الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصراع داخل الكنيسة
شهدت فترة حكم الأنبا يوساب الثاني مرحلة من الصراعات المريرة داخل الكنيسة القبطية بين قيادات الكنيسة القبطية والجماعة المنحرفة الإجرامية المسماه بالأمة القبطية .. صراعات تفوق كل الاحتمالات كان لها أسوأ الأثر على الكنيسة
…
والأقباط النصارى وأحدثت انشقاقات وتصدعات تسببت في خروج بعض الأقباط النصارى عنها وانضمامهم إلى كنائس الملل المسيحية الأخرى .. حيث وجدوا بعض الروحانيات المسيحية الَّتِي افتقدوها في كنيستهم الام بعد أن شاعت بها المؤامرات والخطب التحريضية والكراهية لغير القبطي من قبل أعضاء تلك الجماعة المندسين والَّتِي فاق عددهم الكثير .. ورغم هذا الجو المشحون بالصراعات لم ييأس الأنبا يوساب وأعوانه بل ظلوا على منهجهم في محاولة استعادة روحانيات الكنيسة والمحافظة على أتباعها والتصدى بكل ما لديهم من قوة لأفكار تلك الجماعة .. ولم يكن نهج تلك الجماعة أقل قوة وإصرارًا على التمسك بأفكارها وأهدافها ولم تكن لتتراجع بعد أن قطعت مسافات طويلة حققت فيها نجاحات وقفزات سريعة للوصول للهدف من منظورها ..
واشتدت ضغوط أتباع تلك الجماعة على قيادات الكنيسة بكل السبل ومن كل الجوانب .. محاولين مساومة بطريرك الكنيسة الأنبا يوساب الثاني وحاشيته على التصافي بينهم وترك المنازعات الَّتِي تضر بالكنيسة وأن يحتفظ بمكانته البابوية بكل رجاله بصورة شكلية ويترك لهم حكم وإدارة الأمور بها .. على أن تنحصر مهمته ورجاله في الاهتمام بالأمور الروحانية للكنيسة من صلوات وإقامة القداس والأعياد وغيرها .. وهي الأمور الَّتِي تميز بها .. ورفض الأنبا يوساب لأنه لا يجب أن تكون هناك أمور وقوانين أخرى مخترقة تحكم بها الكنيسة من رؤيته غير قوانين وتعاليم المسيحية الارثوذوكسية القبطية والَّتِي دامت قرون منذ أن صيغت على لسان القديس تيموثاوس بابا الإسكندرية سنة 381 م أي في القرن الرابع الميلادي .. حين وجهت له اسئلة وأصبحت كل إجابة خرجت من فمه هي قانون للكنيسة القبطية والَّتِي أصبحت تسمي بقوانين القديس تيموثاوس .. والَّتِي حكمت بها الكنيسة القبطية كل تلك القرون إلى أن تولاها الأب يوساب .. ورفض بكل قوة المزايدة على تلك القوانين أو اختراقها بأفكار عنصرية هدامة ..
وكان المجلس المِلِّي في ذلك الوقت مخترقًا من العلمانيين غير رجال الكنيسة من المتأثريين بأفكار جماعة الأمة القبطية .. امثال إبراهيم فهمي وحبيب باشا والمنياوي باشا ونخبة من ذوي المناصب والمال وأصحاب الأحزاب السياسية الذين
يدينون لأفكار الجماعة بالولاء والَّتِي بفضلها تمتع كثير منهم بالامتيازات ووصلوا لما هم عليه .. وكانوا يديرون الأوقاف الخاصة بالأقباط النصارى ويتحكمون في الأمور المالية الخاصة بدعم الكنيسة .. من رواتب ومصروفات لرعايا الكنيسة من رجال الدين وأتباعها الأقباط النصارى الفقراء والمحتاجين .. مارسوا الضغوط المالية وحدثت نزاعات بينهم تعدت أسوار الكنيسة .. وفسرت خارجها على أنها خلافات كنائسية خاصة بأمور إدارية ومالية .. وأحاطت تلك الخلافات تعتيم شديد على وجود أفكار تلك الجماعة
…
ولم يتزعزع الأنبا يوساب ولم يسلم لهم مقاليد حكم الكنيسة .. واعتبر تلك الضغوط المالية هو المنهج الشيطاني الذي يمارسه إبليس منذ الأزل لافتتان الناس والضغط عليهم بقبول مناهجه والانصياع لأوامره .. وزاده موقفهم وضغوطهم المادية على الإصرار على العمل بقوانين الكنيسة وحث أتباعها على العمل بمقولة (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) .. وأن التبرعات والصدقات الَّتِي يدفها الأغنياء للفقراء هو واجب ديني وفريضة ربانية غير مشروطة ولا خاضعة للأهواء ولا وسيلة لأي ضغوط أو تقديم أي تنازلات دون أي وجه حق .. وحث أتباع الكنيسة على الصبر على تلك المحن والغمة الَّتِي ابتليت بها الكنيسة القبطية ..
