المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة الكتاب: حين أصدرت كتابي هذا في طبعته الأولى لم أزعم - مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح

[صبحي الصالح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌مقدمة المؤلف في الطبعة الجديدة:

- ‌مقدمة الكتاب:

- ‌الباب الأول: القرآن والوحي

- ‌الفصل الأول: أسماء القرآن وموارد اشتقاقها

- ‌الفصل الثاني: ظاهرة الوحي

- ‌الفصل الثالث: تنجيم القرآن وأسراره

- ‌الباب الثاني: تاريخ القرآن

- ‌الفصل الأول: جمع القرآن وكتابته

- ‌مدخل

- ‌جمع القرآن كتابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

- ‌ جمع القرآن على عهد عثمان رضي الله عنه:

- ‌الفصل الثاني: المصاحف العثمانية في طور التجويد والتحسين

- ‌الفصل الثالث: الأحرف السبعة

- ‌الباب الثالث: علوم القرآن

- ‌الفصل الأول: لمحة تاريخية عن علوم القرآن

- ‌الفصل الثاني: علم أسباب النزول

- ‌الفصل الثالث: علم المكي والمدني

- ‌الفصل الرابع: لمحة خاطفة عن فواتح السور

- ‌الفصل الخامس: علم القراءات ولمحة عن القراء

- ‌الفصل السادس: علم الناسح والمنسوخ

- ‌الفصل السابع: علم الرسم القرآني

- ‌الفصل الثامن: علم المحكم والمتشابه

- ‌الباب الرابع: التفسير والإعجاز

- ‌الفصل الأول: التفسير "نشأته وتطوره

- ‌الفصل الثاني: القرآن يفسر بعضه بعضا

- ‌منطوق القرآن ومفهومه:

- ‌عام القرآن وخاصه:

- ‌المجمل والمبين:

- ‌النص والظاهر:

- ‌الفصل الثالث: إعجاز القرآن

- ‌مدخل

- ‌تشبيه القرآن واستعارته:

- ‌المجاز والكناية:

- ‌الفصل الرابع: الإعجاز في نغم القرآن

- ‌خاتمة:

- ‌جريدة المراجع على حروف المعجم:

- ‌ باللغة العربية:

- ‌ باللغات الأجنبية:

- ‌مسرد الأعلام:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ ‌مقدمة الكتاب: حين أصدرت كتابي هذا في طبعته الأولى لم أزعم

‌مقدمة الكتاب:

حين أصدرت كتابي هذا في طبعته الأولى لم أزعم أني فصلت فيه القول في جميع العلوم التي لها بالقرآن صلة من قريب أو بعيد، فإن آفاق الدراسة القرآنية واسعة متشعبة ورحيبة، وإن ألوف المجلدات لا تفي بمعشار ما قيل وما يمكن أن يقال في هذه العلوم؛ إنما حاولت بهذا الكتاب تبسيط طائفة من أمهات المسائل القرآنية قبستها غالبا من آثار علمائنا الأبرار القدامى، غير متجاهل أطرف ما جاء به بعض الأتقياء من المعاصرين، وما أبرح في هذه الطبعة الرابعة -رغم الزيادات الكثيرة التي أضفتها- أقر بأني تناولت أمهات المسائل ولم أفصل القول في شيء منها تفصيلا.

ولقد يكون عسيرا على الباحث العصري في شئون الإسلام والقرآن أن يرجع إلى الكتب القديمة ليعثر على شيء من طلبته في تأويل آية، أو تحرير فكرة، أو تحليل أدبي لمقطع من كتاب الله، لما في جل تلك الكتب من روايات متضاربة وآراء يكثر التعارض بينها في تأويل الآية الواحدة. ويخيل إلينا أن هذا التضارب -وإن كان حتما لا مفر منه في الشروح الإنسانية- هو في كتبنا أصل الداء وشر البلاء، فلابد لنا في كل آية منوجه نختاره وتفسير نرضاه، دون أن نجزم حقا بأننا وقفنا حتما على المراد من كلام الله.

وما من شك في أن القرآن قد ملك على سلفنا الصالح مشاعرهم، واستأثر

ص: 9

بعنايتهم التي لم يحط بمثلها كتاب من قبل ولا من بعد، وأنهم درسوا كل شيء يتعلق به حتى بددوا أوقاتههم أحيانا با نظنه لا يخدم أغراضه في شيء.

