الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن جرير الطبري (18/ 124): وقوله {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} يقول تعالى ذكره ولا يجعلن في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين أو حركنهن علم الناس الذين مشين بينهم ما يخفين من ذلك.
قال الزمخشري في الكشاف (3/ 233) والبيضاوي في أنوار التنزيل (4/ 105): كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها، فيعلم أنها ذات خلخال. وإذا نهين عن إظهار صوت الحلي بعدما نهين عن إظهار الحلي، علم بذلك أن النهى عن إظهار مواضع الحلي أبلغ.
قال القرطبي في تفسيره (12/ 237): (ولا يضربن بأرجلهن) أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتسمع صوت خلخالها، فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد، والغرض التستر.
- عاشرا:
الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية
؛ كالخلاف فيمن لم يذكر في الآية وهو ممن تحل له رؤية المرأة:
(1)
كالعم والخال؛ فقال بعضهم إنهما يجريان مجرى الوالدين، وقال الآخرون بل تحتجب منهما المرأة فليسوا من المحارم وقد ينعتانها لأبنائهما، مستشهدين بما
صح عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية؛ قالا لم يذكر العم والخال لأنهما ينعتان لأبنائهما، وقالا:" لا تضع خمارها عند العم والخال".
(1)
ولكن إذا حُمل أن العم والخال ممن يحل لهم الدخول على المرأة ورؤيتها دون حجاب ولكن لا تبدي لهم إلا ما ظهر من الزينة (الوجه والكفين) بعدم وضع الرداء والخمار عندهما كما ذكر الشعبي وعكرمة؛ لكان ذلك أجمع للرأيين.
قال ابن العربي (ت 543 هـ) في أحكام القرآن (3/ 619): روي عن الشعبي أنه قال لم يذكر الله العم فيها ولا الخال لأنها تحل لأبنائهما. وقيل لم يذكرهما لأنهما قائمان مقام الأبوين بدليل نزولهما منزلتهما في حرمة النكاح. فأما من قال بالقول الأول فقال إن حكم الرجل مع النساء ينقسم على ثلاثة أقسام:
الأول: من يجوز له نكاحها؛ لم يحل له رؤية شيء منها.
والثاني: من لا يحل له نكاحها (ولا) لابنه كالأخ والجد والحفيد؛ جاز الوضع لجلبابها ورؤية زينتها.
والثالث: من لا يحل له نكاحها ويجوز لولده كالعم والخال؛ جاز رؤية وجهها وكفيها خاصة ولم يحل له رؤية زينتها. اهـ وهذا كله موافق تماما لما ذكرنا.
وقال الزمخشري في الكشاف (3/ 237): فإن قلت لم يذكر الله الأعمام والأخوال؟ قلت: سئل الشعبي عن ذلك فقال لئلا يصفها العم عند ابنه والخال
(1)
مصنف ابن أبي شيبة 4/ 13 (17293)، الطبري في تفسيره 22/ 42 بإسناد صحيح.
كذلك، ومعناه أن سائر القرابات يشترك الأب والابن في المحرمية إلا العمّ والخال وأبناءهما، فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم فيداني تصوّره لها بالوصف؛ نظره إليها، وهذا أيضاً من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر.
(2)
المحارم بالرضاع والمصاهرة: فإنه لم يرد ذكرهم في الآية! ولو كان حكمهم في هذا الأمر كحكم المحارم بالنسب لورد ذكرهم فيها كما ورد ذكرهم في آية المحرمات في سورة النساء وهو القائل عز وجل (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الأنعام 38
- يشهد لذلك ما ورد عن أيوب السختياني بإسناد صحيح إليه قال: قلت لسعيد بن جبير أيرى الرجل رأس (ختنته)
(1)
فتلا عليه {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} الآية؛ قال: لا أراها فيهم.
