المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناقشة البحث السادس:: - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة::

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الرابع::

- ‌ التقنع

- ‌ الاعتجار

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌عورة المرأة الحرة

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ نظر المرأة للرجال الأجانب

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية

- ‌ الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ مناقشة البحث السادس::

ــ::‌

‌ مناقشة البحث السادس::

ــ

استشهد الشيخ الألباني في هذا البحث ببعض الأحاديث والآثار التي بسطها في كتابه الجلباب محتجا بها على جواز كشف الوجه! فسنتتبعها كلها ونجيب عليها بعون الله:

(الحديث الأول)

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع.

(1)

كان أول ما استشهد به الشيخ الألباني في رده المفحم هو حديث المرأة الخثعمية وهو الثاني في كتابه الجلباب/62 وسنجيب عنه أولا لأن الجواب عنه هو جواب لكثير من الأحاديث والآثار التي استشهد بها الشيخ الألباني فنقول:

أولا: لن نستطرد في نقل رد الشيخ الألباني على مخالفيه لضعف جوابهم عن هذا الحديث لأننا لا نخالفه في كونها كانت كاشفة عن وجهها وكان الفضل ينظر إليها

(1)

صحيح البخاري 2/ 551 (1442) صحيح مسلم 2/ 973 (1334).

ص: 214

معجبا بحسنها، فأنكر رسول صلى الله عليه وسلم عليه ذلك بأقوى درجات الإنكار، فأخذ بذقن الفضل وصرف وجهه عنها.

ولكن الحكم الشرعي الذي أباح للخثعمية كشف وجهها والذي ذهل عنه أكثر أهل العلم المتأخرين، وانطوت آثاره في التصانيف المتأخرة، ولم يشر إليه بعض المتقدمين لما هو معلوم عندهمبالضرورة؛ هو ما بيناه في مناقشة البحث الخامس؛ أن الحجاب (تغطية الوجه) إنما هو فرض على النساء الحرائر دون الإماء. وهذا هو سبب كشف المرأة الخثعمية لوجهها (أنها كانت جارية؛ أي أمة مملوكة)

(1)

ولذلك لم يأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بتغطية وجهها لعدم وجوب ذلك على الإماء، وقد يكون والدها قد أعتق عند كبر سنه فلزمته فريضة الحج ولذلك قالت (إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج). وقد جاء التصريح بأنها كانت جارية

(2)

في الرواية التي أخرجها أحمد والترمذي والبيهقي

(1)

الجارية مصطلح يطلق على الأمة ـ المرأة المملوكة ـ كما في التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (1/ 240): والجارية السفينة سميت به لجريها في البحر ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريها مسخرة في أشغال مواليها والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا فسموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزا لا تقدر على السعي تسمية بما كانت عليه. أهـ

(2)

وإن قيل لعل المراد في هذا الحديث بقوله (جارية) أنها كانت شابة؛ فهذا يبعده أنه جاء في رواية أحمد والترمذي والبيهقي وصفها بأنها "جارية شابة من خثعم" كما عند ابن عبد البر: "فاستقبلته جارية من خثعم شابة"، وإن قيل لعل المراد أنها كانت صغيرة السن! فنقول إن هذا مع ضعفه لأنه يستبعد أن تأتي فتاة صغيرة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تحج عن والدها، فإنه علاوة على ذلك يبطل الاحتجاج به على جواز كشف المرأة البالغة، ومع ذلك فإنه جاء التصريح في بعض الروايات بأنها كانت (امرأة) كما عند البخاري ومسلم، وبذلك يثبت أن مرادهم بوصفها أنها جارية: أنها كانت أمة مملوكة.

ص: 215

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال (وقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفة

حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل، ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر، واستفتته جارية شابة من خثعم؛ فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال:

حجي عن أبيك، قال ولوى عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول اللَّه لم لويت عنق بن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)

(1)

.

وفي الاستذكار لابن عبد البر (4/ 299) ولفظه: (ثم أتى المنحر بمنى فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر فاستقبلته جارية من خثعم شابة فقالت أبي شيخ كبير).

وقد تكون المرأة أمة ولو كانت من نسبة قبلية لكونها سبيّة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم يبعث سرايا من أصحابه فيغيروا على القبائل ويسوقوا السبي إلى المدينة النساء منهم والرجال، كما في صحيح مسلم (3/ 1375): عن سلمة بن الأكوع قال: " غزونا فزارة وعلينا أبو بكر، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، فلما كان بيننا وبين الماء ساعة، أمرنا أبو بكر فعرسنا، ثم شن الغارة

فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها من أحسن العرب، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها ".

(1)

مسند أحمد بن حنبل 1/ 75 (562) جامع الترمذي 3/ 232 (885) وقال حسن صحيح، مسند أبي يعلى 1/ 264 (312)، سنن البيهقي الكبرى 7/ 89 (13290) وصححه المقدسي في الأحاديث المختارة 2/ 242، وحسن إسناده الألباني في صحيح جامع الترمذي 3/ 232.

ص: 216

بل وجاء النص على قبيلة خثعم كما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 123): سرية قطبة بن عامر إلى خثعم سنة تسع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبة بن عامر في عشرين رجلا إلى حي من خثعم

فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعا. وقتل قطبة بن عامر من قتل وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة).

* ومما يشهد أن المرأة الخثعمية من الإماء وليست من النساء الحرائر الآتي:

1) أن البخاري في صحيحه مهد لهذا الحديث بثلاثة آثار في غض البصر؛ بيّن فيها المنع من النظر إلى نساء العجم، والنظر إلى ما يشتهى من الصغيرة، والنظر إلى الإماء؛ ثم ذكر الحديث دون ذكر لغض البصر عن وجوه النساء الحرائر.

قال البخاري في صحيحه (5/ 2299) معلقا: " قال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال اصرف بصرك عنهن، وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة، وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. اهـ - ثم ساق البخاري حديث المرأة الخثعمية -

وكذلك القرطبي في تفسيره حيث قال (12/ 227): وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر

) الحديث. وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء: لا يصلح النظر إلى شي منهن ممن يشتهى النظر إليهن وإن كانت صغيرة. وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة

ص: 217

إلا أن يريد أن يشتري. وفي الصحيحين عنه عليه السلام أنه صرف وجه الفضل عن الخثعمية حين سألته، وطفق الفضل ينظر إليها

فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له، أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد، فهو آمن أن يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها.

2) استشهاد ابن حزم بهذا الحديث على أنه لا يجوز النظر من الأمة إلا إلى الوجه والكفين: قال ابن حزم في المحلى (10/ 30): مسألة ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة فله أن ينظر منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر، ولا يجوز ذلك في أمة يريد شراءها، ولا يجوز له أن ينظر منها - الأمة - إلا إلى الوجه والكفين فقط لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره - يرى ابن حزم أنه يجوز للخاطب أن يرى من المرأة ما يدعوه إلى نكاحها، بينما لا يجوز له من الأمة يريد شراءها إلا الوجهوالكفين - برهان ذلك قول الله عز وجل {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} النور: 30 فافترض الله عز وجل غض البصر جملة كما افترض حفظ الفرج، فهو عموم لا يجوز أن يخص منه إلا ما خصه نص صحيح، وقد خص النص نظر من أراد الزواج فقط، كما روينا

عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل

فكان هذا عموما مخرجا لهذه الحال من جملة ما حرم من غض البصر. وأما النظر إلى الجارية يريد ابتياعها فلا نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجة فيما جاء عن سواه

فبقي أمر الابتياع على وجوب غض البصر. وأما - جواز النظر من الجارية إلى - الوجه والكفان فقد

ص: 218

جاء فيهما الخبر المشهور الذي أوردناه في غير هذا المكان من أمر الخثعمية التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيها وأن الفضل بن العباس جعل ينظر إلى وجهها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عنها ولم يأمرها بستر وجهها ففي هذا إباحة النظر إلى وجه المرأة لغير اللذة. مسألة ولا يحل لأحد أن ينظر من أجنبية لا يريد زواجها إن كانت أمة لتلذذ إلا لضرورة، فإن نظر في الزنى إلى الفرجين ليشهد بذلك فمباح له لأنه مأمور بأداء الشهادة وأما في غير ذلك فالوجه والكفان كما قدمنا آنفا عند الشهادة عليها أو لها أو منها. اهـ

3) أنه لم يستشهد أحد من المتقدمين بهذا الحديث على جواز الكشف للمرأة الحرة؛ وإنما كان استشهادهم به على تحريم النظر إلى الأجنبية:

- ومن ذلك ما جاء في شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 98): هذا الحديث فيه فوائد؛ منها جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وجواز سماع صوت الأجنبية عند الحاجة في الاستفتاء والمعاملة وغير ذلك، ومنها تحريم النظر إلى الأجنبية، ومنها إزالة المنكر باليد لمن أمكنه. اهـ

- قال ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 150): وأولى منه ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وفيه قصة المرأة الوضية الخثعمية، واستنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة من حيث إنه لم يأمرها بتغطية وجهها ولو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا لما أقره عليه. فائدة اختار النووي أن الأمة كالحرة في تحريم النظر إليها، لكن يعكّر عليه ما في الصحيحين في قصة صفية (فقلنا إن حجبها فهي زوجته وإن لم يحجبها فهي أم

ص: 219

ولد) كذا اعترضه ابن الرِّفعة وتُعقِّب بأنه يدل على أن الأمة تُخالف الحرَّة فيما تبديه أكثر مما تبديه الحرة وليس فيه دلالة على جواز النظر إليها مطلقا. اهـ

* إلا ما نقله الشيخ الألباني عن ابن بطال " أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً " الذي نقله من فتح الباري لابن حجر، وكان من الأولى أن يُنقل قول ابن بطال من كتابه (شرح ابن بطال على صحيح البخاري) بدلا من النقل عن ابن حجر حتى يتبين مراده: قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (17/ 8): (وفيه أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهم فرضًا في كل حال كلزومه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم) فهذا كما ذكرنا إن نساء المؤمنين الحرائر إنما يلزمهن الحجاب فرضا عن الرجال الأحرار الأجانب؛ أما العبيد فلا يلزمهن الاحتجاب منهم، أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن فريقا من أهل العلم ومنهم ابن بطال يرون أنه لا يحل دخول العبيد عليهن إلا ما ملكت أيمانهن، ومن جهة أخرى فإن الحجاب لم يفرض على جميع النساء وإنما فرض على الحرائر منهن دون الإماء، ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار لأنها كانت من الإماء، ولذلك قال ابن بطال (ولو لزم جميع النساء فرضًا لأمر النبي الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل عن وجهها، بل كان يأمره بصرف بصره، ويعلمه أن ذلك فرضه، فصرف وجهه وقت خوف الفتنة وتركه قبل ذلك الوقت) وعلى ذلك فحكم ستر وجه الحرة أمام من أباح لهم الشرع الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممن لا يعد محرما لها من العبيد المملوكين والأتباع؛ سُنّة وليس فرضا، ولذا قال ابن بطال (وهذا الحديث يدل أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير ذوي محارمهن سنة لإجماعهم أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ويراه منها الغرباء) أي من

ص: 220

يحل له الدخول عليها والنظر إليها من العبيد والأتباع، أما الأحرار الأجانب فقد حرم الشارع عليهم الدخول عليها والنظر إليها كما بيّناه آنفا. ومما يؤكد ما ذكرنا وأن ابن بطال يرى وجوب تغطية الوجه على النساء الحرائر أمام الرجال الأحرار الأجانب؛ قوله في شرح صحيح البخاري (4/ 217): وأجمع العلماء أن المرأة تلبس المخيط كله والخمُر والخفاف، وأن إحرامها في وجهها، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها، وتسدل الثوب على وجهها سدلا خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال. وقوله في موضع آخر منه (222/ 2): وذلك أن تلفعهن وتسترهن بمروطهن مانع من معرفتهن، وكان الرجال يصلون ووجوههم بادية بخلاف زي النساء وهيئاتهن

(الحديث الثاني) الذي استشهد به الشيخ الألباني:

* حديث جابر رضي الله عنه قال" شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال

ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن، وذكّرهن، فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من سطة - سفلة - النساء

(1)

سفعاء الخدين (أي فيهما تغير وسواد) فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير"

(2)

قال الألباني في جلباب المرأة /60: والحديث واضح الدلالة، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة بأنها" سفعاء الخدين" اهـ

(1)

مسند أحمد بن حنبل 3/ 318 (14460) سنن النسائي (المجتبى) 3/ 186 (1575) وصححه الألباني في صحيح النسائي 3/ 186.

