المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأسيس جماعة الأمة القبطية - لعنة جماعة الأمة القبطية

[أمجاد]

فهرس الكتاب

- ‌تأسيس جماعة الأمة القبطية

- ‌الصراع داخل الكنيسة

- ‌اختطاف البابا

- ‌الاستيلاء على كرسي البابوية

- ‌ البابا كيرلس السادس

- ‌السحر الأسود

- ‌تعميم السحر الأسود

- ‌ولاية البابا كيرلس السادس

- ‌الخيانة العظمى وظهور العذراء

- ‌العذراء تشاطرنا الأحزان

- ‌عودة الابن الضال

- ‌تمرد شنودة

- ‌الموت بالجملة

- ‌ولاية الأنبا شنودة وسيرته

- ‌مدارس الآحاد

- ‌من أين لك هذا وأشياء أخرى

- ‌اقتصاد الكنيسة

- ‌السادات والكنيسة

- ‌الدولة تترك العنان للكنيسة وتكبت الإسلاميين

- ‌وعن ميزانية الكنيسة وإنفاقاتها حدث ولا حرج

- ‌التمرد على الدجل والشعوذة والمشاليح

- ‌مطاريد الكنيسة والشلح

- ‌لعن الله من أيقظ الفتنة

- ‌أوتار الفتنة

- ‌ حادثة أبي قرقاص

- ‌ حادثة الكشح

- ‌ القتل العلني لمن يدخل في الإسلام

- ‌ حوادث ومسيرات قبطية

- ‌ إيواء الخارجين عن القانون

- ‌وعي المسلمين بما يحدث بديارهم واجب ديني وفرض عليهم

- ‌مُلحَقَات مُهِمَّة

- ‌التيار الانقلابي في الكنيسة المصرية .. إلى أين

- ‌مَسِيحِيُّو بلادنا ليسوا مصريين أصلاء

- ‌نقاء العنصر

- ‌كثرة اليهود والإغريق بمصر

- ‌أوضاع طبقات المجتمع المصري

- ‌الهوية الحقيقية لمسيحيِّي مصر

- ‌الغرباء يُكرهون أهل البلاد على ترك ديانتهم

- ‌ولكن .. كلمة أخيرة

- ‌مراجع الملحق رقم (2):

الفصل: ‌تأسيس جماعة الأمة القبطية

‌تأسيس جماعة الأمة القبطية

هل سمعتم عن جماعة الأمة القبطية؟ ..

إنها أخطر جماعة قبطية متطرفة وأكثرها إجراما تحكم كنائس مصر منذ أن تخلصت من الأب يوساب بطريرك الأقباط النصارى في بداية الخمسينات وشطبت اسمه من ذاكرة الأقباط النصارى ومن تاريخ الكنيسة .. لينفرد أتباعها بحكم الكنيسة القبطية مبتدعين قوانين مخالفة لمنهج الكنيسة المرقصية الأرثوذكسية .. ضاربين بتعاليم المسيحية عرض الحائط ولنبدأ بسرد تاريخهم القذر وأفعالهم الإجرامية ليس مع المسلمين فقط ولا مع المخالفين للعقيدة الأرثوذكسية القبطية من المسيحيين باختلاف مللهم وكنائسهم ولكن مع الأقباط النصارى المنتسبين للكنيسة والرهبان والقساوسة وكبار الكهنة المخالفين لمنهجهم المنحرف .. نستعرض تاريخهم الملوث بالإجرام والقتل والتعذيب منذ نشأتها إلى الآن.

يوساب الثاني البطريرك الـ 115 للكنيسة الأرثوذكسية المصرية.

