المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌ فضل الأذكار المتعلِّقة بعمل اليوم والليلة

- ‌ أَذْكَارُ طَرَفَيِ النَّهَارِ

- ‌ فضلُ الصَّباح وبَرَكَتُه

- ‌ ومن أذكار النوم

- ‌ من أذكار النّوم

- ‌ومن أذكار الصباح (4)

- ‌ أَذْكَارُ الانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌ أذكار الاستيقاظ من النوم

- ‌ما يقال عند الفزع من النوم

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ أَوْ يَكْرَهُ

- ‌ أَذْكَارُ دُخُولِ المَنْزِلِ

- ‌آداب الخلاء أذكاره

- ‌ أذكار الوضوء

- ‌أذكار الخروج من الصلاة، والدخول الى المسجد والخروج منه

- ‌ ما يقوله مَن سمع الأذان

- ‌ أذكار استفتاح الصلاة

- ‌ أنواع استفتاحات الصلاة

- ‌ أذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين

- ‌ ومن أذكار الصلاة

- ‌ ومن الأذكار المتعلقة بالصلاة

- ‌ أذكار التشهُّد

- ‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

- ‌ شرح حديث عمار في الذِّكر بين التشهد والتسليم

- ‌ الأَذْكَارُ بَعْدَ السَّلَامِ

- ‌ دُعَاءُ القُنُوتِ فِي صَلَاةِ الوِتْرِ

- ‌ دُعَاءُ الاسْتِخَارَةِ

- ‌ أَذْكَارُ الكَرْبِ

- ‌ دعاءُ الغَمِّ وَالهَمِّ وَالحُزْنِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ

- ‌ الأَذْكَارُ الَّتِي تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ

- ‌ مَا يُرْقَى بِهِ المَرِيضُ

- ‌ التعوُّذ من السِّحر والعين والحسد

- ‌مايقال عند المريض

- ‌ما يقال عند حضرة الموت

- ‌ ما يُقال في الصلاة على الجنازة

- ‌ ما يُقال عند دفن الميت وبعده، وعند التعزية، وزيارة المقابر

- ‌ دعاء الاستسقاء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَوْ خُسُوفِ القَمَرِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلَالِ

- ‌ الدُّعَاءُ لَيْلَةَ القَدْرِ

- ‌ أَذْكَارُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَالسَّفَرِ

- ‌ مَا يَقُولُهُ إِذا نَزَلَ مَنْزِلاً أو رَأَى قَرْيَةً أَوْ بَلْدَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا

- ‌ أَذْكَارُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌ مَا وَرَدَ فِي السَّلَامِ

- ‌أذكار النكاح والتهنئه به والدخول بالزوجة ، والذكر المتعلق با لأبناء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ الغَضَبِ

- ‌ أدعية مأثورة في أبواب متفرِّقة

- ‌ كَفَّارَةُ المَجْلِسِ

الفصل: ‌ من أذكار النوم

124 /‌

‌ من أذكار النّوم

لقد أرشد النَّبِيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم المسلمَ عندما يَأوي إلى فراشه لينام إلى جُملةٍ من الآداب العظيمة والخصال الكريمة، والتي يترَتَّب على محافظته عليها وعنايتِه بها آثارٌ حميدةٌ عديدة، منها هدوؤُه في نومه وسكونُه وراحتُه، وسلامتُه من الشرور والآفات، وليصبح من ذلك النوم على نفس طيِّبة، وهِمَّة عالية، وخير ونشاط.

ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجِعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَن ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَجَّهتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَاّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلَامِكَ، قال: فَرَدَدْتُهُنَّ لأَسْتَذْكِرَهُنَّ فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، قَالَ: لَا، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"1.

