الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا مدار اختلافهم! وهو في عورة المرأة في الصلاة، فهل يسوغ نسبة إخراج الوجه والكفين مما يجب أن يُستر أمام الرجال الأحرار الأجانب للأئمة الثلاثة؛ بناء على أقوالهم عن عورة المرأة في الصلاة؟!!
ثانيا:
هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة
؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال؛
…
كذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة وهى لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها .. وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد فكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبى حنيفة وهو الأقوى، وحينئذ فتصلي في بيتها وإن رؤي وجهها ويداها وقدماها فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا.
(1)
وقال: فإن الفقهاء يسمون ذلك باب ستر العورة وليس هذا من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة بل قال تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: 31.
(2)
اهـ
(1)
انظر: مجموع الفتاوى 22/ 113 - 115.
(2)
انظر مجموع الفتاوى 22/ 109، 113.
ولذلك فرَّق الفقهاء على اختلاف مذاهبهم بين عورة الصلاة وعورة النظر:
* الفقه الحنبلي: - شرح العمدة (4/ 268): هل يسمى الوجه عورة أو لا؛ والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة وهو عورة في باب النظر إذ لم يجز النظر إليه.
- إعلام الموقعين لابن القيم (2/ 80): فإن العورة عورتان؛ عورة في النظر وعورة في الصلاة فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك.
- كشاف القناع (1/ 266): والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة حتى ظفرها إلا وجهها، قال جمع وكفيها، وهما عورة خارجها باعتبار النظر كبقية بدنها.
* الفقه الشافعي:
- مغني المحتاج (3/ 129): وقال السبكي إن الأقرب إلى صنع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة.
- إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين (1/ 113): واعلم أن للحرة أربع عورات: فعند الأجانب جميع البدن
…
وفي الصلاة جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها.
- حاشية سليمان الجمل على شرح المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 408): قوله (غير وجه وكفين)
…
هذه عورتها في الصلاة
…
وأما عند الرجال الأجانب فجميع البدن.
* الفقه المالكي:
- الثمر الداني (1/ 163) وكفاية الطالب الرباني (1/ 394): فيجب على المرأة في الصلاة أن تستر ظهور قدميها وشعرها وعنقها ودلاليها ويجوز أن تظهر وجهها وكفيها في الصلاة خاصة.
- وفي الأشباه والنظائر للسيوطي (1/ 240): المرأة في العورة لها أحوال: حالة مع الزوج ولا عورة بينهما، وحالة مع الأجانب وعورتها كل البدن حتى الوجه والكفين في الأصح، وحالة في الصلاة وعورتها كل البدن إلا الوجه والكفين.
* الفقه الحنفي:
- حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (1/ 241): قال الكمال وصحح بعضهم أنه ليس بعورة في الصلاة لا خارجها، ولا تلازم بين كونه ليس بعورة وجواز النظر إليه.
- فتح العلام للشيخ صديق حسن خان (1/ 97): يباح كشف وجهها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة.
ثالثا: هل كون الوجه ليس بعورة في الصلاة يبيح كشفه وإن كانت المرأة الحرة تصلي على مرأى من رجال أجانب؟
* المذهب الحنبلي:
شرح العمدة (4/ 268): وأما صحة الصلاة مع كشفه - الوجه - فلا خلاف بين المسلمين بل يكره للمرأة ستره في الصلاة
…
اللهم ألا إن تكون بين رجال أجانب.
سبل السلام (1/ 132): ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي فهذه عورتها في الصلاة.
* المذهب الشافعي:
الإقناع للشربيني (1/ 124) كفاية الأخيار (1/ 93) إعانة الطالبين (1/ 114): نهاية الزين (1/ 47): ويكره أن يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة، إلا أن تكون في مكان وهناك أجانب لا يحترزون عن النظر إليها فلا يجوز لها رفع النقاب.
* المذهب المالكي:
التاج والإكليل (1/ 502): قال مالك من المدونة إن صلت الحرة منتقبة لم تعد وقال ابن القاسم وكذا المتلثمة وقال اللخمي يكرهان وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل.
* المذهب الحنفي:
الدر المختار (1/ 405): قال في فصل شروط الصلاة: وستر عورته وهي للرجل ما تحت سرته إلى ما تحت ركبته
…
وللحرة جميع بدنها خلا الوجه والكفين والقدمين، وتمنع من كشف الوجه بين الرجال لخوف الفتنة.
وهذا يبين أن كون الوجه والكفين ليسا بعورة من المرأة في الصلاة؛ لا يعني أن المرأة الحرة تصلي كاشفة عن وجهها إذا كانت على مرأى من رجال أجانب، وإنما ذلك إذا كانت تصلي في بيتها أو أمام من يحل له الدخول والنظر إليها من محارم ورقيق ونحوهم.
تحقق لدينا مما سبق أن المأثور عن الأئمة الثلاثة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي إنما هو عن عورة المرأة في الصلاة، فلم يؤثر عن أحد الأئمة الأربعة قول صريح عن عورة المرأة عند الرجال الأحرار الأجانب، إلا قول الإمام أحمد (ظفر المرأة عورة فإذا خرجت فلا يبين منها شيء
…
).