(2)

كما عند أحمد بن حنبل في مسنده 1/ 376 (3569) والنسائي في سننه الكبرى 5/ 398 (9257) وابن حبان في صحيحه 8/ 115 (3323) المستدرك على الصحيحين 2/ 207 (2772) وصحح إسناده.

ص: 221

فيجاب على ذلك بأن هذه المرأة كانت من الإماء المملوكات ولذلك كانت كاشفة عن وجهها، يؤيد ذلك أن جابر وصف تلك المرأة بأنها من (سفلة النساء)

(1)

كما قال ابن الأثير: أي السُّقّاط من الناس، وفي رواية (فقامت امرأة ليست من علية النساء)

(2)

، ووصفها بأنها (سفعاء الخدين) وهذا يكفي دليلا على أنها كانت من الإماء.

(3)

قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 294): حذاق شيوخنا زعموا أن هذا الحرف مغير فى كتاب مسلم، وأن صوابه:" من سفلة الناس " وكذا رواه النسائى فى سننه، وابن أبى شيبة فى مصنفه، وذكره من طريق آخر:" فقامت امرأة ليست من علية النساء " ويعضده قوله بعدها " سفعاء الخدين"

(4)

.

لكن الشيخ الألباني اختار لفظ مسلم (سطة) الذي يحتمل فيه التصحيف! لما قيل في معنى (سطة): (أي جالسة في وسطهن) وهذا المعنى بعيد لأنه لا حاجة لأن يشير جابر إلى أنها كانت جالسة في وسطهن! أما قوله (من سفلة النساء) ففيه الإشارة إلى أن هذه المرأة كانت من الإماء.

(1)

وممن قال بذلك عماد الدين السمّات في كتابه" وقرن في بيوتكن" ص 276 ط الأولى 2003 - 2004 م.

(2)

وانظر كذلك التطريف في التصحيف للسيوطي 1/ 24، وإن كان النووي قد أنكر ما ذكر القاضي عياض وقال في شرحه على صحيح مسلم 6/ 175: وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة والمراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. أهـ فنقول وإن صح هذا المعنى في رواية مسلم فهذا لاينفي كونها من الإماء كما تبين ذلك من الروايات الأخرى ومن قوله الذي اتفقت عليه الروايات (سفعاء الخدين).

(3)

(4)

ص: 222

وقد سبق أن أشار الشيخ الألباني إلى هذا التصحيف في كتابه الثمر المستطاب 1/ 308: فقال: قوله: (سطة) كذا هو عند مسلم ورواية الباقين: (سفلة) ولعل تلك الرواية محرفة أو مصحفة من هذه.

ولذلك تجد أنه لم يستشهد بهذا الحديث أحد من أهل العلم المتقدمين على جواز كشف النساء.

(الحديث الثالث) الذي استشهد به الشيخ الألباني:

* حديث سهل بن سعد" صحيح البخاري (6/ 192): أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم] وهو في المسجد [فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست"

(1)

أولا: نسوق الحديث بتمامه كما عند البخاري في صحيحه:

عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: أي رسول الله، إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال:(هل عندك من شيء)؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال:(اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا)

(1)

صحيح البخاري 5/ 1956 (4799) صحيح مسلم 2/ 1040 (1425) وما بين الأقواس للطبراني في المعجم الكبير 6/ 190 (5961).

ص: 223

فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا، قال:(انظر ولو خاتما من حديد) فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء) فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي، فلما جاء قال:(ماذا معك من القرآن)؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا - عددها - قال: (أتقرؤهن عن ظهر قلبك)؟ قال: نعم، قال:(اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن).

(1)

والجواب عليه بالآتي:

1) ليس في نظر سهل بن سعد إليها حجة: لأن سهل حينها كان غلاما لم يبلغ الحلم، كما ثبت في السير أنه كان له من العمر عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة.

(2)

كما يحتمل أن هذا كان قبل نزول الحجاب، وليس في الحديث ما يبعد ذلك.

2) على فرض أن هذا الحديث كان بعد الحجاب وأن هذه المرأة كانت كاشفة لوجهها على مرأى من الصحابة، فلا حجة فيه أيضا؛ لأن هذه المرأة كانت من الإماء، أذن لها مولاها أن تتزوج ومما يشهد لذلك:

(1)

صحيح البخاري 5/ 1956 (4799).

(2)

تهذيب التهذيب 4/ 221، الإصابة 3/ 200.

ص: 224

أن البخاري بوب لهذا الحديث في صحيحه (5/ 1956) باب تزويج الْمُعْسِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} والآية هي كما قال تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} النور: 32 يشهد لذلك فقر الرجل الذي تزوجها حتى إنه لم يجد حتى خاتما من حديد، بل كان لا يملك إلا إزاره الذي عليه من غير رداء. كما يشهد لذلك أيضا المهر الذي رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة؛ (فقال رجل زوجنيها، قال: أعطها ثوبا، قال لا أجد، قال أعطها ولو خاتما من حديد)

(1)

. ولذلك لم يستشهد بهذا الحديث أحد من أهل العلم على جواز النظر للنساء؛ فضلا عن أن يستشهدوا به على جواز كشف المرأة لوجهها، بل لم يتطرق شراح الحديث ولا غيرهم ممن يستشهد بهذا الحديث إلا لنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها على أنه من باب نظر الرجل للمرأة يريد أن يتزوجها.

(2)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 210): وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها، وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها لأنه صلى الله عليه وسلم ولو لم يقصد أنه إذا رأى منها ما يعجبه أنه يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة

(1)

قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 210): قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) النساء: 25 يدل على أن صداق الحرة لا بد وأن يكون ما يطلق عليه اسم مال له قدر، ليحصل الفرق بينه وبين مهر الأمة.

(2)

أنكر الشيخ الألباني على من استشهد بهذا الحديث على جواز النظر للمخطوبة! وهو في كتابه جلباب المرأة /64 قال: والبيهقي (7/ 84) ممن خرج الحديث وترجم له" باب نظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها" كما بوّب له كثير من المحدثين بنحو هذا كما بوب له البخاري في صحيحه (5/ 1969): باب النظر إلى المرأة قبل التزويج. فلا وجه لهذا الإنكار.

ص: 225

ويمكن الانفصال عن ذلك بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره!

(الحديث الرابع) الذي استشهد به الشيخ الألباني:

* حديث عائشة رضي الله عنها قالت "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهنّ

(1)

ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس

(2)

"

(3)

قال الشيخ الألباني: ووجه الاستدلال به هو قولها" لا يُعرفن من الغلس"، فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن، وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة. وقد ذكر هذا الشوكاني عن الباجي. ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ:"وما يعرف بعضنا وجوه بعض".

(4)

والجواب عليه بالآتي:

1) ثبت عنها في رواية أخرى أنها قالت (أن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد).

(5)

وقد استشهد الشيخ الألباني بقولها (لا يعرفن من الغلس) وأعرض عن قولها (متلفعات بمروطهن) الذي يعني؛ مغطيات وجوههن بما يشتملن به من الأكسية،

(1)

المرط: كساء من خز أو صوف يؤتزر به وتتلفع به المرأة (المعجم الوسيط 2/ 864).

(2)

الغلس: ظلمة آخر الليل (القاموس المحيط 1/ 723)

(3)

صحيح البخاري 1/ 210 (553) صحيح مسلم 1/ 446 (645).

(4)

جلباب المرأة المسلمة /65.

(5)

صحيح البخاري (1/ 173) صحيح مسلم (1/ 445) واللفظ له.

ص: 226

فإن التلفع يعني تغطية الوجه عند أهل العلم:

- قال الحكيم الترمذي (ت 320 هـ) في نوادر الأصول (2/ 351): الالتفاع؛ الالتحاف بالثوب متقنعا.

- قال ابن بطال (ت 449 هـ) في شرح صحيح البخارى (2/ 222): وذلك أن تلفعهن وتسترهن بمروطهن مانع من معرفتهن، وكان الرجال يصلون ووجوههم بادية بخلاف زى النساء وهيئاتهن.

- قال البيضاوي (ت 685 هـ) في تحفة الأبرار (1/ 238) والطيبي (ت 743 هـ) في شرحه على المشكاة (3/ 886) والكرماني (ت 786 هـ) في الكواكب الدراري (4/ 218) والعيني (ت 855 هـ) في عمدة القاري (5/ 74): التلفع شد اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به.

- وقال علي القاري (ت 1014 هـ) في مرقاة المفاتيح (2/ 530): (ملتفعات) أي: مستترات وجوههن وأبدانهن.

- وقال المناوي (ت 1031 هـ) في فيض القدير (3/ 174): (والالتفاع) وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه.

ص: 227

* وهو كذلك عند أهل اللغة:

- قال أبو منصور الهروي (ت 370 هـ) في الزاهر (ص: 52): فالمتلفعات: النساء اللاتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن، ويقال: وقد تلفع بثوبه والتفع به إذا اشتمل به أي تغطى به.

- قال ابن القطّاع (ت 515 هـ) في الأفعال (3/ 127): لفع ومنه لفاع المرأة كالقناع.

- قال أبو الفضل عياض السبتي (ت 544 هـ) في مشارق الأنوار (1/ 361): والتلفع يستعمل في الالتحاف مع تغطية الرأس.

- قال ابن الجوزي (ت 597 هـ) في (غريب الحديث (2/ 326): (متلفعات بمروطهن) أي متجللات بأكسيتهن

قال أبو زيد تميم تقول تلثمت وغيرهم يقول تلفعت.

2) قال الشيخ الألباني: وقد ذكر هذا الشوكاني عن الباجي. اهـ

وبالرجوع إلى قول الباجي يتبين أنه لا يقول بجواز كشف الوجه:

قال أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ (1/ 4): وروى يحيى متلففات والأكثر على متلفعات والمعنى متقارب إلا أن التلفع يستعمل مع تغطية الرأس، والمروط أكسية مربعة سداها شعر، وقوله ما يعرفن من الغلس

(1)

يحتمل

(1)

قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 55): وقوله (لا يعرفهن أحد) قال الداودي معناه لا يعرفن أنساء أم رجال أي لا يظهر للرائي الا الأشباح خاصة وقيل لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب، وضعفه النووي بأن المتلفعة في النهار لا تعرف عينها، فلا يبقى في الكلام فائدة، وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى، وقال الباجي هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس، قلت وفيه ما فيه لأنه مبنى على الاشتباه الذي أشار إليه النووي. أهـ

ص: 228

أمرين؛ أحدهما لا يعرف أرجال هن أم نساء من شدة الغلس إنما يظهر إلى الرائي أشخاصهن خاصة، قال ذلك الراوي، ويحتمل أيضا أن يريد لا يعرفن من هن من النساء من شدة الغلس وإن عرف أنهن نساء، إلا أن هذا الوجه يقتضي أنهن سافرات عن وجوههن ولو كن غير سافرات لمنع النقاب وتغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس، إلا أنه يجوز أن يبيح لهن كشف وجوههن أحد أمرين؛ إما أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب أو يكون بعده لكنهن أمِنَّ أن تدرك صورهن من شدة الغلس فأبيح لهن كشف وجوههن. اهـ

وعلى فرض أنهن كن كاشفات لوجوههن لكونهن في الغلس، لا يعرف بعضهن وجوه بعض، فكيف يستشهد به على جواز كشفهن في حال يستطيع الرجال معرفتهن ورؤية وجوههن! هذا استشهاد باطل ولا شك.

3) يضاف إلى ذلك أن خروجهن هذا كان على غير مرأى من الرجال كما يدل على ذلك قولها (فينصرفن نساء المؤمنين لا يعرفن من الغلس أو لا يعرفن بعضهن بعضا)

(1)

فهذا يدل على أنهن كن كلهن نساء لا يخالطهن في انصرافهن رجال. وهذا يشهد له ما جاء في الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها (أن النساء في عهد

(1)

صحيح البخاري 1/ 296 (834).

ص: 229

رسول الله صلى الله عليه وسلم كُنَّ إذا سَلَّمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال).

(1)

وفي رواية (كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(2)

وفي رواية عن الزهري قال؛ قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم) قال نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال.

(3)

4) أما قول الشيخ الألباني ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ: "وما يعرف بعضنا وجوه بعض" فبالرجوع لهذه الرواية بتمامها يتبين أن عائشة رضي الله عنها إنما أرادت بقولها توجيه النساء إلى زيادة التستر؛ لا الدعوة إلى السفور والتكشف! فقالت منكرة على النساء ما رأت من تعرضهن للرجال: (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما نرى لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها، لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر في مروطنا وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض (

(4)

.

وبذلك يسقط الاحتجاج بهذا الحديث، ويضم إلى أدلة وجوب تغطية الوجه.

(1)

صحيح البخاري 1/ 295 (828).

