المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌ فضل الأذكار المتعلِّقة بعمل اليوم والليلة

- ‌ أَذْكَارُ طَرَفَيِ النَّهَارِ

- ‌ فضلُ الصَّباح وبَرَكَتُه

- ‌ ومن أذكار النوم

- ‌ من أذكار النّوم

- ‌ومن أذكار الصباح (4)

- ‌ أَذْكَارُ الانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌ أذكار الاستيقاظ من النوم

- ‌ما يقال عند الفزع من النوم

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ أَوْ يَكْرَهُ

- ‌ أَذْكَارُ دُخُولِ المَنْزِلِ

- ‌آداب الخلاء أذكاره

- ‌ أذكار الوضوء

- ‌أذكار الخروج من الصلاة، والدخول الى المسجد والخروج منه

- ‌ ما يقوله مَن سمع الأذان

- ‌ أذكار استفتاح الصلاة

- ‌ أنواع استفتاحات الصلاة

- ‌ أذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين

- ‌ ومن أذكار الصلاة

- ‌ ومن الأذكار المتعلقة بالصلاة

- ‌ أذكار التشهُّد

- ‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

- ‌ شرح حديث عمار في الذِّكر بين التشهد والتسليم

- ‌ الأَذْكَارُ بَعْدَ السَّلَامِ

- ‌ دُعَاءُ القُنُوتِ فِي صَلَاةِ الوِتْرِ

- ‌ دُعَاءُ الاسْتِخَارَةِ

- ‌ أَذْكَارُ الكَرْبِ

- ‌ دعاءُ الغَمِّ وَالهَمِّ وَالحُزْنِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ

- ‌ الأَذْكَارُ الَّتِي تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ

- ‌ مَا يُرْقَى بِهِ المَرِيضُ

- ‌ التعوُّذ من السِّحر والعين والحسد

- ‌مايقال عند المريض

- ‌ما يقال عند حضرة الموت

- ‌ ما يُقال في الصلاة على الجنازة

- ‌ ما يُقال عند دفن الميت وبعده، وعند التعزية، وزيارة المقابر

- ‌ دعاء الاستسقاء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَوْ خُسُوفِ القَمَرِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلَالِ

- ‌ الدُّعَاءُ لَيْلَةَ القَدْرِ

- ‌ أَذْكَارُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَالسَّفَرِ

- ‌ مَا يَقُولُهُ إِذا نَزَلَ مَنْزِلاً أو رَأَى قَرْيَةً أَوْ بَلْدَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا

- ‌ أَذْكَارُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌ مَا وَرَدَ فِي السَّلَامِ

- ‌أذكار النكاح والتهنئه به والدخول بالزوجة ، والذكر المتعلق با لأبناء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ الغَضَبِ

- ‌ أدعية مأثورة في أبواب متفرِّقة

- ‌ كَفَّارَةُ المَجْلِسِ

الفصل: ‌ دعاء الاستسقاء

162 /‌

‌ دعاء الاستسقاء

لقد شَرَعَ اللهُ لعباده إذا أجدَبت فيهم الدِّيارُ، وقلَّت الأمطارُ، وحصل القَحْطُ أن يفزَعوا إلى الصلاة والدعاء والاستغفار، وأخبَرَ أنَّه لا يخيب عبداً دعاه، ولا يردُّ مؤمناً ناداه، فمَن دعاه بصدق وأقبل عليه بإلحاح حقَّق رجاءَه، وأجاب دعاءه، وأعطاه سؤله، فهو القائل سبحانه:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} 1، وأرشد عباده سبحانه عند احتباس المطر عنهم أن يستغفروه من ذنوبهم التي بسببها حبس المطر ومنع القطر.

