المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه:: - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة::

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الرابع::

- ‌ التقنع

- ‌ الاعتجار

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌عورة المرأة الحرة

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ نظر المرأة للرجال الأجانب

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية

- ‌ الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

ــ::‌

‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

ــ

(1)

قول الرسول صلى الله عليه وسلم "المرأة عورة" دون استثناء للوجه ولا لغيره، ولا خلاف في أن ستر العورة واجب. وهذا الحديث مما لم يتطرق له الشيخ الألباني بذكر في أي من كتابيه - الجلباب والرد المفحم- مع صحة إسناده!

-عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"

(1)

- عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وهو من التابعين ومن الفقهاء السبعة الذين انتهى إليهم العلم في المدينة - قال: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.

(2)

- قال المباركفوري في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (4/ 283): قوله (المرأة عورة) قال في مجمع البحار: جعل المرأة نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يُستحى منها كما يُستحى من العورة إذا ظهرت والعورة السوأة وكل ما يستحي منه إذا ظهر. وقيل إنها ذات عورة (فإذا خرجت استشرفها الشيطان) أي زينها في نظر الرجال

والمعنى؛ أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة.

(1)

الترمذي (1173) الطبراني في المعجم الأوسط 8/ 101 (8096) وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/ 303.

(2)

مصنف ابن أبي شيبة (17712) وإسناده صحيح.

ص: 328

- وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 142): قوله فيستشرفها الشيطان أي ينتصب ويرفع بصره إليها ويهم بها لأنها قد تعاطت سببا من أسباب تسلطه عليها وهو خروجها من بيتها.

(2)

أمر النساء بالقرار في البيوت وعدم الإذن لهن بالخروج إلا لحاجة:

قال تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} الأحزاب: 33

- قال أبو بكر الجصاص (ت 370 هـ) في أحكام القرآن (5/ 229): وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج.

- قال ابن الجوزي في زاد المسير (6/ 379): قال المفسرون ومعنى الآية الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وألا يخرجن.

- قال القرطبي في تفسيره (14/ 179): معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء؛ كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة.

- قال ابن كثير في تفسيره (3/ 483): أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه.

ص: 329

- قال الألوسي في تفسيره روح المعاني (22/ 6): والمراد أمرهن رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت وهو أمر مطلوب من سائر النساء.

* فلم يؤذن للنساء في الخروج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لقضاء الحاجة -من البراز - أو للصلاة. ثم إنه كما قال ابن حجر في الفتح (1/ 250): خروج النساء للبراز

(1)

لم يستمر، بل اتخذت الأخلية في البيوت فاستغنين عن الخروج إلا للضرورة.

- وعن عبد الله بن مسعود قال" إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس، فيستشرفها الشيطان فيقول إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وأن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال أين تريدين؟ فتقول أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها"

(2)

اهـ

وجاء في الفواكه الدواني (2/ 313): النساء على ثلاثة أقسام شابة غير مخشية الفتنة ومن في حكمها فهذه لا تخرج إلا لصلاة الفرض في المسجد أو لجنازة من تتأثر بموته كما قال المصنف، ومتجالة -المرأة العجوز-لا رغبة للرجال فيها وهذه تخرج لكل شيء وشابة يخشى الافتتان بها فهذه لا تخرج أصلا. اهـ

(1)

البراز: كناية عن الغائط ..

(2)

المعجم الكبير للطبراني 9/ 185 (8914) صححه الألباني في صحيح الترغيب (348).

ص: 330

* وما أوجب الله نفقتها على وليّها وأعفاها من الجمع والجماعات إلا قطعا لأسباب الخروج. بل إنه لم يرخص لهن الخروج للصلاة في المساجد إلا ليلا؛ وقتي العشاء والفجر

(1)

:

- قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن"

(2)

وقال "لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل"

(3)

وقال "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد"

(4)

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت" كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس"

(5)

- قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 395): إنما أذن لهن مشاهدة الصلوات بالليل لا بالنهار، وقال مع ذلك وبيوتهن خير لهن.

