المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناقشة البحث الخامس:: - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة::

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الرابع::

- ‌ التقنع

- ‌ الاعتجار

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌عورة المرأة الحرة

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ نظر المرأة للرجال الأجانب

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية

- ‌ الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ مناقشة البحث الخامس::

ــ::‌

‌ مناقشة البحث الخامس::

ــ

- أولا: يجب أن نُذكّر هنا أن هناك حكمين شرعيين ذهل عنهما أكثر أهل العلم المتأخرين، وانطوت آثارها في التصانيف المتأخرة، ولم يشر إليها بعض المتقدمين لما هي معلومة عندهم بالضرورة؛

الأول: أن هناك فئات من الذكور الأجانب لم يفرض على النساء الحرائر الاحتجاب منهم، ولم ينهاهم الشرع من الدخول عليهن في البيوت ورؤيتهن دون حجاب، وهم من ذكرهم الله تعالى في سورة النور في قوله عز وجل {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} إلى قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} النور: 31 وقوله عز وجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ}

النور: 58 وهم:

1 -

العبيد المملوكون.

(1)

(1)

قال ابن قدامة المقدسي في الكافي في فقه ابن حنبل (3/ 6): وأما عبد المرأة فليس بمحرم لها لأنها لا تحرم عليه على التأبيد لكن يباح له النظر إلى ما يظهر منها غالبا لقوله تعالى (ما ملكت أيمانهن)، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه 8/ 412 (15742) عن مجاهد قال كان العبيد يدخلون على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم " وأخرج البيهقي في سننه الكبرى 7/ 95 (13324) عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قال استأذنت عليها فقالت من هذا فقلت سليمان قالت كم بقي عليك من مكاتبتك قال قلت عشر أواق قالت" أدخل فإنك عبد ما بقي عليك درهم" صححه الألباني في إرواء الغليل 6/ 183. والعمل على ذلك.

ص: 119

2 -

التابعون غير أولي الإربة

(1)

.

3 -

من لم يبلغ الحلم من الأحرار

(2)

.

وهذا أحدث اللبس عند الحديث عن عورة المرأة أمام هذا الأجنبي وجواز نظره للوجه والكفين منها، فأشكل ذلك على بعضهم، فحمله على جواز نظر الرجل الحر للوجه والكفين من المرأة الحرة الأجنبية عنه!!

الثاني: أن الحجاب (تغطية الوجه) فرض على النساء الحرائر دون الإماء (الجواري المملوكات) والأصل في ذلك:

(1)

قول الله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} الأحزاب: 59 فأخرج الله تعالى بقوله (نساء المؤمنين) إماؤهم،

- قال ابن عباس رضي الله عنه " كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها".

(3)

(1)

قال الطبري في تفسيره (18/ 121): هم الذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم ممن لا أرب له في النساء ولا حاجة إليهن ولا يريدهن.

(2)

الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة المقدسي (3/ 6): وفي المميز روايتان إحداهما هو كالبالغ لهذه الآية (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) والثانية هو كذي المحرم لقوله تعالى (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم) إلى قوله تعالى (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ثم قال (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) ففرق بينه وبين البالغ.

(3)

تفسير الطبري 22/ 46 قال الألباني في الرد المفحم /11: ضعيف السند لكن له شواهد.

ص: 120

- قال مجاهد؛ يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى.

(1)

- قال قتادة أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.

(2)

- قال أبو صالح؛ يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة.

(3)

- قال الكلبي؛ فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى تعلم الحرة من الامة

(4)

.

- قال محمد بن كعب القرظي: فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن تخمر وجهها إلا إحدى عينيها.

(5)

(1)

تفسير الطبري 22/ 46 ومجاهد كما ذكر ابن حجر في تقريب التهذيب (1/ 520): هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقةإمام في التفسير وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث ومائة.

(2)

تفسير الطبري 22/ 46 وصحح الألباني إسناده في الرد المفحم /51. وقتادة كما ذكر ابن حبان في مشاهير الأمصار (1/ 96) هو قتادة بن دعامة بن سدوس بن شيبان أبو الخطاب ولد وهو أعمى وعنى بالعلم فصار من حفاظ أهل زمانه وعلمائهم بالقرآن والفقه مات بواسط سنة سبع عشرة ومائة.

