فرواية نافع عن ابن عمر: الأكثرون على أن وقفها أصح من رفعها، وكل هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم القيام من الثنتين، وصحح رفعها البخاري والبيهقي".

وكأن ابن رجب مال في الفتح (2/ 318) إلى ترجيح قول أبي داود والدارقطني.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 224): "والذي يظهر: أن السبب في هذا الاختلاف:

ص: 249

أن نافعًا كان يرويه موقوفًا ثم يعقبه بالرفع، فكأنه كان أحيانًا يقتصر على الموقوف، أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه، والله أعلم".

قلت: وهذا هو الصواب؛ وقد سبق أن ذكرته ودللت على صحته، فالبخاري قد أصاب في إخراج المرفوع في صحيحه، فقد توبع عبيد الله بن عمر على رفعه، كما قد توبع على ذكر الرفع عند القيام من الركعتين، وقول ابن رجب:"وكل هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم القيام من الثنتين" فليس بصحيح؛ فقد ذكره الليث بن سعد وابن جريج عن نافع، فحديث نافع عن ابن عمر: ثابت مرفوعًا، وبزيادة الرفع عند القيام من الركعتين، والله أعلم.

• ورواه أيضًا موقوفًا على ابن عمر:

أ - معمر بن راشد: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتَّى تحاذي أذنيه، وحين يرفع رأسه من الركوع فاستوى قائمًا فعل مثل ذلك.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (104).

وهذا موقوف، بإسناد صحيح غريب، والمحفوظ عن ابن عمر: الرفع حذو المنكبين.

ج - أيوب بن سليمان: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن العلاء؛ أنَّه سمع سالم بن عبد الله؛ أن أباه كان إذا رفع رأسه من السجود، وإذا أراد أن يقوم رفع يديه.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (34).

وهذا إسناد مدني جيد.

ويمكن حمله على ما صح عن ابن عمر في الرفع عند الرفع من الركوع، والقيام من الركعتين؛ إلا أن يكون الوهم فيه من العلاء بن عبد الرحمن الحرقي، فقد أُنكرت عليه أحاديث [التهذيب (3/ 346)].

ج - ابن جريج، قال: أخبرني حسن بن مسلم، قال: سمعت طاووسًا وهو يُسأل عن رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: رأيت عبد الله، وعبد الله، وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة؛ لعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (62)، وعبد الرزاق في مصنفه (2/ 69/ 2525)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (3/ 138/ 1385).

وهذا موقوف بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم [انظر: التحفة (4/ 407 و 408 - ط الغرب)].

• وروى شعبة، عن الحكم، قال: رأيت طاوسًا إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، فقال إنسان: إنه يُذكَر أو يحدَّث به [أو: إنه يذكُر، أو يحدِّث به] عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 250

وفي رواية غندر: وحدثنا رجل من أصحابه أنَّه يحدِّث به عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه النسائي في الإغراب (150 - الرابع منه)، وأحمد (2/ 44)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (256).

هكذا رواه عن شعبة: محمد بن جعفر غندر [ثقة، من أثبت أصحاب شعبة، وكتابه حكَمٌ بينهم]، وعلي بن الجعد [وهو: ثقة ثبت، من أصحاب شعبة]، وأبو النضر هاشم بن القاسم [ثقة ثبت، من أصحاب شعبة].

ورواه آدم بن أبي إياس [وهو: ثقة مأمون، من أصحاب شعبة]، عن شعبة بمثله، ثم قال [يعني: الحكم]: فسألت رجلًا من أصحابه، فقال: إنه يحدّث به عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (131) مختصرًا، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 583/ 1147) و (3/ 1037/ 2231)، والبيهقي (2/ 74)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 160 - 161)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 118/ 101).

