الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة: تبييت النية لصيام الفرض قبل طلوع الفجر:
لا يصح الصوم بإجماع أهل العلم إلا بنية؛ فرضًا كان أو تطوعًا؛ لأنه عبادة محضة، فافتقر إلى النية؛ كالصلاة؛ وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (1).
حكى الإجماع على ذلك العمراني، وابن قدامة، وغيرهما (2).
فإن كان الصوم فرضًا، كصيام رمضان، في أدائه وقضائه، والنذر والكفارة اشترط أن ينويه قبل طلوع الفجر الثاني، عند المالكية والشافعية، والحنابلة (3).
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
1 -
ما روته حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» (4).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (7) كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي (1) ومسلم في صحيحه (792) كتاب الإمارة (1907).
(2)
انظر: البيان (3/ 488) المغني (4/ 333).
(3)
انظر: عقد الجواهر الثمينة (1/ 356، 357) البيان (3/ 489) المجموع (6/ 302) المغني (4/ 333).
(4)
أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح (3/ 108) كتاب الصوم، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل، (730) والنسائي في سننه الصغرى (4/ 146) كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، (2331) وأبو داود في سننه (355) كتاب الصيام، باب النية في الصيام (2454) والدارقطني في سننه (3/ 130) كتاب الصيام، باب النية في الصيام (2216) وقال:"رفعه عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، وهو من الثقات الرفعاء".
وصححه الألباني في الإرواء (4/ 25)(914).
2 -
ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» (1).
3 -
ولأنه صوم فرض، فافتقر إلى النية من الليل كالقضاء (2).
وذهب الحنفية: إلى أن وقت النية لصيام الفرض لا ينتهي بطلوع الفجر الثاني، بل يجزئ صيام رمضان، وكل صوم متعين بنية من النهار (3).
واستدلوا على ذلك بأدلة، منها:
1 -
ما رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم؛ أن أذن في الناس: أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء (4).
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 128) كتاب الصيام، باب النية في الصيام (2213) وقال: "تفرد به عبد الله بن عباد عن المفضل بهذا الإسناد وكلهم ثقات اهـ.
(2)
انظر: المغني (4/ 334).
(3)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (2/ 377).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (481) كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، (2007) ومسلم في صحيحه (439) كتاب الصيام باب من أكل في عاشوراء، فليكف بقية يومه (1135).
وقد كان صوم عاشوراء واجبًا متعينًا فدل ذلك على أنه يجوز أن تتأخر نية الصيام عن الفجر (1).
2 -
قياسًا على التطوع؛ لأنه غير ثابت في الذمة (2).
والذي يظهر والله تعالى أعلم، القول الأول؛ أنه يشترط أن ينوي صيام الفرض قبل طلوع الفجر الثاني؛ لما يلي:
1 -
قوة أدلة هذا القول، وصراحتها؛ فهي نص من المسألة.
2 -
أن صيام عاشوراء لم يثبت وجوبه؛ بدليل ما ثبت في الصحيحين (3)، من حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر» .
وإنما سمي النبي صلى الله عليه وسلم الإمساك صيامًا تجوزًا، في حديث سلمة بن الأكوع؛ وإلا فإمساك بقية اليوم بعد الأكل ليس بصيام شرعي.
(1) انظر: المغني (4/ 333).
(2)
انظر: المغني (4/ 333، 334).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (480) كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (2003) ومسلم في صحيحه (438) كتاب الصيام باب صوم يوم عاشوراء (1129).
3 -
أن صيام التطوع يختلف عن صيام الفرض من وجهين:
الأول: أن التطوع يمكن الإتيان به في بعض النهار، بشرط عدم المفطرات في أوله؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عاشوراء:«فليصم بقية يومه» (1) فإذا نوى صوم التطوع من النهار كان صائمًا بقية النهار، دون أوله بخلاف الفرض؛ فإن الصوم يجب في جميع النهار، ولا يكون صائمًا بغير النية.
الثاني: أن التطوع سومح في نيته من الليل تكثيرًا له، فإنه قد يبدو له الصوم في النهار، فاشتراط النية من الليل يمنع ذلك، فسامح الشرع فيها، كمسامحته في ترك القيام من صلاة التطوع، وترك الاستقبال في النفل في السفر تكثيرًا له، وترغيبًا فيه بخلاف الفرض (2).
وأما إذا كان الصيام تطوعًا: فقد ذهب جمهور أهل العلم؛ الحنفية والشافعية والحنابلة، على صحة نيته بعد طلوع الفجر، من النهار، ما لم يكن أتى قبل ذلك بمفطر من المفطرات (3).
(1) انظر: تخريجه فيما سبق من هذا البحث.
(2)
انظر: المغني (4/ 335) بتصرف يسير.
(3)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (2/ 377، 378) البيان (3/ 495) المجموع (6/ 305، 306) المغني (4/ 340).
واستدلوا على هذا بأدلة منها:
1 -
ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟» فقلنا: لا! قال: «فإني إذن صائم» (1).
2 -
حديث عاشوراء المتقدم؛ حيث جوز النبي صلى الله عليه وسلم صيامه بنية من النهار (2).
3 -
قياسًا على التطوع بالصلاة؛ فإن نقلها يخفف عن فرضها في أحكام كثيرة؛ منها جواز ترك القيام، وجواز الصلاة في السفر على الراحلة إلى غير القبلة، وغير ذلك من الأحكام المخففة (3).
وخالف المالكية، وبعض الشافعية الجمهور في هذا؛ فقالوا: لا يجوز صوم التطوع إلا بنية من الليل قبل طلوع الفجر (4)، واستدلوا على هذا بأدلة منها:
1 -
عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له» (5).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (445) كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال (170)(1154).
(2)
انظر تخريجه فيما سبق من البحث.
(3)
انظر: المغني (4/ 341).
(4)
انظر: عقد الجواهر الثمينة (1/ 356، 357) البيان (3/ 495) المجموع (6/ 306).
(5)
انظر تخريجه فيما سبق من هذا البحث.