المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الجمع بين فاطمة رضي الله عنها وبين بنت أبي جهل - فقه السنة - جـ ٢

[سيد سابق]

فهرس الكتاب

- ‌الزواج

- ‌الترغيب في الزواج:

- ‌حكمة الزواج:

- ‌حكم الزواج

- ‌تقديم الزواج على الحج:

- ‌اختيار الزوجة:

- ‌اختيار الزوج:

- ‌الخطبة:

- ‌النظر إلى المخطوبة:

- ‌العدول عن الخطبة وأثره:

- ‌عقد الزواج:

- ‌شروط الإيجاب والقبول

- ‌ألفاظ الإنعقاد:

- ‌العقد بغير اللغة العربية:

- ‌عقد الزواج للغائب:

- ‌شروط صيغة العقد:

- ‌اشتراط التنجيز في العقد:

- ‌ زواج المتعة

- ‌العقد على المرأة وفي نية الزوج طلاقها:

- ‌زواج التحليل:

- ‌الزواج الذي تحل به المطلقة للزوج الأول:

- ‌صيغة العقد المقترنة بالشرط:

- ‌ الشغار:

- ‌شروط صحة الزواج:

- ‌حكم الاشهاد على الزواج:

- ‌ما يشترط في الشهود:

- ‌شهادة النساء:

- ‌عقد الزواج شكلي:

- ‌شروط نفاذ العقد:

- ‌شروط لزوم عقد الزواج:

- ‌متى يكون العقد غير لازم:

- ‌رأي الفقهاء في الفسخ بالعيب:

- ‌شروط سماع الدعوى بالزواج قانونا:

- ‌تحديد سن الزوجين لسماع دعوى الزواج:

- ‌تحديد سن الزواج لمباشرة عقد الزواج رسميا:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الزنا والزواج:

- ‌زواج نساء أهل الكتاب:

- ‌الفرق بين المشركة والكتابية

- ‌زواج المسلمة بغير المسلم:

- ‌وجوب العدل بين الزوجات:

- ‌حق المرأة في اشتراط عدم التزوج عليها:

- ‌حكمة التعدد:

- ‌تاريخ تعدد الزوجات

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌عضل الولي:

- ‌زواج اليتيمة:

- ‌انعقاد الزواج بعاقد واحد:

- ‌الوكالة في الزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌الحقوق الزوجية:

- ‌المهر:

- ‌وجوب المتعة:

- ‌النفقة:

- ‌المرأة تسلم دون زوجها:

- ‌الحقوق غير المادية:

- ‌إتيان الرجل زوجته:

- ‌حرمة التكلم بما يجري بين الزوجين أثناء المباشرة:

- ‌إتيان الرجل في غير المأتى:

- ‌العزل وتحديد النسل

- ‌حكم إسقاط الحمل:

- ‌الإيلاء:

- ‌تجاوز الصدق بين الزوجين:

- ‌إمساك الزوجة بمنزل الزوجية:

- ‌الانتقال بالزوجة:

- ‌اشتراط عدم خروج الزوجة من دارها:

- ‌منع الزوجة من العمل:

- ‌خروج المرأة لطلب العلم:

- ‌تأديب الزوجة عند النشوز:

- ‌تزين المرأة لزوجها:

- ‌التبرج:

- ‌تزين الرجل لزوجته:

- ‌الخطبة قبل الزواج:

- ‌إعلان الزواج:

- ‌الغناء عند الزواج:

- ‌وصايا الزوجة:

- ‌الوليمة:

- ‌زواج غير المسلمين:

- ‌إسلام أحد الزوجين دون الآخر:

- ‌الطلاق:

- ‌الطلاق من حق الرجل وحده:

- ‌من يقع منه الطلاق:

- ‌الطلاق قبل الزواج:

- ‌الطلاق باللفظ:

- ‌الطلاق بالكتابة:

- ‌الإشهاد على الطلاق:

- ‌من ذهب إلى وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وقوعه بدون بينة:

- ‌التنجيز والتعليق صيغة الطلاق:

- ‌الطلاق السني والبدعي:

- ‌طلاق الحامل:

- ‌طلاق الآيسة والصغيرة والمنقطعة الحيض:

- ‌طلاق البتة:

- ‌الطلاق الرجعي والبائن:

- ‌التفويض والتوكيل في الطلاق:

- ‌ التطليق لعدم النفقة

- ‌التطليق للضرر:

- ‌التطليق لغيبة الزوج:

- ‌التطليق لحبس الزوج:

- ‌الخلع:

- ‌الخلع بتراضي الزوجين:

- ‌الشقاق من قبل الزوجة كاف في الخلع:

- ‌حرمة الاساءة إلى الزوجة لتختلع:

- ‌الخلع بين الزوج وأجنبي:

- ‌الخلع يجعل أمر المرأة بيدها:

- ‌جواز تزوجها برضاها:

- ‌خلع الصغيرة المميزة

- ‌خلع المحجور عليها

- ‌نشوز الرجل:

- ‌الشقاق بين الزوجين:

- ‌الظهار:

- ‌الفسخ:

- ‌اللعان:

- ‌العدة:

- ‌عدة الحائض:

- ‌أقل مدة للاعتداد بالاقراء:

- ‌عدة غير الحائض:

- ‌سن اليأس:

- ‌عدة الحامل:

- ‌عدة المتوفى عنها زوجها:

- ‌وجوب العدة في غير الزواج الصحيح:

- ‌طلاق الفار:

- ‌ انقضاء العدة

- ‌لزوم المعتدة بيت الزوجية:

- ‌حداد المعتدة:

- ‌نفقة المعتدة:

- ‌الحضانة:

- ‌الأم أحق بالولد من أبيه:

- ‌شروط الحضانة:

- ‌انتهاء الحضانة:

- ‌الطفل بين أبيه وأمه:

- ‌أحكام القضاء

- ‌الحدود:

- ‌جرائم الحدود:

- ‌عدالة هذه العقوبات:

- ‌سقوط الحدود بالشبهات:

- ‌الشبهات وأقسامها

- ‌مشروعية التستر في الحدود:

- ‌ستر المسلم نفسه:

- ‌الحدود كفارة للآثام:

- ‌إقامة الحدود في دار الحرب:

- ‌الخمر:

- ‌تشديد الإسلام في تحريم الخمر:

- ‌تحريم الخمر في المسيحية:

- ‌أضرار الخمر:

- ‌الخمر إذا تخللت:

- ‌المخدرات:

- ‌حد شارب الخمر:

- ‌بم يثبت الحد

- ‌شروط إقامة الحد:

- ‌التداوي بالخمر:

- ‌حد الزنا:

- ‌التدرج في تحريم الزنا:

- ‌الزنا الموجب للحد:

- ‌أقسام الزناة:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب:

- ‌شروط الإحصان:

- ‌المسلم والكافر سواء:

- ‌شروط الحد:

- ‌بم يثبت الحد:

- ‌من أقر بزنا امرأة فجحدت:

- ‌وقت إقامة الحد:

- ‌حضور الإمام والشهود والرجم:

- ‌شهود طائفة من المؤمنين الحد:

- ‌الضرب في حد الجلد:

- ‌هل للمجلود دية إذا مات

- ‌ عمل قوم لوط:

- ‌ الاستمناء:

- ‌ السحاق:

- ‌ إتيان البهيمة:

- ‌ الوطء بالاكراه:

- ‌ الخطأ في الوطء:

- ‌ الوطء في نكاح مختلف فيه:

- ‌ الوطء في نكاح باطل:

- ‌حد القذف:

- ‌شروط القاذف:

- ‌شروط المقذوف:

- ‌بم يثبت حد القذف:

- ‌كيفية التوبة:

- ‌هل يحد بقذف أصله

- ‌سقوط الحد:

- ‌الردة:

- ‌حكمة قتل المرتد:

- ‌مال المرتد:

- ‌لحوقه بدار الحرب:

- ‌هل يقتل الساحر:

- ‌الكاهن والعراف

- ‌شروط الحرابة:

- ‌سقوط الحدود بالتوبة قبل رفع الجناة إلى الحاكم:

- ‌حد السرقة:

- ‌أنواع السرقة:

- ‌جحد العارية:

- ‌لنباش:

- ‌متى يقدر المسروق:

- ‌سرقة الجماعة:

- ‌الطرار:

- ‌المسجد حرز:

- ‌السرقة من الدار:

- ‌عقوبة السرقة:

- ‌الجنايات:

- ‌المحافظة على النفس كرامة الانسان:

- ‌القصاص بين الجاهلية والإسلام:

- ‌أنواع القتل:

- ‌أداة القتل:

- ‌ القود أو العفو

- ‌شروط وجوب القصاص:

- ‌الجماعة تقتل بالواحد:

- ‌ثبوت القصاص:

- ‌استيفاء القصاص

- ‌بم يكون القصاص:

- ‌هل يقتل القاتل في الحرم

- ‌القصاص فيما دون النفس:

- ‌شروط القصاص فيما دون النفس:

- ‌موت المقتص منه:

- ‌الدية:

- ‌على من تجب:

- ‌دية المرأة:

- ‌لمن تجب:

- ‌وجود قتيل بين قوم متشاجرين:

- ‌القتل بعد أخذ الدية:

- ‌اصطدام الفارسين:

- ‌ضمان صاحب الدابة:

- ‌ضمان القائد والراكب والسائق:

- ‌الدابة الموقوفة:

- ‌ضمان ما أتلفته الطيور:

- ‌ضمان ما أصابه الكلب أو الهر:

- ‌ما يقتل من الحيوان وما لا يقتل:

- ‌ما لا ضمان فيه:

- ‌ضمان ما أتلفته النار:

- ‌إفساد زرع الغير:

- ‌غرق السفينة:

- ‌ضمن الطبيب:

- ‌الرجل يفضي زوجته:

- ‌الحائط يقع على شخص فيقتله:

- ‌الإذن في أخذ الطعام وغيره:

- ‌القسامة:

- ‌التعزير:

- ‌السلام في الإسلام:

- ‌كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين:

- ‌الإعتراف بحق الفرد:

- ‌جريمة إهدار الحقوق:

- ‌الجهاد:

- ‌الاستنصار بالضعفاء:

- ‌فضل الجهاد:

- ‌الجهاد لا يعد له شئ:

- ‌فضل الشهادة:

- ‌الجهاد لاعلاء كلمة الله:

- ‌فضل الرمي بنية الجهاد:

- ‌الحرب في البحر أفضل من الحرب في البر:

- ‌صفات القائد:

- ‌الواجب على قائد الجيش:

- ‌وصية عمر رضي الله عنه:

- ‌واجب الجنود:

- ‌وجوب الدعوة قبل القتال:

- ‌الدعاء عند القتال:

- ‌وجوب الثبات أثناء الزحف:

- ‌الكذب والخداع عند الحرب:

- ‌الغارة على الأعداء ليلا:

- ‌انتهاء الحرب:

- ‌الهدنة:

- ‌عقد الذمة:

- ‌الأحكام التي تجري على أهل الذمة:

- ‌الجزية:

- ‌عقد الذمة للمواطنين وللمستقلين:

- ‌بم ينقض العهد

- ‌موجب النقض:

- ‌الغنائم:

- ‌من لا سهم له في الغنيمة:

- ‌الأجراء وغير المسلمين لا يسهم لهم:

- ‌الغلول:

- ‌الحربي يسلم:

- ‌أسرى الحرب:

- ‌معاملة الأسرى:

- ‌الاسترقاق:

- ‌معاملة الرقيق:

- ‌طريق التحرير:

- ‌أرض المحاربين المغنومة:

- ‌العجز عن عمارة الارض الخراجية:

- ‌ميراث الأرض المغنومة:

- ‌الفيء:

- ‌عقد الأمان:

- ‌نتيجة الأمان:

- ‌متى يتقرر هذا الحق:

- ‌عقد الأمان لجهة ما:

- ‌المستأمن:

- ‌العهود والمواثيق:

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌من معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم:

الفصل: الجمع بين فاطمة رضي الله عنها وبين بنت أبي جهل

الجمع بين فاطمة رضي الله عنها وبين بنت أبي جهل حكم حكم بديعة، وهي أن المرأة مع زوجها في درجة تبع له، فان كانت في نفسها ذات درجة عالية وزوجها كذلك، كانت في درجة عالية بنفسها وبزوجها، وهذا شأن فاطمة وعلي رضي الله عنهما.

ولم يكن الله عز وجل ليجعل ابنة أبي جهل مع فاطمة رضي الله عنها في

درجة واحدة، لا بنفسها ولا تبعا، وبينهما من الفرق ما بينهما، فلم يكن نكاحها على سيدة نساء العالمين مستحسنا، لا شرعا ولا قدرا، وقد أشار صلى الله عليه وسلم الى هذا بقوله:" والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحدا أبدا ".

