الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولاية الأنبا شنودة وسيرته
ومع بداية تولى الأنبا شنودة الثالث أخلص تلامذة جماعة الأمة القبطية العنصرية منصب بابا الكرازة المرقصية القبطية الأرثوذكسية بمصر بدأت معها أكثر مراحل الجماعة خطورة وعنصريه وإجراما في حق كل ما هو غير قبطي مسيحي .. وأحداث ومؤامرات حاكتها الكنيسة ودبرتها بسرية ومكر ودهاء نستعرض بعضها باذن الله ومع كل البدايات نبدأ بفتح ملف بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية شنودة الثالث رقم 117 خلفا لكيرلس السادس.
ولد الأنبا شنودة الثالث في قرية سلام بمحافظة اسيوط بصعيد مصر ولم يمضى وقت قصير على ميلاده حتَّى توفيت أمه وهو رضيع إثر إصابتها بحمى النفاس .. وتولت رعايته وإرضاعه سيدات مسلمات ومسيحيات من جيرانه بكل طيبة وشهامة أهل الصعيد ..
وكانت صدمة أهله بموت أمه عقب ميلاده أكبر من أن يهتم أحد باستخراج شهادة ميلاد له .. ولم تمضى فترة قصيرة على وفاة والدته حتَّى تزوج أبوه .. ولم يهتم أحد بتسميته ولا توثيق تاريخ ميلاده حتَّى كاد بمرور الوقت أن يصبح ساقط قيد .. وبعد مدة لا نعلمها بالتحديد تم استخراج شهادة تسنين له من أحد الاطباء والَّتِي بموجبها تم استخراج شهادة ميلاد له بتاريخ 3 أغسطس 1923 باسم نظير جيد ..
ولم تكن فترة طفولته تلقى اهتمام كاف من أهله بعد زواج والده غير رعاية أهل قريته مسلمين ومسيحيين والذين أحاطوه بكل الحنان والرعاية عوضا له عن وفاة أمه ..
واصطحبه اخوه الأكبر للإقامة معه بدمنهور بمحافظة البحيرة إحدى محافظات الوجه البحرى بشمال مصر والقريبة من الإسكندرية .. وما أن ترك نظير جيد (الأنبا شنودة حاليا) بيته وقريته وأهلها الطيبين بصعيد مصر حتَّى بدأت رحلته مع الحياه .. رحلة من المحطات والتنقلات بدأها بسن صغيرة طاف خلالها بلاد وبيوت .. رحلة لم يعرف من بدايتها الاستقرار ولا الأمان ولا الأنس الحقيقي الذي يألفه ويطمئن له ..
بدأ رحلة كانت لها أسوأ الأثر على شخصيته ونظرته لأمور الحياه وتحليلاته لها وقراراته المستقبلية .. لم تخلو أي حياه من الجوانب المضيئة ومن المآسي أيضًا مهما كانت قسوة الظروف المحيطة بها ..
ولكن نظير جيد اعتاد من بداياته على مسلك وأسلوب في الحياه انفرد به .. وتشبع به كل كيانه حتَّى أصبح هذا المسلك أهم سمات شخصيته الذي يعرف به .. اختار أن يمحو من ذاكرته كل ذكرى طيبه قد تحمله يومًا ما امتنان أو شكر لمن قدمها له .. تعلم أن يدهس بقدمه على كل ذكرى لإنسان أحسن إليه بالمعاملة وأن يقدم مصلحته الشخصية على أي ولاء أو عرفان بالجميل وأن يقابل الإحسان بالاساءة إذا تطلبت منه المصلحة ذلك ..
تعلم أن يضع أهدافه واضحه أمامه وأن يتجاهل ما عداها من مشاعر إنسانية قد يخسر بسببها الكثير من الطموحات الَّتِي يحلم بها
تعلم أن يخفي قسوة مشاعره وقناعاته وأسراره في اعماق وأغوار نفسه وأن يغطيها بستار من المشاعر الزائفة ويخرجها في التوقيت الملائم له ..
