الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«تنحوا عن هذا المكان» قال: ثم أمر بلالاً فأذن ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح (1).
المسألة الخامسة: ابتداء أول أوقات النهي عن التطوع بالصلاة
(2):
اتفق أهل العلم على النهي عن التطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الثاني، إلى طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح،
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (268) من حديث أبي هريرة، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، (310)(680) وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود في سننه (75، 76) كتاب الصلاة، باب فيمن نام عن الصلاة أو نسيها، (444).
وقال الألباني عن رواية أبي داود: "صحيح" صحيح سنن أبي داود (1/ 129)(435).
(2)
أوقات النهي عن نوافل الصلاة عند أهل العلم مختلف في عددها، والذي عليه جمهور أهل العلم ودل عليه الدليل: أنها خمسة أوقات: من الفجر إلى طلوع الشمس وقت، ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت، وحال قيامها للظهيرة وقت، ومن العصر إلى شروع الشمس وقت، ومن حين تتضيف الشمس للغروب إلى أن تغرب وقت.
انظر المسألة بأدلتها في شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 431) المبسوط (1/ 151 - 153) رد المحتار على الدر المختار (1/ 375 - 377) بداية المجتهد (1/ 249) البيان (2/ 351) المغني (2/ 523).
ولم يستثن أهل العلم من ذلك النهي إلا قضاء الفوائت من الفرائض وبعض النوافل، وذوات الأسباب؛ كتحية المسجد، وركعتي الطواف (1).
واستدل أهل العلم: على النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر الثاني، إلا ما استثنى بأدلة منها:
ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب» (2).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» (3).
(1) انظر: المبسوط (1/ 151) تبيين الحقائق (1/ 87) عقد الجواهر الثمينة (1/ 112) بداية المجتهد (1/ 249) البيان (2/ 351 - 353 - 357) المغني (2/ 523 - 525 - 527) الشرح الممتع (4/ 157).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (148، 149) كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (581) ومسلم في صحيحه (321) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (286)(826).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (149) كتاب مواقيت الصلاة، باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس (586) ومسلم في صحيحه (322) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، (288)(827).
فدل هذان الحديثان وما في معناهما على النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس (1).
واستدل أهل العلم: على استثناء ذوات الأسباب، وقضاء الفرائض من هذا النهي بأدلة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها؛ فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (3).
فهذان نصان في المسألة، يدلان على جواز أداء الفرائض في آخر وقتها لمن فاته أوله، وقضائها في أوقات النهي (4).
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة
(1) انظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري (2/ 206) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 431) المغني (2/ 513، 514).
(2)
انظر تخريجه فيما سبق من هذا البحث.
(3)
انظر تخريجه فيما سبق من هذا البحث.
(4)
انظر: ابن بطال شرح صحيح البخاري (2/ 212) المبسوط (1/ 153) تبيين الحقائق (1/ 87) عقد الجواهر الثمينة (1/ 112) البيان (2/ 351، 352)(359 - 360) المغني (2/ 516).
شاء من ليل أو نهار» (1).
وتقول عائشة رضي الله عنها: «ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين» (2).
وهاتان الركعتان اللتان كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر هما سنة الظهر، كما جاء في بعض الروايات، وهذا يدل على أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي، وإنما يكره ما لا سبب لها؛ كما ذكر النووي وغيره (3).
وعن أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» (4).
(1) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح (3/ 220) كتاب الحج باب ما جاء في الصلاة بعد العصر، وبعد الصبح لمن يطوف (868) والنسائي في السنن الصغرى (2/ 202) كتاب المواقيت باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة (585) وابن ماجة في السنن (177) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت (1254).
وصححه الألباني في الإرواء (2/ 238، 239)(481).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (150) كتاب مواقيت الصلاة، باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها (593) ومسلم في صحيحه (324) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر (835).
(3)
انظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري (2/ 210 - 212) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 431، 439، 440).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (120) كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين (444) ومسلم في صحيحه (282) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات (714).
فدلت هذه الأدلة على جواز صلاة ذوات الأسباب في هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ كركعتي الطواف، وركعتي الوضوء، وتحية المسجد، وغيرها من ذوات الأسباب (1).
(1) وقد خالف في هذا: الحنفية، والمالكية؛ فقالوا: لا تصلي ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ استدلالا بعموم أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات.
والصحيح الذي يدل عليه الدليل إن شاء الله، جواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وأن النهي مقصور على إنشاء نافلة لا سبب لها إلا التطوع المطلق وأما ما كان له سبب؛ من طواف، أو دخول مسجد، أو قضاء سنة فائتة، فيجوز فعله في هذه الأوقات؛ جمعًا بين الأدلة.
