المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌ فضل الأذكار المتعلِّقة بعمل اليوم والليلة

- ‌ أَذْكَارُ طَرَفَيِ النَّهَارِ

- ‌ فضلُ الصَّباح وبَرَكَتُه

- ‌ ومن أذكار النوم

- ‌ من أذكار النّوم

- ‌ومن أذكار الصباح (4)

- ‌ أَذْكَارُ الانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌ أذكار الاستيقاظ من النوم

- ‌ما يقال عند الفزع من النوم

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ أَوْ يَكْرَهُ

- ‌ أَذْكَارُ دُخُولِ المَنْزِلِ

- ‌آداب الخلاء أذكاره

- ‌ أذكار الوضوء

- ‌أذكار الخروج من الصلاة، والدخول الى المسجد والخروج منه

- ‌ ما يقوله مَن سمع الأذان

- ‌ أذكار استفتاح الصلاة

- ‌ أنواع استفتاحات الصلاة

- ‌ أذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين

- ‌ ومن أذكار الصلاة

- ‌ ومن الأذكار المتعلقة بالصلاة

- ‌ أذكار التشهُّد

- ‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

- ‌ شرح حديث عمار في الذِّكر بين التشهد والتسليم

- ‌ الأَذْكَارُ بَعْدَ السَّلَامِ

- ‌ دُعَاءُ القُنُوتِ فِي صَلَاةِ الوِتْرِ

- ‌ دُعَاءُ الاسْتِخَارَةِ

- ‌ أَذْكَارُ الكَرْبِ

- ‌ دعاءُ الغَمِّ وَالهَمِّ وَالحُزْنِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ

- ‌ الأَذْكَارُ الَّتِي تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ

- ‌ مَا يُرْقَى بِهِ المَرِيضُ

- ‌ التعوُّذ من السِّحر والعين والحسد

- ‌مايقال عند المريض

- ‌ما يقال عند حضرة الموت

- ‌ ما يُقال في الصلاة على الجنازة

- ‌ ما يُقال عند دفن الميت وبعده، وعند التعزية، وزيارة المقابر

- ‌ دعاء الاستسقاء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَوْ خُسُوفِ القَمَرِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلَالِ

- ‌ الدُّعَاءُ لَيْلَةَ القَدْرِ

- ‌ أَذْكَارُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَالسَّفَرِ

- ‌ مَا يَقُولُهُ إِذا نَزَلَ مَنْزِلاً أو رَأَى قَرْيَةً أَوْ بَلْدَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا

- ‌ أَذْكَارُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌ مَا وَرَدَ فِي السَّلَامِ

- ‌أذكار النكاح والتهنئه به والدخول بالزوجة ، والذكر المتعلق با لأبناء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ الغَضَبِ

- ‌ أدعية مأثورة في أبواب متفرِّقة

- ‌ كَفَّارَةُ المَجْلِسِ

الفصل: ‌ الدعاء ليلة القدر

166 /‌

‌ الدُّعَاءُ لَيْلَةَ القَدْرِ

إنَّ في السَّنَة أياماً فاضلة وأوقاتاً شريفةً، الدعاءُ فيها أفضل، والإجابةُ فيها أحرى، والقبول فيها أرجى، وله سبحانه الحكمة البالغة {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (1 فلكمال حكمته وقدرته وتمام علمه وإحاطته يختار من خلقه ما يشاء من الأوقات والأمكنة والأشخاص، فيخصُهم سبحانه بمزيد فضله وجزيل عنايته ووافر منَّته، وهذا من أكبر آيات ربوبيته وأعظم شواهد وحدانيته وتفرّده بصفات الكمال، وأنَّ الأمرَ له سبحانه من قبل ومن بعد، يقضي في خلقه بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2.

وإنَّ مِمَّا خصَّه الله عز وجل من الأوقات بمزيد تفضيله ووافر تكريمه شهرَ رمضان، حيث فضَّله على سائر الشهور، والعشرَ الأواخر من لياليه حيث فضَّلها على سائر الليالي، وليلةَ القدر حيث جعلهَا لمزيد فضلها عنده وعظيم مكانتها خيراً من ألف شهر، وفخم سبحانه أمرها، وأعلا شأنها، ورفع مكانتها عنده، أنزل فيها وحيَه المبين وكلامَه الكريم وتنزيله الحكيم، هدى للمتَّقين وفرقاناً للمؤمنين، وضياء ونوراً ورحمة.

يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ

1 سورة: القصص، الآية (68) .

2 سورة: الجاثية، الآيتان (36 ـ 37) .

ص: 258

السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} 1.

ويقول سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 2.

فلله ما أعظمها من ليلة، وما أجلَّ خيرَها، وما أوفر بركتها، ليلة واحدة خير من ألف شهر، أي ما يزيد على ثلاثة وثمانين عاماً عُمر رجل معمَّر، وهو عمرٌ طويل لو قضاه المسلم كلَّه في طاعة الله عز وجل، فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه، هذا لمَن حصَّل فضلها ونال بركتها.

قال مجاهد رحمه الله: "ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر"، وكذا قال قتادة والشافعي وغيرُ واحد.

