الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم قال: " لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته (1) فتكسر خزانته، فينتقل منها طعامه، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ".
وقال الشافعي: لا يضمن، لان المسؤولية تسقط بالاضطرار، لوجود
الاذن من الشارع، ولا يجتمع إذن وضمان.
القسامة:
القسامة: تستعمل بمعنى الحسن والجمال.
والمقصود بها هنا: الايمان، مأخوذة من: أقسم، يقسم، إقساما، وقسامة.
فهي مصدر مشتق من القسم، كاشتقاق الجماعة من الجمع.
وصورتها: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله، فتجري القسامة على الجماعة التي يمكن أن يكون القاتل محصورا فيهم، بشرط أن يكون عليهم لوث (2) ظاهر، بأن يوجد القتيل بين قوم من الاعداء، ولا يخالطهم غيرهم، أو اجتمع جماعة في بيت أو صحراء، وتفرقوا عن قتيل، أو وجد في ناحية، وهناك رجل مختضب بدمه.
فإذا كان القتيل في بلدة، أو في طريق من طرقها، أو قريبا منها أجريت القسامة على أهل البلدة.
وإن وجدت جثته بين بلدين، أجريت القسامة على أقربها مسافة من مكان جثته.
وكيفية القسامة، هي: أن يختار ولي المقتول خمسين رجلا من هذه البلدة ليحلفوا بالله أنهم ما قتلوه، ولا علموا له قاتلا.
(1) المشربة: كالغرفة يوضع فيها المتاع، فقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم ضروع المواشي في حفظ اللبن بالغرفة التي يحفظ فيها الانسان متاعه، وفي الحديث إثبات القياس ورد الشئ إلى نظيره.
(2)
اللوث: العلامة.
فإن حلفوا سقطت عنهم الدية، وإن أبوا، وجبت ديته على أهل البلدة جميعا.
وإن التبس الامر كانت ديته من بيت المال.
النظام العربي الذي أقره الاسلام وكانت القسامة معمولا بها في الجاهلية، فأقرها الاسلام على ما كانت عليه.
وحكمة إقرار الاسلام لها، أنها مظهر من مظاهر حماية الانفس، وحتى لا يذهب دم القتيل هدرا.
" أخرج البخاري، والنسائي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أن أول قسامة كانت في الجاهلية: " كان رجل من بني هاشم، استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله، فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي، لا تنفر الابل، فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه.
فلما نزلوا، عقلت الابل إلا بعيرا واحدا، فقال الذي استأجره: ما بال هذا البعير لم يعقل من بين الابل؟ قال: ليس له عقال.
قال: فأين عقاله؟ فحذفه بعصا كان فيه أجله، فمر به رجل من أهل اليمن.
فقال له: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهده، وربما شهدته.
قال: هل أنت مبلغ عني رسالة، مرة من الدهر؟
قال: نعم.
قال: فإذا شهدت، فناد: يا قريش، فإذا أجابوك.
فناد: يا آل بني هاشم، فإن أجابوك، فسل: عن أبي طالب، وأخبره أن فلانا قتلني في عقال.
ومات المستأجر.
فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب.
فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه.
قال: قد كان أهل ذاك منك.
فمكث حينا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه، أن يبلغ عنه، وافى الموسم.
فقال: يا قريش.
قالوا: هذه قريش.
قال: يا آل بني هاشم.
قالوا: هذه بنو هاشم.
قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب.
قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة، أن فلانا قتله في عقال.
فأتاه أبو طالب، فقال: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الابل، فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت، حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به.
فأتى قومه فأخبرهم.
فقالوا: نحلف.
فأتته امرأة من بني هاشم، كانت تحت رجل منهم، كانت قد ولدت منه فقالت: يا أبا طالب.
أحب أن يجبر إبني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الايمان.
ففعل.
فأتاه رجل منهم، فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الابل، فيصيب كل رجل منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني، حيث تصبر الايمان، فقبلهما.
وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما.
" فوالذي نفسي بيده ما حال الحول، ومن الثمانية والاربعين عين تطرف "! الاختلاف في الحكم بالقسامة: اختلف العلماء في وجوب الحكم بالقسامة.
فقال جمهور الفقهاء: بوجوب الحكم بها.
وقالت طائفة من العلماء: لا يجوز الحكم بها.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: " وأما وجوب الحكم بها على الجملة، فقال به جمهور فقهاء الامصار: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وسفيان، وداود، وأصحابهم، وغير ذلك من فقهاء الامصار.
وقالت طائفة من العلماء: سالم بن عبد الله، وأبو قلابة، وعمر بن
عبد العزيز، وابن علية: لا يجوز الحكم بها.
عمدة الجمهور ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، من حديث حويصة ومحيصة، وهو حديث متفق على صحته من أهل الحديث، إلا أنهم مختلفون في ألفاظه.
وعمدة الفريق الثاني لعدم جواز الحكم بها: أن القسامة مخالفة لاصول الشرع المجمع على صحتها، فمنها: ان الاصل في الشرع أن لا يحلف أحد إلا على ما علم قطعا، أو شاهد حسا، وإذا كان ذلك كذلك فكيف يقسم أولياء الدم، وهم لم يشاهدوا القتيل، بل قد يكونون في بلد، والقتل في بلد آخر.
ولذلك روى البخاري عن أبي قلابة: " أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس، ثم أذن لهم فدخلوا عليه، فقال: ما تقولون في القسامة؟ فأضب القوم، وقالوا: نقول: إن القسامة القود بها حق، قد أقاد بها الخلفاء.
فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس.
فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك أشراف العرب، ورؤساء الاجناد.
أرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل، أنه زنا بدمشق، ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا.
قلت: أفرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل أنه سرق بحمص، ولم يروه، أكنت تقطعه؟
قال: لا.
وفي بعض الروايات: قلت: فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا، وهم عندك، أقدت بشهادتهم.
قال: فكتب عمر بن عبد العزيز، في القسامة، أنهم إن أقاموا شاهدي عدل: أن فلانا قتله، فأقده، ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا ".
قالوا: " ومنها: أن من الاصول، أن الايمان ليس لها تأثير في إشاطة الدماء ".
ومنها: " أن من الاصول: ان البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ".
ومن حجتهم: " أنهم لم يرو في تلك الاحاديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة، وإنما كانت حكما جاهليا، فتلطف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها، على أصول الاسلام، ولذلك قال لهم: " أتحلفون خمسين يمينا " - أعني لولاة الدم، وهم الانصار -؟ قالوا: كيف نحلف، ولم نشاهد؟ قال: فيحلف لكم اليهود.
قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ قالوا: فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشهدوا لقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي السنة.
قال: إذا كانت هذه الاثار غير نص في القضاء بالقسامة، والتأويل يتطرق إليها، فصرفها بالتأويل إلى الاصول أولى.
وأما القائلون بها، وبخاصة " مالك "، فرأى أن سنة القسامة، سنة منفردة بنفسها، مخصصة للاصول، كسائر السنن المخصصة، وزعم أن العلة في ذلك حوطة الدماء، وذلك أن القتل لما كان يكثر، وكان يقل قيام الشهادة عليه، لكون القاتل إنما يتحرى بالقتل مواضع الخلوات، جعلت هذه السنة حفظا للدماء، لكن هذه العلة تدخل عليه في قطاع الطريق، والسراق، وذلك ان السارق تعسر الشهادة عليه، وكذلك قاطع الطريق.
فلهذا أجاز مالك شهادة المسلوبين على السالبين، مع مخالفة ذلك للاصول، وذلك أن المسلوبين مدعون على سلبهم " انتهى.