المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة::

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الرابع::

- ‌ التقنع

- ‌ الاعتجار

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌عورة المرأة الحرة

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ نظر المرأة للرجال الأجانب

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية

- ‌ الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

* الثاني عشر: وقبل إنهاء هذا المبحث لابد من الإجابة على هذا التساؤل:

ما صحة القول بأن‌

‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

من السرة إلى الركبة؟

أنكر الشيخ الألباني في بحثه السابع على من قال بأن عورة المرأة مع المرأة ما بين السرة والركبة؛ وقال: مع أن هذا القول لا أصل له في الكتاب والسنة بل هو خلاف قوله تعالى في آية النور {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} إلى قوله {أَوْ نِسَائِهِنَّ} فإن المراد مواضع الزينة، وهي: القرط والدملج والخلخال والقلادة، وهذا باتفاق علماء التفسير وهو المروي عن ابن مسعود .. فهذا النص القرآني صريح في أن المرأة لا يجوز لها أن تبدي أمام المسلمة أكثر من هذه المواضع. اهـ

فالقول بأن (عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل)؛ قول غير صحيح، إذ لم يدل عليه حديث صحيح ولا ضعيف. بل دلت نصوص الكتاب والسنة على خلاف ذلك؛ فإن الله تعالى في آية النور ذكر النساء بعد

ذكر المحارم وقبل ذكر غير أولي الإربة من الرجال، فحكم النساء مع النساء حكم ما ذكر قبلهن وما ذكر بعدهن في الآية، وحدود الزينة التي تبدى لهم تنحصر في الوجه والكفين والقدمين بما فيها من الزينة. كما سبق بيان ذلك.

قال البيهقي في السنن الكبرى (7/ 94): باب ما تبدي المرأة من زينتها للمذكورين في الآية من محارمها: أخبرنا أبو زكريا

ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح

ص: 469

عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} والزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواراها فأما خلخالها ومعضدتها ونحرها وشعرها فلا تبديه إلا لزوجها. وروينا عن مجاهد أنه قال يعني به القرطين والسالفة والساعدين والقدمين وهذا هو الأفضل ألا تبدي من زينتها الباطنة شيئا لغير زوجها إلا ما يظهر منها في مهنتها.

* ولو سلمنا جدلا أن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل (ما بين السرة والركبة) فإن هذا القول يستدل به في أحكام العورات لا في أحكام اللباس!

وقد وضح الشيخ محمد العثيمين هذه المسألة فقال: يجب أن نعلم أن العورة ليست هي مقياس اللباس، فإن اللباس يجب أن يكون ساتراً وإن كانت العورة -أعني عورة المرأة -بالنسبة للمرأة ما بين السرة والركبة، لكن اللباس شيء والعورة شيء آخر. ولذلك يجب على المرأة أن تلبس اللباس الشرعي الذي يكون ساتراً، فقد كان لباس نساء الصحابة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من الكف إلى الكعب في بيوتهن، أي من كف اليد إلى كعب الرجل فإذا خرجن لبسن ثياباً طويلة تزيد على أقدامهن بشبر، ورخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذراع من أجل ستر أقدامهن هذا بالنسبة للمرأة المكتسية، فإن رفعت اللباس فهي من الكاسيات العاريات. أما بالنسبة للمرأة الناظرة فإنه لا يجوز لها أن تنظر عورة المرأة، يعني لا يجوز أن تنظر ما بين السرة إلى الركبة، مثل أن تقضي حاجتها فلا يجوز للمرأة أن تنظر إليها، لأنها تنظر إلى العورة، أما ما فوق السرة

ص: 470

أو دون الركبة، إذا كانت المرأة لابسة لباس حشمة فكشفت عنه لحاجة مثل أنها رفعت ثوبها عن ساقها لأنها تمر بطين مثلاً، أو تريد أن تغسل الساق وعندها

امرأة أخرى فهذا لا بأس به، أو أخرجت ثديها لترضع طفلها أمام النساء فإنه لا بأس، لكن لا يفهم من قولنا هذا كما تفهم بعض النساء الجاهلات؛ أن المعنى أن المرأة تلبس من الثياب ما يستر ما بين السرة والركبة فقط، هذا غلط عظيم على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى شريعة الله وعلى سلف هذه الأمة. فالحديث يبين أن المرأة لا تنظر إلى عورة المرأة، فيخاطب الناظرة دون اللابسة، أما اللابسة فيجب أن تلبس ثياباً ساترة كما كانت تلبس نساء الصحابة من الكف إلى الكعب. فهناك فرق بين اللباس وبين النظر.

