الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
أهمية الموضوع، وأسباب الكتابة فيه:
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا إليه صراطًا مستقيمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، لم يزل عليًا قديرًا، قويًا عزيزًا، إلهًا حكيمًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلي الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى أمر عباده المؤمنين بجملة من العبادات العظيمة، والأركان الجليلة لهذا الدين؛ صلاة، وزكاة وصيامًا، وحجًا، وغيرها، وجعل لها أجلاً مضروبًا، وموعدًا محدودًا، بيَّنه سبحانه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم أتم البيان وأوضحه.
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أي مؤقتًا بوقت محدد مبين (1).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم (2/ 404).
بل نص أهل العلم على أن من شروط صحة الصلاة: دخول الوقت، فلا يجوز أداء الصلاة قبل وقتها المحدد لها شرعًا، كما لا يجوز بعد خروج وقتها، وهذه المسألة مما اتفق عليه الفقهاء في الجملة سلفًا وخلفًا، استنادًا إلى الحديث الشريف الذي سبق، في تحديد مواقيت الصلاة، وغيره من الأدلة المعروفة في هذا الخصوص.
قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع المسلمون على أن
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (244) كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس (178)(614).
الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محددة، وقد ورد ذلك في أحاديث صحاح جياد (1).
ونص الفقهاء، رحمهم الله، على أن المكلف إذا شك في دخول وقت الصلاة، لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك (2).
قال العلامة ابن قدامة رحمه الله: "ومن صلى قبل الوقت لم تجزئه صلاته، في قول أكثر أهل العلم؛ سواء فعله عمدًا أو خطأ، كل الصلاة أو بعضها. وبه قال الزهري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي .. وعن مالك كقولنا، وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلاً أو ناسيًا، يعيد ما كان في الوقت، فإن ذهب الوقت قبل علمه، أو ذكره فلا شيء عليه، ولنا أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها، وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبرئ الذمة منه، فيبقى على حاله (3).
هذا في الصلاة:
وأما في الصيام؛ فقد قال الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ} [البقرة: 187] فحدد الله تبارك وتعالى بهذه
(1) المغني (2/ 8) وانظر: البيان (2/ 20، 22).
(2)
انظر: البيان (2/ 20، 34، 36) المغني (2/ 30).
(3)
المغني (2/ 45، 46).
الآية الكريمة وقت الصيام اليومي للمسلم تحديدًا واضحًا بينًا.
وفي الحج: حج المصطفى صلى الله عليه وسلم حجته المشهورة (حجة الوداع) وأدى مناسك الحج في أوقات محددة وكان صلى الله عليه وسلم يتحيَّن في بعض الأحكام، حتى يحين وقتها، فيفعلها؛ كالدفع من عرفة، ورمي الجمار بعد الزوال أيام منى، وغيرها، مما أوضحه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي نقلها ورواها في الصحيح (1).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة الذين حجوا معه بين الحين والآخر: «خذوا عني مناسككم» (2).
وهذا كله يدل على أهمية الوقت في الإسلام، وأن لله تعالى عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأن العبادات، في الغالب، مؤقتة بأجل محدود، لا يجوز تأخيرها عنه، ولا تقديمها عليه إلا لعذر وضرورة، كما بين أهل العلم، رحمهم الله.
وقد رسم الشرع الحنيف التوقيت وحدده في تكاليف كثيرة، غير الصلاة والصيام والحج، لا سيما في أبواب
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (483، 485) كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (483) كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).
العبادات؛ فوقت في كثير من أحكام الزكاة عمومًا، وزكاة الفطر خصوصًا، والأضحية والتيمم، والمسح على الخفين، والطلاق، والعدد، ونحو ذلك، وما ذاك إلا لأهمية الوقت في نظر الشارع واعتباره.
هذا، وإن من المسائل المهمة في المواقيت مسألة طلوع الفجر الثاني الصادق؛ حيث رتب الشارع عليها جملة من الأحكام الشرعية المتعلقة بأركان الإسلام العظيمة، ودعائمه الأساسية التي قام عليها؛ في الصلوات المفروضة والنافلة، وفي الصيام، وفي الحج؛ بحيث يبدأ وقت بعض هذه الأحكام أو ينتهي بطلوعه.
ونظرًا لأن الفجر فجران؛ صادق وكاذب، والتفريق بينهما من المسائل الدقيقة، ونظرًا لكثرة المسائل الفقهية المتعلقة بطلوعه وأهميتها؛ حيث إنها من العبادات الشرعية التي تعبدنا الله تعالى بها، ونظرًا لأنه لا يوجد حسب علمي وبحثي واطلاعي بحث علمي يفرق بين الفجرين، ويجمع شتات هذه المسائل المؤقتة بطلوع الفجر الثاني، ويحرر أحكامها، ويؤصل مسائلها، ولأهمية هذا الموضوع لكل مسلم، باعتباره جزءًا عظيمًا من عبادته لربه، لا يستغني عن معرفته وضبطه - رغبت في بحث المسائل والأحكام الفقهية التي رتبها الشارع الحكيم على طلوع الفجر الثاني (الصادق)، جمعت