فهذا الحديثُ العظيمُ يشتمل على بعضِ الآداب التي يَحسُنُ بالمسلم أن يُحافظَ عليها عند نومه، وقد أرشدَ صلى الله عليه وسلم أوَّلَ ما أرشد في هذا الحديث مَن أوَى إلى فراشه أن يتوضأ وضوءَه للصلاة، وذلك ليكون عند النوم على أكمل أحوالِه، وهي الطهارة، وليكون ذكرُه لله عز وجل عند نومه على حال الطهارة، وهي الحالُ الأكملُ للمسلم في ذكره لله عز وجل، ثم وجَّه صلى الله عليه وسلم إلى

1 صحيح البخاري (رقم:6311)، وصحيح مسلم (رقم:2710) .

ص: 62

أن ينامَ المسلمُ على شِقِّه الأيمن، وهي أكملُ أحوال المسلم في نومه، ثمَّ أرشده صلى الله عليه وسلم وهو على هذه الحال الكاملة أن يبدأ في مناجاة ربِّه عز وجل بذلك الدعاء العظيم الذي أرشد إليه صلوات الله وسلامه عليه.

وإنَّ مِمَّا ينبغي أن يعتَنِيَ به المسلمُ في مثلِ هذا المقام أن يتأمَّلَ معانِيَ الأدعية والأذكار المأثورة؛ ليكون ذلك أكملَ له في مناجاته لربِّه عز وجل ودعائه إياه.

وعندما نتأمَّل هذا الدعاء العظيم الوارد في هذا الحديث نجدُ أنَّه اشتمل من المعاني الجليلة والمقاصد العظيمة على جانبٍ عظيم، يحسن بالمسلم أن يكون مستحضراً لها عند نومه.

وقوله: "اللَّهمَّ إنِّي أسلمت نفسي إليك" أي: إنني - يا الله - قد رضيتُ تَمام الرِّضا أن تكون نفسي تحت مشيئتك، تَتَصرَّف فيها بما شئتَ وتقضي فيها بما أردتَ من إمساكها أو إرسالها، فأنت الذي بيده مقاليد السموات والأرض، ونواصي العباد جميعهم معقودةٌ بقضائك وقدرك تقضي فيهم بما أردتَ، وتحكم فيهم بما تشاء، لا رادَّ لقضائك ولا معقِّب لحكمك.

وقوله: "وفوَّضتُ أمري إليك" أي: جعلتُ شأنِي كلَّه إليك، وفي هذا الاعتمادُ على الله عز وجل والتوكل التام عليه، إذ لا حول للعبد ولا قوَّة إلَاّ به سبحانه وتعالى.

وقوله: "وألجأتُ ظهري إليك" أي: أسندتُه إلى حفظك ورعايتك لما علمتُ أنَّه لا سند يُتقوى به سواك، ولا ينفع أحداً إلَاّ حماك، وفي هذا إشارةٌ إلى افتقار العبد إلى الله جل وعلا في شأنه كلِّه في نومه ويقظته وحركته وسكونه وسائر أحواله.

ص: 63

وقوله: "رغبةً ورهبة إليك" أي: إنَّني أقول ما سبق كلَّه وأنا راغبٌ راهب، أي: راغبٌ تمام الرغبة في فضلك الواسع وإنعامك العظيم، وراهبٌ منك ومن كلِّ أمر يوقع في سخطك، وهذا هو شأن الأنبياء والصالحين من عباد الله يجمعون في دعائهم بين الرَّغَب والرَّهَب، كما قال الله تعالى:{إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} 1.

ثم قال صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: "لا ملجأ ولا منجى منك إلَاّ إليك" أي: لا ملاذ ولا مهرَبَ ولا مَخْلَصَ من عقوبتك إلَاّ بالفزع إليك والاعتماد عليك، كما قال تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} 2، وكما قال تعالى:{كَلَاّ لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} 3.