وربما كان لزاما علينا -إزاء هذه العناية التي لا نعرف لها نظيرا- أن نقنع بالنتائج التي انتهى إليها سلفنا الصالحون، ونسلم بكل ما جاء في تصانيفهم تسليما.

ولو اكتفينا بذلك لما وسعنا أن نكشف الناقب عن وجه القرآن الساحر الجذاب، فإن منهج الدراسة القديمة لا يكافئ ما ينبغي لكتاب الله من تفحص كل جانب من جوانبه التي قامت حولها المدارس والمذاهب والآراء.

وأن نعرف للقدامى فضلهم الكبير، ونقل: إننا عالة عليهم في هذ البحوث، ما نزيد على التفقه بآثارهم، والاستضاءة بأنوارهم، لا يغضض من قيمة عرفاننا هذا ما نأخذه من مآخذ شكلية على منهجهم القديم: ذلك بأن طريقتهم من الوجهة التاريخية لا تضاهى دقة وعمقا وأمانة، ولكن المنهح التاريخي غلب على أبحاثهم القرآنية، فلم يفسح المجال دائما لتصوير الجانب الأدبي الفني الذي يسد الفجوات ويملأ الثغرات حين يكتم التاريخ بعض الحقائق الكبرى.

إن في تعريفهم لعلوم القرآن لما يبرز المعنى التاريخي في منهجهم واضحا قويا: فهذه العلوم -في نظرهم- عبارة عن مجموعة من المسائل يبحث فيها عن أحوال القرآن الكريم من حيث نزوله وأداؤه، وكتابته وجمعه، وترتيبه في المصاحف، وتفسير ألفاظه، وبيان خصائصه، وأغراضه: وفي أبحاثهم التفصيلية لمفردات هذا التعريف يشتد أثر المنهج التاريخي بروزا ووضوحا، فقد وافونا في نزول القرآن بمراحله كلها ابتداء ووسطا وختامًا، وصوروا لنا طريقة نزوله تصويرا دقيقا في الليل والنهار، والحر والبرد، والسلم والحرب، وكادوا لا يغفلون جزئية من الجزئيات الصغيرة في هذا المجال، ولم يعيهم أن يتقصوا النوازل القرآنية المنجمة على حسب الوقائع الفردية والاجتماعية؛ ولم نجد نظائر لمباحثهم في تحري جمع القرآن وحفظه واستنساخه في المصاحف وتحسين رسمه، وفي الاستيثاق من متواتر أحرفه السبعة، ومتواتر قراءاته فيما

ص: 10

ثبت لديهم من وجوهها القطعية اليقينية، ودلت طريقتهم التي اتبعوها في تمحيص الروايات وتحقيق النصوص في هذا كله على أنهم كانوا أقدر الباحثين على التحاكم إلى التاريخ الصحيح.

لكن انطوت مزيتهم الكبرى هذه على عيب شكلي بسيط: فإن استمساكهم بالمنهج التاريخي لم يترك لهم أحيانا الفرص الكافية لإيفاء الناحية الأدبية في القرآن ما هي خليقة به من العناية: جمعوا في "أسباب النزول" بين السبب التاريخي والسياق الأدبي في ثلة من المواطن ولكنهم لم يحسنوا دائمًا الجمع بين هذين الأمرين في سائر المواطن الأخرى، حتى بات الباحث يتساءل مرارا: لم وضعت هذه الآية إلى جنب تلك؟ ولم قفي هذا الموضوع بذاك رغم الفاصل الزمني البعيد؟ ثم لا يجد لديهم جوابا شافيا عن ذلك، على كثرة ما رووه في هذا وصنفوه.

