المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناقشة البحث الرابع:: - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة::

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الرابع::

- ‌ التقنع

- ‌ الاعتجار

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌عورة المرأة الحرة

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ نظر المرأة للرجال الأجانب

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية

- ‌ الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ مناقشة البحث الرابع::

ــ::‌

‌ مناقشة البحث الرابع::

ــ

أولاً: نوافق الشيخ الألباني فيما ذهب إليه هنا من أن الخمار عند الإطلاق يراد به غطاء الرأس دون الوجه - وإن كان قد يستخدم في تغطية الوجه كما ذكر-ولكن ذلك ليس فيه دليل على جواز كشف الوجه! لأن تغطية الوجه لم تفرض بالأمر بضرب الخمار عليه وإنما فُرضت بالأمر بإدناء الجلباب عليه، وسيأتي لاحقا في مناقشة البحث التاسع بيان أن الأمر بضرب الخمر أمر متعلق بفئات أبيح لهم الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب.

ثانياً: أسهب الشيخ الألباني في هذا المبحث في ذكر الشواهد من أقوال العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ولغويين في معنى الخمار، في حين أنه لم يذكر شيئا من أقوالهم في معنى إدناء الجلباب كما أسلفنا!!

ثالثاً: استشهد الشيخ الألباني بقوله تعالى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} النور: 60 مستشهدا أولا بقول من قال بأن المراد بقوله {ثيابهن} بأنها الجلباب، على أن المراد به جواز كشف المرأة القاعد وجهها عند الرجال الأجانب ـ وهذا فيه نظر وسيأتي لاحقا في مناقشة البحث التاسع المراد بهذه الرخصة للقواعد وأنها لا تعني جواز كشف وجه المرأة القاعد للرجال الأحرار الأجانب ـ فقال الشيخ الألباني: هذا ما صرح به جمع من الحنابلة وغيرهم ونقل عن ابن الجوزي قول القاضي أبي يعلى" وفي هذه الآية دلالة على أنه يباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال"اهـ

ص: 93

وهذا القول يستلزم عدم جواز كشف الوجه للمرأة الشابة! لذا رجع الشيخ الألباني عن هذا القول؛ وذهب إلى القول بأن المراد بالثياب في رخصة القواعد (الخمار)!! مخالفا بذلك ما صح عن ابن مسعود وابن عباس، وغيرهم من التابعين وما عليه جمهور المفسرين من أن المراد بها في هذه الآية؛ الجلباب.

- صح عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال الرداء والجلباب.

(1)

- وصح عن ابن عباس أنه كان يقرأ (أن يضعن من ثيابهن) قال الجلباب.

(2)

- قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (18/ 165): {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} يعني جلابيبهن وهي القناع الذي يكون فوق الخمار والرداء الذي يكون فوق الثياب

- قال السمعاني في تفسيره (3/ 549): وثيابهن ها هنا الرداء والجلباب وعن ابن عباس قال الجلباب وأما الخمار لا يجوز لها أن تضعه.

(1)

تفسير عبد الرزاق الصنعاني (3/ 63) تفسير ابن أبي حاتم 8/ 2640 (14839)، تفسير الطبري (18/ 165 - 166)، المعجم الكبير للطبراني 9/ 209 (9022)، سنن البيهقي الكبرى 7/ 93 (13311)، وصححه الألباني في جلباب المرأة /86.

(2)

سنن البيهقي الكبرى 7/ 93 (13310) وصححه الألباني في جلباب المرأة /86.

ص: 94

- قال البغوي في تفسيره (3/ 356): يضعن بعض ثيابهن وهي الجلباب والرداء الذي فوق الثياب والقناع الذي فوق الخمار فأما الخمار فلا يجوز وضعه.

- قال النسفي في تفسيره (3/ 157): أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} يريد الزينة الخفية كالشعر والنحر.

- قال ابن كثير في تفسيره (3/ 305): قال ابن مسعود في قوله {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال الجلباب أو الرداء، وكذلك روي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والزهري والأوزاعي وغيرهم.

- قال الشوكاني في السيل الجرار (ص/741): وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز لهن أن يضعن ثيابهن عما عدا الوجه واليدين فرفع الجناح عنهن؛ هو عن وضع الثياب التي على الوجه والكفين.