وأخبر سبحانه عن أنبيائه ورسله عليهم السلام أنَّهم كانوا يرغِّبون أمَمَهم ويحثُّونهم على التوبة والاستغفار، ويبيِّنون لهم أنَّ ذلك سببٌ من أسباب إجابة الدعاء ونزولِ الأمطار وكثرة الخيرات وانتشار البركة في الأموال والأولاد، فذكر تعالى عن نوح عليه السلام أنَّه قال لقومه:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} 2، وذكر عن هود عليه السلام أنَّه قال:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} 3، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ

1 سورة: البقرة، الآية (189) .

2 سورة: نوح، الآيات (10 ـ 12) .

3 سورة: هود، الآية (52) .

ص: 239

السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} 1، وقال تعالى:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً} 2.

وفي هذه النصوص دلالةٌ على أنَّ التوبةَ والاستغفار سببٌ لنُزول الخيرات وتوالي البركات وإجابة الدعوات.

وليحذر المسلم في هذا المقام من أن يستولي على قلبه اليأس والقنوط، أو أن يتفوَّه بكلام يدلُّ على التَّضَجر والتسخُّط، فإنَّ المؤمنَ لا يزال يسأل ربَّه، ويطمع في فضله ويرجو رحمته، ولا يزال مفتقراً إليه في جلب المنافع ودفع المضار من جميع الوجوه، يعلم أنَّه لا ربَّ له غيره يقصده ويدعوه، ولا إله له سواه يؤمله ويرجوه، ليس له عن باب مولاه تحوُّل ولا انصراف، ولا لقلبه إلى غيره تعلق ولا التفات.

وقد جاء في سُنَّة النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهديِه الكريم دعواتٌ مباركة يُشرع للمسلم أن يدعو بها في الاستسقاء، فيها تذلُّل لله وخضوعٌ بين يديه، واعتراف بعظمته وكماله وافتقار العباد إليه، وأنَّه سبحانه الغنيُّ الحميد.

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ المِنْبَرِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِماً فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا شَيْئاً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ

1 سورة: الأعراف، الآية (96) .

2 سورة: هود، الآية (3) .

ص: 240

سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتاً، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ ورَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِماً فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكَهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ"1.

وسَلْع المذكور في الحديث جبلٌ معروف بالمدينة.

وقوله: "سحابة مثل الترس" أي: في الاستدارة والكثافة.

وقوله: "اللهمَّ على الآكام والظراب" الآكام: التلال، والظراب: الجبال الصغيرة.

وقول الرجل: "فادع الله أن يمسكها"، ودعاء النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "حوالينا ولا علينا

" إلى آخر الدعاء فيه دلالة على مشروعية الاستصحاء حينما تطول الأمطار وتكثر، ويحصل بها الضَّرر.

وروى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "شَكَى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي المُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْماً يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَكَبَّرَ، وَحَمِدَ اللهَ عز وجل، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ عز وجل أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ

1 صحيح البخاري (رقم:1013)، وصحيح مسلم (رقم:897) .

ص: 241

الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إله إِلَاّ أَنْتَ الغَنِيُّ، وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنُا قُوَّةً وَبَلَاغاً إِلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَّبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ"1.

قحوط المطر، أي: انحباسه وانقطاعه.

وقوله: "حين بدا حاجب الشمس" أي: حين ظهر ولاح طرف الشمس.

وقوله: "عن إبان زمانه" أي: وقت نزوله.

وقوله: "وبلاغاً إلى حين" أراد به المطر الكافي إلى وقت انقطاع الحاجة.

وقوله: "فلمَّا رأى سرعتهم إلى الكنِّ" الكنُّ: ما يردُّ الحرَّ والبرد من الأبنية والمساكن.

وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَوَاكِي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً نَافِعاً، غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ. قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ"2.

1 سنن أبي داود (رقم:1173)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (رقم:1040) .

2 سنن أبي داود (رقم:1169)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (رقم:1036) .

ص: 242

قوله: "أتت النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم بواكي" جمع باكية، وفي بعض النسخ:"رأيت النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم يواكي" ومعناه: التحامل على يديه إذا رفعهما ومدَّهما في الدعاء.