رابعا: 1) استشهد في مذهب الإمام أبي حنيفة بقول أبي جعفر الطحاوي" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرَّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد"
وبالرجوع إلى قول أبي جعفر الطحاوي يتبين أن ما نقله الشيخ الألباني عنه كان من (باب نظر العبد إلى شعور الحرائر) وهل لعبد المرأة أن ينظر إلى
شعرها كالمحارم، أم أنه كالعبيد المملوكين للغير لايباح له إلا النظر إلى الوجه والكفين؟ ثم أسند الطحاوي ما وصل إليه في هذه المسألة لأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن:
قال أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ) في كتابه شرح معاني الآثار 4/ 331 - 334:
باب نظر العبد إلى شعور الحرائر: عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذاكان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) قال أبو جعفر: فذهب قوم من أهل المدينة إلى أن العبد لا بأس أن ينظر إلى شعر مولاته ووجهها وإلى ما ينظر إليه ذو محرمها منها، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
…
قال بكير عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت كانت عائشة رضي الله عنها يراها العبيد لغيرها، قال بكير عن عبد الله بن رافع لم تكن أم سلمة تحتجب من عبيد الناس.
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينظر العبد من الحرة إلا إلى ما ينظر إليه منها الحر الذي لا محرم بينه وبينها - أي لا يرى منها شيء - وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين فإنهن قد كن حجبن عن الناس جميعا إلا من كان منهم ذو رحم محرم فكان لا يجوز لأحد أن يراهن أصلا إلا من كان بينهن وبينه رحم محرم - أي لا يباح للعبيد والأتباع النظر لهن، ولا يخاطبوهن إلا من وراء حجاب - وغيرهن من النساء لسن كذلك لأنه لا بأس أن ينظر الرجل - المملوك للغير - من المرأة التي لا رحم بينه وبينها وليست عليه بمحرمة إلى وجهها وكفيها.
وقد قال الله عز وجل -
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فأبيح للناس - أي من الرقيق والأتباع والذين لم يبلغوا الحلم من الأحرار - أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية الحجاب ففضلن بذلك على سائر الناس
…
قال عمر قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر - من العبيد - فلو حجبت أمهات المؤمنين فأنزل الله عز وجل آية الحجاب
…
، عن أنس بن مالك قال "لما أنزلت آية الحجاب جئت أدخل كما أدخل؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رويدا وراءك يا بني"
…
ثم رأينا العبد حرام عليه في قولهم جميعا أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفا أو إلى ساقيها، سواء كان رقه لها أو لغيرها، فلما كان - عبدها - فيما ذكرنا كالأجنبي منها - أي في نظره لصدرها وساقها كالعبد المملوك لغيرها - لا كذي رحمها المحرم عليها، كان في النظر إلى شعرها أيضا كالأجنبي - العبد المملوك لغيرها - لا كذي رحمها المحرم عليها، فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن والشعبي حدثنا
…
عن الشعبي ويونس عن الحسن أنهما كرها أن ينظر العبد إلى شعر مولاته. اهـ
ومما يشهد أنه لايباح للمرأة أن تكشف وجهها لمطلق الرجال الأجانب في مذهب أبي حنيفة علاوة على ما سبق بسطه في البحوث السابقة:
ما جاء في البحر الرائق لابن نجيم (3/ 345): ولو شتمت أجنبيا كان جناية، وكذا لو كشفت وجهها لغير محرم لأنه لا يجوز النظر والكشف بلا ضرورة.
وفي الدر المختار شرح تنوير الأبصار (4/ 77): يعزر المولى عبده، والزوج زوجته ولو صغيرة لما سيجيء. . . أو كشفت وجهها لغير محرم.
وجاء في غمز عيون البصائر لأحمد بن محمد الحنفي (2/ 107): قال في فصل التعزير: قال الولوالجي في فتاواه للزوج أن يضرب زوجته على أربعة أشياء وما في معناها
…
ومنه ما إذا كشفت وجهها لغير محرم. أهـ
فلو لم تكن تغطية الوجه واجبة على المرأة؛ لما كان كشفها عن وجهها جناية تستحق التعزير عليها؟!
2) ثم استشهد الشيخ الألباني في مذهب الإمام مالك بقول ابن عبد البر؛ الذي يتبين بالرجوع إليه أنه عن استتار المرأة في الصلاة وفي بيتها أمام من يحل له الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب:
قال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 363 - 369): وقد أجمعوا أنه من صلى مستور العورة فلا إعادة عليه وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور قدميها ويستر جميع جسدها وشعرها فجائز لها الصلاة فيه
…
والأصل في هذا الباب أن أم سلمة سئلت ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها
…
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) قال أبو عمر- ابن عبد البر- اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فروي عن ابن عباس وابن عمر إلا ما ظهر منها "الوجه والكفان"
…
وعلى قول ابن عباس
وابن عمر الفقهاء في هذا الباب فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها، وأما الرجل فإن أهل العلم يستحبون أن يكون على عاتق الرجل ثوب إذا لم يكن متزرا لئلا تقع عينه على عورة نفسه. اهـ
استشهاد ابن عبد البر بآية النور {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بعد أن بيّن الأصل في باب ستر العورة في الصلاة يشهد لما ذكرنا وما سيأتي تفصيله من أن هذه الآية تبين عورة المرأة واستتارها في بيتها أمام من أبيح له الدخول عليها دون حجاب من العبيد المملوكين للغير ونحوهم؛ ولذلك قال (فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها) ولم يقل في حجابها، فمراده استتارها في بيتها أمام من يحل له الدخول عليها والنظر إليها ولم يتطرق لخروجها من بيتها واحتجابها من الرجال الأجانب!