قال أبو عبد الله الحاكم: "فالحديثان كلاهما محفوظان عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ورأى أباه فعله، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: هذا لو اختلف المخرج، أما إذا اتحد مخرج الحديث فلا؛ فإن مداره على شعبة، واختلف عليه فيه جماعة من أصحابه؛ والصواب: قول الجماعة؛ فإن فيهم من أثبت أصحابه: غندر، وتابعه اثنان من الثقات الأثبات، فقولهم أولى بالصواب من حديث آدم، والحديث معروف عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا بأسانيد عديدة.

وهو هنا لا يصح مرفوعًا من طريق طاوس؛ لأجل الواسطة المبهمة، ودعوى من ادعى أن هذا الرجل قد حدَّث به بحضرة طاوس، فلم ينكر عليه، فهي دعوى لا دليل عليها، والله أعلم.

قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 415): "قال الشيخ [يعني: ابن دقيق العيد] في الإمام: وفي هذا نظر [يعني: قول الحاكم]؛ ففي علل الخلال: عن أحمد بن أثرم، قال: سألت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- عن حديث شعبة عن الحكم أن طاوسًا يقول: عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: من يقول هذا عن شعبة؟ قلت: آدم بن أبي إياس، فقال: ليس هذا بشيء؛ إنما هو عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني: هكذا رواه آدم بن أبي إياس وعمار بن عبد الجبار المروزي، عن شعبة، وهُما وهِما فيه، والمحفوظ: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ [يعني: ابن دقيق العيد]: وأيضًا فهذه الرواية ترجع إلى مجهول؛ وهو الَّذي حدث الحكم من أصحاب طاوس، فإن كان روي من وجه آخر متصلًا عن عمر، وإلا فالمجهول لا يقوم به الحجة"، ثم ذكر الحديث الآتي.

ص: 251

• وأما ما أخرجه البيهقي في الخلافيات: من طريق ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح الحضرمي، عن أبي عيسى سليمان بن كيسان المدني، عن عبد الله بن القاسم، قال: بينما الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ خرج عليهم عمر بن الخطاب، فقال: أقبلوا عليَّ بوجوهكم أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي ويأمر بها، فقام مستقبل القبلة، ورفع يديه حتَّى حاذى بهما منكبيه، وكبر، ثم غض بصره، ثم رفع يديه حتَّى حاذى بهما منكبيه، ثم كبر ثم ركع، وكذلك حين رفع، فقال للقوم: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا.

ذكره أبو الفتح اليعمري في النفح الشذي (4/ 390)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 415)، وابن كثير في مسند الفاروق (1/ 208/ 94)، وفي الأحكام الكبير (3/ 288).

قال الزيلعي: "قال الشيخ [يعني: ابن دقيق العيد]: ورجال إسناده معروفون، فسليمان بن كيسان أبو عيسى التميمي: ذكره ابن أبي حاتم وسمى جماعة روى عنهم، وجماعة رووا عنه، ولم يعرف من حاله بشيء، وعبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق: ذكره أيضًا، وذكر أنَّه روى عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وروى عنه جماعة، ولم يعرف من حاله أيضًا بشيء".

قلت: عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر: ذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال ابن القطان:"لا تُعرف حاله"، ولم يذكر له البخاري في تاريخه الكبير سماعًا من أحد من الصحابة الذين روى عنهم، وهم: ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، سوى جارةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم[التهذيب (2/ 404)، إكمال مغلطاي (8/ 124)، التاريخ الكبير (5/ 173)، بيان الوهم (3/ 451/ 1211)]، فإن كان لا يُعرف له سماع من صغار الصحابة، فلأن لا يكون له إدراك لعمر فمن باب أولى، فكيف يقال إذًا بأنه قد رأى عمر؟ وهو يروي عن ابن المسيب عن عمر! [سنن أبي داود (1793)]، والله أعلم.

وسليمان بن كيسان هذا هو أبو عيسى الخراساني، نزيل مصر: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال ابن القطان:"مجهول"[التهذيب (4/ 569)، الميزان (4/ 560)، بيان الوهم (3/ 52 / 708) و (3/ 451 / 1210)].