(2)
ولذلك فرق بينهم بعض أهل العلم في حدود ما يباح لهم النظر إليه من المرأة:
- جاء في أحكام القرآن لابن العربي (3/ 386): عن مالك قال: أكره أن يسافر الرجل بامرأة أبيه أو ابنه، ولله دره إنها ليست كأمه وابنته.
(1)
الختنة: أُمُّ الزوجة كما في النهاية (2/ 10) والفائق في غريب الحديث (1/ 354).
(2)
تفسير ابن أبي حاتم (14412).
- قال القرطبي في تفسيره (12/ 232): تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها وتختلف مراتب ما يبدي لهم فيبدي للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج.
- قال ابن القطان في أحكام النظر /140: من ذوات المحارم من في نظر ذي محرمها إليها خلاف، كأم الزوجة: جوّز مالك النظر إلى شعرها، ومنع ذلك سعيد بن جبير، وتلا حين سُئل عنها الآية، ثم قال: لا أراها فيها، وهو موضع نظر، فإن الشهوات لا تنضبط، وعلة الحرمة فيها، وهو كونها أمّاً للزوجة لا يقتضي الطبع انكماشاً، كما فيما بينه وبين أخته مثلاً، وقد كان جائزاً له نكاحها قبل تزوجه بابنتها
…
والذي لا شك في جوازه؛ النظر منها إلى وجهها وكفيها فإن ذلك قد جاز النظر إليه من الأجنبية، والزيادة على ذلك عندي موضع توقف
…
مسألة: جوز مالك أن يرى شعر امرأة ابنه، والقول بها عندي كالقول في أم امرأته.
- قال ابن قدامة في المغني (7/ 75): وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم امرأته وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية.
- وفي روضة الطالبين (7/ 24): وسواء المحرم بالنسب والمصاهرة والرضاع، وقيل لا ينظر بالمصاهرة والرضاع إلا إلى البادي في المهنة.
(3)
وكذلك حمل المراد من قوله {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} في هذه الآية على أنه الزوج، لأنه من المعلوم أن الزوج يحل له النظر إلى جميع بدن الزوجة؛ وهذا يضعف أن يكون هو المراد في هذا الموضع الذي ذُكر فيه من يحل لهم النظر إلى
بعض المواضع من جسدها دون بعض، ولما كان البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب؛ فالصواب والله أعلم أن المراد بالبعل في هذه الآية؛ السيّد بالنسبة للأمة التي لها زوج، فإن الأمة غير المتزوجة يحل لسيدها منها ما يحل له من زوجته، وهذا جاء بيانه في قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} المؤمنون: 5 - 6 ولكن لما كانت الأمة قد تكون ذات زوج فلا يحل لسيدها منها إلا ما يحل له من ذات المحرم؛ اندرج حكم سيدها في هذه الآية فيمن لا يحل له إلا رؤية الزينة من المرأة.
(1)
ومما يؤكد عموم الخطاب في هذه الآية وأنه موجه للإماء والحرائر
(2)
؛ أن الأمر في مطلعها جاء بلفظ {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} وهذا اللفظ (المؤمنات) عام تدخل فيه الحرائر والإماء، بخلاف آية الجلابيب التي خص الله فيها الخطاب للحرائر دون
(1)
قال البيهقي في السنن الكبرى (7/ 94): والسيد معها إذا زوجها كذوي محارمها.
(2)
سبق تخريجه.
الإماء فقال جل في علاه {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} فأخرج بقوله (نساء المؤمنين) قال ابن حزم في المحلى (3/ 218): البعل في لغة العرب السيد والزوج، وأيضا فالأمة قد تتزوج، وماعلمنا قط أن الإماء لا يكون لهن أبناء وآباء وأخوال وأعمام كما للحرائر.
ومما يشهد لما ذكرنا من أن المراد بالبعل هنا السيد والمالك؛ أنه لم يؤثر عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه قال بأن المراد بالبعولة في هذه الآية الأزواج، بل جاء ما ينفي ذلك وهو قول ابن عباس في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} قال الزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواراها" فأما خلخالها ومعضدتها ونحرها وشعرها فلا تبديه إلا لزوجها"
فهذا القول من ابن عباس شاهد على أن الزوج لم يدخل في هذه الآية.
