الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوضاع طبقات المجتمع المصري
وعلى الرغم من أن الإغريق بعد دخول الرومان إلى مصر 31ق. م، وحتى الفتح الإسلامي قد فقدوا بعضًا من امتيازاتهم؛ إلا أنهم ظلوا في وضع أفضل من جميع السكان، ويليهم اليهود،
فكانوا هم أصحاب المناصب والإقطاعات ـ أي الإغريق ـ، وكان يسمح لهم بالانخراط في الجيش أحيانًا، وكان يتم إعفاؤهم من الجزية، وغير ذلك من المزايا على العكس من المصريين الخُلَّص.
ولذا حين دعاهم (المقوقس) إلى مصالحة المسلمين على دفع الجزية أنِفُوا، يقول (يعقوب نخلة):(أن المقوقس حين دعا قومه لمصالحة المسلمين على دفع الجزية؛ قالوا له على وجه الإنكار: سنكون عبيدًا لهم؟!؛ فأجابهم بقوله: نعم تكونون عبيدًا مُسلَّطِين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم)(10).
ولا يأنف من دفع الجزية إلا من لم تكن هناك جزية مقرَّرة عليه، خاصة أنه من المعلوم أن (المقوقس) كان يدفع للروم تسعة عشر ألف ألف دينار ـ 19مليون ـ، وكان يجبيها من المصريين عشرون مليونًا؛
أما (عمرو بن العاص) رضي الله عنه، فقدر مقدار الجزية التي فرضها هو عشرة ملايين.
فما الفارق بين أن تدفع (لعمرو) المسلم، أو تدفع (لهرقل) الهرطوقي، أو (لكسرى) الفارسي عابد النار؛ خاصة وأن ما تدفعه (لعمرو) أقل؟
الهوية الحقيقية لمسيحيِّي مصر
وهذا يقودنا إلى الحقيقة المقررة تاريخيًّا وتخفى على الكثير من المصريين، وهي ما يصرح به كل من (لوفيفر) و
…
(شميدت) و (شولتز) على أن المسيحية ظلت غريبة على أهل مصر الأصليين (11)،
وإنما انتشرت بين الغرباء عن الأصول المصرية من اليهود واليونان.
يقول (جاك تاجر):
(ظل الشعب القبطي بعد انتشار المسيحية على يد الرومان والبيزنطيين يعبد بحرارة آلهته الفرعونية، ويكرم آثار ماضية التليد
…
كما أنه لم يقبل المسيحية إلا بتحفظ شديد، لأنها جاءته من الخارج) [«مسلمون وأقباط»: ص11].
يعرف ذلك من بين سطور كتب التاريخ، فيذكر (الشماس منسي):(أن بطرس الرسول أتى مصر لتبشير اليهود المتشتتين فيها كما هي خدمته، فتقابل معه مُرقس في مدينة بابيليون التي فيها حرر رسالته الأولى)(12).
ومن المعلوم تاريخيًّا أن مدينة بابيليون أقامها اليهود القادمون من مدينة بابل الفارسية، واختصت بإقامتهم فيها، ولذا أطلق عليها اسمهم.
فالهدف الأساس إذًّا هو (خراف بني إسرائيل الضالة، وأما إلى طريق أمم فلا يذهبوا)،
ولذا كتب (مُرقس) المبشر بالمسيحية في أرض مصر إنجيله باليونانية (الإغريقية) التي كانت هي لغة اليهود في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، والتي كانت التوراة ترجمت إليها في وقت سابق، فيما عرف بالتوراة السبعينية أو الترجمة السبعينية، والتي صارت نصًّا مقدسًا.
ولذا اتخذ (مُرقس) من الإسكندرية مقرًّا لخدمته، حيث كانت حينذاك تعج باليهود، إضافة إلى اليونان وأجناس أخرى مختلفة من مصريين وحبش ونوبيين وغيرهم.