انظر: الجامع الصحيح (3/ 220) ابن بطال شرح صحيح البخاري (2/ 210 - 212) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 431) المبسوط (1/ 151 - 153) تبيين الحقائق (1/ 87) عقد الجواهر الثمينة (1/ 112) بداية المجتهد (1/ 253) البيان (2/ 351 - 357)(2/ 359 - 360) المغني (2/ 517، 518) مجموع الفتاوى (23/ 210، 211).
ومسألة ما يستثنى من أوقات النهي من الصلاة: لأهل العلم، رحمهم الله فيها تفصيلات كثيرة، وتفريعات دقيقة، أتيت منها مختصرًا على ما يتعلق بطلوع الفجر، والنهي بعده، وأشهر ما يستثنى من النهي في هذا الوقت على وجه الخصوص. وبقية التفريعات والتفصيلات يطول بها البحث ثم إنها تتعلق بأوقات النهي الأخرى، وهذا خارج محل البحث، وانظر هذه التفصيلات في المسألة بتفريعاتها وأدلتها في: ابن بطال، شرح صحيح البخاري (2/ 202 - 212) المبسوط (151 - 153) بداية المجتهد (1/ 249 - 255) البيان (2/ 351 - 360) المغني (2/ 513 - 237) مجموع الفتاوى (23/ 210 - 211).
قال ابن قدامة رحمه الله: "مسألة (ويركع للطواف) يعني في أوقات النهي، وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين: ابن عمر، وابن الزبير وعطاء، وطاوس وفعله ابن عباس والحسن والحسين، ومجاهد، والقاسم بن محمد وفعله عروة بعد الصبح، وهذا مذهب عطاء والشافعي، وأبي ثور (1).
وأما صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تميل للغروب: فلا خلاف بين أهل العلم في جوازها؛ حكي الإجماع على ذلك ابن المنذر والنووي، وابن قدامة وغيرهم (2).
وهل النهي عن التنفل بالصلاة بعد طلوع الفجر الثاني يتعلق بطلوع الفجر أم يتعلق بالفراغ من صلاة الفجر؛ قولان لأهل العلم.
القول الأول: إن النهي متعلق بطلوع الفجر الثاني، وبناء على ذلك فلا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتي سنة الفجر.
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم؛ الحنفية، والمالكية، والشافعية في وجه، والحنابلة في المشهور من مذهبهم (3).
(1) المغني (2/ 517).
(2)
انظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري (2/ 206) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 434) المغني (2/ 518).
(3)
انظر: تبيين الحقائق (1/ 87) رد المحتار على الدر المختار (1/ 375، 376) الشرح الصغير (1/ 342 - 344) البيان (2/ 357) نهاية المحتاج (1/ 484) المغني (2/ 525، 526) الشرح الممتع (4/ 157).
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
1 -
ما روى يسار مولى ابن عمر رضي الله عنه قال: رآني ابن عمر، وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال:«ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين» (1).
وفي لفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتين» (2).
قال الإمام الترمذي رحمه الله: "ومعنى هذا الحديث إنما
(1) أخرجه أبو داود في سننه (191) كتاب التطوع باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة (1278) وابن ماجة في سننه (36) مختصرًا في المقدمة (235) وأحمد في المسند (10/ 72) مسند المكثرين من الصحابة (5811) وصححه بمجموع طرقه وشواهده محققو المسند. والدارقطني في سننه (2/ 290) كتاب الصلاة، باب لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين (1549 - 1550).
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 351)(1278).
(2)
أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح (2/ 278 - 279) كتاب الصلاة وصححه أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي. وأخرجه الدارقطني في سننه (1/ 461) كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، (965) وأحمد في المسند (8/ 376) مسند المكثرين من الصحابة (4756) وصححه بمجموع طرقه وشواهده محققو المسند، وصححه الألباني في الإرواء (2/ 232)(478).
يقول: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر .. وهو ما اجتمع عليه أهل العلم؛ كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر (1).
2 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» (2).
قال ابن قدامة رحمه الله: "وهذا يبين مراد النبي صلى الله عليه وسلم من اللفظ المجمل، ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة بالنهي، فإنه دليل خطاب، وهذا منطوق فيكون أولى"(3).
فهذه الأدلة نص في المسألة، تبين أن النهي متعلق بطلوع الفجر الثاني، ولم يستثن من هذا النهي إلا ركعتي الفجر؛ لأن هذا هو وقتها.
واعترض على الاستدلال بهذين الحديثين من وجهين:
الوجه الأول: أنهما ضعيفان سندًا (4).
(1) الجامع الصحيح (2/ 279 - 280).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط؛ كما ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 218) والألباني في الإرواء (2/ 232)(478) وصححه الألباني في الإرواء؛ وفي صحيح الجامع الصغير (1/ 178)(678).
(3)
المغني (2/ 526).
(4)
انظر: مجمع الزوائد (2/ 218) المحلى (3/ 53، 54) الإرواء (2/ 232)(478) الشرح الممتع (4/ 158، 161).