ومما يشهد لذلك أيضا أن الله تعالى لم يذكر البعولة في آية الحجاب في سورة الأحزاب {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} الأحزاب: 55
…
لأن الخطاب فيها موجه للحرائر دون الإماء.
(1)
وقد أدى حمل قوله {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} في هذه الآية على أن المراد به الزوج إلى أن بالغ بعضهم فأحلوا النظر لجميع جسد المرأة لذوي محارمها عدا العورة المغلظة؛ معللين ذلك بأن الله قد ساوى في ذلك بين البعولة وبينهم في الآية!
(1)
ولاستبعاد ذلك قال الآخرون: مع أن الله تعالى جمع هؤلاء في سياق واحد إلا أنه لا يفهم منه استواء أحكامهم لأن الزوج يباح له النظر من زوجته ما لا يحل لأبيها النظر إليه! ولو حُمل المراد بالبعولة وآباء البعولة وأبنائهم في هذه الآية على السيّد بالنسبة للأمة المتزوجة ووالده وولده؛ لكان أسلم.
ومما يشهد لذلك أن "الحسن والحسين كانا لا يريان أمهات المؤمنين وكان ابن عباس يرى أن رؤيتهن لهما حل"
(2)
فإنهن لهما بمنزلة زوجات الأب، ولكن لما كان أبناء الأزواج ممن لم يستثن في الآية؛ فلا يحل لزوجات أبيهم (أمهات المؤمنين) أن يبدين لهم من زينتهن إلا ما ظهر منها؛ كرهوا الدخول عليهن، والله تعالى أعلم.
وفيه كذلك الجواب على من أنكر على من قال إن العم والخال ينعتان لأبنائهم بأن الله قد أباح لأبي الزوج الزينة الباطنة وهو قد ينعت لأبنائه (إخوة الزوج) فإذا حُمل أن المراد هو أبو السيد بالنسبة للأمة، وأن آباء الأزواج لا يبدى لهم إلا ما ظهر من الزينة؛ كانوا كالأعمام في الحكم.
(1)
انظر المحلى: 10/ 32.
(2)
سنن سعيد بن منصور 1/ 276 (965) مصنف ابن أبي شيبة 4/ 12 (17291).
والمتأمل حقيقة في هذا التقسيم بمنع فئة ممن يحل لهم رؤية المرأة دون حجاب من رؤية زينتها إلا ما ظهر منها، يتبين له دقة الشارع فيأحكامه فمن لم يستثنوا في الآية ليس لديهم من نفرة الطباع ما للمحارم المستثنين فيها.
(4)
وكذلك النساء المشركات: حيث فُسر قوله تعالى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} بالنساء المسلمات كما قال سعيد بن جبير، ومجاهد:" نسائهن المسلمات، ليس المشركات من نسائهن، وليس للمرأة المسلمة أن تَكَشّف بين يدي المشركة".
(1)
ولذلك ذهب فريق من أهل العلم إلى أن النساء الكوافر بالنسبة للمرأة المسلمة كالرجال الأجانب! كما جاء في أسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 111): وتحتجب مسلمة عن كافرة وجوبا فيحرم نظر الكافرة إليها لقوله تعالى {أَوْ نِسَائِهِنَّ}
…
فقد أفتى النووي بأنه يحرم على المسلمة كشف وجهها لها.
(2)
لكن هذا يضعفه ما صح أن نساء أهل الذمة كن يدخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يرين وجوههن! لذلك ذهب الفريق الآخر إلى أنهن في حل النظر كالمسلمات! وهو خلاف الآية كما هو بيّن. فإذا قلنا إن النساء الكافرات ممن يحل لهن الدخول ولكن لا يبدى لهن إلا ما ظهر من الزينة (الوجه والكفين) لكان هذا أجمع للرأيين.