فهذا إما أن يتناول درجة الاخر بلفظه أو اشارته. انتهى.

وقد تقدم رأي الفقهاء في اشتراط مثل هذا الشرط ونحوه مما فيه للمرأة، فليرجع إليه.

‌حكمة التعدد:

1 -

من رحمة الله بالانسان وفضله عليه أن أباح له تعدد الزوجات، وقصره على أربع.

فللرجل أن يجمع في عصمته في وقت واحد أكثر من واحدة، بشرط أن يكون قادرا على العدل بينهن في النفقة والمبيت كما تقدم.

فإذا خاف الجور وعدم الوفاء بما عليه من تبعات حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة.

بل إذا خاف الجور بعجزه عن القيام بحق المرأة الواحدة حرم عليه أن يتزوج حتى تتحق له القدرة على الزواج (1) .

وهذا التعدد ليس واجبا ولا مندوبا، وإنما هو أمر أباحه الاسلام، لان ثمة مقتضيات عمرانية وضرورات إصلاحية لا يجمل بمشترع إغفالها، ولا ينبغي له التغاضي عنها.

(1) يراجع حكم الزواج من هذا الكتاب.

ص: 114

2 -

ذلك أن للاسلام رسالة إنسانية عليا كلف المسلمون أن ينهضوا بها، ويقوموا بتبليغها للناس.

وهم لا يستطيعون النهوض بهذه الرسالة إلا إذا كانت لهم دولة قوية، قد توفر لها جميع مقومات الدولة: من الجندية، والعلم، والصناعة، والزراعة والتجارة، وغير ذلك من العناصر التي يتوقف عليها وجود الدولة وبقاؤها مرهوبة الجانب نافذة الكلمة قوية السلطان.

ولا يتم ذلك إلا بكثرة الافراد، بحيث يوجد في كل مجال من مجالات النشاط الانساني عدد وفير من العاملين، ولهذا قيل:" إنما العزة للكاثر ".

وسبيل هذه الكثرة إنما هو الزواج المبكر من جهة، والتعدد من جهة أخرى.

ولقد أدركت الدول الحديثة قيمة الكثرة العددية وآثارها في الانتاج، وفي الحروب، وفي سعة النفوذ، فعملت على زيادة عدد السكان بتشجيع الزواج ومكافأة من كثر نسله من رعاياها لتضمن القوة والمنعة.

ولقد فطن الرحالة الالماني " بول اشميد " الى الخصوبة في النسل لدى المسلمين، واعتبر ذلك عنصرا من عناصر قوتهم فقال في كتاب " الاسلام قوة الغد " الذي ظهر سنة 1936:" ان مقومات القوى في الشرق الاسلامي، تنحصر في عوامل ثلاثة: (أ) في قوة الاسلام " كدين "، وفي الاعتقاد به، وفي مثله، وفي تأخيه بين مختلفي الجنس، واللون، والثقافة.

(ب) وفي وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الاسلامي الذي يمتد من المحيط الاطلسي، على حدود مراكش غربا إلى المحيط الهادي على حدود أندونيسيا شرقا.

وتمثيل هذه المصادر العديدة لوحدة اقتصادية سليمة قوية ولاكتفاء ذاتي لا يدع المسلمين في حاجة مطلقا الى أوربا أو غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا.

(ج) وأخيرا أشار إلى العامل الثالث وهو: خصوبة النسل البشري لدى المسلمين، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة، ثم قال: " فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث فتأخى المسلمون على وحدة العقيدة

ص: 115

وتوحيد الله، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزايد عددهم، كان الخطر الاسلامي خطرا منذرا بفناء أوربا، وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله ".

ويقترح " بول أشميد " هذا، بعد أن فصل هذه العوامل الثلاثة، عن طريق الاحصاءات الرسمية، وعما يعرفه عن جوهر العقيدة الاسلامية، كما تبلورت في تاريخ المسلمين، وتاريخ ترابطهم وزحفهم لرد الاعتداء عليهم " أن يتضامن الغرب المسيحي - شعوبا وحكومات - ويعيدوا الحرب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر، ولكن في أسلوب نافذ حاسم (1) ".

3 -

والدولة صاحبة الرسالة، كثيرا ما تتعرض لاخطار الجهاد، فتفقد عددا كبيرا من الافراد، ولا بد من رعاية أرامل هؤلاء الذين استشهدوا ولا سبيل إلى حسن رعايتهن إلا بتزويجهن.