(1)

اهـ

* ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من جسدها أمام النساء إلا ما جرت العادة بظهوره من الوجه والكفين والأقدام؛ النهي عن دخول المرأة للحمّام وهو مكان الاغتسال الجماعي سواء للرجال مع بعضهم، أو للنساء مع بعضهن؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " الحمّام حرام على نساء أمتي"

(2)

كما روي أن نساء من أهل حمص دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله"

(3)

(1)

انظر مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة لفضيلة الشيخ / 60 - 62، 83.

(2)

المستدرك على الصحيحين 4/ 322 (7784) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (3439).

(3)

مسند أحمد بن حنبل 6/ 173 (25446) سنن ابن ماجه 2/ 1234 (3750) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (2710).

ص: 471

فإذا كانت المرأة تمنع من دخول الحمام وهو خاص بالنساء، وتمنع من نزع ثيابها ولو بحضرة النساء، كان من المتعين أن عورة المرأة مع المرأة كعورة المرأة مع محارمها، لا كعورة الرجل.

كما أنه لم ينقل خبر بإسناد صحيح ولا ضعيف ذكر فيه تكشف النساء وإظهارهن عدا ما بين السرة والركبة فيما بينهن، فلو اعتقد السلف جواز ذلك والرخصة فيه لنقل ذلك عنهن كما نقل غيره مما هو دونه، فهذا يدل

دلاله واضحة على ضعف قول من قال بجواز كشف ماعدا ما بين السرة إلى الركبة للنساء فيما بينهن.

* ومما يشهد لذلك أيضا ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"

(1)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 307): فكل ثوب يصف ولا يستر فلا يجوز لباسه بحال إلا مع ثوب يستر ولا يصف فإن المكتسية به عارية.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (14/ 110): وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه وقيل معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها.

(1)

صحيح مسلم 3/ 1680 (2128)

ص: 472

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 146): وقد فسر قوله (كاسيات عاريات) بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا.

* ومما يشهد لذلك أيضا ما ورد عن أسامة بن زيد قال: (كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية

(1)

كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة

(2)

فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)

(3)

.

قال الألباني في جلباب المرأة /131: فقد أمر صلى الله عليه وسلم بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة - وهي شعار يلبس تحت الثوب - ليمنع بها وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في الأصول.

ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث (2/ 97): والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها.

(1)

الغلالة: الثوب الذي يلبس تحت الثياب (اللسان 10/ 108) وقيل: بطائن تلبس تحت الدروع.

(2)

مسند أحمد بن حنبل 5/ 205 (21834) سنن البيهقي الكبرى 2/ 234 (3079) حسن إسناده ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة 4/ 149، وابن حجر في المطالب العالية (10/ 318) والألباني في جلباب المرأة /131.

(3)

مروية: نسبة إلى قرية مرو بالكوفة، قوهية: نسبة إلى قوهستان بخراسان.

ص: 473

* ويشهد لذلك ما ورد أن المنذر بن الزبير لما قدم من العراق، أرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية

(1)

رقاق عتاق، بعد ما كف بصرها، فلمستها بيدها ثم قالت: أُف، ردوا عليه كسوته، فشق عليه ذلك، وقال: يا أمَّه، إنه لا يشف. قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف".

(2)

* وما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الناس القباطي

(3)

، ثم قال: لا تَدرعها نساؤكم، فقال رجل يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشف فقال عمر: إن لم يشف فإنه يصف".

(4)

* وما ثبت عن الزهري قال أخبرتني هند بنت الحارث، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يقول" لا إله إلا الله، ماذا أُنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميَّها بين أصابعها.

(5)

(1)

الطبقات لابن سعد 8/ 252، صححه الألباني في جلباب المرأة /127.

