الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلحق رقم (1):
التيار الانقلابي في الكنيسة المصرية .. إلى أين
؟
للكاتب:
حاتم محمد
1/ 9/2008
الكثير ممَّن علق على محاضرة (الأنبا توماس) التي ألقاها يوم 18 يوليو 2008 في (معهد هُدسُن الصهيوني) بالولايات المتحدة، وتناقلت وسائل الإعلام نصها على نطاق واسع، طالب الكنيسة بأن توضح موقفها وتخرج عن صمتها المعتاد في مثل تلك الحالات والبعض استغرب موقفها الصامت؛ وحقيقة فإنه في أحسن الأحوال لن تخرج الكنيسة عن حالة الصمت المعتاد لأن ما قاله الأنبا إنما يمثل حالة فكرية لدى الكثير من أقطاب الكنيسة وهم يرددونه باستمرار.
(الأنبا نوماس) أسقف القُوصِيَّة يُلقي محاضرته العُنصرية من منبر (معهد هُدسُن) - ويظهر شعار المعهد في الخلفية وعلى المِنبر -.
فمثلًا (القمص مرقص عزيز) كاهن الكنيسة المعلقة يصرح لموقع (الأقباط متحدون) قائلا: (لا بد للأقباط أن يخرجوا من الصمت الرهيب الذي يعيشون فيه؛ حتى يعرف الجميع أن الأقباط هم أصل هذه البلاد).
وبنحوه يصرح (ثروت باسيلي) وكيل المجلس الملِّي بأن ما قاله الأنبا: (حقائق تاريخية).
وكذا قالت المطرانية في معرض الدفاع عن أسقفها.
وما لا يعرفه هؤلاء الكتاب هو أن تلك الأفكار قد بثَّ بذورها قادة الكنيسة وهم بعد شباب منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، تلك البذور التي حملت بعضهم على القيام باختطاف بطريرك الكنيسة وباباهم الروحي (يوساب الثاني) وعزله من منصبه بقوة السلاح،
ثم بدأت تنمو تلك البذور مع مرور الوقت وأطعموا منها الكثير من المسيحيين فأثمرت لنا شجرة الكراهية والتعصب التي ترفض الوطن وتتحالف مع الشيطان تلك التحالفات التي ظهرت وهم يدعون شارون لدخول مصر في تظاهراتهم، وتلك التي تظهر في مقولات ودعاوى من يسمون أنفسهم بأقباط المهجر.
فهل يمكن للكنسية أن تخرج وتقول لأتباعها ما لقَّنَّاهُ لكم على أنه الحقيقة التاريخية لم يكن صحيحًا؟ وفي الوقت الذي يتسابق فيه قادتها في عرض أطروحاتهم المتشددة والمتطرفة نجدها تزوي وتخرس أصوات الحكماء.
وأقرب مثال على ذلك ما حدث مع الأب (متَّى المسكين)، فلقد عاني الكثير وأُغمط من قبل المؤسسة الدينية حتى وصفوه بـ (متى المسكون) سخريةً واستهزاءًا به، ويقول في مذكراته وهو يصور صراعه مع الفريق السابق:
(والعجيب أن صداقتي وحبي للمسلمين كان موضع تساؤل مستمر من المسيحيين وكأنه أمر يؤذيهم، فكنت أزداد عجبا وغيرة فأحدثهم عن أصالة الوعي المسيحي أنه وعي إنساني قبل كل شيء).
ويقول: (ولكني كنت أبذل جهدا في إزاحة الحواجز التي تحجزني عن المسلمين لأنها حواجز موروثة ومتبادلة، غير أني كنت أكتشف يوما بعد يوم أنها حواجز مصطنعة وليست أصيلة، فليس لها أصل عرقي عنصري قط).اهـ
إلا أن تلك النزعة العنصرية هي التي تشكل أفكار أولئك الذين باتوا قادة للكنسية؛ ومن ثَمَ تخرج علينا تلك الأفكار العبثية؛ من كون المصريين قد تعرضوا للاضطهاد حتى أصبحوا شيئًا آخر - أي مسلمين - فإن كان ذلك حقا فنحن المسلمين أبناؤهم وهم أجدادنا نحن، فإنها قضيتنا لا قضيتكم ونحن راضون بإسلامنا ومتسامحون فيما جرى لأسلافنا،
ونحيطكم علمًا بأننا لم نقم بعمل توكيل لأحد ليتحدث باسمنا؛ فمَن الذي منحكم صَكّ النيابة لتتحدثوا باسمهم؟!! إذًا ليلتفت المصريون المسيحيون لمشاكلهم أفضل لهم.