- قال ابن حجر (2/ 347): كان اختصاص الليل بذلك لكونه أستر وأخفى.

(1)

إلا ما شرع لهن من الخروج نهاراً لصلاة العيدين ليشهدن الخير ودعوة المسلمين كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

صحيح البخاري 1/ 295 (827) صحيح مسلم 1/ 327 (442)

(3)

صحيح مسلم 1/ 327 (442)

(4)

صحيح البخاري 1/ 305 (857) صحيح مسلم 1/ 327 (442)

(5)

صحيح البخاري 1/ 210 (553) صحيح مسلم 1/ 446 (645).

ص: 331

* ومع ذلك لم يطلق لهن الإذن بالخروج ولكن قُيّد بضوابط وشروط:

(3)

أمرهن بإدناء الجلباب على وجوههن عند الخروج وهو الأصل الذي يستند عليه في وجوب تغطية الوجه: قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وقد أجمع المفسرون وفيهم أئمة في الفقه واللغة - كما أسلفنا في مناقشة البحث الأول- على أن المراد بهذا الأمر: وجوب تغطية الوجه على الحرائر من نساء المسلمين، وعليه جرى العمل من نساء هذه الأمة يشهد لذلك الآثار الآتية:

- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت "لما نزلت هذه الآية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية" وفي رواية "من أكسية سود يلبسنها"

(1)

.

- عن عائشة رضي الله عنها قالت (رحم الله تعالى نساء الأنصار لما نزلت {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الآية شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان)

(2)

وسبق أن بينا في مناقشة البحث الرابع أن الاعتجار يعني تغطية الوجه.

(1)

سنن أبي داود (4101) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 4/ 61.

(2)

أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي 6/ 660.

ص: 332

- قال ابن عباس: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن ويبدين عيناً واحدة"

(1)

- وعبيدة السلماني لما سئل عن قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فتقنع بردائه فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب.

(2)

- وقال قتادة (أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب)

(3)

- وقال سعيد بن جبير: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار)

(4)

- وعندما اصطفى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه صفية بنت حيي من سبي خيبر (فلما ارتحل وطَّى لها خَلْفه ومدَّ الحجاب بينها وبين الناس) وفي رواية (وجعل رداءه على ظهرها ووجهها)

(5)

.

(1)

تفسير الطبري 22/ 45 حسن إسناده الدكتور حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور 3/ 464.

(2)

تفسير الطبري 22/ 46 صحح إسناده الدكتور حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور 3/ 464.

(3)

تفسير الطبري 22/ 46. صحح الألباني إسناده في الرد المفحم /52.

(4)

تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3155.

(5)

صحيح البخاري 5/ 1956 (4797) والرواية الأخرى لابن سعد 8/ 86 وقد صححها الألباني في جلباب المرأة/107.

ص: 333

- وكما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد).

(1)

- وقالت عائشة رضي الله عنها (كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن)

(2)

وسبق أن بينا في جوابنا عن الحديث الرابع في مناقشة البحث السادس أن التلفع يعني تغطية الوجه.

- وقالت عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك (فخمرت وجهي عنه بجلبابي)

(3)

- وقالت عائشة رضي الله عنها لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ليستغفر لأهل البقيع (اختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره)

(4)

وسبق أن بينا في مناقشة البحث الرابع أن التقنع يعني تغطية الوجه.

- قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام)

(5)

(1)

صحيح البخاري 5/ 2006 (4938) صحيح مسلم 2/ 608 (892)

(2)

صحيح البخاري 1/ 210 (553) صحيح مسلم 1/ 446 (645).

(3)

صحيح البخاري 4/ 1774 (4473) صحيح مسلم 4/ 2129 (2770).

(4)

صحيح مسلم 2/ 669 (974).

(5)

صحيح ابن خزيمة 4/ 203 (2690) المستدرك على الصحيحين 1/ 624 (1668) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.

ص: 334

- وقالت أسماء رضي الله عنها: (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت رجة الناس وهم يقولون آية

فخرجت متلفعة بقطيفة للزبير حتى دخلت على عائشة)

(1)

- وقالت فاطمة بنت المنذر: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات)

(2)

.