(2)

القباطي: جمع قبطيّة وهي الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء وكأنه منسوب إلى القبط وهم أهل مصر (لسان العرب 7/ 373).

(3)

السنن الكبرى للبيهقي (3080) وقال إنه مرسل، وقال الألباني في جلباب المرأة /128: لكن رجاله ثقات ويقويه قول البيهقي عقبه: ولمعنى هذا المرسل شاهد بإسناد موصول.

(4)

صحيح البخاري 5/ 2198 (5506).

(5)

يريد ما جاء في المدونة الكبرى (2/ 462): أكان مالك يكره للمحرمة وغير المحرمة لبس القباء قال نعم كان يكره لبس القباء للجواري وأفتى بذلك وقال إنه يصفهن ويصف أعجازهن، قلت فهل كان مالك يكرهه للنساء الحرائر قال قد أخبرتك بقول مالك في الإماء فإذا كرهه مالك للإماء فهو للحرائر أشد كراهية عنده.

ص: 474

قال ابن حجر في فتح الباري (10/ 303): لأنها كانت تخشى أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كميَّها فكانت تزرر ذلك لئلا يبدو منه شيء فتدخل في قوله صلى الله عليه وسلم " كاسية عارية".

* قال الباجي في المنتقى (7/ 224): (كاسيات عاريات) ويحتمل عندي والله أعلم أن يكون ذلك لمعنيين: أحدهما: الخفة فيشف عما تحته، فيدرك البصر ما تحته من المحاسن، ويحتمل أن يريد به الثوب الرقيق الصفيق الذي لا يستر الأعضاء بل يبدو حجمها. وسأل مالك عن الوصائف يلبسن الأقبية فقال ما يعجبني ذلك، وإذا شدتها عليها ظهر عجزها، ومعنى ذلك أنه لضيقه يصف أعضاءها عجزها وغيرها مما شرع ستره.

وقوله صلى الله عليه وسلم (رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)

ويحتمل أن يريد به أنها كاسية في الدنيا بلباس ما قد نهيت عنه فهي تعرى من أجله في الآخرة إذا كسي غيرها من أهل الصلاح.

* قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية سابقا في فتاواه (2/ 159): لقد تغيرت الأحوال في هذه الأزمان وابتلي الكثير من النساء بخلع جلباب الحياء والتهتك وعدم المبالاة، وتتابعت في ذلك وانهمكت فيه إلى حد يخشى منه الانحدار في هوةٍ سحيقة من السفور والانحلال، وحلول المثلات

(1)

ص: 475

والعقوبات من ذي العزة والجلال، ذلك مثل لبسهن ما يبدي تقاطيع أبدانهن من عضدين وثديين وخصر وعجيزة ونحو ذلك، ومثل لبس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة، وكذلك الثياب القصيرة التي لا تستر العضدين ولا الساقين ونحو ذلك. ولا شك أن هذه الأشياء تسربت عليهن من بلدان الإفرنج ومن يتشبه بهم، لأنها لم تكن معروفة فيما سبق ولا مستعملة، ولا شك أن هذا من أعظم المنكرات، وفيه من المفاسد المغلظة، والمداهنة في حدود الله لمن سكت عنها، وطاعة للسفهاء في معاصي الله، وكونه يجر إلى ما هو أطم وأعظم، ويؤدي إلى ما هو أدهى وأمر من فتح أبواب الشرور والفساد، وتسهيل أمر التبرج والسفور. ولهذا لزم التنبيه على مفاسدها والتدليل على تحريمها والمنع منها، ونكتفي بذكر أمهات المسائل ومجملاتها طلباً للاختصار:

أولاً: أنها من التشبه بالإفرنج والأعاجم ونحوهم، وقد ثبت في الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية النهي عن التشبه بهم في عدة مواضع معروفة.

ثانياً: أن المرأة عورة، ومأمورة بالاحتجاب والستر ومنهية عن التبرج وإظهار زينتها ومحاسنها ومفاتنها، قال تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} النور: 31 وقال تعالى {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} الأحزاب: 33.

