الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
160 /
ما يُقال في الصلاة على الجنازة
لقد ورد في السنَّة أحاديثُ عديدةٌ تتعلَّق بما يُقال في الصلاة على الجنازة، وفيما يلي بيانُها:
ثبت في صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: " صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ المَيِّتُ"1.
وهو دعاء عظيمٌ جامع، مُحضَ فيه الدعاء للميت بالعفو والغفران، والسلامة والنجاة، والإكرام والإحسان، يُؤتى به في هذا الموضع العظيم عند الصلاة عليه، وهو موضع يُستحبُّ فيه المبالغة في الترحُّم على الميت والدعاء له؛ لأنَّه قد أُتي به إلى إخوانه المسلمين ليدعوا له، وليسألوا الله مغفرةَ ذنوبه وستر عيوبه وإقالة عثراته، وهو دعاء ينفع الميت بإذن الله، وهو من جملة الأمور الدالة على التراحم والتعاطف بين أهل الإيمان، والسُّنَّة في هذا الدعاء أن يُؤتى به بعد التكبيرة الثالثة، أما التكبيرة الأولى فيقرأ بعدها الفاتحة، والتكبيرة الثانية يُصلِّي بعدها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبعد التكبيرة الثالثة يُؤتى بهذا الدعاء أو غيره من الدعوات المأثورة.
1 صحيح مسلم (رقم:963) .
قوله: "اللهمَّ اغفر له وارحمه" المغفرة ستر الذنوب مع التجاوز عنها، والرحمة أبلغ؛ لأنَّ فيها حصول المرغوب بعد زوال المكروه.
وقوله: "وعافه واعف عنه" أي: عافه من العذاب وسلِّمه منه، واعف عنه ما وقع فيه من زلل وتقصير.
وقوله: "وأكرم نزله" النُزُل: ما يُقدَّم للضيف، أي: اجعل نزله وضيافته عندك كريمة.
وقوله: "وأوسع مُدخلَه" أي: وسِّع له في قبره وافسح له فيه، ووسِّع له كذلك منازله عندك في الجنَّة؛ لأنَّ المدخلَ هنا مفردٌ مضاف فيَعُمُّ.
وقوله: "واغسله بالماء والثلج والبرد" وهذه الأمور الثلاثة تُقابل حرارة الذنوب فتبردها وتُطفئُ لهيبَها.
وقوله: "ونقِّه من الذنوب كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس" من التنقية وهي بمعنِى التطهير، أي: طهِّره من ذنوبه وخطاياه كما يُطهَّر ويُنظَّف الثوب الأبيض من الدَّنَس الذي علق به، وخصَّ الأبيض بالذِّكر؛ لأنَّ إزالةَ الأوساخ فيه أظهر من غيره من الألوان.
وقوله: "وأبدله داراً خيراً من داره" أي: أدخله الجنَّة دار كرامتك بدلاً عن دار الدنيا التي رحل عنها.
وقوله: "وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه" أي: وأبدله خيراً منهم، وهذا شاملٌ للتبديل في الأعيان والأوصاف، أمَّا في الأعيان بأن يُعوِّضه الله عنهم خيراً منهم في دار كرامته، وأمَّا في الأوصاف بأن تعودَ العجوزُ شابةً وسيِّئةُ الخلق حسنةَ الخلق، وغيرُ الجميلة جميلةً.
ثمَّ سأل الله له دخول الجنَّة والنجاة من النار، والسلامةَ من فتنة القبر بأن يُوقى شرُّها وأثرها.
ومِمَّا يُقال في الصلاة على الجنازة ما رواه أحمد وابن ماجه وغيرُهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ"1.