ثم قال: "آمنتُ بكتابك الذي أنزلت وبنبيِّك الذي أرسلت" أي: آمنتُ بكتابك العظيم القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تَنْزيلٌ من حكيم حميد، آمنت وأقررتٌ أنَّه وحيك وتَنْزيلك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنَّه مشتملٌ على الحق والهدى والنور، وآمنت كذلك بنبيِّك الذي أرسلتَ وهو محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه، المبعوث رحمةً للعالمين، آمنت به وبكلِّ ما جاء به، فهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلَاّ وحيٌ يوحى، فكلُّ ما جاء به فهو صدقٌ وحقٌّ.

1 سورة: الأنبياء، الآية (90) .

2 سورة: الذاريات، الآية (50) .

3 سورة: القيامة، الآيتان (11 ـ 12) .

ص: 64

وقوله: "الذي أرسلت" أي: إلى كافة الخلق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين.

ثم قال صلى الله عليه وسلم مبيِّناً فضيلة هذا الدعاء وعظم الخير والفضل المترتب عليه "فإن مُتَّ مُتَّ على الفطرة" أي: على الإسلام، فالإسلام هو دين الفطرة، كما قال الله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} 1 وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث أنَّه قال "وإن أصبحت أصبتَ خيراً" أي: إن لَم تَمُت من ليلتك تلك أصبت في الصباح خيراً، ثواباً لك على اهتمامك بهذا الأمر.

وقد أرشد صلوات الله وسلامه عليه إلى أن يجعل المسلمُ هذا الدعاءَ في آخر الدعوات والأذكار التي يقولها المسلم عند نومه، لتكون هذه الكلمات آخر كلام المسلم عند نومه، ولهذا قال:"واجلعهنَّ آخرَ ما تقول".

وفي قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم للبراء لَمَّا ردَّد الدعاءَ أمامه من أجل استذكاره: "لا، وبنبيِّك الذي أرسلت" دليلٌ على أهميَّة التقيُّد بهذه الأذكار حسب ألفاظها الواردة؛ لكمالها في مبناها ومعناها.

فهذا دعاءٌ عظيم ينبغي على المسلم أن يحافظَ عليه عند نومه، ويتأمَّلَ في دلالاته العظيمة ومعانيه الجليلة؛ ليظفر بعظيم موعود الله لِمَن حافظ عليه واعتنى به، واللهَ الكريم نسأل أن يوفِّقنا وإياكم للمحافظة عليه والعناية به، وأن يوفِّقنا لكلِّ خير يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة.

1 سورة: العنكبوت، الآية (30) .

ص: 65

125 / ومن أَذْكَار النَّوم

إنَّ من الأذكار العظيمة التي كان يُواظبُ عليها النَّبِيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم عند النَّوم وعند الانتباه منه ما رواه البخاري في صحيحه مِن حديثِ حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أَرَادَ أن يَنامَ قال: باسْمك اللَّهمَّ أموتُ وأحيَا، وإذا استَيْقَظَ من مَنَامِه قال: الحمدُ لله الذي أحيانَا بعد ما أمَاتَنَا وإليه النُّشُور "1. وفي لفظ: "كان إذا أوى إلى فراشه"2 أي: دخل فيه، وفي لفظٍ آخر: "كان إذا أخذ مَضْجِعَه"3، وكلُّها بمعنى واحد.

وقولُه: باسمك اللَّهمَّ، أي: باسمك يا الله، والباء للاستعانة، والمعنى: أنام مستعيناً بك، طالباً حفظَك، راجياً الوقايةَ والسلامةَ والعافيةَ منك، وقوله:"أموتُ وأحيا" أي: أنا على هذه الحال ذاكراً لاسمك، فبذكر اسمكَ أحيا ما حييتُ وعليه أموتُ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ المسلمَ لا غنى له عن ذكر ربِّه طرْفةَ عينٍ عند نومِه وفي يقظَته وفي جميع شؤونه، فها هو عند النَّوم يختمُ أعمالَه بذكر الله، وعند الانتباه يكون أوَّلُ أعماله ذكرَ الله، ثم هو في جميع أحايينه محافظاً على ذكر الله، فعلى ذكره سبحانه يحيى، وعليه يموت، وعليه يُبعثُ يومَ القيامة.