ومما يؤكد ذلك أن ابن عبد البر بيّن حكم احتجاب المرأة من الرجال الأجانب في موضع آخر وفرق بينه وبين الاستتار من المحارم فقال في التمهيد (8/ 235): احتجاب النساء من الرجال لم يكن في أول الإسلام وأنهم كانوا يرون النساء ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم إلا بمثل ما كان يستتر رجالهم عن رجالهم حتى نزلت آيات الحجاب
…
فأنزل الله عز وجل {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الأحزاب: 53 وأنزل الله عز وجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} النور: 27 ثم نزلت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الأحزاب: 59 فأمر النساء بالحجاب ثم أمرن عند الخروج أن يدنين عليهن من جلابيبهن وهو القناع، وهو عند جماعة العلماء في الحرائر دون الإماء، وفيه أيضا أن ذوي المحارم من النسب والرضاع لا يحتجب منهم ولا يستتر عنهم إلا العورات، والمرأة في ما عدا وجهها وكفيها عورة بدليل أنها لا يجوز لها كشفه في الصلاة. اهـ
وهذا القول شاهد لما ذكرنا وما سيأتي بيانه؛ فبعد أن ذكر أن الحجاب مختص بالحرائر ويكون بالتقنع وتغطية الوجه بالجلباب؛ ذكر أن المحارم لا يحتجب منهم ولا يستر عنهم إلا العورة، والمرأة فيما عدا وجهها وكفيها عورة، أي أنه لا يجوز لها كشف ما عداهما للمحارم قياسا على ما لا يجوز لها كشفه في الصلاة.
ثم استشهد الشيخ الألباني بقول الإمام مالك لما سئل" هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله". اهـ قال الباجي في" المنتقى شرح الموطأ" عقب هذا النص: " يقضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها"ـ
والجواب عليه بالآتي:
ننقل أولا قول الإمام مالك من الموطأ (2/ 934) " سئل مالك هل تأكل المرأة مع ذي محرم منها أو مع غلامها فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه
ما يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال، قال وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن تؤاكله أو مع أخيها على مثل ذلك، ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة".اهـ
فالمراد بقول الإمام مالك هو جواز مؤاكلة المرأة لمن يحل له الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممن لا يعد محرما لها كعبدها وعبد زوجها، فإن هذا ما اتفق عليه شرّاح الحديث؛ أن الإمام مالك إنما أجاز مؤاكلة المرأة لغلامها أو غلام زوجها، وهذا ما تناقله فقهاء المالكية عن إمامهم؛ فلم يقل أحد منهم بجواز مؤاكلة المرأة الحرة للرجل الحر الأجنبي بناء على قول الإمام مالك كما قال الشيخ الألباني!! بل إنهم لم يطلقوا لها جواز مؤاكلة غلامها بل اشترطوا أن يكون وغدا أي قبيحا، فإن لم يكن وغدا وكان له منظر فإنهم لم يجيزوا لها أن تؤاكله:
- قال أبو بكر الصقلي (ت 451 هـ) في الجامع لمسائل المدونة (24/ 160): وقال في الموطأ لا بأس أن تأكل المرأة مع ذي محرم منها أو مع غلامها. قال ابن الجهم: يعني العجوز المتجالة. ولا يخلو رجل مع امرأة ليس بينه وبينها محرم.
- قال أبو الوليد ابن رشد القرطبي (ت 520 هـ) في المقدمات الممهدات (3/ 460): فصل فيما يجوز للرجل أن ينظر إليه من النساء: ولا يجوز لرجل أن يخلو بامرأة ليست منه بمحرم للنهي عن ذلك، ويجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة المتجالة؛ ولا يجوز له أن ينظر إلى الشابة إلا لعذر من شهادة أو علاج، أو عند إرادة نكاحها
…
فصل ويجوز للعبد أن يرى من سيدته ما يراه ذو المحرم منها؛ إلا
أن يكون له منظرة فيكره أن يرى منها ما عدا وجهها. ولها أن تؤاكله إذا كان وغدا دنيا، يؤمن منه التلذذ بها، بخلاف الشاب الذي لا يؤمن ذلك منه.
- قال جلال الدين السعدي (ت 616 هـ) في عقد الجواهر الثمينة (3/ 1305): وعثمان بن عمر الكردي (ت 646 هـ) في جامع الأمهات (1/ 569): ولا يحل خلوة الرجل بامرأة إذا لم يكن زوجا ولا محرما، ويحرم عليه النظر إلى شيء من بدنها إلا الوجه والكفين من المتجالة، وأما الشابة فلا ينظر إليها أصلاً إلا لضرورة لتحمل شهادة أو علاج وإرادة نكاح، ويجوز لذي المحرم أن يرى منها الوجه والكفين، وكذلك لعبدها إلا أن يكون له منظر فيكره أن يرى ما عدا وجهها، ولها أن تؤاكله إن كان وغدا يؤمن منه التلذذ بها، واستخف في عبد زوجها للمشقة عليها في استتارها منه.
ولنا شاهد من قول الإمام مالك على وجوب تغطية الوجه:
قال الإمام مالك في المدونة الكبرى (5/ 46): إن قال لها زوجها أنت طالق ثلاثا فجحدها، قال مالك:" لا تزين له ولا يرى لها وجها ولا شعرا ولا صدرا إن قدرت على ذلك".اهـ فإذا كان هذا قول مالك في المطلقة؛ فكيف يقال بأنه يجيز كشف وجه المرأة الأجنبية ومؤاكلتها؟!!