وهو دعاءٌ عظيمٌ شمل الميِّت المصلَّى عليه وغيرَه من المسلمين الأحياء منهم والأموات، والصغار والكبار، والذكور والإناث، والشاهد منهم والغائب؛ لأنَّ الجميعَ مشتركون في الحاجة بل الضرورة إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته، ومن دعا بهذه الدعوة فله بكلِّ واحد من المسلمين والمسلمات المتقدِّمين منهم والمتأخرين حسنة، لِما ثبت في المعجم الكبير للطبراني بإسناد حسن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن استَغْفَرَ للمؤمنين والمؤمنات كَتَبَ اللهُ له بكلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ حَسَنَةً"2.
وقوله: "اللَّهمَّ مَن أحييته منَّا فأحيه على الإسلام ومن توفَّيته فتوفَّه على الإيمان" فذكر الإسلام في الحياة والإيمان عند الممات، وذلك أنَّ الإسلام إذا قُرن بالإيمان يُراد به الشرائع العملية الظاهرة، ويُراد بالإيمان الاعتقاداتُ الباطنة، ولهذا ناسب في الحياة أن يذكر الإسلام؛ لأنَّ الإنسان ما دام حيًّا فلديه مجال وفسحة للعمل والتعبُّد، وأمَّا عند الممات فلا مجال لذلك، بل لا مجال إلَاّ للموت على الاعتقاد الصحيح والإيمان السليم بتوفيق من الله، ولهذا قال:"ومن توفيته فتوفه على الإيمان".
1 مسند أحمد (2/368)، وسنن ابن ماجه (رقم:1498) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه (رقم:1217) .
2 مجمع الزوائد (10/210)، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:6026) .
وقوله: "اللَّهمَّ لا تحرمنا أجره" أي: الأجر الذي نحصله من تجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه، وكذلك الأجر الذي نحصله من صبرنا على مصيبتنا فيه، وأمَّا أجر عمله فهو له، وليس لنا منه شيء.
وقوله: "ولا تُضلَّنا بعده" أي: أعذنا من الضلال وجنِّبنا الفتنة والزَّلل بعد فقدنا له.
ومن الدعوات التي تُقال في الصلاة على الجنازة ما رواه الطبراني في المعجم الكبير والحاكم عن يزيد بن رُكانة بن المطلب رضي الله عنه قال: " كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إلى جَنازَةٍ ليُصَلِّيَ عليها قال: اللَّهمَّ عَبْدُكَ وابنُ أَمَتِكَ احتَاجَ إلى رَحْمَتِكَ، وأنتَ غَنِيٌّ عَن عَذابِه، إن كانَ مُحْسناً فَزِدْ في حَسَناتِه، وإن كان مُسيئاً فتَجَاوَزْ عنه"، وهو حديث ثابت1.
وروى مالك في الموطأ عن سعيد المقبري أنَّه سأل أبا هريرة: كيف تُصَلِّي على الجنازة فقال أبو هريرة: "أنَا لَعَمْرُ الله أُخْبِرُك، أتَّبِعُهَا مِن أَهْلِهَا، فإذا وُضعَت كَبَّرْتُ وحَمِدتُ اللهَ وصلَّيت على نبيِّه، ثمَّ أقول: اللَّهمَّ إنَّه عَبْدُكَ وابنُ عَبْدكَ وابنُ أمَتِكَ، كان يَشهَدُ أن لَا إلَه إلَاّ أنتَ، وأنَّ مُحمَّداً عبدُكَ ورَسولُك، وأنتَ أعلَمُ بِه، اللَّهمَّ إن كَانَ مُحسناً فَزِدْ في إِحْسانِه، وإن كانَ مُسيئاً فتَجَاوَزْ عَن سيِّئاته، اللَّهمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَه، ولا تَفْتِنَّا بَعدَه"2.
نسأل الله أن يغفر لنا ولجميع موتى المسلمين، إنَّه هو الغفور الرحيم.
1 المعجم الكبير (22/249) ، والمستدرك (1/359)، وانظر أحكام الجنائز للألباني رحمه الله (ص:159) .
2 الموطأ (رقم:609) .