(3)

تفسير الطبري 22/ 46.

(4)

الدر المنثور 6/ 660.

(5)

الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 176 ضعف إسناده الألباني في جلباب المرأة /91، ومحمد القرظي هو كما ذكر ابن حبان في مشاهير الأمصار (1/ 65): محمد بن كعب بن سليم القرظي أبو حمزة من عباد أهل المدينة وعلمائهم بالقرآن مات سنة ثمان ومائة. =

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقد اكتفى الشيخ الألباني بسياق أثر محمد بن كعب القرظي في كتابه الجلباب عند تناوله لهذه المسألة وضعّف باقي الروايات جملة! فقال في جلباب المرأة /91: وفي معنى هذه الرواية - رواية محمد القرظي- روايات أخرى أوردها السيوطي في (الدر المنثور) وبعضها عند ابن جرير وغيره وكلها مرسلة لا تصح لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي

ولم يأت شيء منها مسندا فلا يحتج بها. اهـ

فالجواب على ما ذكر بالآتي:

1 -

احتج الشيخ الألباني (ص: 98) بقول لشيخ الإسلام ابن تيمية لتقوية حديث أسماء بمرسل قتادة؛ فقال: ولقد أبان ابن تيمية رحمه الله السبب في تقوية الحديث الضعيف بالطرق، والشرط في ذلك، ووجوب التمسك بهذه القاعدة، فقال (13/ 347): " والمراسيل إذا تعددت طرقها، وخلت عن المواطأة قصداً، كانت صحيحة قطعاً

فإنَّ تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضاً، ولو كان الناقلون فُجَّاراً فساقاً، فكيف إذا كانوا علماء عدولاً؟! قال: وبهذه الطريق يعلم صدق عامة ما تتعدى جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات وإن لم يكن أحدهما كافياً إما لإرساله وإما لضعف ناقله. قال: وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي ". اهـ

فمن الخطأ إذن أن ترد هذه الروايات في تفسير الآية جملة وقد تعددت طرقها، والناقلون لها علماء عدولا.

2 -

لم يسق الشيخ الألباني في كتابه الجلباب إلا أثر محمد بن كعب القرظي لضعفه وأشار إلى بقية هذه الآثار قائلا بأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي؛ ولم يذكر أن منها ما منتهاه إلى أهل التفسير كابن عباس وتلامذته؛ مجاهد وقتادة!!

3 -

أنه كان يستشهد بآثار ابن عباس وقتادة مبتورة؛ فقول ابن عباس الذي قواه لشواهده؛ كان يستشهد بآخره دون أوّله! لأن فيه التصريح بالتفريق بين الحرائر والإماء: قال ابن عباس "كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها".

وكذلك قول قتادة الذي قال بصحة إسناده إليه؛ كان يستشهد بأوّله دون آخره؛ لأنه صرح في آخره بالتفريق بين الحرائر والإماء! قال قتادة: أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.

ص: 122

(2)

ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي؛ (فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه؟ فقالوا إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطئ لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس)

(1)

وفي رواية: (وسترها رسول الله وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه).

(2)

- قال ابن قدامة في المغني (7/ 79): وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم مشهورا وأن الحجب لغيرهن كان معلوما.

(3)

ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان لا يدع في خلافته أمة تقنَّع ويقول إنما القناع للحرائر: ومن ذلك ما صح عن أبي قلابة رضي الله عنه قال كان عمر بن الخطاب لا يدع في خلافته أمة تقنَّع قال: قال عمر: (إنما القناع للحرائر)

(3)

.

(1)

صحيح البخاري 5/ 1956 (4797) صحيح مسلم 2/ 1045 (1365).

(2)

الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 121 وصححه الألباني في جلباب المرأة /107، وتعقبه الشيخ الألباني بقوله:"فهذه الخصوصية هي التي كان بها يعرف الصحابة حرائره عليه السلام من إمائه"اهـ؛ ولا يصح هذا القول؛ لأنه لم يرد عن أحد من أهل العلم القول بهذه الخصوصية! إذ كيف يقال باختصاص إماء رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنعهن من الحجاب؛ وهو على قول الشيخ الألباني في حق عموم النساء سنة ومستحب؟! ومما يبطل هذه الخصوصية ويدل على عموم ذلك ما صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان لايدع في خلافته أمة تقنع ويقول "إنما القناع للحرائر".

