المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌ فضل الأذكار المتعلِّقة بعمل اليوم والليلة

- ‌ أَذْكَارُ طَرَفَيِ النَّهَارِ

- ‌ فضلُ الصَّباح وبَرَكَتُه

- ‌ ومن أذكار النوم

- ‌ من أذكار النّوم

- ‌ومن أذكار الصباح (4)

- ‌ أَذْكَارُ الانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌ أذكار الاستيقاظ من النوم

- ‌ما يقال عند الفزع من النوم

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ أَوْ يَكْرَهُ

- ‌ أَذْكَارُ دُخُولِ المَنْزِلِ

- ‌آداب الخلاء أذكاره

- ‌ أذكار الوضوء

- ‌أذكار الخروج من الصلاة، والدخول الى المسجد والخروج منه

- ‌ ما يقوله مَن سمع الأذان

- ‌ أذكار استفتاح الصلاة

- ‌ أنواع استفتاحات الصلاة

- ‌ أذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين

- ‌ ومن أذكار الصلاة

- ‌ ومن الأذكار المتعلقة بالصلاة

- ‌ أذكار التشهُّد

- ‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

- ‌ شرح حديث عمار في الذِّكر بين التشهد والتسليم

- ‌ الأَذْكَارُ بَعْدَ السَّلَامِ

- ‌ دُعَاءُ القُنُوتِ فِي صَلَاةِ الوِتْرِ

- ‌ دُعَاءُ الاسْتِخَارَةِ

- ‌ أَذْكَارُ الكَرْبِ

- ‌ دعاءُ الغَمِّ وَالهَمِّ وَالحُزْنِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ

- ‌ الأَذْكَارُ الَّتِي تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ

- ‌ مَا يُرْقَى بِهِ المَرِيضُ

- ‌ التعوُّذ من السِّحر والعين والحسد

- ‌مايقال عند المريض

- ‌ما يقال عند حضرة الموت

- ‌ ما يُقال في الصلاة على الجنازة

- ‌ ما يُقال عند دفن الميت وبعده، وعند التعزية، وزيارة المقابر

- ‌ دعاء الاستسقاء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَوْ خُسُوفِ القَمَرِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلَالِ

- ‌ الدُّعَاءُ لَيْلَةَ القَدْرِ

- ‌ أَذْكَارُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَالسَّفَرِ

- ‌ مَا يَقُولُهُ إِذا نَزَلَ مَنْزِلاً أو رَأَى قَرْيَةً أَوْ بَلْدَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا

- ‌ أَذْكَارُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌ مَا وَرَدَ فِي السَّلَامِ

- ‌أذكار النكاح والتهنئه به والدخول بالزوجة ، والذكر المتعلق با لأبناء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ الغَضَبِ

- ‌ أدعية مأثورة في أبواب متفرِّقة

- ‌ كَفَّارَةُ المَجْلِسِ

الفصل: ‌ ما يقال عند الغضب

173 /‌

‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ الغَضَبِ

الغضبُ من الخصال الذَّميمة والخلال المشينة التي نهى عنها الإسلامُ وحذَّر منها أشدَّ التحذير، وهو غَلَيانُ دم القلب وازدياد خفقانه، طلباً لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام مِمَّن يحصل منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ عن ذلك كثيرٌ من الأفعال المحرَّمة كالقتل والضَّرب وأنواع الظلم والعُدوان، وكثيرٌ من الأقوال المحرَّمة كالقذف والسبِّ والفُحش والبذاء، وكالأَيْمان التي لا يجوز التزامها شرعاً، وكتطليق الزوجة، ونحو ذلك من الأمور التي لا تُعقِبُ إلَاّ النَّدم، مِمَّا يدلُّ أوضح دلالة على أنَّ الغضبَ جماعُ الشرِّ ومفتاحُ أبوابه.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أنَّ رجلاً قال للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أوصِنِي، قال: لا تَغْضَبْ، فردَّد مراراً قال: لا تَغْضَبْ"1.

فهذا الرَّجل قد طلب من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن يوصيَه بوصيَّة وَجيزة جامعة لخصال الخير ليَحفظها ويعملَ بها، فوصَّاه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن لا يغضب، وردَّد السؤالَ مراراً والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يجيبُه بقوله:"لا تغضب"، وفي هذا دلالة على أنَّ الغضبَ جماعُ الشرِّ ومفتاحُه، وأنَّ التحرُّزَ منه جماعُ الخير.

وفي المسند للإمام أحمد من حديث الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله أوصِنِي. قال: "لا تَغْضَبْ"، قال الرَّجلُ: "ففكَّرتُ حين قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا

1 صحيح البخاري (رقم:6116) .

ص: 294

الغضبُ يَجمعُ الشرَّ كلَّه"1.

وقد جاء عن السلف رحمهم الله نقولٌ عديدةٌ في التحذير من الغضب وبيان نتائجه وعواقبه الوخيمة، يقول جعفر بن محمد رحمه الله:"الغضبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ".

وقيل لعبد الله بن المبارك رحمه الله: اجمع لنا حسن الخُلق في كلمة، فقال:"تركُ الغضب".

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "قد أفلح من عُصِم من الهوى والغضب والطَّمَع".

وكان يُقال: "أوَّلُ الغضب جُنونٌ وآخرُه ندمٌ"، ويُقال:"عدوُّ العقل الغضب"، ويُقال أيضاً:"كلُّ العَطَب في الغضب".

