المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المهر: من حسن رعاية الاسلام للمرأة واحترامه لها، أن أعطاها حقها - فقه السنة - جـ ٢

[سيد سابق]

فهرس الكتاب

- ‌الزواج

- ‌الترغيب في الزواج:

- ‌حكمة الزواج:

- ‌حكم الزواج

- ‌تقديم الزواج على الحج:

- ‌اختيار الزوجة:

- ‌اختيار الزوج:

- ‌الخطبة:

- ‌النظر إلى المخطوبة:

- ‌العدول عن الخطبة وأثره:

- ‌عقد الزواج:

- ‌شروط الإيجاب والقبول

- ‌ألفاظ الإنعقاد:

- ‌العقد بغير اللغة العربية:

- ‌عقد الزواج للغائب:

- ‌شروط صيغة العقد:

- ‌اشتراط التنجيز في العقد:

- ‌ زواج المتعة

- ‌العقد على المرأة وفي نية الزوج طلاقها:

- ‌زواج التحليل:

- ‌الزواج الذي تحل به المطلقة للزوج الأول:

- ‌صيغة العقد المقترنة بالشرط:

- ‌ الشغار:

- ‌شروط صحة الزواج:

- ‌حكم الاشهاد على الزواج:

- ‌ما يشترط في الشهود:

- ‌شهادة النساء:

- ‌عقد الزواج شكلي:

- ‌شروط نفاذ العقد:

- ‌شروط لزوم عقد الزواج:

- ‌متى يكون العقد غير لازم:

- ‌رأي الفقهاء في الفسخ بالعيب:

- ‌شروط سماع الدعوى بالزواج قانونا:

- ‌تحديد سن الزوجين لسماع دعوى الزواج:

- ‌تحديد سن الزواج لمباشرة عقد الزواج رسميا:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الزنا والزواج:

- ‌زواج نساء أهل الكتاب:

- ‌الفرق بين المشركة والكتابية

- ‌زواج المسلمة بغير المسلم:

- ‌وجوب العدل بين الزوجات:

- ‌حق المرأة في اشتراط عدم التزوج عليها:

- ‌حكمة التعدد:

- ‌تاريخ تعدد الزوجات

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌عضل الولي:

- ‌زواج اليتيمة:

- ‌انعقاد الزواج بعاقد واحد:

- ‌الوكالة في الزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌الحقوق الزوجية:

- ‌المهر:

- ‌وجوب المتعة:

- ‌النفقة:

- ‌المرأة تسلم دون زوجها:

- ‌الحقوق غير المادية:

- ‌إتيان الرجل زوجته:

- ‌حرمة التكلم بما يجري بين الزوجين أثناء المباشرة:

- ‌إتيان الرجل في غير المأتى:

- ‌العزل وتحديد النسل

- ‌حكم إسقاط الحمل:

- ‌الإيلاء:

- ‌تجاوز الصدق بين الزوجين:

- ‌إمساك الزوجة بمنزل الزوجية:

- ‌الانتقال بالزوجة:

- ‌اشتراط عدم خروج الزوجة من دارها:

- ‌منع الزوجة من العمل:

- ‌خروج المرأة لطلب العلم:

- ‌تأديب الزوجة عند النشوز:

- ‌تزين المرأة لزوجها:

- ‌التبرج:

- ‌تزين الرجل لزوجته:

- ‌الخطبة قبل الزواج:

- ‌إعلان الزواج:

- ‌الغناء عند الزواج:

- ‌وصايا الزوجة:

- ‌الوليمة:

- ‌زواج غير المسلمين:

- ‌إسلام أحد الزوجين دون الآخر:

- ‌الطلاق:

- ‌الطلاق من حق الرجل وحده:

- ‌من يقع منه الطلاق:

- ‌الطلاق قبل الزواج:

- ‌الطلاق باللفظ:

- ‌الطلاق بالكتابة:

- ‌الإشهاد على الطلاق:

- ‌من ذهب إلى وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وقوعه بدون بينة:

- ‌التنجيز والتعليق صيغة الطلاق:

- ‌الطلاق السني والبدعي:

- ‌طلاق الحامل:

- ‌طلاق الآيسة والصغيرة والمنقطعة الحيض:

- ‌طلاق البتة:

- ‌الطلاق الرجعي والبائن:

- ‌التفويض والتوكيل في الطلاق:

- ‌ التطليق لعدم النفقة

- ‌التطليق للضرر:

- ‌التطليق لغيبة الزوج:

- ‌التطليق لحبس الزوج:

- ‌الخلع:

- ‌الخلع بتراضي الزوجين:

- ‌الشقاق من قبل الزوجة كاف في الخلع:

- ‌حرمة الاساءة إلى الزوجة لتختلع:

- ‌الخلع بين الزوج وأجنبي:

- ‌الخلع يجعل أمر المرأة بيدها:

- ‌جواز تزوجها برضاها:

- ‌خلع الصغيرة المميزة

- ‌خلع المحجور عليها

- ‌نشوز الرجل:

- ‌الشقاق بين الزوجين:

- ‌الظهار:

- ‌الفسخ:

- ‌اللعان:

- ‌العدة:

- ‌عدة الحائض:

- ‌أقل مدة للاعتداد بالاقراء:

- ‌عدة غير الحائض:

- ‌سن اليأس:

- ‌عدة الحامل:

- ‌عدة المتوفى عنها زوجها:

- ‌وجوب العدة في غير الزواج الصحيح:

- ‌طلاق الفار:

- ‌ انقضاء العدة

- ‌لزوم المعتدة بيت الزوجية:

- ‌حداد المعتدة:

- ‌نفقة المعتدة:

- ‌الحضانة:

- ‌الأم أحق بالولد من أبيه:

- ‌شروط الحضانة:

- ‌انتهاء الحضانة:

- ‌الطفل بين أبيه وأمه:

- ‌أحكام القضاء

- ‌الحدود:

- ‌جرائم الحدود:

- ‌عدالة هذه العقوبات:

- ‌سقوط الحدود بالشبهات:

- ‌الشبهات وأقسامها

- ‌مشروعية التستر في الحدود:

- ‌ستر المسلم نفسه:

- ‌الحدود كفارة للآثام:

- ‌إقامة الحدود في دار الحرب:

- ‌الخمر:

- ‌تشديد الإسلام في تحريم الخمر:

- ‌تحريم الخمر في المسيحية:

- ‌أضرار الخمر:

- ‌الخمر إذا تخللت:

- ‌المخدرات:

- ‌حد شارب الخمر:

- ‌بم يثبت الحد

- ‌شروط إقامة الحد:

- ‌التداوي بالخمر:

- ‌حد الزنا:

- ‌التدرج في تحريم الزنا:

- ‌الزنا الموجب للحد:

- ‌أقسام الزناة:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب:

- ‌شروط الإحصان:

- ‌المسلم والكافر سواء:

- ‌شروط الحد:

- ‌بم يثبت الحد:

- ‌من أقر بزنا امرأة فجحدت:

- ‌وقت إقامة الحد:

- ‌حضور الإمام والشهود والرجم:

- ‌شهود طائفة من المؤمنين الحد:

- ‌الضرب في حد الجلد:

- ‌هل للمجلود دية إذا مات

- ‌ عمل قوم لوط:

- ‌ الاستمناء:

- ‌ السحاق:

- ‌ إتيان البهيمة:

- ‌ الوطء بالاكراه:

- ‌ الخطأ في الوطء:

- ‌ الوطء في نكاح مختلف فيه:

- ‌ الوطء في نكاح باطل:

- ‌حد القذف:

- ‌شروط القاذف:

- ‌شروط المقذوف:

- ‌بم يثبت حد القذف:

- ‌كيفية التوبة:

- ‌هل يحد بقذف أصله

- ‌سقوط الحد:

- ‌الردة:

- ‌حكمة قتل المرتد:

- ‌مال المرتد:

- ‌لحوقه بدار الحرب:

- ‌هل يقتل الساحر:

- ‌الكاهن والعراف

- ‌شروط الحرابة:

- ‌سقوط الحدود بالتوبة قبل رفع الجناة إلى الحاكم:

- ‌حد السرقة:

- ‌أنواع السرقة:

- ‌جحد العارية:

- ‌لنباش:

- ‌متى يقدر المسروق:

- ‌سرقة الجماعة:

- ‌الطرار:

- ‌المسجد حرز:

- ‌السرقة من الدار:

- ‌عقوبة السرقة:

- ‌الجنايات:

- ‌المحافظة على النفس كرامة الانسان:

- ‌القصاص بين الجاهلية والإسلام:

- ‌أنواع القتل:

- ‌أداة القتل:

- ‌ القود أو العفو

- ‌شروط وجوب القصاص:

- ‌الجماعة تقتل بالواحد:

- ‌ثبوت القصاص:

- ‌استيفاء القصاص

- ‌بم يكون القصاص:

- ‌هل يقتل القاتل في الحرم

- ‌القصاص فيما دون النفس:

- ‌شروط القصاص فيما دون النفس:

- ‌موت المقتص منه:

- ‌الدية:

- ‌على من تجب:

- ‌دية المرأة:

- ‌لمن تجب:

- ‌وجود قتيل بين قوم متشاجرين:

- ‌القتل بعد أخذ الدية:

- ‌اصطدام الفارسين:

- ‌ضمان صاحب الدابة:

- ‌ضمان القائد والراكب والسائق:

- ‌الدابة الموقوفة:

- ‌ضمان ما أتلفته الطيور:

- ‌ضمان ما أصابه الكلب أو الهر:

- ‌ما يقتل من الحيوان وما لا يقتل:

- ‌ما لا ضمان فيه:

- ‌ضمان ما أتلفته النار:

- ‌إفساد زرع الغير:

- ‌غرق السفينة:

- ‌ضمن الطبيب:

- ‌الرجل يفضي زوجته:

- ‌الحائط يقع على شخص فيقتله:

- ‌الإذن في أخذ الطعام وغيره:

- ‌القسامة:

- ‌التعزير:

- ‌السلام في الإسلام:

- ‌كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين:

- ‌الإعتراف بحق الفرد:

- ‌جريمة إهدار الحقوق:

- ‌الجهاد:

- ‌الاستنصار بالضعفاء:

- ‌فضل الجهاد:

- ‌الجهاد لا يعد له شئ:

- ‌فضل الشهادة:

- ‌الجهاد لاعلاء كلمة الله:

- ‌فضل الرمي بنية الجهاد:

- ‌الحرب في البحر أفضل من الحرب في البر:

- ‌صفات القائد:

- ‌الواجب على قائد الجيش:

- ‌وصية عمر رضي الله عنه:

- ‌واجب الجنود:

- ‌وجوب الدعوة قبل القتال:

- ‌الدعاء عند القتال:

- ‌وجوب الثبات أثناء الزحف:

- ‌الكذب والخداع عند الحرب:

- ‌الغارة على الأعداء ليلا:

- ‌انتهاء الحرب:

- ‌الهدنة:

- ‌عقد الذمة:

- ‌الأحكام التي تجري على أهل الذمة:

- ‌الجزية:

- ‌عقد الذمة للمواطنين وللمستقلين:

- ‌بم ينقض العهد

- ‌موجب النقض:

- ‌الغنائم:

- ‌من لا سهم له في الغنيمة:

- ‌الأجراء وغير المسلمين لا يسهم لهم:

- ‌الغلول:

- ‌الحربي يسلم:

- ‌أسرى الحرب:

- ‌معاملة الأسرى:

- ‌الاسترقاق:

- ‌معاملة الرقيق:

- ‌طريق التحرير:

- ‌أرض المحاربين المغنومة:

- ‌العجز عن عمارة الارض الخراجية:

- ‌ميراث الأرض المغنومة:

- ‌الفيء:

- ‌عقد الأمان:

- ‌نتيجة الأمان:

- ‌متى يتقرر هذا الحق:

- ‌عقد الأمان لجهة ما:

- ‌المستأمن:

- ‌العهود والمواثيق:

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌من معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌ ‌المهر: من حسن رعاية الاسلام للمرأة واحترامه لها، أن أعطاها حقها

‌المهر:

من حسن رعاية الاسلام للمرأة واحترامه لها، أن أعطاها حقها في التملك، إذ كانت في الجاهلية مهضومة الحق مهيضة الجناح، حتى ان وليها كان يتصرف في خالص مالها، لا يدع لها فرصة التملك، ولا يمكنها من التصرف.