واستمر على نهجه بمساعديه المخلصين لتعاليم كنيستهم في تطهير الكنائس والأديرة من أتباع تلك الجماعة المضللة .. غير مبالى بأي ضغوط .. وقام بسحب الاعتراف ببعض الأديرة الَّتِي تدار من قبل رهبان تأثروا بتلك الأفكار المنحرفة عن المسيحية .. ولم يكن هذا بالشيء الجديد فقد سبق وأصدر المجمع المقدس قرارا بسحب الاعتراف بدير مار مينا بمصر القديمة حين كان يقيم به في ذلك الوقت البابا كيرلس السادس مع تلاميذه وانتقالهم أحد أديرة وادي القلمون بجوار مدينة مغاغة بالمنيا وكان يسمي وقتها بالقمص (مينا المتوحد) وكان يقيم بالدير معلما لتلاميذه ومنهم الراهب (متَّى المِسكين) وسحب الاعتراف بالأديرة وأخرج منه الرهبان .. والبابا كيرلس السادس هو الذي سيأتي فيما بعد خلفا للبابا يوساب الثاني!!!!!!
وكان مع قيام ثورة يوليو أن ازداد الفكر المعادي للغرب .. وجندت أجهزة الدولة الإعلام بكل مؤسساته والمناهج التعليمية والخطب الثورية لترويج وترسيخ مفهوم العداء لكل ما هو غربي من مؤسسات وانتماءات وذيول استعمارية وأعوانهم من اليهود .. فكانت أزهى مراحل جماعة الأمة القبطية وفرصتهم الذهبية بكل مقايسها وإبعادها للعمل بمقولة (اطعن عدوك بعدو لكما) مستغلين عداء الحكومة المصرية للوجود الأجنبي ..
وهم بأفكارهم المنحرفة عن كنيستهم يكنون العداء للاثنين .. للحكومة وللأجانب .. الحكومة كدولة غالبيتها مسلمة وللأجانب بإرساليتهم وكنائسهم وأناجيلهم المختلفة .. وكذلك اليهود ألد أعداء الجماعة المسئولين عن صلب يسوع من
منظور عقيدة كنيستهم ولم يتراجعوا إلى الآن ويعلنوا توبتهم عن فعلتهم وما زالوا على عدم اعترافهم بمجىء المسيح .. فالكل في سلة واحدة يجب الإطاحة بها .. لذا عمل أعضاء الجماعة المميزين في المجتمع على بذل الجهد للتحريض ضد الوجود الأجنبي وإظهار انتماءاتهم الوطنية لأفكار الثورة وتأييدهم لها وتحقيق المكاسب بتقليص عدد الإرساليات الأجنبية وطرد رعاياهم .. ولكن فشلوا في محاولاتهم المستميتة لتحويل الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتنية والملل الأخرى إلى كنائس ارثوذوكسية حيث تعارض ذلك مع قوانين الدولة والإسلام الذي يضمن حماية الكنائس والمعابد المسيحية واليهودية المتواجدة بمصر منذ أن فتحت .. وحرية أتباعها بإقامة شعائرهم بها في أمان ..
فكان كعادة أتباع تلك الجماعة يعملون بمكر ونفاق .. فهم يتظاهرون بوطنيتهم ومصريتهم وولائهم للثورة وأهدافها ويظهرون كراهيتهم للاستعمار والتواجد الأجنبي بمصر .. ويتمسحون في الغرب بمسيحيتهم الَّتِي تجعلهم بمنظور الغرب أقرب إليهم من المسلمين حتَّى لو كانت تلك المسيحية إسمية صورية من منظور الكنيسة الغربية المخالفة لكنيستهم عقائديًا ومنهجيا .. اختلافات لا تقل في جوهرها عن اختلافاتهم مع الإسلام .. وكذلك الحال مع اليهود فرغم كراهيتهم لهم لأبعد الحدود فهم يظهرون لهم المودة بإيمانهم بالعهد القديم الذي هو لا يتجزأ عن إنجيلهم .. وبذلك استطاعوا في تلك الفترة الاستفادة على كل الوجوه ..
وأدَّى خروج الأجانب من مصر إلى أن باعوا معظم ممتلكاتهم بأموال زهيدة جدا للنصارى مفضلين إياهم عن المسلمين لما تربطهم بأعضاء تلك الجماعة من علاقات وطيدة منذ أن درسوا وعملوا بمدارس ومستشفيات إرسالياتهم وكذلك شركاتهم .. بل وتنازل بعض الأجانب عن بعض تلك الممتلكات للأقباط .. فهم جميعًا رغم حجم خلافاتهم العقائدية والعداء بينهم إلَّا أنهم اجتمعوا جميعًا على عدائهم للإسلام والمسلمين .. وتبقى كل تلك الأحداث في أثناء حكم الأنبا يوساب الثاني للكنيسة الأرثوذكسية القبطية واستمراره على موقفه واستنكاره لفكر تلك الجماعة وأساليبهم الشيطانية في النفاق والمكر والخداع ..
