المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناقشة البحث السابع:: - كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة::

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الرابع::

- ‌ التقنع

- ‌ الاعتجار

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌عورة المرأة الحرة

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ نظر المرأة للرجال الأجانب

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية

- ‌ الخلاف القائم حول بعض متعلقات الآية

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ مناقشة البحث السابع::

ــ::‌

‌ مناقشة البحث السابع::

ــ

أولا: أطلق الشيخ الألباني الحكم بالضعف على الآثار التي استشهد بها المخالفين له ولم يُعمل معها قواعد التحديث التي عمل بها مع أدلته، وإنما حكم عليها بالضعف بما لا يوجب لها الضعف! مما يوهم أن كل ما احتجوا به ضعيف واهٍ!!

ثانيا: أنكر الاستشهاد بأثر ابن عباس في تفسير آية إدناء الجلابيب الذي فيه إبداء العين الواحدة وهو قوله (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة) وذلك لعلتين في إسناده - خفة في ضبط راويين - رغم أن هذه العلل لا تسقطه من درجة الاحتجاج به! فإنه لاينزل بها عن رتبة الحسن، كما أن له شواهد صحيحة يتقوى بها، ويرتقي بها من الحسن إلى الصحيح - كما بينا ذلك مفصلا في مناقشة البحث الثالث فليرجع إليه - ولذلك فإن هذا الأثر يعد من الآثار الثابتة التي اعتمد عليها جل أهل العلم في تفسير هذه الآية:

قال الإمام جلال الدين السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (2/ 3 - 5): وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة. وها أنا أسوق هنا ما ورد من ذلك عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في صحيحه. اهـ

ص: 282

كما احتج بها أئمة التفسير: ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، واعتمد على هذه الرواية علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره، والإمام القرطبي في تفسيره، وكذلك الإمام ابن كثير في تفسيره في مواضع عديدة، وغيرهم من المفسرين فكانت قوية ومحتجا بها عند علماء التفسير وغيرهم، وظاهر القرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين تؤيدها؛ فلا وجه للطعن في هذه الرواية، فهي ثابتة عمل بها الأئمة واحتجوا بها.

ثالثا: استشهد الشيخ الألباني بقول ابن عباس: "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" -الذي نص على ضعفه- على أنه يناقض أثر العين الواحدة! واحتج بإدراج الطبري لقول ابن عباس "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" تحت قوله: "وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن" مستشهدا بذلك على أن الطبري يريد أن الفريق الآخر يرى أن الإدناء يكون بوضع الجلباب على الرأس وشده على الجبين دون تغطية الوجه!! وهذا تأويل مخالف لمراد الطبري من تقسيمه كما بيّناه في مناقشة البحث الخامس؛

قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فيكشفن شعورهن ووجوههن ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول. ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به فقال بعضهم هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا

ص: 283

واحدة. ذكر من قال ذلك: حدثني علي

عن ابن عباس " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة"

عن محمد عن عبيدة في قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فلبسها عندنا ابن عون قال ولبسها عندنا محمد قال محمد ولبسها عندي عبيدة قال ابن عون بردائه فتقنع به فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب.

وقال آخرون بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن ذكر من قال ذلك حدثني محمد بن سعد

عن ابن عباس قال "كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها"

(1)

حدثنا بشر عن قتادة " أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب"

(2)

حدثنا ابن حميد عن أبي صالح " يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة".

(3)

اهـ

ويتبين خطأ الشيخ الألباني في فهمه لمراد الطبري بالآتي:

(1)

ضعفه الألباني في الرد المفحم/11.

(2)

صححه الألباني في الرد المفحم /52.

(3)

انظر: جامع البيان 22/ 45 - 47.