تأسست تلك الجماعة في أوائل القرن الماضي قبل ثورة 1919 على يد راهب يدعي أنطونيوس .. تيمنا بأبو الرهبانية الأنبا أنطونيوس مؤسس الرهبانية حسب معتقداتهم (251 م _ 356 م) .. وهو نفس الاسم الذي اختاره الأنبا شنودة في بداية رهبنته قبل تنصيبه بابا للأقباط .. وكان الراهب أنطونيوس مؤسس جماعة الأمة القبطية مثل أي راهب من رهبان الأديرة

ص: 2

يعمل بقوانين الدير بكل تعاليمه في الصلاة والعمل وغيرها .. ولكن مع دخول الإرساليات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية مع الاحتلال الأجنبي لمصر وازدياد تواجدها حدث تغيير كامل في منهجه الفكرى والعقائدى .. حيث خرج بنظرية فلسفية لخدمة الرب برؤيته مخالفة تماما لتعاليم الكنيسة القبطية في ذلك الوقت .. ومناقضة للمسيحية .. فقد دفعته غيرته وقلقه على الكنيسة القبطية وكراهيته لكنائس الغرب إلى أن يبتدع فكرا متطرفا يحث به أتباعه على وجوب تصنيف أعداء الكنيسة وترتيبهم تبعا لحجم خطورتهم على وجودها ومن ثم تحديد أفضل أساليب التعامل معهم لسحقهم .. لبناء كنيسة قبطية عظيمة واسعة النفوذ استعدادا لاستقبال المسيح في الأيام الأخيرة .. كنيسة يرضى عنها الرب ويبارك جنودها ..

ووضع أعداء الكنيسة على الترتيب:

• اليهود باعتبارهم المسئولين عن قتل وصلب المسيح حسب عقيدتهم .. ولم يعلنوا براءتهم وتوبتهم عن فعلتهم ولم يعترفوا به.

• الكنيسة الكاثوليكية باعتبارها ألد أعداء الأقباط النصارى وكارهة لكنيستهم المرقصية منذ أن حكم الرومان بعد اعتناقهم المسيحية كنيسة الإسكندرية في القرون الأولى للمسيحية وذاق الأقباط النصارى على أيديهم ألوان العذاب .. فقد اعتبرهم الرومان منحرفين عن المسيحية بخلطها بمعتقدات فرعونية وثنية .. وهم إلى الآن يعتقدون أن القبطية مزيج من المسيحية مشوهة بمعتقدات متوارثة عن الفراعنة فالأقباط النصارى يسمون بأسماء الفراعنة الملعونين في العهد القديم مثل رمسيس واحمس وغيرهم .. وهم يسمون بأسماء آلهه الفراعنة الوثنيين مثل إيزيس وحورس وغيرها من الأسماء .. بالإضافة إلى مراسم الموت والأربعين والخميس وغيرها واحتفالاتهم بأعيادهم .. ووجد الراهب أنطونيوس أن توافد إرساليات الكنيسة الكاثوليكية تدل على استمرار أطماعهم في كنيسة الإسكندرية مما يشكل خطورة على الكنيسة القبطية وأتباعها.

• كنيسة البروتوستانت حيث يعتقد الأقباط النصارى بكفر تلك الكنيسة الغربية واسعة الانتشار ويعتبرونها كنيسة الشيطان منذ أن أسسها مارتن لوثر ويحرمون الزواج منهم ومن باقي الملل أو ارتياد كنائسهم أو الصلاة بها.

• كافة إرساليات الكنائس الغربية الأخرى مثل الإنجيلين الأولى والسبتيين وغيرها.

• المسلمين منذ دخولهم مصر وتحول الأقباط النصارى للديانة الإسلامية ولكنه اعتبرهم أقل خطورة من مسيحي الملل الأخرى المخالفين لشرائع كنيستهم والمشوهين للعقيدة المسيحية بالرؤية الأرثوذكسية القبطية .. وحيث لم يمثل المسلمون خطورة على كنائسهم أو تحريم شعائرهم مثلما فعل الرومان بهم.