وعلى هذا فلا يثبت هذا عن عمر، لما في رواته من جهالة، وعدم اتصال إسناده، والله أعلم.

• وأما حديث محارب بن دثار عن ابن عمر، فسوف يأتي تخريجه في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى، بعد حديث واحد، برقم (743).

• وقد روى الوليد بن مسلم، قال: سمعت زيد بن واقد، يحدث عن نافع؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا رأى رجلًا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى.

وفي رواية: كان ابن عمر إذا رأى مصليًا لا يرفع يديه في الصلاة حصبه، وأمره أن يرفع يديه. وفي أخرى: كان إذا أبصر رجلًا يصلي لا يرفع يديه كلما خفض ورفع، حصبه حتَّى يرفع يديه.

ص: 252

أخرجه البخاري في رفع اليدين (36)، وأحمد في مسائل ابنه عبد الله (253)، والحميدي (1/ 515/ 627)، والسهمي في تاريخ جرجان (476)، والدارقطني (1/ 289)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (218)، والخطيب في السابق واللاحق (58 - 59).

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عمر، وقول الدارقطني في العلل (13/ 15/ 2902) بأن زيد بن واقد قد أغرب بهذا اللفظ، فلا يُعلُّه، فهو حديث مستقل، وهو هنا ينقل عن نافع حال ابن عمر في الإنكار على من لا يرفع يديه، وزيد بن واقد: شامي ثقة، قد وثقه الأئمة من أهل بلده والغرباء، وثقه: أحمد، وابن معين، ودحيم، والعجلي، والدارقطني، وغيرهم [التهذيب (1/ 671)]، وقد احتج أحمد والبخاري بحديث زيد بن واقد هذا في رد حديث أبي بكر بن عياش الآتي ذكره، والله أعلم.

• وأما ما رواه أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد؛ أنَّه لم ير ابن عمر رضي الله عنهما رفع يديه إلا في أول التكبير.

وفي رواية قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا حين يفتتح الصلاة. فهو وهم.

علقه البخاري في رفع اليدين (37)، ووصله: ابن أبي شيبة (1/ 214/ 2452)، وابن المنذر (3/ 148/ 1390)، والطحاوي (1/ 225)، والبيهقي في المعرفة (2/ 428).

قال البخاري: "وروى عنه أهل العلم أنَّه لم يُحفظ من ابن عمر إلا أن يكون سها كما يسهو الرجل في الصلاة في الشيء بعد الشيء، كما أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ربما يسهون في الصلاة فيسلمون في الركعتين وفي الثلاث، ألا ترى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصى، فكيف يترك ابن عمر شيئًا يأمر به غيره، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله".

قال البخاري: "قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر عن حصين: إنما هو توهمٌ، لا أصل له".

وقال في موضع آخر (171 - 174): "والَّذي قال أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد، قال: ما رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا في التكبيرة الأُولى؛ فقد خولف في ذلك عن مجاهد.

قال وكيع عن الربيع بن صبيح، قال: رأيت مجاهدًا يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

وقال جرير عن ليث، عن مجاهد؛ أنَّه كان يرفع يديه.

وهذا أحفظ عند أهل العلم.

قال صدقة: إن الَّذي روى حديث مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّه لم يرفع يديه إلا في أول تكبيرة، كان صاحبه قد تغير بآخرة [يريد: أبا بكر بن عياش].

والذي رواه الربيع والليث أولى، مع أن طاوسًا وسالمًا ونافعًا وأبا الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع" [انظر: المعرفة للبيهقي (1/ 556)، مختصر الخلافيات (2/ 85)].

ص: 253

وقال أيضًا (63): "ولو تحقق حديث مجاهد أنَّه لم ير ابن عمر رفع يديه؛ لكان حديث طاوس وسالم ونافع ومحارب بن دثار وأبي الزبير حين رأوه: أولى؛ لأنَّ ابن عمر رضي الله عنهما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم مع ما رواه أهل العلم من أهل مكة والمدينة واليمن والعراق أنَّه كان يرفع يديه".