وبذلك تبين أن الإجماع على أن المراد بالثياب في هذه الآية هو الجلباب، مما يبين ضعف قول الشيخ الألباني أن المراد بها الخمار، فإنه ليس له مستند على قوله هذا إلا قولا لابن زيد لم يُثبت صحة إسناده فقد أشار إليه في رده المفحم بقوله (هناك قولاً آخر في تفسير: {ثيابهنَّ {كنت ذكرته في محله من الكتاب- وهو الخمار)!! وقال في الموضع المشار إليه من كتابه الجلباب / 111: وقال جابر بن زيد (وهو ثقة فقيه مات سنة 93 هـ): إنه (الخمار) رواه ابن جرير، وأبو بكر

ص: 95

الجصاص (3/ 411)، ولعل مستنده ما في "القرطبي":"والعرب تقول: امرأة واضع؛ للتي كبرت، فوضعت خمارها" ويؤيده أن هذه الآية ذكرها الله في سورة النور بعد آية أمر النساء بالخمر المتقدمة، وهي مطلقة، فكأن الله تعالى أراد تقييدها، فأورد هذه في السورة ذاتها. والله أعلم. ثم رأيت ابن عباس رضي الله عنهما قد صرح بهذا المعنى، وأن آية (القواعد) مستثناة من آية (الخمر). رواه أبو داود (4111) والبيهقي بسند حسن عنه. فالظاهر أن جابر بن زيد تلقى ذلك عن ابن عباس؛ فإنه رحمه الله من المكثرين عنه. وقد رأيت الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قد تنبه لهذا، فقال في تفسيره" (5/ 445):"أي الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه الذي قال الله فيه للنساء (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) وسبقه إلى هذا الحافظ أبو الحسن بن القطان في" النظر في أحكام النظر" اهـ

وبيان ضعف استدلاله هذا من عدة وجوه:

1) اكتفى الشيخ الألباني في تصحيح أثر ابن زيد بتوثيق جابر! دون بيان صحة أو ضعف إسناده؛ فعزاه للطبري ساكتا عنه!

وقد أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 166) قال: حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال "وضع الخمار".

ص: 96

وابن زيد هذا ليس جابر بن زيد الذي قال عنه الشيخ الألباني (ثقة فقيه)؛ مع أنه لو كان هو لكان إسناده ضعيفا لا تقوم به حجة؛ للانقطاع بين عبد الله بن وهب الذي ولد سنة (125 هـ)؛ وجابر بن زيد (ت 93 هـ) فإنه لم يسمع منه بل لم يره!

والصحيح؛ أن ابن زيد راوي هذا الأثر؛ هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فهو الذي روى عنه عبد الله بن وهب، ومع اتصال سنده إلا أنه إسناد ضعيف لا يحتج به لإجماع أهل الجرح والتعديل على ضعف عبدالرحمن بن زيد

(1)

.

إذن فلا يصح أن يحتج في معنى الآية بمثل هذا الإسناد الضعيف عن أحد التابعين؛ وتضرب به الأسانيد الصحيحة المأثورة عن الصحابة في تفسيرها!

2) نسب القول بهذا الأثر أيضا لأبي بكر الجصاص! وبالرجوع إلى ما ذكره أبو بكر الجصاص في تفسير هذه الآية؛ يتبين أنه لا يؤيد ما ذكره الشيخ الألباني بل يخالفه!

(1)

كما جاء في تهذيب التهذيب (6/ 178): قال أبو طالب عن أحمد ضعيف. وقال الدوري عن ابن معين ليس حديثه بشيء. وقال البخاري وأبو حاتم ضعفه علي بن المديني جدا. وقال أبو داود أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعيف، وقال أيضا أنا لا أحدث عن عبد الرحمن. وقال النسائي ضعيف. وقال أبو زرعة ضعيف. وقال أبو حاتم ليس بقوي في الحديث كان في نفسه صالحا وفي الحديث واهيا. وقال ابن حبان كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك. وقال ابن سعد كان كثير الحديث ضعيفا جدا. وقال ابن خزيمة ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه. قال الساجي وهو منكر الحديث. وقال الطحاوي حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف. وقال ابن الجوزي أجمعوا على ضعفه.

