الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حد الزنا:
1 -
دعا الاسلام إلى الزواج وحبب فيه، لانه هو أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة المثلى لاخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان ويتعهدانها بالرعاية، وغرس عواطف الحب والود، والطيبة، والرحمة، والنزاهة والشرف، والاباء، وعزة النفس.
ولكي تستطيع هذه السلالة أن تنهض بتبعاتها، وتسهم بجهودها في ترقية الحياة وإعلائها.
2 -
وكما وضع الطريقة المثلى لتصريف الغريزة منع من أي تصرف في غير الطريق المشروع، وحظر إثارة الغريزة بأي وسيلة من الوسائل، حتى لا تنحرف عن المنهج المرسوم. فنهى عن الاختلاط، والرقص، والصور المثيرة، والغناء الفاحش، النظر المريب، وكل ما من شأنه أن يثير الغريزة أو يدعو إلى الفحش حتى لا تتسرب عوامل الضعف في البيت، والانحلال في الاسرة.
3 -
واعتبر الزنا جريمة فانونية تستحق أقصى العقوبة لانه وخيم العاقبة، ومفض إلى الكثير من الشرور والجرائم.
فالعلاقات الخليعة والاتصال الجنسي غير المشروع، مما يهدد المجتمع بالفناء والانقراض، فضلا عن كونه من الرذائل المحقرة. " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ". (1)
4 -
لانه سبب مباشر في انتشار الامراض الخطيرة التي تفتك بالابدان، وتنتقل بالوراثة من الآباء إلى الابناء، وأبناء الابناء، كالزهري، والسيلان، والقرحة.
5 -
وهو أحد أسباب جريمة القتل، إذ أن الغيرة طبيعية في الانسان، وقلما
(1) أي لا تفعلوا ما يقرب إلى الزنا، كالنظرة الفاحشة، واللمس، والقبلة، فالآية تنهي عن مقدمات الزنا، إذا كانت مقدماته محرمة فهو من باب أولى.
يرضى الرجل الكريم، أو المرأة العفيفة بالانحراف الجنسي، بل إن الرجل لا يجد وسيلة يغسل بها العار الذي يلحقه ويلحق أهله إلا الدم.
6 -
والزنا يفسد نظام البيت، ويهز كيان الاسرة، ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرض الاولاد لسوء التربية مما يتسبب عنه: التشرد، والانحراف والجريمة.
7 -
وفي الزنا ضياع النسب، وتمليك الاموال لغير أربابها عند التوارث.
8 -
وفيه تغرير بالزوج: إذ أن الزنا قد ينتج عنه الحمل، فيقوم الرجل بتربية غير ابنه.
9 -
إن الزنا علاقة مؤقتة لاتبعة وراءها، فهو عملية حيوانية بحتة ينأى عنها الانسان الشريف.
وجملة القول أنه قد ثبت عمليا ثبوتا لا مجال للشك فيه عظم ضرر الزنا، وأنه من أكبر الاسباب الموجبة للفساد وانحطاط الآداب، ومورث لاقتل الادواء، ومروج للعزوبة واتخاذ الخدينات، ومن ثم كان أكبر باعث على الترف والسرف والعهر والفجور.
لهذا كله وغيره جعل الاسلام عقوبة الزنا أقسى عقوبة.
وإذا كانت هذه العقوبة تبدو قاسية، فإن آثار الجريمة المترتبة عليها أشد ضررا على المجتمع.
والاسلام يوازن بين الضرر الواقع على المذنب، والضرر الواقع على المجتمع، ويقضي بارتكاب أخف الضررين، وهذه هي العدالة.
ولا شك أن ضرر عقوبة الزاني لا توزن بالضرر الواقع على المجتمع من إفشاء الزنا، ورواج المنكر، وإشاعة الفحش والفجور.
إن عقوبة الزنا إذا كان يضار، بها المجرم نفه، فإن في تنفيذها حفظ النفوس، وصيانة الاعراض، وحماية الاسر، التي هي اللبنات الاولى في بناء المجتمع، وبصلاحها يصلح وبفسادها بفسد.
إن الامم بأخلاقها الفاضلة، وبآدابها العالية، ونظافتها من الرجس، والتلوث، وطهارتها من التدلي والتسفل.
على أن الاسلام - من جانب آخر - كما أباح الزواج أباح التعدد حتى
يكون في الحلال مندوحة عن الحرام، ولكي لا يبقي عذر لمتقرف هذه الجريمة.
وقد احتاط في تنفيذ هذه العقوبة بقدر ما أخاف الزناة وأرهبهم:
1 -
فمن الاحتياط أنه درأ الحدود بالشبهات، فلا يقام حد إلا بعد التيقن من وقوع الجريمة.
2 -
وانه لابد في إثبات هذه الجريمة من أربعة شهود عدل من الرجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة الفسقة.
3 -
وأن يكون الشهود جميعا رأوا عملية الزنا نفسها كالميل في المكحلة، والرشاء (1) في البئر، وهذا مما يصعب ثبوته.
4 -
ولو فرض أن ثلاثة منهم شهدوا بهذه الشهادة وشهد الرابع بخلاف شهادتهم، أو رجع أحدهم عن شهادته أقيم عليهم حد القذف.
فهذا الاحتياط الذي وضعه الاسلام في إثبات هذه الجريمة، مما يدفع ثبوتها قطعا.
فهذه العقوبة هي إلى الارهاب والتخويف أقرب منها إلى التحقيق والتنفيذ.
وقد يقول قائل: إذا كان الحد مما يندر إقامته، لتعذر ثبوت الادلة، فلماذا إذن شرعه الاسلام؟ والجواب كما قلنا: أن الاسلام إذا لاحظ قسوة الجريمة وضراوتها فإنه يعمل لها ألف حساب وحساب قبل أن تقترف.
فهذا نوع من الزجر بالنسبة لهذه الجريمة التي تجد من الحوافز والبواعث
ما يدفع إليها، ولا سيما وأن الغريزة الجنسية من أعنف الغرائز، إن لم تكن أعنفها على الاطلاق، ومن المناسب أن يواجه عنف الغريزة عنف العقوبة، فإن ذلك من عوامل الحد من ثورتها.
(1) الرشاء: الحبل.