الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عام القرآن وخاصه:
أ- نقصد بعام القرآن، اللفظ الذي نجده فيه دالا -في أصل وضعه اللغوي- على استغراقه جميع الأفراد التي يصدق عليها معناه من غير حصر كمي ولا عددي1، فإذا قال تعالى:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} 2 فلفظ "رجل" ليس بعام، لأنه يدل على فرد واحد معين، وإذا قال:{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} 3 فلفظ "رجلين" ليس بعام كذلك لأنه يدل على شخصين معينين، ومثل ذلك يقال في "رجال" في قوله تعالى:{وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ} 4، وفي "أمة" في قوله:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} 5 وفي "ألف" في قوله: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} 6 لأن هذه الألفاظ تدل على كمية محصورة أو عدد معين، ولا تدل على الشمول والاستغراق، فليس فيها إذن معنى العموم.
والقرآن الذي نزل بلسان عربي مبين، يعبر عن العام بالألفاظ التي وضعها العرب لإفادة الشمول والاستغراق. وقد دل الاستقراء على أن الألفاظ العموم7 لا تخرج عن هذه التي سنذكرها تباعا مع التمثيل من النصوص القرآنية.
أولا: لفظ كل، وجميع، وكافة، وما في معناها، نحو {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 8، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} 9، {ادْخُلُوا
1 قارن بعلم أصول الفقه، خلاف، ص213.
2 سورة يس 20.
3 سورة القصص 15.
4 سورة الأعراف 46.
5 سورة آل عمران 113.
6 سورة الأنفال 9.
7 انظر ألفاظ العموم في الإتقان 2/ 26.
8 سورة الرحمن 26.
9 سورة البقرة 29.
فِي السِّلْمِ كَافَّةً} 1.
ثانيا: أسماء الموصول إفرادا وتثنية وجمعا، وتذكيرا وتأنيثا، نحو {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} 2، {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} 3، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} 4، {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} 5.
ثالثا: المعرف بأل تعريف الجنس مفردا كان نحو {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 6، أو جمعا نحو {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} 7.
رابعا: الجمع المعروف بالإضافة نحو {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 8، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 9.
خامسا: أسماء الشرط، نحو {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 10.
سادسا: النكرة في سياق النفي، نحو:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} 11.
وهذه الصيغ -بحسب الوضع اللغوي- تعين العموم تعيينا حقيقيا ما لم يرد مخصص لها، وموارد التخصيص كثيرة في القرآن حتى لقد تعذر على
1 سورة البقرة 208.
2 سورة البقرة 17.
3 سورة النساء 16.
4 سورة يونس 26.
5 سورة النساء 15.
6 سورة المائدة 38.
7 سورة المؤمنون 1.
8 سورة النساء 11.
9 سورة التوبة 103.
10 سورة الفرقان 68.
11 سورة الحجر 21.
بعض العلماء أن يتصور عاما باقيا على عمومه غير قابل للتخصيص1.
وحاول السيوطي أن يستنبط من القرآن مثالا على ذلك فوجده في الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} 2.
إلخ، فالعموم مقصود في جميع المحارم المذكورة. ولم يكن الأمر محوجا إلى هذا الجهد وذلك العناء، فالعام الباقي على عمومه موجود في القرآن، ولكنه قليل بالنسبة إلى العام المراد به الخصوص، ومن أمثلة الباقي على عمومه قطعا هذه السنن الإلهية التي لا تحتمل التخصيص ولا التبديل في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ} 3 وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 4، وقوله:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} 5.