- قال عاصم الأحول (كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا؛ وتنقبت به).

(3)

- وجاءت امرأة إلى سمرة بن جندب رضي الله عنه

قال وجاءت المرأة متقنعة)

(4)

- وقالت زينب امرأة عبد الله بن مسعود: كانت عجوز تدخل علينا

وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت فدخل يوما فلما سمعت صوته احتجبت منه.

(5)

(1)

صحيح البخاري 1/ 358 (1005) مسند أحمد 6/ 354 والسياق له، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 405: رجاله ثقات. وسبق أن بينا في الجواب عن الحديث الرابع في مناقشة البحث السادس أن التلفع يعني تغطية الوجه.

(2)

موطأ مالك 1/ 328 (718) صححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.

(3)

سنن البيهقي الكبرى 7/ 93 (13312) صححه الألباني في جلباب المرأة /110.

(4)

البيهقي في السنن الكبرى 7/ 228 حسنه الألباني في جلباب المرأة /103.

(5)

سنن ابن ماجه 2/ 1166 (3530) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 1166.

ص: 335

ومن الضوابط والشروط التي قُيّد بها جواز خروج المرأة:

(4)

أمرهن بأن يبالغن في تسترهن بإرخاء ذيول جلابيبهن لستر أقدامهن:

- قال النبي صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة فكيف يصنعن النساء بذيولهن قال" يرخين شبرا" فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال" فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه"

(1)

وفي رواية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال شبرا. قالت: إذا ينكشف عنها. قال: ذراع لا تزيد عليها.

(2)

قال البيهقي في سننه الكبرى (2/ 233): وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها"

(3)

قال ابن حجر في الفتح (10/ 259): فهمت أم سلمة الزجر عن الإسبال فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة لأن جميع قدمها عورة".

ينبني على ذلك أنه من المستبعد أن يأمر الشارع الحكيم أن تبالغ المرأة في ستر قدميها أمام الرجال الأجانب ويبيح لها أن تكشف وجهها وهو أعظم فتنة من الأقدام!!

(1)

جامع الترمذي 4/ 223 (1731) سنن النسائي الكبرى 5/ 494 (9735) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 8/ 209 (5336).

(2)

سنن النسائي الكبرى (9742) سنن ابن ماجة (3580) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 8/ 209 (5339)

(3)

وذكر نحوه ابن قدامة في المغني 1/ 349. والشوكاني في نيل الأوطار (2/ 59).

ص: 336

(5)

اشتراط عدم خروجهن بالطيب والزينة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية"

(1)

قال بن دقيق العيد: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال.

(2)

قال ابن حزم في المحلى (10/ 40): مسألة ولا يحل للمرأة التبرج ولا التزين للخروج إذا خرجن لحاجة قال الله عز وجل {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} الأحزاب: 33 وقد ذكرنا في كتاب الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج النساء إلى الصلاة أن يخرجن تفلات.

- قال صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات"

(3)

- وصح عن زينب امرأة عبد الله قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبا"

(4)

.

(1)

سنن النسائي الكبرى 5/ 430 (9422) صحيح ابن خزيمة 3/ 91 (1681) صحيح ابن حبان 10/ 270 (4424) وصحح الألباني إسناده. في غاية المرام حديث رقم (84).

(2)

انظر فتح الباري 2/ 349.

(3)

مسند أحمد بن حنبل 2/ 438 (9643) سنن أبي داود 1/ 155 (565) صححه الألباني في صحيح الجامع (7457).

(4)

صحيح مسلم 1/ 328 (443).

ص: 337

- وقال صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخر"

(1)

وقال" إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة"

(2)

فإذا كان هذا في ظلمة الليل وهي خارجة للمسجد، فكيف يجب أن يكون حال من كان خروجها نهارا ولغير المساجد؟!

قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة /139: فإذا كان ذلك حراما على مريدة المسجد فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إثما وقد ذكر الهيتمي في (الزواجر)(2/ 37) أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها. ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة لأن الفتنة وقتها أشد فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز.