وفي قوله: "باسمك اللَّهمَّ أموتُ" عند إرادة النَّوم دلالةٌ على أنَّ النَّومَ يُسمَّى موتاً ويُسمَّى وفاةً، وإن كانت الحياةُ موجودةً فيه، ومن ذلك قولُه

1 صحيح البخاري (رقم:6324) .

2 صحيح البخاري (رقم:6312) .

3 صحيح البخاري (رقم:6314) .

ص: 66

تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} 1، ولهذا قال في تمام هذا الحديث عند الاستيقاظ:"الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا" يشيرُ إلى النَّوم الذي كان عليه الإنسان. والنَّائم يُشبهُ الميِّتَ؛ لأنَّ الحركةَ فيه تتوقَّفُ، والتَّمييزَ يذهبُ، ولهذا كان التكليفُ عنه مرفوعاً حتى يستيقظَ من نومه.

والنَّومُ آيةٌ من آيات الله العظيمة الدَّالَّة على كمال الخالق سبحانه وعظمته واستحقاقه وحده للعبادة، فهو سبحانه الحيُّ الذي لا يموتُ، الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نومٌ، قال الله عز وجل:{وََمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} 2، وهو أيضاً من رحمة الله تعالى بعباده حيثُ جعل لهم وقتاً يستريحون فيه ويستجمُّون كما قال سبحانه:{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 3.

ومن فوائدِ النَّومِ العظيمة أنَّه يذكِّرُ الإنسانَ بالموت الذي هو نهايةُ كلِّ إنسانٍ ومآلُ كلِّ حيٍّ إلَاّ الحيَّ الذي لا يموت، وفي الاستيقاظ منه دلالةٌ على قدرة الله سبحانه على بعث الأجساد بعد موتها وإحيائها بعد وفاتها ولهذا قال عند الاستيقاظ:"الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النُّشور" والنُّشورُ هو البعثُ يوم القيامة والإحياءُ بعد الإماتة، فنبَّهَ بإعادة اليقظَة بعد

1 سورة: الزمر، الآية (42) .

2 سورة: العنكبوت، الآية (23) .

3 سورة: القصص، الآية (73) .

ص: 67

النَّوم ـ الذي هو موتٌ كما تقدَّم ـ على إثبات البعث بعد الموت يوم القيامة يوم يقوم الناسُ لربِّ العالمين. ولهذا ثبت في الأدب المفرد من حديث البراء ابن عازب قال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وضع يدَه تحت خدِّه الأيمن ويقول: "اللَّهمَّ قِنِي عذَابَكَ يومَ تبعثُ عبادَكَ"1.

وقولُه: "الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا" فيه حمدُ الله على هذه النِّعمة العظيمة والمِنَّةِ الجسيمة وهي الإحياءُ بعد الإماتة أي: الاستيقاظُ بعد النَّوم، ومن المعلوم أنَّ الإنسانَ حالَ نومِه يتعطَّلُ عن الانتفاع بهذه الحياة والتمكُّنِ من أداء العبادات، فإذا استيقظ زال عنه ذلك المانعُ، فهو يحمدُ اللهَ جلَّ وعلا على هذا الإنعام ويشكرُه سبحانه على هذا العطاء والإكرام.

ومن جميل ما يرتبطُ بهذا المعنى تمام الارتباط ويتَّفقُ معه تمامَ الاتِّفاق ما خرَّجه الشيخان البخاريُّ ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أوى أحدُكُم إلى فراشِه فلْينفُضْ فراشَه بداخلة إزارِه، فإنَّه لا يدري ما خلَفَهُ عليه، ثمَّ يقول: باسمك ربِّي وضعتُ جنبي وبك أرْفعُه، إنْ أمْسكْتَ نفسي فارْحمْها، وإنْ أرْسلْتَها فاحفظها بما تَحفظُ به عبادَك الصالحين"2.