فكان أن رفع الاسلام عنها هذا الاصر، وفرض لها المهر، وجعله حقا على الرجل لها، وليس لابيها، ولا لاقرب الناس إليها أن يأخذ شيئا منها إلا في حال الرضا والاختيار قال الله تعالى:" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (1) ".

: وآتوا النساء مهورهن عطاء مفروضا لا يقابله عوض، فإن أعطين شيئا من المهر بعد ما ملكن من غير إكراه ولا حياء ولا خديعة، فخذوه سائغا، لا غصة فيه، ولا إثم معه.

فإذا أعطت الزوجة شيئا من مالها حياء، أو خوفا، أو خديعة، فلا يحل أخذه.

قال تعالى: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا؟ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا؟ (2) ".

وهذا المهر المفروض للمرأة، كما أنه يحقق هذا المعنى.

فهو يطيب نفس المرأة ويرضيها بقوامة الرجل عليها.

قال تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم (3) " مع ما يضاف إلى ذلك من توثيق الصلات، وإيجاد أسباب المودة والرحمة.

(1) سورة النساء آية 4.

(2)

سورة النساء آية 20، 21.

(3)

سورة النساء الاية 34.

ص: 155

قدر المهر:

لم تجعل الشريعة حدا لقلته، ولا لكثرته، إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر، ويتفاوتون في السعة والضيق، ولكل جهة عاداتها وتقاليدها، فتركت التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته، وحسب حالته، وعادات عشيرته، وكل النصوص جاءت تشير إلى أن المهر لا يشترط فيه إلا أن يكون شيئا له قيمة، بقطع النظر عن القلة والكثرة، فيجوز أن يكون خاتما من حديد، أو قدحا من تمر أو تعليما لكتاب الله، وما شابه ذلك، إذا تراضى عليه المتعاقدان.

1 -

فعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت: نعم. فأجازه ".

رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وصححه.

2 -

وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يارسول الله إني وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل، فقال: يارسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا، فقال: ما أجد شيئا، فقال: التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شئ؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور يسميها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن.

رواه البخاري ومسلم.

وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة: " علمها من القرآن ".

وفي رواية أبي هريرة: أنه قدر ذلك بعشرين آية.

3 -

وعن أنس: أن أبا طلحة خطب أم سليم، فقالت: " والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره.

فكان ذلك مهرها ".

فدلت هذه الاحاديث على جواز جعل المهر شيئا قليلا، وعلى جواز جعل المنفعة مهرا.

وأن تعلم القرآن من المنفعة.

ص: 156

وقد قدر الاحناف أقل المهر بعشرة دراهم، كما قدره المالكية بثلاثة.

وهذا التقدير لا يستند إلى دليل يعول عليه، ولا حجة يعتد بها.

قال الحافظ: وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شئ، وقال ابن القيم - تعليقا على ما تقدم من الاحاديث - وهذا هو الذي اختارته أم سليم من انتفاعها بإسلام أبي طلحة وبذل نفسها له إن أسلم.

وهذا أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج، فإن الصداق شرع في الاصل حقا للمرأة تنتفع به، فإذا رضيت بالعلم والدين، وإسلام الزوج، وقراءته القرآن - كان هذا من أفضل المهور، وأنفعها، وأجلها.

فما خلا العقد عن مهر وأين الحكم بتقدير المهر بثلاثة دراهم، أو عشرة من النص، والقياس، إلى الحكم بصحة كون المهر ما ذكرنا نصا وقياسا.