(2)

صحيح البخاري 1/ 290 (812).

(3)

صحيح البخاري 1/ 296 (832).

(4)

مسند أبي يعلى (4493) صحح الألباني إسناده في جلباب المرأة /66 ..

ص: 230

(الحديث الخامس) الذي استشهد به الشيخ الألباني:

* حديث فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب

فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال:(تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك) وفي رواية: فقال: (انتقلي إلى أم شريك)، وأم شريك امرأة غنية، من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل، فقال:(لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم) - وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه - فانتقلت إليه، فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته

قال: (إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم، لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال

)

(1)

قال الشيخ الألباني: حديث فاطمة بنت قيس وأمره صلى الله عليه وسلم إياها بالانتقال إلى ابن أم مكتوم الأعمى وقال لها: " فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك" لقد بينت هناك وجه

(1)

صحيح مسلم 2/ 1114 (1480)، 4/ 2261 (2942).

ص: 231

دلالة الحديث وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها في أن تظهر أمام الضيفان بخمارها الذي لا يغطي الوجه لولا خشية سقوطه عنها فيرون رأسها ولذلك أمرها بالانتقال إلى ابن أم مكتوم وعلل صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "فإنك إذا وضعت خمارك لم يركِ" والخمار غطاء الرأس عند جماهير العلماء كما تقدم تحقيقه.

والجواب عليه بالآتي:

أولا: من العجيب استشهاد الشيخ الألباني بهذا الحديث على جواز كشف الوجه مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لفاطمة بالاعتداد عند رجل يبصرها! ولذلك لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المرأة فضلا عن أن يستشهدوا به على جواز كشف وجهها!

- فهذا النووي يقول في شرحه على صحيح مسلم (10/ 99): قوله صلى الله عليه وسلم (تضعين ثيابك عنده) وفي الرواية الأخرى (فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك) هذه الرواية مفسرة للأولى ومعناه لا تخافين من رؤية رجل إليك.

وقال في موضع آخر منه (10/ 96): ومعنى هذا الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزورون أم شريك ويكثرون التردد إليها لصلاحها فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجا، من حيث أنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها ونظرها إليهم وانكشاف شيء منها وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وترددهم مشقة ظاهرة، فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم لأنه لا يبصرها ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك. وقد احتج بعض الناس بهذا على

ص: 232

جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهذا قول ضعيف، بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} و {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ولأن الفتنة مشتركة وكما يخاف الافتتان بها تخاف الافتتان به. . . فليس فيه إذن لها في النظر إليه بل فيه أنها تأمن عنده من نظر غيرها، وهي مأمورة بغض بصرها فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة بخلاف مكثها في بيت أم شريك.

- وبوّب لهذا الحديث أبو عوانة في مسنده (3/ 176): بيان الأخبار التي لا تجعل للمطلقة ثلاثا على زوجها نفقة ولا سكنى وإيجاب خروجها من بيته والانتقال إلى منزل لا يراها الرجال فتعتد فيه.

- وقال ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 381): إن انتقالها من بيت أم شريك إلى بيت ابن أم مكتوم كان أولى بها من بقائها في بيت أم شريك إذ كانت في بيت أم شريك يكثر الداخل فيه والرائي لها وفي بيت ابن أم مكتوم كان لا يراها أحد.

- وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 152 - 156): وفي هذا الحديث وجوب استتار المرأة إذا كانت ممن للعين فيها حظ عن عيون الرجال، وفي ذلك تحريم للنظر إليهن. . . وأما قوله يغشاها أصحابي فمعلوم أنها عورة كما أن فاطمة عورة إلا أنه علم أن أم شريك من السترة والاحتجاب بحال ليست بها فاطمة

ص: 233

ولعل فاطمة من شأنها أن تقعد فضلا

(1)

لا تحترز كاحتراز أم شريك ولا يجوز أن تكون أم شريك وإن كانت من القواعد أن تكون فضلا، ويجوز أن تكون فاطمة شابة ليست من القواعد وتكون أم شريك من القواعد فليس عليها جناح ما لم تتبرز بزينة، فهذا كله فرق بين حال أم شريك وفاطمة وإن كانتا جميعا امرأتين العورة منهما واحدة، ولاختلاف الحالتين أمرت فاطمة بأن تصير إلى ابن أم مكتوم الأعمى حيث لا يراها هو ولا غيره في بيته ذلك.

ثانيا: قال الشيخ الألباني: "وجه دلالة الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها في أن تظهر أمام الضيفان بخمارها الذي لا يغطي الوجه لولا خشية سقوطه عنها فيرون رأسها ولذلك أمرها بالانتقال" استشهد الشيخ الألباني بالرواية التي جاء فيها لفظ (خمارك) المخالف للروايات الأخرى التي جاءت بلفظ (ثيابك) ورواتها أثبت وأوثق!

وعلى فرض صحة الحديث بهذا اللفظ (خمارك) فإن ما بناه الشيخ الألباني على قولها (فأني أكره أن يسقط عنك خمارك) أنه أذن لها أن تخرج بخمار يستر شعرها دون وجهها؛ فعليه ينبني على قولها (أو ينكشف الثوب عن ساقيك) أنه أذن لها تخرج لهم بثوب يستر ساقيها دون قدميها أيضا!! وهذا مما لم يقل الشيخ الألباني بجواز إظهاره!!

(1)

مشارق الأنوار (2/ 160): قال ابن وهب مكشوفة الرأس والصدر وقال غيره الفضل الذي عليه ثوب واحد بغير إزار. وفي النهاية (3/ 456): فضلا: أي متبذلة في ثياب مهنتها أو كانت في ثوب واحد.

ص: 234

وهذا يكشف أن إباحة كشف وجهها وقدميها للرجال؛ لكونها من الإماء المملوكات، يشهد لذلك الآتي:

1 -

ما صح عن شعبة قال أخبرني أبو بكر بن أبي الجهم قال دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف على فاطمة بنت قيس في ملك آل الزبير فسألناها عن المطلقة ثلاثا

(1)

.

2 -

لم يصرح أحد ممن ترجم لها أنها كانت زوجة لأبي عمرو وإنما اتفقت أقوالهم عند ترجمتها (كانت عند أبي عمرو

) وهذا يدل على أنها كانت أمة مملوكة فتزوجها.

3 -

أنها حينما خرجت من بيت زوجها لم تعتد في بيت من أهلها وإنما حولت إلى بيت رجل غريب عنها وهو الأعمى، وما جاء في بعض الروايات أنها ابنة عم للأعمى وأنها من البطن الذي هو منه قد نفاه القاضي كما نقله عنه النووي في شرحه على صحيح مسلم (10/ 103): قال القاضي والمشهور خلاف هذا وليس هما من بطن واحد هي من بنى محارب بن فهر

(2)

وهو من بنى عامر بن لؤي

(3)

. اهـ

(1)

مسند الطيالسي 1/ 228 (1645) سنن البيهقي الكبرى 7/ 181 (13817) وبنحوه في التمهيد لابن عبد البر 19/ 139.

(2)

هي فاطمة بنت قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن وائل بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر الفهرية، كما في الثقات (3/ 336).

(3)

هو عبد الله بن عمرو بن شريح بن قيس بن زائدة بن الأصم من بنى عامر بن لؤي، كما في الثقات (3/ 214).

ص: 235

4 -

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى تزويجها دون إرجاع الأمر إلى وليها.

5 -

أن الرجل الذي زوجها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموالي وهو أسامة بن زيد.

ثالثا: قال بعض أهل العلم أن هذا الحديث معلل الإسناد والمتن:

قال الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في الكفاية في علم الرواية (1/ 81 ـ 83): زعم أهل العراق أن العدالة هي إظهار الإسلام وسلامة المسلم من فسق ظاهر فمتى كانت هذه حاله وجب أن يكون عدلا

فيقال لهم هذا غير صحيح ولا نعلم الصحابة قبلوا خبر أحد الا بعد اختبار حاله والعلم بسداده واستقامة مذاهبه وصلاح طرائقه

يدل على صحة ما ذكرناه أن عمر بن الخطاب رد خبر فاطمة بنت قيس في إسقاط نفقتها وسكناها لما طلقها زوجها ثلاثا مع ظهور إسلامها واستقامة طريقتها

فثبت بما ذكرناه أن العدالة شيء زائد على ظهور الإسلام يحصل بتتبع الأفعال واختبار الأحوال.

قال الكاساني (ت 587 هـ) في بدائع الصنائع (3/ 210): وأما حديث فاطمة بنت قيس فقد رده عمر رضي الله عنه فإنه روي أنها لما روت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة قال عمر رضي الله عنه: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت

وروي أن زوجها أسامة بن زيد كان إذا سمعها تتحدث بذلك حصبها بكل شيء في يده، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لها: لقد فتنت الناس بهذا الحديث، وأقل أحوال إنكار الصحابة على راوي الحديث أن يوجب طعنا فيه.

ص: 236

قال الزيلعي الحنفي (ت 743 هـ) في تبيين الحقائق (3/ 60): وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به لوجوه: أحدها: أن كبار الصحابة أنكروا عليها كعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وعائشة حتى قالت لفاطمة فيما رواه البخاري "ألا تتقي الله"

(1)

وروي أنها قالت لها "لا خير لك فيه"

(2)

ومثل هذا الكلام لا يقال إلا لمن ارتكب بدعة محرمة، وفي صحيح مسلم لما حدث الشعبي عنها بهذا الحديث أخذ الأسود بن يزيد كفا من حصى وحصب به الشعبي فقال له "ويلك أتحدث بمثل هذا الحديث"

(3)

، وقال أبو سلمة أنكر الناس عليها فصار منكرا فلا يجوز الاحتجاج به، والثاني: لاضطرابه؛ فإنه جاء طلقها ألبتة وجاء طلقها ثلاثا، وجاء أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت من طلاقها وجاء طلقها ألبتة وهو غائب، وجاء مات عنها وجاء حين قتل زوجها، وجاء طلقها أبو عمرو بن حفص وجاء طلقها أبو حفص بن المغيرة، فلما اضطرب سقط الاحتجاج به،

وقال كمال الدين ابن الهمام (ت 861 هـ) في فتح القدير (4/ 405 - 407): شرط قبول خبر الواحد عدم طعن السلف فيه وعدم الاضطراب وعدم معارض يجب تقديمه والمتحقق في هذا الحديث ضد كل من هذه الأمور.

فإحدى هذه العلل كافية لإسقاط الاحتجاج بهذا الحديث؛ فكيف بها مجتمعة!!

(1)

صحيح البخاري 5/ 2039 (5016)

(2)

صحيح البخاري 5/ 2040 (5017)

(3)

صحيح مسلم 2/ 1118 (1480)

ص: 237

(الحديث السادس) الذي استشهد به الشيخ الألباني:

* حديث ابن عباس رضي الله عنه: عن ابن عباس قيل له أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته .. فصلّى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال (فقال يا أيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية ثم قال حين فرغ منها أنتن على ذلك قالت امرأة واحدة منهن لم يُجبه غيرها نعم) فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة (قال فبسط بِلال ثوبه ثم قال هلُم لكن فداء أبي وأمي) فرأيتهن يهوين بِأيديهنّ يقذفنه (فيلقين الفتخ

(1)

والخواتيم) في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته.

(2)

قال الشيخ الألباني: قال ابن حزم بعد أن استدل بآية الضرب بالخمار على أن الوجه ليس بعورة: " فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره".اهـ

والجواب عليه بالآتي؛ أولا؛ أن رؤية ابن عباس لهن ليس فيها حجة على جواز نظر الرجال الأجانب للنساء الأجنبيات فضلا عن أن يكون فيها حجة على جواز الكشف وذلك لأنه ثبت في الحديث تصريح ابن عباس بصغر سِنِّه (ولولا مكاني من الصغر ما شهدته) وأما بلال فكان عبدا مملوكا لا تحتجب منه النساء، وعلى فرض أنه كان حينها حرا فليس في الحديث ما يدل على أنه رأى وجوههن ولا أنهن كن كاشفات عن وجوههن.

(1)

الفتخ: جمع فتخة وهي خواتيم تلبس في الأَيدي، وربما وضعت في أَصابع الأَرجل (لسان العرب 3/ 40).

(2)

صحيح البخاري 1/ 331 - 332 (934)(936).

ص: 238

قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 344): والحجة منه هنا مشاهدة ابن عباس ما وقع من النساء حينئذ وكان صغيرا فلم يحتجبن منه وأما بلال فكان من ملك اليمين كذا أجاب بعض الشراح وفيه نظر لأنه كان حينئذ حرا والجواب أنه يجوز ألا يكون في تلك الحالة يشاهدهن مسفرات.