ومثلُه كذلك ما رواه مسلمٌ في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أنَّه أمر رجلاً إنْ أخذ مضجِعَه قال: "اللَّهمَّ خلقتَ نفسي، وأنت توفَّاها، لك مماتُها ومحياها، إنْ أحييْتها فاحفظْها، وإنْ أمتَّها فاغفر لها، اللَّهمَّ

1 الأدب المفرد (رقم:1215)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (رقم:921) .

2 صحيح البخاري (رقم:6320) وصحيح مسلم (رقم:2714) .

ص: 68

أسألُك العافيةَ" فقال له الرجلُ: أسمعتَ هذا من عمر فقال: من خيرٍ من عمر، من رسول الله صلى الله عليه وسلم "1.

وفي هذه الأحاديث دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ روحَ الإنسان بيد الله سبحانه، فهو الذي أوجدها من العدم وخلقها بعد أن لَم تكن، وهو سبحانه الذي إن شاء أمسكها حالَ نوم الإنسان فيُصبحُ في عداد الأموات، وإن شاء أرسلها فيبقى الإنسانُ بذلك على قيد الحياة، ولهذا قال:"لك مماتُها ومحياها" أي: أنَّ ذلك بيدك وتحت تصرُّفك وتدبيرك، ولا يقدرُ عليه أحدٌ سواك، فأنت المحيي وأنت المميتُ، وأنت على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

ولهذا شُرع للمسلم في هذا المقام أن يسأل ربَّه الحفظَ إنْ كَتَبَ له البقاءَ والحياةَ، ويسأله الرحمةَ والمغفرةَ إنْ كَتب له الموتَ، ففي حديث أبي هريرة قال:"إنْ أمسكتَ نفسي فارحمها، وإنْ أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" وفي حديث ابن عمر قال: "إنْ أحييْتها فاحفظْها، وإنْ أمتَّها فاغفر لها".

وكما ينبغي على المسلم أن يكون عندما يأوي إلى فراشِه متذكِّراً مآلَه ومصيرَه، فإنَّه كذلك ينبغي عليه أن يتذكَّر نعمةَ الله عليه فيما مضى من أيّامه بالطعام والشراب والمسكن والصحة والعافية، فيحمدُ اللهَ ويشكرُه على ذلك.

ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحمدُ لله الَّذي أَطْعَمَنَا وسَقَانَا، وكفَانَا وآوَانَا،

1 صحيح مسلم (رقم:2712) .

ص: 69

فكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ ولا مُؤْوِي"1.

وعلى هذا فإنَّ المسلمَ عندما يأوي إلى فراشه ينبغي أن يكون متذكِّراً أمرين: ما مضى من أيّامه فيحمدُ اللهَ على ما أمدَّه فيها من الصحة والعافية والمطعم والمشرب والمسكن وغير ذلك، وأن يتذكّر ما يستقبل من أوقاته؛ وهو فيها بين أمرين: إمَّا أن تُقبضَ روحُه فهو يسألُ اللهَ إن كان ذلك المغفرةَ والرحمةَ أو أن يُفسح له في أجله فهو يسأل الله في هذه الحال أن يحفظه بما يحفظ به عبادَه الصالحين.

1 صحيح مسلم (رقم:2715) .

ص: 70

126 / ومن أذكار النوم

إنَّ من الدعوات العظيمة التي كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يحثُّ مَن أوى إلى فراشه على المحافظة عليها والعناية بها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذْنَا مَضْجِعَنَا أَنْ نَقُولَ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ، وَرَبَّ الأَرْضِ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرِاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ"1.