ص: 3

قوبلت تلك الفكرة باعتراض ورفض شديد من رهبان وكهنة الكنيسة القبطية .. واعتبره المتدينون أنه بتلك البدعة الغريبة والتعاليم المستحدثة يعد خارجا عن المسيحية .. وأصروا على مراجعته ومحاولة تصحيح معتقداته وإقناعه بالعدول عن تلك الفلسفات الغريبة حتَّى لو كانت الدوافع ورائها حبا للكنيسة ..

وكان أن تأثر بتلك النزعة الشيطانية عدد قليل من الرهبان .. لفظتهم الكنيسة القبطية واعتبرت أفكارهم خروجًا صريحًا عن تعاليم المسيحية ودعوة للكراهية والعداء وبداية لكنيسة شيطانية حديثة تحيد بأقباط مصر الارثوذوكس بعيدا عن كنيستهم الأصلية ونذير شؤم ودمار وليست بناء لكنيسة الرب كما يزعمون .. وكانت تلك الفكرة العنصرية الشيطانية بداية لحدوث تصدع وانشقاق داخل الكنيسة القبطية الام .. رغم تناولهم لتلك الأحداث في سرية تامة .. وكانت البداية ..

بدأت الفجوة تتسع بين أفكار تلك الجماعة المتطرفة فكريا (جماعة الأمة القبطية) وبين التعاليم المسيحية الَّتِي يعمل بها رجال الكنيسة القبطية .. وبدأت المواعظ تنتشر داخل الكنائس تحث الأقباط النصارى على عدم التأثر بتلك الأفكار الهدامة الَّتِي تصل إليهم عن طريق أتباع تلك الجماعة المضللة على أن تظل تلك الأمور سرا لا تناقش خارج الكنائس .. وازداد أعضاء تلك الجماعة المتطرفة حيث ساهمت تلك السرية في تقليص حجم التصدى لها من قبل أجهزة الدولة لجهلها بتفاصيل المشاكل الكنائسية (داخل الكنيسة) ..

وأدَّى الانشقاق بالراهب أنطونيوس إلى تأسيس دير في اقاصى الصحراء الغربية تنطلق منه كنيسته .. ومهمته تفريخ معلمين جدد لنشر تعاليم الجماعة واجتذاب الشباب المتحمس لقبطيته والكاره لسواها .. ومع ازدياد الإرساليات التبشيرية للكنائس الغربية بدأت أعداد تلك الجماعة في ازدياد .. وبدأت أساليبهم تأخذ محورين الدعوة لأفكار الجماعة والعمل بتلك الأفكار .. فظهرت أول ثمارها أثناء ثورة 1919 حيث بدأ بعض رجال الكنيسة القبطية المتأثريين بأفكار تلك الجماعة بالاهتمام بالأمور السياسية والمشاركة في الثورات .. والَّتِي كانت تراها قيادات الكنيسة القبطية بدايه للخروج عن تعاليم الرب تبعا للنظرة المسيحية الَّتِي تفصل بين ما هو للرب وماهو لقيصر حتَّى لا تساق روحانيه المسيحية إلى نزعات دنيوية باسم السياسة أو الطموحات المادية ..

ولم تعبأ الجماعة باستنكارات الكنيسة القبطية الام ولم تبد اهتمامًا لاعتراض قيادات الكنيسة على تلك الأفكار .. ثم شاع المفهوم المبتدع والمستحدث بين أعضاء الجماعة القبطية القائل (اطعن عدوك بخنجره .. أو بعدو لكما) .. فالعدو الأول والرئيسي هو الإرساليات الَّتِي تسعى لاستعادة كنيسة الإسكندرية من الأقباط النصارى وتعمل بجد وتنفق الكثير لتعميمها