(1)
تفسير ابن أبي حاتم 8/ 2577 (14415)(14416).
(2)
فيه شاهد على أنه يرى أن الحجاب يقتضي تغطية الوجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 112): وقوله (أو نسائهن) احتراز عن النساء المشركات فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل معهن الحمام، لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال، فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة.
(5)
وكذلك الصبي المميز فلأنه لم يذكر في الآية جعله بعضهم كالبالغ وقال بعضهم إنه كذي المحرم كما جاء في الكافي في فقه ابن حنبل (3/ 6): ومن لا تمييز له من الأطفال لا يجب التستر منه في شيء لقوله تعالى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} وفي المميز روايتان إحداهما هو كالبالغ لهذه الآية والثانية هو كذي المحرم لقوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} النور: 59 ففرق بينه وبين البالغ.
(1)
فإذا قيل إنه يحل له الدخول على النساء ورؤيتهن ولكن لا يبدين له إلا ما ظهر من الزينة (الوجه والكفين) كان ذلك أجمع للرأيين، فلا يُلحق بالمحرم والله لم يلحقه به في الآية، ولا يُلحق بالبالغ الذي فرق الله بينهما في الحكم في الآية الأخرى.
يؤيد ذلك قول الإمام أحمد كما في المغني (7/ 77): قيل لأبي عبدالله متى تغطي المرأة رأسها من الغلام قال إذا بلغ عشر سنين.
(1)
وانظر كشاف القناع 5/ 12 والمبدع 7/ 10 ومختصر الإنصاف والشرح الكبير 1/ 639
(6)
وكذلك ما وقع من خلاف في المراد من قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ففريق قال إن المراد بها الإماء المشركات، فبعد نهي المرأة عن إبداء زينتها للنساء الكوافر استثني من ذلك ما ملكت أيمانهن منهن، وهذا يضعفه أنه لو أُريد ذلك لجاء بصيغة الاستثناء كأن يقول (أو نسائهن إلا ما ملكت أيمانهن).
ومنهم من قال المراد به العبيد، وقد ورد عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عدم احتجابهما من العبيد، وثبوت دخولهم عليهن كما جاء ذلك عن مجاهد قال (كان العبيد يدخلون على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم)
(1)
وكذلك ما جاء عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قال (استأذنت عليها فقالت من هذا فقلت سليمان قالت كم بقي عليك من مكاتبتك قال قلت عشر أواق، قالت: أدخل فإنك عبد ما بقي عليك درهم)
(2)
كما جاء عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب ـ رداء ـ إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال:"إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك (".
(3)
قال البيهقي عقبه (7/ 95): وروينا عن القاسم بن محمد أنه قال (إن كانت أمهات المؤمنين يكون لبعضهن المكاتب فتكشف له الحجاب ما بقي عليه درهم فإذا قضى أرخته دونه) وكان الحسن والشعبي وطاووس ومجاهد يكرهون أن ينظر
(1)
مصنف عبد الرزاق 8/ 412 (15742).
(2)
سنن البيهقي الكبرى 7/ 95 (13324) صححه الألباني في إرواء الغليل 6/ 183.
(3)
سنن أبي داود (4106) وصححه الألباني.
العبد إلى شعر سيدته، وكأنهم عدوا الشعر من الزينة التي لا تبديها لعبدها كما عده بن عباس رضي الله عنهما فيما رويناه من الزينة التي لا تبديها لمحارمها.