ما زلنا في فترة حكم الأنبا يوساب الثاني للكنيسة القبطية والَّتِي بدأت في الأربعينيات وامتدت إلى ما بعد الثورة .. وما زال الأنبا وأعوانه المخلصين لتعاليم الكنيسة القبطية يحيطونه بالولاء والحماية عاملين جميعًا بكل جهد وكد للتصدى لأفكار تلك الجماعة المنحرفة عقائديًا جماعة الأمة القبطية العنصرية المتطرفة .. غير مبالين بنفوذهم ولا أموالهم ولا خاضعين لاهوائهم .. واستطاعوا أن يعيدوا للكنيسة القبطية الكثير من روحانياتها ومحبتها .. وما زالت أيضًا قيادات تلك الجماعة رهبان وعلمانيين من ذوي المناصب والمال والوصوليين من الشباب الجامعي ذوي الأطماع والطموحات الدنيوية على
تمسكهم بأفكار تلك الجماعة الَّتِي جلبت لهم كل تلك النجاحات والامتيازات والمناصب السياسية والاجتماعية والمالية .. بالإضافة إلى الأقباط النصارى الذين تأثروا بفكر ونهج الجماعة آملين في وعودهم ببناء كنيسة للرب عظيمة وإزالة ما عداها واسترجاع مصر القبطية المباركة ..
وكانت الثورة في بدايتها تمر بمرحلة من الجفاء في العلاقات السياسية الخارجية مع الغرب أثر قيامها بطرد الاستعمار والوجود الأجنبي وتصفية المؤسسات والشركات الأجنبية واليهودية الممولة لإسرائيل .. كما كان لوجود الطبقة المسيحية القبطية المتميزة خريجى مدارس الإرساليات وإتقانهم للغات وخبرتهم الطويلة في مجال العمل كوسيط بين الحكومة والجهات الأجنبية عهد الاستعمار واحتفاظهم بعلاقات وطيدة مع الغرب وكذلك ظهورهم بالمظهر المخادع الذي يلبس ثوب العلمانية والاشتراكية والبعد عن المظاهر الدينية .. وبين انتماءاتهم الحقيقية لأكبر جماعة قبطية متطرفة تأثيرا كبيرا على الحكومة المصرية الَّتِي اعتمدت عليهم في مجال العلاقات الخارجية لتحسين صورتها في الغرب للاعتراف بها .. واعتبرتهم همزة الوصل بين قياداتها والحكومات والجهات الأجنبية الغربية الذين يحتفظ أعضاء الجماعة معهم بصداقات قوية ..
فكان لاستمرار قيام افراد تلك الجماعة بدور الوسيط بعد قيام الثورة مكسبا كبيرا حيث اعطتهم الحكومة امتيازات ونفوذا واطلقت لهم كامل الحرية بالعبث داخل الكنيسة القبطية وضمنت لهم الحماية من قبل السلطات مع علمها أو تجاهلها بنواياهم وخلافاتهم مع قيادات الكنيسة .. على اعتبار أنها خلافات داخل الكنيسة .. شأن كنائسي لا تتدخل فيه الحكومة مما زاد تلك الجماعة المتطرفة قوة إلى قوتهم ولم تعد هناك عقبات من الحكومة المصرية تؤيد تحركاتهم مثلما كانت عهد الملكية الَّتِي لم تعتمد عليهم كلية لقرب الأسرة المالكة من الوجود الأجنبي .. بالإضافة إلى جهل أو تجاهل حكومة الثورة بتفاصيل تلك الجماعة القبطية المتطرفة .. فالحكومة ليست دينية وبالتالى فالأمور الدينية لا تعنيها .. ولا حتَّى مواثيق ومعاهدات المسلمين والكنيسة منذ أن فتحت مصر أَبَان حكم عمرو بن العاص رضى الله عنه .. وما يهم حكومة الثورة هي المكاسب السياسية والمصالح الَّتِي تقدمها وتوفرها لها تلك الفئة المسماه بجماعة الأمة القبطية ..
وهذا يفسر صمت الحكومة المصرية على أحداث قطار الصعيد الذي دبره أعضاء جماعة الأمة القبطية والذي راح ضحيته عدد من المطارنة ورجال الكنيسة المعاديين لفكر الجماعة والذين هموا بالاجتماع والاعتراض للحكومة على تصرفات تلك الجماعة حيث اشتد الصدام في تلك الفترة بين الكنيسة وأتباع الأمة القبطية أدَّى إلى تدخل سافر من قبل أعضاء ورهبان تلك الجماعة في شئون الكنيسة محاولين فرض سيطرتهم عليها وعزل الأنبا يوساب الثاني .. والذي رفض بشدة التخلى عن مسئوليته تجاه الكنيسة ليس طمعا منه في منصب ولا جاه ولا مال فقد عرف عنه حتَّى من أعدائه أنه كان زاهدا في الأمور