كما أنه لا مندوحة عن تعويض من فقدوا، وإنما يكون ذلك بالاكثار من النسل، والتعدد من أسباب الكثرة.

4 -

قد يكون عدد الاناث في شعب من الشعوب أكثر من عدد الذكور، كما يحدث عادة في أعقاب الحروب، بل تكاد تكون الزيادة في عدد الاناث مطردة في أكثر الامم، حتى في أحوال السلم، نظرا لما يعانيه الرجال غالبا من الاضطلاع بالاعمال الشاقة التي تهبط بمستوى السن عند الرجال أكثر من الاناث.

وهذه الزيادة توجب التعدد، وتفرض الاخذ به لكفالة العدد الزائد

وإحصانه، وإلا اضطرون إلى الانحراف واقتراف الرذيلة، فيفسد المجتمع وتنحل أخلاقه، أو إلى أن يقضين حياتهن في ألم الحرمان وشقاء العزوبة، فيفقدن أعصابهن، وتضيع ثروة بشرية كان يمكن أن تكون قوة للامة، وثروة تضاف إلى مجموع ثرواتها.

ولقد اضطرت بعض الدول التي زاد فيها عدد النساء على الرجال إلى إباحة التعدد، لانها لم ترحلا أمثل منه مع مخالفته لما تعتقده، ومنافاته لما ألفته ودرجت عليه.

(1) ترجمة الاستاذ الدكتور محمد البهي.

ص: 116

قال الدكتور " محمد يوسف موسى ": أذكر أني وبعض اخواني المصريين دعينا عام 1948 - ونحن في باريس - لحضور مؤتمر الشباب العالمي بمدينة " ميونخ " بألمانيا.

وكان من نصيبي أن اشتركت أنا وزميل لي من المصريين في الحلقة التي كانت تبحث مشكلة زيادة عدد النساء بألمانيا أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب، وتستعرض ما يمكن أن يكون حلا طيبا لها.

وبعد استعراض سائر الحلول التي يعرفونها هناك ورفضها جميعا تقدمت وزميلي بالحل الطبيعي الوحيد، وهو إباحة تعدد الزوجات.

فقوبل هذا الرأي أولا بشئ من الدهشة والاشمئزاز، ولكنه بعد بحثه بحثا عادلا عميقا رأى المؤتمرون أنه لا حل غيره، وكانت النتيجة اعتباره توصية من التوصيات التي أقرها المؤتمر.

وكان مما سرني كثيرا بعد عودتي الى الوطن عام 1949 ما عرفته من أن بعض الصحف المصرية نشرت أن أهالي مدينة " بون: عاصمة ألمانيا الغربية " طلبوا أن ينص في الدستور على إباحة تعدد الزوجات.

5 -

ثم إن استعداد الرجل للتناسل أكثر من استعداد المرأة، فهو مهيأ للعملية الجنسية منذ البلوغ إلى سن متأخرة.

بينما المرأة لا تتهيأ لذلك مدة الحيض (وهو دورة شهرية قد تصل إلى عشرة أيام) ولا تتهيأ كذلك مدة النفاس والولادة (وقد تصل هذه المدة الى أربعين يوما) يضاف الى ذلك ظروف الحمل والرضاع. واستعداد المرأة للولادة ينتهي بين الخامسة والاربعين والخمسين، بينما يستطيع الرجل الاخصاب إلى ما بعد الستين، ولا بد من رعاية مثل هذه الحالات ووضع الحلول السليمة لها.

فإذا كانت الزوجة في هذه الحالة عاجزة عن أداء الوظيفة الزوجية، فماذا يصنع الرجل أثناء هذه الفترة؟ وهل الافضل له أن يضم إليه حليلة تعف نفسه وتحصن فرجه يتخذ خليلة لا تربطه بها رابطة إلا الرابطة التي تربط الحيوانات بعضها ببعص؟! مع ملاحظة أن الاسلام يحرم الزنا أشد تحريم:.

ص: 117

" ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ".

ويقرر لمقترفه عقوبة رادعة: " الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (1) ".

6 -

وقد تكون الزوجة عقيما لا تلد، أو مريضة مرضا لا يرجى شفاؤها منه، وهي مع ذلك راغبة في استمرار الحياة الزوجية، والزوج راغب

في إنجاب الاولاد، وفي الزوجة التي تدبر شؤون بيته.