وهذا اللباس ليس بساتر للمرأة بل هو مبرز لمفاتنها ومغرٍ لها ومغرٍ بها من رآها وشاهدها، وهي بذلك داخلة في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات

ص: 476

عاريات مائلات مميلات. . . " الحديث. وقد فسر الحديث: بأن تكتسي المرأة بما لا يسترها فهي كاسية ولكنها عارية في الحقيقة، مثل أن تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي مقاطع خلقها مثل عجيزتها وساعديها ونحو ذلك، لأن كسوة المرأة في الحقيقة هو ما سترها ستراً كاملاً بحيث يكون كثيفاً فلا يبدي جسمها، ولا يصف لون بشرتها لرقته وصفائه، ويكون واسعاً فلا يبدي حجم أعضائها ولا تقاطيع بدنها لضيقة، فهي مأمورة بالاستتار والاحتجاب لأنها عورة. وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بالمنع من لبس ما يصف اللين والخشونة والحجم لما روى الإمام أحمد عن أُسامة بن زيد رضي الله عنه، قال" كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة. . . " كما صرحوا بمنع المرأة من شد وسطها مطلقاً

(1)

،

أي سواء كان بما يشبه الزنار أو غيره، وسواءً كانت في الصلاة أو خارجها، لأنه يبين حجم عجيزتها وتبين به مقاطع بدنها. قالوا: ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها لأنه يبين به تقاطيع بدنها فتشبه الحزام، وهذه الألبسة أبلغ من الحزام وضم الثياب حال القيام وأحق بالمنع منه.

(2)

اهـ

(1)

كما جاء في كشاف القناع (1/ 277): وأطلق في المبدع والتنقيح والمنتهى أنه يكره لها شد وسطها؛ ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها لأنه يبين فيه تقاطيع بدنها فيشبه الحزام.

وفي مطالب أولي النهى (1/ 345): (وكره لأنثى شد وسط) ولو في غير صلاة

لأنه يبين به حجم عجيزتها وتبين به عكنها وتقاطيع بدنها.

(2)

انظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1399 هـ.

ص: 477

وفي نهاية هذا المبحث ذكر الشيخ الألباني خمسة عشر قولا مما سبق أن استشهد به من أقوال العلماء والتي سبق أن بيّنا بطلان استشهاده بها على جواز كشف الوجه والكفين من المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب.

ولنا أن نذّكر بما سبق بسطه في مناقشة البحوث السابقة من عبارات علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم التي تثبت إجماعهم أن تغطية الوجه واجب وفرض على المرأة الحرة:

1 -

قال أبو بكر الجصاص (ت 370 هـ): المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين.

2 -

قال أبو زيد القيرواني (ت 376 هـ): ولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لا بد لها منه من شهود موت أبويها أو ذي قرابتها أو نحو ذلك مما يباح لها.

3 -

قال ابن عبد البر (ت 463 هـ): كانوا يرون النساء ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم حتى نزلت آيات الحجاب. . . فأمر النساء بالحجاب ثم أمرن عند الخروج أن يدنين عليهن من جلابيبهن وهو القناع.

4 -

قال أبو الوليد سليمان الباجي (ت 474 هـ): يجوز أن يبيح لهن كشف وجوههن أحد أمرين إما أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب أو يكون بعده لكنهن أمِنَّ أن تدرك صورهن من شدة الغلس.

ص: 478

5 -

قال ابن بطال (ت 449 هـ): وأجمع العلماء أن المرأة تلبس المخيط كله والخمُر والخفاف، وأن إحرامها في وجهها، وأن لها أن تغطى رأسها وتستر شعرها، وتسدل الثوب على وجهها سدلا خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال.

6 -

قال أبو الحسن الكيا الهراس (ت 504 هـ): فأمرهن بتغطية وجوههن ورؤوسهن،

7 -

قال أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ): وإن كانت أجنبية حرم النظر إليها مطلقا. وقال: لأمر الرجال أيضا بالتنقب كما أمر النساء.

8 -

قال ابن العربي المالكي (ت 543 هـ): ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج؛ فإنها ترخي شيئا من خمارها على وجهها.