وقال في موضع آخر منه (2/ 466): قوله (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم، قوله (ومعه بلال) فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم ألا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه لأن بلالا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره.

ثانيا؛ أن مراد ابن حزم قصر ما يجوز إظهاره من الأمة، وما يجوز إظهاره من الحرة أمام من يحل له النظر إليها؛ على الوجه والكفين فقط، ولذلك قال (فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره) كما أن استشهاد ابن حزم بهذا الحديث كان على نظر بلال لأكفهن وليس لوجوههن حيث قال (فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ)

(1)

فلا حجة فيه على كشف الوجه!

(1)

المحلى 10/ 31.

ص: 239

كما أن قول ابن حزم (فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ) ضعيف؛ فإنه بإمكانهن إلقاء الخواتم مع ستر أيديهن! وسياق الحديث يشهد لذلك (فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه) وفي الرواية الأخرى (فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال)

(1)

فهل يؤخذ منه أنهن كن كاشفات عن حلوقهن وآذانهن!! وهذا يشهد لكونهن لم يكن كاشفات عن أكفهن وأن ابن عباس إنما رأى حركة أيديهن من تحت الجلابيب، وهذا ما جاء مصرحا به في رواية أخرى عند البخاري قال فيها ابن عباس (ثم أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، فأمر بلالا فأتاهن).

(2)

ثالثا: أن في الحديث ما يشهد أن النساء كن مغطيات وجوههن وذلك فيما أسقط من الحديث وهو قوله (قالت امرأة واحدة منهن لم يُجبه غيرها "نعم"] لا يدري حسن من هي [)

(3)

وحسن هو راوي الحديث. وفي رواية مسلم (فقالت امرأة واحدة لم يُجبه غيرها منهنَّ نعم يا نبي الله [لا يُدْرَى حينئذ من هي [)

(4)

وهذا تصريح من الراوي أن المرأة المتحدثة لا يُدرى من هي لأنها كانت مغطية وجهها فلم تُعرف.

(1)

صحيح البخاري 5/ 2010 (4951)، قال ابن حجر في فتح الباري (10/ 331): ومعنى الإهواء الإيماء باليد إلى الشيء ليؤخذ. وفي لسان العرب (1/ 201): أشار مثل أومأ.

(2)

صحيح البخاري 6/ 2671 (6894).

(3)

صحيح البخاري 1/ 332 (936).

(4)

صحيح مسلم 2/ 602 (884).

ص: 240

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (6/ 172): (لا يدري حينئذ من هي) هكذا وقع في جميع نسخ مسلم (حينئذ) وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ، قال هو وغيره وهو تصحيف وصوابه (لا يدري حسن من هي). قال النووي: ويحتمل تصحيح (حينئذ) ويكون معناه لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي.

(1)

وبذلك يبطل الاحتجاج بهذا الحديث، ويضم إلى أدلة وجوب تغطية الوجه.

(الحديث السابع) الذي استشهد به الشيخ الألباني:

* حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية: أنها كانت تحت سعد ابن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع فوضعت حملها قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته، فلقيها أبو السنابل يعني ابن بعكك حين تعلت من نفاسها وقد اكتحلت] واختضبت وتهيأت [

(2)

فقال لها: اربعي على نفسك لعلك تريدين النكاح إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " قد حللت حين وضعت حملك "

(3)

(1)

تعقبه ابن حجر في فتح الباري (2/ 468) بقوله: ووقع في مسلم وحده (لا يدري حينئذ) وجزم جمع من الحفاظ بأنه تصحيف ووجهه النووي بأمر محتمل لكن اتحاد المخرج دال على ترجيح رواية الجماعة -وهذا لا يعارض قول النووي، فعدم معرفة حسن للمرأة قد يكون لعدم معرفة من قبله من الرواة لها.

(2)

من رواية أخرى عند أحمد في مسنده 6/ 432 (27478) وحسن الألباني إسنادها في جلباب المرأة /69.

(3)

مسند أحمد بن حنبل 6/ 432 (27475) وصحح الألباني إسناده في جلباب المرأة /69.

ص: 241

والجواب عليه بالآتي: أولا: أن مما لا خلاف فيه أن القائلين بكشف الوجه ومنهم الشيخ الألباني يشترطون ألا يكون على الوجه شيئا من الزينة، وقد صرحت سبيعة بأنها كانت متجملة حين دخل عليها أبو السنابل، وهذا مما لم يقل بجوازه أحد من أهل العلم ولا حتى الشيخ الألباني نفسه، ولذلك لم يجد الشيخ الألباني بدا من القول بأنها قد تكون مغطية وجهها ماعدا عينيها! فقال في كتابه جلباب المرأة /69:(والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة، وكذا الوجه أو العينين على الأقل)!!

ثانيا: أنه على فرض أنها كانت كاشفة عن وجهها فلا حجة فيه أيضا؛ لأن سبيعة الأسلمية كانت أمة مملوكة اتخذها سعد بن خولة أم ولد.

(1)

كما جاء ذلك مصرحا به في الرواية التي نقلها الهيثمي عن أحمد في مجمع الزوائد (5/ 2): عن أبي بن كعب قال: نازعني عمر بن الخطاب في المتوفى عنها وهي حامل، فقلت تزوج إذا وضعت، فقالت أم الطفيل -أم ولدي- لعُمر (قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ولد؛ سبيعة الأسلمية أن تنكح إذا وضعت).

(2)

وفي مسند الشافعي (1/ 298) قال: "أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها قال تعتد بحيضة" ثم استشهد بحديث

(1)

أم الولد: هي الأمة التي حملت من سيدها وأتت بولد، كما في معجم لغة الفقهاء ص/88.

(2)

مسند أحمد بن حنبل 6/ 375 (27152) قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن إلا أن بسر بن سعيد لم يدرك أبي بن كعب، قلت وفاة أبي بن كعب مختلف فيها فإن صح أنه توفي في خلافة عثمان فإن بسرا يكون بذلك قد أدركه، كما أنه روي موصولا في رواية أخرى عند أحمد 6/ 375 (27153) عن بسر عن أم الطفيل عن أبي بن كعب.

ص: 242

سبيعة، ولذلك لم يعلق أحد من شراح الحديث على دخول أبو السنابل عليها ونظره إليها البتة، بل لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الحديث - مع كونه مخرج في الصحيحين- على جواز النظر إلى النساء فضلا أن يستشهدوا به على جواز الكشف!

(الحديث الثامن):

* حديث عائشة رضي الله عنها" أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه، ولم تكن مختضبة، فلم يبايعها حتى اختضبت"

(1)

قال الشيخ الأباني:

حديث حسن أو صحيح، أخرجه أبو داود (2/ 190) وله شواهد كثيرة أوردتها في" الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب". اهـ

أولا: عزّا الشيخ الألباني هذا الحديث لأبي داود! والصحيح أنه بهذا اللفظ للبزار عن ابن عباس وليس عن عائشة! وقد ضعّفه ابن القطان فقال: فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وفيه نكارة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن تصافحه المبايعات.

(2)

أما ما أخرجه أبو داود فهو ما روته صفية بنت عصمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال ما أدري أيد رجل أم يد امرأة، قالت بل امرأة، قال لو كنت

(1)

أحكام النظر 1/ 200

(2)

سنن أبي داود 4/ 77 (4166) قال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 139): وصفية هذه مجهولة، قال ابن القطان في أحكام النظر (ص/61): هذا حديث في غاية (الضعف) صفية هذه عدم. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 516): قال أحمد في العلل هذا حديث منكر.

ص: 243

امرأة لغيرت أظفارك يعني بالحناء)

(1)

وهذا ليس فيه حجة لأن فيه أنها كانت تكلم النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب.

ثانيا: قال الشيخ الألباني: " وله شواهد كثيرة أوردتها في" الثمر المستطاب" وبالرجوع إلى الثمر المستطاب لا تجد إلا أسانيد هالكة لا تصلح لتقوية الحديث، لأن أسانيدها لا تخلو ممن لا يُعرف

(2)

!!

قال ابن القطان: وفي الباب حديثان لعائشة، وهما في غاية الضعف. اهـ

وبذلك يسقط الاحتجاج بهذا الحديث.

(الحديث التاسع)

*حديث ابن عباس: "عن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك) فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها"

(3)

.

(1)

انظر: الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للشيخ الألباني 1/ 311 - 314.

(2)

(3)

صحيح البخاري 5/ 2140 (5328) صحيح مسلم 4/ 1994 (2576).

ص: 244

وهذا لا حجة فيه أيضا لأن هذه المرأة السوداء كانت من الإماء ولذلك كانت كاشفة عن وجهها، قال البخاري عقب هذا الحديث: حدثنا محمد

أخبرني عطاء: " أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء، على ستر الكعبة"

(1)

وقال ابن حجر في الإصابة (8/ 210): هي أم زفر الحبشية السوداء.

(الحديث العاشر)

* حديث ابن عباس رضي الله عنه قال" كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين)

(2)

.

والجواب عليه بالآتي؛ أولا: أن هذا الأثر معلل الإسناد والمتن، أما المتن؛ فإن في متنه نكارة شديدة كما قال ابن كثير في تفسيره (2/ 551) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (8/ 438)، أما إسناده؛ فقيل أنه روي موقوفا على أبي الجوزاء دون رفعه لابن عباس وليس فيه ذكر للمرأة، وقال الترمذي والقرطبي وقفه أصح، أي أنه مرسل كما قال الزيلعي فلا يصح الاحتجاج به.

(1)

صحيح البخاري 5/ 2140 (5328).

(2)

جامع الترمذي 5/ 296 (3122) سنن النسائي 2/ 118 (870) سنن ابن ماجه 1/ 332 (1046) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 5/ 608 (2472)، وقال الترمذي والقرطبي والزيلعي إنه مرسل.

ص: 245

- كما في جامع الترمذي (5/ 296) وتفسير القرطبي (10/ 19): قال أبو عيسى وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح.

- قال أبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 81): غريب من حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس تفرد برفعه نوح بن قيس.

- وقال الزيلعي في تخريج الكشاف (2/ 211): روي مرسلا.

- وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 551): {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} الحجر: 24 وقد ورد فيه حديث غريب جدا، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال (كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء. . .) وهذا الحديث فيه نكارة شديدة وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك أنه سمع أبا الجوزاء يقول

فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط، ليس فيه لابن عباس ذكر، وقد قال الترمذي هذا أشبه من رواية نوح بن قيس. اهـ

ثانيا: على فرض ثبوت صحة هذا الأثر؛ فإنه يحتمل أن يكون قبل نزول الحجاب، وليس في الحديث ما يبعد ذلك فلا يكون فيه حجة.

كما يحتمل أن تكون هذه المرأة من الجواري المملوكات - الإماء - وليست من الحرائر، ولذلك لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الخبر على جواز النظر، ولا على جواز كشف وجوه النساء الحرائر!

ص: 246

(الحديث الحادي عشر)

*قول ابن مسعود رضي الله عنه " رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيبا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال أيّما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها".

(1)

والجواب عليه بالآتي: أولا: أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل رأى امرأة تعجبه) أي من الإماء اللاتي لم يفرض عليهن الحجاب، أو من نساء العجم الكاشفات لوجوههن، كما أشار إلى ذلك البخاري في صحيحه معلقا (5/ 2299): قال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال اصرف بصرك عنهن، وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة، وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يُبَعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. اهـ

ثانيا: لم يخرج الحديث بهذا اللفظ إلا الدارمي عن ابن مسعود؛ وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأبي داود والترمذي وغيرهم عن جابر بلفظ آخر؛ (عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس

(2)

منيئة

(3)

لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال:

إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان

(1)

قال الشيخ الألباني: أخرجه الدارمي (2215) عن ابن مسعود واللفظ له، ومسلم وابن حبان وغيرهما؛ عن جابر، وصححه ابن القطان في" أحكام النظر"(ق 18/ 12)

(2)

تمعس: أي تدبغ وأصل المعس المعك والدلك (النهاية في غريب الأثر 4/ 342)

(3)

المنيئة: الجلد أول ما يدبغ (غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 376)

ص: 247

فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرُدُّ ما في نفسه)

(1)

فقوله (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان) بيان لما يغلب عند النظر إلى المرأة من إثارة للشهوة، ولذا لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المرأة الحرة فضلا على أن يستشهدوا به على جواز كشف الوجه، وقد ذكر ابن القطان في أحكام النظر (ص/193): أن الحديث مندفع الدلالة من حيث إنه ليس فيه ذكر للإبداء، ولعل حركة النفس من رؤية الشخص مستترا.

وقال النووي في شرح هذا الحديث (9/ 178): قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا.