ص: 4

في كل أرجاء كنائس مصر .. والعدو المشترك للكنيستين القبطية والغربية هو الإسلام والمسلمين .. والَّتِي كان لدخول الإسلام أرض الكنانة مصر عظيم الأثر في تقلص أتباع الكنيستين وزوال نفوذهما من منظور تلك الجماعة المتطرفة المنحرفة فكريا ومنهجيا وعقائديًا .. رغم أن الخلاف والبغض والكراهية بين الكنيستين في جوهره يفوق عدائهما للإسلام مجتمعين لأبعد الحدود .. وبدأ أعضاء جماعة الأمة القبطية دراسة أساليب الإرساليات والاستفادة منها في طعنها بنفس الخنجر .. فالإرساليات الكاثوليكية والإنجيلية بكافة كنائسها تنشر تعاليم أناجيلها المختلفة وتستقطب مسيحي مصر من الأقباط النصارى ببناء المدارس وتدريس اللغات الأجنبية وبناء المستشفيات والجمعيات الخيرية الملحقة بكنائسها التبشيرية

وبينما يدعو رجال الكنيسة القبطية أبناءها بأن ينئوا بأنفسهم بعيدا عن تلك الإرساليات بكل إغراءاتها ومدارسها وأفكارها .. اعتبرت جماعة الأمة القبطية منهج كنيستهم غباء ولا بد من الاستفادة بتلك الإمكانيات الَّتِي تنفقها الإرساليات دون التأثر بأفكارهم .. لا مانع من تعلم اللغات بمدارسهم واكتساب مهارات جديدة والاستفادة من الامتيازات والتمويلات الَّتِي تنفقها تلك الإرساليات على مدارس ومستشفيات الإرساليات دون الاستدراج إلى معتقداتهم وترسيخ المفهوم بين الأقباط النصارى ببطلان عقائد كنائس تلك الإرساليات دو ن إظهار ذلك مع التمسك بالكنيسة القبطية ..

وبالوقت بدأت تعاليم جماعة الأمة القبطية تلقى قبولا متزايدا من الشباب الطموح والنفوس الضعيفة الَّتِي رأت في الاستفادة من إمكانيات الإرساليات الَّتِي تنفق ببذخ مع الاحتفاظ بالعقيدة الأرثوذكسية للكنيسة المرقصية القبطية حيلة ذكية ترضى رغباتهم وأطماعهم .. ومرة أخرى اتسعت الفجوة بين تعاليم تلك الجماعة (الأمة القبطية) المتطرفة بأساليبها الماكرة وحيلها الكاذبة والَّتِي ازداد أتباعها بصورة مذهلة .. وبين تعاليم الكنيسة القبطية الفقيرة الَّتِي تكتفي بالصلوات والدعاء وأخذ البركات .. وأمور روحانية بعيدة عن واقع الأمور من منظور قيادات وأتباع جماعة الأمة القبطية المنشقة والمتطرفة.

ازدادت حدة الصراع بين أتباع جماعة الأمة القبطية وبين قيادات الكنيسة القبطية الَّتِي اعتبرت منهجهم خروجا صريحا عن تعاليم الكنيسة ونذير بهلاكها حتَّى وصلت الأمور بينهما إلى ما يشبه حرب سرية غير معلنة .. كل منهما يصر على صحة ما هو عليه وعلى بطلان الآخر .. ولكن الكفة كانت تزداد وتميل لصالح جماعة الأمة القبطية الَّتِي انضم إليها الكثير من الأقباط النصارى حيث وجد أتباعها امتيازات وتسهيلات كثيرة تتناسب مع أطماعهم وطموحاتهم .. فتخرجت من المدارس الأجنبية التابعة للإرساليات طبقة كبيرة من الأقباط النصارى تميزت عن غيرها من فئات الشعب القبطي بل والمصرى في اتقانهم اللغات واكتساب علوم ومهارات وتقنيات تم تمويلها بأموال الإرساليات الغربية التبشيرية وصلت إلى حد إعفاء معظم

ص: 5

الدارسين الأقباط النصارى من المصروفات كمحاولة من الكنيسة الغربية في اجتذاب الأقباط النصارى بعيدا عن كنيستهم الأم ..

