الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (1).
وهذا كالإجماع منهم على جواز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها؛ فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطلب فيه (2).
وأما أفضل أوقات إخراجها: فالمستحب أن يخرجها يوم العيد قبل الصلاة، فإن هذا هو عمل أكثر السلف (3)؛ والنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر: أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة (4).
المسألة الرابعة: بداية وقت ذبح الأضحية:
الأضحية سنة مؤكدة، لا يستحب تركها لمن يقدر عليها. وإلى هذا ذهب الصاحبان من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (368) كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك (1511).
(2)
المغني (4/ 300، 301) بتصرف يسير.
وانظر: البيان (3/ 367، 368).
(3)
انظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري (3/ 569) البيان (3/ 367) المغني (4/ 297، 298).
(4)
انظر: تخريجه فيما سبق.
والتابعين وفقهاء السلف (1).
لما روت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي» (2).
فعلق التضحية على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة، فدل ذلك على أنها سنة وليست بواجبة (3).
وإذا تقرر هذا فقد أجمع أهل العلم على أن السنة في ذبح الأضحية أن تذبح بعد الصلاة مع الإمام فمن فعل ذلك أجزأته وأجمعوا أنها لا جواز قبل طلوع الفجر من يوم النحر (4).
واختلفوا في أول وقت جواز ذبحها على أربعة أقوال:
(1) خلافًا لأبي حنيفة وبعض المالكية وبعض فقهاء السلف، الذين قالوا بوجوبها؛ استدلالا ببعض الأحاديث الضعيفة التي لا تثبت.
انظر الخلاف في المسألة بأدلته في: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 95، 96) بدائع الصنائع (5/ 61) البحر الرائق (8/ 197) المسالك في المناسك (2/ 996) عقد الجواهر الثمينة (1/ 559) بداية المجتهد (2/ 431) البيان (4/ 434، 435) المجموع (8/ 352) المغني (13/ 360، 361) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/ 238).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (818، 819) كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئًا (1977).
(3)
انظر: المغني (4/ 361).
(4)
انظر: الإجماع (24) شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 96).
القول الأول: يبدأ وقت الذبح بعد صلاة الإمام العيد بالبلد، فإن تعددت الصلاة فيه فبأسبق صلاة، فإن فاتت الصلاة بالزوال ذبح بعده، وسواء في هذا أهل الأمصار والقرى والبوادي، وإليه ذهب الشافعية في وجه، والحنابلة، وهو مذهب طائفة من فقهاء السلف؛ منهم الحسن، والأوزاعي وإسحاق (1).
القول الثاني: يبدأ وقت الذبح من بعد طلوع الشمس يوم النحر، ومضي قدر ركعتين وخطبتين، سواء صلى الإمام أو لم يصل، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادي والمسافرين، وإليه ذهب الشافعية وبعض الحنابلة (2).
القول الثالث: يبدأ وقت الذبح في حق أهل الأمصار بعد صلاة الإمام وخطبته، فإن تعددت الصلاة في البلد فبأسبق صلاة فإن فاتت الصلاة بالزوال ذبح بعده. وأما في وقتها في حق أهل القرى والبوادي فيبدأ بطلوع الفجر الثاني من يوم النحر. وإليه ذهب الحنفية (3).
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 96) فتح الباري (10/ 24) المغني (13/ 384، 385) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/ 229).
(2)
انظر: البيان (4/ 435) المغني (13/ 384).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 73) رد المحتار على الدر المختار (6/ 318).
القول الرابع: يبدأ وقت الذبح في حق أهل الأمصار من بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه، فإن ترك الذبح لعذر فمن فعل الصلاة. وأما أهل القرى والبوادي فوقت أهل كل موضع يعتبر بأقرب البلاد إليه. وإليه ذهب بعض الحنفية، والمالكية (1).
استدل أصحاب القول الأول بأدلة؛ منها:
1 -
ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة؛ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» (2).
2 -
وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال:«من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح» (3).
(1) انظر: رد المحتار على الدر المختار (6/ 318) عقد الجواهر الثمينة (1/ 562).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (234) كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد (965) ومسلم في صحيحه (813) كتاب الأضاحي باب وقت الأضحية (7/ 1961).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1415) كتاب الأضاحي باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (5562) ومسلم في صحيحه (812) كتاب الأضاحي باب وقت الأضحية (1960).
فهذه النصوص نص في المسألة وهي تدل على اعتبار نفس صلاة العيد، وتعلق الذبح بها، وأنه لا يجوز الذبح قبل الصلاة وهي عامة في حق أهل الأمصار وغيرهم (1).
واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة، منها:
1 -
ما رواه البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنه، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة؛ فقال: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة؛ فتلك شاة لحم» (2).