أما مانقله الشيخ الألباني عن الباجي فالرجوع إلى قوله يبين مراده:
قال أبو الوليد سليمان الباجي (ت 474 هـ) في المنتقى شرح الموطأ (4/ 347):
قول مالك رحمه الله (لا بأس أن تأكل المرأة مع ذي محرم) يريد من تأبد تحريمها عليه كالأب والابن والأخ والعم والخال لأنه ليس في مؤاكلتها له أكثر من النظر إلى وجهها وكفيها. وقوله (ومع غلامها) يريد عبدها وذلك لما قلناه من أن الأكل ليس فيه إلا النظر إلى الوجه والكفين وذلك مباح للعبد وأما نظره إلى شعرها فاختلف فيه العلماء
…
وقوله (وقد تأكل المرأة مع زوجها وغيره ممن تؤاكله أو مع أخيها على مثل ذلك) يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح؛ لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها وقد اختلف الناس في ذلك، والأصل فيه قول الله تبارك وتعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
…
وفي ذلك دليل على أن الوجه والكفين يجوز للقربى أن يروه من المرأة. اهـ
فقوله (يجوز للقربى) يكشف أنه لايعني الرجال الأجانب الذين تحتجب منهم المرأة؛ ولذا فتعقيبه على قول الإمام مالك (وقد تأكل المرأة مع زوجها وغيره ممن تؤاكله أو مع أخيها) بقوله (يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح) يعني أنه مباح لكل من أبيح له الدخول عليها دون حجاب من العبيد المملوكين سواء كان العبد لها أو لزوجها أو لأخيها ممن يدخل عليها ويؤاكلهم.
يشهد لصحة ما ذكرنا قوله عن كشف المرأة لوجهها في موضع آخر من المنتقى (1/ 4) عند شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت (كن نساء المؤمنات
يشهدن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهنّ
(1)
ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس
(2)
)
(3)
قال الباجي: يجوز أن يبيح لهن كشف وجوههن أحد أمرين: إما أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب، أو يكون بعده لكنهن أمِنَّ أن تُدرك صورهن من شدة الغلس فأبيح لهن كشف وجوههن.
3) استشهد الشيخ الألباني في مذهب الإمام الشافعي بقول البغوي في شرح السنة (9/ 23 - 24): "فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة في حق الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضا عند خوف الفتنة
…
فأما القصد إلى النظر، فلا يجوز لغير غرض، وهو أن يريد نكاح امرأة، أو شراء جارية، أو تحمل شهادة عليها، فيتأملها". اهـ.
فيجاب عليه بأن مراده بالرجل هنا؛ من أباح له الشرع الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب من العبيد والأتباع كما أسلفنا وليس مراده جواز كشف المرأة الحرة وجهها للرجال الأحرار الأجانب، ومما يؤكد ذلك؛ قوله عن حكم احتجاب المرأة الحرة من الأحرار الأجانب في تفسيره معالم التنزيل
(1)
المرط: كساء من خز أو صوف يؤتزر به وتتلفع به المرأة (المصباح المنير 2/ 569)، (المعجم الوسيط 2/ 864)
(2)
الغلس: ظلمة آخر الليل (القاموس المحيط 1/ 723)
(3)
صحيح البخاري 1/ 210 (553) صحيح مسلم 1/ 446 (645).
(3/ 541): ولما نزلت آية الحجاب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الأحزاب: 53 قال الآباء والأبناء والأقارب: ونحن أيضا نكلمهن من وراء الحجاب؟ فأنزل الله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ} الأحزاب: 55 أي لا إثم عليهن في ترك الاحتجاب من هؤلاء {وَلَا نِسَائِهِنَّ}
…
{وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}
…
{وَاتَّقِينَ اللَّهَ} أن يراكن غير هؤلاء. إلى أن قال (3/ 544): ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال جل ذكره {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الأحزاب: 59 جمع الجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار وقال ابن عباس وأبو عبيدة أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة. اهـ
ولنا شاهد من قول الشافعي كما جاء في المجموع للنووي (8/ 75): قال الشافعي في الأم، والأصحاب؛ يستحب للمرأة أن تسعى في الليل لأنه أستر وأسلم لها ولغيرها من الفتنة، فإن طافت نهارا جاز، وتسدل على وجهها ما يستره. اهـ
4) وفي مذهب الإمام أحمد أشار الشيخ الألباني إلى ما سبق أن نقله عن ابن هبيرة وابن قدامة والمرداوي؛ والذي بينا أنه عن عورة المرأة في الصلاة، واستشهدنا من أقوالهم عن عورة النظر بما يأتي:
(ابن هبيرة) قال إبراهيم بن محمد بن مفلح في المبدع (1/ 362): الحرة البالغة كلها عورة حتى ظفرها، ذكر ابن هبيرة أنه المشهور، وقال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عورة.
(ابن قدامة) المغني لابن قدامة (7/ 78): فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد.
(المرداوي) الإنصاف للمرداوي (8/ 27 - 29): فلا يجوز له النظر إلى الأجنبية قصدا وهو صحيح وهو المذهب
…
واختاره الشيخ تقي الدين فقال أصح الوجهين لا يجوز كما أن الراجح في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز.
ويكفي صريح قول الإمام أحمد كما في الفروع (8/ 186): (ظُفُر المرأة عورة فإذا خرجت فلا يبين منها شيء ولا خُفُّها فإن الخُفَّ يصِفُ القدم وأحبُّ إلي أن تجعل لِكُمِّها زرًّا عند يدها لا يبِين منها شيء).