وليس هذا مستويا بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالصة له من دون المؤمنين، فإن تلك وهبت نفسها هبة مجردة من ولي وصداق، بخلاف ما نحن فيه فإنه نكاح بولي وصداق، وإن كان غير مالي.

فإن المرأة جعلته عوضا عن المال، لما يرجع إليها من منفعة.

ولم تهب نفسها للزوج هبة مجردة، كهبة شئ من مالها بخلاف الموهوبة التي خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.

هذا مقتضى هذه الاحاديث.

وقد خالف في بعضه من قال: لا يكون الصداق إلا مالا، ولا يكون منافع أخر، ولا علمه ولا تعليمه صداقا كقول أبي حنيفة، وأحمد رحمهما الله في رواية عنه.

ومن قال: لا يكون أقل من ثلاثة دراهم كمالك رحمه الله وعشرة دراهم كأبي حنيفة رحمه الله.

وفيه أقوال أخرى شاذة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا قول صاحب.

ومن ادعى في هذه الاحاديث التي ذكرناها، اختصاصها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنها منسوخة، أو أن عمل أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل. والاصل بردها.

وقد زوج سيد أهل المدينة من التابعين - سعيد بن المسيب - ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد، بل عد ذلك

ص: 157

من مناقبه وفضائله.

وقد تزوج عبد الرحمن بن عوف على صداق خمسة دراهم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع.

أما من حيث الكثرة، فإنه لا حد لاكثر المهر.

فعن عمر رضي الله عنه: أنه نهى وهو على المنبر، أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم.

ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت:

أما سمعت الله يقول: " وآتيتم إحداهن قنطارا "!.

فقال: اللهم عفوا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع، فركب المنبر، فقال:" إني كنت قد نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب ".

رواه سعيد بن منصور، وأبو يعلى بسند جيد.

وعن عبد الله بن مصعب أن عمر قال: " لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية من فضة، فمن زاد أوقية جعلت الزيادة في بيت المال " فقالت امرأة: ما ذاك لك.

قال: ولم؟.

فقالت: لان الله تعالى يقول: و " آتيتم إحداهن قنطارا ".

فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.

كراهة المغالاة في المهور:

ومهما يكن من شئ فإن الاسلام يحرص على إتاحة فرص الزواج لاكثر عدد ممكن من الرجال والنساء، ليستمتع كل بالحلال الطيب. ولا يتم ذلك إلا إذا كانت وسيلته مذللة، وطريقته ميسرة.

بحيث يقدر عليه الفقراء الذين يجهدهم بذل المال الكثير، ولا سيما أنهم الاكثرية، فكره الاسلام التغالي في المهور، وأخبر أن المهر كلما كان قليلا كان الزواج مباركا، وأن قلة المهر من يمن المرأة.

فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة ".

وقال: " يمن المرأة خفة مهرها، ويسر نكاحها، وحسن خلقها.

ص: 158

وشؤمها غلاء مهرها، وعسر نكاحها، وسوء خلقها ".

وكثير من الناس جهل هذه التعاليم، وحاد عنها وتعلق بعادات الجاهلية من التغالي في المهور، ورفض التزويج إلا إذا دفع الزوج قدرا كبيرا من المال يرهقه، ويضايقه، كأن المرأة سلعة يساوم عليها، ويتجر بها.

وقد أدى ذلك إلى كثرة الشكوى، وعانى الناس من أزمة الزواج التي أضرت بالرجال والنساء على السواء، ونتج عنها كثير من الشرور والمفاسد، وكسدت سوق الزواج، وأصبح الحلال أصعب منالا من الحرام.

تعجيل المهر وتأجيله:

يجوز تعجيل المهر وتأجيله، أو تعجيل البعض، وتأجيل البعض الاخر، حسب عادات النساء، وعرفهم.

ويستحب تعجيل جزء منه، لما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع عليا أن يدخل بفاطمة حتى يعطيها شيئا.

فقال: ما عندي شئ.

فقال: فأين درعك الحطمية؟ فأعطاه إياها.

رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه.

وروى أبو داود، وابن ماجه عن عائشة قالت:" أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا ".

فهذا الحديث يدل على أنه يجوز دخول المرأة قبل أن يقدم لها شيئا من المهر.

وحديث ابن عباس يدل على أن المنع كان على سبيل الندب.

قال الاوزاعي: " كانوا يستحسنون ألا يدخل عليها حتى يقدم لها شيئا " وقال الزهري: " بلغنا في السنة ألا يدخل بامرأة حتى يقدم يكسو كسوة. ذلك مما عمل به المسلمون ".

وللزوج أن يدخل على زوجته. وعليها أن تسلم نفسها إليه، ولا تمتنع عليه ولو لم يعطها ما اشترط تعجيله لها من المهر - وإن كان يحكم لها به.

قال ابن حزم: " ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم فله الدخول بها أحبت أم كرهت مقضي لها بما سمى لها، أحب أم كره، ولا يمنع من

ص: 159

أجل ذلك من الدخول بها، لكن يقضى له عاجلا بالدخول ويقضى لها عليه حسب ما يوجد عنده من الصداق.

فإن كان لم يسم لها شيئا قضي عليه بمهر مثلها، إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر ".

وقال أبو حنيفة: " إن له أن يدخل بها أحبت أم كرهت، إن كان مهرها مؤجلا لانها هي التي رضيت بالتأجيل وهذا لا يسقط حقه.

وإن كان معجلا كله أو بعضه لم يجز له أن يدخل بها حتى يؤذي إليها ما اشترط لها تعجيله، ولها أن تمنع نفسها منه حتى يوفيها ما اتفقوا على تعجيله ".

قال ابن المنذر: " أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها " وقد ناقش صاحب المحلى هذا الرأي.

فقال: " لا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه من حين يعقد عليها الزوج فإنها زوجة له.

فهو حلال لها، وهي حلال له.

فمن منعها منه حتى يعطيها الصداق أو غيره، فقد حال بينه وبين امرأته، بلا نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم ".

لكن الحق ما قلنا: ألا يمنع حقه منها ولا تمنع هي حقها من صداقها، لكن له الدخول عليها - أحبت أم كرهت - ويؤخذ مما يوجد له صداقها، أحب أم كره..وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تصويب قول القائل: " أعط كل

ذي حق حقه ".

متى يجب المهر المسمى كله:

يجب المهر المسمى كله في إحدى الحالات الاتية:

1 -

إذا حصل الدخول الحقيقي لقول الله تعالى: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا.

أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا؟ وكيف

ص: 160

تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا؟! " (1)

2 -

إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول. وهو مجمع عليه.

3 -

ويرى أبو حنيفة: أنه إذا اختلى بها خلوة صحيحة، استحقت الصداق المسمى.

وذلك بأن ينفرد الزوجان في مكان يأمنان فيه اطلاع أحد عليهما، ولم يكن بأحد منهما مانع شرعي، مثل أن يكون أحدهما صائما صيام فرض عليه، أو تكون حائضا.

أو مانع حسي، مثل مرض أحدهما مرضا لا يستطيع معه الدخول الحقيقي، أو مانع طبيعي بأن يكون معهما ثالث.

واستدل أبو حنيفة بما رواه أبو عبيدة عن زائدة بن أبي أوفى، قال:" قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أغلق الباب، وأرخى الستر، فقد وجب الصداق ".

وروى وكيع عن نافع بن جبير قال: " كان أصحاب رسول الله يقولون: إذا أرخى الستر وأغلق الباب، فقد وجب الصداق ".

ولان التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل.

وخالف في ذلك الشافعي، ومالك وداود فقالوا:" لا يستقر المهر كله إلا بالوطء (2) ، ولا يجب بالخلوة الصحيحة إلا نصف المهر، لقول الله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم. (3) .

أي ان نصف ما فرض من المهر يجب إذا وقع الطلاق قبل المسيس الذي هو الدخول الحقيقي.