وقال ابن هانئ في مسائله (237) عن الإمام أحمد: "وسئل عن حديث مجاهد: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا حين يفتتح الصلاة؟ قال: هذا خطأ؛ نافع وسالم أعرف بحديث ابن عمر، وإن كان مجاهد أقدم، فنافع أعلم منه.

وسئل عن حديث ابن عمر في الرفع؟ قال: رواه أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عمر، وهو باطل، وقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، وقد روي عنه مرسلًا خلاف ذلك، حديث الوليد: أنَّه كان إذا رأى رجلًا لم يرفع يديه حصبه" [وانظر أيضًا: (240)].

وقال ابن المنذر: "وأما ابن عمر فالمشهور عنه بالأسانيد الجياد من وجوه شتى: رفع يديه في الصلاة في ثلاثة مواضع كفعل أصحابه، روى عنه ذلك سالم ونافع، وهما كانا يفعلان ذلك، وهما أعلم به من غيرهما".

وقال الدارقطني في العلل (13/ 16/ 2092): "وروي عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عمر: أنَّه كان لا يرفع إلا في افتتاح الصلاة، ثم لا يعود، قاله أبو بكر بن عياش عن حصين، وهو وهم منه، أو من حصين".

وذكر الحاكم أبو عبد الله: أن المحفوظ في ذلك عن أبي بكر بن عياش: إنما هو عن عبد الله بن مسعود، لا عن عبد الله بن عمر [مختصر الخلافيات (2/ 86)، البدر المنير (3/ 501)].

• فإن قيل: قد روى الإمام أحمد في مسنده (2/ 61)، قال: ثنا وكيع، عن حماد [هو: ابن زيد]، عن بشر بن حرب: سمعت ابن عمر يقول: إن رفعَكم أيديَكم بدعةٌ؛ ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا؛ يعني: إلى الصدر.

ومن هذا الوجه: أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المسند (4/ 178/ 517 - مطالب)، لكن قال في آخره بدل: إلى الصدر، قال: يعني بإصبعه، وزاد فيه: في الصلاة.

قلت: أين بشر بن حرب الأزدي، أبو عمرو النَّدَبي البصري هذا، من أصحاب ابن عمر الذين رووا عنه رفع اليدين في الصلاة؛ فقد روى عن ابن عمر رفعَ الأيدي عند الركوع وعند الرفع منه - مرفوعًا وموقوفًا - جماعة من أثبت أصحابه، وأطولهم له ملازمةً، وأكثرِهم عنه روايةً، مثل: ابنه سالم، ومولاه نافع - وكفى بهما -، وطاوس، ومحارب بن دثار، وأبي الزبير، قال البخاري في رفع اليدين (174): "

مع أن طاوسًا وسالمًا ونافعًا وأبا الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع".

ص: 254

وبشر بن حرب هذا: قد ليَّنه أو ضعفه أو تركه: سليمان بن حرب، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وابن المديني - في رواية البخاري عنه -، والبخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وأبو داود، والنسائي، وابن سعد، والعجلي، وابن خراش، والجوزجاني، وابن حبان، والدولابي، وأبو أحمد الحاكم، والبيهقي، وغيرهم، ومشاه ابن عدي، فقال:"ولا أعرف في رواياته حديثًا منكرًا، وهو عندي لا بأس به"، وكان حماد بن زيد يمدحه ويطريه تبعًا لأيوب، ووثقه ابن المديني في رواية ابن أبي شيبة [تهذيب الكمال (4/ 110)، تهذيب التهذيب (1/ 225)، الميزان (1/ 314)، إكمال مغلطاي (2/ 392)، سؤالات المروذي (143)، ضعفاء البخاري (39)، التاريح الأوسط (1/ 312)، التاريخ الكبير (2/ 71)، سؤالات الآجري (2/ 92)، أحوال الرجال (151)، أسامي الضعفاء لأبي زرعة (2/ 603)، ضعفاء النسائي (78)، السنن الكبرى للنسائي (3/ 219/ 2807)، كنى الدولابي (2/ 776)، الضعفاء الكبير للعقيلي (1/ 138)، الجرح والتعديل (2/ 353)، المجروحين (1/ 186)، الكامل (2/ 8)، تعليقات الدارقطني على المجروحين (29)، السنن الكبرى للبيهقي (2/ 213)، مختصر الخلافيات (2/ 140)، الاعتبار (1/ 372)، الأنساب (5/ 477)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1241)].