لم يكن لليتم يدا في هذا المسلك الغريب والمشين الذي اعتاد عليه .. فامثاله من اليتامى مئات الالوف .. بل وملايين .. وكانوا أكثر الناس قدرة على اقتناص كل إيجابيات الحياه واقدرهم وأكثرهم اشتياقا للحياه الأسرية وأبرعهم واروعهم كآباء وأمهات .. ولكن نظير جيد اعتاد من الصغر على خيالات مريضة رسمت له طموحات وأهداف أبعد من دور أب في أسرة صغيرة ..
مضت رحلة نظير جيد في طفولته (شنودة الثالث حاليا بابا الأقباط النصارى) من الصعيد للإقامة مع اخيه بدمنهور ثم الانتقال إلى القاهرة وتولى اخوه رعايته وتعليمه حيث ألحقه بمدرسة الإيمان الثانوية بشبرا ثم انتقل منها لمدرسة راغب مرجان الثانوية بالفجالة حيث التحق بالقسم الأدبي .. وتمثل فترة المراهقة والصبا أخطر المراحل في حياة نظير جيد والَّتِي كانت بداية ونشأة أفكاره العنصرية ..
فقد انبهر بأفكار رهبان الجماعة القبطية المطرودين من الأديرة والذين عوقبوا من قبل مطارنة الكنيسة .. وكانت أخبارهم تتسرب إلى الأقباط النصارى من خلال زيارات الأسر للأديرة وتحذيرات آباء الكنيسة للأقباط ونصائحهم لرعاياهم بالابتعاد عن أفكار تلك الجماعة الهدامة المخالفة لتعاليم الكنيسة .. والَّتِي كانت تتوافق مع طموحات نظير جيد طالب الثانوية الذي انبهر بتلك النزعات العدوانية الانتقامية الَّتِي تنفس عن الكثير مما يجيش بصدره من ترسبات ماضي ليس ببعيد من مولده إلى التحاقه بالتعليم الثانوي .. طمس منها كل ذكرياته الحلوة واحتفظ بمرارتها ..
نزعات مرضية يحلم فيها باستعادة مجد كنيسته والفتك بكل أعدائها والمخالفين لها وجدها بفكر تلك الجماعة العنصرية
لم يكن وثيق الصلة بالكنيسة ولا على قدر مقبول من المعرفة بتعاليم المسيحية .. بل حتَّى سلوكياته لا يغلب عليها الطابع الديني ووصف تلك المرحلة بأبيات من الشعر قائلا:
كيف أنسى فترة الطيش وآثام الصبا
حين كان القلب رخوا كلما قام كبا
أسكرته خمرة الإثم فنادى طالبًا
كلما يشرب كأسا يملأ الشيطان كاسا
نظير جيد .. فترة الطيش وأيام الصبا!!!
بل كانت لها نزعات غريبة عن أبناء جيله ومتناقضة لا تتناسب وعمره الصغير .. سمات ينفرد بها يعرفها كل من لازمه في تلك الفترة العمرية من زملائه بالثانويه .. غريب في طموحاته واحلامه .. بشخصيته الكثير من الغموض يتظاهر بعكس ما يكنه داخله .. صعب أن يبوح بأسراره .. يتظاهر بالتلقائية والمرح ويخفي خلفها الكثير من المشاعر السلبية والكراهية الَّتِي يكنها حتَّى لأقرب المقربين له من أهله وأصدقائه ..
يتظاهر بشخصية ودودة اجتماعية والميل إلى الصحبة وفي داخله يميل إلى الوحدة والعزلة والانطوائية .. فكره ومعايشته للأمور تسبق عمره بسنوات .. ارائه في الحياه غير مقبوله من أقرب المقربين إليه وفضحه حبه للشعر في التعبير عن ذلك بقوله:
غريبا في أساليبي وأفكاري وأهوائي
غريبا لم أجد سمعا افرغ فيه آرائي
يحار الناس في ألفِي ولا يدرون ما بائي
كانت أطماعه وطموحاته واحلامه الفردية أكبر بكثير من فكر صبي بعمره .. ولم يكن من هذا النوع الذي يحتفظ بصداقات تتنافى مع تلك النزعات الَّتِي لم يستطع بحبه للشعر أن يخفيها ..