(6)

اشتراط عدم اختلاطهن بالرجال في الطرقات، فمنع الاختلاط في غيرها من باب أولى:

- عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع سول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استأخرن فليس لكن أن

(1)

صحيح مسلم 1/ 328 (444).

(2)

صحيح مسلم 1/ 328 (443).

ص: 338

تحققن الطريق

(1)

، عليكن بحافَّات الطريق" فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به"

(2)

- عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس للنساء وسط الطريق"

(3)

- عن أم سلمة رضي الله عنها " أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلَّمن من المكتوبة قُمْنَ وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال"

(4)

قال الزهري نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال.

(5)

وفي رواية قالت" كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(6)

قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 336): وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت.

* ومع تلك القيود كلها جعلت صلاتهن في بيوتهن خير لهن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن"

(7)

.

(1)

تحققن: أي تمشين في حاق الطريق وهو الوسط.

(2)

سنن أبي داود 4/ 369 (5272) حسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (929). .

(3)

صحيح ابن حبان 12/ 415 (5601) حسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5425).

(4)

صحيح البخاري 1/ 295 (828)

(5)

صحيح البخاري 1/ 296.

(6)

صحيح البخاري 1/ 290 (812).

(7)

سنن أبي داود 1/ 155 (567) صححه الألباني في صحيح الجامع. حديث رقم (7458).

ص: 339

* ولعدم تقيّد النساء بعد ذلك بما سبق اشتراطه لهن عند الخروج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كُره لهن بعد ذلك الصلاة في المساجد كما قالت عائشة رضي الله عنها: " لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد

(1)

كما منعت نساء بني إسرائيل"

(2)

قال الشوكاني في نيل الأوطار (3/ 162): تريد ما اتخذن من حسن الملابس والطيب والزينة. كماصح عن ابن مسعود كان يحصب النساء يخرجهن من المسجد يوم الجمعة ويقول "صلين في بيوتكن" وفي رواية " أخرجن إلى بيوتكن خير لكن".

(3)

ولذلك كره جماعة من السلف خروج المرأة إلى العيدين:

- قال الثوري: أكره اليوم للنساء الخروج إلى العيدين، وقال ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت عجوزا.

(4)

- قال ابن المبارك: أكره اليوم للنساء الخروج في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك.

(5)

(1)

فيه أن أكثر خروجهن كان للمسجد.

(2)

صحيح البخاري 1/ 296 (831) صحيح مسلم 1/ 329 (445).

(3)

مصنف ابن أبي شيبة (7617) بإسناد صحيح، ورواه الطبراني في الكبير (9475) وقال الهيثمي رجاله موثقون.

(4)

من التمهيد لابن عبد البر 23/ 402.

(5)

المصدر السابق.

ص: 340

- قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري في شرح صحيح البخاري (5/ 309): قال الإمام أحمد: " أكره خروجهن في الزمان لأنهن فتنة " وعن أبي حنيفة رواية " لا يخرجن إلا للعيدين خاصة " وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال: "حقٌ على كل ذات نطاق أن تخرج للعيدين" ولم يكن يرخص لهن في شيء من الخروج إلا في العيدين. ومنهم من رخص فيه للعجائز دون الشواب، وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد، وطائفة من أصحابنا أو أكثرهم. اهـ

فانظر رحمك الله أقوال الأئمة لوجود بعض الفتنة بها وهي خارجة تتعبد الله في المسجد فكيف يقال بجواز خروجها مطلقا لغير المساجد؟!

* قال الإمام ابن الجوزي في أحكام النساء/39: ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها، إن سلمت في نفسها لم يسلم الناس منها، فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة، وجعلت طريقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق، واحترزت من سماع صوتها، ومشت في جانب الطريق لا في وسطه.

* قال الإمام الذهبي في الكبائر (1/ 176 - 177): وقال النبي صلى الله عليه وسلم (اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)

(1)

وذلك بسبب قلت طاعتهن لله ورسوله ولأزواجهن وكثرة تبرجهن والتبرج إذا أرادت الخروج لبست أفخر ثيابها وتجملت وتحسنت وخرجت تفتن الناس بنفسها فإن سلمت هي بنفسها لم يسلم الناس منها ولهذا

(1)

صحيح البخاري 3/ 1184 (3069) صحيح مسلم 4/ 2096 (2737).