خامسا: احتج الشيخ الألباني بما تناقلته بعض كتب الفقه: " لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء "وذكر ممن قال ذلك كابن قدامة والشوكاني وابن نجيم؛ وقد سبق أن بينا في مناقشة البحث الأول أن المراد هو الحاجة للمعاملة مع من لم يضرب دونهم الحجاب؛ وهم العبيد المملوكون، ومن لم يؤمرن بحجاب وهن الإماء. وليس المراد الرجال الأحرار الأجانب الذين ضرب دونهم الحجاب ومنعوا من النظر إليها والمعاملة معها بقوله
تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
…
الأحزاب: 53 وبينا ما يشهد لما ذكرنا من أن المراد؛ المعاملة مع هؤلاء:
كما جاء في المبسوط للسرخسي 10/ 158 (ت 483 هـ): وحديث أم سلمة رضي الله عنها (إذا كان لإحداكن مكاتب
(1)
وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)
(2)
محمول على الاحتجاب لمعنى زوال الحاجة فإن قبل ذلك تحتاج إلى المعاملة معه بالأخذ والإعطاء فتبدي وجهها وكفها له وقد زال ذلك بالأداء فلتحتجب.
وما جاء في قواطع الأدلة في الأصول لأبي المظفر السمعاني 2/ 82 (ت 489 هـ): فإن الجارية سلعة تباع وتشترى وبالناس حاجة إلى النظر إلى وجهها وشعرها عند المعاملات فأعرض الشرع عن خوف الفتنة لوقوع الحاجة، بخلاف الحرة فإن الأصل أنها عورة فالشرع حرم النظر سواء كانت شوهاء أو حسناء حسما للباب وسدا له وزيادة احتياط للأمور.
سادسا: لم يجد الشيخ الألباني ما يستشهد به من أقوال الأئمة الأربعة مسندة إليهم ليحتج بها على إباحتهم كشف المرأة وجهها للرجال الأجانب؛ ولينفي أن أقوالهم المنسوبة إليهم هي عن عورة المرأة في الصلاة؛ إلا أقوالهم
(1)
(المكاتب) هو الذي تعاقد مع سيده على مبلغ من المال إذا أداه أصبح حرا.
(2)
سنن أبي داود 4/ 21 (3928) جامع الترمذي 3/ 562 (1261) وقال حسن صحيح.
عن كيفية ستر المرأة لوجهها حال إحرامها لما هو معلوم من نهي المحرمة من تغطية وجهها بالشّد عليه بالبرقع والنقاب
(1)
.
ولا يصح الاحتجاج بهذا النهي على جواز كشف المرأة لوجهها للرجال الأجانب حال إحرامها فضلا أن يحتج به على جواز كشفه حال حلِّها؛ لأنه لم يرد النهي عن تغطيتها لوجهها مطلقا، بل هي مأمورة بتغطية وجهها بسدل الثوب عليه من فوق رأسها، وإنما نُهيت عن عطف الثوب على أنفها وشدّه على وجهها للتلثم والتبرقع، فالمنهي عنه هو طريقة التغطية وليس التغطية نفسها، ومما يشهد لذلك الآثار الآتية:
1 -
صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها"
(2)
. وهذه الرواية مما لم يتطرق لها الشيخ الألباني بذكر!
وصح عنها أنها قالت "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا
(1)
قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد في جمهرة اللغة (1/ 375): والنقاب: نقاب المرأة إِذا رفعت المقنعة على أنفها.
(2)
سنن سعيد بن منصور، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (731) صحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 3/ 406. والتويجري في الرد القوي / 246، وعبد العزيز الطريفي في الحجاب في الشرع والفطرة /101.
كشفناه".
(1)
وفي رواية: "سدلنا الثوب على وجوهنا من خلفنا ولم يجئ من ها هنا يعني من قبل خديها فإذا جاوزنا نزعناه ".
(2)
وصح عنا أنها قالت " المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مَسَّه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع ولا تَلَثَّم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت".
(3)
2 -
صح عن ابن عباس رضي الله عنه قال (تدلي عليها من جلبابها ولا تضرب به) قلت وما لا تضرب به؟ فأشار إلى كما تجلبب المرأة ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال (لا تعطفه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها، ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا، ولا تقلبه، ولا تضرب به، ولا تعطفه)
(4)
.
3 -
صح عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت" كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام"
(5)
4 -
صح عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق.
(6)
(1)
مسند أحمد (24021)، سنن أبي داود (1833)، حسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح 3/ 106، وصححه علي القاري في مرقاة المفاتيح 5/ 1852، وصححه الألباني في حجاب المرأة /33 وفي مشكاة المصابيح 2/ 823 وفي حجاب المرأة ولباسها في الصلاة لابن تيمية (ص: 33).
(2)
المنتقى لابن الجارود (418)، مسند إسحاق بن راهويه (1189) واللفظ له.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8832) صححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.
(4)
أبو داود في مسائله / 110، الشافعي في الأم 2/ 149 واللفظ له، وصححه الألباني في الرد المفحم /10.
(5)
صحيح ابن خزيمة 4/ 203 (2690) المستدرك على الصحيحين 1/ 624 (1668) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.
(6)
موطأ مالك 1/ 328 (718) وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.
5 -
صح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال" تلبس المحرمة السراويل والقفازين وتخمر وجهها كله".
(1)
فهذه الروايات تؤكد أن المنهي عنه حال الإحرام هو الشد على الوجه بالنقاب والبرقع واللثام وليس المنهي عنه ستر الوجه مطلقا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 149 - 150): وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب فلا يشرع لها ضد ذلك، لكن منعت أن تنتقب
…
وقد تنازع الفقهاء هل وجهها كرأس الرجل أو كيديه على قولين في مذهب أحمد وغيره فمن جعل وجهها كرأسه أمرها إذا سدلت الثوب من فوق رأسها أن تجافيه عن الوجه كما يجافى عن الرأس ما يظلل به. ومن جعله كاليدين وهو الصحيح قال هي لم تنه عن ستر الوجه وإنما نهيت عن الانتقاب.