فهل من الخير للزوج أن يرضى بهذا الواقع الاليم، فيصطحب هذه العقيم دون أو يولد له، وهذه المريضة دون أن يكون له من يدبر أمر منزله، فيحتمل هذا الغرم كله وحده؟!.

أم الخير في أن يفارقها وهي راغبة في المعاشرة فيؤذيها بالفراق؟! أم يوفق بين رغبتها ورغبته، فيتزوج بأخرى ويبقي عليها فتلتقي مصلحته ومصحلتها معا؟! أعتقد أن الحل الاخير هو أهدى الحلول وأحقها بالقبول، ولا يسع صاحب ضمير حي وعاطفة نبيلة إلا أن يتقبله ويرضى به.

7 -

وقد يوجد عند بعض الرجال - بحكم طبيعتهم النفسية والبدنية - رغبة جنسية جامحة، إذ ربما لا تشبعه امرأة واحدة، ولا سيما في بعض المناطق الحارة.

فبدلا من أن يتخذ خليلة تفسد عليه أخلاقه، أبيح له أن يشبع غريزته عن طريق حلال مشروع.

8 -

هذه بعض الاسباب الخاصة والعامة التي لاحظها الاسلام، وهو يشرع لا لجيل خاص من الناس، ولا لزمن معين محدود، وإنما يشرع للناس جميعا إلى أن يرث الله الارض ومن عليها، فمراعاة الزمان والمكان لها اعتبارها، وتقدير ظروف الافراد لابد وأن يحسب حسابها.

والحرص على مصالح الامة - بتكثير سوادها ليكونوا عدتها في الحرب والسلم - من أهم الاهداف التي يستهدفها المشرع.

ص: 118

9 -

ولقد كان لهذا التشريع والاخذ به في العالم الاسلامي فضل كبير

في بقائه نقيا بعيدا عن الرذائل الاجتماعية والنقائص الخلقية التي فشت في المجتمعات التي لا تؤمن بالتعدد ولا تعترف به.

فقد لوحظ في المجتمعات التي تحرم التعدد:

1 -

شيوع الفسق، وانتشار الفجور، حتى زاد عدد البغايا عن عدد المتزوجات في بعض الجهات.

2 -

وتبع ذلك كثرة المواليد من السفاح إذ بلغت نسبتها في بعض الجهات 50 % من مجموع المواليد هناك.

وفي الولايات المتحدة يولد في كل عام أكثر من مائتي ألف ولادة غير شرعية!!! نشرت جريدة الشعب في شهر أغسطس سنة 1959 ما يلي: " الرقم المذهل للاطفال غير الشرعيين الذي ولدوا في الولايات التحدة، أثار من جديد الجدل حول انحطاط مستوى الاخلاق في أمريكا، والحمل الذي يقع على عاتق دافع الضرائب الامريكي - نتيجة لتحمله نفقات هذا الجيش من الاطفال - ولا غرو فقد تعدى عدد هؤلاء المواليد ال " مائتي ألف " سنويا.

ولمواجهة هذه المشكلة تدرس الجهات الرسمية في بعض المجتمعات إمكانية تعقيم النساء اللاتي يحدن عن التعاليم الدينية.

ويتركز الجدل في أماكن أخرى، حول المقترحات التي تطالب بتخفيض الاعانات للامهات اللاتي يضعن أكثر من مولود واحد غير شرعي.

وتقول وزارات الصحة، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، في الولايات المتحدة: ان دافعي الضرائب في أمريكا سوف يتحملون هذا العام مبلغ 210 مليون دولارا لتغطية نفقات الاطفال غير الشرعيين، وذلك بواقع 27 دولارا و 29

سنتا شهريا لكل طفل.

وتقول الاحصاءات الرسمية ان عدد هؤلاء الاطفال ارتفع من " 87 ألفا و 900 " عام 1938 الى " 201 ألف و 700 " عام 1957.

ص: 119

كما تقدر وزارة الشؤون الاجتماعية عدد هؤلاء الاطفال في عام 1958 - 205 ألف طفل

ولكن الخبراء يعتقدون أن الرقم الصحيح يتعدى هذا بكثير.

وتدل الاحصاءات الاخيرة على أن معدل هذه الولادات غير الشرعية في كل ألف، قد زاد ثلاثة أضعاف - خلال الجيلين الاخيرين - مع زيادة تنذر بالخطر بين الفتيات المراهقات.

