الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامساً: قال الشيخ الألباني: أن "
الاعتجار
مطابق للاختمار " بالمعنى المتقدم للاختمار وأما بمعنى تغطية الوجه عند الإطلاق فهو باطل لغة. اهـ
والصحيح أن القول بأن الاعتجار مطابق لضرب الخمار على الجيب، وأنه لا يعني تغطية الوجه؛ قول باطل من عدّة وجوه:
1) أن الاعتجار كما في المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده المرسي (1/ 311): والاعتجار لبسة كالالتحاف. وفي تاج العروس (12/ 534) للزبيدي: الاعتجار: (لبسة للمرأة) شبه الالتحاف. اهـ وضرب الخمار على الجيب لايمكن أن يطلق عليه التحاف! لأن الخمار كما ذكر الشيخ الألباني: (الخمار للمرأة كالعمامة للرجل) والذي يمكن أن يطلق عليه الالتحاف هو إدناء الجلباب؛ وقد قال الشيخ الألباني: (الجلباب هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها).
2) أن ضرب الخمار على الجيب يستلزم إدارة الخمار وليّه تحت الحنك، وهذا ينفي أن يكون الاعتجار مطابق له؛ لأن الاعتجار كما نقله الشيخ الألباني عن الزبيدي في" تاجه" (3/ 383): ليُّ الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك.
3) أن نفي إدارة الثوب تحت الحنك يستلزم منه المرور بالوجه عند إدارته وليّه على الرأس، وهذا الذي ينبغي أن يفهم من قولهم إن الاعتجار (ليُّ الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك) كما ثبت ذلك شرعا؛ فيما صح عن جعفر بن عمرو بن أمية قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما قدمنا حمص. . . قال فجئنا حتى وقفنا عليه فسلمنا فرد السلام قال وعبيد الله
معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه"
(1)
قال الحافظ ابن حجر (7/ 369): معتجر أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك. أهـ
لكن الشيخ الألباني تعقبه بقوله (هذه ليست صفة لازمة للاعتجار بالعمامة)!! غير أن كتب اللغة؛ تؤكد أن هذه الصفة لازمة للاعتجار:
- كما جاء في النهاية في غريب الأثر للجزري (3/ 185): الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
- وفي المغرب في ترتيب المعرب للمطرز (2/ 43): وفي الأجناس عن محمد بن الحسن رحمه الله: المعتجر المنتقب بعمامته وقد غطى أنفه.
وجاء في طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص/ 5) لنجم الدين النسفي (ت: 537 هـ): الاعتجار
…
وقيل هو التقنع بالمنديل كما تفعله النساء بمعاجرهن.
كما أكد ذلك الفقهاء: ففي المبسوط للسرخسي (1/ 31) وبدائع الصنائع للكاساني (1/ 216): قال محمد بن الحسن: " لا يكون الاعتجار إلا مع تنقب وهو أن يلف بعض العمامة على رأسه وطرفا منه يجعله شبه المعجر للنساء وهو أن يلفه حول وجهه". وقال ابن نجيم في البحر الرائق (2/ 25): "وقيل أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفه كمعجر النساء".
(1)
صحيح البخاري (3844).
وبذلك ثبت أن الاعتجار يحمل معنى تغطية الوجه، وأنه مطابق لإدناء الجلباب، يشهد لذلك ما أخرجه ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (رحم الله نساء الأنصار لما نزلت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما على رؤوسهن الغربان)
(1)
كما أخرجه أبو داود عن أم سلمة قالت: (لما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية). وفي رواية (من أكسية سود يلبسنها)
(2)
.
* فنخلص في نهاية هذا المبحث بأن التقنع والاعتجار مترادفة المعنى، وأنها تحمل معنى تغطية الوجه، وأن نساء المؤمنين امتثلن الأمر بإدناء الجلابيب بتغطية وجوههن بالتقنع والاعتجار والتلفع
(3)
بالأردية والجلابيب.
(1)
الدر المنثور للسيوطي 6/ 660. أما ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (14406) عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: (ما رأيت أفضل من نساء الأنصار
…
لقد أنزلت {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}
…
ما منهن امراة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجزت به
…
فأصبحن يصلين وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان) فقد ضعفه الألباني بهذا السياق في غاية المرام (483). ولعل الراوي توهم أن هذا كان إثر نزول آية النور؛ والصحيح أن هذا كان إثر نزول آية إدناء الجلابيب.
(2)
سنن أبي داود (4101) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 4/ 61، والرواية الأخرى لابن أبي حاتم في تفسيره (17784) وحسن إسنادها الشيخ ابن باز في مجموع فتاوى ابن باز 4/ 243.
(3)
لما رواه البخاري في صحيحه 1/ 210 (553) عن عائشة رضي الله عنها قالت" كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" قال العيني في عمدة القاري (5/ 74): "متلفعات أي متلحفات من التلفع وهو شد اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به" وسيأتي في مناقشة البحث السادس زيادة تفصيل وبيان لذلك.
ــ:: البحث الخامس:: ــ
قال الشيخ الألباني: هل أجمع المسلمون على أن وجه المرأة عورة وأنها تمنع أن تخرج سافرة الوجه؟
…
فإليك نص ما في" نيل الأوطار"(6/ 98) تحت حديث عائشة: " يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه": " وفيه دليل لمن قال: إنه يجوز نظر الأجنبية. قال ابن رسلان: وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو دونه أما عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساق. وحكى القاضي عياض عن العلماء: أنه لا يلزم ستر وجهها في طريقها، وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة" يشير إلى بحث له في الباب شرح فيه آية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} النور: 31 قال الشوكاني عقبه: " والحاصل أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو إليه الحاجة عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة، فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثنى"
…
- إلى أن قال الشيخ الألباني منكرا على أحد مخالفية - قوله في بعض أجوبته: " الصواب مع المشايخ الذين يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه عند الرجال الأجانب ودليلهم على ذلك الكتاب والسنة والإجماع"! فأقول: لم ينطق بكلمة" الإجماع" في هذه المسألة أحد
من أهل العلم فيما بلغني وأحاط به علمي، فإن الخلاف فيها قديم لا يخلو منه كتاب من الكتب المتخصصة في بحث الخلافيات، وأنقل هنا من أقوالهم في هذه المسألة، مما يدل على بطلان الإجماع الذي ادَّعاه فأقول:
الأول: قال ابن حزم في كتابه" مراتب الإجماع"(ص 29) ما نصه: " واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟ " وأقرَّه شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه، ولم يتعقبه كما فعل في بعض المواضع الأخرى.
الثاني: قال ابن هبيرة الحنبلي في" الإفصاح"(1/ 118): " واختلفوا في عورة المرأة الحرة وحدِّها فقال أبو حنيفة: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين. وقد روي عنه أن قدميها عورة وقال مالك والشافعي: كلها عورة إلا وجهها وكفيها وهو قول أحمد في إحدى روايتيه والرواية الأخرى: كلها عورة إلا وجهها خاصة. وهي المشهورة واختارها الخرقي". وفاتته رواية ثالثة وهي: أنها كلها عورة حتى ظفرها كما يأتي مع بيان رد ابن عبد البر لها قريباً.
الثالث: جاء في كتاب" الفقه على المذاهب الأربعة" تأليف لجنة من العلماء منهم الجزيري: في بحث حد عورة المرأة (1/ 167): " أما إذا كانت بحضور رجل أجنبي أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين فإنهما ليسا بعورة فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة". ثم استثنى من ذلك مذهب الشافعية وفيه نظر ظاهر لما تقدم في" الإفصاح" وغيره مما تقدم ويأتي.
الرابع: قال ابن عبد البر في" التمهيد"(6/ 364) ــ وقد ذكر أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين وأنه قول الأئمة الثلاثة وأصحابهم وقول الأوزاعي وأبي ثورـ" على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها! " ثم قال ابن عبد البر: " قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به وأجمعوا أنها لا تصلي منتقبة ولا عليها أن تلبس القفازين في الصلاة وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة؟! وقد روي نحو قول أبي بكر هذا عن أحمد بن حنبل
…
" قلت: وقد كنت نقلت فيما يأتي من الكتاب (89) عن ابن رشد: أن مذهب أكثر العلماء على وجه المرأة ليس بعورة وعن النووي مثله، وأنه مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد فبعض هذه الأقوال من هؤلاء العلماء الكبار كافية لإبطال دعوى الشيخ الإجماع فكيف بها مجتمعة؟!
…
فقد ذكرت في غير موضع من كتابي من قال من العلماء بخلاف إجماعه المزعوم مثل ابن جرير وابن رشد والنووي ومنهم ابن بطال الذي نقلت عنه فيما يأتي أنه استدل بحديث الخثعمية أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً. اهـ.