ص: 284

أولا: قول الطبري: (ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء) يدل على أنهم لم يختلفوا على ما ذكره قبل ذلك، وهو قوله:(قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن) أي أنهم متفقون على أن مراد الله من هذا الأمر هو أن تغطي نساء المؤمنين وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، ولكن اختلفوا في صفة الإدناء كيف تكون لتحقيق هذه التغطية، ولذلك تجد أن من نقل عن الطبري من أهل العلم تفسير هذه الآية لا يذكر هذا الخلاف:

كما في عون المعبود (11/ 106): وقوله {جَلَابِيبِهِنَّ} جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة كذا في الجلالين، وقال الطبري في جامع البيان الجلباب رداء فوق الخمار تستر من فوق إلى أسفل يعني يرخينها عليهن ويغطين وجوههن وأبدانهن انتهى.

هل قول ابن عباس (وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها) هو الأرجح؟

ثانيا: اسقط الشيخ الألباني من قول ابن عباس ما يبين الضابط في تقسيم الطبري وهو قوله (يغطين وجوههن "من فوق رؤوسهن بالجلابيب" ويبدين) فأسقط قوله (من فوق رؤوسهن بالجلابيب) ولذلك لم يتبين الضابط في تقسيم الطبري، وهو أن هناك فريقا قال إن تغطية الوجه تكون بسدل الجلباب على الوجه من فوق الرأس دون شدّ للجلباب حتى لا يظهر منها إلا عينا واحدة، وهي الصفة التي تغطي بها المرأة وجهها حال الإحرام، واستشهد الطبري على هذه الصفة بأثر عبيدة السلماني الموافق لقول ابن عباس.

ص: 285

ثالثا: استشهد الطبري لبيان الصفة الثانية للإدناء (تغطية الوجه) التي وصفها بقوله (وقال آخرون بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن) بقول ابن عباس: "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" وقول قتادة " إن الله أخذ عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب"

(1)

وقول أبي صالح" يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة" ومفاد هذه الآثار كما حملها عليه أئمة التفسير؛ أنها تفيد تغطية الوجه من أسفل؛ بشد الجلباب على الجبين ثم رد طرفه وعطفه على الأنف فيغطي بذلك الوجه عدا العينين وهو التقنع، وهي الصفة التي نُهيت عنها المرأة حال إحرامها لما فيها من الشد والإلصاق على الوجه كما أسلفنا من قول ابن عباس (تدلي الجلباب على وجهها ولا تضرب به).

هذا مفاد تقسيم الطبري؛ وهو ما فهمه أهل التفسير من قول ابن عباس وقتادة؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره (14/ 243) والمفسر النحوي أبو حيان في البحر المحيط (7/ 240): واختلف الناس في صورة إرخائه فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة ذلك أن تلويه فوق

الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه.

(1)

انظر: تفسير الطبري 22/ 46

ص: 286

وبذلك تبين خطأ الشيخ الألباني فيما حمل عليه أثر ابن عباس وقتادة مخالفا ما حملها عليه أهل التفسير كما بينا ذلك مفصلا في مناقشة البحث الثالث! بل ومخالف لمعنى التقنع لغة وشرعا كما بيناه في مناقشة البحث الرابع.

رابعا: قال الشيخ الألباني أن قول ابن عباس "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" وإن كان إسناده ضعيفاً فإنه أرجح من الأول لأمور:

1) أنه الأقرب إلى لفظ (الإدناء) كما تقدم في" البحث الأول". يشير إلى ما نقله من قول الراغب الأصبهاني" (دنا)، الدنو: القرب

ويقال: دانيت بين الأمرين وأدنيت أحدهما من الآخر

"

فيقال؛ إذا كان معنى إدناء الجلباب هو شد الجلباب على الجبين كما قال؛ فسينبني عليه أن يكون معنى الإدناء والتقريب هو الشد؟!! وهذا لا يصح لغة! ولذلك فالذي يصح في معنى الإدناء في الآية هو ما تفق عليه المفسرون في تفسير هذه الآية ومنهم أئمة في اللغة العربية وقد بينا ذلك مستوفيا في مناقشة البحث الأول فليرجع إليه، وسأذكر هنا مثالين فقط:

- قال إمام العربية أبو جعفر النحاس النحوي اللغوي المفسّر (ت 338 هـ) في كتابه إعراب القرآن (3/ 325): {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أي يرخين على وجوههن منه.