وقد ساهمت تلك الامتيازات والشهادات الَّتِي حصل عليها أتباع جماعة الأمة القبطية خريجى تلك المدارس والجامعات في اعتلائهم الوظائف الهامة وتوفير مكانة اجتماعية مرموقة لهم وصلت إلى حد السيطرة على عصب الاقتصاد والسياسة في الدولة وتقوية جسور قوية للعلاقات الخارجية مع الجهات الأجنبية ساهمت في قيامهم بدور الوسيط بين أجهزة الدولة بقيادتها وجهات معنية في دول الغرب .. فهم اتقن للغات وأقرب بالانتماء للمسيحية من المسلمين حتَّى لو كان هذا الانتماء إسميًّا صوريًا من منظور الكنيسة الغربية ورغم وجود خلافات جوهريه بين الكنيسة القبطية وكنائس الغرب لاتقل عن العداء بين المسيحية والإسلام من منظورهم أيضًا .. خلافات تصل لحد العداء والكراهية بين تلك الكنائس وتكفير كل منهم للآخر واتهامه بالخروج عن المسيحية وتحريفها ..

ووجدت قيادات جماعة الأمة القبطية في ذلك نصرًا ساحقا قفز بالأقباط النصارى خطوات متقدمة ونقلة ناجحة بكل المقاييس لأفكار الجماعة .. اعتبرت الكنيسة القبطية أن هذا النجاح كاذب خادع مشوه وأن افتتان قبطي واحد بتعاليم تلك الإرساليات وأتباعه لكنيسة غربية ضالة هي خسارة كبيرة للكنيسة القبطية .. بينما رأت قيادات جماعة الأمة القبطية أن افتتان بعض الأقباط النصارى بالإرساليات وخروجهم عن الكنيسة القبطية ليس بالخسارة الكبيرة إذا ما قورنت بالامتيازات والمكاسب الَّتِي حققتها الجماعة بالاستفادة من إمكانيات تلك الإرساليات .. وبذلك تم طعن العدو بخنجره .. الاستفادة من أمواله للارتقاء وطعنه بالعمل ضده ..

وبدأت جماعة الأمة القبطية تخطو خطوات سريعة في سنوا ت معدودة لتعميم نفوذها وتوسيع دائرة أفكارها لبسط سيطرتها على الكنيسة القبطية بالتمادي في ابتداع الأساليب الماكرة للوصول للهدف .. فرفعوا شعار يوحنا المعمدان (مهدوا الطريق لقدوم الرب) .. ولقي هذا النداء صدى كبيرا من الاستجابة في أوساط المجتمع القبطي وكان حافزا على انضمام أعداد هائلة من الأقباط النصارى الأرثوذكس إلى الجماعة .. كما ساهم نفوذ أتباع الجماعة من ذوي المناصب الكبيرة بالدولة إلى لجوء كثير من بسطاء الشعب القبطي إليهم لاتمام مصالحهم ومتطلباتهم مما جعل من جماعة الأمة القبطية ملجئًا وملاذًا لكل محتاج تعجز الكنيسة القبطية عن تلبية احتياجاته مما زاد نفوذها والثقة بها ..

ص: 6

ورغم أن قيادات تلك الجماعة القبطية المتطرفة والمنحرفة عقائديًا كانوا من الرهبان ورجال الدين القليلين المنشقين الذين افتتنوا بأفكار الراهب أنطونيوس المخالفة لمنهج كنيستهم الأم .. إلَّا أن دعوتهم كانت تجد الكثير من الصعوبات .. لم يكن الطموح وتقضية المصالح بالأسباب الكافية لاجتذاب المتدينين من الأقباط النصارى المخلصين المرتبطين بتعاليم كنيستهم الأم والمواظبين على حضور الصلوات والتواصل مع آبائهم من رجال الدين .. والذين يحترمون عهود الكنيسة القبطية مع المسلمين منذ أن فتحت مصر ..

ورأى الكثير أن الانجراف والانسياق وراء تلك النزعات العنصرية والأفكار الهدامة لتلك الجماعة قد يؤدى إلى انهيار العلاقات الطيبة مع المصريين المسلمين والَّتِي دامت قرون طويلة من الصفاء وحسن العشرة والمحبة والتواصل البناء .. لذا فإن دعوة الجماعة العنصرية صادفت الكثير من الصعوبات ورفض شديد من رجال الكنيسة وأتباعها المتمسكين بتعاليمها ..