وعلى المسلم إذا دعا الله في الاستسقاء أو غيره أن يَحْسُن ظنُّه بالله وأن يعظمَ رجاؤه فيه، وأن يلحَّ عليه في الدعاء، وأن لا يقنط من رحمته سبحانه، فخزائنه ملأى، وجوده عظيم، ورحمته وسعت كلَّ شيء.

ص: 243

163 / ما يُقال عند نزول الغيث

لقد مرَّ معنا الأدعيةُ المتعلقةُ بالاستسقاء، والتي يُشرع للمسلم أن يقولها عند قحوط المطر واستئخاره عن إبان نزوله، وما يترتَّب على ذلك من جفاف في الزروع وهلاك في الماشية، وغير ذلك من الأضرار، وهي دعوات مباركة واستغاثات نافعة بربِّ العالمين وخالق الخلق أجمعين، الذي بيده أزمة الأمور ومقاليد السموات والأرض، الذي أمره لشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون، والدعاء ينبئ عن قوة الافتقار وتحقيق العبودية، ويوجب للعبد خضوعه وخشوعه وشدَّة انكساره لربِّ البريَّة، فكم من دعوة رفع الله بها المكاره وأنواع المضار، ونال بها العبدُ الخيرات العديدة والبركاتِ المتنوِّعة وأنواعَ المسار.

والعبد يدعو الله في كلِّ أحيانه ويدعو الله في كلِّ شؤونه إذا تأخر المطر دعا الله، وإذا نزل المطر دعا الله، وإذا سمع الرَّعدَ ذكر الله، ففقره إلى الله ذاتِيٌّ، لا غنى له عن ربِّه وسيِّده ومولاه طرفة عين، والله عز وجل غنِيٌّ حميد.

وقد تقدَّم فيما مضى ما يُقال في الاستسقاء والاستصحاء، وأمَّا إذا نزل الغيث فإنَّ من السنَّة أن يقول المسلم عند نزوله "اللهمَّ صيِّباً نافعاً" لِما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: "اللَّهمَّ صيِّباً نافِعاً"1.

وقوله: "صيِّباً" منصوب بفعل مقدَّر، أي: اجعله، والصيِّب: المطر.

وقوله: "نافعاً" وصفٌ للصيِّب، احترز به عن الصيِّب الضار، وفي هذا

1 صحيح البخاري (رقم:1032) .

ص: 244

دلالة على أنَّ المطر قد يكون نزولُه رحمةً ونعمةً، وهو النافع، وقد يكون نزوله عقوبةً ونقمةً وهو الضار.

والمسلمُ يسأل الله عند نزول المطر أن يكون نافعاً غير ضار، وهذا الدعاء المذكور يُستحبُّ بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة، مقيَّداً بدفع ما يُخشى ويُحْذَرُ من ضَرر.

ومن الواجب على العبد في هذا المقام الكريم أن يعرف نعمة الله عليه، وينسبَ الفضلَ إليه، فهو سبحانه مولي النِّعم ومُسديها، بيده العطاءُ والمنع، والخفض والرفع، لا ربَّّ سواه ولا إله غيره.

وقد ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: "صَلَّى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبح بالحُدَيْبِيَة على إثر سَماء كانت مِنَ اللَّيل [أي على إثر مطر] فلمَّا انصرفَ أَقْبَلَ على النَّاس، فقال: هَل تَدرُون ماذا قال رَبُّكم؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: أَصْبَحَ من عبَادِي مؤمنٌ بِي وكافِرٌ، فأمَّا مَن قال: مُطرنا بفضل الله ورَحْمَتِه، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأمَّا مَن قال: مُطرنا بنَوْءِ كذا وكذا، فذَلكَ كافرٌ بِي مُؤْمنُ بالكَوْكَب "1.