ولَمَّا كان الغضبُ بهذا القدر من الخطورة كان متعيَّناً على كلِّ مسلم أن يَحذَرَ منه، وأن يُجاهدَ نفسَه على البُعد عنه؛ ليَسلَم من عواقبه ونتائجه.

وقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدِّم: "لا تغضب" يتضمَّنُ أمرَين عظيمَين للسلامة من الغضب ونتائجه.

أحدهما: الأمرُ بفعل الأسباب وتمرين النفس على حُسن الخلق والحِلْم والصَّبر واحتمال أذى الناس القولي والفعلي، فإذا وُفِّق العبدُ لذلك فإنَّه إذا ورد عليه واردُ الغضب احتمله بحسن خُلُقه، وتلقَّاه بحِلْمه وصبره.

ومن القواعد المتقرَّرة أنَّ الأمرَ بالشيء أمرٌ به وبما لا يتمُّ إلَاّ به، والنَّهي عن الشيء أمرٌ بضدِّه، فنهيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن الغضب يتضمَّن الأمرَ بالصَّبر والحِلم وحسن الخُلُق.

1 المسند (5/573)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (رقم:2746) .

ص: 295

ثانياً: أنَّ أمرَه صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب فيه أمرٌ بعدم تنفيذ الغضب؛ لأنَّ الغضبَ غالباً لا يتمكَّن الإنسانُ من دفعه وردِّه، ولكنَّه يتمكَّن من عدم تنفيذه، فعليه أن يَمنعَ نفسَه من الأقوال والأفعال المحرَّمة التي يجرُّ الغضبُ إليها، فمتى منع نفسَه من آثار الغضب الضارَّة، فكأنَّه في الحقيقة لَم يغضب، قال الله تعالى:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} 1، وفي الحديث:" ليس الشَّديد بالصرعة، إنَّما الشَّديد من يملك نفسه عند الغضب"2.

ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوَجَّه ويأمرُ مَن غضب بفعل الأسباب التي تدفعُ الغضبَ وتسكنه، ويأمرُ بالتعوُّذ بالله من الشيطان الذي يُحرِّك الغضبَ في القلوب، ويُثير الفتنَ ويدعو إلى الشرِّ والفساد.

روى البخاري ومسلم عن سُليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: "اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: ألَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ"3.

وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ الغضبَ من نزغ الشيطان، وأنَّ مَن حصل له الغضبُ ينبغي له أن يستعيذ بالله منه، كما يدلُّ على ذلك قول الله تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 4.

1 سورة: الشورى، الآية (37) .

2 صحيح البخاري (رقم:6114)، وصحيح مسلم (رقم:2609) .

3 صحيح البخاري (رقم:6115)، وصحيح مسلم (رقم:2610) .

4 سورة: الأعراف، الآية (200) .

ص: 296

ثمَّ إنَّ الشيطانَ أعاذنا الله منه يتمكَّنُ من الإنسان حالَ غضبه، فيدفعه إلى ارتكاب الآثام، ويأزُّه إلى السبِّ والأذى والإجرام، فإذا استعاذ المسلمُ بالله حُفظ منه ووُقي من شرِّه.

ومِمَّا أرشد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغضبانَ إلى فعله التباعدَ عن كلِّ ما يستثيرُه ويُقربه من الانتقام، سواءً بالقول أم الفعل.

فأمَّا القولُ فقد روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إذا غَضِبَ أحدُكم فليَسْكُت"، قالها ثلاثاً1.

وذلك أنَّ الغضبانَ إن تكلَّم حالَ غضبه فإنَّ الغالبَ على كلامه التعدِّي والإساءة، فمن الخير له أن يَكفَّ عن الكلام حال الغضب حتى يسكن، فإذا سكن اتَّزن كلامُه وحسن حديثُه، وكان كلامُه في حال الغضب قريباً أو مساوياً لكلامه حال الرِّضا ليس فيه ظلم ولا عدوان.

ومن الدعوات النبوية المباركة قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في دعائه: "وأسألك كلمة الحقِّ في الغضب والرِّضَا"2، وهذا عزيز أن لا يقول الإنسانُ إلَاّ الحقَّ سواء غضبَ أو رضيَ.

وأمَّا الفعل فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وغيرُهما من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " إذا غضب أحدُكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلَاّ فليضطجع"3.

1 المسند (1/239) .

2 جزء من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقد تقدَّم.

3 سنن أبي داود (رقم:4782) ، والمسند (5/152)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:694) .

ص: 297

وذلك أنَّ الغضبانَ إن بقي قائماً حال غضبه فإنَّه سيكون قريباً مِِمَّن أغضبه، متهيِّئاً للانتقام منه، فربَّما ضربه أو لطمه أو اعتدى عليه، فإذا جلس تباعد منه، وإذا اضطجع كان أبعدَ وأبعد.

وهذا فيه دلالةٌ على أنَّ الغضبانَ ينبغي عليه أن يحرصَ على أن يملكَ نفسَه حال الغضب في الأقوال والأفعال، فلا يُباشر شيئاً منها حتى يسكن ويطمئنَّ؛ ليكون قولُه حقًّا وفعلُه عدلاً، لا زلل فيه ولا شطَط.

والله وحده المسؤول أن يُوفِّقنا وإيَّاكم إلى سديد القول وصالح العمل، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل.

ص: 298