ومن المحقق أن العام غالبا تصحبه قرينة تمنع بقاءه على عمومه، نحو {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} 6، فلا يراد من أهل المدينة والأعراب إلا القادرون على الجهاد، أما العجزة فلا يشملهم التعبير، لأن العقل يقضي بخروجهم، ومثل ذلك قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 7 فلا يراد بالناس إلا المكلفون، أما الصبية والمجانين فالعقل يقضي كذلك بخروجهم، ومن العام الذي يراد به الخصوص ما يكون فيه الانقال من العموم لغرض بلاغي يزيد التعبير جمالا، والفكرة
1 قال القاضي جلال الدين البلقيني: "ومثاله -أي: العام الباقي على عمومه- عزيز: إذ ما من عام إلا ويتخيل فيه التخصيص، فقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} قد يخص منه غير المكلف، و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} خص منه حالة الاضطرار، وخص منه السمك والجراد {وَحَرَّمَ الرِّبا} خص منه العرايا "الإتقان 1/ 26".
2 سورة النساء 22.
3 سورة الأنبياء 30.
4 سورة الأنعام 38.
5 سورة يونس 49.
6 سورة التوبة 121.
7 سورة آل عمران 97.
وضوحا، كقوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 1 فالمقصود بالناس هنا إنسان واحد هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع ولم يفرد لأنه المثل الأعلى للإنسانية.
وإذا خاطب الله نبيه بمثل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} 2 فخطابه لا يعم الأمة بطريق الدلالة الوضعية، ولكنه يعمها بدليل آخر، هو وجوب الاقتداء به صلوات الله عليه، إلا إذا قام على أن الحكم خاص به.
والمدح والذم لا يخرجان العام عن عمومه، مثال ذلك {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم} 3، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} 4.
ب- أما خاص القرآن فهو اللفظ الموضوع للدلالة على فرد واحد مثل محمد، أو واحد بالنوع مثل رجل، أو على أفراد محصورة الكم والعدد: كاثنين وعشرة وألف، وقوم وأمة وطائفة وفريق5.
واللفظ القرآني الخاص قد يكون مطلقا أو مقيدا، وأمرا أو نهيا.
فالخاص المقيد كلفظ "مسفوحا" في قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} 6 فإن هذا اللفظ قيد لفظ "الدم" المطلق في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 7
…
فقد حمل هنا الخاص المطلق على الخاص المقيد8.
وصيغة الأمر إذا وردت في لفظ قرآني خاص تفيد الإيجاب والإلزام9،
1 سورة النساء 53.
2 سورة الأحزاب 1.
3 سورة التوبة 35.
4 سورة الكهف 108.
5 خلاف، علم أصول الفقه، ص 224.
6 سورة الأنعام 145.
7 سورة المائدة 4.
8 انظر خلاف، علم أصول الفقه ص226.
9 خلاف، علم أصول الفقه، ص228.
نحو {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 1 لكنها قد تصرف إلى معنى آخر بقرينة، كالإباحة في قوله:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} 2 والإشعار بالعجز {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} 3 والتهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} 4 وتكرير طلب الشيء {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 5 أي: كلما شهد أحدكم الشهر وجب عليه الصيام.
وصيغة النهي إذا وردت في لفظ قرآني خاص تفيد التحريم على وجه الإلزام6، نحو {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 7، وقد تصرف إلى معنى آخر بقرينة، كالدعاء {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} 8 أو الكراهة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 9.
والحكم الذي يفيده الخاص بدلالته الحقيقية الوضعية حكم قطعي لا سبيل إلى الظن فيه، فإذا قال تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} 10 فالحكم إطعام هؤلاء العشرة، بحيث لا يزاد عليهم ولا ينقص منهم، وذلك لأن الخاص الحقيقي لا يتصور فيه إلا الخصوص، بعكس العام فإنه يتصور فيه دائما ما يخصصه وقلما يبقى على عمومه.
1 سورة المائدة 41.
2 سورة الأعراف 30.
3 سورة البقرة 23.
4 سورة السجدة 40.
5 سورة البقرة 185.
6 خلاف، علم أصول الفقه، ص 230.
7 سورة البقرة 188.
8 سورة آل عمران 8.
9 سورة المائدة 104.
10 سورة المائدة 92.