ص: 341

قال النبي صلى الله عليه وسلم (المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وأعظم ما تكون المرأة من الله ما كانت في بيتها)

(1)

فإن اضطرت للخروج لزيارة والديها وأقاربها ولأجل حمام ونحوه مما لا بد لها منه فلتخرج بإذن زوجها غير متبرجة في ملحفة وسخة في ثياب بيتها وتغض طرفها في مشيتها.

* قال ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 202 - 204): وفي مصنف ابن العطار: وينبغي للمرأة أن لا تخرج من بيتها بل تلزم قعره فإنها كلها عورة والعورة يجب سترها، وأما الخروج إلى المساجد في الغلس عند أمن الضرر والفتنة فقد كان مأذونا فيه زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمان بعض أصحابه، ثم منع منه لما أحدث النساء من الافتتان بهن والتبهرج والتطيب وفتنتهن بالرجال، ثم ذكر حديث عائشة في منعهن ثم قال وينبغي للمرأة إذا خرجت من بيتها أن لا تتزين ولا تتطيب ولا تمشي وسط الطريق وأن لا يكون خروجها لحاجة شرعية إلا بإذن زوجها وينبغي للرجل أن لا يعين زوجته ولا امرأة ممن يحكم عليها بشيء من أسباب الإعانة على الخروج من بيتها وقد ثبت في الصحيح الإذن لهن يوم العيد والخروج إلى المصلى متلفعات بمروطهن حتى الحُيَّض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزلن المسلمين وقد منع هذا في غير هذه الأزمان لما في حضورهن من المفاسد المحرمة، قال حجة الإسلام في الإحياء: وقد كان أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في حضور المساجد والصواب الآن المنع إلا العجائز بل استصوب ذلك في زمن الصحابة رضي الله عنهم حتى قالت عائشة رضي الله عنها وذكر ما مر عنها

(1)

سبق تخريجه

ص: 342

وقال فيه أيضا في كتاب الأمر بالمعروف ويجب منع النساء من حضور المساجد للصلاة ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن. فهذه أقاويل العلماء في اختلاف الحكم فيها بتغير الزمان، وأهل الأقاويل المذكورة هم جمهور العلماء من المجتهدين والأئمة المتقين والفقهاء الصالحين الذين هم من الممهرين فيجب الأخذ بأقاويلهم لأنهم علم الأمة واختيارهم لنا خير من اختيارنا لأنفسنا ومن خالفهم فهو متبع لهواه

ويتضح الأمر بذكر تلك المحرمات المقترنة بالخروج:

فمنها أن خروجها متبرجة أي مظهرة لزينتها منهيٌّ عنه؛ روى ابن حبان والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يكون في أمتي رجال يركبون على سرج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات)

ومنها تحريم نظر الأجانب إليها ونظرها إليهم كما صححه النووي.

ومنها مزاحمة الرجل في المسجد أو الطريق عند خوف الفتنة فإن ذلك حرام

ينبغي القطع في زماننا بتحريم خروج الشابات وذوات الهيئات لكثرة الفساد والمعنى المجوز للخروج في خير القرون قد زال وأيضا فكن لا يبدين زينتهن ويغضضن أبصارهن وكذا الرجال ومفاسد خروجهن الآن محققة

ولا يتوقف في منعهن إلا غبي جاهل قليل البضاعة في معرفة أسرار الشريعة قد تمسك بظاهر دليل حملا على ظاهره دون فهم معناه مع إهمالهم فهم عائشة ومن نحا نحوها ومع إهمال الآيات الدالة على تحريم إظهار الزينة وعلى وجوب غض البصر فالصواب الجزم بالتحريم والفتوى به. اهـ

ص: 343

(7)

نهي الرجال الأجانب (غير المملوكين) عن الدخول على النساء في البيوت؛

- عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال" الحمو الموت"

(1)