لذلك لن نكتفي في بحث "أسباب النزول" بعرض أنماط من مقاييسهم الدقيقة التي وضعوها لترجيح الروايات المنبئة عن تلك الأسباب، بل سنضم إلى ذلك ما وشت به عبارات مبثوثة هنا وهناك -في تفاسير المحققين منهم- من رعاية لنظم القرآن وحسن السياق، فنسهب في الاستشهاد ببعض المقاطع القرآنية التي أقصى فيها المفسرون فكرة الزمان لمراعاة التناسق الفني، حتى بدا كل نص في القرآن محكم البناء، متلاحم الأجزاء، آخذا بعضه بأعناق بعض؛ فبهدا نعرف عن كل آية: أمكملة لما قبلها أم مستقلة؟ وما وجه مناسبتها لما قبلها؟ إن جاءت على سبيل الاستئناف؟

وإننا لنحمد لعلمائنا الأبرار القدامى انتباههم إلى تعدية الآيات إلى غير أسبابها، وقولهم بتعميم الصياغة ولو وقعت الآيات على سبب خاص، غير أننا نرى أن عيونهم قد أخطأت أحيانا ما رسمه القرآن من "نماذج" إنسانية تتخطى الزمان والمكان، وتتجاوز المناسبات والأسباب، فعلينا إذن -خدمة للجانب الفني في القرآن- أن نملأ ذلك الفراغ بما نرجو أن يلهمنا الله التقاطه من الصور الشاخصة والمشاهد المتكررة في عالم الأحياء.

ص: 11

وما نحسب باحثا يرتاب في أن علماءنا القدامى قد محصوا ما يتعلق بالمكي والمدني كل التمحيص، وأن بعض المحققين منهم -في طائفة من أبحاثهم- مهدوا بين أيدينا القول بتقسيم النوازل المكية ثم المدنية إلى مراحل ثلاث:

ابتدائية ومتوسطة وختامية، إلا أنهم شغلوا بمتابعة جزئيات تلك المراحل أكثر مما احتفلوا بإبراز ما انطوت عليه كل مرحلة من عقائد وأحكام، وما سرى في ألفاظها وفواصلها من إيقاع وما غلب على صورها ومشاهدها من أساليب، فسنحاول بدراستنا هذه أن نتقرى في القرآن نفسه كل هاتيك الملامح فيما سوف يجده القارئ بنفسه في فصل "المكي والمدني" ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الطالب الذي يود لو يطلع على "نماذج" من التحليل البياني لبعض السور القرآنية سوف يجد في هذا المبحث ذاته طلبته في عشرين سورة مفسرة موضوعاتها وأساليبها على حسب تعاقبها في النزول، واقعة موقعها التاريخي من مراحل التنزيل.

وما نحسب أن التوفيق حالف طائفة من القدامى غلت أعجب الغلو في بحث "الناسخ والمنسوخ" فإنهم فيه أكثروا من الخلط بين المفهومات، والتبس على كثير منهم ما ينسبه الله إلى نفسه بما عسى أن ينسبه البشر إليه أو إلى أنفسهم فلم يفرقوا بين النسخ والتخصيص، وبين النسخ والبداء، وبين النسخ والإنساء، وبين نسخ الأحكام ونسخ الأخبار، ولسوف يحملنا غلوهم وخلطهم على أن نتعالى بكلام الله المتواتر المعجز عن أقاويلهم الغريبة التي تعارض منطق الأشياء.

وإن إعجابنا الشديد بكثير مما تناول به سلفنا قضية الإعجاز لن يمنعنا من أن نجري في مفهوم هذه القضية شيئًا من التعديل، لنسمو بدرس الأسلوب القرآني من أفق المصطلحات البلاغية الضيق إلى أفق الفن الأدبي الرفيع: ففي بحث الإعجاز سنفهم الصور البيانية فهما موحيا فيه نداوة الفن وظل الأدب الظليل، وسنتلقى بمشاعرنا كلها موسيقى القرآن الداخلية التي فيها من النثر تعبيره الدقيق، وفيها من الشعر إيقاعه الرخي المنساب!

ص: 12

وبعد، فتلك مباحث في علوم القرآن لا ننمي إليها السعة والشمول، ولا ندعي لها التفصيل والاستيعاب، إنما هي طائفة من المسائل المهمة التي نرجو ألا يجهلها أو يتجاهلها عربي ينطق بالضاد أو مسلم يهتف بهذا الدين الحنيف، وها نحن أولاء نتركها بين أيدي القراء سائلين الله أن يشوقهم بها إلى تلاوة كتابه، فتدبر أحكامه، فالعمل بتعاليمه، لعل التاريخ يعيد نفسه، ولعلنا نرجع بهذا الكتاب كما كنا خير أمة أخرجت للناس.

ص: 13