(3)

مصنف ابن أبي شيبة 2/ 42 (6242).

ص: 123

وكذلك ما روي بعدة طرق صححها الألباني في كتابه الجلباب/99 عن أنس رضي الله عنه قال: رأى عمر أمة لنا متقنعة فضربها وقال (لا تشبهي بالحرائر).

(1)

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية تعقيبا على هذه النصوص في شرح العمدة (4/ 271): فعلم بهذا أن ما ملكت أيمانهم لم يكونوا يحجبونهن كحجب الحرائر، وأن آية الحجاب خاصة بالحرائر دون الإماء.

وبذلك فإن ما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول (إنما القناع للحرائر) له حكم المرفوع، لأنه لا مجال فيه للاجتهاد، ويشبه أن يكون تفسيرا لآية إدناء الجلابيب، فيكون بذلك حجة، يجب العمل به كالمرفوع كما هو معلوم عند أهل المصطلح

(2)

. فإن فعل عمر هذا ليس نابعا من اجتهاده في مسألة تحتمل الاجتهاد حتى يحتمل قوله أو فعله القبول أو الرد؛ ولكن فعله هذا كان تطبيقا عمليا لأمر رباني ولذلك تلقته الأمة بالقبول ولم ينكره أحد! بل إنك لو وقفت على ما أقرّه الشيخ الألباني في رده المفحم من أن " تفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فماذا عسى أن يكون تفسيره إذا كان الصحابي هو عمر بن الخطاب الذي كان يوافق رأيه القرآن حتى كان يقول" وافقت ربي في ثلاث وذكر منها الحجاب" فكان من الأولى أن يكون المأثور عنه هو المقدم في تفسير آية إدناء الجلابيب لو انفرد به، فكيف إذا كان قد وافق قول مجموع الصحابة (إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم

(1)

مصنف ابن أبي شيبة 2/ 41 (6239) وصححه الألباني في إرواء الغليل 6/ 203.

(2)

انظر: تيسير مصطلح الحديث 162 - 166.

ص: 124

ولد) ووافق قول ابن عباس (كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن) ووافقه من كبار التابعين عبيدة السلماني وممن أشتهر بالتفسير من تلامذة ابن عباس؛ مجاهد وقتاده!

ولذلك أجمع أهل العلم من فقهاء ولغويين ومفسرين على أن الحجاب فرض على الحرائر دون الإماء:

* فقال أئمة المفسرون في تفسير قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}

- قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (20/ 324): لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن.

- قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 245): في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين

وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} ظاهره أنه أراد الحرائر لئلا يكن مثل الإماء اللاتي هن غير مأمورات بستر الرأس والوجه.

- قال الزمخشري في الكشاف (3/ 569): فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زي الإماء بالأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه.

ص: 125

- قال ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 625): فدل على أنه أراد تمييزهن على الإماء.

- قال البيضاوي في تفسيره (4/ 386): {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} يميزن من الإماء والقينات.

- قال النسفي في تفسيره (3/ 315): ترخى بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة.

- قال الكلبي في التسهيل لعلوم (3/ 144): كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن ويفهم الفرق بين الحرائر والإماء.

- قال ابن كثير في تفسيره (3/ 519): {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر لسن بإماء.

- قال الثعالبي في تفسيره (8/ 64): يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنّعن بها ويغطّين وجوههن ورؤوسهن ليُعلم أنّهنّ حرائر.

- وفي تفسير الجلالين (1/ 560): {أَنْ يُعْرَفْنَ} بأنهن حرائر {فَلَا يُؤْذَيْنَ} بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن.

ص: 126

- قال الشوكاني في فتح القدير (4/ 304): يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة فيعلم أنهن حرائر.

- قال الألوسي في روح المعاني (22/ 89): والنساء مختصات بحكم العرف بالحرائر، وسبب النزول يقتضيه وما بعد ظاهر فيه فإماء المؤمنين غير داخلات في حكم الآية.

* ومن الفقهاء:

- قال أبو يوسف الحنفي في الآثار (ت 182 هـ)(1/ 29): كان يكره أن يتقنعن يتشبهن بالحرائر.