ظل نظير جيد (بابا الأقباط النصارى شنودة الثالث حاليا) على انبهاره بأفكار تلك الجماعة الَّتِي تصل الي مسامعه آملا أن تتاح له الفرصة الحقيقية للالتقاء بهم .. علمته الحياه أمور إيجابية الاستقلالية والاعتماد على النفس والتغلب على الظروف المحيطة به للوصول إلى الهدف وتحقيق الذات ..
وتعلم من كثرة الانتقال التأقلم السريع ومعايشة الأماكن والوجوه الجديدة .. وعلمته نفسه الأمارة بالسوء القسوة في التعامل مع الأحداث .. والأنانية في اقتناص الفرص .. وأن يخطو بقدمه فوق أي انتماء أو صداقة أو ارتباط يعوق تحقيق طموحاته واحلامه ..
فهو بطبيعته الَّتِي يعرفها عنه أقرب المقربين له أنه من ذلك النوع المتمرد على أي ارتباط أو انتماء أسري أو حتَّى ديني فلم تكن علاقته بالكنيسة وطيدة ولا تعدو الواجبات الدينية الملزمة له ولم يكن لأحد من الآباء سلطة على نفسه .. ولم يعرف عنه أنه كان منتظم في الصلوات أو ملتزم دينيًا بحضور دروس بالكنيسة ومعلوماته الدينية سطحيه رغم التزامه في مجال الدراسة العلمية .. دموعه بعيدة جدا لا تؤثر فيه أوجاع الآخرين ولا يلين قلبه بسهوله ولا حتَّى لتلك الأمور المتعلقة بالمرض والموت والفراق ..
وينتهي نظير جيد (شنودة الثالث حاليا) من المرحلة الثانوية ويلتحق بكلية الآداب قسم تاريخ .. وتبدأ أخطر مراحل حياته الَّتِي تشبعت فيها كل ذرة من كيانه بسموم جماعة الأمة القبطية العنصرية المتطرفة والمرتدة عن التعاليم المسيحية .. في تلك الفترة كانت أخبار النزاعات والخلافات القوية بين بابا الكنيسة يوساب الثاني ورجاله وبين رهبان جماعة الأمة القبطية واعضائها من العلمانيين على أشدّها .. وكانت تلك الفترة تشهد اجتذاب أعداد كبيرة من الطبقة العلمانية من الأقباط النصارى وخاصة من الجامعيين لأفكار تلك الجماعة .. حيث كان من الصعوبة على رهبان الأمة القبطية التأثير بأفكارهم الغريبة على المتدينين .. لذا لاقت نزعاتهم قبولا كبيرا من أصحاب الثقافة الدينية المعدومة والأطماع والطموحات المادية والدنيوية ..
وكان قد ذاع خبر طرد بعض الرهبان من الأديرة وإقامتهم بالأماكن المهجورة والخرابات وتل الطواحين بمصرالقديمة والصحارى .. وكانت الفرصة الحقيقية لنظير جيد للالتقاء بهم طالما انجذب لتلك النزعات العنصرية الَّتِي يشعر معها بأهميته وضخامة حجمه وضئالة وصغر غيره من غير الأقباط النصارى (حتَّى أنه لاحقًا بعد ذلك بسنوات قبل ترسيمه بابا للأقباط والى وقت قريب .. أحب شيء إلى نفسه هو الصعود إلى الأماكن العالية أي ربوة أو جبل بالأماكن المفتوحة ويجد كل المتعة في تأمل المدن والبيوت عن بعد وقد تتضاءل حجمها ومكانتها بالنسبة له وكأنه أصبح متربعا على عرش مصر) ..