قال ابن حزم (ت 456 هـ) في المحلى (7/ 92): وما نهيت المرأة عن تغطية وجهها بل هو مباح لها في الإحرام وإن نهيت عن النقاب فقط.
قال ابن عبدالبر في التمهيد (ت 463 هـ)(15/ 108): وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة، وأجمعوا أن لها
(1)
مصنف ابن أبي شيبة 3/ 434 (15724) بإسناد متصل ورجاله ثقات، والقاسم هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة.
أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال إليها.
قال صدر الدين عليّ بن أبي العز الحنفي (ت 792 هـ) في التنبيه على مشكلات الهداية (3/ 1006): فإن النبي لم يشرع للمرأة كشف الوجه للرجال في الإحرام ولا غيره خصوصًا عند خوف الفتنة، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصًا، كما جاء النهي عن القفازين
…
وقد تقدم أن القول بأن إحرام المرأة في وجهها إنما هو من كلام ابن عمر
…
فالذي دلت عليه السنة أن وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب، والبرقع، بل وكيدها يحرم سترها بالمفصل على قدر اليد كالقفاز، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملحفة، والخمار ونحوهما فلم تنه عنه المرأة: البتة.
قال الشوكاني في السيل الجرار (2/ 180): وأما تغطية وجه المرأة فلما روي أن إحرام المرأة في وجهها ولكنه لم يثبت ذلك من وجه يصلح للاحتجاج
…
فليس في المنع من تغطية وجه المرأة ما يتمسك به والأصل الجواز حتى يرد الدليل الدال على المنع. اهـ
وقد أطلق بعض أهل العلم جواز تغطية وجه المحرمة بالسدل عليه وإن لم تكن بحضرة رجال أجانب؛ وقيّده البعض الآخر فقال إن لم تكن بحضرة رجال أجانب فلا تسدل، أي فلا يشرع لها إدامة تغطية وجهها إلا للستر من الرجال، وهذا خلاصة ما ذهب إليه الأئمة الأربعة في أقوالهم التي استشهد بها الشيخ الألباني على أنهم يخيرون بها المرأة بين الكشف أو السدل!!
1) في مذهب الإمام أبي حنيفة نقل الشيخ الألباني قول محمد بن الحسن" ولا ينبغي للمرأة المحرمة أن تنتقب فإن أرادت أن تغطي وجهها فلتسدل الثوب سدلاً من فوق خمارها"
وهذا ليس فيه إباحة كشف وجه المرأة المحرمة للرجال الأجانب! فإنه إنما بين أن تغطية وجهها تكون بسدل الثوب عليه من فوق خمارها، وليس لها أن تنتقب برد طرف الجلباب من أسفل وعطفه وشده على الوجه، هذا كل ما يعنيه قول محمد بن الحسن، أما ما فهمه الشيخ من قوله (إذا أرادت) أنه للتخيير؛ فغير صحيح! لأن المراد به هو الشروع في الفعل، أي إذا شرعت بتغطية وجهها لكونها على مرأى من رجال أجانب فلتسدل الغطاء من فوق رأسها. كقولك (إذا أردتِ أن تصلي فالبسي الرداء، أو إذا أردت أن تصلي فصل إلى سترة) فهل يفهم من ذلك التخيير في الصلاة؟!
2) استشهد الشيخ الألباني بقول الإمام مالك" فإن كانت لا تريد ستراً فلا تسدل" على أنه يخير المرأة كذلك بين الستر أو الكشف!!
وقول الإمام مالك كما في المدونة الكبرى (2/ 461): قلت له أرأيت لو أن محرما غطى وجهه أو رأسه ما قول مالك فيه؟ قال: قال مالك إن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه لم ينزعه مكانه حتى انتفع به افتدى. قلت: وكذلك المرأة إذا غطت وجهها؟ قال: نعم إلا أن مالكا كان يُوسع للمرأة أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترا، فإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل. اهـ
فإن الذي ينبغي أن يفهم من قوله؛ أن الإمام مالك يرى أن المرأة لا ينبغي لها أن تغطي وجهها حال إحرامها إلا للستر من الرجال الأجانب، أما إن لم تكن على مرأى من رجال أجانب فلا ينبغي لها أن تغطي وجهها، وهذا ما فهمه الشرّاح عن الإمام مالك:
قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ (2/ 200): وإنما يجوز أن يخمرن وجوههن على ما ذكرنا بأن تسدل ثوبا على وجهها تريد الستر، ولا يجوز أن تسدله لحر ولا لبرد. قال الزرقاني في شرحه على موطأ الإمام مالك (2/ 314): يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بقصد الستر عن أعين الناس بل يجب إن علمت أو ظنت الفتنة بها أو ينظر لها بقصد لذة، قال ابن المنذر أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وإن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال.
3) استشهد الشيخ الألباني بقول الإمام الشافعي" المحرمة لا تخمِّر وجهها إلا أن تريد أن تستر وجهها فتجافي
…
" اهـ
وقول الإمام الشافعي كما في الأم (2/ 219): وتلبس المرأة السراويل والخفين والقميص والخمار وكل ما كانت تلبسه غير محرمة إلا ثوبا فيه طيب ولا تخمر
وجهها وتخمر رأسها إلا أن تريد أن تستر وجهها فتجافي الخمار
(1)
ثم تسدل الثّوب على وجهها. اهـ
ومراده أيضا كقول الإمام مالك؛ أن المحرمة لا تغطي وجهها إلا للستر من الرجال، ومما يشهد لذلك ويبين أنها مأمورة بالستر عن الرجال لا مخيّرة:
قول الشافعي في مختصر المزني (1/ 65): والمرأة في ذلك كالرجل إلا ما أمرت به من الستر وأستر لها أن تخفض صوتها بالتلبية وإن لها أن تلبس القميص والقباء والدرع والسراويل والخمار والخفين والقفازين وإحرامها في وجهها فلا تخمره وتسدل عليه الثوب وتجافيه عنه.
