المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم - فقه الأدعية والأذكار - جـ ٣

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌ فضل الأذكار المتعلِّقة بعمل اليوم والليلة

- ‌ أَذْكَارُ طَرَفَيِ النَّهَارِ

- ‌ فضلُ الصَّباح وبَرَكَتُه

- ‌ ومن أذكار النوم

- ‌ من أذكار النّوم

- ‌ومن أذكار الصباح (4)

- ‌ أَذْكَارُ الانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌ أذكار الاستيقاظ من النوم

- ‌ما يقال عند الفزع من النوم

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ أَوْ يَكْرَهُ

- ‌ أَذْكَارُ دُخُولِ المَنْزِلِ

- ‌آداب الخلاء أذكاره

- ‌ أذكار الوضوء

- ‌أذكار الخروج من الصلاة، والدخول الى المسجد والخروج منه

- ‌ ما يقوله مَن سمع الأذان

- ‌ أذكار استفتاح الصلاة

- ‌ أنواع استفتاحات الصلاة

- ‌ أذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين

- ‌ ومن أذكار الصلاة

- ‌ ومن الأذكار المتعلقة بالصلاة

- ‌ أذكار التشهُّد

- ‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

- ‌ شرح حديث عمار في الذِّكر بين التشهد والتسليم

- ‌ الأَذْكَارُ بَعْدَ السَّلَامِ

- ‌ دُعَاءُ القُنُوتِ فِي صَلَاةِ الوِتْرِ

- ‌ دُعَاءُ الاسْتِخَارَةِ

- ‌ أَذْكَارُ الكَرْبِ

- ‌ دعاءُ الغَمِّ وَالهَمِّ وَالحُزْنِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ لِقَاءِ العَدُوِّ

- ‌ مَا يَقُولُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ

- ‌ الأَذْكَارُ الَّتِي تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ

- ‌ مَا يُرْقَى بِهِ المَرِيضُ

- ‌ التعوُّذ من السِّحر والعين والحسد

- ‌مايقال عند المريض

- ‌ما يقال عند حضرة الموت

- ‌ ما يُقال في الصلاة على الجنازة

- ‌ ما يُقال عند دفن الميت وبعده، وعند التعزية، وزيارة المقابر

- ‌ دعاء الاستسقاء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَوْ خُسُوفِ القَمَرِ

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلَالِ

- ‌ الدُّعَاءُ لَيْلَةَ القَدْرِ

- ‌ أَذْكَارُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَالسَّفَرِ

- ‌ مَا يَقُولُهُ إِذا نَزَلَ مَنْزِلاً أو رَأَى قَرْيَةً أَوْ بَلْدَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا

- ‌ أَذْكَارُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌ مَا وَرَدَ فِي السَّلَامِ

- ‌أذكار النكاح والتهنئه به والدخول بالزوجة ، والذكر المتعلق با لأبناء

- ‌ مَا يُقَالُ عِنْدَ الغَضَبِ

- ‌ أدعية مأثورة في أبواب متفرِّقة

- ‌ كَفَّارَةُ المَجْلِسِ

الفصل: ‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

145 /‌

‌ الدعاء الوارد ما بين التشهد والتسليم

إنَّ من المواطن التي يُستحب للمسلم أن يَتحرى فيها الدعاء في الصلاة ما بين التشهد والتسليم، فقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم علمه التشهد ثم قال في آخره:"ثم ليتَخيَّر من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو"1، وفي رواية لمسلم:"ثم ليتخير من المسألة ما شاء"2.

والأولى بالمسلم في هذا المقام أن يأتي بالأدعية المأثورة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وإن دعا بأدعية غيرها لا محذور فيها فلا بأس بذلك.

وفيما يلي ذكر لبعض الأدعية المأثورة في هذا المقام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَجَّالِ" 3، وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى القول بوجوب هذه الاستعاذة قبيل السلام، وجمهور العلماء على أنَّها مستحبة وليست بواجبة.

قوله: "من عذاب جهنم" قدَّم التعوذ من عذاب جهنم؛ لأنَّّه الغايةُ التي لا أعظم في الهلاك منها، وجهنَّم اسم للنار التي أعدها الله للكفار يوم القيامة.

وقوله: "ومن عذاب القبر" فيه أنَّ عذاب القبر حق، وأنَّ المسلم ينبغي عليه أن يتعوذ بالله منه.

1 صحيح البخاري (رقم:835)، وصحيح مسلم (رقم:402) .

2 صحيح مسلم (رقم:402) .