ولما كانت الحاجة أحيانا تقتضي سؤال الرجل الأجنبي حاجة من أهل البيت؛ أبيح له ذلك ولكن قُيّد جوازه بشروط:

(8)

تحريم الاختلاط بهن في البيوت ورؤية أشخاصهن ولو كن مسترات بالجلابيب، وهذا هو الأصل في حجاب البيوت بنهي المرأة من البروز للرجال الأجانب وإن كانت مستترة بالجلباب قال تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وهذا كما أسلفنا أمر يقتضي وجود الحجاب (الساتر) بين الرجل والمرأة

عند سؤال الحاجة من قرب في البيوت ونحوها، مما يدل على عدم إطلاق جواز المخالطة والنظر للمرأة وإن كانت متجلببة، كما يدل على عدم إطلاق جواز نظر المرأة للرجل، ومما يشهد لذلك قوله {لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فوجود هذا الساتر والحاجز بين الجنسين أحرى لطهارة قلب كل منهما، وذلك يبين دقة التشريع وحكمته، إذ أوجب الساتر بين الجنسين عند سؤال الحاجة من قرب، واكتفى بالجلابيب للنساء عند

(1)

صحيح البخاري 5/ 2005 (4934) صحيح مسلم 4/ 1711 (2172).

ص: 344

الاضطرار للخروج، لأن الشرع لم يأذن لها بمخالطة الرجال خارج البيت والوقوف معهم لتبادل أطراف الحديث؛ وإنما أذن لها أن تخرج مستترة بظلمة الليل تفلة لا يظهر منها شيء تمشي في حافة الطريق تقضي حاجتها ثم تعود لبيتها، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الرائي من بُعد لشخوص نساء مستترات إذا خرجن لحاجة، ليس كمن يجالس امرأة يحادثها وتحادثه وإن كانت مستترة بالجلباب!!

قال الألوسي في روح المعاني (22/ 72): وسؤال المتاع من وراء حجاب {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي أكثر تطهرا من الخواطر الشيطانية التي تخطر للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال فإن الرؤية سبب التعلق والفتنة.

قال القرطبي في تفسيره (14/ 228) وابن العربي في أحكام القرآن (3/ 616): قوله تعالى {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه وأتم لعصمته.

(9)

تحريم الخلوة بهن ممن يحل له الدخول عليهن ممن لا يعد محرما لهن من العبيد ونحوهم، فتحريم ذلك على من لا يحل له مخاطبتهن إلا من وراء حجاب من باب أولى:

ص: 345

- عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"

(1)

- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغِيبَة إلا ومعه رجل أو اثنان"

(2)

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"

(3)

(10)

نهي المرأة عن أن تصف امرأة أجنبية لزوجها؛

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".

(4)

وهو صريح الدلالة على وجوب تغطية الوجه، إذ لو كانت النساء كاشفات الوجوه يراهن الرجال لما كان لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فائدة؟!

(11)

الأذن للخاطب بالنظر؛ مما يدل على عدم تمكنه من النظر قبل الخطبة:

- عن أنس رضي الله عنه أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) قال: فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهما كرها ذلك، قال فسمعت ذلك المرأة

(1)

صحيح البخاري 5/ 2005 (4935) صحيح مسلم 2/ 978 (1341).

(2)

صحيح مسلم 4/ 1711 (2173).

(3)

صحيح البخاري 2/ 658 (1763)

(4)

صحيح البخاري 5/ 2007 (4942)

ص: 346

وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك، كأنها أعظمت ذلك، قال فنظرت إليها فتزوجتها.

(1)

- عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها فقيل له أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها).

(2)

وهذه الأحاديث صريحة الدلالة على تقييد جواز النظر بالخطبة، مما يدل على تحريمه لغير الخاطب، كما تدل على أن النساء لم يكن كاشفات وجوههن بحضرة الرجال الأجانب، مما استلزم أن يُندب الخاطب إلى أن ينظر إلى مخطوبته، ولو كانت النساء مسفرات لما كان في حث الخاطب على النظر؛ فائدة!

بل إن بعض الفقهاء لم يدع جواز النظر للخاطب على إطلاقه

(3)

:

(1)

سنن ابن ماجه 1/ 600 (1866) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1866).

(2)

سنن ابن ماجه 1/ 599 (1864) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1864) ..

(3)

ومثله ما جاء في كتب الفقه من التضييق على الشاهد في رؤية المشهود عليها:

- فمن المذهب الحنبلي؛ كشاف القناع (5/ 14): وأن مقتضاه أن الشاهد لا ينظر سوى الوجه إذا الشهادة لا دخل لها في نظر الكفين.

- ومن المذهب الشافعي؛ نهاية المحتاج (6/ 198 - 199): قلت ويباح النظر للوجه فقط لمعاملة أو شهادة تحملا وأداء لها وعليها، وتكلف الكشف للتحمل والأداء فإن امتنعت أمرت امرأة أو نحوها بكشفها، ولو عرفها الشاهد في النقاب لم يحتج للكشف فعليه يحرم الكشف حينئذ إذ لا حاجة إليه

ومن ثم قال الماوردي لو عرفها الشاهد بنظرة لم تجز ثانية أو برؤية بعض وجهها لم تجز رؤية كله.

- ومن المذهب الحنفي؛ شرح فتح القدير (7/ 385): وأنت تعلم أنه لا بد من معرفة تفيد التمييز عند الأداء عليها. فإذا ثبت أن التعريف يفيد التمييز لزم أن لا حاجة إلى رؤية وجهها ولا شخصها كما اختاره شيخ الإسلام جواهر زاده، إلا إذا لم يوجد من يعرفها.

- ومن المذهب المالكي؛ الفواكه الدواني (2/ 277): الشاهد يجوز له النظر إلى وجهها وكفيها فقط، ومحل الجواز إذا كانت غير معروفة النسب

مفهوم كلام المصنف يقتضي أن رؤية وجه الشابة لغير عذر فيه الحرج أي الإثم وظاهره ولو لغير قصد اللذة وهو أحد قولين لأن نظر وجه الشابة مظنة للالتذاذ.

ص: 347

قال ابن القطان في أحكام النظر (ص/ 475): لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر وإن كان قد خطب. لأنه إنما أبيح النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه فيبقى النظر على أصله من المنع.

فتبين بذلك أن تقييد جواز النظر بالخطبة والشهادة ونحوها فيه تحريم النظر لغير ذلك، وإذا ثبت تحريم النظر ثبت وجوب تغطية الوجه كما نقل الشيخ الألباني عن ابن القطان.

ويؤيد ذلك كله جريان العمل بتغطية النساء الحرائر وجوههن كما أسلفنا من أحاديث وآثار، وعليه أئمة المسلمين وعلمائهم.

فثبت بذلك أن تغطية الوجه فرض افترضه الله على الحرائر من النساء، وبطل قول الشيخ الألباني أنه سنة أو مستحب.

ص: 348

ــ:: البحث الثامن:: ــ

(إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها)

قال الشيخ الألباني: لقد تهافت القوم على نقد هذا الحديث وتضعيفه، مخالفين في ذلك من قوّاه من حفاظ الحديث ونقاده: كالبيهقي في "سننه"، والمنذري في "ترغيبه"، والذهبي في "تهذيبه"، وغيرهم

كما اتفقوا جميعاً على مخالفته قاعدة العلماء في تقوية الحديث بالطرق والآثار السلفية - إلى أن قال بعد أن ذكر بعض عبارات التعديل لأحد رواة الحديث وهو سعيد بن بشير- فهذه النصوص من هؤلاء الأئمة لا تدل على أن سعيداً هذا ضعيف جدّا لا يصلح للاستشهاد به، بل هي إن لم تدل على أنه وسط يستدل بحديثه، وهذا ما صرّح به الزيلعي، فقال في "نصب الراية"(1/ 74)"وأقلّ أحوال مثل هذا أن يستشهد به"