وتزداد تلك العبثية عندما يخرجون علينا بعد هذا يتحدثون عن (المواطنة) و (الحداثة) و (المدنية)، وهم ينفون الجنسية عن غير المسيحي؛ ففي القديم نفوا الجنسية عن المصريين غير المسيحيين من أجل قسطنطين كما في لحن:(أيطاف أن نى أسخاى) الذي يصلون به في عيد الصليب واليوم ينفون الجنسية عن المسلمين.
إن من تربى على تلك الأقوال المتطرفة لا يؤمن في سريرته بما يتحدث به عن (المواطنة)، أو يطالب بدولة مدنية حديثة، ولو حدث وقبض على مقاليد الأمور في مصر، أو أي مكان أخر، فإن دولته لن تختلف عن دولة محاكم التفتيش.
وأنظر إلى ما جرى للدكتور (نظمي لوقا) من أجل كتابه «محمد الرسالة والرسول» الذي أشاد فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر (جرجس حلمي عازر) المستشار الصحفي للبابا شنودة أنه اصطدم - أي البابا شنودة في عام 1954م - بالدكتور (كمال رمزي استينو) نائب رئيس الوزراء وقتها بسبب كتاب أصدره الدكتور نظمي لوقا. وعندما أصبح البطريرك حرَّم الصلاة علي جثمان (نظمي لوقا) في الكنيسة ودارت أرملته - الكاتبة صوفي عبد الله- على الكنائس دون فائدة.
ونعود للأب (متَّى المسكين) وهو يتحدث عن: (عتمة العقول وضيقها وانحصارها في أفق شخصي ورؤية ضيقة).
ويقول: (لقد عانى العالم كله من صراع العقائد الدينية تماما كما عاني من صراع الأحزاب السياسية، بل لا أخرج عن الواقع كثيرًا حينما أقول إن منشأ الصراع العقائدي الديني هو منشأ سياسي دولي ولكن مصر بنوع ممتاز عانت من كلا الصراعين ولا تزال تعاني).
فتلك إذا الحقيقة وهي أن هؤلاء قد رضوا بأن يُستخدموا في صراع سياسي دولي لعلهم يظفروا ببعض المكاسب والامتيازات حتى وإن جاءت على حساب الوطن.
إن الفتنة الطائفية ما ظهرت إلا بعد أن تمكن ذلك التيار من الكنيسة، وقد ظهرت بوادره في مظاهرات الخانكة عام 1972، ففي ذلك الوقت لم تكن هناك جماعات إسلامية، ولا أموال البترول الخليجي، ولا غير ذلك مما يحلو للبعض أن يردده تزويرًا للحقيقة وتزييفًا للتاريخ.
يقول (متَّى المسكين): (وأدركت أنه لا فرق بين العلم والسياسية والدين، فالكل يحتاج إلي قائد أمين جدًا ومُتفتح جدًا وحر جدًا، كما يحتاج إلي تلميذ لا يبيع عقله لكل مناد أو يجري وراء القطيع ليدخل أية حظيرة.
وكان ألعن ما واجهت في اختباراتي ومشاهداتي في أيام شبابي هو رؤيتي كيف يعرض الزعيم رأيه - مدرسًا كان أو زعيما دينيا أو أمين مدارس أحد - علي من يتبعه فيستعبده، وكيف يبيع الشباب عقولهم ونفوسهم بسذاجة عن حماس وإخلاص وثقة لمن هم ليسوا أبدًا أهلًا لهذه الثقة، وبمضي الأيام تكتشف الأجيال أنه قد غُرِّر بها وأنها سارت وراء شخصيات تافهة أضلتهم الطريق وأفقدتهم الرؤية الصحيحة. هذه هي مصيبة هذا الجيل) اهـ.
فهل يفيق هذا الجيل من المسيحيين قبل فوات الأوان ويندم ولات حين مندم؟.
المصدر - بتصَرُّف وإضافة يسيرة -:
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/1430/