- قال السرخسي الحنفي في المبسوط (ت 483 هـ)(10/ 151): فأمر الله تعالى الحرائر باتخاذ الجلباب ليعرفن به من الإماء.

- قال ابن عبدالبر المالكي في الاستذكار (ت 463 هـ)(8/ 541): والعلماء مجمعون على أن الله عز وجل لم يرد بما أمر به النساء من الاحتجاب؛ الإماء وإنما أراد بذلك الحرائر.

- مغني المحتاج الشافعي (ت 977 هـ)(3/ 131): وكانت الحرائر تعرف بالستر فخشي أنه إذا استترت الإماء حصل الأذى للحرائر فأمر الإماء بالتكشف.

ص: 127

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (15/ 372): والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه إن الحرة تحتجب والأمة تبرز.

- قال ابن قدامة الحنبلي في المغني (ت 620 هـ)(7/ 79): وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم مشهورا وأن الحجب لغيرهن كان معلوما.

- قال إبراهيم بن مفلح الحنبلي في المبدع (ت 884 هـ)(1/ 361): كان عمر ينهى الإماء عن التقنع وقال إنما القناع للحرائر واشتهر ذلك ولم ينكر فكان كالإجماع.

* ومن علماء اللغة:

- في غريب الحديث لابن سلام (ت 224 هـ)(3/ 305): (إن الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار). . . إنما أراد بالفروة القناع، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب.

- وفي غريب الحديث للخطابي (ت 388 هـ)(2/ 121): وذلك أن الحجاب إنما ضرب على الحرائر دون الإماء.

ومن ذلك قول الشاعر سبرة بن عمر الفقعس يعيّر أعداءه:

ونسوتكم في الروع باد وجوهها

يخلن إماء والإماء حرائر

ص: 128

- ثانيا: بعد أن تقرر أن الحجاب فُرض على الحرائر دون الإماء؛ فعليه فإنه سيكون هناك نساء كاشفات عن وجوههن لعدم فرض ذلك عليهن وهن الإماء: وهذا أحدث اللبس عند المتأخرين؛ فيما ورد في بعض الأحاديث والآثار من كشف بعض النساء لوجوههن لكونهن منالإماء؛ وعدم إيجاب بعض أهل العلم تغطية الوجه عليهن إذا خرجن في الطرقات لعدم فرض ذلك عليهن وإنما يوجبون على الرجل ما أمره الله به من غض البصر، فأشكل هذا على المتأخرين فحملوه على أن المراد به جواز الكشف للحرائر من النساء.

فغياب هذه الأحكام عن الأذهان هو الذي أحدث اللبس عند المتأخرين في مسألة الحجاب وحدود عورة المرأة، إذ إنه لا خلاف حقيقة بين الأئمة الأربعة ومن تقدم من الفقهاء في وجوب الحجاب وتغطية الوجه على النساء الحرائر، وإنما نشأ الخلاف بين من تأخر من فقهاء المذاهب بناء على ما ذكرنا، وسيأتي مزيد بيان لذلك في مناقشة البحوث القادمة إن شاء الله.

- ثالثا: احتج الشيخ الألباني على إنكاره للتفريق بين الحرائر والإماء بالآتي:

1) بعد أن نقل عن البيهقي قوله" والآثار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك صحيحة" استشهد بقول ابن حزم فقال: وقد صرح ابن حزم فيما بعد (3/ 221) بأنه لم يخف عليه هذا، قال:" ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم " اهـ

وهذا يوهم أن ابن حزم لم يقبل ما صح عن عمر من تفريقه بين الحرائر والإماء في تغطية الوجه (التقنع)! والصحيح أن الذي أنكره ابن حزم هو قول من قال

ص: 129

بأن للأمة أن تصلي مكشوفة الشعر احتجاجا بما ورد عن عمر، لا أنه ينكر على من فرق بينهن في الحجاب عند الخروج، بل إنه أكَّد أن ما ورد عن عمر كان في التفريق بينهن في لبس الجلابيب عند الخروج؛ وليس في عورة الصلاة.