ص: 287

- وقال الإمام البارع العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري في تفسيره الكشاف (3/ 560): ومعنى (يدنين عليهن من جلابيبهن) يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك.

2) قال الشيخ الألباني " أنه الموافق لما صح عن ابن عباس: أن الوجه والكفين من الزينة الظاهرة " وسبق أن أشرنا إلى أن المراد بمن تُبدَى لهم الزينة الظاهرة (الوجه والكفين) هم من يحل لهم الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب ممن لم يستثن في الآية من العبيد المملوكين للغير، ومن لم يبلغ الحلم من الأحرار، وليس المراد إظهار الوجه والكفين لمن يجب عليها الاحتجاب منهم من الرجال الأحرار الأجانب، وسنبين قريبا ما صح من الأقوال في تأويل الزينة الظاهرة وأنها تشمل السوار والخاتم مما يؤكد ما ذكرنا وسيأتي بيان ذلك وتفصيله وتأصيله في مناقشة البحث التاسع إن شاء الله.

3) قال الشيخ الألباني " إنه الموافق لقول ابن عباس "تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به" وسبق أن بينا في مناقشة البحث الأول أن الشيخ الألباني قد يكون توهم أن هذا الأثر كان تفسيرا من ابن عباس لآية إدناء الجلابيب، والصحيح أنه لم يرد لهذا الأثر ذكر في أي كتاب من كتب التفسير على الإطلاق! لأنه لم يكن تفسيرا من ابن عباس لآية الإدناء؛ وإنما كان لبيان كيف تغطي المحرمة وجهها؛ وذلك بسدل الجلباب عليه من فوق رأسها، لا بشده على الجبين ثم رفعه من

ص: 288

أسفل لعطفه على الأنف لأن المحرمة منهية عن الشد على الوجه كما بيناه في مناقشة البحث الخامس.

أما قوله إنه الموافق له؛ فالصحيح أنه وإن كان يوافقه على تغطية الوجه إلا أنه يخالفه في الكيفية؛ لأن قول ابن عباس" تدني الجلباب على وجهها ولا تضرب به" فيه أمر بالسدل على الوجه من فوق والنهي عن الضرب وهو الشد والإلصاق؛ أما قوله"تقنع وتشد على جبينها" ففيه مشروعية التغطية بالشد ورفع الثوب من أسفل للتقنع به، ولذك فإن الذي يوافق أثر ابن عباس هذا هو أثر العين الواحدة (يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة). والزيادة التي رواها "روح" في هذا الأثر تشهد لذلك - كما بينا ذلك مستوفيا في مناقشة البحث الأول - وهي كما عند أبي داود، والشافعي في باب: ما تلبس المرأة في إحرامها: (تدلي عليها من جلبابها ولا تضرب به، قلت وما لا تضرب به فأشار إلى كما تجلبب المرأة ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال لا تعطفه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه).

(1)

4) قال الشيخ الألباني: إنه المنقول عن بعض تلامذة ابن عباس؛ كسعيد بن جبير فإنه فسر الإدناء: بوضع القناع على الخمار وقال" لا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رأسها ونحرها"

(1)

أبو داود في مسائل الإمام أحمد /110، الشافعي في مسنده 1/ 118 وفي الأم 2/ 149، واللفظ له.

ص: 289

أولا: ننقل قول ابن جبير بتمامه: عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله (يدنين عليهن من جلابيبهن) قال: يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت به رأسها ونحرها.

(1)

فيتبين أن ابن جبير فسر الإدناء بقوله (يسدلن عليهن من جلابيبهن) ثم زاد في البيان فقال (وهو القناع فوق الخمار) لما هو معلوم أن القناع يعني تغطية الوجه، والسدل كذلك يعني سدل الجلباب من فوق الرأس على الوجه، وقد قال به الشيخ الألباني كما في هامش (ص 108) من كتابه جلباب المرأة تعقيبا على قول أسماء بنت أبي بكر (كنا نغطي وجوهنا من الرجال

في الإحرام)

(2)

قال: والمراد بـ (نغطي) أي نسدل.