9 -

قال الإمام أبو الوليد ابن رشد (ت 595 هـ): وسبب الفرق أن نظر الرجال إلى النساء أغلظ من نظر النساء إلى الرجال بدليل أن النساء حجبن عن نظر الرجال إليهن، ولم يحجب الرجال عن النساء.

10 -

قال ابن قدامة (ت 620 هـ): لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم. وقال: فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد.

ص: 479

11 ـ قال ابن القطان (ت 628 هـ): قال القاضي أبو بكر بن الطيب: (وأما الشواب منهن فيجب إنكار اختلاطهن بالرجال في المساجد ومجمع القصاص إلا أن يكون من وراء حجاب بحيث لا يراهن الرجال) وهو صواب كما ذكر.

12 -

قال أبو عبد الله القرطبي (ت 671 هـ): وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة، محافظة على زي الحرائر. وقد قيل: إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والاماء.

13 -

قال الإمام النووي (ت 676 هـ): يستحب للمرأة أن تسعى في الليل لأنه أستر وأسلم لها ولغيرها من الفتنة، فان طافت نهارا جاز وتسدل على وجهها ما يستره.

14 -

قال النسفي الحنفي (ت 710 هـ): أمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الاماء بلبس الملاحف وستر الرؤوس والوجوه.

15 -

قال نظام الدين الحسن القمي (ت 728 هـ): فأمرن بلبس الأردية والملاحف وستر الرأس والوجوه.

16 -

قال ابن جزي الكلبي المالكي (ت 741 هـ): فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن.

17 -

قال أبو حيان الأندلسي (ت 745 هـ): أمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه.

ص: 480

18 -

قال صدر الدين عليّ بن ابن أبي العز الحنفي (ت 792 هـ): فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمرأة كشف الوجه للرجال في الإحرام ولا غيره خصوصًا عند خوف الفتنة، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصًا.

19 -

قال ابن رجب (ت 795 هـ): كن قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب، ويرى من المرأة وجهها وكفاها. ثم أمرت بستر وجهها وكفيها.

20 -

قال عمر بن علي ابن الملقن الشافعي (804 هـ): وجميعُ النسوان لم يكن يحتجبن إلى أن نزل آية الحجاب فحجبن وجوههن عن عيون الناس أجمعين.

21 -

قال الإمام ابن نور الدين محمد بن علي بن الخطيب (ت 825 هـ): لم يزل عمل الناس على هذا قديما وحديثا في جميع الأمصار والأقطار، فيتسامحون للعجوز في كشف وجهها ولا يتسامحون للشابة ويرونه عورة ومنكرا.

22 -

قال العلامة المجتهد الكبير ابن الوزير محمد بن إبراهيم (ت 840 هـ): وأجمعوا على وجوب الحجاب للنّساء.

23 -

قال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ): لم تزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات، فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب، أو منعو من الخروج.

24 -

قال بدر الدين العيني الحنفي (ت 855 هـ): الأمر بستر وجوههن يدل عليه قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وقال في موضع آخر: لا يجوز للمرأة

ص: 481

أن تأذن للرجل الذي ليس بمحرم لها في الدخول عليها ويجب عليها الاحتجاب منه بالإجماع.

25 -

قال إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت 884 هـ): الحرة البالغة كلها عورة حتى ظفرها، ذكر ابن هبيرة أنه المشهور، وقال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة).

26 -

قال أبو عبد الله المواق المالكي (ت 897 هـ): قال مالك إن صلت الحرة منتقبة لم تعد

وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل.

27 -

قال الإمام العلامة ابن المَبْرَد يوسف بن عبدالهادي المقدسي (ت 909 هـ): ويجب عليها ستر وجهها إذا برزت بالاتفاق.

28 -

قال ابن نجيم الحنفي (ت 970 هـ): ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة

وهو يدل على أن هذا الإِرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها.

29 -

قال محمد الخطيب الشربيني (ت 977 هـ): إلا أن تكون في مكان وهناك أجانب لا يحترزون عن النظر إليها فلا يجوز لها رفع النقاب.