قال ابن حزم في المحلى (3/ 221 - 222): لم يخف علينا ما روي عن عمر رضي الله عنه في خلاف هذا

(1)

وعن غيره، ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم

وإذا تنازع السلف رضي الله عنهم وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه من القرآن والسنة وليس في القرآن ولا في السنة فرق في الصلاة بين حرة ولا أمة

مع أن الذي عن عمر في ذلك؛ إنما هو في خروجهن لا في الصلاة، فبطل تمويههم بعمر. وقال في موضع آخر من المحلى (2/ 252): فإن قالوا: قد جاء الفرق في الحدود بين الحرة والأمة. قلنا: نعم، وبين الحر والعبد؛ فلم ساويتم بين الحر والعبد فيما هو منهما عورة في الصلاة، وفرقتم بين الحرة والأمة فيما هو منهما عورة في الصلاة، وقد صح الإجماع والنص على وجوب الصلاة على الأمة كوجوبها على الحرة في جميع أحكامها، من الطهارة، والقبلة، وعدد الركوع، وغير ذلك، فمن أين وقع لكم الفرق بينهما في العورة. اهـ

(1)

قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة /94: "يشير إلى ما ورد عن عمر رضي الله عنه من التفريق بين الحرة والأمة في التخمر". اهـ ولا يصح نسبة ذلك لعمر رضي الله عنه لأنه لم يثبت عنه أنه كان ينهى الإماء عن التخمر!! وإنما صح عنه أنه كان ينهاهن عن التقنع - تغطية الوجه - محافظة على زي الحرائر.

ص: 130

فقد بالغ بعضهم في ذلك التفريق حتى جعل عورتها كعورة الرجل من السرة إلى الركبة!

(1)

وهذا هو الذي ينبغي أن يُنكر لأنه لا صحة له في الشرع! ولكن لا يكون ذلك حجة لرد ما ثبت في الشرع من التفريق بين الحرائر والإماء في ستر الوجه!

(1)

هل يصح ما تناقلته كتب الفقه من أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة؟ وما دليلهم على ذلك؟

لا يصح ما تناقلته كتب الفقه من أن عورة الأمة كعورة الرجل من السرة إلى الركبة، لأنه لا يوجد أصل صحيح يعتمد عليه في ذلك:

1) قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 92): وأما الذي روي عن محمد بن كعب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يشتري الجارية لا بأس أن ينظر إليها إلى عورتها، وعورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها. فإنه إنما رواه عنه عيسى بن ميمون وصالح بن حسان وكلاهما ضعيف. اهـ

2) استدلالهم بحديث عمرو بن شعيب؛ عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظرن إلى عورتها" أبو داود 4/ 64 (4113) وحسنه الألباني.

وهذا ليس فيه تحديد لعورتها، بل يصح هنا أن يقال إن عورتها عند سيدها بعد أن تزوجت كما ذكر بعض أهل العلم؛ كالمرأة مع محارمها. كما قال البيهقي في سننه الكبرى (7/ 94): والصحيح أنها لا تبدي لسيدها بعد ما زوجها ولا الحرة لذوي محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة.

أما الرواية الأخرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إذا زوج أحدكم خادمه - الخادم يراد به الأمة - عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى ما دون السرة وفوق الركبة" أبو داود 4/ 64 (4114) وحسنه الألباني.

فهذا يؤول على ما تنظر إليه الأمة من سيدها بعد أن زوجها عبده أو أجيره، وليس ما ينظر إليه السيد منها، يشهد لهذا أن النضر بن شميل رواه عن سوار أبي حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة". سنن البيهقي الكبرى 7/ 94

قال البيهقي في سننه الكبرى (2/ 226): وسائر طرق هذا الحديث يدل وبعضها ينص على أن المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة السيد بعد ما زوجت أو نهي الخادم من العبد أو الأجير عن النظر إلى عورة السيد بعد ما بلغا النكاح فيكون الخبر واردا في بيان مقدار العورة من الرجل لا في بيان مقدارها من الأمة. اهـ

يشهد لذلك أن بعضهم استشهد به في بيان مقدار عورة الرجل كما في نصب الراية لأحاديث الهداية (1/ 298) وفي مغني المحتاج (1/ 185) حيث استشهد به ضمن الأحاديث التي تحدد مقدار عورة الرجل.