وفي حالة الخلوة لم يقع مسيس، فلا يجب المهر كله.

قال شريح: " لم أسمع الله ذكر في كتابه بابا، ولا سترا.

إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق ".

(1) سورة النساء آية 20، 21.

(2)

إلا أن مالكا قال: إذا بنى عليها وطالت هذه الخلوة - فإن المهر يستقر وإن لم يطأ وحدده ابن قاسم من أتباعه بعام.

(3)

سورة البقرة آية 237.

ص: 161

وروى سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقول في رجل دخلت عليه امرأته، ثم طلقها، فزعم أنه لم يمسها:" عليه نصف الصداق ".

وروى عبد الرزاق عنه قال: " لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها ".

وجوب المهر المسمى بالدخول في الزواج الفاسد: إذا عقد الرجل على المرأة، ودخل بها، ثم تبين فساد الزواج لسبب من الاسباب، وجب المهر المسمى كله، لما رواه أبو داود: أن بصرة بن أكثم تزوج امرأة بكرا في كسرها فدخل عليها، فإذا هي حبلى فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" لها الصداق بما استحللت من فرجها " وفرق بينهما.

ففي هذا الحديث وجوب المهر المسمى في النكاح الفاسد كما أنه تضمن فساد النكاح وبطلانه إذا تزوجها فوجدها حبلى من الزنا.

الزواج بغير ذكر المهر: الزواج بغير ذكر المهر، ويسمى " زواج التفويض " يصح في قول عامة أهل العلم، لقول الله تعالى " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة (1) ".

ومعنى الاية: أنه لا إثم على من طلق زوجته قبل المسيس، وقبل أن يفرض لها مهرا.

فإذا تزوج بغير ذكر المهر، واشترط أن لا مهر عليه فقيل: إن الزواج غير صحيح، وإلى هذا ذهبت المالكية وابن حزم.

قال: وأما لو اشترط فيه أن لا صداق، فهو مفسوخ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ".

وهذا شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، بل في كتاب الله عز وجل إبطاله.

قال الله تعالى: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ".

فإذن هو باطل، فالنكاح المذكور لم تنعقد صحته إلا على تصحيح ما لا يصح، فهو نكاح لا صحة له.

(1) سورة البقرة: الاية 236.

ص: 162

وذهبت الاحناف إلى القول بالجواز، إذ المهر ليس ركنا ولا شرطا في عقد الزواج.

وجوب مهر المثل بالدخول أو بالموت قبله: وإذا دخل بها الزوج، أو مات قبل الدخول بها، في هذه الحال، فللزوجة

مهر المثل والميراث، لما رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود أنه قال في مثل هذه المسألة: " أقول فيها برأيي - فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني -: أرى لها صداق امرأة من نسائها: لاوكس (1) ، ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن يسار، فقال، أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع واشق.

وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، وأحمد، وداود، وأصح قولي الشافعي.

مهر المثل:

مهر المثل هو المهر الذي تستحقه المرأة، مثل مهر من يماثلها وقت العقد في السن، والجمال، والمال، والعقل، والدين، والبكارة، والثيوبة، والبلد، وكل ما يختلف لاجله الصداق، كوجود الولد أو عدم وجوده، إذ أن قيمة المهر للمرأة تختلف عادة باختلاف هذه الصفات.

والمعتبر في المماثلة من جهة عصبتها كأختها وعمتها وبنات أعمامها.

وقال أحمد: هو معتبر بقراباتها من العصبات وغيرهم من ذوي أرحامها.

وإذا لم توجد امرأة من أقرباتها من جهة الاب متصفة بأوصاف الزوجة التي نريد تقدير مهر المثل لها، كان المعتبر مهر امرأة أجنبية من أسرة تماثل أسرة أبيها.

زواج الصغيرة بأقل من مهر المثل: ذهب الشافعي، وداود، وابن حزم، والصاحبان، من الاحناف، إلى أنه لا يجوز للاب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمها

(1) لا وكس: لا نقص عن مهر نسائها ولا شطط ولا زيادة.

ص: 163