فلجأت قيادات جماعة الأمة القبطية المتطرفة إلى تركيز دعوتهم على الطبقة المتعلمة من الشباب القبطي الطموح من طلبة المدارس والجامعات وحديثي التخرج .. المتأثر بالتيارات الفكرية العلمانية والاشتراكية والشيوعية والديمقراطية وغيرها السائدة في ذلك الوقت والبعيده عن مناهج الكنيسة .. وممن يقل وعيهم الديني بالتعاليم المسيحية لعدم مواظبتهم على حضور الصلوات والتواصل مع الكنيسة .. فكان من السهل اجتذابهم والتأثير عليهم بمفاهيم جديدة تساعدهم في طموحاتهم وتحقيق الذات ..

وأصبح هناك عامل أساسي يجمع بين أعضاء وأتباع الأمة القبطية وهو غرس مفهوم الغيرة الشديدة على الكنيسة القبطية ومحاولة إنقاذها من أنياب أعدائها .. لذا فإن دافع العداء لغير القبطي الأرثوذكسي هو الوازع الأساسي وراء الانتماء لفكر هذه الجماعة تحت ستار الدين والعصبية والتطرف ..

حتى أخذهم التطرف إلى تصور أنهم جنود يسوع الذي وكل إليهم مهمة استعادة كنيسة الرب في مصر وإعادة بنائها وتوسيع نفوذها وسلطانها وتطهيرها من أيّ وجود سواها ..

وقد يصعب عل الكثير التصديق بأن معظم الأقباط النصارى من مثقفي مصر وذوي المناصب العليا في شتَّى المجالات وخاصة الصحافة والخارجية وحتى من الوزراء الأقباط النصارى هم ممن ينتمون قلبا وقالبا لفكر تلك الجماعة المتطرفة

(جماعة الأمة القبطية) .. بل من الأعضاء المهمين الذين يوكل إليهم المهام الكبيرة الصعبة للعمل لصالح الجماعة ..

ص: 7

فمعظم الأقباط النصارى أصحاب الأموال والنفوذ إن لم يكن كلهم هم من الأعضاء المهمين الممولين لنشاطات جماعة الأمة القبطية وهم اعمدة هامة في ثبات تلك الجماعة .. ومنهم الكثير من الأسماء المشهورة ذائعة الصيت من الأقباط النصارى داخل وخارج مصر في جميع المجالات بما فيها الفن والإعلام والسياسة والاتصالات والاقتصاد ..

بل ويصعب على الكثير التصديق أو مجرد تصور أن معظم قياديّ الكنيسة القبطية الحالية هم من تلامذة قياديّ جماعة الأمة القبطية .. وكانوا من هذه النوعية من الشباب المتحمس لقبطيته المنتمي للتيارات الفكرية المختلفة وكانوا يعملون في مجالات بعيدة عن الدين فكان من السهل التأثير عليهم وتأهيلهم للقيام بأدوار هامة لخدمة أهداف الجماعة ومنهم:

عازر يوسف عطا والذي أصبح فيما بعد البابا (كيرلس السادس) وكان يعمل في مجال السياحة وهي أبعد مجال عن الاهتمامات الدينية وكان أحد تلامذة رهبان جماعة الأمة القبطية .. وأصبح فيما بعد معلما لتعاليمهم وأصبح له تلامذه ومنهم

الدكتور سعد عزيز (الأب متَّى المِسكين) فيما بعد والذي كان بعيدا عن الدين وكان منجذب للفكر الشيوعي ويعمل صيدلى ويمتلك صيدلية بمدينة دمنهور .. واعتنق فكر الجماعة وأصبح أحد تلامذة عازر يوسف عطا (البابا كيرلس) .. ثم أصبح معلما فيما بعد لتلامذة أكثر عنصرية لأفكار جماعة الأمة القبطية ومنهم ..