قال العظيم آبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود (6/ 132): شبهها بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال فإن رؤيتها من جميع الجهات داعية للفساد

ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج إلا لضرورة ولا تلبس ثيابا فاخرة وينبغي للرجل ألا ينظر إليها ولا إلى ثيابها. اهـ

وبذلك يسقط الاحتجاج بهذا الحديث على جواز الكشف للنساء الحرائر.

(1)

مسلم (1403) أبو داود (2151) صحيح ابن حبان (5572).

ص: 248

(الحديث الثاني عشر)

*ما روي عن عبد الله بن محمد عن امرأة منهم قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل بشمالي وكنت امرأة عسراء فضرب يدي فسقطت اللقمة فقال لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينا أو قال قد أطلق الله عز وجل يمينك قال فتحولت شمالي يمنيا فما أكلت بها بعد"

(1)

والجواب عليه بالآتي؛

أولا: مع احتمال أن يكون هذا قبل الحجاب، أو أن هذه المرأة كانت من الإماء، إلا أن ليس فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنها كانت كاشفة عن وجهها!

ثانيا: أن في متنه نكارة، تتبين بما صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما).

(2)

ثالثا: ضعف إسناد هذا الحديث: قال الشيخ الألباني عقب الحديث: (قال الهيثمي في المجمع (5/ 26) رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات) ثم قال الشيخ الألباني (رجاله ثقات كما قال؛ رجال الشيخين؛ غير عبدالله بن محمد وهو ابن عقيل المدني فيما أظن وهو حسن الحديث)

(3)

وكان من الأولى وقد قال الهيثمي عن رجال إسناد هذا الحديث بأنهم ثقات؛ بألّا يحمل عبدالله بن محمد

(1)

مسند أحمد بن حنبل 4/ 69 (16690) قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 4/ 286: إسناده فيه مقال.

(2)

صحيح مسلم 4/ 1814 (2328).

ص: 249

على (ابن عقيل) لأن ابن عقيل ليس من الثقات قال عنه الهيثمي "حديثه حسن وفيه ضعف" هذا علاوة على أن الهيثمي قد صرح بكونه غير ابن عقيل؛ فقال في الموضع الذي أشار إليه الشيخ الألباني في مجمع الزوائد (5/ 26): عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد عن امرأة منهم قالت دخل علي

) فصرح بأنه عبد الله بن زيد الأنصاري، وهذا يكشف علّة في إسناده: وهي الانقطاع بين عبد الله بن زيد الأنصاري والمرأة فإنه إن لم يكن معضلا كان منقطعا! علاوة على أنه ليس له موثق غير ابن حبان وعليه قال الهيثمي (رجاله ثقات) قال ابن القطان في " الوهم والإيهام "(3/ 348) هو مجهول لا يعرف حاله. وذكره ابن الجارود وابن عدي في " جملة الضعفاء"اهـ وليست هذه علّة إسناده فقط فإن فيه علّة أخرى ذكرها أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني في الآحاد والمثاني (6/ 175) قال: حدثنا

عن إسحاق بن عبد الله عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن امرأة من قومه قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل بشمالي

) قال أبو بكر بن أبي عاصم: وإسحاق هو بن عبد الله بن أبي فروة ليس بشيء ومن زعم أنه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فقد أخطأ. اهـ وفيه شاهد على أن عبدالله بن محمد هو الأنصاري وليس ابن عقيل، وفيه أن إسحاق بن عبدالله هو ابن أبي فروة وهو متروك كما ذكر ابن حجر في التقريب (1/ 102). وعليه فمن وثق رواته كالهيثمي؛ فهو لتوهمه أن إسحاق بن عبد الله؛ هو ابن أبي طلحة.

وعلى هذا فإن إحدى هذه العلل تضعف الحديث وتسقط الاحتجاج به فكيف بها مجتمعه.

ص: 250

(الحديث الثالث عشر)

وهو آخر ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث وهو حديث ثوبان رضي الله عنه قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب (أي خواتيم ضخام) فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب يدها، فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليها الذي صنع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب وقالت هذه أهداها إلي أبو حسن، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلسلة في يدها فقال: يا فاطمة أيغرك أن يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدها سلسلة من نار ثم خرج ولم يقعد، فأرسلت فاطمة بالسلسلة إلى السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما فأعتقته فحُدث بذلك فقال الحمد لله الذي أنجى فاطمة من النار"

(1)

والجواب عليه بالآتي: أولا: مع احتمال أن يكون هذا قبل الحجاب، أو أن ابنة هبيرة هذه كانت من الإماء، إلا أن ليس فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنها كانت كاشفة عن وجهها! كما أن راوي الحديث عبد مملوك وهو ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس في نظره حجة على جواز نظر الأحرار الأجانب. والذي كان ينبغي أن يؤخذ من هذا الحديث كما قال بعض أهل العلم كابن حزم أن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ليدها كان لإظهارها هذه الزينة.

(1)

سنن النسائي (5140)(5141).

ص: 251

ثانيا: في متنه نكارة تبعد صحته كالذي سبق، وهي الضرب منه صلى الله عليه وسلم وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما).

(1)

ثالثا: الحديث لايصح لأن إسناده منقطع؛ قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 66): حديث ثوبان منقطع. وقال ابن القيم في حاشيته تهذيب سنن أبي داود (11/ 201): قال ابن القطان: علته أن رواية يحي بن أبي كثير عن أبي سلام الرحبي منقطعة. كما قاله الذهبي أيضا في الميزان (7/ 212).

وجاء موصولا عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام، كما في مسند أحمد والنسائي؛ ولكن قال ابن معين وأحمد وغيرهم أنه لم يسمع من زيد بن سلام وإنما دلّسه عنه. كما ذكر المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (10/ 78): قال معاوية بن سلام: أخذ مني يحيى بن أبي كثير كتب أخي زيد بن سلام. قال يحيى بن معين: لم يلق يحيى بن أبي كثير زيد بن سلام، قدم معاوية بن سلام عليهم، فلم يسمع يحيى بن أبي كثير منه شيئا، أخذ كتابه عن أخيه، ولم يسمعه، فدلسه عنه. اهـ ولهذا قال الشيخ الألباني في كتابه آداب الزفاف /153 (إسناده صحيح موصول) أي إذا ثبت اتصاله! أما إذا لم يثبت اتصال إسناده فلا يصح. وقد ثبت أن إسناده منقطع فلا يصح الحديث إذن. وعليه فلا حجة بمن صحح الحديث لروايته الموصوله.

(1)

صحيح مسلم 4/ 1814 (2328).

ص: 252

ولذلك لم يستشهد بهذا الحديث أحد من أهل العلم على جواز النظر فضلا أن يستشهدوا به على جواز الكشف.

وبذلك تبين أنه لاحجة فيما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث على جواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب.

الآثار التي استشهد بها الشيخ الألباني ومناقشتها

* من المناسب هنا قبل الانتقال إلى مناقشة بحثه السابع؛ أن نجيب على ما استشهد به الشيخ الألباني من الآثار وذلك مما استدرك في الطبعة الجديدة من كتابه (جلباب المرأة ص 96 - 103) حتى نستوعب الإجابة عن كل ما استشهد به الشيخ الألباني حتى لا نترك مجالا لمن شك، وليتبين الحق لمن أراد الله له قبوله. فيُبيّن أولا القول فيها جملة؛ بأن هذه الآثار لو ثبت في شيء منها كشف وجه امرأة حرة لرجل حر أجنبي فلا يعد حجة على جواز الكشف ولا يحل العمل به؛ لأن هذه الآثار إن لم تكن مقطوعة فهي موقوفة

(1)

لم يُرفع منها شيء للنبي صلى الله عليه وسلم وليس لأي منها حكم الرفع، وإنما هي وقائع لا يؤخذ منها حكم شرعي ولا يلزم العمل بها على فرض صحتها.

ثم يُبيّن القول فيها تفصيلا:

(1)

الموقوف: هو ما روى عن الصحابي مقتصرا عليه، من قوله وفعله، والمقطوع: هو ما أضيف إلى تابعي موقوفا عليه، سواء كان قوله أو فعله، كما في المختصر في علم الأثر ص/ 131، 145.

ص: 253

(الأثر الأول)

عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت أنا وأبي على أبي بكر وإذا هو رجل أبيض خفيف الجسم عنده أسماء ابنت عميس تذب عنه وهي] امرأة بيضاء [موشومة اليدين كانوا وشموها في الجاهلية نحو وشم البربر فعرض عليه فرسان فرضيهما فحملني على أحدهما وحمل أبي على الآخر

(2)

.

أولا: روي هذا الأثر موقوفا على قيس وفي رواية أخرى عند الطبراني روي عن قيس عن معاوية، فساقه الشيخ الألباني على أنه غير هذا الأثر وجعله (الأثر الخامس عشر!! (عن قيس قال: قال معاوية رضي الله عنه دخلت مع أبي على أبي بكر رضي الله عنه فرأيت أسماء قائمة على رأسه بيضاء ورأيت أبا بكر رضي الله عنه أبيض نحيفا فحملني وأبي على فرسين ثم عرضنا عليه وأجازنا)

(3)

وهذا اضطراب في السند يوجب ضعف هذا الأثر.

ثانيا: حمل بعضهم أن المراد من هذا الأثر أن قيسا إنما رأى كفيها التي اضطرت للكشف عنها للذب عن أبي بكر رضي الله عنه كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام

ص: 254

(ت 224 هـ) في غريب الحديث (1/ 168): "إنما يراد من الحديث أنه رأى كفها".اهـ

لكن الشيخ الألباني أنكر على من قال أن كشفها عن يديها كان للضرورة فقال: كأنه لا يعلم أنها لم تكن محرمة يحرم عليها القفازان! وأن الذبَّ المذكور يمكن أن يكون باليد الواحدة، فأين الضرورة المجوِّزة للكشف عن اليدين كلتيهما!!

ومع ذلك فليس الشأن في كشفها ليديها؛ وإنما الشأن في بروزها لقيس ووالده وعدم استتارها وراء الحجاب! فإن هذا يكشف أن أسماء بنت عميس الخثعمية كانت من الإماء وليست من النساء الحرائر؛ اتخذها أبو بكر أم ولد

(1)

ولذلك لم تحتجب، ومما يشهد لذلك الآتي:

1) ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال (

فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب ـ في الحبشة ـ فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا، يعني لأهل السفينة: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا؟

قال (ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم -

(1)

أم الولد: هي الأمة التي حملت من سيدها وأتت بولد، كما في معجم لغة الفقهاء ص/88.

ص: 255

أهل السفينة - هجرتان) قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني).

(1)

فدل بروزها لعمر رضي الله عنه عند دخوله على حفصة دون الاستتار وراء حجاب، وذهابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤاله، وذكرها لدخول الرجال عليها أرسالا من أهل السفينة بما فيهم من الأحرار لسؤالها عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها؛ كل ذلك يدل على أنها كانت من الإماء وليست من الحرائر اللاتي لم يعهد عنهن البروز للرجال والخروج والمشي في الطرقات، ودخول الرجال عليهن بعد نزول الحجاب. وقد كان قدوم أسماء بنت عميس من الحبشة كما ذكرت حين افتتح خيبر وذلك في العام السابع من الهجرة أي بعد نزول الحجاب.

2) ثبت عن أم عطية، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كنا ننهى أن نحد

(2)

على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا)

(3)

قال في تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 608): يؤخذ من الحديث وجوب إحداد المرأة على زوجها المتوفى، أربعة أشهر وعشراً.

(1)

صحيح البخاري 5/ 137 (4230)(4231) صحيح مسلم 4/ 1946 (2503).

(2)

الإحداد في الشرع هو ترك الطيب والزينة.

(3)

صحيح البخاري (1/ 69)

ص: 256

وقال ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) في إحكام الأحكام (2/ 196): يؤخذ من هذا الحديث: أنه لا إحداد على الأمة المستولدة، لتعليق الحكم بالزوجية.

قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (7/ 506): وأجمعوا أن أم الولد لا إحداد عليها إذا توفى سيدها، والحجة في ذلك أن الأحاديث إنما جاءت فى الأزواج، وأم الولد ليست بزوجة، ذكر هذا كله ابن المنذر.

وجاء في الجامع لعلوم الإمام أحمد (11/ 534): هل على أم الولد إحداد؟ قال سفيان: إذا مات الرجل عن سريته، تخرج وتطيب وتُخطب، ولكن لا تزوج حتى تحيض ثلاث حيض.

وقد أخرج أحمد في مسنده (45/ 21): عن أسماء بنت عميس قالت: (لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " تسلبي

(1)

ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت") وفي رواية عنها قالت:(دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: " لا تحدي بعد يومك هذا ")

(2)

صححه الإمام أحمد، وابن الملقن في التوضيح (25/ 553) والعيني في نخب الأفكار (11/ 153).

