الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
137: 186
[باب ما جاء في السحر]
[وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] .
قال الشيخ أثابه الله: وجه إدخال هذا الباب في كتاب التوحيد لأن السحر شرك.
وهذا الباب أول سبعة أبواب تتعلق بالأعمال الشيطانية.
وقال أثابه الله: السحر: الخفاء ومنه سمي آخر الليل سحراً لخفائه. ومنه سميت الرئة سحرة لرقتها.
وقولهم: "انتفخ سحره" وذلك لخفائها ورقتها.
وقال أثابه الله: هل للسحر حقيقة؟
في ذلك خلاف مع المعتزلة فأنكروا حقيقته وادعوا أنه خيال، واحتجوا بقوله تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وقالوا أيضاً: لو كان للسحر حقيقة لاشتبه عمل الساحر بمعجزات الأنبياء فتبطل المعجزات، وقد ذكر شبهاتهم الرازي في تفسيره الكبير في سورة البقرة عند قوله تعالى:{يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] .
أما أهل السنة فذهبوا إلى أن للسحر حقيقة، وعندهم أدلة.
الدليل الأول: قوله تعالى: {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] والتفريق يقع حقيقة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] ولو لم يكن لهن ضرر ما شرعت الاستعاذة منهن.
الدليل الثالث: ما ثبت في البخاري أنه –صلى الله عليه وسلم سُحر حتى كان يخيل إليه أن يفعل الشيء وهو لا يفعله.
الدليل الرابع: ما رواه ابن جرير عن عائشة –رضي الله عنها قالت: "جاءتني امرأة تطلب النبي –صلى الله عليه وسلم بعد موته فأخبرتها فبكت كثيراً، وسألتها فقالت: فقدت زوجي، فجاءتني امرأة عجوز فجاءت بكلبين أسودين فركبت واحداً وركبت هي الآخر حتى أتينا أرض بابل فجئنا إلى رجل فقلت: أريد أن أتعلم السحر. فردني فرجعت مرة ثانية، فقال لي: اذهبي فبولي في ذلك التنور، قالت: فذهبت فرعبت فرجعت ولم أفعل شيئاً. فقال لي: ارجعي. قالت: فرجعت فبلت في التنور فخرج مني فارس فارتفع في السماء. فرجعت إلى الرجل فأخبرته قال: صدقت ذلك الإيمان خرج منك فأصبحت لا أريد شيئاً إلا حصل فلا أبذر حباً إلا نبت بسرعة
…
إلى أن قالت: فندمت على ما عملت".
القصة ذكرها ابن جرير في تفسير سورة البقرة عند الآيات التي ذكرت السحر.
وقال أثابه الله: {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} الشراء بذل العوض في تحصيل المشترى، والعوض الذي بذله هؤلاء هو دينهم كما حكى الله عن المنافقين {اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ} [آل عمران: 177] وهؤلاء قد اشتروا السحر بإيمانهم.
* * *
138: 187 [. . . وقوله: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} قال عمر: الجبت: السحر] .
قال الشيخ أثابه الله: يؤمنون: يصدقون.
والجبت: هو الشيء التافه الحقير الذي لا يرجى من وراءه.
وسمي السحر جبتاً لأن أسبابه ونيته وأعمالهم فيه –كعقدهم ونفثهم- كلها حقيرة.
والطاغوت: من الطغيان ومنه {فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات: 37-38] وتعريف ابن القيم رحمه الله للطاغوت: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد الحد من معبود أو متبوع أو مطاع.
* * *
139: 188 [والطاغوت: الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهّان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حيٍّ واحد] ٍ.