ص: 97

- قال أبو بكر في أحكام القرآن (5/ 196): قال ابن مسعود ومجاهد والقواعد اللاتي لا يرجون نكاحا هن اللاتي لا يردنه، وثيابهن جلابيبهن، وقال إبراهيم وابن جبير الرداء، وقال الحسن الجلباب والمنطق، وعن جابر بن زيد يضعن الخمار والرداء، قال أبو بكر: لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها فغير جائز أن يكون المراد وضع الخمار بحضرة الأجنبي

وفي ذلك دليل على أنه إنما أباح للعجوز وضع ردائها بين يدي الرجال بعد أن تكون مغطاة الرأس. اهـ

3) ثم أسند الشيخ الألباني هذا القول إلى ما ذكره القرطبي: "والعرب تقول: امرأة واضع؛ للتي كبرت، فوضعت خمارها" وبالرجوع إلى قول القرطبي يتبين أنه لا يؤيد هذا القول؛ بل إنه يرى أن الصحيح خلافه حيث قال القرطبي في تفسير هذه الآية (12/ 309): قال ابن عباس وهو الجلباب وروي عن ابن مسعود أيضا من جلابيبهن والعرب تقول "امرأة واضع" للتي كبرت فوضعت خمارها، وقال قوم الكبيرة التي آيست من النكاح لو بدا شعرها فلا بأس فعلى هذا يجوز لها وضع الخمار، والصحيح أنها كالشابة في التستر إلا أن الكبيرة تضع الجلباب الذي يكون فوق الدرع والخمار قاله ابن مسعود وابن جبير وغيرهما. اهـ

4) أما قول الشيخ الألباني (ويؤيده أن هذه الآية ذكرها الله في سورة النور بعد آية أمر النساء بالخمر) يريد قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وهذه الآية تحمل أمراً آخر قبل الأمر بضرب

ص: 98

الخمر، وهو قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} صح عن عبد الله بن مسعود وعبيدة السلماني في تأويلها أنها الثياب والرداء.

(1)

أي لا يحل لهن وضع الثياب الظاهرة (الجلباب والرداء) في البيوت عند دخول من ليسوا بمحارم وهم العبيد المملوكون ونحوهم ممن يحل لهم رؤية المرأة والدخول عليها دون حجاب ـ وسيأتي تفصيل ذلك وتأصيله في مناقشة البحث التاسع ـ ثم استثنى الله القواعد من هذا الأمر وجاءت الرخصة لهن بوضع هذه الثياب الظاهرة.

5) قال الشيخ الألباني: ثم رأيت ابن عباس رضي الله عنهما قد صرح بهذا المعنى وأن آية (القواعد) مستثناة من آية (الخمر) رواه أبو داود (4111) والبيهقي (7/ 93) بسند حسن عنه. اهـ وقال في رده المفحم (وهو الأصح عن ابن عباس)! والذي أثر عن ابن عباس بإسناد صحيح هو: " أنه كان يقرأ {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال الجلباب" وقد صححه الألباني في كتابه الجلباب/86، فكيف يكون الحسن أصح من الصحيح؟!

ومع ذلك فإن هذا الأثر كما رواه أبو داود والبيهقي عنه وساقه الشيخ الألباني في كتابه الجلباب ص 85: عن ابن عباس رضي الله عنه قال {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية فنسخ واستثنى من

(1)

سيأتي تخريجها في مناقشة البحث التاسع.

ص: 99

ذلك {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} الآية

(1)

. ليس فيه حجة لما ذكر الشيخ الألباني؛ لأنه ليس فيه النص على تسميتها بآية الخُمر! بل إنه لم يرد عن أحد من الصحابة أو التابعين تسمية آية النور هذه {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ

} بآية "الخُمر"! وذلك لأنها تحمل أمراً آخر غير ضرب الخمر وهو عدم وضع الثياب الظاهرة (الجلباب والرداء) كما سيأتي بيان ذلك.

