الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعقمه، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت، الا إذا اختارته زوجا لها، ورضيت معاشرته.
قال عمر رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له، أخبرها انك عقيم وخيرها (1) .
ومن صور التغرير أن يتزوجها على انه مستقيم، ثم يتبين أنه فاسق، فلها كذلك حق فسخ العقد.
ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية: إذا تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فله الفسخ، وله أن يطالب بأرش الصداق - وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب - وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر.
وكذلك لا يكون العقد لازما إذا وجد الرجل بالمرأة عيبا ينفر من كمال الاستمتاع.
كأن تكون مستحاضة دائما، فان الاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح (2) وكذلك إذا وجد بها ما يمنع الوطء كانسداد الفرج.
ومن العيوب التي تجيز للرجل فسخ العقد: الامراض المنفرة: مثل البرص والجنون والجذام، وكما يثبت حق الفسخ للرجل فكذلك يثبت للمرأة إذا كان الرجل أبرص، أو كان مجنونا أو مجذوما أو مجبوبا أو عنينا (3) أو صغيرا.
رأي الفقهاء في الفسخ بالعيب:
وقد اختلف الفقهاء في ذلك:
1 -
فمنهم من رأى أن الزواج لا يفسخ بالعيوب مهما كانت هذه العيوب، ومن هؤلاء الفقهاء داود وابن حزم (4) .
قال صاحب الروضة الندية: اعلم أن الذي ثبت بالضرورة الدينية أن عقد النكاح لازم تثبت به أحكام الزوجية من جواز الوطء، ووجوب النفقة ونحوها، وثبوت الميراث، وسائر الاحكام.
(1) أي خيرها بين البقاء على العقد وبين فسخه.
(2)
الاختيارات العلمية ومختصر الفتاوى لابن تيمية. الاستحاضة: لنزيف.
(3)
المجبوب المقطوع الذكر. العنين الذي لا يصل الى النساء من الارتخاء.
(4)
سيأتي عن ابن حزم أن للزوج الفسخ إذا اشترط شرطا فلم يجده عند الزواج.
وثبت بالضرورة الدينية أن يكون الخروج منه بالطلاق أو الموت.
فمن زعم أنه يجوز الخروج من النكاح بسبب من الاسباب، فعليه الدليل الصحيح المقتضي للانتقال عن ثبوته بالضرورة الدينية.
وما ذكروه من العيوب لم يأت في الفسخ بها حجة نيرة ولم يثبت شئ منها.
وأماق وله صلى الله عليه وسلم: (الحقي بأهلك) فالصيغة صيغة طلاق.
وعلى فرض الاحتمال فالواجب الحمل على المتيقن دون ما سواه.
وكذلك الفسخ بالعنة لم يرد به دليل صحيح، والاصل البقاء على النكاح حتى يأتي ما يوجب الانتقال عنه.
ومن أعجب ما يتعجب منه تخصيص بعض العيوب بذلك دون بعض.
2 -
ومنهم من رأى أن الزواج يفسخ ببعض العيوب دون بعض، وهم جمهور أهل العلم، واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي:(أولا) ما رواه كعب بن زيد، أو زيد بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها، ووضع ثوبه، وقعد على الفراش أبصر بكشحها (1) بياضا فانحاز (2) عن الفراش، ثم قال:(خذي عليك ثيابك، ولم يأخذ مما آتاها شيئا) .
رواه أحمد وسعيد بن منصور.
(ثانيا) عن عمر أنه قال: أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام، أو برص، فلها مهرها بما أصاب منها.
وصداق الرجل على من غر
…
) رواه مالك والدارقطني.
وهؤلاء اختلفوا في العيوب التي يفسخ بها النكاح.
فخصها أبو حنيفة بالجب والعنة.
وزاد مالك والشافعي الجنون والبرص والجذام.
والقرن (انسداد في الفرج) .
وزاد أحمد على ما ذكره الائمة الثلاثة أن تكون المرأة فتقاء (منخرقة ما بين السبيلين) .
التحقيق في هذه القضية: والحق أن كلا من الاراء المتقدمة غير جدير بالاعتبار، وأن الحياة
(1) الكشح: ما بين الخاصرتين الى الضلع.
(2)
انحاز: تنحى.
الزوجية التي بنيت على السكن والمودة والرحمن لا يمكن أن تتحقق وتستقر مادام هناك شئ من العيوب والامراض ينفر أحد الزوجين من الاخر.
فان العيوب والامراض المنفرة لا يتحقق معها المقصود من النكاح.