30 -

قال الشوكاني (ت 1250 هـ): وقعت منهن التغطية لوجوههم وما يتصل بها، ومن ذلك قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الأحزاب: 59 وفي هذه الآيات أعظم دلالة على وجوب التستر عليهن وتحريم النظر إليهن.

ص: 482

31 -

وقال الدمياطي (ت 1302 هـ): واعلم أن للحرة أربع عورات: فعند الأجانب جميع البدن، ويكره أن

يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة إلا أن تكون بحضرة أجنبي لا يحترز عن نظره لها فلا يجوز لها رفع النقاب.

32 -

قال الجاوي الحنفي (ت 1316 هـ): جميع بدنها حتى قلامة ظفرها وهي عورتها عند الرجال الأجانب فيحرم على الرجل الأجنبي النظر إلى شيء من ذلك ويجب على المرأة ستر ذلك عنه.

33 -

وقال محمد الجرداني الحنفي: وبالنسبة لنظر الأجنبي إليها؛ جميع بدنها بدون استثناء شيء منه أصلا ولو كانت عجوزاً شوهاء، فيحرم على الرجل أن ينظر إلى شيء منها، ولو بغير شهوة، ويجب أن تستتر عنه. هذا هو المعتمد.

34 -

وقال مفتي باكستان الشيخ شفيع الحنفي: وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء وجمهور الأمة على أنه لا يجوز للنساء الشواب كشف الوجوه والأكف بين الأجانب.

وفي نهاية هذا المبحث وبعد أن تقرر إجماع أهل العلم على وجوب تغطية الوجه وأنه فرض على النساء الحرائر بأمر من الله أنزله في كتابه وعملت به الأمة، وبعد أن تبيّن أن مراد من قال من الفقهاء بجواز النظر إلى الوجه والكفين من المرأة؛ هو نظر الرقيق المملوكين ونحوهم ممن أباح لهم الشرع الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب، فإنه بعد ذلك إن وجد من

ص: 483

الفقهاء أو غيرهم من أهل العلم من يقول بجواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب؛ فلا حجة في قوله امتثالاً للقاعدة الأصولية التي تقول

((أقوال العلماء يحتج لها بالدليل، ولا يحتج بها على الدليل))

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (2/ 537): وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقدر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية.

ولنا أن نذكر هنا قول الشيخ الألباني: ومن الحجة لهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم (وفي رواية: برأيهم)، فضلوا وأضلوا". متفق عليه، والواقع في أكثر البلاد الإسلامية مصداق هذا الحديث الصحيح، ومنه ما نحن فيه. والله المستعان.

ص: 484

ــ:: البحث العاشر:: ــ

قال الشيخ الألباني: هل يجب على النساء أن يسترن وجوههن لفساد الزمان وسداً للذريعة؟ هذا السؤال يطرحه اليوم الذين جاؤوا من بعد الأئمة بعلة ابتدعوها وهي قولهم: " بشرط أمن الفتنة" وإلا وجب عليها سترهما، وغلا أحدهم فنسب ذلك إلى اتفاق الأئمة رضي الله عنهم! ولذلك لم يعرِّج على الشرط المذكور أحد كبار أتباع أبي حنيفة من المتأخرين، وهو محمد بن أحمد السرخسي وصفه العلامة اللكنوي في " الفوائد " (108) ب:" كان إماما علامة حجة متكلما مناظرا أصوليا مجتهدا عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل" فالسرخسي هذا مع إمامته صرّح تبعاً لأبي حنيفة وصاحبيه والطحاوي كما تقدم بإباحة النظر إلى الأجنبيات مع أنه ذكر أن حرمة النظر لخوف الفتنة وأن الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر أعضائها فقال في كتابه" المبسوط"(10/ 152): "ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله عنهم فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفيها إذا لم يكن النظر عن شهوة فإن كان يعلم أنه إن نظر اشتهى لم يحلل له النظر إلى شيء منها"

ومن فرَّق، فقد تناقض وتعصّب للرجال على النساء، إذ إنهم مشتركون جميعاً في وجوب غضِّ النظر، فمن زاد على الآخر حكماً جديداً بغير برهان من الله ورسوله، فقد تعدَّى وظلم) اهـ.

ص: 485