الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقال عند الفزع من النوم
…
130 / مَا يُقالُ عِنْدَ الفَزَعِ فِي النَّوْمِ
إنَّ من الأذكار العظيمة النافعة لِمَن يُروَّع في منامه أو يجد وحشة وقلقاً، أو يُصيبه الفزع في نومه أن يقول عند حصول شيء من ذلك له:"أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ".
فقد روى أبو داود والترمذي وغيرُهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ"1.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن الوليد بن الوليد رضي الله عنه أنَّه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنِّي أجدُ وحشةً، قال:"إِذَا أَخَذْتَ مَضْجِعَكَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأن يَحْضُرُونِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ وبالحَرِيِّ أَنْ لَا يَقْرَبك"2.
وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال: بلغنِي أنَّ خالد بن الوليد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنِّي أُروَّعُ في منامي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قل: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ"3.
1 سنن أَبي داود (رقم:3893)، والترمذي (رقم:3528) ، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:701) .
2 المسند (4/57)، وذكره الألباني رحمه الله في صحيح الكلم الطيب (ص:41) .
3 الموطأ (رقم:2737)، وقال ابن عبد البر:"وهذا حديث مشهور مسنداً وغير مسند"، ثم أسنده من طريق ابن عيينة وغيره. التمهيد (21/109)، وانظر: الصحيحة (رقم:264) .
وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة عن محمد بن المنكدر قال: جاء رجلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فشكا إليه أهاويلَ يراها في المنام، فقال:"إذا أَوَيتَ إلى فراشك فقل: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِن شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ"1.
فهذا دعاءٌ عظيمٌ أرشَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَن يُصاب في نومه بشيء من الفزع والخوفِ، بسبب ما قد يرى في منامه من الأشياء المخوفة أن يقوله ليذهب عنه فزعُه، ولتطمئنَّ نفسُه، وليسكنَ ويهدأَ في نومه، ولينصرفَ عنه خوفُه وروعُه، وهو دعاءٌ عظيم مبارَك، يعلن فيه العبدُ التجاءَه إلى الله واحتماءَه به وفرارَه إليه من غضبه وعقابه سبحانه، ومن شرِّ عبادِه، ومن همزات الشياطين ومن أن يحضروا العبد، سواء في نومه أو في كلِّ أحواله.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن قاله لا تضرُّه الشياطين، بل يكون في عافية وسلامة منها.
وقوله: "أعوذ بكلمات الله التَّامَّة": أي: ألتجئُ، فالاستعاذةُ التجاءٌ إلى الله واعتصامٌ به، والعائذُ بالله فارٌّ من كلِّ ما يؤذيه إلى ربِّه سبحانه الذي بيده أزِمةُ الأمور وتدبيرُ الخلائق، وكلماتُ الله التَّامَّة أي: التي لا يلحقُها نقصٌ ولا عيبٌ كما يلحقُ كلامَ البشر.
وقوله: "من غضبه وعقابه" الغضب صفةٌ فعليَّةٌ ثابتةٌ لله تبارك وتعالى، وَصَفَ بها نفسَه في كتابه، ووصَفَه بها رسولُه صلى الله عليه وسلم في سنَّته، وهو جلَّ وعلا يغضب ويرضى ويحبّ ويبغض، وله صفاتٌ فعليّةٌ كثيرةٌ وردت في الكتاب
1 عمل اليوم والليلة لابن السني (رقم:742)، وراجع السلسلة الصحيحة (رقم:264) .
والسُّنَّة، ومنهج أهل السنَّة وهو المنهجُ الحقُّ الذي ينبغي أن يكون عليه كلُّ مسلم تجاه هذه الصفات أنَّهم يُثبتونها لله كما أثبتها سبحانه لنفسه وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم دون أن يخوضوا في شيء منها بتحريفٍ أو تعطيلٍ أو تكييف أو تمثيل، فهم يُؤمنون بأنَّ الرَّبَّ العظيم يغضبُ، ويتعوَّذون به سبحانه من غضبه ومن كلِّ شيءٍ يُغضِبه، ويُجاهدون أنفسَهم على البُعدِ عن كلِّ ما يُغضِبه سبحانه ويوجبُ عقابه.
وإنَّ مِمَّا يُغضبُ الرَّبَّ ويوجبُ عقابه أن يلجأ العبدُ في مُلمَّاته وعند خوفه وفزعه إلى غيرِه سبحانه، وكيف يليقُ بالعبد الضَّعيف أن يلجأ إلى عبدٍ ضعيف مثلِه، وكيف يلجأ المخلوقُ إلى مخلوقٍ مثلِه ويَدَعُ ربَّ العالَمين وخالقَ الخلق أجمعين، وهنا ندرك ضَحالة عقولِ وتفاهةَ أفكارِ مَن يذهبون في مُلمَّاتِهم وعند فزَعهم إلى الكهنة والعرَّافين والدجاجلة والمشعوذين والسَّحرة والمنجِّمين وغيرِهم من إخوان الشياطين، يشكون إليهم حالَهم، ويُنزلون بأبوابهم حاجتَهم، ويطلبون منهم تخليصَهم من كربتِهم وإنجاءهم من فزعهم، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تُطلبُ إلَاّ من الله ولا يُلجأ فيها إلَاّ إليه وحده {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 1، فهل يجيب المضطَرَّ الذي أقلقته الكروبُ وتعسَّر عليه المطلوب، واضطر للخَلاص مِمَّا هو فيه إلَاّ الله وحده وهل يكشف السوءَ الذي يُصيب الإنسانَ ويَحِلُّ به إلَاّ الله وحده ولكنْ تذَكُّرُ الناسِ لهذا الأمر قليلٌ، وتدبُّرُهم له ضعيف، وإلَاّ لَمَا أقبلوا على غير الله، ولَمَا لجاءوا إلى أحدٍ سواه.
1 سورة النمل، الآية:(62) .
وقوله: "من غضبه وعقابه" فيه جمعٌ بين الصفةِ وأثرها، فالصفةُ هي الغضب، وأثرُها هو حلولُ العقاب، نعوذ بالله من ذلك.
وقوله: "وشرِّ عباده" أي: مِن كلِّ شرٍّ في أيِّ عبدٍ من عبادِك قام به الشرُّ، والعبوديةُ هنا المراد بها العبودية العامة؛ إذ المخلوقات كلُّها معبَّدةٌ مُذلَّلةٌ لله خاضعةٌ له سبحانه، كما قال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 1.
وقوله: "ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" الهمزات جمع همزة، والهمزة النخس، والمراد نزغاتُ الشياطين ووساوسُهم وجميعُ إصاباتهم وأذاهم لبَنِي آدم.
وقوله: "وأن يحضرون" أي: أن يحضرَ الشياطين عندي في جميع أحوالي، وعلى هذا فالعبدُ يستعيذ بالله من همزات الشياطين وأن يحضروه أصلاً ويَحوموا حولَه، فتضمَّنت الاستعاذةُ ألَاّ يَمسُّوه ولا يقربوه.
فما أعظَمه من دعاء، وما أعظَم أثره، وما أجمعه للتعوُّذ من كلِّ ما قد يكون سبباً لفزع الإنسان وقلقه، والله وحده وليُّ التوفيق.
1 سورة: مريم، الآية (93) .