فهو ضعيف؛ لا تقوم به حجة لو انفرد؛ فكيف إذا خالف.

وليس في هذا الحديث ما يدل على نفي رفع اليدين في الصلاة، أو أن رفعهما في الصلاة بدعة، بل هو على خلاف ذلك، فهو حجة لنا لا لهم لو كان في رفع اليدين في الصلاة، وغاية ما فيه أن رفع اليدين فوق الصدر بدعة، فيقال: لو صح الحديث لكان حمله على رفع اليدين في الدعاء أولى من حمله على رفع اليدين في الصلاة، لقرينة رواية ابن أبي شيبة، ولما سيأتي بيانه.

قال ابن حبان في المجروحين (1/ 186)(1/ 211 - ط الصميعي) عن بشر هذا: "وهو الَّذي روى عن ابن عمر، قال: أرأيتم رفعَكم أيديَكم في الصلاة؛ إنها لبدعة، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا.

وقد تعلَّق بهذا الخبر جماعةٌ ممن ليس الحديث صناعتهم، فزعموا أن رفعَ اليدين في الصلاة عند الركوع وعند رفع الرأس منه بدعةٌ، وإنما قال ابن عمر: أرأيتم رفع أيديكم في الدعاء بدعة -يعني: إلى أذنيه-، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا؛ يعني: ثديه، هكذا فسره حماد بن زيد، وهو ناقل الخبر.

أخبرناه الحسن بن سفيان، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب، قال: سمعت ابن عمر، يقول: أرأيتم رفع أيديكم في الصلاة هكذا، ورفع حماد بن زيد يديه حتَّى حاذاهما أذنيه، والله إنها لبدعة، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا شيئًا قط، وأومأ حماد إلى ثدييه.

ص: 255

والعرب تسمي الصلاة دعاءً، فخبر حماد هذا: أرأيتم رفع أيديكم في الصلاة: أراد به في الدعاء، والدليل على صحة ما قلت:

أن الحسن بن سفيان حدثنا، قال: حدثنا محمد بن علي الشقيقي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن أبي عمرو الندبي بشر بن حرب، قال: حدثني ابن عمر، قال: والله ما رفع نبي الله صلى الله عليه وسلم يديه فوق صدره في الدعاء.

جوَّد الحسين بن واقد حفظه، وأتى الحديث على جهته كما ذكرنا".

وحديث حماد بن زيد هذا:

أخرجه من هذا الوجه: البيهقي في الخلافيات (2/ 84 - مختصره)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 28/ 397)، وعلقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 426/ 725).

قال البيهقي: "وهذا مجمل بُيِّن في روايةٍ أخرى عن حماد بن سلمة، عن بشر، عن ابن عمر: والله إن رفعَكم أيديَكم في السماء لبدعةٌ - يحلف عليها ثلاثًا -، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، ورفع يديه حذو ثدييه.

قال الدارمي: فهذا دليل على أنَّه في الدعاء، لا في التكبير عند الركوع، فإن أبيت إلا أن تحتج به كان عليك ولنا، فإنه قد أباح رفعهما على كل حال، ولو صح هذا عن ابن عمر كما رويت عند الركوع، لم يكن لك فيه كثير راحة؛ لأنَّ بشر بن حرب ليس له من التقدم في الرواية ما يدفعُ بروايته روايةَ الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواية بضعة عشر رجلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلَ أمة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعين، سمعت يحيى بن معين يضعِّف بشرًا في الحديث.