قال ابن حجر فتح الباري (5/ 265): وفيه دليل على أن عائشة كانت ترى ترك الاحتجاب من العبد سواء كان في ملكها أو في ملك غيرها لأنه كان مكاتب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ
ولهذا جعله الفريق الآخر محرما لها يسافر بها ويخلو بها! وقد أنكر شيخ الإسلام هذا فقال في مجموع الفتاوى (22/ 111): فهذا يقتضي جواز نظر العبد إلى مولاته وقد جاءت بذلك أحاديث وهذا لأجل الحاجة لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد والمعامل والخاطب فإذا جاز نظر أولئك فنظر العبد أولى وليس في هذا ما يوجب أن يكون محرما يسافر بها كغير أولى الأربة فإنهم يجوز لهم النظر وليسوا محارم يسافرون بها فليس كل من جاز له النظر جاز له السفر بها ولا الخلوة بها بل عبدها ينظر إليها للحاجة وإن كان لا يخلو بها ولا يسافر بها.
قال النحاس في معاني القرآن (ت 338 هـ)(4/ 527): قال عز وجل {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} فيه أقوال
…
والقول الثاني أنه ليس لعبيدهن أن يروا منهن إلا ما يرى الأجنبي - الأتباع والعبيد المملوكون للغير - كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال ولا ينظر عبدها إلى شعرها ولا نحرها وأما الخلخال فلا ينظر إليه إلا الزوج. وهو مذهب عبد الله بن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي
…
ويكون التقدير على القول الثاني أو ما ملكت أيمانهن غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة ثم حذف.
قال القرطبي في تفسيره (12/ 237): وقد قيل إن التقدير أو ما ملكت أيمانهن من غير أولي الإربة
(1)
أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال حكاه المهدوي. اهـ
وهذا هو الصحيح والله أعلم؛ أن المراد بقوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من غير أولي الإربة، يؤكد ذلك قرينة في الآية وهي قوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} فلو لم تكن الصفة {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} عائدة على كلا النوعين (ملك اليمين والتابعين) لما كان لقوله {مِنَ الرِّجَالِ} فائدة،
ولكان قوله {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} كاف لبيان المراد. وهذا لا ينفي كون العبيد ممن يحل لهم الدخول على النساء من غير حجاب، ولكن المراد أنه ليس لهم حكم العبيد غير أولي الإربة المستثنين في الآية الذين يحل للمرأة أن تبرز لهم بالدرع والخمار دون الرداء:
(1)
هو الأحمق الذي ليس له في النساء حاجة ولا إرب. قال القرطبي في تفسيره (12/ 234): واختلف الناس في معنى قوله أو التابعين غير أولي الإربة فقيل هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء وقيل الأبله وقيل الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن وقيل العنين وقيل الخصي وقيل المخنث وقيل الشيخ الكبير والصبي الذي لم يدرك وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى ويجتمع فيمن لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء.
- عن الشعبي أنه كان لا يرى بأسا أن تضع المرأة ثوبها - الرداء والملحفه - عند مملوكها وإن كان يكره أن يرى شعرها. اهـ
(1)
أما العبد تملكه المرأة وهو من أولي الإربة فهو كسائر العبيد لا تبدي له من زينتها إلا ما ظهر منها (الوجه والكفين) فلا تضع رداءها عنده.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 389): لم أر من الصواب؛ إلا أن يكون المملوك من غير أولى الإربة؛ فيكون حكمه حكم الأطفال الذين لا يفطنون لعورات النساء وكم من المماليك الأوغاد أتى منهم الفساد. اهـ
فإذا كان لا يحتجب من العبد المملوك؛ وكان المملوك من غير أولي الأربة حكمه كحكم المحارم والأطفال الذين لا يفطنون لعورات النساء؛ دل ذلك على أن المملوك من أولي الأربة لن يكون كحكم المملوك من غير أولي الأربة فيرى زينة المرأة، وهو ليس كحكم الحر الأجنبي الذي يجب على المرأة الحرة أن تحتجب منه! فلم يبق إلا أن يكون ممن لا يرى إلا الزينة الظاهرة منها، أي (الوجه والكفين). يؤيد ذلك قوله {الَّذِينَ} للجمع بعد
بصفة الإفراد وذلك لبيان عطف ما بعدها على ما قبلها من الرجال حيث قال بعد قوله {أَوِ الطِّفْلِ} {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} فلا بد أن تعود {الَّذِينَ}
…
على آخرين مع الطفل ولا يكون إلا أقرب مذكور وهم {مَا مَلَكَتْ
(1)
مصنف ابن أبي شيبة (17271)
أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} فيكون التقدير والله أعلم: (أو ما ملكت أيمانهن غير أولي الإربة من الرجال؛ الذين لم يظهروا على عورات النساء، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال؛ الذين لم يظهروا على عورات النساء، أو الأطفال؛ الذين لم يظهروا على عورات النساء) إذ إنه لو لم يكن كذلك لجاء نعت الطفل مفردا (أو الطفل الذي) أو جاء المنعوت بالجمع كما جاءت في قوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} ولهذا قال تعالى في ختام هذه الآية {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} النور: 59.