والوجه الثاني: أنه على فرض صحته فهو محمول على نفي المشروعية؛ أي: لا يشرع للإنسان أن يتطوع بنافلة بعد الفجر، إلا ركعتي الفجر، فإن فعل لم يأثم (1).
ويجاب عن هذين الوجهين بما يلي:
أولاً: أما ضعف الحديث؛ فإنه مردود بأن الحديث صحيح ثابت عن أبي هريرة، وابن عمر، وابن عمرو، رضي الله عن الصحابة أجمعين، وقد بين العلامتان: أحمد شاكر، والألباني، رحمة الله عليهما، طرقه ورواياته، ورواته ومتابعاته بما لا مزيد عليه (2).
وثانيًا: عدم التسليم بحمل الحديث على نفي المشروعية؛ بل هو نفي للصحة والوجود؛ لأن لا نافية، والأصل في النفي نفي الوجود، ثم نفي الصحة، ثم نفي الكمال؛ لأن ما لا يصح شرعًا يكون معدوم الوجود شرعًا (3).
3 -
ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد طلوع الفجر إلا سنة الفجر؛ فكان إذا أذن بلال رضي الله عنه للفجر، صلى ركعتين خفيفتين (4).
(1) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 161).
(2)
انظر: تعليق أحمد شاكر على مسند الإمام أحمد بن حنبل (8/ 141 - 147)(5811) وتعليقه على المحلى (3/ 53، 54) وتعليق الألباني (478) الإرواء (232 - 236).
(3)
انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 158، 159).
(4)
انظر: تخريج الحديث بذلك فيما سبق من هذا البحث.
القول الثاني: إن النهي متعلق بفعل الصلاة (صلاة الصبح) فمن لم يصل أبيح له التنفل وإن صلى غيره، ومن صلى الفجر فليس له التنفل وإن لم يصل أحد سواه، فإذا فرغ من صلاة الصبح، ابتدأ وقت النهي في حقه.
وإلى هذا القول ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة في إحدى الروايتين (1).
واستدلوا على ذلك بأدلة؛ منها:
1 -
ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» (2).
2 -
ما رواه عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» (3).
(1) انظر: الشرح الصغير (1/ 342، 344) البيان (2/ 357، 359) نهاية المحتاج (1/ 484) المغني (2/ 525، 526) الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 160).
(2)
الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما، وسبق تخريجه، وهذا لفظ مسلم (827).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (323، 324) كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب إسلام عمرو بن عبسة (832).
حيث نص النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين على تعليق النهي بنفس الصلاة (1).
وأجيب عن الاستدلال بهذين الحديثين من وجهين:
الوجه الأول: أن النهي عن الصلاة في هذين الحديثين جاء مجملاً وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد من هذا المجمل بقوله: «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» (2).
فهذا منطوق في المسألة، وهو أولى من دليل الخطاب (3).
والوجه الثاني: أن حديث عمرو بن عبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة فيه؛ فقد رواه ابن ماجة بلفظ: «فصل ما بدا لك حتى يطلع الصبح، ثم انته، حتى تطلع الشمس» (4) وهذا يؤيد تعلق النهي بطلوع الفجر؛ وهو القول الأول.
3 -
ولأن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في العصر علق على الصلاة دون وقتها، باتفاق أهل العلم، كما حكى ابن قدامة،
(1) انظر: البيان (2/ 357) المغني (2/ 525، 526) الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 160).
(2)
انظر: تخريجه والحكم عليه فيما سبق من هذا البحث.
(3)
انظر: المغني (2/ 525).
(4)
السنن (176، 177) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الساعات التي تكره فيها الصلاة (1251).
وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 373، 374)(1041).
فكذلك الفجر، ولأنه وقت نهي بعد صلاة فيتعلق بفعلها، كبعد العصر (1).
ويجاب عن هذا: بأنه قياس مع الفارق، والفرق: أن الفجر جاءت فيه نصوص خاصة، تنهي عن الصلاة بعد طلوعه، إلا ركعتي سنة الفجر، كما في أدلة القول الأول بخلاف العصر، فإن غاية ما ورد فيه النهي عن الصلاة بعده حتى تغرب الشمس وهذا يجعل تعلق النهي بصلاة العصر نفسها.
والذي يظهر لي: والله تعالى أعلم: أن القول الأول أرجح؛ وهو أن النهي عن التنفل متعلق بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا يشرع للإنسان أن يصلي إلا ركعتي سنة الفجر، وذوات الأسباب، وقضاء الفوائت، لما يلي:
أولا: صحة أدلته، وصراحتها في المسألة.
ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشهور بكثرة نوافله وقيامه لليل، لم يكن يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، وكان يصليهما خفيفتين فسنة النبي صلى الله عليه وسلم عدم التطوع بعد طلوع الفجر، والسنة أولى وألزم.
وقد ثبت عن إمام التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله: "إنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها
(1) انظر: المغني (2/ 525، 526).