الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يظهر، والله تعالى أعلم: أن كلا الرأيين؛ رأي الحنابلة، ورأي الجمهور: له حظ من النظر (1):
لأن النهار في حديث عروة اسم من انفجار الصبح إلى غروب الشمس وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم أن من كان وقف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم العيد، ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وهذا يشمل ما بعد الفجر من يوم عرفة قطعًا، وقوله صلى الله عليه وسلم أبلغ في الدلالة من فعله. وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقف إلا بعد الزوال؛ لا يدل على أن ما قبله ليس وقتًا للوقوف وإنما فعل صلى الله عليه وسلم الأفضل. على أن الأحوط عدم الاقتصار على أول النهار (2).
أما تشدد المالكية: رحمهم الله، في تخصيص الإجزاء بجزء من الليل: فإنه ضعيف لا يثبت له دليل، ثم هو مردود بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله.
المسألة الثانية: انتهاء وقت الوقوف بعرفة، وفوات الحج على من لم يكن وقف بها في وقت الوقوف الشرعي:
أجمع أهل العلم على أن وقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع الفجر من يوم النحر؛ فمن طلع عليه الفجر يوم النحر
(1) انظر: أضواء البيان (5/ 260) الشرح الممتع (7/ 331).
(2)
انظر: أضواء البيان (5/ 260) الشرح الممتع (7/ 331).
وهو لم يقف بعرفة بليل أو نهار فقد فاته الحج (1).
ومما يدل على هذا:
1 -
حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله تعالى عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم:«أمر مناديًا، فنادى: الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج» (2).
2 -
حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى هذه الصلاة معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تفثه» (3).
3 -
قول جابر رضي الله عنه: «لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر ليلة جمع» قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: «نعم» (4).
فمن لم يقف بعرفة قبل طلوع الفجر يوم النحر، أو لم
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 520، 556) أضواء البيان (5/ 254) المبسوط (4/ 55) المسالك في المناسك (1/ 513)؛ عقد الجواهر الثمينة (1/ 405) بداية المجتهد (2/ 273، 274) البيان (4/ 317) المغني (5/ 274 - 276).
(2)
انظر تخريجه فيما سبق من هذا البحث.
(3)
انظر تخريجه فيما سبق من هذا البحث.
(4)
عزاه ابن قدامة في المغني (5/ 274) للاثرم بإسناده، وروى نحوه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 174) كتاب الحج، باب إدراك الحج بإدراك عرفة، عن جابر، وعن عطاء، وصحح إسناده الألباني في الإرواء (4/ 258)(1065).
يصل إليها إلا بعد طلوعه، فقد فاته الحج، وعليه أن يتحلل من حجه بطواف وسعي وحلاق (1).
قال الإمام الترمذي رحمه الله: "والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم؛ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر، فقد فاته الحج، ولا يجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل؛ وهو قول الثوري والشافعي، وأحمد وإسحاق .. وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا أنه ذكر هذا الحديث، فقال: هذا الحديث أم المناسك (2).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: إن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافًا .. ثم ساق قول جابر المتقدم ثم قال: ومن فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق، هذا الصحيح من المذهب؛ وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير، ومروان بن الحكم، وهو قول مالك، والثوري، والشافعي،
(1) انظر: بدائع الصنائع (2/ 220) المسالك في المناسك (2/ 933) وما بعدها التاج والإكليل (3/ 200) البيان (4/ 380) المجموع (8/ 220) وما بعدها المغني (5/ 426، 427) الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 442) وما بعدها.
(2)
الجامع الصحيح (3/ 238).