وقال النووي في المجموع (8/ 75): قال الشافعي في الأم والأصحاب يستحب للمرأة أن تسعى في الليل لأنه أستر وأسلم لها ولغيرها من الفتنة فان طافت نهارا جاز، وتسدل على وجهها ما يستره.
(1)
هل يصح اشتراط المجافاة في الساتر: المدونة الكبرى لمالك (2/ 461): قلت: فهل كان مالك يأمرها إذا أسدلت رداءها أَن تجافيه عن وجهِها؟ قال ما علمت إنه كان يأمرها بذلك. قلت: فإن أصاب وجهها الرداء؟ قال ما علمت أَن مالكا ينهى عن أن يصيب الرداء وجهها إذا أسدلته.
المغني (3/ 154): وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيا. . . ولم أر هذا الشرط عن أحمد ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان هذا شرطا لبين.
عون المعبود (5/ 201): وفي نيل الأوطار لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة هكذا قال أصحاب الشافعي وغيرهم وظاهر الحديث خلافه لأن المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان التجافي شرطا لبينه صلى الله عليه وسلم.
وفي معرفة السنن والآثار (4/ 9): قال الشافعي والمرأة في تلبيتها مثل الرجل إلا أنها لا ترفع الصوت بالتلبية لذهاب أكثر أهل العلم إلى ذلك، وأنها مأمورة بالخفر
(1)
والتستر عن كل ما دعى إلى الشهوة من الرجال.
4) استشهد بقول الإمام أحمد" المحرمة لا تخمِّر وجهها ولا تتنقب والسدل ليس به بأس تسدل على وجهها" قال الشيخ الألباني فقوله" ليس به بأس" يدل على جواز السدل.
وقول الإمام أحمد كما في مسائله رواية ابنه أبي الفضل (1/ 310): بيان معنى إحرام المرأة في وجهها: وسألته عمن قال إحرام المرأة في وجهها ما معناه كأنها لا تجتنب الزينة إلا في وجهها أو كيف؟ قال لا تخمر وجهها ولا تنتقب والسدل ليس به بأس تسدل على وجهها. اهـ
فقول الإمام أحمد (ليس به بأس) عائد على طريقة التغطية لا على التغطية نفسها. أي ليس في السدل المحظور وهو الشد، وقد روي عن الإمام أحمد ما يبين أن هذا السدل واجب وليس جائز: ففي مسائل ابن هانئ (1/ 157): سألت أبا عبد الله عن المرأة المحرمة تسدل ثوبها على وجهها؟ قال: تسدله على وجهها إذا لقيت الرفاق، فإذا جاوزت الرفاق كشفت عن وجهها. اهـ
(1)
الخفر: الحياء (النهاية في غريب الأثر 2/ 53).
وبذلك تبين خطأ الشيخ الألباني فيما نسبه للأئمة من تخيير المحرمة بين تغطية الوجه أو الكشف؟! إذ لم يحمل أحد ممن سبقه أقوال الأئمة عليه!
قال البغوي في شرح السُنَّة (7/ 240): فإن احتاجت إلى ستر الوجه لحر أو برد، أو منع أبصار الأجانب، سدلت ثوبا على وجهها. وممن قال: تسدل الثوب، عطاء، وهو قول مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال ابن قدامة في المغني (3/ 154): فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها روي ذلك عن عثمان وعائشة وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن ولا نعلم فيه خلافا. اهـ
ولهذا لم يقل أحد من فقهاء المذاهب بناء على أقوال أئمتهم بأن المحرمة مخيرة بين السدل أو الكشف إذا كانت على مرأى من رجال أجانب:
* مذهب الإمام أحمد:
- شرح العمدة (3/ 268): فإن احتاجت إلى ستر الوجه مثل أن يمر بها الرجال وتخاف أن يروا وجهها فإنها ترسل من فوق رأسها على وجهها ثوبا.
- كشاف القناع (2/ 447): فإن غطته لغير حاجة فدت، والحاجة كمرور رجال قريبا منها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها.
- منار السبيل (1/ 237): فإن احتاجت لتغطيته لمرور الرجال قريبا منها سدلت الثوب من فوق رأسها لا نعلم فيه خلافا.
- كشف المخدرات (1/ 306): وتجتنب تغطية الوجه لكن تسدل عليه لحاجة كمرور رجال قريبا.
- شرح الزركشي (1/ 495): إذا احتاجت المرأة لستر وجهها حذاراً من رؤية الرجال سدلت على وجهها ثوباً ونحوه.
* مذهب الإمام الشافعي:
- أبو الحسين يحيى العمراني (ت: 558 هـ) في البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 154): وإذا أحرمت المرأة .. فإنه لا يجب عليها كشف رأسها، ولكن لا يجوز لها تغطية وجهها، ولسنا نريد بذلك أنها تبرزه للناس ـ أي ليس المراد أنها تظهره للرجال ـ وإنما نريد أنها لا تغطيه
…
فإن أرادت المرأة أن تستر وجهها عن الناس عقدت الثوب على رأسها، وسدلته على وجهها.
- الإقناع للماوردي (1/ 89): الثالث تغطية رأس الرجل ووجه المرأة وهو حرام عليهما فإن غطياه عمدا كفرا بدم ولكن لا بأس أن يستظل الرجل سائرا أو نازلا، وتستر المرأة وجهها بما لا يماسه من برقع أو خمار.
