الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحذر النساء من التهاون بهتك الستار والاختلاط المباشر بالرجال في البيوت وأماكن العمل لأنه يعد تجاوزا لما حدّه الشرع ومخالفة صريحة لكتاب الله.
قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (22/ 39): {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يقول من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ} يقول تعالى ذكره سؤالكم إياهن المتاع إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء وفي صدور النساء من أمر الرجال وأحرى من ألا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل.
فهذا الحكم عام لجميع النساء كما بيناه مستوفيا في مناقشة البحث الثاني فليرجع إليه.
سادسا: أما من احتج بمخالفة حديث نبهان لحديث عائشة رضي الله عنها قالت (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون)
(1)
فالجواب عليه بعد أن يقال أن هذا الحديث يعد من أدلة وجوب تغطية الوجه، أن الاحتجاج به على إطلاق جواز
نظر المرأة للرجال الأجانب
لا يصح لما يأتي:
1) أن من أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة أن تنظر إليهم كانوا من العبيد الذين لا يحتجب منهم، فلا يقاس جواز النظر إليهم بجواز النظر إلى الأحرار.
(1)
صحيح البخاري 5/ 2006 (4938) صحيح مسلم 2/ 609 (892).
يشهد لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لهم (يا بني أرفدة) قال ابن حجر في الفتح (2/ 444): قيل هو لقب للحبشة. . . وقيل المعنى يا بني الإماء.
ولذلك بوب البخاري لهذا الحديث بقوله (باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة) فقيّد جواز النظر بالحبشة ومن نحوهم من العبيد ولم يطلق بناء عليه جواز نظرها للرجال الأحرار الأجانب.
قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 157): وأما الفرق بين ميمونة وأم سلمة، وبين عائشة إذ اباح لها النظر إلى الحبشة؛ فإن عائشة كانت ذلك الوقت والله أعلم غير بالغة
…
ويجوز أن يكون قبل ضرب الحجاب
(1)
مع ما في النظر إلى السودان مما تقتحمه العيون.
(1)
تعقب الحافظ ابن حجر هذا واحتج به الشيخ الألباني فقال (إن الحافظ ابن حجر قد أبطل هذه الأقوال، فأثبت أن ذلك كان بعد بلوغ عائشة رضي الله عنها بسنين) مما يوهم أن ابن حجر يرى إطلاق جواز نظر المرأة للرجل! والصحيح ابن حجر أبطل كونه قبل الحجاب ولكنه أراد بذلك ترجيح قول من قال إنها إنما كانت تنظر إلى لعبهم لا إلى وجوههم كما سيأتي:
قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 445): قولها يسترني بردائه؛ دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب وكذا قولها أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر أرادت الفخر عليهن، فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها وقد تقدم من رواية بن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة. .. قال عياض وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك، ومن تراجم البخاري عليه باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة، وقال النووي أما النظر بشهوة وعند خشية الفتنة فحرام اتفاقا وأما بغير شهوة فالأصح أنه محرم وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه قال أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال انتهى.
2) أن هؤلاء الحبش الذين أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة أن تنظر إليهم؛ كانوا صبيانا ليسوا بالغين، كما قال العيني في عمدة القاري (20/ 217): وأما المعارضة فلا نقول بها؛ بل نقول إن عائشة إذ ذاك كانت صغيرة فلا حرج عليها في النظر إليهم
…
أو نقول إن الحبشة كانوا صبيانا ليسوا بالغين.
3) أن هناك فرق بين النظر لرجل من قرب وتأمله، وبين النظر من بُعد لسودان يلعبون بحرابهم كما في الحديث (وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب)
(1)
ولذلك بوب النسائي للحديث في سننه الكبرى (1/ 553) بقوله (نظر النساء إلى اللعب) ولم يقل إلى الرجال!
- وقال القاضي عياض: وفيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال، مثل هذا، لأنه إنما يكره لهن من النظر إلى الرجال ما يكره للرجال فيهن من تحديق النظر لتأمل المحاسن، والالتذاذ بذلك، والتمتع به
(2)
.
- قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (6/ 184): وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق وان كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة احتجبا عنه أي عن ابن أم
(1)
صحيح البخاري 1/ 323 (907).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 3/ 309.
مكتوم
…
وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره وقال هو حديث حسن وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين وأقواهما أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وإن وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال والثاني لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر.
- قال الشوكاني في السيل الجرار (4/ 131): وقد استدل لجواز نظر النساء إلى الرجال بما ثبت في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إلى لعب الحبشة في المسجد ويجاب عنه بأنه لا تلازم بين النظر إلى وجوههم والنظر إلى لعبهم فإن اللعب هو الحركات الصادرة منهم من تقليب حرابهم بأيديهم وحركة أبدانهم.