ثانيا؛ نقل الشيخ الألباني قول ابن جبير بتصحيف في قوله (وقد شدت بها) مما يوهم أن المراد شد الخمار والجلباب معا! والصحيح عند ابن أبي حاتم والسيوطي (وقد شدت به) وذلك يعني أن الشد عائد على الخمار دون الجلباب، لأنه فسر الإدناء بسدل الجلباب؛ فكيف يسدل الثوب ويشد في الوقت نفسه! كما أنه لو كان الشد عائدا على الخمار والقناع كليهما؛ فماذا ستكون فائدة لبس القناع فوق الخمار؟! فالصحيح أن المراد من قول ابن جبير: هو أن تسدل الجلباب من فوق رأسها على وجهها بعد أن تكون شدت

(1)

تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3155

(2)

الحاكم 1/ 454 وقال حديث صحيح، ووافقه الذهبي والألباني في إرواء الغليل 4/ 212.

ص: 290

تحته بالخمار على رأسها ونحرها. وهذا يبين موافقته لأثر ابن عباس وعبيدة " أثر العين الواحدة" فيكون بذلك من شواهده التي يتقوى بها.

* ثم قال الشيخ الألباني: "وذكر نحوه أبو بكر الجصاص في" أحكام القرآن" عن مجاهد أيضاً مقروناً مع ابن عباس: "تغطي الحُرَّة إذا خرجت جبينها ورأسها" ومجاهد ممن تلقى تفسير القرآن عن ابن عباس رضي الله عنه". اهـ

فيقال: كان من الأولى نقل قول مجاهد لا نقل كلام الجصاص، كما إنه لم يتم النقل عن الجصاص ليتبين مراده (وقال ابن عباس ومجاهد تغطي الحرة إذا خرجت جبينها ورأسها خلاف حال الإماء) أما قول مجاهد فهو: " قوله {يُدْنِينَ

عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ".

(1)

فليس فيه ذكر لصفة التجلبب.

ومما يبين مراد أبو بكر الجصاص وأنه يرى وجوب تغطية وجه المرأة الحرة؛ قوله في الموضع الذي أخذ منه الشيخ الألباني قول مجاهد: أمر الله المؤمنات أن يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين. وقال ابن عباس ومجاهد تغطي الحرة إذا خرجت جبينها ورأسها خلاف حال الإماء

قال أبو بكر -الجصاص- في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى

(1)

ابن جرير الطبري في تفسيره 22/ 46.

ص: 291

(ونساء المؤمنين) ظاهره أنه أراد الحرائر وكذا روي في التفسير لئلا يكن مثل الإماء اللاتي هن غير مأمورات بستر الرأس والوجه، فجعل الستر فرقا يعرف به الحرائر من الإماء.

(1)

أهـ

* ثم قال الشيخ الألباني: ثم تلقاه عن مجاهد قتادة فإنه من تلامذته والرواة عنه فقال "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب" أخرجه ابن جرير بسند صحيح عنه. اهـ

فيقال صحيح أن قول قتادة هذا يوافق قول ابن عباس "تقنع وتشد على جبينها" ولكن على المعنى الصحيح للتقنع وهو تغطية الوجه بشد الجلباب على الجبين حتى يغطي الحواجب ثم يرد طرفه ويعطف على الأنف كما قال أهل التفسير؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره (14/ 243) والمفسر النحوي أبو حيان في البحر المحيط (7/ 240):

واختلف الناس في صورة إرخائه فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. اهـ ولهذا فإن قول قتادة" أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب" الذي صححه الشيخ عنه، يعد أيضا من شواهد حديث ابن عباس التي يتقوى بها.