وعودة إلى نظير جيد الطالب الجامعي وبصحبة بعض أصدقائه الجامعيين ذهب لزيارة هؤلاء الرهبان المتمردين على قوانين الكنيسة والمتحديين لكل أوامر بابا الكنيسة ربما وجد عندهم ضالته المنشودة في عمل عظيم ينفرد هو به ويضع بصماته على كنيسته
وفي تلك الأماكن المهجورة البعيدة عن العمران كان اللقاء بين نظير جيد (شنودة بابا الأقباط النصارى الحالي) مع الراهب مينا المتوحد (كيرلس السادس بابا الأقباط النصارى السابق له) وتلاميذ مينا المتوحد .. اجتمعوا جميعًا بمباركة شياطين تلك الخرابات المهجورة والبعيدة عن كل مقومات الحياه وأبسطها عدم توافر المياه اللازم للطهارة من الرجس .. وهذه هي نظرة بعض ملل المسيحية الأخرى ورفضهم للاعتراف بهذا النمط من الرهبان .. بل حتَّى بابا الأقباط النصارى في ذلك الوقت يوساب الثاني أوقفهم عن سلك الرهبانية ..
زاد انبهار نظير جيد الطالب الجامعي العلماني بتفكيره ونشأته بالراهب مينا المتوحد وتلاميذه .. اعجب بوجود هذا النمط الجديد من الرهبان من الجامعيين والمثقفين وخريجى مدارس الإرساليات للغات .. سحره هذا النمط من رهبان جماعة الأمة القبطية والذي يختلف كلية في طموحاته وأهدافه ورؤيته لكنيسته ومتطلباتها عن هذا النمط القديم من كهنه ورهبان الكنيسة الَّتِي توقفت طموحاتهم وامالهم على الصلوات والدعوات وأخذ البركات ..
وما كانت تلك الشخصية العلمانية الطموحة الذكية المتواضعة في معلوماتها الدينية والمتمثلة في نظير جيد لتمر على رهبان الجماعة المطرودين وتلاميذهم مر الكرام .. فقد فطن الراهب مينا المتوحد بحدة ذكائه إلى الإمكانيات الحقيقية للطالب الجامعي نظير جيد .. ووجده عجينة مرنة يسهل تشكيلها وصبها في القالب المصنوع له .. وتوالت زيارات نظير جيد وبعض أصدقائة للراهب مينا وتلاميذه
…
وكان أن وكل الراهب مينا المتوحد لكل من تلاميذه المقيمين معه عددا من هؤلاء الطلاب الجامعيين .. وكان موفقا في الاختيارات والتوزيع .. فبحكم خبرته ودرايته بفن الإقناع والتأثير الذي تشربه من رهبان الجماعة من معلميه أدرك أن أقصر الطرق للفوز بتلاميذ مخلصين أن يكون هناك توافق في الشخصيات والميول والاتجاهات
والقناعات بيين المعلم وتلاميذه وأن يكون للمعلم الشخصية الأقوى والمحببة لجذب كل فكر تلاميذه للاقتناع بالأهداف والدروس الَّتِي يتلقوها .. ووجد أن نظير جيد أشدّ تأثرا بمنهج سعد عزيز (الراهب متَّى المِسكين فيما بعد) أحد تلامذة الراهب مينا المتوحد
…
وانبهر نظير جيد بشخصية سعد عزيز الصيدلي الجامعي والذي أصبح معلمه يلقنه كل أفكار وأهداف جماعة الأمة القبطية العنصرية ..
واطمئن الراهب مينا المتوحد لقدرة تلميذه سعد عزيز في التأثير على بعض الجامعيين فوكل له مهمه تعليم 9 من الجامعيين من بينهم نظير جيد وتثقيفهم بالمعلومات الدينية الَّتِي تؤهلهم لرتب رهبانية وكهنوتية يزج بهم فيها بمساعدة أعضاء الجماعة من رهبان الأديرة وكهنة الكنيسة حتَّى يزيد حجم اختراق أعضاء الجماعة للسلك الكهنوتي بالكنيسة ويزيد من نفوذهم ..