فيكون المعنى المراد والله تعالى أعلم أنه بعد أن عدّ من يحل لهم الدخول على المرأة من محارمها؛ ذكر النساء (أو نسائهن) ليكون فاصلا بين المحارم وبين من يشترط فيهم أن يكونوا من غير أولي الأربة؛ وهم الذين يتبعون أهل البيت ليس لهم حاجة في النساء ولا يحصل منهم ذلك بحال من الأحوال سواء كانوا من الرجال كالشيخ الكبير أو الأحمق والأبله أو الخصي والعنين، أو كان من الأطفال كيتيم الرجل الذي في حجره، وهذا التأويل كما ترى قد جمع بين جميع الآثار الواردة في تأويل هذه الآية.
- الحادي عشر: ومما يؤيد أن المراد بمن يحل له رؤية الزينة الظاهرة (الوجه والكفين) في هذه الآية (إلا ما ظهر منها) هم ممن يحل لهم النظر إلى المرأة دون حجاب من العبيد ونحوهم؛ إجماع أئمة المفسرين على تفسير آية إدناء الجلابيب بتغطية الوجه للنساء الحرائر دون ذكر للتعارض بين الآيتين،
فلا يسوغ أن يُحمل تأويلهم لجواز إظهار الوجه
والكفين في هذه الآية؛ ووجوب تغطيتهما في آية الأحزاب على نفس الفئة من الرجال! إذ لو كان كذلك لبيّنوا وجه هذا التعارض!
وقبل أن أنقل أقوال المفسرين في تفسير هذه الآية لابد أن نذكّر بما سبق أن بيّناه من إطلاق السلف وأهل العلم لمسمى (الأجنبي) و (الغريب) عند الحديث عن النظر إلى المرأة وهم: مطلق الرجال الأجانب بالنسبة للإماء لأنه لم يفرض عليهن الحجاب، والمملوكون والأتباع بالنسبة للنساء الحرائر، وهذا هو السبب في وهم المتأخرين في هذه المسألة، حيث حملوا مراد من قال من أهل العلم المتقدمين (أن الزينة الظاهرة تبدى للأجنبيين) على أن مراده جواز إظهار المرأة الحرة لوجهها وكفيها للرجال الأحرار الأجانب الذين يجب عليها الاحتجاب منهم! والصحيح أن المراد هو من يحل له الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممن لا يعد محرما لها من العبيد المملوكين أو الأتباع.
ومن ذلك قول سعيد بن جبير {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني الوجه والكفين فزينة الوجه الكحل وزينة الكفين الخضاب ولا يحل أن يرى منها غريب غير ذلك.
(1)
.
(1)
تفسير ابن أبي حاتم 8/ 2575 (14403).
وإليك نماذج من أقوال المفسرين المتقدمين في تفسير هذه الآية، وأقوالهم في تفسير آيتي الأحزاب:
* ابن جرير الطبري (ت 310 هـ) 18/ 117: وقوله {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عني بذلك الوجه والكفان يدخل في ذلك إذا كان كذلك الكحل والخاتم والسوار والخضاب.