وهو دعاءٌ عظيم، يحسنُ بالمسلم أن يُحافظَ عليه كلَّ ليلةٍ عندما يأوي إلى فراشه، وهو مشتملٌ على توسُّلاتٍ عظيمة إلى الله تبارك وتعالى بربوبيِّته لكلِّ شيء، للسموات السبع والأرضين السبع والعرش العظيم، وبإنزاله لكلامه العظيم ووحيه المبين بأن يحيط الإنسانَ برعايتِه ويكلأه بعنايته، ويحفظَه من جميع الشرور، ومشتملٌ على توسُّل إلى الله جلَّ وعلا ببعض أسمائه العظيمة الدَّالَّة على كماله وجلاله وعظمته وإحاطته بكلِّ شيء، بأن يقضي عن الإنسان ديْنَه ويُغنيه من فقره.

وقوله: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ، وَرَبَّ الأَرْضِ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ" أي: يا خالقَ هذه الكائنات العظيمة ومبدعها وموجدها من العدم، وقد خصَّ هذه المخلوقات بالذِّكر لعظمها وكبرها ولكثرة ما فيها من الآيات

1 صحيح مسلم (رقم:2713) .

ص: 71

البيِّنات والدلالات الباهرات على كمال خالقها وعظمةِ مُبدِعها، وإلَاّ فإنَّ جميعَ المخلوقات صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها فيها آيةٌ بيّنةٌ على كمال الخالق سبحانه.

وفي كلِّ شيء له آية

تدل على أنَّه الواحد

ولهذا عقَّب هذا الدعاء بقوله: "رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ" وهذا تعميمٌ بعد تخصيص؛ لئلَاّ يُظنَّ أنَّ الأمر مختصٌّ بما ذُكر.

وقوله: "رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ" فيه دلالة على عظمة العرش، وأنَّه أعظمُ المخلوقات، وقد جاء في الحديث عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"ما الكرسيُّ في العرش إلَاّ كحلقة من حديدٍ أُلقيت بين ظهري فلاةٍ من الأرض"1، وإذا كان هذا المخلوق بهذه العظمة والمجد والسَّعَة، فكيف بخالقه ومُبدِعه سبحانه.

وقوله: "فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى" من الفلْق وهو الشَّقُّ، أي: الذي يشقُّ حبَّة الطعام ونوى التمر وغيره لتخرج الأشجار والزروع، فإنَّ النباتات إمَّا أشجارٌ أصلها النّوى، أو زروعٌ أصلها الحَبُّ، والله سبحانه لكمال قُدرته وبديع خلقه هو الذي يفتح هذا الحبَّ والنَّوى اليابس الذي كالحجر لا ينمو ولا يزيد، فينفرج وتخرج منه الزروعُ العظيمةُ والأشجارُ الكبيرة، وفي هذا آيةٌ باهرةٌ على كمال المًبدِع وعظمةِ الخالقِ سبحانه، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} 2) .

1 رواه أبو نعيم في الحلية (1/166) وأبو الشيخ في العظمة (2/648 ـ 649) والبيهقي في الأسماء والصفات (2/300 ـ 301) وغيرهم، وصحَّحه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (رقم:109) بمجموع طرقه.

2 سورة: الأنعام، الآية (95) .

ص: 72

وقوله في هذا الدعاء: "وَمُنْزِلَ التَّوْرِاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالفُرْقَانِ" فيه توسُّلٌ إلى الله عز وجل بإنزاله لهذه الكتب العظيمة المشتملة على هداية الناسِ وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد خصَّ هذه الكتبَ الثلاثة؛ لأنَّها أعظمُ كتب أنزلها الله، وذكرها مرتّبةً ترتيباً زمنياًّ، فذكر أوَّلاً التوراةَ التي أُنزلت على موسى عليه السلام، ثمَّ الإنجيل الذي أُنزل على عيسى عليه السلام، ثمَّ الفرقان ـ وهو القرآن الكريم ـ الذي أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا دلالةٌ على أنَّ هذه الكتب من كلام الله، وأنَّها منزَّلةٌ من عنده سبحانه، وأنَّها غيرُ مخلوقة، ولهذا فرَّق في هذا الدعاء بينها؛ ففي المخلوقاتِ قال:"ربَّ" و "فالقَ"، وفي كلامه ووحيِه قال:"منْزل"، وفي هذا ردٌّ على أهل البدع والأهواء الذين يقولون إنَّ كلامَ الله مخلوق، تعالى اللهُ عمَّا يقولون، وسبحان الله عمَّا يصفون.