نظير جيد (الأنبا شنودة) بابا الأقباط النصارى حاليا وهو أحد التلامذة التسع للأب متَّى المِسكين في دير السريان وهو خريج كلية الآداب قسم تاريخ ..

وجميعهم أحدثوا انقلابا شاملا لم يحدث من قبل في تاريخ وقوانين الكنيسة القبطية

وبذلك حلت تعاليم الأمة القبطية محل تعاليم المسيحية الأرثوذكسية للكنيسة القبطية.

(مينا المتوحد)؛ ثم (كيرلس السادس) البابا الـ 116

(متَّى المِسكين)؛ الأب الروحي لشنودة البابا الـ 117.

ص: 8

كان لنجاح رهبان الأديرة (المنتمين لفكر جماعة الأمة القبطية) في اجتذاب عدد من الجامعين والمثقفين وأصحاب النفوذ وكذلك رجال الدين أسوأ الأثر على سلطة الكنيسة القبطية .. واستطاعوا اختراقها والتأثير على قراراتها بممارسة كافة الضغوط عليها .. سواء شعبية من قبل الأقباط النصارى الذين اعتنقوا أفكار الجماعة .. أو بالضغوط المالية من الطبقات المميزة من الباشوات المسيحين الأقباط وأصحاب النفوذ والمال وذوي المناصب الرفيعة بالدولة الذين تربوا على أيدي ومناهج قيادات جماعة الأمة القبطية ..

حتى وصلت نفوذ تلك الجماعة للتدخل في اختيار البطريرك .. وكان القمص سرجيوس المعروف في تاريخ ثورة 1919 وصاحب صحيفة (المنارة المرقصية) ثم (المنارة المصرية) من أقطاب المتحمسين لفكر الجماعة .. وإمعانا في التضليل اطلقت الجماعة مفهوم الإصلاحيين على اعضائها لتعطى لتواجدها الحق في التدخل في شئون الكنيسة .. ونجحوا بمساعديهم من رجال الدين داخل الكنيسة من ترشيح الأنبا مكاريوس 1942 .. ولكن خابت ظنونهم وآمالهم فيه فلم يكن على قناعة بأفكارهم ولم يكن من السهل عليه تفضيل تلك الأفكار العنصرية الهدامة والأساليب الماكرة على التعاليم المسيحية .. واحتد الخلاف بينهم إلى أن ترك منصب البابوية زاهدا فيه وأقام بقية عمره في أحد الأديرة حتَّى توفي بعدها بسنوات قليلة ..

واستعاد رجال الكنيسة الام من المحافظين على تعاليم المسيحية القبطية بعض نفوذهم وانتخبوا الأب يوساب الثاني بطريركا للكنيسة القبطية لورعه وإخلاصه لتعاليم الكنيسة .. وكانت تلك المرحلة من أسوأ مراحل جماعة الأمة القبطية وأيضًا من أخطر الفترات في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية القبطية .. والَّتِي دفع الأنبا يوساب الثاني حياته ثمنا لرفضه تعاليم تلك الجماعة الإجرامية.

ومن منظور جميع المخلصين لتعاليم المسيحية الأرثوذكسية القبطية وكل المعاصرين لفترة الأنبا يوساب الثاني من الأقباط النصارى سواء مما اتفقوا معه في حكمته وورعه في قيادته للكنيسة أو ممن اختلفوا معه من هؤلاء المنتمين لأفكار الجماعة فإن أحدا لم يستطع أن ينكر عليه طيبته وخلقة الكريمة .. لم يجرؤ أحد من أعداءه على التطاول عليه بالوصف أو الذم مثلما فعلوا بالبطاركة قبله ممن تصدوا لهم .. أو أن ينال من صفاته بشيء ..