وروى الحسين بن واقد، عن بشر بن حرب أبي عمرو الندبي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: والله ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فوق صدره في الدعاء.

قال أبو عبد الله الحاكم: فهذا الحسين بن واقد على صدقه وإتقانه قد أتى بالمعنى الَّذي أشرنا إليه" [ونقل ابن الملقن هذا النص في البدر المنير (2/ 498)، وصححته منه].

وقال الجوزقاني: "هذا حديث منكر؛ تفرد به بشر بن حرب عن ابن عمر رضي الله عنهما، ثم أطال في بيان حال بشر.

وقال ابن الجوزي: "هذا حديث منكر، تفرد به بشر، وقد ضعفه ابن المديني ويحيى والنسائي وغيرهم، وكان ينفرد عن الثقات بما ليس من حديثهم".

وقد ترجم له بقوله: "حديث في ذكر الحد الَّذي ترفع الأيدي إليه".

• ومما يؤيد ما ذهب إليه الدارمي وابن حبان والحاكم والبيهقي من كون حديث بشر بن حرب هذا إنما هو في الدعاء ما رواه:

حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا بعرفةَ يدعو هكذا، ورفع يديه حيال ثَنْدُوَتَيه، وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض، وفي رواية: وجعل ظهر كفيه مما يلي وجهه، ورفعهما فوق ثندوتيه، وأسفل من منكبيه، وفي رواية: وجعل ظهر كفيه مما يلي صدره.

ص: 256

أخرجه أحمد (3/ 13 و 14 و 85 و 96)، والطيالسي (3/ 625 / 2288)، وأحمد بن منيع في مسنده (7/ 24 و 25/ 1243 - مطالب)، وابن أبي شيبة (6/ 52 / 29407)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3327)، والطحاوي (2/ 177).

ففي هذا الحديث بيان الحد الَّذي ترفع إليه الأيدي في الدعاء، وهو صريح فيه، ولا أرى بشر بن حرب إلا واهمًا في كلا الحديثين، وما هو إلا اضطراب منه، فمرة يجعله عن ابن عمر، ومرة يجعله عن أبي سعيد، وهو حديث منكر، كما صرح بذلك جماعة من الحفاظ، والله أعلم.

وأما ما رواه جبارة بن المغلس: ثنا حماد [يعني: ابن زيد]، عن بشر بن حرب، قال: قال ابن عمر: رأيتُكم، رفعْتُم أيديكم في الصلاة! والله إنها لبدعة، ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا قط، وقال حماد: وضع يده عند حنكه هكذا.

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 9).

فهو من أباطيل جبارة بن المغلس، فإنه: ضعيف؛ يروي أحاديث كذب، لا يتعمدها.

وأما ما رواه ابن عدي، قال: ثنا عبد الله بن حمدويه البغلاني بمكة: ثنا محمود بن آدم: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي عمرو الندبي، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في التكبير فوق صدره.

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 9).

فإن رجاله ثقات؛ عدا شيخ ابن عدي، عبد الله بن حمدويه البغلاني: شيخ يروي عنه العقيلي وابن عدي وأبو بكر الإسماعيلي وغيرهم، وترجم له الإسماعيلي في معجم شيوخه (309)، وكذا الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 446)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ فلعل التبعة فيه عليه، فإن هذه الرواية وهمٌ؛ وإنما العمدة على ما رواه ابن حبان في المجروحين (1/ 186) بإسناد صحيح إلى الحسين بن واقد، عن أبي عمرو الندبي بشر بن حرب، قال: حدثني ابن عمر، قال: والله ما رفع نبي الله صلى الله عليه وسلم يديه فوق صدره في الدعاء، وتقدم، والله أعلم.

***

742 -

. . . مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا ابتدأ الصلاةَ يرفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك.

قال أبو داود: لم يذكر: "رفعهما دون ذلك" أحدٌ غيرُ مالك فيما أعلم.

• موقوف صحيح، دون قوله: رفعهما دون ذلك.

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق.

***

ص: 257