ولهذا أذن الشارع بتخيير الزوجين في قبول الزواج أو رفضه.
وللامام ابن القيم تحقيق جدير بالنظر والاعتبار: قال: فالعمى، والحرس والطرش، وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو احداهما، أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين.
وقد قال أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له: (أخبرها أنك عقيم وخيرها) .
فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هي عندها كمال بلا نقص.
قال: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الاخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع.
وما ألزم الله ورسوله مغرورا قط، ولا مغبونا بما غر وغبن به.
ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره، وموارده، وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد قواعد الشريعة.
وقد روى يحيى بن سعيد الانصاري عن ابن المسيب رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: أيما امرأة تزوجت وبها جنون أن جذام أو برص، فدخل بها ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصداق بما دلس، كما غره.
وروى الشعبي عن علي كرم الله وجهه، أيما امرأة نكحت، وبها برص، أو جنون، أو جذام، أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها، ان شاء أمسك، وان شاء طلق، وان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
وقال وكيع: عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب، عن عمر رضي الله عنه قال:(إذا تزوجها برصاء أو عمياء، فدخل بها فلها الصداق، ويرجع به على من غره) .
قال: وهذا يدل على أن عمر لم يذكر تلك العيوب المتقدمة على وجه الاختصاص والحصر دون ما عداها.
وكذلك حكم قاضي الاسلام شريح رضي الله عنه الذي يضرب المثل بعلمه ودينه وحكمه.
قال عبد الرازق: عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين رضي الله عنه، خاصم رجل رجلا الى شريح فقال: ان هذا قال لي: إنا نزوجك أحسن الناس فجاءني بامرأة عمياء. فقال شريح: إن كان دلس عليك بعيب لم يجز.
فتأمل هذا القضاء وقوله: (إن كان دلس عليك بعيب) كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة فللزوج الرد به.
قال الزهري رضي الله عنه: يرد النكاح من كل داء عضال قال: ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب، إلا رواية رويت عن عمر:" لا ترد النساء إلا من العيوب الاربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والداء في الفرج ".
وهذه الرواية لا نعلم لها اسنادا أكثر من أصبغ وابن وهب عن عمر وعلي رضي الله عنهما.
وقد روي ذلك عن ابن عباس باسناد متصل.
هذا كله إذا أطلق الزوج.
وأما إذا اشترط السلامة، أو اشترط الجمال فبانت شوهاء أو شرطها شابة حديثة السن فبانت عجوزا شمطاء.
أو شرطها بيضاء فبانت سوداء، أو بكرا ببانت ثيبا فله الفسخ في ذلك.
فان كان قبل الدخول فلا مهر، وان كان بعده فلها المهر.
وهو غرم على وليها ان كان غره.
وان كانت هي الغارة سقط مهرها، أو رجع عليها به إن كانت قبضته.
ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه.
وهو أقيسهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترط.
وقال أصحابه إذا شرطت فيه صفة فبان بخلافها فلا خيار لها، إلا في شرط الحرية إذا بان عبدا فلها الخيار.
وفي شرط النسب إذا بن بخلافه وجهان.
والذي يقتضيه مذهبه وقواعده أنه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها.
بل إثبات الخيار لها إذا فات ما اشترطته أولى، لانها لا تتمكن من المفارقة بالطلاق.
فإذا جاز له الفسخ مع تمكنه من الفراق بغيره فلان يجوز لها الفسخ مع عدم تمكنها أولى.
وإذا جاز لها أن تفسخ إذا ظهر الزوج ذا صناعة دنيئة، لا تشينه في دينه ولا في عرضه، وإنما تمنع كمال لذتها واستمتاعها به.
فإذا شرطته شابا جميلا صحيحا فبان شيخا مشوها أعمى، أطرش، أخرس، أسود، فكيف تلزم به وتمنع من الفسخ؟ هذا في غاية الامتناع والتناقض والبعد عن القياس وقواعد الشرع.
قال: وكيف يمكن أحد الزوجين من الفسخ بقدر العدسة من البرص ولا يمكن منه بالجرب المستحكم المتمكن وهو أشد إعداء من ذلك البرص اليسير.
وكذلك غيره من أنواع الداء العضال.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته، وحرم على من علمه أن يكتمه على المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس، حين استشارته في نكاح معاوية وأبي جهم:" أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ".
فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب.
فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه؟ وجعل ذي العيب غلا لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه، ولا سيما مع شرط السلامة منه وشرط خلافه؟