6) استشهد الشيخ الألباني بمعنى غير مراد للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ) فقال: (وقد رأيت الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قد تنبه لهذا، فقال في تفسيره" (5/ 445): "أي الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه الذي قال الله فيه للنساء {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}) ولو أكمل الشيخ الألباني نقله عن السعدي لاتضح أن مراده مخالف له؛ فقد قال السعدي في تفسيره (1/ 574): "أي الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه الذي قال الله فيه للنساء {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فهؤلاء يجوز لهن أن يكشفن وجوههن". فمراد الشيخ عبد الرحمن السعدي أن للقواعد أن يضعن الخمار الذي يغطين به وجوههن، وليس مراده الخمار الذي يغطين به الشعر!

(1)

سنن أبي داود (4111) سنن البيهقي الكبرى 7/ 93 (13308) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 4/ 63، وجلباب المرأة /86.

ص: 100

7) ثم قال الشيخ الألباني: وسبقه إلى هذا الحافظ أبو الحسن بن القطان في "النظر في أحكام النظر" ونقل الشيخ الألباني بعض ما ذكره ابن القطان فقال: واختار ابن القطان الفاسي في" النظر في أحكام النظر" القول الآخر، فقال (ق 35/ 2): "الثياب المذكورة هي الخمار والجلباب، رُخِّص لها أن تخرج دونهما وتبدو للرجال

وهذا هو الأظهر، فإن الآية إنما رخصت في وضع ثوب إن وضعته ذات زينة أمكن أن تتبرج

" إلى آخر كلامه، وهو نفيس جداً، ولولا أن المجال لا يتحمل التوسع لنقلته برمَّته، فإني لم أره لغيره. اهـ

وبالرجوع إلى قول ابن القطان يتبين أنه لا يعني أنه يجيز للقواعد كشف الشعر عند الرجال الأجانب

(1)

:

(1)

فقد ذكر ابن القطان ثلاثة أقوال في المراد بالثياب في قوله {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} فقال في كتابه أحكام النظر (ص 103): (فينظر ما الثياب التي رفع عنهن في وضعها الجناح، وأين رفع الجناح عنهن في وضعها، قال قوم عني بالثياب الجلباب والرداء، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود. وهو قول جماعة من التابعين، ثم اختلف هؤلاء أين ذلك؟ فقال بعضهم: يعني بذلك في الدار والحجرة لا إذا خرجن

وهذا بعيد عن الصحة بل المرأة في دارها وحجرتها يجوز لها من وضع ذلك ما لا يجوز إذا خرجت

ومنهم من قال إنما تضع ذلك عند أبيها وأخيها وابنها، وهذا أيضا بعيد، فإنه قد جاز وضع ذلك للشواب). اهـ فهذا القول الأول: أن تضع المرأة القاعد الجلباب والرداء في بيتها أو عند محارمها واستبعد ابن القطان هذا القول لأنه ينبني عليه أن الشابة يلزمها لبس الرداء في بيتها وعند محارمها - سيأتي صحة هذا القول بأن على المرأة لبس الرداء في البيت عند دخول من يحل لهم النظر إلى المرأة والدخول عليها دون حجاب كالعبيد المملوكين ونحوهم - ثم ذكر ابن القطان القول الثاني؛ وهو قولهم أنه الحقو يعني الإزار واستبعده أيضا لأنه لا يجوز إبداء ما كان الحقو ساترا له لغير بعل أو سيد، ثم ذكر القول الثالث؛ وهو أن المراد؛ وضع الجلباب عند الخروج من البيت أمام الرجال الأجانب.

ص: 101

حيث قال ابن القطان في تمام كلامه في أحكام النظر (ص 103): "وهذا هو الأظهر، فإن الآية إنما رخصت في وضع ثوب إن وضعته ذات زينة أمكن أن تتبرج بعد وضعه بزينتها، ولا يعد تبرجا إلا ما كان على الأجانب، فهذا أبيح للعجزة القواعد وضعه

فقوله {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} إنما معناه أن يضعن ثيابهن التي كان يجب عليهن إدناؤها إذ كن شواب من الجلباب والرداء". اهـ

فمراد ابن القطان بقوله (وهذا هو الأظهر فإن الآية إنما رخصت في وضع ثوب إن وضعته ذات زينة أمكن أن تتبرج بعد وضعه بزينتها) استبعاد قول من قال بأن المرد إزار الحقو، وليس استبعاد قول من قال بأنه الرداء والجلباب! وكذلك قوله (ولا يعد تبرجا إلا ما كان على الأجانب) أراد به استبعاد قول من قال (إنما تضع ذلك عند أبيها وأخيها وابنها).

