الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادرة ماله: ومال المستأمن لا يصادر إلا إذا حارب المسلمين، فأسر واسترق وصار عبدا، فإنه في هذه الحال تزول عنه ملكية ماله، لانه صار غير أهل للملكية. ولا يستحق الورثة، ولو كانوا في دار الاسلام شيئا، لان استحقاقهم يكون بالخلافة عنه، وهي لا تكون إلا بعد موته، وهو لم يمت، وماله في هذه الحال يئول إلى بيت مال المسلمين، على أنه من الغنائم.
وإذا كان له دين على بعض المسلمين أو الذميين، يسقط عن المدين لعدم وجود من يطالب به.
ميراثه: إذا مات المستأمن في دار الاسلام، أو في دار الحرب فإن ملكيته لماله لا تذهب عنه، وتنتقل إلى ورثته عند الجمهور، خلافا للشافعي.
وعلى الدولة الاسلامية أن تنقل ماله إلى ورثته، وترسله إليهم، فإن لم يكن له ورثة، كان ذلك المال فيئا للمسلمين.
العهود والمواثيق:
احترام العهود: ان احترام العهود والمواثيق واجب إسلامي، لما له من أثر طيب، ودور كبير في المحافظة على السلام، وأهمية كبرى في فض المشكلات وحل المنازعات وتسوية العلاقات.
وجاء في كلام العرب: " من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته.
وظهرت عدالته، ووجبت أخوته ".
وهذا حق، فإن حسن معاملة الناس، والوفاء لهم، والصدق معهم دليل كمال المروءة، ومظهر من مظاهر العدالة، وذلك يستوجب الاخوة والصداقة.
والله سبحانه يأمر بالوفاء بجميع العهود والالتزامات، سواء أكانت عهودا مع الله، أم مع الناس، فيقول:
" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ". (1) وأي تقصير في الوفاء بهذا الامر يعتبر إثما كبيرا، يستوجب المقت والغضب:" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون - كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون "(2) .
وكل ما يقطعه الانسان على نفسه من عهد، فهو مسئول عنه ومحاسب عليه:" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا "(3) .
وحق العهد مقدم على حق الدين:
" والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق "(4) والوفاء جزء من الايمان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إن حسن العهد من الايمان "(5) .
وليس للوفاء جزاء إلا الجنة: " والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون - والذين هم على صلواتهم يحافظون - أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ".
(6)
ولقد كان الوفاء خلق الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام: " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان
رسولا نبيا " (7) .
وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم المثل الاعلى في هذا الخلق: قال عبد الله بن أبي الحمساء: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببيع قبل أن
(1) سورة المائدة: الاية 1.
(2)
سورة المنافقون: الاية 1.
(3)
سورة الاسرار: الاية 34.
(4)
سورة الانفال: الاية 72.
(5)
قال الحاكم: إنه صحيح، وأقره الذهبي.
(6)
سورة المؤمنون: الاية 11.
(7)
سورة مريم: الاية 54.
يبعث، وبقيت له بقية (1) فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال صلى الله عليه وسلم:" يافتى لقد شققت علي، أنا ها هنا منذ ثلاث (2) أنتظرك " وقد عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة اليهود عهدا، أقرهم فيه على دينهم، وأمنهم على أموالهم، بشرط ألا يعينوا عليه المشركين، فنقضوا العهد، ثم اعتذروا، ثم رجعوا فنقضوه مرة أخرى، فأنزل الله عزوجل: " إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون.
الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون " (3) وعاهد ثعلبة ربه على أن يعطي كل ذي حق حقه إذا وسع الله عليه في الرزق، وأغناه من فضله.
فلما بسط الله له من رزقه، وأكثر له من المال والثروة، نقض العهد وبخل على عباد الله، فأنزل الله في حقه:" ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين - فلما آتاهم من فضله بخلوا من وتولوا وهم معرضون - فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "(4) ولما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر، قال:" إنه خطب إلي ابنتي رجل من قريش. وقد كان مني إليه شبه الوعد. فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق، أشهدكم أني قد زوجته ابنتي ".
وهو يشير بذلك إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "(5) .
(1) بقيت له بقية: أي بقية من ثمن البيع.
(2)
منذ ثلاث: أي ثلاث ليال. أي انه انتظره هذه المدة وفاء بالوعد.
(3)
سورة الانفال: الايتان 55، 56.
(4)
سورة التوبة: الايات من 75 - 77.
(5)
رواه البخاري.