ثم قال في تفسير آيتي الحجاب في سورة الأحزاب:
(1)
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قال: وإذا سألتم أزواج رسول الله ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعا فاسألوهن من قوله {أَوِ الطِّفْلِ} وراء حجاب يقول من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن.
(1)
(2)
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} قال: لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول. ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به فقال بعضهم هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة
…
وقال آخرون بل أمرن أن يشددن
(1)
تفسير الطبري 22/ 39.
جلابيبهن على جباههن. اهـ أي ليس بسدلها على وجوههن من فوق رؤوسهن ولكن بشدها على جباههن ثم عطفها وردّها على الأنف وهو التقنع كما بيّنا ذلك مسبقا.
* النحاس (ت 338 هـ) في معاني القرآن 4/ 521 - 522: قال جل وعز {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
…
عن ابن عباس قال الوجه والكف وبعضهم يقول عن ابن عباس الكحل والخضاب وكذلك قال مجاهد وعطاء ومعنى الكحل والخضاب ومعنى الوجه والكف سواء. وروت أم شبيب عن عائشة قالت (القلب والفتخة) والفتخة الخاتم والقلب السوار. قال أبو جعفر وهذا قريب من قول ابن عمر وابن عباس وأكثر الفقهاء عليه ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في الصلاة كل موضع منها يراه المرء وأنه لا يظهر منها إلا وجهها وكفاها.
ثم قال في تفسير آية الحجاب في سورة الأحزاب (5/ 378): {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلى آخر الآية قال الحسن ذلك أدني أن يعرف أنهن حرائر فلا يؤذين، قال الحسن تغطي نصف وجهها، وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت علاها بالدرة، قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فقال تغطي حاجبها بالرداء ثم ترده على أنفها حتى تغطي رأسها ووجهها وإحدى عينيها.
* أبو بكر الجصاص (ت 370 هـ) في أحكام القرآن 5/ 172 - 173: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال أصحابنا المراد الوجه والكفان لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين، ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضا أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة وإذا كان ذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة.
ثم قال في تفسير آيتي الحجاب في سورة الأحزاب:
(1)
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} وهذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه فالمعنى عام فيه وفي غيره إذ كنا مأمورين باتباعه والاقتداء به إلا ما خصه الله به دون أمته.
(1)
(2)
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} قال أبو بكر في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين.
(2)
(1)
أحكام القرآن للجصاص 5/ 242
(2)
أحكام القرآن للجصاص 5/ 245
* الثعلبي (ت 427 هـ) 7/ 87 - 88: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الخفيّة التي أُمرن بتغطيتها ولم يبح لهنّ كشفها في الصلاة وللأجنبيين وهي ما عدا الوجه والكفّين وظهور القدمين {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ}
ثم قال في تفسير آيتي الحجاب في سورة الأحزاب:
(1)
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قال ابن عباس لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله تعالى {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ} الأحزاب: 55 في ترك الاحتجاب من هؤلاء وأن يروهن.
(1)
(2)
قال تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أي يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنّعن بها ويغطّين وجوههن ورؤوسهن.
(2)
* الواحدي (ت 468 هـ) 2/ 761: قوله {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يعني الخلخالين والقرطين والقلائد والدمالج ونحوها مما يخفى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وهو
(1)
تفسير الثعلبي 8/ 60.
(2)
تفسير الثعلبي 8/ 64
الثياب والكحل والخاتم والخضاب والسوار فلا يجوز للمرأة أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى نصف الذراع.
ثم قال في تفسير آيتي الحجاب في سورة الأحزاب:
(1)
{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} : وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال فلما نزلت هذه الآية ضرب عليهن الحجاب فكانت هذه آية الحجاب بينهن وبين الرجال {ذَلِكُمْ} أي الحجاب {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فإن كل واحد من الرجل والمرأة إذا لم ير الآخر لم يقع في قلبه.