وبذلك يتبين خطأ الشيخ الألباني فيما ذهب إليه من أن المراد بالثياب في آية القواعد؛ الخمار، إذ لم يصح فيه ما يستند إليه، وأن الصحيح ما عليه الجمهور من أنه الجلباب والرداء. كما قال الشوكاني في السيل الجرار (4/ 129):{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} النور: 60 وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز لهن أن يضعن ثيابهن عما عدا الوجه واليدين.

ص: 102

ــ:: تتمة البحث الرابع:: ــ

قال الشيخ الألباني: وهنا لا بد لي من بيان خطأ وقع في شرح الحافظ لحديث عائشة في نزول آية (الخُمُر) المتقدمة، فقال الحافظ قول عائشة:" فاختمرن بها": (أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها، وترميمه من الجانب الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار). فأقول: تفسير الحافظ " غطين وجوههن" يناقض قوله: " وصفة ذلك

" فإن هذا لو طُبَّق لوجد الوجه مكشوفاً غير مغطى! ويؤكد ذلك تشبيه الحافظ خمار المرأة بعمامة الرجل، وكذلك قوله: " وهو التقنع"، ففي كتب اللغة: (تقنّعت المرأة أي: لبست القناع وهو ما تغطي به المرأة رأسها)، كما في" المعجم الوسيط" وغيره، مثل الحافظ نفسه فقد قال في" الفتح" (7/ 235 و 10/ 274)): التقنع: تغطية الرأس (وبناءً على ما سبق فقوله" وجوههن"، يحتمل أن يكون خطأ من الناسخ، أو سبق قلم من المؤلف، أراد أن يقول: " صدورهن" فسبقه القلم! ويحتمل أن يكون أراد معنىً مجازياً أي: ما يحيط بالوجه من باب المجاورة، فقد وجدت في" الفتح" نحوه في موضع آخر تحت حديث البراء رضي الله عنه: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنع بالحديد " (قوله: " مقَنَّع" كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب) فإنه يعني ما جاور الوجه، وإلا لم يستطع المشي فضلاً عن القتال، فبهذه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة التفسير والحديث والفقه واللغة، ثبت قولنا: إن الخمار غطاء الرأس، ولا ينافي كون الخمار غطاء الرأس أن يستعمل أحياناً لتغطية الوجه. وإذا عرفت هذا

ص: 103

فمن قال بأن" الاعتجار مطابق للاختمار في المعنى" فأقول: نعم هو كذلك بالمعنى الصحيح المتقدم للاختمار وأما بمعنى تغطية الوجه عند الإطلاق فهو باطل لغة قال الإمام الفيروزآبادي في" قاموسه" والزبيدي في" تاجه"(الاعتجار: لي الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك) وفي بعض العبارات: هو" لف العمامة دون التلحِّي" وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه دخل مكة يوم الفتح معتجراً بعمامة سوداء" المعنى: أنه لفها على رأسه ولم يتلح بها. والمعجر كمنبر: ثوب تعتجر به المرأة أصغر من الرداء وأكبر من المقنعة وهو ثوب تلفّه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبب فوقه بجلبابها) وهذا لا ينافي ما احتجَّ به ابن حجر: (قال ابن الأثير: وفي حديث عبدالله بن عدي بن الخيار: جاء وهو معتجر بعمامته ما يرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه. الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفّها على رأسه ويَرُدُّ طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئاً تحت ذقنه) قلت: لا ينافي هذا ما تقدم عن العلماء من الشرح لـ (الاعتجار) لأن ما قاله ابن الأثير مصرح به في الحديث: " ما يرى منه إلا عينيه" فهو صفة كاشفة لـ (الاعتجار) وليست لازمة له كما لو قال قائل: (جاء مختمراً لا يرى منه إلا عيناه) ولذلك لم يزد الحافظ على قوله: " (معتجر) أي: لافّ عمامته على رأسه من غير تحنيك". وجملة القول: إن الخمار والاعتجار عند الإطلاق إنما يعني: تغطية الرأس فمن ضمَّ إلى ذلك تغطية الوجه فهو مكابر.

ص: 104