ورغم ضعف صورته وهيئته وكبر سنه إلَّا أن تاريخ الكنيسة يشهد له بالجهد الكبير الذي بذله والذي يفوق إمكانياته الصحية وشيخوخته للتصدى لتلك الجماعة بكل ما أوتي من قوة وجهد وإصرار على استعادة وترسيخ تعاليم المسيح بالكنيسة وإزالة كل ما تعلق بالاذهان من تعاليم تلك الفئة الضالة .. فقام باختيار مساعديه وحاشيته من رجال الدين الذين لم تلوث عقولهم وقلوبهم بتعاليم تلك الجماعة المنحرفة .. وقام بتطهير الكنائس والأديرة من شرذمة تلك الجماعة الَّتِي

ص: 9

استطاعت اختراقها والتأثير على المجتمع القبطي لحد أن أعضاء تلك الجماعة المنتمين لفكرها المريض كاد أن يقارب المليون وهو عدد رهيب بالقياس لتلك الفترة والَّتِي يقترب من عدد الأقباط النصارى كلهم .. وكان لا يتكاسل عن تنحية أي راهب أو رجل دين مهما كانت مكانته الكهنوتية ..

قام بإعادة الخطاب الديني الروحاني بدلا من تلك الخطابات التحريضية الَّتِي انتشرت من قبل أعوان تلك الجماعة .. وكان يرى بحكمته أمان الكنيسة والأقباط النصارى جزء لا يتجزأ من أمن المسلمين الذين احاطوها بالرعاية منذ أن فتحت مصر

وحافظوا على الأديرة والكنائس وصوامع الرهبان .. واحترموا حرية الأقباط النصارى في إقامة شعائرهم بأمان .. بل ويشهد لهم بحسن العشرة والوئام .. محذرا إياهم أنه لولا المسلمين لانقضَّ الاستعمار بإرسالياته التبشيرية وأزال كنيسة الأقباط النصارى وأباد أتباعها من أرض مصر مثلما فعل الرومان المسيحين بأقباط مصر عام 284 ميلادية والذي سمي بعصر الدماء واتخذه الأقباط النصارى بداية للتقويم القبطي .. ذكرى لشهداء اسنا واخميم الذين أبيدوا عن آخرهم بسيوف المسيحيين الرومان .. المنتمين لكنيسة روما (الكنيسة الكاثوليكية الحالية) ..

وكان يرى أن احترام العهود الَّتِي اتخذتها الكنيسة مع المسلمين منذ أن فتحت مصر هو واجب ديني يلزمه الخلق المسيحي باحترام العهود وعدم نقضها .. كما كان يرى في أساليب تلك الجماعة من مكر ونفاق وخداع خلق لا تليق بمسيحي يحترم عهوده .. حتَّى أنه قام بتنحية الراهب (متَّى المِسكين) معلم الأنبا شنودة البطريرك الحالى للأقباط والأب الروحي له .. بعد أن علم الأنبا يوساب بالأفكار الضالة لهذا الراهب وحقيقة انتمائة لتلك الجماعة .. وكان قد اختاره كأحد الرهبان ليكون وكيلا للبطريركية بالإسكندرية .. وما أن تولى الراهب متَّى المِسكين هذا المنصب وقام بحملة عزل لرجال الدين المخلصين لتعاليم الكنيسة واستبدلهم بمن هم منتمين لأفكار جماعة الأمة القبطية .. وعندما علم الأنبا يوساب الثاني بنشاطاته المريبة والَّتِي تتعارض مع قوانين الكنيسة وتعاليم المسيحية قام بمراجعته وعزله عن القيام بالأعمال الهامة فقدم الأب متى استقالته مفصحا عن مخالفته لقوانين الكنيسة وانتمائه لفكر تلك الجماعة .. وكان هذا قبل نهايه عهد الأنبا يوساب بعدة شهور ....

ولكن ما زالت في تلك الفترة الحرجة من تولى الأنبا يوساب كثير من التفاصيل الهامة ..

والَّتِي سنسرد أحداثها الهامة باذن الله.

ص: 10