وتشبع نظير جيد بسموم تلك الجماعة وفكرة أنه أحد جنود الرب الذي وكل له مهمة استعادة مجد الكنيسة القبطية وبناء كنيسة عظيمة له ويصف حاله من البعد عن الله قبل هذا التحول الفكرى لأفكار الجماعة قائلا
كم دعاني الرب يومًا فأشحت الوجه عنه .. وأراني قلبه الحاني أنا الهارب منه
قال كن صدرا لقلبي غير أني لم أكنه .. كان قلبي في صدودى مثل صخر ، كان أقسى
وعبر نظير جيد عن تلك الفتره الَّتِي تأثر فيها بسحر رهبان تلك الجماعة من الرهبان المطرودين بينما عجز قساوسة الكنيسة من اجتذابه والتأثير عليه طوال سنواته السابقة بقوله في هذا التحول
قرأ الكاهن حلا فوق رأسي فاسترحت .. قال هيا اصطلح بالرب هيا فاصطلحت
قلت أنسى الأمس لكن صرخ العقل فصحت .. حسن يا قلب أن أنسى ولكن كيف أنسى
وعبر عن افتتانه بكل تعاليم الجماعة وتصنيفها لأعداء الكنيسة ووضعهم في قائمة تسمى القائمة السوداء لأعداء الأقباط النصارى ابتدءا من أول بادرة للعداء على أيدي اليهود حينما صلبوا المسيح تبعا لمعتقداتهم .. وعدم تبرئة تلك الجماعة لفعل اليهود وسفكهم لدم المسيح حتَّى يعتذروا عن تحريض أجدادهم اليهود للرومان بصلب المسيح حسب اعتقادهم أو يعترفوا به ..
وهذا يفسر رفض تلك الجماعة لزيارة القدس وهي تحت حكم اليهود .. تلك الفكرة الَّتِي ما زال يتحمس لها شنودة إلى الان ليس بدافع المصالحة الوطنية ولا الانتماء ولا من أجل عيون المسلمين والذي وضعهم وجماعته بنفس قائمة الأعداء .. ولكن إخلاصا منه لفكر تلك الجماعة وعبر عن كراهيته وعدائه لليهود وصلبهم للمسيح وتلك الأيام الآثمة الَّتِي مرت من عمره وهو متجاهلا لهذا الأمر تاركا لثأر ربه بالفتك بالقتله الذين صلبوه كما يعتقد قائلا بأبيات شعر من قصاصته الخاصة:
كيف أنسى فترة الطيش وآثام الصبا .. كيف أنسى الرب مصلوبا وقلبي صالبا
وتتواصل زيارت نظير جيد (شنودة بابا الأقباط النصارى الحالي) وأصدقائه لتلقي الدروس على يد معلمه سعد عزيز (الراهب متَّى المِسكين فيما بعد) أحد أخلص تلامذة الراهب مينا المتوحد (كيرلس السادس بابا الأقباط النصارى السابق لشنودة)
…
وجد نظير جيد (شنودة الثالث حاليا) متعة حقيقية في حياة التمرد الَّتِي أعلنها معلميه الراهب مينا المتوحد وسعد عزيز على تعاليم الكنيسة وعلى بابا الأقباط النصارى وقت ذاك يوساب الثاني .. كما وجد في تلك الخرابات والأماكن المهجورة الَّتِي ينتقل إليها رهبان الجماعة المطرودين ضالته وحريته وتعبيرا عن فكره العلماني المنشأ ورفضه لكل القيود والالتزامات حتَّى لو كانت تخص العقيدة ..