(1)

أحكام القرآن للجصاص 5/ 245

ص: 292

* بعد أن تبين أنه لايصح ما ذكره الشيخ الألباني من أسباب ترجيح الرواية الثانية؛ فلنا أن نرجح ونقوي - وإن كانت الروايتان تتفقان على تغطية الوجه - رواية ابن عباس" أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن ويبدين عيناً واحدة" للأمور الآتية:

(1)

أنها أصح إسنادا؛ كما بينّاه مفصلا في مناقشة البحث الثالث؛

قال السيوطي في الإتقان (2/ 3 - 5): عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في صحيحه. اهـ

وهي رواية قوّاها الإمام أحمد، واحتج بها البخاري في" الجامع الصحيح" وابن أبي حاتم في" تفسير القرآن" واعتمد على هذه الرواية علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره" محاسن التأويل" والإمام القرطبي في تفسيره" الجامع لأحكام القرآن" وكذلك الإمام ابن كثير في تفسيره في مواضع عديدة وغيرهم من المفسرين فكانت قوية محتجا بها عند علماء التفسير وغيرهم، كما أن ظاهر القرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين تؤيدها، فهي ثابتة عمل بها الأئمة واحتجوا بها.

(2)

أنها الموافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عندما اصطفى لنفسه صفية بنت حيي من سبي خيبر (

فلما ارتحل وطَّى لها خلفه ومدَّ الحجاب بينها وبين الناس وفي

ص: 293

رواية (وجعل رداءه على ظهرها ووجهها)

(1)

. وكما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد).

(2)

(3)

أنها الأقرب لمعنى الإدناء لغة كما بيّناه في مناقشة البحث الأول؛ كما فسّرها بذلك أئمة التفسير ممن هم أئمة في اللغة العربية:

- قال إمام العربية أبو جعفر النحاس النحوي اللغوي المفسّر في كتابه إعراب القرآن (3/ 325): {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أي يرخين على وجوههن منه.

- وقال الإمام البارع العلامة أبو القاسم الزمخشري في تفسيره الكشاف (3/ 274): "يدنين عليهن" يرخين عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك.

(4)

لكثرة شواهدها:

1 -

صح عن عبيدة السلماني لما سئل عن قوله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فتقنع بردائه فغطى أنفه

(1)

صحيح البخاري 5/ 1956 (4797) والرواية الأخرى لابن سعد 8/ 86 وقدصححها الألباني في جلباب المرأة/107.

(2)

صحيح البخاري 5/ 2006 (4938) صحيح مسلم 2/ 608 (892)

ص: 294

وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب.

(1)

2 -

صح عن ابن عباس في صفة تغطية المحرمة وجهها (تدني الجلباب على وجهها ولا تضرب به، قلت وما لا تضرب به فأشار إلى كما تجلبب المرأة ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال: لاتعطفه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه).

(2)

3 -

عن ابن عباس " كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها".

(3)

4 -

صح عن قتادة (أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب)

(4)

5 -

عن سعيد بن جبير (يدنين عليهن من جلابيبهن؛ يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار)

(5)

(5)

جريان العمل به من نساء سلف هذه الأمة امتثالا لهذه الآية:

(1)

تفسير الطبري 22/ 46 صححه أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (3/ 463).

(2)

أبو داود في مسائل الإمام أحمد /110، الشافعي في مسنده 1/ 118 وفي الأم 2/ 149، واللفظ له.

(3)

تفسير الطبري 22/ 46 قال الألباني في الرد المفحم /11: ضعيف السند لكن له شواهد.

(4)

تفسير الطبري 22/ 46. صحح الألباني إسناده في الرد المفحم /52.

(5)

تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3155. عزاه الألباني في جلباب المرأة /85 للدر المنثور ساكتا عليه.

ص: 295

1 -

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (لما نزل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها).

(1)

2 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت (رحم الله نساء الأنصار لما نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان)

(2)

وسبق أن بينا في مناقشة البحث الرابع أن الاعتجار يعني تغطية الوجه.