* قال الشيخ الألباني في الثمر المستطاب (1/ 324) بعد أن بين عورة المرأة في الصلاة: واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة لعدم وجود دليل الفرق، نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق لكنها ضعيفة الأسانيد لا تقوم بها حجة وقد بين ضعفها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) فليراجعها من شاء. اهـ

فعلم مما سبق أنه لا يصح ما تناقلته كتب الفقه من كون عورة الأمة في الصلاة كعورة الرجل، والصحيح أن عورة المرأة الحرة والأمة في الصلاة سواء، وإنما الفرق بين الحرائر والإماء في فرض الحجاب (تغطية الوجه) على الحرائر دون الإماء.

ص: 131

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 275): الفرق بين الحرة والأمة إنما هو في القناع ونحوه كما دلت عليه الآثار ولأنهن كن قبل أن ينزل الحجاب مستويات في ستر الأبدان فلما أمر الحرائر بالاحتجاب والتجلبب بقي الإماء على ما كن عليه، ولأن الأصل أن عورة الأمة كعورة الحرة كما أن عورة العبد كعورة الحر لكن لما كانت مظنة المهنة والخدمة وحرمتها تنقص عن حرمة الحرة رخص لها في إبداء ما تحتاج إلى إبدائه وقطع شبهها بالحرة وتمييز الحرة عليها.

2) استشهد الشيخ الألباني بما نقله عن أبي حيان الأندلسي على أنه ينكر أن يوجب الشارع على الحرائر زيادة تستّر مما لم يوجبه على الإماء وهن أكثر فتنة

ص: 132

منهن! فقال الشيخ الألباني في كتابه جلباب المرأة المسلمة/92: قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط (7/ 250): والظاهر أن قوله {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح. اهـ

وبالرجوع إلى كلام أبي حيان الذي نقل منه الشيخ الألباني موضع الشاهد يتبين أنه إنما أراد بهذا القول؛ وجوب تغطية الوجه حتى على الإماء:

قال أبو حيان في تفسير البحر المحيط (7/ 240): " كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة يقولون حسبناها أمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه

وقال أبو عبيدة السلماني حين سئل عن ذلك فقال أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها

وقال ابن عباس وقتادة وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه والظاهر أن قوله {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح ومن في {مِنْ

ص: 133

جَلَابِيبِهِنَّ} للتبعيض و {عَلَيْهِنَّ} شامل لجميع أجسادهن أو {عَلَيْهِنَّ} على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".

3) علل الشيخ الألباني إنكاره للتفريق بين الحرائر والإماء في الحجاب؛ بأن ذلك سيكون مدعاة للافتتان بهن لأنه لم يُفرض عليهن ما يدفع عنهن الأذية! واستشهد بقول ابن حزم في المحلى (2/ 249): وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق؛ فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يعترضوهن. قال علي: ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد

لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين، وهذه مصيبة الأبد، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنى بالحرة كتحريمه بالأمة. اهـ

والجواب عليه بالآتي:

أولا: لم ينكر ابن حزم أن الله تعالى في هذه الآية أمر النساء الحرائر بتغطية الوجه دون الإماء وإنما أنكر التعليل الذي عُلل به هذا الأمر، فإنكاره للتعليل وليس للمعلل! ولذلك بيّن سبب إنكاره لهذا التفسير قائلا (لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين وهذه مصيبة الأبد وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق).

ص: 134

ثانيا: إن الشرع قد فرق بين الحرة والأمة في الحدود والعدة فلا غرابة أن يفرق بينهما في الحجاب؛ كما قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}

إلى قوله {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(1)

النساء: 25 فإن الله تعالى لما لم يأمرهن بما أمر به الحرائر من الستر مما يجعلهن أكثر عرضة للوقوع في الفواحش خفف عنهن العقوبة فجعلها نصف ما على الحرائر من العذاب.

ثالثا: أن الشرع لم يبح للأمة إلا كشف الوجه الذي لا يرى فيه الشيخ الألباني غضاضة على الحرائر، وفي إنكاره لهذا في حق الإماء تناقض وإقرار بأن كشف الوجه سيكون مدعاة للافتتان بالنساء الحرائر وعدم دفع الأذية عنهن!!

كما أن الله تعالى بعد أن أمر الحرائر بتغطية الوجه لدفع الأذية عنهن؛ لم يوقف الأمر على ذلك؛ بل أعقبه بما يدفع ما يمكن أن يتوهمه متوهم بأن الله تعالى قد أطلق الفساق على أعراض الإماء؛ فقال سبحانه دافعا هذه الشبهة محرما أذيتهن متوعدا من يتعرض لهن من الفساق {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ

(1)

تفسير القرطبي (2/ 378)(12/ 159): فعلى الأمة منهن إذا زنت؛ نصف ما على الحرة البكر إذا زنت، وحد الزاني الحر البالغ البكر، وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة (مائة جلدة) وأما المملوكات فالواجب خمسون جلدة، لقوله تعالى:" فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب".

ص: 135

مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} الأحزاب: 60 - 61 فكيف يقال بعد هذا أن الله تعالى قد أطلق الفساق على أعراض الإماء؟! ولكن حكمة الله اقتضت أن يكون ذلك سببا في ذلك الوقت لفرض الحجاب،

ولم يغب عنه سبحانه أنه في الأزمنة التي سيعم فيها الفساد سينقطع الرق حتى لا تبقى نساء مسلمات كاشفات الوجوه يتعرضن لإيذاء أهل الفساد.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 80): وأما تحريم النَّظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة؛ وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال، فكذب على الشارِع فأين حرم اللَّه هذا وأباح هذا والله سبحانه إنما قال {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ولم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب، وإنّما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك.

كما قال الشنقيطي في أضواء البيان (6/ 245): وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز هو حرام ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض وأنهم يدخلون في قوله تعالى {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} إلى قوله {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}

الأحزاب: 60 - 61

ص: 136

4) أنكر الشيخ الألباني أن يكون المراد بقوله تعالى {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} الحرائر منهن دون الإماء؛ قياسا على عموم قوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} النساء: 43 وهذا قياس ضعيف! فإن العموم ظاهر في قوله تعالى (النِّسَاءَ) حيث جاءت معرفة بـ (ال) التي تفيد الاستغراق أي تشمل جميع النساء حرائر وإماء، أما قوله

{وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ}

في آية الحجاب فإنها جاءت عارية من (ال) ولذلك فقياسها على ما عري مثلها أولى، كقوله

{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ} الأحزاب: 30 وقوله {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} البقرة: 226

وقوله {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} المجادلة: 2 وهذا كله مما علم أنه يراد به في الأسلوب القرآني زوجاتهم الحرائر دون الإماء.

- قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/ 270 - 273): وقد مضت السنة بالفرق بين الحرة والأمة

والأصل في ذلك إن الله سبحانه قال {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فاختص الله سبحانه بالأمر بإدناء الجلابيب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين ولم يذكر إماءه ولا إماء المؤمنين ولسن داخلات في نساء المؤمنين بدليل أن قوله تعالى {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ} وقوله {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وقوله {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} إنما عنى به الأزواج خاصة.

ص: 137

- قال الجصاص في أحكام القرآن (5/ 245): وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى (ونساء المؤمنين) ظاهره أنه أراد الحرائر.

- قال الألوسي في روح المعاني (22/ 89): والنساء مختصات بحكم العرف بالحرائر. اهـ

يشهد لذلك قول عائشة رضي الله عنها "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن"

(1)

فقولها (نساء المؤمنات) يدل على أن مرادها الحرائر منهن، إذ لو كانت تريد عموم النساء لقالت

(كن النساء يشهدن) كما في قولها " لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد"

(2)

.

5) أنكر الشيخ الألباني على شيخ الإسلام ابن تيمية القول باختصاص الحرائر بالحجاب فقال في جلباب المرأة / 95: وأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير سورة النور" والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه؛ أن الحرة تحتجب والأمة تبرز" فغريب؛ ووجه الغرابة عزو ذلك إلى سنة المؤمنين زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أي إقراره صلى الله عليه وسلم، ولو صح هذا في نص صريح لكان حجة كافية في صحة دعوى الاختصاص، ودليلا واضحا على تخصيص قوله تعالى (ونساء المؤمنين) بالحرائر، ولكني لا أراه ورد فضلا عن أن يصح. اهـ

(1)

صحيح البخاري 1/ 210 (553)

(2)

صحيح البخاري 1/ 296 (831) صحيح مسلم 1/ 329 (445).

ص: 138