الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
أحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني
يتوقف على طلوع الفجر الثاني جملة من أحكام الصيام، نبينها في المسائل التالية.
المسألة الأولى: أول وقت وجوب الإمساك الشرعي للصائم عن المفطرات:
اتفق أهل العلم على أنه يجب الإمساك بنية التعبد لله تعالى عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات الحسية والمعنوية، من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، على كل من كان من أهل الصيام الشرعي، وهو المسلم المكلف البالغ العاقل القادر المقيم، الخالي من الموانع الشرعية (1).
قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ} [البقرة: 187].
قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
(1) انظر: رد المحتار على الدر المختار (2/ 371) وما بعدها عقد الجواهر الثمينة (1/ 357) وما بعدها بداية المجتهد (2/ 149، 150) البيان (2/ 34)(497) المغني (4/ 325).
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال:«إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار» (1).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة .. وكان سبب نزول هذه الآية: ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري، كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك! فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ففرحوا بها فرحًا شديدًا
(1) انظر تخريجه فيما سبق من هذا البحث.
ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (1)(2).
فأباح الله تعالى الأكل والشرب، مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله:{مِنَ الْفَجْرِ} (3).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "يعني بياض النهار من سواد الليل، وهذا يحصل بطلوع الفجر، قال ابن عبد البر، في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (4).
دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده، فشذ ولم يعرج أحد على قوله، والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا قول جماعة علماء المسلمين (5).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (461) في تفسير الآية من كتاب الصوم (1915).
(2)
تفسير القرآن العظيم (1/ 514).
(3)
انظر: تفسير القرآن العظيم (1/ 516).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (158) كتاب الأذان باب الأذان قبل الفجر (623) ومسلم في صحيحه (423) كتاب الصيام باب بيان أن الدخول في الصيام يحصل بطلوع الفجر (1092).
(5)
المغني (4/ 325)، وانظر كلام ابن عبد البر في التمهيد (4/ 120).