قال الشيخ أثابه الله: كيف يؤثر الشيطان في الإنسان؟
الشيطان يتلبس بالإنسان فيغير وجهه أو يتمثل به، فالشياطين مردة الجن لهم قدرة على التشكل، فالجان قد يتمثل بنوع من الجمادات كدراجة أو سيارة، هذا من حيث الظاهر، أما من حيث الباطن فقد يسلطه الله على القلب فيجعل بدل المحبة بغضاً، إما في المرأة أو قلب الرجل وهو معنى التفريق. أو يبطل شهوة الرجل ويسمى الحبس. فهؤلاء السحرة الذي يؤثر لهم شيطان الجن.
وقال أيضاً أثابه الله: الشياطين لا يطيعون من أراد منهم السحر إلا إذا أطاعهم، فالسحرة يعبدون الشياطين وهذا وجه كون السحر شركاً.
وكيف يعبدونها؟ يتقربون إليها لتخدمهم، والتقرب إليهم أن يناديهم بأسمائهم، أو عبادات للشياطين يقوم بها الساحر، وعبادته
هي طاعته {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] أي: لا تطيعوه. والتقرب إلى الشياطين يكون أيضاً بفعل محرمات وترك طاعات، وقد ذكروا أن منهم من ترك الصلاة أربعين يوماً ثم يدعو الشياطين فتأتيهم ثم يصلي بعد ذلك. وقد ذكر لنا بعض من رأى السحرة أنهم يقرؤون القرآن ويصلون ولكن مع ذلك فعملهم مردود لأنهم كفار. وقد ذكروا أن بعض الكهنة استحضر شيطاناً وقال: احمل هذا الرجل إلى مكة. فلما كان وسط الطريق أنزله في البرية، قال: اسجد لي. فامتنع وقال: لا أسجد إلا لله. فأنزله وسخر الله له من يحمله. وقد ذكر شيخ الإسلام في كتاب الفرقان شيئاً من ذلك.
* * *
140: 189 [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
…
" الحديث] .
قال الشيخ أثابه الله: وسميت موبقات لأنها توبق صاحبها، من الإيباق وهو الإيثاق والإهلاك، أوبقته ذنوبه إذا أوثقته.
وقال أثابه الله: وبعض السحرة يلطخ ثيابه بالنجاسات لأنها ترضي الشياطين، وبعض السحرة يذبح لهم.
وللسحر تأثير حتى مع البهائم، فقد ذكروا أن امرأة جاءت إلى ساحرة فشكت إليها جفوة زوجها، فأعطتها طعاماً وقالت: اجعليه في طعامه يأكله، فترددت المرأة في ذلك وأعطته كبشاً عندها، فلما أكله الكبش أصبح الكبش يتبع المرأة أينما ذهبت، ولا يستقر له قرار حتى يضع رأسه في بطنها فتعجب الناس من ذلك وسألوا المرأة فأخبرت
بفعلها، فذبحوا الكبش فإذا رأسه قد امتلأ دوداً. فقال زوجها: أخشى أن تجعلينه في طعامي في المرة الثانية. ثم طلقها.
"فائدة" ذكر ابن القيم في بعض كتبه أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق:
حق لله حيث أن القاتل اعتدى على حرمات الله، وهذا يسقط بالتوبة.
وحق للأولياء، وهذا الحق يسقط بالدية والقصاص.
وحق للمقتول حيث فوت عليه الحياة.
* * *
141: 190 "
…
وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"] .
قال الشيخ أثابه الله: وفي القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
…
} [النور: 23] فيعبر عنه بالرمي ويعبرون عنه بالقذف. فاتهام المسلمة بالزنا تعمُّداً هو من القذف.
وقال أثابه الله: أتى المؤلف بهذا الحديث لأن فيه ذكر السحر والأمر بالابتعاد عنه، وقوله:"اجتنبوا" أبلغ من اتركوا يعني لا تقتربوا منها.
* * *
142: 191 وعن جندب مرفوعاً: "حد الساحر ضربة بالسيف".
قال الشيخ أثابه الله: هل يستتاب الساحر؟
المسألة فيها خلاف، والصحيح أنه لا يستتاب، وذهب بعضهم إلى أنه لا يكفر.