(1)

تسلبي: أي البسي ثياب الحداد السود. تهذيب اللغة (12/ 302) تاج العروس (3/ 72).

(2)

قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 684): (إسناده صحيح، وقد أعله البيهقي بالانقطاع بين عبد الله بن شداد وأسماء، وبمحمد بن طلحة! أما الانقطاع؛ فدعوى باطلة؛ فإن عبد الله من كبار التابعين الثقات، ولد على عهد النبي وأسماء خالته، ولم يُرم بتدليس. وأما محمد بن طلحة؛ فهو من رجال الشيخين، وفيه كلام يسير لا يسقط به حديثه، ولذلك جزم الذهبي في "المغني " بأنه ثقة. ولذلك قوى إسناده ابن حجر في "الفتح " وذكر عن أحمد أنه صححه). اهـ

ص: 257

وبذلك ثبت أنها لم تكن من النساء الحرائر ولذلك لم يجب عليها الإحداد. ولصحة هذا الحديث ومخالفته لما صح عن أم عطية في وجوب الإحداد أربعة أشهر وعشرا؛ تجد أن بعض أهل العلم قد أوّلوا هذا الحديث بعدة تأويلات في غاية البعد والضعف، رغم أنه ليس هناك ما ينفي أنها كانت أم ولد لأبي بكر، ولا ما يثبت أنها كانت زوجة له من الحرائر!!

قال المغربي في البدر التمام شرح بلوغ المرام (8/ 195): أن أسماء بنت عميس استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر وهي امرأته، فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام، أن تطهري واكتحلي. قالوا: وهذا ناسخ لأحاديث الإحداد؛ لأنه بعدها، فإن أم سلمة أمرت بالإحداد بعد موت زوجها، وموته متقدم على قتل جعفر رضي الله عنهما. وقد أجيب عن هذا بأجوبة منها؛ أنه مخالف للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه. ولا يخفى ما في هذا الجواب من الركَّة. ومنها أن جعفرا قتل شهيدًا،

والشهداء أحياء عند ربهم. وهذا كذلك، فإنه كان يلزم جريه في حق غيره من الشهداء كحمزة وغيره. ومنها أن أحاديث وجوب الإحداد ناسخة لهذه الأحاديث المبيحة. ذكره الطحاوي، ودعوى النسخ لا تصح مع ما قد عرفت من تأخر قصة أسماء بنت عميس، بل الأمر بالعكس. ومنها أنه يحتمل أن أسماء فعلت من الإحداد قدرا زائدا على ما يجب عليها، فنهيت بعد الثلاث عن ذلك الزائد، ووسع لها في الثلاث لشدة ما ألم بها من المصيبة. ومنها أنه يحتمل أنها كانت حاملًا فوضعت بعد الثلاثة الأيام فانقضت عدتها، وحديث:"تسَلَّبي ثلاثا". يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن عدتها تنقضي بعد الثلاث، ويكون

ص: 258

من أعلام النبوة. ومنها أنه يحتمل أنه كان قد أبان طلاقها، فتكون عدتها عدة طلاق ولا إحداد عليها

وهذه الأجوبة لا يخفى عليك ما فيها. اهـ

ولو قيل أنها أم ولد لجعفر ولذلك لم يجب عليها الإحداد عليه فوق ثلاث؛ لزالت تلك المعارضة ولأمكن الجمع بين الأحاديث. ثم إن أبا بكر اتخذها بعد ذلك أم ولد له أيضا ولم تكن زوجة له من الحرائر ومما يثبت ذلك:

1) ماجاء في تهذيب الكمال (10/ 150) وتهذيب التهذيب (3/ 437): كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم القراء: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا، فرغب الناس حينئذ في السراري.

2) ما جاء في صحيح مسلم (4/ 1711): أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله قد برأها من ذلك) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: (لا يدخلن رجل، بعد يومي هذا، على مغيّبة

(1)

، إلا ومعه رجل أو اثنان).

(1)

المغيّبة هي التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد. كما في شرح النووي على مسلم (14/ 155)

ص: 259

فلما كان الحجاب حائلا دون الدخول على النساء الحرائر منهي عنه بقوله تعالى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} وبقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء)

(1)

فالسماح لدخول جمع من الرجال يدل على أن من أُذن في الدخول عليهن هن ممن لم يفرض عليهن الحجاب من الإماء.

3) ما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (3/ 179) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (5/ 231): عن أسماء بنت عميس قالت: (غسلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(2)

ففي مشاركتها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في تغسيل فاطمة رضي الله عنها دليل على أنها ليست ممن ضرب عليهن الحجاب من الحرائر. وهذا يسقط الاحتجاج بهذا الأثر.

(الأثر الثاني)

وهو الخامس في كتابه قدمته لتعلقه بالأثر الثاني؛ (عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مسغبة قال فقال ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء).

أولا: ننقل هذا الأثر بتمامه ليتبين ما أسقط من سياقه:

(1)

صحيح البخاري (7/ 37)

(2)

حسن إسناده الألباني في إرواء الغليل (3/ 162) وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 327): إسناده حسن وقد احتج بهذا الحديث أحمد وابن المنذر وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما.

ص: 260

عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي (أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مسغبة

(1)

ليس عليها أثر المجاسد

(2)

ولا الخلوق

(3)

قال فقال ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء).

(4)

وهذ يبين أنها لم تكن كاشفة لوجهها وكفيها فقط؛ بل كانت تكشف أوسع من ذلك حتى تمكن من وصفها بأنها شعثة الرأس وليس عليها أثر صفرة الطيب والزينة! وهذا مما لم يقل بجواز كشفه ولا النظر إليه الشيخ الألباني نفسه!! فإن دل ذلك على شيء؛ فإنما يدل على أنها كانت أمة مملوكة، يشهد لذلك قوله (امرأة له سوداء) وما جاء في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 436): عن عبد الله بن الصامت "أنه كان مع أبي ذر رضي الله عنه فخرج عطاؤه، وكان معه جارية له، فجعلت تقضي حوائجه) رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل بسند صحيح. وفي مصنف ابن أبي شيبة (7/ 124): عن عبد الله بن خراش، قال: رأيت أبا ذر بالربذة وعنده امرأة له سحماء أو شحباء، قال: وهو في مظلة سوداء، قال فقيل

(1)

المسغبة: المجاعة وفي الحديث أنه قدم خيبر بأصحابه وهم مسغبون أي جياع وامرأة سغبى وجمعها سغاب ويتيم ذو مسغبة أي ذو مجاعة (لسان العرب 1/ 468).

والصحيح أنها مصحّفة من (شعثة) فلا يقال للمرأة الجائعة مسغبة وإنما يقال سغبى، كما أن الجوع لايدرك بالنظر، وهذا يؤكد أنها مصحّفه من (شعثة) يؤيده ما بعده (ليس عليها أثر المجاسد ولا الخلوق).

(2)

المجاسد: هي جمع مجسد بضم الميم وهو الثوب المصبوغ المشبع بالجسد وهو الزعفران أو العصفر (النهاية في غريب الأثر 1/ 271)

(3)

الخلوق: وهو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة أو الصفرة (النهاية في غريب الأثر 2/ 71). يصفها بالفقر المدقع وعدم الزينة والطيب.

(4)

مسند أحمد بن حنبل (21454)، الطبقات 4/ 236، حلية الأولياء 1/ 161. وصححه الألباني.

ص: 261

له: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأة هي أرفع من هذه، قال: فقال إني والله لأن أتخذ امرأة تضعني أحب إلي من أن أتخذ امرأة ترفعني.

وهذا يسقط الاحتجاج به على جواز الكشف للنساء الحرائر.

(الأثر الثالث)

(عن أبي السليل قال جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة فقال يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه)

(1)

.

الجواب عليه بالآتي:

أولا: إسناده ضعيف لا يحتج به لأنه منقطع، فإن أبا السليل لم يدرك أبا ذر الغفاري

(2)

.

(3)

ثانيا: على فرض صحته فإن ابنة أبي ذر هذه قد تكون صغيرة لم تحتجب بعد فلا يكون فيه حجة على جواز كشف المرأة البالغة.

(1)

حلية الأولياء (1/ 164) كما عزاه الألباني لابن سعد ولم أجده عنده ولعله وهم إذ إنه أشار إلى نفس موضعه من الحلية! وقال إسناده جيد في الشواهد!

(2)

انظر: تهذيب الكمال للمزي 13/ 310، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 401، الكاشف للذهبي 1/ 509.

(3)

أضف إلى ذلك أن في إسناده (سيار بن حاتم) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (4/ 254): قال أبو أحمد الحاكم في حديثه بعض المناكير، وقال العقيلي أحاديثه مناكير ضعفه بن المديني، وقال الأزدي عنده مناكير.

ص: 262

ثالثا: إن ابنة أبي ذر قد تكون رقيقة تبعا لأمّها

(1)

كما تبين في الأثر السابق، فلا يكون في كشفها حجة على جواز كشف النساء الحرائر.

(الأثر الرابع)

أخرجه ابن جرير قال حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال حدثنا عمرو بن طلحة القناد عن مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن عتبة أبي معاذ البصرى عن عكرمة (عن عمران بن حصين قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا إذ أقبلت فاطمة رحمها الله فوقفت بين يديه فنظرت إليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة من شدة الجوع قال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أدني يا فاطمة، فدنت ثم قال أدنى يا فاطمة، فدنت ثم قال أدني يا فاطمة، فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال" اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضعة لا تجع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم " قال عمران فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم. قال عمران: فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد يا عمران!)

(2)

(1)

(2)

وذلك أن الرجل إذا تزوج أمة مملوكة لغيره يكون ولده رقيقا تبعا لها. وفي عمدة القاري 11/ 168: وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد.

ص: 263

أولا: هذا الأثر إسناده ضعيف لا تقوم به حجة

(1)

؛ ولذلك قال عنه الشيخ الألباني: إسناده لا بأس به في الشواهد.

ثانيا: أن فاطمة رضي الله عنها كانت حينئذ صغيرة لم تحتجب بعد ولذلك رأى موضع القلادة منها، أما قوله (فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد يا عمران) فهذا ليس فيه شاهد أنه رأى وجهها ولا أنها كانت كاشفة عن وجهها! كما أنه قد يكون قبل نزول الحجاب؛ أو أن عمران كان من الموالي، ولذلك لم يستشهد بهذا الأثر أحد من أهل العلم على جواز النظر؛ فضلا على أن يستشهدوا به على جواز الكشف!!

(الأثر الخامس)

(عن قبيصة بن جابر قال كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في بيته فرأى جبينها يبرق فقال أتحلقينه فغضبت ثم قالت التي تحلق جبينها امرأتك قال فادخلي عليها فإن كانت تفعله فهي مني بريئة فانطلقت ثم جاءت فقالت لا والله ما رأيتها تفعله فقال ابن

(1)

تهذيب الاثار للطبري 1/ 286، الكنى والأسماء للدولابي (1823) 3/ 1038.

ص: 264

مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات والمتوشمات اللائي يغيرن خلق الله تعالى)

(1)

.

أولا: لم يخرج هذا الأثر بهذا اللفظ الذي فيه نظر ابن مسعود إلى جبين تلك العجوز؛ إلا الشاشي في مسنده، وإسناد هذه الرواية ضعيف: فيه عبد الملك بن عمير مشهور بالتدليس وقد عنعنه، كما أن أحمد ضعفه جدا وقال مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم ليس بالحافظ.

(2)

وفيه العريان بن الهيثم؛ قال ابن حجر مقبول وقال أبو حاتم مجهول.

(3)

وقد ساقه الشيخ الألباني دون عزوه لأحد، واكتفى بقوله: سنده حسن وهو مخرج في" آداب الزفاف" وبالرجوع إلى كتابه آداب الزفاف تجد أنه إنما ذكر الحديث مقتصرا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن الله

) الذي أخذه من الرواية المشتهرة للحديث المروية في الصحاح والجوامع والمسانيد والمصنفات والتي ليس فيها ذكر لرؤية جبين هذه المرأة (عن عبد الله قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن؛ فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله

فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك

(1)

مسند الشاشي 2/ 256.

(2)

انظر: طبقات المدلسين 1/ 41 - تقريب التهذيب 1/ 364 - الجرح والتعديل 5/ 360.

(3)

تقريب التهذيب 1/ 390 - الجرح والتعديل 7/ 38.

ص: 265

الآن، قال: اذهبي فانظري، قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا)

(1)

ولذلك قال الشيخ الألباني عقبه: " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم".

كما أنه على فرض صحة الرواية التي ساقها الشيخ فكلا الروايتين لا حجة فيها على جواز كشف النساء الحرائر لأن هذه المرأة العجوز كانت من الإماء كما هو مصرح به في الحديث (عجوز من بني أسد) من الحبش، فلا يكون فيه حجة على جواز كشف النساء الحرائر.

(الأثر السادس)

قال الشيخ الألباني وفي" تاريخ ابن عساكر" وفي قصة صلب ابن الزبير أن أمه (أسماء بنت أبي بكر) جاءت مسفرة الوجه متبسمة.

استشهد الشيخ الألباني بهذا الأثر دون التعليق على إسناده!! الذي يتبين بالرجوع إليه عند ابن عساكر أنه إسناد هالك لا يحتج ولا يستشهد به: أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني وابن السمرقندي قالا أنا

أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة (مدلس له مناكير) نا أبو عثمان (مبهم) عن شيخ يسمى عطية (مجهول) وكان قد بلغ مائة سنة قال: "رأيت ابن الزبير على جذع مصلوبا وامرأة تحمل معه في محفة حتى صارت إليه فقال الناس هذه أمة، فرأيتها مسفرة الوجه متبسمة،

(1)

صحيح البخاري (4604) صحيح مسلم (2125).

ص: 266

فجاء الحجاج فأحدره لها، وقال يا أسماء إني وإياه استبقنا إلى هذا الجذع فسبقني هو إليه".

(1)

فهو رواية مجهول عن مجهول! علاوة على أن الراوي عن المجهولَين هو أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة مدلس له مناكير.

(2)

ومما يبطل الاستشهاد بهذا الأثر عن أسماء بنت أبي بكر؛ ماساقه الشيخ الألباني (ص 108) بسند صحيح عنها أنها قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) فمن لم تكشف عن وجهها حال إحرامها فكيف تكشفه حال حلِّها!!

(الأثر السابع)

(عن أنس بن مالك قال دخلت على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها ببعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنعة به فسألها عتقت قالت لا قال فما بال الجلباب ضعيه عن رأسك إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين فتلكأت فقام إليها بالدرة فضرب بها رأسها حتى ألقته عن رأسها)

(3)

.

أولا: استشهاد الشيخ الألباني بهذا الأثر فيه إقرار لما أنكره مسبقا من التفريق بين الحرائر والإماء في الحجاب.

(1)

تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 67/ 79

(2)

طبقات المدلسين 1/ 19 - لسان الميزان 1/ 295 - ميزان الاعتدال 1/ 296.

(3)

مصنف ابن أبي شيبة 2/ 41، صححه الألباني في جلباب المرأة /99.

ص: 267

ثانيا: سبق أن بينا في بداية مناقشة هذا البحث أن هذا الأثر يعد من أدلة وجوب تغطية الوجه؛ وبيان ذلك من عدة وجوه:

1 -

أن سبب معرفة عمر رضي الله عنه لها ليس لكونها كانت كاشفة عن وجهها؛ وإنما كان سبب معرفته لها ما بيّنه أنس بقوله (قد كان يعرفها ببعض المهاجرين أو الأنصار) لأنه لو قال" دخلت على عمر بن الخطاب أمة وعليها جلباب فسألها عتقت" لكان لقول الشيخ الألباني وجه حق، ولكن قول أنس هذا يؤكد أنها كانت مغطية لوجهها فأراد أن يبين سبب معرفة عمر لها، ولو لم يكن كذلك لما كان لقول أنس هذا فائدة، ولما احتاج أن يعلل معرفته لها؟!

2 -

أن عمر رضي الله عنه ضربها حتى ألقت الجلباب عن رأسها؛ فلو كان الجلباب على رأسها فوق الخمار دون أن تكون مغطية به وجهها فما الذي سينكشف إذا ألقته عن رأسها حتى يعد هذا المنكشف منها هو الفارق بين الحرائر والإماء؟!

3 -

أن أنس صرح بأنها كانت متقنعة بالجلباب وقد سبق أن بيّنا في مناقشة البحث الرابع أن التقنع يعني تغطية الوجه، وكان الشيخ الألباني يقول بذلك كما في كتابه حجاب المرأة، ولكنه عاد مؤخرا في كتابه الجلباب فعدل عن رأيه! كما في كتابه الجلباب/ 103:(وجاءت المرأة متقنعة) قال في حاشيته: "كنت قد وهمت في إيراد هذا الأثر في جملة ما يدل على جريان العمل على ستر الوجه من النساء في العهد الأول، ثم تبين لي أن الأمر على العكس من ذلك"!

ص: 268

4 -

يشهد لما ذكرنا: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى- وهو يخطب الناس- أمة خرجت من بيت حفصة تجوس الناس ملتبسة لباس الحرائر (متقنعة) فلما انصرف دخل على حفصة ابنة عمر فقال: من المرأة التي خرجت من عندك تجوس الرجال؟ قالت تلك جارية عبد الرحمن. قال: فما يحملك أن تلبسي جارية أخيك لباس الحرائر فقد دخلت عليك ولا أراها إلا حرّة فأردت أن أعاقبها.

(1)

فها هو عمر رضي الله عنه لم يعرف جارية ابنه عبد الرحمن لما كانت متقنعة بالجلباب. فهل بعد هذا حجة على أن التقنع لا يعني تغطية الوجه، وأنه مما افترض على الحرائر دون الإماء!

(الأثر الثامن)

(عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره، فقال دعوها وإياها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة" (اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها) قال فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول أصابتني دعوة

(1)

موطأ مالك 2/ 981 (1773) سنن البيهقي الكبرى 2/ 226 (3037) صححه البيهقي في معرفة السنن والآثار 2/ 93، وقال الذهبي في المهذب 2/ 666 إسناده قوي، قال الألباني في إرواء الغليل 6/ 204: رجاله ثقات غير أحمد بن عبد الحميد فلم أجد له ترجمة. قلت: ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/ 508 قال هو: المحدث الصدوق أبو جعفر أحمد بن عبد الحميد بن خالد الحارثي الكوفي. وذكره ابن حبان في الثقات 8/ 51، كما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/ 136 (5062) بإسناد رجاله ثقات، واللفظ له.

ص: 269

سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها).

(1)

وهذا الأثر ليس فيه حجة؛ إذ ليس فيه أنه رأى وجهها ولا أنها كانت كاشفة عن وجهها، وكل ما فيه أنه رآها تلتمس الجدر! وهذا لا يشترط معه أن تكون كاشفة عن وجهها ولا حتى عن عينيها لأنها عمياء لن تنتفع بكشف ذلك!! كما أنها قد تكون من الإماء، ولذلك لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الأثر على جواز النظر للمرأة ولا على جواز كشف الوجه.

(الأثر التاسع)

(عن عطاء بن أبي رباح يقول رأيت عائشة تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا).

(2)

قال الشيخ الألباني - غفر الله له -: ولعل متنطعا يرد دلالة الحديث على أن الكفين ليسا بعورة، فيقول: كانت تلبس القفازين!!

فنقول مع أن هذا الأثر ليس فيه حجة على جواز كشف الوجه لأنه ليس فيه إلا رؤية الكفين، ومع ذلك فإن من المتفق عليه عند أهل العلم أن الحجاب واجب على أمهات المؤمنين دون استثناء لوجه أو كف، وأنهن لم يكن يبرزن للرجال الذين يجب عليهن الاحتجاب منهم ولو كن مستترات بالجلابيب كما أسلفنا؛ فكيف يسوغ الاستشهاد بهذا الأثر على أنها كانت كاشفة لكفيها على مرأى من

(1)

صحيح مسلم (1610).

(2)

تقليد البدنة: أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي. وأصل القلد: الفتل، يقال قلدت الحبل، إذا فتلته. مقاييس اللغة (5/ 19) تاج العروس (9/ 69)

ص: 270

رجل حر أجنبي يجب عليها الاحتجاب منه؟!! ولذلك يُبطِل الاستشهاد بهذا الأثر أمران:

الأول؛ قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 221): ذكر عبد الرزاق قال حدثنا عمر بن ذر قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول (رأيت عائشة تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا) ولم أجده بهذا اللفظ في مصنف عبد الرزاق ولا في غيره! ولذلك عزاه الشيخ الألباني لابن عبد البر في حاشية جلباب المرأة ص/101 فقال (كذا في "التمهيد" لابن عبد البر "17/ 221") ولم يجزم بعزوه لعبدالرزاق!! ولعل ابن عبد البر أراد ما رواه البخاري (7/ 102) ومسلم (2/ 959): عن مسروق قال: سمعت عائشة، وهي من وراء الحجاب تصفق، وتقول:(كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي)

(1)

فقد ذكره في كتابيه التمهيد والاستذكار، وهذا هو الثابت في الصحيحين كذلك عن الأسود وأبي قلابة أنهم سمعوه من عائشة، كما رواه عنها عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعمرة بنت عبد الرحمن.

الثاني: أن عطاء بن أبي رباح كان من الموالي (عبد مملوك) قال ابن المديني: هو مولى حبيبة بنت ميسرة بن أبي خيثم.

(2)

ولذلك فليس في هذا الأثر حجة على

(1)

انظر: تقريب التهذيب 1/ 391، التاريخ الكبير 6/ 463 وقال فيه (1/ 446): كان عطاء بن أبي رباح أسود شديد السواد.

(2)

ص: 271

جواز كشف الكفين للرجال الأحرار الأجانب، هذا على فرض صحة هذا الأثر، وعلى فرض ثبوت رؤيته لكفيها؛ لأن قول عطاء قد يكون من باب الإخبار بأنه رأى القلائد التي فتلت دون أن تكون وقعت منه الرؤية لها عند فتلها، فأراد الإخبار أنها كانت تفتل القلائد للهدي؛ ولم يكن مراده الإخبار بوقوع النظر منه لها عندما كانت تفتلها.

(الأثر العاشر)

عن الحميدي قال ثنا سفيان قال ثنا (عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت معوذ بن عفراء أسألها عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتوضأ عندها فأتيتها، فأخرجت إلي إناء يكون مدا أو مدا وربع، فقالت بهذا كنت أخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء. . . الحديث).

1) هذا الحديث ضعيف كما قال النووي في المجموع (1/ 499): حديث الربيع ضعيف رواه البيهقي وغيره من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف عند أكثر أهل الحديث.

(1)

(1)

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (6/ 13): عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي: ذكره ابن سعد وقال كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه، وكان مالك ويحيى بن سعيد لا يرويان عنه، وكان ابن عيينة يقول أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره فيهم، وقال أحمد منكر الحديث، وقال ابن معين ضعيف الحديث ولا يحتج بحديثه، وقال ابن المديني كان ضعيفا، وقال أبو حاتم لين الحديث ليس بالقوي ولا ممن يحتج بحديثه، وقال النسائي ضعيف، وقال ابن خزيمة لا أحتج به لسوء حفظه، وقال الخطيب كان سيء الحفظ، قال يعقوب الفسوي: صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدا، وقال ابن حبان كان رديء الحفظ يحدث على التوهم فيجيء بالخبر على غير سننه فوجب مجانبة أخباره.

ص: 272

وقال الشيخ الألباني: "سنده حسن للخلاف المعروف في ابن عقيل" وهنا يتبين أنه ليس من الإنصاف الحكم بالضعف على أثر العين الواحدة لابن عباس لضعف في عبد الله بن صالح وهو ليس كضعف ابن عقيل، وله شواهد!!

2) مع أنه ليس في هذا الأثر أنها كانت كاشفة أو أنه رأى وجهها؛ إلا أن ليس فيه حجة؛ لأن الربيع بنت معوذ كانت من الإماء يشهد لذلك ما روى عنها الترمذي في سننه (1185) 3/ 491؛ وصححه الشيخ الألباني (أنها اختلعت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة) وقد ذكر البغوي في شرح السنة (9/ 317): أم الولد قال قوم: (تعتد بحيضة) روي ذلك عن ابن عمر

وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد.

وبذلك يسقط الاستشهاد بهذا الأثر على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر.

(الأثر الحادي عشر)

عن عروة بن عبد الله بن قشير أنه دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب

(1)

قال "فرأيت في يديها مسكا غلاظا في كل يد اثنين اثنين قال ورأيت في يدها

(1)

فاطمة بنت علي بن أبي طالب القرشية الهاشمية، وهي فاطمة الصغرى. أمها أم ولد. كما في تهذيب الكمال (35/ 261).

ص: 273

خاتما".

(1)

ولو أتم الشيخ الألباني هذا الأثر لتبين أن ليس فيه حجة: (قال فرأيت في يديها مسكا غلاظا في كل يد اثنين اثنين قال ورأيت في يدها خاتما وفي عنقها خيطا فيه خرز). فقوله (وفي عنقها خيطا فيه خرز

) يدل على أنها كانت حاسرة عن عنقها وهذا مما لم يقل بجواز كشفه للرجال الأجانب أحد من أهل العلم ولا الشيخ الألباني!

وهذا يكشف أن رؤية عروة لفاطمة ودخوله عليها كان لسببٍ من رق أو رضاع، لأن مما هو مجمع عليه أن موضع القلادة من العنق من الزينة الباطنة التي لا يجوز كشفها إلا لمن سمى الله تعالى في آية النور، وبذلك يبطل الاحتجاج بهذا الأثر على جواز كشف الوجه للرجال الأجانب.

(الأثر الثاني عشر)

(عن عيسى بن عثمان قال كنت عند فاطمة بنت علي فجاء رجل يثني على أبيها عندها فأخذت رمادا فسفت في وجهه).

(2)

وهذا الأثر إسناده ضعيف، قال الشيخ الألباني في حاشيته:" إسناده جيد؛ وعيسى بن عثمان ذكره ابن حبان في ثقاته، وروى عنه جمع". ولعله وهم بذلك؛ إذ إن عيسى بن عثمان هذا لم يعرف إلا بهذا الأثر

(3)

، ولا يوجد له في كتب

(1)

الطبقات الكبرى 8/ 465، تاريخ مدينة دمشق 70/ 38 وصحح إسناده الألباني في جلباب المرأة /102.

(2)

الطبقات الكبرى 8/ 465 وقال الألباني في جلباب المرأة /102: إسناده جيد.

(3)

ص: 274

التراجم إلا قول ابن حبان وابن أبي حاتم (عيسى بن عثمان رأى فاطمة بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه) بناء على هذه الرواية دون جرح له أو تعديل!!

مع أنه على فرض صحتة فليس فيه حجة لأنه لم يثبت فيه أن فاطمة كانت كاشفة عن وجهها!! وقد تكون فاطمة حينها صغيرة لم تبلغ، أو أن هؤلاء من الرقيق، فلا يكون فيه حجة.

(الأثر الثالث عشر)

(عن محمد بن يزيد الواسطي عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم

(1)

قال رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر).

(2)

(1)

تمييز: من روى عنه الترمذي آخر وهو: عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن بن عجلان التميمي النهشلي الكوفي الكسائي مات سنة إحدى وخمسين ومائتين. (تهذيب التهذيب 8/ 197).

(2)

أبو بلج هذا هو جارية بن بلج التميمي الصغير، وقد وهم من قال إنه يحيى بن أبي سليم، كما نقل الدارقطني في المؤتَلِف والمختَلِف (1/ 220): أبو بلج جارية بن بلج روى عن لبي بن لبا وسمراء بنت نهيك، روى عنه هشيم ومحمد بن يزيد

سمعت يحيى بن معين يقول: أبو بلج الذي روى عنه محمد بن يزيد الواسطي اسمه جارية بن بلج، وأبو بلج الكبير يحيى بن أبي سليم. اهـ

ويحيى بن أبي سليم ليست له رواية عن سمراء بنت نهيك ولم يرو عنه محمد بن يزيد الواسطي. فثبت أن الذي روى هذا الأثر عن سمراء بنت نهيك هو أبو بلج؛ جارية بن بلج التميمي، وقد ذكره ابن حجر في التقريب واللسان، والمزي في تهذيب الكمال، وأبو حاتم في الجرح والتعديل؛ دون جرح له أو تعديل إلا قول ابن حجر في لسان الميزان (7/ 455): شيخ ليزيد بن هارون.

ص: 275

قال ابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 1863: سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمّرت وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها، روى عنها أبو بلج جارية بن بلج. اهـ

وهذا يشهد أن سمراء بنت نهيك كانت من الإماء؛ لأن المشي في الأسواق كان من عادة الإماء دون الحرائر، كما أسلفنا مما ورد عن عمر رضي الله عنه (لما رأى أمة خرجت من بيت حفصة تجوس الناس ملتبسة لباس الحرائر، فدخل على حفصة ابنة عمر فقال:"من المرأة التي خرجت من عندك تجوس الرجال"؟ قالت تلك جارية عبد الرحمن. قال: "فما يحملك أن تلبسي جارية أخيك لباس الحرائر، فقد دخلت عليك ولا أراها إلا حرّة فأردت أن أعاقبها".

قال ابن عبد البر في الاستذكار 8/ 542: وإنما كره عمر للإماء أن يتهيأن بهيئة الحرائر لئلا يظن أنهن حرائر فيضاف إليهن التبرج والمشي وينسب ذلك منهن إلى ما وقع الظن عليهن فيأثم بذلك الظان، ومعلوم أن الإماء ينصرفن في خدمة ساداتهن فيكثر خروجهن لذلك وتطوافهن، وقوله تجوس الناس معناه تجول في أزقة المدينة مقبلة ومدبرة.

كما أنها كانت من القواعد يشهد لذلك قول ابن عبد البر السابق (سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمّرت) وهذا سبب خروجها بلا جلباب، كما ذكر أبو بلج أنه إنما رأى عليها درعا وخمارا، ولكن الشيخ الألباني أوّل معنى الدرع هنا إلى الجلباب فقال: الدرع هنا فيما يبدو لي هو الجلباب؛ ففي كتب

ص: 276

اللغة" درع المرأة قميصها" ومن معاني القميص الجلباب

(1)

! لكنه لم يرد في أيّ من كتب اللغة أن من معاني الدرع الجلباب!! كما أن المتعارف عليه في عرف الصحابة أن الدرع للمرأة يطلق على الثوب الملاصق للبدن، أما ما تلبسه فوق الثياب فهو الملحفة والرداء والجلباب، كما سيأتي بيان ذلك في مناقشة البحث الثامن. وبذلك يسقط الاستشهاد بهذا الأثر على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر.

(الأثر الرابع عشر)

عن أبي القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين أنا عيسى أنا (البغوي نا عيسى بن سالم الشاشي نا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال: دخلت على أم الدرداء فرأيتها مختمرة بخمار صفيق قد ضربت على حاجبها قال وكان فيه قصر فوصلته بسير قال وما دخلت عليها في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية).

(2)

أولا: ميمون بن مهران كان عبدا مملوكا ولذلك كان يدخل عليها ويراها دون حجاب؛ ذكره ابن حبان في ثقاته وقال: " كان مولى بني أسد، كان مملوكا لامرأة بالكوفة"

(3)

. وهذا كاف لإبطال الاستشهاد به على جواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب.

(1)

جلباب المرأة، هامش / 19.

(2)

الثقات 5/ 417 - وانظر تذكرة الحفاظ 1/ 98 - التاريخ الكبير 7/ 338.

(3)

فقال في جلباب المرأة هامش /102: أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق البغوي: نا عيسى بن سالم الشاشي: نا أبو المليح عن ميمون .. قال: هذا إسناد صحيح، أبو المليح هو الحسن بن عمر الرقي، وهو ثقة من رجال التهذيب، والشاشي وثقه ابن حبان وكذا الخطيب في التاريخ، وأم الدرداء زوج أبي الدرداء اسمها هجيمة

اهـ وذكر بعض فضائلها.

ص: 277

ثانيا: إسناده ضعيف لا يعرف بعض رجاله، والشيخ الألباني إنما حكم بالصحة على آخر الإسناد (البغوي: نا عيسى بن سالم الشاشي: نا أبو المليح عن ميمون)

(1)

أما أوله (أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين أنا عيسى) فلم يتطرق له بذكر! فلا يصح أثر صح آخر إسناده دون أوله؟!

(الأثر السادس عشر)

عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب فذكرت أن زوجها لا يصل إليها، فسأل الرجل قال فأنكر ذلك، وكتب فيه إلى معاوية رضي الله عنه، قال فكتب: أن زوّجه امرأة من بيت المال لها حظ من جمال ودين فإن زعمت أنه يصل إليها فاجمع بينهما وإن زعمت أنه لا يصل إليها ففرق بينهما، قال نفعل. . . قال وجاءت المرأة متقنعة

"

(2)

الصواب أن يستشهد بهذا الأثر على تغطية الوجه، لأن فيه أن المرأة جاءت متقنعة، والتقنع كما بيناه في مناقشة البحث الرابع يعني تغطية الوجه، يشهد لذلك أن البخاري أشار في صحيحه إلى هذا الأثر في التعاليق واصفا هذه المرأة التي جاءت متقنعة بقوله:(وأجاز سمرة بن جندب شهادة امرأة منتقبة)

(3)

. وقد

(1)

البيهقي في السنن الكبرى 7/ 228 وسنده حسن.

(2)

صحيح البخاري 2/ 939.

(3)

جلباب المرأة المسلمة، هامش /103.

ص: 278

سبق أن استشهد الشيخ الألباني بهذا الأثر في كتابه حجاب المرأة على أنه شاهد على جريان العمل على ستر الوجه، ثم عاد وعدل عن رأيه ليستشهد به على جواز الكشف!! فقال بعد أن ساق هذا الأثر: "كنت قد وهمت في إيراد هذا الأثر في جملة ما يدل على جريان العمل على ستر الوجه من النساء في العهد الأول، ثم تبين لي أن الأمر على العكس من ذلك

ولذلك نقلت هذا الأثر إلى هنا"

(1)

. اهـ

كان هذا كل ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث والآثار التي لم يثبت في أي واحد منها دلالة على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر، ولذلك فلا حجة للقول بجواز كشف الوجه للمرأة، بل الحجة قائمة على وجوب تغطيته كما سيأتي مزيد بيان لذلك في البحوث القادمة.

(1)

جلباب المراة المسلمة، هامش / 103.

ص: 279

ــ:: البحث السابع:: ــ

قال الشيخ الألباني: استدلالهم بالأحاديث الضعيفة والآثار الواهية وإليك بعض الأمثلة: الحديث الأول: عن ابن عباس قال: " أمر الله النساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن

ويبدين عيناً واحدة" لقد بينت أن للحديث علتين فأغمضوا أعينهم عنهما وتتابعوا جميعاً على الاحتجاج به وكتموا الرواية الأخرى عن ابن عباس ونصها في تفسير آية الإدناء: "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" رواه ابن جرير وابن مردويه. وذكره ابن جرير (22/ 33) تحت قوله: " وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن". وهذا وإن كان إسناده ضعيفاً فإنه أرجح من الأول لأمور:

1 -

أنه الأقرب إلى لفظ (الإدناء) كما تقدم في" البحث الأول".

2 -

أنه الموافق لما صح عن ابن عباس من طرق سبعة عنده: أن الوجه والكفين من الزينة الظاهرة التي يجوز كشفها وقد خرجت الطرق السبعة في" المقدمة" وبعضها صحيح وهو نص في المقصود كما قال ابن القطان الفاسي في" النظر في أحكام النظر"(ق 20/ 2) وقواه بتوثيقه لرجاله.

3 -

أنه الموافق لما رواه أبو الشعثاء أن ابن عباس قال: "تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به". أخرجه أبو داود في" مسائله"(ص 110) بسند صحيح جدًا.

ص: 280

4 -

أنه المنقول عن بعض تلامذة ابن عباس رضي الله عنه كسعيد بن جبير فإنه فسر الإدناء: بوضع القناع على الخمار وقال" لا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رأسها ونحرها". وذكر نحوه أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن"(3/ 372) عن مجاهد أيضاً مقروناً مع ابن عباس: " تغطي الحُرَّة إذا خرجت جبينها ورأسها". ومجاهد ممن تلقى تفسير القرآن عن ابن عباس. ثم تلقاه عن مجاهد قتادة فإنه من تلامذته والرواة عنه فقال في تفسير (الإدناء)" "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب". أخرجه ابن جرير (22/ 23) بسند صحيح عنه.

فمن العجيب الغريب حقاً أن يذكر بعضهم هذا الأثر عقب حديث ابن عباس الضعيف هذا وعقب أثر عبيدة السلماني مستشهداً به! وهو حجة عليه!

وإن مما يسترعي الانتباه ويلفت النظر قول الشيخ الفاضل ابن عثيمين بعد أن ساق الحديث جازماً به "وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ". فأقول: نعم ولكن أثبت العرش ثم انقش! فقد كان الواجب قبل هذا أن تجيب عن علَّتي الحديث وتثبت صحته على أصول علم الحديث كما هو المفروض في أمثال هذه المسألة الخلافية ولا سيما وأنت في صدد الرد على مخالفك وقد ضعف حديثك هذا من قبل فإذا كنت مسَلِّماً بضعفه فلم احتججت به؟! وإن كنت ترى صحته فلماذا لم ترد عليه وتقيم الحجة على صحته؟!

ص: 281