(1)
(2)
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} جمع جلباب، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة، قال المفسرون: يغطين رءوسهن ووجوهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهن بأذى.
(2)
* ابن العربي في أحكام القرآن (ت 543 هـ)(3/ 381): واختلف في الزينة الظاهرة على ثلاثة أقوال: الأول: أنها الثياب يعني أنها يظهر منها ثيابها قاله ابن مسعود
الثاني: الكحل والخاتم قاله ابن عباس والمسور
(1)
التفسير الوسيط 2/ 872.
(2)
التفسير الوسيط 3/ 482.
الثالث: أنه الوجه والكفان
…
والصحيح أنها من كل وجه هي التي في الوجه والكفين فإنها التي تظهر في الصلاة وفي الإحرام عبادة وهي التي تظهر عادة.
ومما ينفي أن يكون مراده جواز إظهار ذلك من المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب قوله في تأويل آيتي الحجاب:
(1)
{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} : وهذا يدل على أن الله أذن في مساءلتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتى فيها والمرأة كلها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة كالشهادة عيها.
(1)
(2)
قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} قيل معناه تغطي به رأسها فوق خمارها وقيل تغطي به وجهها حتى لا يظهر منها إلا عينها اليسرى.
وقال في كتابه عارضة الأحوذي (4/ 56): ستر وجه المرأة بالبرقع فرض، إلا في الحج؛ فإنها ترخي شيئا من خمارها على وجهها.
* القرطبي (ت 671 هـ) 12/ 227 - 230: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حذارا من الافتتان ثم استثنى ما يظهر من الزينة
…
(1)
أحكام القرآن لابن العربي 3/ 616
وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة ظاهر الزينة هو الكحل والسوار، والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس
…
فهذا أقوى من جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها.
ومما يؤكد ذلك وأن مراده ليس الأحرار الأجانب الذين يجب على المرأة الحرة الاحتجاب منهم؛ قوله في تفسير آيتي الحجاب في الأحزاب:
(1)
{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها كما تقدم فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها.
(1)
(2)
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء
…
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن
…
وقد قيل إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء.
(2)
(1)
تفسير القرطبي 14/ 227
(2)
تفسير القرطبي 14/ 243.
ولذلك فإن من الخطأ أن نحمل أقوال المفسرين في تفسير الزينة الظاهرة على أن المراد بها ما تظهره المرأة الحرة لمن يجب عليها الاحتجاب منهم من الرجال الأجانب؛ وهم قد فسروا آية إدناء الجلابيب بأنها تفيد وجوب تغطية وجه المرأة الحرة عن الرجال الأحرار الأجانب، لأن في ذلك حمل الآيتين على معنيين وحكمين متعارضين!
وخلاصة هذا المبحث أن المراد بمن لا تُظهر المرأة الحرة زينتها لهم (إلا ما ظهر منها) المفسرة بـ (الوجه والكفين بما فيهما من الزينة كالخاتم والسوار) هم من يحل لهم الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب ممن لم يستثن في الآية وهم: العبيد المملوكون للغير، والعبد المملوك والتابع إذا كان من أولي الإربة، والذين لم يبلغوا الحلم من الأحرار (الصبية المميزين) والنساء غير المسلمات، والمحارم بالمصاهرة والرضاع، والعم والخال، فهؤلاء تظهر لهم بثيابها الظاهرة (بردائها أو ملحفتها وخمارها ضاربة به على جيبها)، أما من استثني في الآية (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن
…
) فهؤلاء تضع عندهم الرداء فتبرز لهم بخمارها دون أن تضرب به على جيبها، فيرون منها الزينة الباطنة، هذا كل ما تعنيه الآية، وبذلك يتبين بطلان الاستدلال بقوله تعالى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} المفسر بالوجه والكفين، وحديث عائشة " إن المرأة إذا بلغت المحيض. . . " على جواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب.