الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن أتى بشيء من المفطرات بعد طلوع الفجر، عامدًا متعمداً عالمًا بالتحريم، غير مكره ولا معذور شرعًا وهو ممن يلزمهم الصيام، بطل صومه، ووجب عليه القضاء والكفارة، إن كان جماعًا بلا خلاف بين أهل العلم في الجملة، إنما الخلاف بينهم فيما يفطر الصائم، وما لا يفطره (1).
المسألة الثانية: الشك في طلوع الفجر للصائم:
المستحب لمن شك: هل طلع الفجر، أم لا؟ ألا يأتي بشيء من المفطرات لئلا يغرر بصومه، فإن أتى بشيء منها، شاكًا في طلوع الفجر، ولم يتبين الأمر، فله ذلك حتى يتيقن طلوع الفجر، وصومه صحيح، ولا قضاء عليه؛ في قول أكثر أهل العلم؛ وهو مذهب الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة (2).
لأن الله تعالى قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
(1) وقد اتفقوا على أنه يفطر بالأكل والشرب والجماع، واختلفوا فيما عد ذلك مما ليس هذا موضع بسطه وتفصيله:
انظر: رد المحتار على الدر المختار (2/ 394) وما بعدها عقد الجواهر الثمينة (1/ 358) وما بعده البيان (3/ 501) وما بعدها المغني (4/ 349) وما بعدها.
(2)
انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين (2/ 354) بدائع الصنائع (2/ 105) رد المحتار على الدر المختار (2/ 401، 405، 406) عقد الجواهر الثمينة (1/ 359) البيان (3/ 500) المغني (4/ 390).
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فمد الأكل إلى غاية التبين، وقد يكون شاكًا قبل التبين، فلو لزمه القضاء لحرم عليه الأكل (1).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (2) وكان رجلا أعمى، لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت (3).
ولأن الأصل بقاء الليل، فيكون زمان الشك منه، ما لم يعلم يقين زواله، بخلاف غروب الشمس، فإن الأصل بقاء النهار فبني عليه (4).
وخالف المالكية الجمهور في المشهور؛ فقالوا: من أتى بشيء من المفطرات شاكًا في طلوع الفجر، وجب عليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء الصوم في ذمته، فلا يسقط بالشك؛ ولأنه إذا أكل فعل ذلك شاكًا في النهار والليل، فلزمه القضاء كما لو فعل شاكًا في غروب الشمس (5).
ورأي الجمهور أقرب وأظهر والله تعالى أعلم لموافقته للقرآن والسنة، ولأن الأصل بقاء الليل، والشك لا
(1) المغني (4/ 391).
(2)
انظر: تخريجه والحكم عليه فيما سبق من هذا البحث.
(3)
انظر: المغني (4/ 391).
(4)
انظر: البيان (3/ 500) المغني (4/ 391).
(5)
انظر: عقد الجواهر الثمينة (1/ 359) الخرشي على مختصر خليل (3/ 36) البيان (3/ 500) المغني (4/ 390، 391).
يرفع اليقين، ولأنه قد أذن له بذلك حتى يتبين له الفجر، وما كان مأذونًا فيه، فإنه لا يُرَتَّب عليه مؤاخذة ولا إثم (1).
وقد كان عدي بن حاتم رضي الله عنه يضع عقالين تحت وسادته؛ أحدهما أبيض، والآخر أسود؛ فيأكل وهو يتسحر حتى يتبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، ثم يمسك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وبين له النبي صلى الله عليه وسلم المراد في الآية ولم يأمره بالقضاء (2).
بل إن الشارع الحكيم قد أذن لمن طلع عليه الفجر وأذن المؤذن وفي يده الإناء يشرب منه أن يقضي نهمته منه، فالشك من باب أولى أن يتسامح فيه (3).
فقد روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» وفي لفظ: «وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر» (4).
(1) انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين (2/ 355).
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (3/ 209) تفسير سورة البقرة لابن عثيمين (2/ 356) وانظر تخريج الحديث فيما سبق من هذا البحث.
(3)
انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين (2/ 361، 363).
(4)
أخرجه أحمد في المسند (20/ 164) باقي مسند المكثرين، (10637) وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
وأبو داود في سننه (342) كتاب الصيام باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده (2350) والحاكم في كتاب الصوم (1552) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، المستدرك ومعه التلخيص (1/ 588).
وصححه الألباني وذكر طرقه وشواهده في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 381 - 384)(1394).