وفي هذه الليلة المباركة يكثر تنَزّل الملائكة لكثرة بركتها؛ إذ الملائكة يتنَزَّلون مع تنَزُّل البركة، وهي سلامٌ حتى مَطلع الفجر، أي أنَّها خير كلّها ليس فيها شرٌّ إلى مطلع الفجر، وفي هذه الليلة يُفرق كلُّ أمر حكيم، أي: يُقدَّر فيها ما يكون في تلك السنة يإذن الله العزيز الحكيم، والمراد بالتقدير هنا التقدير السنوي، أما التقدير العام في اللوح المحفوظ فهو متقدِّمٌ على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحَّ بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إنَّ ليلةً هذا شأنها ينبغي على المسلم أن يحرصَ على طلبها تمامَ الحرص

1 سورة: الدخان، الآيات (3 ـ 8) .

2 سورة: القدر.

ص: 259

ليفوز بثوابها، وليغنم خيرها، وليحصِّل أجرها، ولينال بركتها، والمحروم من حُرم الثواب ومَن تَمرُّ عليه مواسمُ الخير وأيامُ البركة والفضل وهو مستمرٌّ في ذنوبه متماد في غيِّه، منهمكٌ في عصيانه، أتلفته الغفلةُ، وأهلكه الإعراضُ، وصدَّته الغواية، فما أعظم حسرته وما أشدَّ ندامته، ومن لَم يحرص على الرِّبح في هذه الليلة المباركة فمتى يكون الحرص، ومَن لم ينب إلى الله في هذا الوقت الشريف فمتى تكون الإنابة، ومن لَم يزل متقاعساً فيها عن الخيرات ففي أيِّ وقت يكون العمل.

إنَّ الحرصَ على طلب هذه الليلة وتحرِّي الطاعة فيها والاجتهادَ في الدعاء من سِمات الأخيار وعلامات الأبرار، بل إنَّهم يُلحُّون على الله فيها أن يكتب لهم العفوَ والمعافاة؛ لأنَّها الليلةُ التي يُكتب فيها ما يكون من الإنسان في عامه كلِّه، ففي هذه الليلة يدعون ويُلحُّون، وفي عامهم كلِّه يَجدُّون ويجتهدون، ومن الله يطلبون العون ويسألون التوفيق.

روى الترمذي وابن ماجه وغيرُهما عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي"1.

وهذا الدعاءُ المبارك عظيمُ المعنى عميقُ الدلالة كبيرُ النفع والأثر، وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة، فهي كما تقدَّم الليلة التي يُفرق فيها كلُّ أمر حكيم، ويُقدَّر فيها أعمالُ العباد لسنة كاملة حتى ليلةَ القدر الأخرى، فمن رُزق في تلك الليلة العافية وعفا عنه ربُّه فقد أفلح وفاز وربح أعظم الرِّبح

1 سنن الترمذي (رقم:3513)، وابن ماجه (رقم:3850) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه (رقم:3105) .

ص: 260

ومن أوتي العافيةَ في الدنيا والآخرة فقد أوتي الخير بحذافيره، والعافيةُ لا يعدلها شيء.

روى البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: "قلتُ يا رسول الله، علِّمنِي شيئاً أسألُه اللهَ عز وجل، قال: سَلِ اللهَ العافيةَ، فمَكثْتُ أياماً، ثمَّ جِئتُ فقلت: يا رسول الله علِّمْنِي شيئاً أسأله اللهَ، فقال لي: يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ الله، سَلُوا اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرَة"1.

وروى البخاري في الأدب والترمذي في السنن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الدعاء أَفضَلُ قال:"سَلِ اللهَ العَفْوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةَ"، ثم أتاه الغد فقال: يا نَبِيَّ الله، أيُّ الدعاء أَفْضَل قال:"سَلِ الله العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةَ، فإذا أُعطيتَ العافية في الدنيا والآخرة فقد أَفْلَحْت"2.

وروى البخاري في الأدب المفرد عن أوسط بن إسماعيل قال: سمعتُ أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله قال: "قام النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم عامَ أوَّل مقامي هذا ثم بكى أبو بكر، ثم قال: عليكم بالصِّدق، فإنَّه مع البِرِّ وهما في الجنة، وإيَّاكم والكذب، فإنَّه مع الفجور وهما في النَّار، وسلُوا الله المعافاة، فإنَّه لَم يؤت بعد اليقين خيرٌ من المعافاة، ولا تَقاطَعوا، ولا تدابَروا، ولا

1 الأدب المفرد (رقم:726)، سنن الترمذي (رقم:3514) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:558) .

2 الأدب المفرد (رقم:637)، وسنن الترمذي (رقم:3512) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:495) .

ص: 261

تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً" 1.

ولهذا فإنَّ من الخير للمسلم أن يكثر من هذه الدعوة المباركة في كلِّ وقت وحين، ولا سيما في ليلة القدر التي فيها يُفرق كلُّ أمر حكيم، وليعلم المسلم أنَّ الله عز وجل عفوٌّ كريم يحب العفو {وََهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} 2، ولم يزل سبحانه ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالصَّفح والغفران موصوفاً، وكلُّ أحد مضطرٌّ إلى عفوه محتاجٌ إلى مغفرته، لا غنى لأحدٍ عن عفوه ومغفرته، كما أنَّه لا غنى لأحد عن رحمته وكرمه، فنسأله سبحانه أن يشملنا بعفوه، وأن يدخلنا في رحمته، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً.

1 الأدب المفرد (رقم:724)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:557) .

2 سورة: الشورى، الآية (25) .

ص: 262