الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أذكار النكاح والتهنئه به والدخول بالزوجة ، والذكر المتعلق با لأبناء
…
172 / ذِكْرُ النِّكَاحِ وَالتَّهْنِئَةِ بِهِ وَالدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ، والذِّكر المتعلِّق بالأبناء
النكاحُ مِنَّةٌ من الله عظيمةٌ على عباده، يتحقَّق به من المنافع والمصالح والفوائد ما لا يُعدُّ ولا يُحصَى، وهو من سُنن الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} 1.
وقد ذكره الله تعالى في معرض التفضُّل والامتنان في آيات عديدة من القرآن، قال الله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} 2، وقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 3.
والقرآن الكريمُ فيه آياتٌ عديدةٌ فيها الأمرُ بالنكاح، والترغيبُ فيه، وبيانُ آثاره وثماره، وبيانُ الحقوق المتعلِّقة به، كحُسن العشرة، والصُّحبةِ بالمعروف، وكفِّ الأذى، ونحوِ ذلك من الضوابط والحقوق، مِمَّا يُحقِّقُ للزوجَين حياةً طيِّبةً وعِشرةً صالِحة.
وقد جاء في السُّنَّة النَّبوية أذكارٌ نافعةٌ تتعلَّق بعقد النكاح، وبالتهنئة به للزوجين، وعند الدخول بالزوجة، وعند الجماع؛ يترتَّبُ على المحافظة عليها والعناية بها فوائدُ عديدةٌ، وآثارٌ مباركةٌ تعود على الزوجين في حياتهما الزوجية بالخير والنَّفع والبركة.
1 سورة: الرعد، الآية (38) .
2 سورة: النحل، الآية (72) .
3 سورة: الروم، الآية (21) .
فأمَّا الذِّكرُ عند عقد النكاح، فقد روى أبو داود والترمذي وغيرُهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الحَاجَةِ؛ الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يََا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 1.
وهي خطبةٌ عظيمةٌ وذكرٌ مبارَكٌ يُستحبُّ الإتيانُ به عند عقد النكاح، وهو مشتملٌ على معان عظيمةٍ ودلالاتٍ جليلة، ففيه حمدُ الله والاستعانةُ به وحده، وطلبُ مغفرته، والتعوُّذ به من شرور النفس وسيِّئات الأعمال، والإيمانُ بقضائه وقدَره، والشهادةُ له سبحانه بالوحدانية ولنبيِّه بالرسالة، مع الوصيَّة بتقوى الله عز وجل وتذكُّر فضله ونعمته ولزوم طاعته سبحانه، فهي من جوامع الكلم.
قال شيخ الإٌسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهذه الخطبةُ عقدُ نظام الإسلام والإيمان"5.
1 سورة: النساء، الآية (1) .
2 سورة: آل عمران، الآية (102) .
3 سورة: الأحزاب، الآيتان (70 ـ 71) .
4 سنن أبي داود (رقم:2118)، وسنن الترمذي (رقم:1105) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في كتابه: خطبة الحاجة.
5 مجموع الفتاوى (14/223) .
أي: أنَّها جمعت مع وَجازتِها ما ينتظمُ به أمرُ الإسلام والإيمان من الاعتقادات الصحيحة القويمة، والأعمال الصالحة المستقيمة.
ومِمَّا يُنبَّه عليه في هذا المقام أنَّه لَم يرد دليلٌ على مشروعيَّة قراءة الفاتحة عند العقد، خلافاً لِمَا يفعله كثيرٌ من عوام المسلمين.
وأمَّا التهنئةُ للزوجين بالنكاح، فقد جاءت السٌُّنَّة بأن يُدعى لهما بالبركة، وأن يجمع الله بينهما في خير.
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا قال: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ "1.
وروى الترمذي وأبو داود وغيرُهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَفَّأَ الإِنْسَانَ إِذا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ"2.
وقوله: "إذا رفَّأ الإنسان إذا تزوَّج" أي: إذا هنَّأه ودعا له بمناسبة زواجه، وكان الناسُ في الجاهليَّة يقولون للمتزوِّج:"بالرَّفاء والبنين"، فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقولهم:"بالبنين" يتوافق مع ما جرت عليه عادتُهم من الكراهية للإناث والتنفير منهنَّ، وعدم الرَّغبة في مجيئهنَّ، وفي قولهم هذا تأكيدٌ لهذه الكراهة والبغضاء، فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشدَ إلى هذه الدعوة المباركة المشتملة على الدعاء لهما بالبركة، وأن يجمع الله بينهما في خير.
1 صحيح البخاري (رقم:5155)، وصحيح مسلم (رقم:1427) .
2 سنن أبي داود (رقم:2130)، وسنن الترمذي (رقم:1091) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:4729) .
وأمَّا ما يقوله الزوجُ إذا دخل على زوجته ليلة الزَّفاف، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إِذا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِماً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيراً فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ"1.
وقوله: "اللَّهمَّ إنِّي أسألك خيرَها" أي: خيرَ هذه المرأة كحسن المعاشرة وحفظ الفراش والأمانة في المال ورعاية حقِّ الزوج، ونحو ذلك.
وقوله: "وخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عليه" أي: خيرَ ما خلقتها عليه من الأخلاق الحسنة والطِّباع المرضيَّة والسجايا الكريمة.
وقوله: "وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جبلتها عليه" فيه التعوُّذ بالله والالتجاء إليه، بأن يَقيَه ويسلمه مِمَّا فيها من شرِّ في خُلُقها وتعاملها ومعاشرتها وسجاياها.
وهذا فيه دلالةٌ على أنَّ صلاحَ أمر الزوجين والتئامَ شملهما لا يتحقَّق إلَاّ بالالتجاء إلى الله، والاعتماد عليه، وسؤاله وحده العونَ والتوفيقَ والصلاحَ.
وأمَّا ما يقوله إذا أراد أن يأتي أهلَه، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهَ قَالَ: بِاسِمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذلِكَ لَمْ
1 سنن أبي داود (رقم:2160)، وسنن ابن ماجه (رقم:1918) ، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه (رقم:1557) .
يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً"1.
والحكمةُ في ذلك أنَّ الشيطانَ له مشارَكةٌ في الأموال والأولاد، كما في قوله تعالى:{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَاّ غُرُوراً} 2، فإذا دعا المسلمُ بهذه الدعوة سلمَ من هذه المشاركة ووُقي من شرِّه.
وقد جاء في السُّنَّة كذلك تعويذ الأبناء للحفظ من الشيطان، ففي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ؛ أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"3.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلَّق بالأبناء الدعاءُ لهم بالبركة، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أسماء رضي الله عنها:" أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنِهَا عَبْد اللهِ ابنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّك عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ "4. أي: أَوَّل مَولُودٍ وُلِد بالمدينَة مِن المُهَاجِرِينَ.
1 صحيح البخاري (رقم:5165)، وصحيح مسلم (رقم:1434) .
2 سورة: الإسراء، الآية (64) .
3 صحيح البخاري (رقم:3371) .
4 صحيح البخاري (رقم:3909)، وصحيح مسلم (رقم:2146) .