3 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت (إن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد)

(3)

وسبق أن بينا في مناقشة البحث السادس أن التلفع يعني تغطية الوجه.

4 -

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في حادثة الإفك (فخمرت وجهي عنه بجلبابي).

(4)

وصح عنها أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ليستغفر لأهل البقيع) اختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره).

(5)

وسبق أن بينا في مناقشة البحث الرابع أن التقنع يعني تغطية الوجه.

(1)

ابن أبي حاتم في تفسيره، أبو داود (4101) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 4/ 61.

(2)

أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي 6/ 660.

(3)

صحيح البخاري (1/ 173) صحيح مسلم (1/ 445) واللفظ له.

(4)

صحيح البخاري 4/ 1774 (4473) صحيح مسلم 4/ 2129 (2770).

(5)

صحيح مسلم 2/ 669 (974).

ص: 296

5 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت (فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها)

(1)

وقالت (تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها)

(2)

.

6 -

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام).

(3)

7 -

عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات)

(4)

.

8 -

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت رجة الناس وهم يقولون آية

فخرجت متلفعة بقطيفة للزبير حتى دخلت على عائشة)

(5)

9 -

قال عاصم الأحول (كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا؛ وتنقبت به)

(6)

(1)

مسند أحمد (24021) سنن أبي داود (1833) حسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح 3/ 106، وصححه علي القاري في مرقاة المفاتيح (5/ 1852) وصححه الألباني في حجاب المرأة /33 وفي مشكاة المصابيح (2/ 823) ثم قال في جلباب المرأة / 108: حسن في الشواهد!!

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح كما في فتح الباري 3/ 406. وصحح إسناده على شرط الشيخين التويجري في الرد القوي / 246، وعبد العزيز الطريفي في الحجاب في الشرع والفطرة /101.

(3)

صحيح ابن خزيمة 4/ 203 (2690) المستدرك على الصحيحين 1/ 624 (1668) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212 ..

(4)

موطأ مالك 1/ 328 (718) صححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.

(5)

صحيح البخاري 1/ 358 (1005) مسند أحمد 6/ 354 واللفظ له، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 405: رجاله ثقات.

(6)

سنن البيهقي الكبرى 7/ 93 (13312) صححه الألباني في جلباب المرأة /110.

ص: 297

10 -

وجاءت امرأة إلى سمرة بن جندب رضي الله عنه فذكرت أن زوجها لا يصل إليها

قال وجاءت المرأة متقنعة)

(1)

11 -

عن زينب امرأة عبد الله قالت كانت عجوز تدخل علينا

وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت فدخل يوما فلما سمعت صوته احتجبت منه.

(2)

(6)

احتجاج أهل العلم بهذه الرواية؛ فقهاء ومحدثين ومفسرين فكان ذلك إجماعا منهم على حجيتها ووجوب العمل بها.

وبذلك نكون قد أقمنا الحجة على صحة حديث ابن عباس على أصول علم الحديث. وتبين خطأ الشيخ الألباني في تضعيفه لأثر ابن عباس، فإن أقل ما يقال في إسناده لو خلا مما ذكرنا مما يقويه ويعضده إنه حسن؛ والحديث الحسن يعمل به ويحتج به.

كما جاء في قواعد التحديث لمحمد جمال الدين القاسمي (1/ 106): بيان كون الحسن حجة في الأحكام: قال الأئمة: الحسن كالصحيح في الاحتجاج به، وإن كان دونه في القوة، ولهذا أدرجه طائفة من نوع الصحيح

وقال السخاوى في الفتح: منهم من يدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج، بل نقل ابن تيمية إجماعهم إلا الترمذي خاصة عليه، قال الخطابي: على الحسن مدار أكثر الحديث، لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح، وعمل به عامة

(1)

البيهقي في السنن الكبرى 7/ 228 حسنه الألباني في جلباب المرأة /103.

(2)

سنن ابن ماجه 2/ 1166 (3530) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 1166.