تساوت من رؤيته الأديرة مع تلك الخرابات وعبر بأشعاره عن قناعاته بأبيات:
ليس لي دير فكل البيد والآكام ديرى ........ لا ولا سور فلن يرتاح للأسوار فكرى
أنا طير هائم في الجو لم أشغف بوكرِ ........ أنا في الدنيا طليق في إقامتي وسيري
أنا حر حين أغفو حين أمشي حين أجري ..... وغريب أن أمر الناس شيء غير أمري
وزاد ولع نظير جيد بفكر تلك الجماعة المتمردة ورهبانها حتَّى أنه اعتبر سعد عزيز (الراهب متَّى المِسكين فيما بعد) أبا روحيا له وكتب في مقدمه كتاب انطلاق الروح الذي أصدره فيما بعد نبذة يصف فيها حبه لمعلمه سعد عزيز واعتباره أبا روحانيا له وتأثره بكل منهجه وأفكار جماعته ومعلميه قبل دخولهما سلك الرهبانية
…
وكان أن اشتدت الصراعات والنزاعات بين رهبان جماعة الأمة القبطية المنحرفة عقائديًا وأعوانها المخترقين للكنيسة والأديره والطبقة العلمانية الموالية لها من جهة .. وبين وبابا الأقباط النصارى يوساب الثاني ورجاله ورهبان الأديرة وقيادات الكنيسة من جهة أخرى ..
وما أن زاد نفوذ رهبان الجماعة المنشقة وتوليهم لمناصب إدارية وقيادية ببعض الأديرة حتَّى سمحوا بعودة بعض الرهبان الموالين لهم والمطرودين .. وعاد الراهب مينا المتوحد وتم تنصيب تلاميذه ومنهم الدكتور سعد عزيز الصيدلي والذي أصبح اسمه الراهب متى الصموئيلي ثم الراهب متَّى المِسكين فيما بعد .. وظل تلاميذ الراهب متى في ترددهم عليه بالدير حتَّى سحبت الكنيسة الاعتراف بدير مار مينا بمصر الجديدة وطردت الرهبان منه .. فانتقل الراهب متى وتلاميذه إلى دير السريان
…
وكان في تلك الفترة أن داوم نظير جيد على زياراته لمعلميه من رهبان الجماعة وخاصة الراهب متى وتلقيه لكل تعاليم الجماعة وفي بعض الأحيان كان مع الأنبا ثاؤفياس .. أو بصحبة اثنين فقط من أصحابه أمين نصر (الأنبا أرسانيوس فيما بعد) .. ومحب باقي سليمان (الكاهن أنطونيوس باقي فيما بعد) وجميعهم من الاعمدة الهامة لجماعة الأمة القبطية والمسيطرين على مقاليد الكنيسة فيما بعد .. ولم يكن يتردد على هذا الدير أحدا حيث سحب الاعتراف به والذي أصبح فيما بعد من أكثر الأديرة الَّتِي يتردد عليها الأقباط النصارى والرحلات والزيارات لأخذ البركات ..
وأصبحت تلك الزيارات الَّتِي اعتاد عليها نظير جيد وأصحابه غايه ومنتهى الأماني ومشوقة له بكل تفاصيلها من حياكة المؤامرات والتخطيط للإطاحة ببابا الأقباط النصارى يوساب الثاني وعزله وكذلك الالتقاء بأعضاء ورهبان الجماعة من القيادات البارزة ..
وكان نظير جيد من أذكى طلاب الجماعة وأخلصهم تنفيذا لتعاليمهم وأكثرهم طموحا .. وتبعا لمخططات الجماعة التحق بمدارس الآحاد والمدارس الدينية اللاهوتية لتلقي دروس في المسيحية استعدادا للزج به في السلك الكهنوتي للكنيسة ليأخذ موضعه الذي رسمته الجماعة له ..
وتخرج نظير جيد من كلية الآداب بتقدير امتياز والتحق بالجيش كظابط احتياطى بالمشاه سنة 1948 .. وهو على تواصله مع معلميه حيث كان يقضى معهم الأجازات بالأديرة رغم عدم رسامته كراهب وكتب عن تلك المرحلة مقال فيما بعد بأحد أعداد جريدة الآحاد بعنوان (تمنيت لو بقيت هناك) من شده تعلقه وانبهاره بمعلميه .. وهو الذي سيفوقهم عنصرية وتطرفا
…
ونواصل مراحله ..
