الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الطاعة في المعصية، فإنه منهي عنها، لانه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد روى البخاري ومسلم عن علي كرم الله وجهه، قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم رجلا من الانصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فعصوه في شئ، فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا، ثم قال: أوقدوا نارا فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا وتطيعوا؟ فقالوا: بلى.
قال: فادخلوها، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله من النار، فكانوا كذلك حتى سكن غضبه، وطفئت النار.
فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" لو دخلوها، ما خرجوا منها أبدا، وقال: لاطاعة في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف."
وجوب الدعوة قبل القتال:
وجوب الدعوة قبل القتال يجب أن يبدأ المسلمون بالدعوة قبل القتال، أخرج مسلم عن بريدة، رضي الله عنه، قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية (1) أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا (2)، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، أغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا (3) ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (4)، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الاسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم
(1) السرية: قطعة من الجيش.
(2)
أوصاء بتقوى الله، وأوصاه بالمسلمين خيرا.
(3)
لا تغلوا: أي لا تخونوا في الغنيمة، ولا تغدروا: لا تنقضوا عهدا، ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتل بقطع الانوف والآذان ونحوها، ولا تقتلوا وليدا: أي صبيا، وكذا الشيخ الكبير والمرأة لانهم لا يقاتلون.
(4)
هي الاسلام والهجرة وإلا فالجزية.
ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا (1) ، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين (2) .
ولا يكون لهم في الغنيمة والفئ شئ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا فسلهم الجزية (3) ، فإن هم أجابوك فاقبل وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذلك (4) ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله (5) ، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تقبل منهم، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا (6) ". رواه الخمسة إلا البخاري.
وحاصر أحد جيوش المسلمين قصرا من قصور فارس، وكان الامير سلمان الفارسي فقالوا: يا أبا عبد الله، ألا تنهد إليهم (7) .
قال: دعوني أدعهم، كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فأتاهم، فقال لهم: إنما أنا رجل منكم، فارسي، والعرب يطيعونني، فإن اسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم ما علينا، وإن أبيتم إلا دينكم، تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.
(1) عن ديارهم ويجاهدوا.
(2)
من الاعراب أهل البادية، وحكم الله فيهم أنه ليس لهم في الغنيمة والفئ شئ إلا إذا جاهدوا.
(3)
فإن أبوا: أي عن الاسلام، فسلهم الجزية، لعل هذا قبل تخصيصها بأهل الكتاب الوارد في سورة التوبة.
(4)
فأرادوك: أي طلبوا منك.
(5)
الذمة: العهد، والاخفار: نقض العهد.
(6)
والمراد عن عهد الله وحكمه احتراما لهما.
(7)
تأمر الجيش بالزحف عليهم.
قال: ورطن إليهم بالفارسية: وأنتم غير محمودين (1) ، وإن أبيتم، نابذناكم على سواء (2) .
قالوا: ما نحن بالذي يعطي الجزية، ولكنا نقاتلكم.
قالوا: يا أبا عبد الله، ألا تنهد إليهم.
قال: فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا (3)، ثم قال: انهدوا إليهم، قال: فنهدنا إليهم ففتحنا ذلك القصر ".
رواه الترمذي.
قال أبو يوسف: لم يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط، فيما بلغنا، حتى يدعوهم إلى الله ورسوله.
وقال صاحب الاحكام السلطانية: ومن لم تبلغهم دعوة الاسلام، يحرم علينا الاقدام على قتالهم غرة وبياتا بالقتل والتحريق.
ويحرم أن نبدأهم بالقتال، قبل إظهار دعوة الاسلام لهم وإعلامهم من معجزات النبوة ومن ساطع الحجة بما يقودهم إلى الاجابة.
ويرى السرخسي من أئمة المذهب الحنفي: أنه يحسن أن لا يقاتلهم فور الدعوة، بل يتركهم يبيتون ليلة يتفكرون فيها ويتدبرون ما فيه مصلحتهم.
ويرى الفقهاء أن أمير الجيش إذا بدأ بالقتال قبل الانذار بالحجة والدعاء إلى إحدى الامور الثلاثة، وقتل من الاعداء غرة وبياتا ضمن ديات نفوسهم.
ذكر البلاذري في فتوح البلدان: " أن أهل سمرقند، قالوا لعاملهم " سليمان بن أبي السرى " إن قتيبة بن مسلم الباهلي غدر بنا وظلمنا، وأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والانصاف، فأذن لنا، فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكو ظلامتنا، فإن كان لنا حق أعطيناه، فإن بنا إلى ذلك حاجة، فأذن لهم، فوجهوا منهم قوما إلى " عمر بن عبد العزيز " رضي الله
عنه، فلما علم عمر ظلامتهم كتب إلى سليمان يقول له: إن أهل سمرقند، قد شكوا إلى ظلما أصابهم، وتحاملا من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن
(1) قال هذه الكلمة لهم بالفارسية.
(2)
أعلمناكم به، وقاتلناكم.
(3)
فيه طلب الدعوة ثلاثة أيام، رحمة بهم لعلهم يسلمون.