الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب أبو ثور الى حل التزوج بالمجوسية، لانهم يقرون على دينهم بالجزية كاليهود والنصارى.
الزواج ممن لهم كتاب غير اليهود والنصارى: ذهبت الاحناف الى أن كل من يعتقد دينا سماويا، وله كتاب منزل، كصحف ابراهيم، وشيت، وزبور داود، عليهم السلام، يصح الزواج منهم وأكل ذبائحهم ما لم يشركوا.
وهو وجه في مذهب الحنابلة، لانهم ممسكوا بكتاب من كتب الله فأشبهوا اليهود أو النصارى.
ومذهب الشافعية، ووجه عند الحنابلة: أنه لا تحل مناكحتهم، ولا تؤكل ذبائحهم لقول الله تعالى: " أن تقولوا انما أنزل الكتاب على
طائفتين من قبلنا " الآية.
ولان تلك الكتب كانت مواعظ وأمثالا لا أحكام فيها، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الاحكام.
زواج المسلمة بغير المسلم:
أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج غير المسلم، سواء أكان مشركا أو من أهل الكتاب.
ودليل ذلك أن الله تعالى قال: " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن (1) ".
وحكمة ذلك أن للرجل حق القوامة على زوجته، وأن عليها طاعته فيما يأمرها به من معروف، وفي هذا معنى الولاية والسلطان عليها.
وما كان لكافر أن يكون له سلطان على مسلم أو مسلمة.
(1) في هذه الآية أمر الله المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات ان يمتحنوهن فان علموهن مؤمنات فلايرجعوهن الى الكفار، لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن. ومعنى الامتحان أن يسألوهن عن سبب ما جاء بهن، هل خرجن حبا في الله ورسوله وحرصا على الاسلام؟..فان كان ذلك كذلك قبل ذلك منهن.
يقول الله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ".
ثم ان الكافر لا يعترف بدين المسلمة، بل يكذب بكتابها، ويجحد رسالة نبيها، ولا يمكن لبيت أن يستقر ولا لحياة أن تستمر مع هذا الخلاف الواسع والبون الشاسع.
وعلى العكس من ذلك المسلم إذا تزوج بكتابية، فانه يعترف بدينها، ويجعل الايمان بكتابها وبنبيها جزءا لايتم إيمانه إلا به.
(10)
الزيادة على الاربع: يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع روجات في وقت واحد، إذ أن في الاربع الكفاية، وفي الزيادة عليها تفويت الاحسان الذي شرعه الله لصلاح الحياة الزوجية، والدليل على ذلك قول الله تعالى:" وان خفتم (1) ألا تقسطوا (2) في اليتامى فانكحوا ما (3) طاب لكم من النساء، مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا تعولوا (4) ".
سبب نزول هذه الآية: روى البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، عن عروة بن الزبير " أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى:" وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ".
فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في
(1) خفتم: أي غلب على ظنكم التقصير في القسط لليتيمة فاعدلوا عنها إلى غيرها، وليس لهذا القيد مفهوم، فقد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى فله ان يتزوج أكثر من واحدة، اثنين أو ثلاثا أو أربعا كمن خاف.
(2)
تقسطوا: تعدلوا. من " أقسط " إذا عدل و " قسط " إذا ظلم.
(3)
ما: بمعنى من: أي من طاب.
(4)
أدنى الا تعولوا: أي أقرب الا تميلوا عن الحق وتجوروا.
صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال عروة: قالت عائشة: ثم ان الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله عزوجل:" يستفتونك في النساء، قل الله يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن، وترغبون أن تنكحوهن ".
قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الاولى التي قال الله سبحانه فيها: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ".
قالت عائشة: وقول الله عز وجل في الآية الاخرى: " وترغبون أن تنكحوهن ".
هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال.
فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء، إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إن كن قليلات المال والجمال.
معنى الآية: ويكون معنى الآية على هذا أن الله سبحانه وتعالى يخاطب أولياء اليتامى فيقول: إذا كانت اليتيمة في حجر أحدكم وتحت ولايته، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل عنها إلى غيرها من النساء، فانهن كثيرات، ولم يضيق الله عليه فأحل له من واحدة الى أربع.
فان خاف أن يجور إذا تزوج أكثر من واحدة، فواجب عليه أن يقتصر على واحدة، أو ما ملكت يمينه من الاماء.
افادتها الاقتصار على الاربع:
قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لاحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة.
وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع نسوة، وقال بعضهم بلا حصر.
وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح.
وقد رد الامام القرطبي على هؤلاء فقال: اعلم أن هذا العدد " مثنى " و " ثلاث " و " رباغ " لا يدل على إباحة تسع كما قاله من بعد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الامة، وزعم أن الواو جامعة.
وعضد ذلك بأن النبي نكح تسعا، وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة، الرافضة وبعض أهل الظاهر، فجعلوا " مثنى " مثل اثنين اثنين. وكذلك ثلاث، ورباع.
وذهب بعض أهل الظاهر أيضا إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشرة تمسكا منه بأن العدد في تلك الصيغ يفيد التكرار، والواو للجمع. فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين، وكذلك ثلاث ورباع.
وهذا كله جهل باللسان (1) والسنة، ومخالفة لاجماع الامة، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع.
وأخرج مالك في الموطأ، والنسائي، والدارقطني، في سننها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة:" اختر منهن أربعا، وفارق سائرهن ".
وفي كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" اختر منهن أربعا ".
وقال مقاتل: ان قيس بن الحارث كان عنده ثماني نسوة حرائر، فلما
(1) اللسان: اللغة.
نزلت الاية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعا، ويمسك أربعا، كذا قال قيس بن الحارث.
والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الاسدي كما ذكر أبو داود.
وكذا روى " محمد بن الحسن " في كتاب " السير " الكبير، أن ذلك كان حارث بن قيس، وهو المعروف عند الفقهاء.
وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من خصوصياته.
وأما قولهم: ان الواو جامعة، فقد قيل ذلك، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات.
والعرب لا تدع أن تقول تسعة، وأن تقول اثنين وثلاثة، وأربعة.
وكذلك تستقبح ممن يقول أعط فلانا أربعة، ستة، ثمانية، ولا يقول، ثمانية عشر.
وإنما الواو في هذا الموضع بدل، أي أنكحوا ثلاثة بدلا من مثنى، ورباعا بدلا من ثلاث، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف ب " أو ".
ولو جاء ب " أو " لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع.
وأما قولهم: إن مثنى تقتضي اثنين، وثلاث ثلاثا، ورباع أربعا فتحكم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه، وجهالة منهم.
وكذلك جهله الاخرون لان مثنى تقتضي اثنين اثنين، وثلاث: ثلاثا ثلاثا، ورباع: أربعا أربعا.
ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، حصر للعدد. ومثنى وثلاث ورباع بخلافها.
ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الاصل.
وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين، أي جاءت مزدوجة.
قال الجوهري: وكذلك معدول العدل.
وقال غيره فإذا قالت: جاءني قوم مثنى أو ثلاث، أو آحاد، أو عشار،