فالقائل عند نزول المطر: مُطرنا بفضل الله ورحمته، قد نسب النعمةَ لمُعطيها، وأضاف المنَّة لموليها، واعتقد أنَّ نزول هذا الفضل والخير والرحمة إنَّما هو محضُ نعمة الله وآثارُ رحمته سبحانه.

وأمَّا القائل عند نزول المطر: مُطرنا بنوء كذا وكذا فلا يخلو من أمرين:

إمَّا أن يعتقد أنَّ المُنْزِلَ للمطر هو النجمُ، وهذا كفرٌ ظاهرٌ ناقلٌ من ملَّة

1 صحيح البخاري (رقم:1038)، وصحيح مسلم (رقم:71) ، وقوله:"صلى لنا" أي: "صلَّى بنا" كما هو لفظ الحديث عند مسلم.

ص: 245

الإسلام، أو يعتقد أنَّ المُنْزِلَ للمطر هو الله، والنوءَ سبب، فيضيف النعمةَ إلى ما يراه سبباً في نزولها وهذا من كفر النّعمة وهو من الشرك الخفيِّ.

والأنواء ليست من الأسباب لنُزول المطر، وإنَّما سبب نزول المطر حاجة العباد وافتقارهم إلى ربِّهم وسؤالهم إيَّاه، واستغفارهم وتوبتهم إليه، ودعاؤهم إيَّاه بلسان الحال ولسان المقال، فينزل عليهم الغيث بحكمته ورحمته بالوقت المناسب لحاجتهم وضرورتهم، ولا يتمُّ توحيد العبد حتى يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى جميع الخلق، ويُضيفها إليه ويستعين بها على عبادته وذِكْره وشكره1.

ومن السنَّة أن يقول المسلم عند اشتداد هبوب الرِّيح: "اللهمَّ إنِّي أسألك خيرها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُرسلت به" لِمَا رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا عَصَفَتِ الرِّيحُ [أي اشتدَّ هبوبها] قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ"2.

ولا يجوز للمسلم أن يسبَّ الريحَ؛ فإنَّها مسخَّرةٌ بأمر الله مدبَّرَةٌ مأمورةٌ، روى البخاري في الأدب المفرد وأبو داود في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا"3.

1 انظر: القول السديد لابن سعدي (ص:108 ـ 109) .

2 صحيح مسلم (رقم:899) .

3 الأدب المفرد (رقم:906)، وسنن أبي داود (رقم:5097) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:696) .

ص: 246

وقوله: "من روح الله" أي من الأرواح التي خلقها الله، فالإضافة هنا إضافة خلق وإيجاد.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا اشتدَّت الرِّيح: "اللهمَّ لاقحاً لا عقيماً"، لِما رواه البخاري في الأدب المفرد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا اشتدَّت الرِّيحُ يقول: "اللَّهمَّ لاقحاً لا عَقيماً" 1، ومعنى لاقحاً؛ أي: ملقحة للسحاب، ومنه قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} 2 أي: وسخَّرنا الرِّياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذَّكر الأنثى فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد والمواشي والزروع، ويبقى في الأرض مدَّخراً لحاجتهم وضروراتهم، فله الحمد والنعمة لا شريك له.

وللمسلم أن يُسبِّح عند سماعه الرَّعد، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:"أنَّهُ كَانَ إِذا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الحَدِيثَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ"3.

وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّه كان إذا سمع صوت الرعد قال: "سبحان الذي سبَّحت له"4.

وفي التسبيح في هذا المقام تعظيم للربِّ سبحانه الذي الرَّعدُ أثرٌ من آثار كمال قوَّته وقدرته، وفيه تجاوب مع الرَّعد الذي يسبح بحمد الله، ولكن لا نفقه تسبيحه.

1 الأدب المفرد (رقم:718)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:553) .

2 سورة: الحجر، الآية (22) .

3 الأدب المفرد (رقم:723)، والموطأ (رقم:1822) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:556) .

4 الأدب المفرد (رقم:722)، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب (رقم:555) .

ص: 247