- حواشي الشرواني (4/ 165): قوله (ولها أن تسدل) بل عليها فيما يظهر، حيث تعيّن طريقا لدفع نظر محرم. قال ع ش بل ينبغي وجوبه ولا ينافيه التعبير بالجواز لأنه جواز بعد منع فيصدق بالواجب.
* مذهب الإمام أبو حنيفة:
- البحر الرائق (2/ 381): وفي فتاوي قاضيخان ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة، وهو يدل على أن هذا الإِرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها إن كان المراد لا يحل أن تكشف، فمحمل الاستحباب عند عدمهم.
- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 421): وفي شرح الطحاوي؛ الأولى كشف وجهها، لكن في النهاية أن السدل أوجب ودلت المسألة على أن المرأة لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة.
- حاشية ابن عابدين على الدر المختار (2/ 527): (ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز، بل يندب) والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شيء له فلذلك يكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها كذا في المبسوط، وقوله بل يندب أي خوفا من رؤية الأجانب، وعبر في الفتح بالاستحباب لكن صرح في النهاية بالوجوب، وفي المحيط ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة
…
ووفق في البحر بما حاصله أن محمل الاستحباب عند عدم الأجانب، وأما عند وجودهم فالإرخاء واجب عليها.
* مذهب الإمام مالك:
- عارضة الأحوذي لابن العربي (4/ 56): قوله في حديث ابن عمر (ولا تنتقب المرأة) وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض، إلا في الحج فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها.
- إرشاد المسترشد (2/ 61) باب محظورات الإحرام: وكذلك المرأة لا تغطي وجهها ولا كفيها إلا عند ملاقاة الرجال الأجانب.
- مواهب الجليل (3/ 141): قال في الطراز للمرأة أن تستر وجهها عن الرجال فإن أمكنها بشيء في يديها كالمروحة وشبهها فحسن وإن لم يمكنها وكان لها جلباب سدلته على رأسها فإن لم يكن لها جلباب فلها أن تنصب بعض ثوبها تجاهها بيدها ولها أن تلقي كمها على رأسها وتسدل بعضه على وجهها فإن لم تجد إلا خمارها الذي على رأسها فإن كان فيه فضل ترفعه على رأسها فتسدله على وجهها فعلته وإن رفعت حجز خمارها فألقته على رأسها فلا شيء عليها لأن ستر الوجه ولبس المخيط إنما تجب فيه الفدية مع الطول والانتفاع باللبس من حر أو برد وشبهه مما وضع له ذلك اللباس وليس هذا منه في شيء.
وبذلك ثبت أنه لم ينقل عن الأئمة الأربعة قول ينص على جواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب، بل إن المنقول عنهم يدل على وجوب تغطية الوجه إذا كانت بحضرة رجال أجانب سواء كانت في الصلاة أو خارجها
وسواء كانت محلّة أو محرمة، إلا أنها حال الإحرام تغطي وجهها بالسدل عليه من فوق رأسها ولا تنتقب.
سابعا: استند الشيخ الألباني في قوله بتخيير المحرمة بين السدل أو الكشف بقول عائشة رضي الله عنها" المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مَسَّه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تَلَثَّم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت"
(1)
والذي ينبغي أن يفهم من قول عائشة رضي الله عنها هو؛ تقييد كيفية التغطية بالسدل؛ وإطلاق سببها بقولها "إن شاءت" أي متى أرادت أن تغطي وجهها فلتسدل سواء كانت على مرأى من رجال أجانب أو لا، أما أن يفهم أن مراد عائشة من قولها "إن شاءت" هو التخيير إذا كانت على مرأى من رجال أجانب فهذا فهم في غاية الضعف!
ثم استشهد الشيخ الألباني على قولها هذا بفعلها وهو ما جاء في حديث عمرتها من التنعيم مع أخيها عبد الرحمن قالت: " فأردفني خلفه على جمل له قالت: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بعلّة الراحلة قلت له: وهل ترى من أحد"اهـ. وهذا ليس فيه حجة على جواز الكشف لأنها لم تكن على مرأى من رجال أجانب، يشهد لذلك قولها " هل ترى من أحد؟ " وكذلك كشفها عن عنقها؛ فإنها لم تقل بأنها كشفت عن وجهها وإنما رفعت الخمار عن عنقها؛ فهل يقال بجواز كشف العنق للرجال الأجانب؟!!
(1)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8832) صححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.
قال النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 157): المعنى أنه يضرب رجلها بسوط أو عصا أو غير ذلك حين تكشف خمارها عن عنقها غيرة عليها، فتقول له هي: وهل ترى من أحد؛ أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه. اهـ
بل إن فعلها الذي يشهد لقولها هو ما أخبرت عنه بقولها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه".
(1)
وهناك شاهدا آخر من فعلها في الصحيح لم يتطرق له الشيخ الألباني بذكر! وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل، قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرَة
(2)
من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت عنك وأبت، وكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال.
(3)
(1)
مسند أحمد (24021) سنن أبي داود (1833) حسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح 3/ 106، وصححه علي القاري في مرقاة المفاتيح (5/ 1852) وصححه الألباني في حجاب المرأة /33 وفي مشكاة المصابيح (2/ 823) وقال في جلباب المرأة / 108: سنده حسن في الشواهد.
(2)
حجرة: أي ناحية من الناس معتزلة وقيل بمعنى محجورا بينها وبين الرجال بثوب ونحوه.
(3)
صحيح البخاري 2/ 585 (1539).