وينهي نظير جيد (شنودة الثالث بابا الأقباط النصارى حاليا) فترة الجيش سلاح المشاه ويلتحق بالعمل بالتدريس .. ويظل على مداومته لتلقي الدروس على أيدي معلميه من جماعة الأمة القبطية العنصرية .. وتنفيذا لأوامر قيادات الجماعة كثف من حجم ساعات دراسته الدينية بالكلية الإكليريكية ليتثقف دينيًا .. وزادت نشاطاته الاجتماعية والصحفية بجريدة الآحاد الكنائسية ..
وقدم استقالته من الوظيفة للتفرغ لأهداف الجماعة محاولا بشتَّى الطرق الالتحاق بسلك الرهبانية تمهيدا لاعتلاء مناصب كنائسية مستقبلية ولكن قوبل بالرفض
…
وظل على محاولاته المتكررة بكل تصميم ولم يمكنه الأنبا يوساب الثاني ولا حاشيته من الحصول على الموافقة بترسيمه راهب لشكوكهم وعلمهم بانحراف أفكاره العقائدية وعنصريته الَّتِي لم يستطع أن يخفيها .. ففضح بكلماته وأحايثه الَّتِي يتقنها عن مكنون أفكاره وولائه لفكر الجماعة المعادية لتعاليم المسيحية والكنيسة والَّتِي أظهرها على فلتات لسانه .. وكثف نظير جيد من أعماله لخدمة الكنيسة دون جدوى للوصول لهدفه .. وزاد الأمر سوءًا افتضاح أمر معلمه متَّى المِسكين والذي كان أكثر حنكة ودهاء في إخفاء حقيقة انتمائة لفكر الجماعة .. وتم كما ذكرنا من قبل عزله من منصبه القيادي بمطرانية الإسكندرية ..
وأصبح أمر دخول نظير جيد في دخول سلك الرهبانية مستحيلا في حياة يوساب الثاني بابا الأقباط النصارى وقتذاك .. ولم يستطع نظير جيد أن يترهبن إلَّا عام 1954 وأصبح اسمه الراهب (أنطونيوس السرياني) نسبة إلى دير السريان الذي شهد كل اجتماعاته ولقاءاته بمعلميه من رهبان الجماعة .. نفس عام اختطاف جماعة الأمة القبطية لبابا الأقباط النصارى يوساب الثاني والذي ورد اسم الراهب متَّى المِسكين وبعض تلاميذة في قوائم المتهمين المدبرين لحادث الاختطاف .. بل وقيل أن الراهب متَّى المِسكين كان العقل المدبر لتلك المؤامرة والمشرف على تنفيذها ..
وعكس ما حدث مع كيرلس السادس عندما ترهبن .. لم يفاجىء أهل نظير جيد بقرار رهبنته .. بل كانوا يلحظون كل أفكاره الغريبة وتطوراته المريبة وشخصيته القاسية العنيدة ..
وما أن أعلنهم بقراره للذهاب إلى الدير حتَّى قال له اخوه (طيب روح مع السلامة) ..
وتمضى الأحداث عهد الأنبا يوساب كما شرحناها من قبل
…
ويعلن فتح باب الترشيح لمنصب البابا بعد خلو كرسي البابوية والنهاية المأساوية لبابا الأقباط النصارى يوساب الثاني والَّتِي شرحناها بالتفصيل .. ثم ترشيح رهبان الجماعة للراهب متَّى المِسكين والأنبا شنودة ولكن شروط الترشيح أبعدتهما بل كان ترشيح نظير جيد شيء غريب ومستبعد بكل المقاييس حيث لا يملك أي تاريخ رهباني ولا ديني بالإضافة إلى صغر سنه ..