ثمَّ قال بعد ذكره لهذه الوسائل العظيمة: "أعوذ بك مِن شرِّ كلِّ دابَّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها" وهذا شروعٌ في ذكر رغبة الإنسان وحاجته ومطلوبه من ربِّه سبحانه، وقوله:"أعوذ بك" أي: ألتجئُ وأعتصمُ بك وأحتمي بجنابك "من شرِّ كلِّ دابَّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها" والدابَّة هي كلُّ ما يدبُّ على الأرض، وهو يشمل الذي يمشي على بطنه، أو على رجلين أو على أربع، قال الله تعالى:{وََاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 1.

1 سورة: النور، الآية (45) .

ص: 73

وقوله: "أنت آخذٌ بناصيتها" فيه دلالةٌ على أنَّ المخلوقات كلَّها داخلةٌ تحت قهره وسلطانه، فهو سبحانه آخذٌ بنواصيها، قادرٌ عليها، يتصرَّف فيها كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد.

قال اللهُ تعالى فيما ذكره عن هود عليه السلام: {إِِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1.

والنَّاصيةُ مقدَّم الرأس.

ثمَّ قال متوسِّلاً إلى الله سبحانه ببعض أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة "اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ"، وفي هذا دلالةٌ على أوَّليَّةِ الله سبحانه وأنَّه قبل كلِّ شيء، وأبديَّتِه سبحانه وبقائِه بعد كلّ شيء، وعلوِّه على خلقه واستوائِه على عرشه وفوقيَّتِه وأنَّه الظاهرُ الذي لا شيء فوقَه، وقُربِه سبحانه من خلقه وإحاطتِه بهم وأنَّه جلَّ وعلَا الباطنُ الذي لا شيءَ دونه. ومدارُ هذه الأسماء الأربعة على بيان إحاطة الربِّ سبحانه، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية؛ أمَّا الزمانية فقد دلَّ عليها اسمُه الأوّل والآخر، وأمَّا المكانيّة فقد دلَّ عليها اسمُه الظّاهر والباطن. هذا مقتضى تفسير النَّبِيِّ صلى اله عليه وسلم، ولا تفسير أكمل من تفسيره.

وقوله: "اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ" هو سؤال الله تبارك وتعالى وطلب منه سبحانه بعد تلك التوسُّلات.

وقوله: "اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ"، أي: أَدِّ عنَّا حقوق الله وحقوق العباد من

1 سورة: هود، الآية (56) .

ص: 74

جميع الأنواع، وفي هذا تبري الإنسان من الحَول والقوَّة، وأنَّه لا حول ولا قوة له إلَاّ بالله العظيم.

وقوله: "وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ" والغنى هو عدم الحاجة، والفقر: خلو ذات اليد، والفقير هو مَن وجد بعضَ كفايته، أو لَم يجد شيئاً أصلاً.

ومن المعلوم أنَّ الدَّينَ والفقرَ كلاهما هَمٌّ عظيمٌ، قد يؤرق الإنسانَ ويمنعه من النوم، فإذا لَجأ العبدُ إلى الله وطلب منه سبحانه مدّه وعونه متوسِّلاً إليه بتلك التوسُّلات العظيمة، فإنَّ نفسَه عندئذٍ تسكن وتطمئن، وقلبَه يرتاح ويهدأ؛ لأنَّه وكل أمرَه إلى مَن بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السموات والأرض، ولَجأ إلى مَن أمرُه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وكيف لا يطمئنُّ القلبُ وقد تعلَّق بِمَن هذا شأنه.

ص: 75