3 صحيح البخاري (رقم:1377)، وصحيح مسلم (رقم:588) .

ص: 155

وقوله: "ومن فتنة المحيا والممات" أي الحياة والموت، والمراد التعوذ من جميع فتن الدارين؛ في الحياة من كلِّ ما يَضُرُّ بدين الإنسان أو بدنه أو دنياه، وفي الموت من شدائده وما يكون بعده من أهوال.

وقوله: "ومن فتنة المسيح الدجال" المسيح الدجَّال هو منبع من منابع الكفر والضلال، ومصدر من مصادر الفتن والأوجال، يكون خروجه على الناس آخر الزمان، وهو شرط من أشراط الساعة، سُمِّي مسيحاً؛ لأنَّ إحدى عينيه مَمسوحة، فهو أعور عينه اليمنى، وسُمِّيَ دجَّالاً من الدَّجل وهو الكذب، وفتنة خروجه من أعظم الفتن، وما من نَبِيٍّ بعثه الله إلَاّ حذَّر منه قومه وأنذر.

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَجَّالِ، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا، وَفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذ مِنَ المَغْرَمِ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ "1.

والمأثم: هو الأمر الذي يأثم به الإنسان من جميع المعاصي والذنوب، والمغرَم: ما يلزم الإنسان أداؤه بسبب جناية أو معاملة أو نحو ذلك، فالمأثم إشارة إلى حقِّ الله، والمغرم: إشارة إلى حق العباد.

ومن الأدعية في هذا المقام ما رواه مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث طويل: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ آخَرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا

1 صحيح البخاري (رقم:833) وصحيح مسلم (رقم:589) .

ص: 156

أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ"1.

قوله: "ما قدَّمت" أي من خطأ وتقصير، "وما أخَّرت" أي ما سيقع منِّي من ذلك في الزمن المستقبل، "وما أسررت وما أعلنت" أي ما وقع مني منها في السِّرِّ أو العلانية، "وما أسرفت" أي على نفسي بارتكاب المعاصي القاصرة أو المظالم المتعدية.

وقوله: "أنت المقدِّم" أي لمن تشاء بالمعونة والتوفيق والسداد، و"أنت المؤخِّر" أي لِمَن تشاء بالخذلان والحرمان وعدم المعونة.

وقوله: "لا إله إلَاّ أنت" أي لا معبود بحقٍّ سواك.

ومن الأدعية المأثورة في هذا المقام ما رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لرجل:" كَيَفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذ بِكَ مِنَ النَّارِ، أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ "2، أي: حول طلب دخول الجنَّة والنجاة من

النار نُدَنْدن، والدَّنْدَنَة أن يتكلَّم الرجلُ بالكلام، فتُسمَع نغمتُه ولا يُفهم كلامُه.

وقد جاء في السُّنَّة أحاديث مشتملة على أدعية تُقال في الصلاة، ولم يُبَيَّن محلُّها، والأولى أن تكون في أحد موطنين؛ إما في السجود أو بعد التشهد؛ لأنَّ

1 صحيح مسلم (رقم:771) .

2 سنن أبي داود (رقم:792)، وسنن ابن ماجه (رقم:910) ، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه (رقم:742) .

ص: 157

السُّنَّة جاءت بتحرِّي الدعاء فيهما، ومن هذه الأدعية ما رواه البخاري ومسلم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أَنْتَ فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "1.

ومنها ما رواه النسائيُّ عن عطاء بن السائب، عن أبيه رضي الله عنه قال:"صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: لَقْدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ فَقَالَ: أَمَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ هُوَ أبِي غَيْرَ أَنَّهُ كَنَّى عَنْ نَفْسِهِ فَسَأَلَهُ عَن الدُّعَاءِ ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ القَوْمَ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيماً لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ"2.

1 صحيح البخاري (رقم:834)، وصحيح مسلم (رقم:2705) .

2 سنن النسائي (رقم:1305)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:1301) .

ص: 158

وهو حديثٌ عظيمٌ ثابتٌ عن النَّبِيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم، مشتملٌ على فوائد عظيمة، ومقاصد كريمة، وغايات مباركة.

وقد أفرد الحافظ ابن رجب رحمه الله رسالةً لطيفةً في شرح هذا الحديث وبيان معانيه، وهي رسالة نافعة، ولعلي أقف مع بعض دلالات هذا الحديث ومعانيه العظيمة، ليكون ذلك عوناً لنا بإذن الله على العناية به والمواظبة عليه، والله الموفِّق.

ص: 159