ويعلن علماء علم الاجتماع حقيقة أخرى، وهي أن العلائلات المقتدرة تخفي عادة أن إحدى بناتها حملت بطريقة غير شرعية، وترسل الطفل بهدوء الى أسرة أخرى تتبناه ". انتهى.

3 -

وأثمرت هذه الاتصالات الخبيثة الامراض البدنية والعقد النفسية والاضطرابات العصبية.

4 -

وتسربت عوامل الضعف والانحلال إلى النفوس.

5 -

وانحلت عرى الصلات الوثيقة بين الزوج وزوجته، واضطربت الحياة الزوجية وانفكت روابط الاسرة حتى لم تعد شيئا ذا قيمة.

6 -

وضاع النسب الصحيح، حتى أن الزوج لا يستطيع الجزم بأن الاطفال الذين يقوم على تربيتهم هم من صلبه.

فهذه المفاسد وغيرها كانت النتيجة الطبيعية لمخالفة الفطرة والانحراف عن تعاليم الله، وهي أقوى دليل وأبلغ حجة على أن وجهة الاسلام هي أسلم وجهة، وأن تشريعه هو أنسب تشريع لانسان يعيش على الارض، وليس لملائكة يعيشون في السماء.

ولنختم هذه الكلمة بالسؤال والجواب اللذين أوردهما الفونس اتيين دينيه حيث قال: هل في زوال تعدد الزوجات فائدة أخلاقية؟ ثم أجاب: إن هذا أمر مشكوك فيه، فالدعارة التي تندر في أكثر الاقطار الاسلامية سوف تتفشى فيها، وتنشر آثارها المخربة.

وكذلك سوف يظهر في بلاد الاسلام داء لم تعرفه من قبل، هو عزوبة النساء التي تنتشر بآثارها المفسدة في البلاد المقصور فيها الزواج على واحدة،

ص: 120

وقد ظهر ذلك فيها بنسبة مفزعة، وخاصة عقب فترات الحروب (1) تقييد التعدد: ولقد كان سوء التطبيق، وعدم رعاية تعاليم الاسلام حجة ناهضة للذين يريدون أن يقيدوا تعدد الزوجات، وألا يباح للرجل أن يتزوج بأخرى إلا بعد دراسة القاضي أو غيره - من الجهات التي يناط بها هذا الامر - حالته ومعرفة قدرته المالية، والاذن له بالزواج.

ذلك أن الحياة المنزلية تتطلب نفقات باهظة، فإذا كثر أفراد الاسرة بتعدد الزوجات ثقل حمل الرجل، وضعف عن القيام بالنفقة عليهم، وعجز عن تربيتهم التربية التي تجعل منهم أفرادا صالحين، يستطعيون النهوض بتكاليف الحياة وتبعاتها، وبذلك يفشو الجهل، ويكثر المتعطلون، ويتشرد عدد كبير من أفراد الامة، فيشبون وهم يحملون جراثيم الفساد التي تنخر في عظامها.

ثم ان الرجل لا يتزوج في هذه الايام بأكثر من واحدة إلا لقضاة الشهوة أو الطمع في المال، فلا يتحرى الحكمة من التعدد، ولا يبتغي وجه المصلحة فيه، وكثيرا ما يعتدي على حق الزوجة التي تزوج عليها، ويضار أولاده منها، ويحرمهم من الميراث، فتشتعل نيران العداوة بين الاخوة والاخوات من الضرائر، ثم تنتشر هذه العداوة إلى الاسر، فيشتد الخصام، وتسعى كل زوجة للانتقام من الاخرى، وتكبر هذه الصغائر حتى تصل الى حد القتل في بعض الاحايين.

هذه بعض آثار التعدد، والتي اتخذ منها دليل التقييد.

ونبادر فنقول: إن العلاج لا يكون بمنع ما أباحه الله، وإنما يكون ذلك بالتعليم والتربية وتفقيه الناس في أحكام الدين.

ألا ترى أن الله أباح للانسان أن يأكل ويشرب دون أن يتجاوز الحد، فإذا أسرف في الطعام والشراب فأصابته الامراض وانتابته العلل، فليس ذلك راجعا الى الطعام والشراب بقدر ما هو راجع الى النهم والاسراف.

(1) من كتاب " محمد رسول الله ": ترجمة الاستاذ الدكتور عبد الحليم محمود.

ص: 121