ص: 298

الفقهاء، وقبله أكثر العلماء. اهـ وقال السخاوي في فتح المغيث (1/ 93): ونحوه قول البغوي: أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن. اهـ

فكيف وقد ثبت لحديث ابن عباس ما يقويه؛ من الشواهد، وجريان العمل عليه وقبول أهل العلم واحتجاجهم به مما يرتقي به من الحسن إلى الصحيح!

* وبعد أن تبين صحة الاحتجاج بقول ابن عباس في تفسير الإدناء على وجوب تغطية الوجه؛ فلنا أن نذكّر بما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد الاستشهاد به وهو أن:

"تفسير الصحابي حجة بل هو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "

كما قال الحافظ ابن حجر في النكت (2/ 531): والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع.

وبذلك ثبت أن تغطية المرأة الحرة لوجهها واجب وفرض بناء على تفسير الحبر (ابن عباس) لآية إدناء الجلابيب.

ص: 299

ــ:: تتمة البحث السابع (1):: ــ

قال الشيخ الألباني: الحديث الثاني: من الضعيف الذي استدلوا به: "سؤال ابن سيرين عبيدة السلماني عن آية (الإدناء)؟ فتقنَّع عبيدة بِملحفة وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى". أخرجه السيوطي في "الدر". وبيان ضعفه من وجوه:

1 -

أنه مقطوع موقوف فلا حجة فيه لأن عبيدة السلماني تابعي اتفاقاً فلو أنه رفع حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان مرسلاً لا حجة فيه فكيف إذا كان موقوفاً عليه كهذا؟! فكيف وقد خالف تفسير ترجمان القرآن: ابن عباس ومن معه من الأصحاب؟!

2 -

أنهم اضطربوا في ضبط العين المكشوفة فيه فقيل: "اليسرى" وقيل: "اليمنى" وهو رواية الطبري وقيل: "إحدى عينيه" وهي رواية أخرى له. وذكره ابن تيمية في "الفتاوى"(15/ 371) بسياق آخر يختلف تماماً عن السياق المذكور فقال: " وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره: إن نساء المؤمنين كنَّ يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق". وإذا عرفت هذا فاعلم أن الاضطراب عند علماء الحديث علة في الرواية تسقطها عن مرتبة الاحتجاج بها حتى ولو كان شكلياً كهذا لأنه يدل على أن الراوي لم يضبطها ولم يحفظها على أن سياق ابن تيمية المذكور ليس شكلياً كما هو ظاهر لأنه ليس في تفسير الآية وإنما هو إخبار عن واقع النساء في العصر الأول وهو بهذا المعنى صحيح ثابت في

ص: 300

أخبار كثيرة ولكن ذلك لا يقتضي وجوب الستر لأنه مجرد فعل منهن ولا ينفي وجود من كانت لا تستر وجهها بل هذا ثابت أيضاً في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده كما سيأتي وتقدم بعضها.

3 -

مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه.

* الحديث الثالث: عن محمد بن كعب القرظي مثل حديث ابن عباس الأول في: "يدنين عليهن ممن جلابيبهن" قال: "تخمِّر وجهها إلا إحدى عينيها" أخرجه ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد ابن عمر عن أبي سبرة عن أبي صخر: وهذا إسناد موضوع آفته ابن سبرة قال الإمام أحمد في "العلل""كان يكذب ويضع الحديث". والراوي عنه محمد بن عمر- وهو الواقدي- قريب منه قال الحافظ في "التقريب": "متروك" وقال أحمد: "كذاب" ثم هو إلى ذلك مرسل، والمبتدؤون في هذا العلم يعلمون أن مثل هذا الإسناد الهالك لا يصلح للتقوية.

* الحديث الرابع: عن الفضل بن عباس قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء فجعل يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها قال: فجعلت ألتفت إليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه. أخرجه أبو يعلى في "مسنده" من طريق يونس بن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عنه. قال الشيخ الألباني: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ومتنه منكر وفيه علل خمس

إلخ.

ص: 301