(1)
فالذي يتحقق من مجموع الأدلة أن نظر المرأة للرجل الأجنبي على قسمين:
(1)
وما نقلناه عن هؤلاء الأعلام ومنهم أئمة في التفسير والحديث والفقه؛ يبين خطأ الشيخ الألباني في أنكاره لهذا القول على مخالفيه بقوله: (ثم تكلّفوا في رد أدلة المجيزين للنظر بدون ريبة. . . فقد عطَّلوا دلالاتها بقولهم" ليس في الحديث أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم"! فأقول: يكفي القارئ الكريم أن يتصوَّر هذا الجواب ليظهر له بطلانه، إذ لا يمكن الفصل بين النظر إلى الصفة وهو اللعب، وبين الموصوف وهو اللاعب، فكانت عائشة تنظر في زعمهم إلى اللعب دون اللاعب! هكذا فلتعطل النصوص! ولو أنهم قالوا: لم تنظر إلى عورة، أو لم تنظر إليهم بنظرة مريبة، أو بخشية الفتنة، لأصابوا).
1) النظر العابر أو من بُعد، كرؤية المرأة للرجال في الطريق، ومنه حديث عائشة ونظرها إلى الحبش وهم يلعبون، وهذا هو الذي يظهر فيه الفرق بين الرجال والنساء في جواز النظر.
2) إدامة النظر للرجل من قُرب وتأمله فهذا الذي يمنع منه لأنه مظنة الفتنة، وهو الذي جاء النهي عنه في صريح القرآن {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ومنع منه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث نبهان، وهو المراد من قول من منع المرأة من النظر للرجل من الفقهاء.
قال ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 380): كما لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة؛ فكذلك لا يحل للمرأة أن تنظر إلى الرجل، فإن علاقته بها كعلاقتها بهن وقصده منها كقصدها منه.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 202): وفي الأنوار في آخر كتاب الجهاد: المنكرات المألوفة أنواع؛ الأول: منكرات المساجد، قال: ولو كان الواعظ شابا متزينا كثِير الأشعار والحركات والإشارات وقد حضر مجلسه النساء وجب المنع فإن فساده أكثر من صلاحه بل ينبغي أن لا يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع وهيئته السكينة والوقار وزيُّه زيُّ الصالحين، وإلا فلا يزداد الناس به إلا تماديا في الضلال، فيجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من النظر فإنه مظنة الفساد، ويجب منع النساء من حضور المساجد للصلاة ولمجالس الذكر إذا خيفت الفتنة اهـ. . . وفي المهذب في باب صلاة الجمعة:
ولأنها أي المرأة لا تختلط بالرجال وذلك لا يجوز فتأمله تجده صريحا في حرمة الاختلاط وهو كذلك لأنه مظنة الفتنة.
* قال الشيخ الألباني: فهذه أحاديث خمسة من الأحاديث الضعيفة التي يتداولها أكثر المؤلفين في تحريم وجه المرأة وكفيّها، وهم يختلفون في الإكثار والإقلال منها حسب توسع أحدهم في الموضوع وما يتصل به
…
منها الضعيف، والمنكر جدّاً، والموضوع. ومن المفيد أن أقدم إلى القراء الكرام نماذج منها، دون الكلام على أسانيدها مكتفياً بالإحالة إلى كتابي الذي خرجته فيه وتكلمت عليه مفصلاً. اهـ
1 -
وسبق أن بينَا ما احتج به الشيخ الألباني في كتابه الجلباب من الأحاديث والآثار بما فيها من الضعف والنكارة!
2 -
هذه الآثار ليست أصلا يعتمد عليه في إيجاب تغطية الوجه! لأن فيما صح غنية عنها، ولذلك لا فائدة من ذكرنا لها، ولكن سنذكر مثالا واحدا مما أنكر الشيخ الألباني على مخالفيه الاستشهاد به فقال:"وإليك مثالاً فيه تجلبب حفصة بعدما طلقها صلى الله عليه وسلم، وإسناده ليس بصحيح، فقد أعلّه ابن عبد البر والحافظ بالإرسال" اهـ وهو قد استشهد بهذا الحديث في كتابه جلباب المرأة (ص: 86) فقال: (الجلباب لستر زينة المرأة عن الأجانب سواء خرجت إليهم أو دخلوا عليها فلا بد على كل حال من أن تتجلبب ويؤيد هذا ما قاله قيس بن زيد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر
…
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فتجلببت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فقال لي: أرجع حفصة فإنها
صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة" وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير قيس بن زيد مختلف في صحبته، قال ابن عبد البر: "يقال: إن حديثه مرسل له صحبة" وقال الهيثمي "9/ 245": "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح"، وأخرجه الحاكم وذكر له شاهدا من حديث أنس، فيتقوى به إن شاء الله، لكن ليس فيه ذكر "التجلبب"، ورواه ابن سعد مختصرا بسند صحيح). اهـ
كان هذا ما ذكره الشيخ الألباني مما استشهد به مخالفوه وذيّله بما استشهد به بعضهم مما هو ليس نصا في تغطية الوجه؛ وإنما هو مما يستأنس به من تحذير الرجال من فتنة النساء؛ ولم يذكر الصحيح مما استدلوا به مما يقتضي وجوب تغطية الوجه كما سيأتي بيانه.