وسعيد بن بشير هذا لم يتفرد بمتن هذا الحديث، بل قد تابعه عليه ثقة حافظ عند أبي داود في "المراسيل" بسنده الصحيح عن هشام عن قتادة:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه) فهذه متابعة قوية من هشام لسعيد، فيكون إسناده مرسلاً صحيحاً، لأن قتادة تابعي جليل، قال الحافظ في" التقريب":" ثقة ثبت" وحينئذ يجرى فيه حكم الحديث المرسل إذا كان له شواهد، فقد رجحنا رواية قتادة هذه المرسلة لقوة إسنادها اتباعاً لعلم الحديث، لأن كلاً من الرواية المرسلة والمسندة تؤيد الأخرى متناً، ويشهد لهما الحديث الثالث عن أسماء بنت عميس

- إلى أن نقل الشيخ الألباني عن أحد

ص: 349

معارضيه قوله - (أن مراسيل قتادة ضعيفة لا تقوم بها حجة أبداً) فقال الشيخ الألباني: عدم الاحتجاج بمرسل قتادة ليس موضع خلاف، وإنما هو: هل يتقوى بالمسند الضعيف أم لا؟ فنحن نرى تبعاً للبيهقي وغيره أن يتقوى. وتقوية المرسل بالشواهد أمر معروف لدى العلماء ولو كان النوع الذي لا يحتج به، ومرسل قتادة، فإنه قد عمل به أكثر العلماء. وهناك مقوٍّ ثالث لحديثنا هذا وهو أن له شاهدين مسندين من حديث عائشة وأسماء بنت عميس كما تقدم أيضاً. ومقوٍّ رابع، وهو قول أو عمل رواته به، عائشة وأسماء بنت عميس، وقتادة:

1 -

أما عائشة، فقد صح عنها أنها قالت في المحرمة:"تسدل الثوب على وجهها إن شاءت" وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم.

2 -

وأما أسماء، فقد صح: أن قيس بن أبي حازم دخل مع أبيه على أبي بكر رضي الله عنه وعنده أسماء، فرأياها امرأة بيضاء موشومة اليدين.

3 -

وأما قتادة، فقد قال في تفسير آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}:"أخذ الله عليهن أن يُقَنِّعنَ على الحواجب". والمعنى: يشددن جلابيبهن على جباههنَّ، وليس على وجوههن كما فسره الإمام ابن جرير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(18/ 25 - 26): "والضعيف نوعان: ضعيف لا يمتنع العمل به، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي، وضعيف ضعفاً يوجب تركه، وهو الواهي. وقد يكون الرجل عندهم ضعيفاً لكثرة الغلط في حديثه، ويكون الغالب عليه الصحة، (فيروون حديثه) لأجل الاعتبار به

ص: 350

والاعتضاد به، فإنَّ تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضاً، ولو كان الناقلون فُجَّاراً فساقاً، فكيف إذا كانوا علماء عدولاً، ولكن كثر في حديثهم الغلط؟! ولقد أبان ابن تيمية في كلمة أخرى عن تقوية الحديث الضعيف بالطرق، فقال (13/ 347): "والمراسيل إذا تعددت طرقها، وخلت عن المواطأة قصداً، كانت صحيحة قطعاً، وإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات، وقد علم أن المُخْبِرَين لم يتواطآ على اختلاقه، علم أنه صحيح

قال: وهذا الأصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما يُنقل من أقوال الناس". ولهذا، إذا روي الحديث من وجهين مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر، جزم بأنه حق لاسيما إذا علم أن نقلته ليسوا ممن يتعمد الكذب وإنما يخاف على أحدهما النسيان أو الغلط. وذكر نحو هذا؛ الحافظ العلائي في "جامع التحصيل" (38) وزاد: "فإنه يرتقي بمجموعهما إلى درجة الحسن" ثم قال ابن تيمية "وفي مثل هذا يُنتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث، ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره

والمرسل في أحد قولي العلماء حجة كمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وفي الأخرى حجة إذا عضده قول جمهور أهل العلم وظاهر القرآن أو أرسل من وجه آخر" قال الشيخ الألباني: ومرسل قتادة هذا الذي نحن في صدد الكلام عليه وبيان صحته، قد توفرت فيه هذه الشروط كلها وزيادة كما تقدم بيانه فينبغي أن يكون حجة باتفاق لا خلاف فيه

اهـ

ص: 351