وتقول (بتشر) أن: (اليهود بعد أن قمعت ثورتهم - كانت في الفترة من 115م إلى 117م - في عهد الإمبراطور ترجان؛ أصبحوا يعتنقون الديانة المسيحية أفواجًا أفواجًا)[«تاريخ الأمة القبطية» (1/ 45)]،
فلعل ما ذكرته (بتشر) يكشف لِم يستنجد المتظاهرون منهم بشارون وبوش؟ إضافة إلى كون البطريرك الأول لكنيسة الإسكندرية بعد مُرقص (أنيانوس) أو (حنانيا) كان يهوديًّا (13).
وأما اليونان (الإغريق) فقد دخلوا في الدين الجديد أفواجًا أفواجًا أيضًا، يقول (منسي):(وفي عهد البابا أنيانوس نجحت التعاليم المسيحية، واتَّسع نطاقها، وتمذهب بها الكثيرون من أرباب المناصب العالية والأكابر والأعيان، وبعض رجال الدولة)[ص: 29]، وهؤلاء الأكابر وأصحاب المناصب إنما كانوا إما من الإغريق أو الرومان.
وتتضح الصورة أكثر إذا ما نظرت في قائمة أسماء آباء كنيسة الإسكندرية، أو مديري المدرسة اللاهوتية، فلا تجد غير الأسماء اليونانية، فمثلًا (إكليمنضس) مدير المدرسة اللاهوتية بالإسكندرية، تقول (بتشر) في حقِّه:(اسم هذا الرجل الشهير هو < تيطس فلافيوس إكليمنضس >، وفيه إشارة إلى وجود بعض الصلة بالعائلة الإمبراطورية)(14)، وللعلم فإن (تيطس) هو اسم روماني خالص. وكذلك أستاذه (بنتيوس) وأول مدير لمدرسة اللاهوت كان صِقليًّا، وهكذا إذا استعرضت باقي القائمة لم تظهر إلَّا الأسماء ذات الصبغة اليونانية (أوريجانوس)، (ألكسندروس)، (أثناثيوس)، (ديمتريوس)،
…
ألخ، واليهود كانوا قد درجوا في العصر الهيلينسي والروماني على استخدام الأسماء الإغريقية والرومانية، بعكس المصريين الخلص، أما أبناء الزيجات المختلطة بين المصريين واليونان فكانت أسماؤهم إغريقية أيضًا.
ونظرًا لغلبة الجنس الإغريقي واليهودي على مسيحيي مصر أصدر الإمبراطور (ساويرس) في سنة 202م أمرًا يُحرِّم فيه على رعاياه الدخول في الديانة المسيحية أو اليهودية في مستقبل الأيام (15)، حيث كان يخشى الأباطرة في ذلك الحين من أن تجمع هؤلاء رابطة الدين الجديد وتشجعهم للخروج عليه، إذ أن اليهود كانوا دائمي الثورة على الرومان، والإغريق كانوا ينقمون على الرومان لأنهم سلبوهم ملكهم وسلطانهم من وجهة نظرهم، وتلك الأسباب هي التي جرَّت على المسيحيين من اليهود واليونان الويلات والاضطهاد التي لم يعانيها مسيحيِّو روما وسائر مسيحيي الإمبراطورية، وذلك لانتفاء الأسباب السابقة في حقهم (16).
وهكذا ظلت المسيحية غريبة على الشعب المصري وكهنتهم، الذين حرَّضوا الإمبراطور (فاليريان) على اضطهاد المسيحيين «257م-260م» لما بينهم من العداء، وبخاصة إنكار الكهنة المصريين لمسألة الصلب (17).
وأما المصريون الخُلَّص من الفلاحين فلم يكن يأبه لهم، أي من السلطة أو الإغريق أو اليهود، ويؤكد ذلك ما وقع من اضطهاد عام للمسيحيين في الإمبراطورية لما كثرت محاولات الخروج على السلطة في بلدان عدة بأنحاء المملكة، وربما عانت