والمقصود من هذا: من صلى مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لأن أحدًا لا يصلي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يصلى مثلها (3).
ورد هذا: بأنه حمل للنص على غير ظاهره، بدليل روايات الحديث الأخرى الدالة على تعلق الذبح بالصلاة، مما استدل به أصحاب القول الأول (4).
2 -
ولأن من لا صلاة عليه مخاطب بالتضحية، ولا يدخل وقت التضحية لهم إلا بعد مضي قدر الصلاة، فدل
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 97، 99) فتح الباري (10/ 23، 24) المغني (13/ 385).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (232) كتاب العيدين باب الأكل يوم النحر (955) ومسلم في صحيحه (812) كتاب الأضاحي باب وقت الأضحية (1961).
(3)
انظر البيان (4/ 436).
(4)
انظر: فتح الباري (10/ 24).
على أن المعتبر مضي قدر الصلاة (1).
ورد هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الذبح على فعل الصلاة، وليس على مضي زمن فعلها.
3 -
ولأن التقدير بالزمان أضبط للناس في الأمصار والقرى والبوادي (2).
ورد هذا: بأنه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة التي ترتب الذبح على الصلاة، والاجتهاد مع النص المردود.
4 -
ولأن كل ما كان وقتًا للذبح في حق أهل المصر، كان وقتًا للذبح في حق غيرهم من أهل القرى والبوادي (3).
واستدل أصحاب القول الثالث: بأدلة منها:
1 -
استدلوا على أن وقت الذبح في حق أهل الأمصار يبدأ بعد صلاة الإمام وخطبته: بما استدل به أصحاب القول الأول (4).
2 -
واستدلوا على أن وقت الذبح في حق غير أهل الأمصار يبدأ من طلوع الفجر؛ بأنه لا عيد عليهم، وما بعد طلوع الفجر من يوم النحر، فكان وقتها منه كسائر اليوم (5).
(1) انظر: فتح الباري (10/ 22).
(2)
انظر: الروض المربع (5/ 374) تحقيق وتعليق: د. الطيار وآخرون.
(3)
انظر: البيان (4/ 436).
(4)
انظر بدائع الصنائع (5/ 73).
(5)
انظر بدائع الصنائع (5/ 73) البيان (4/ 436) المغني (13/ 385).
ورد هذا من وجهين:
الأول: أنها عبادة مؤقتة، وقتها في حق أهل الأمصار بعد إشراق الشمس، فلا تتقدم وقتها في حق غيرهم؛ كصلاة العيد.
الثاني: أن أهل المصر لو لم يصل بهم الإمام، لم يجز الذبح لهم حتى تزول الشمس؛ لأنها حينئذ تسقط، فكأنه قد صلى فكذا في حق غيرهم من أهل القرى والبوادي (1).
واستدل أصحاب القول الرابع بأدلة، منها:
1 -
ما رواه جابر رضي الله عنهما قال: «صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا، وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم» (2).
قالوا: فهذا يدل على أن الذبح معلق على فراغ الإمام من الصلاة والذبح، وأنه لا يجوز قبله (3).
ورد هذا: بأنه محمول على أن المراد زجرهم عن التعجل الذي قد يؤدي إلى فعلها قبل الوقت؛ ولهذا جاء في
(1) انظر: المغني (13/ 385، 386).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (814) كتاب الأضاحي باب من الأضحية (1964).
(3)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 102) عقد الجواهر الثمينة (1/ 562).
باقي الأحاديث تقييد الذبح بالصلاة، وأن من ذبح بعدها أجزأه ومن لا فلا، ولا يشترط التأخير إلى أن ينحر الإمام (1).
2 -
ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة؛ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» (2).
فظاهره أن الذبح قبل صلاة الإمام ونحره ليس من الأضحية في شيء، وأنه لا يجوز للمسلم أن يضحي إلا بعد صلاة الإمام ونحره (3).
ولكن هذا مردود بأنه لا يدل بظاهره على تخصيص ذلك بصلاة الإمام ونحره، وإنما هو دليل على أن الذبح لا يجزئ إلا بعد الصلاة.
ويؤيد هذا: "أن الإمام لو لم ينحر، لم يكن ذلك مسقطًا عن الناس مشروعية النحر، ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره، فدل هذا على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء (4).
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 102، 103).
(2)
انظر: تخريجه فيما سبق.
(3)
انظر نيل الأوطار (5/ 147).
(4)
فتح الباري (10/ 24).
والذي يظهر والله تعالى أعلم، أن وقت ذبح الأضحية في الموضع الذي يصلي فيه بعد الصلاة، وهذا يوافق القول الأول؛ لظاهر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي قيدت الذبح بالفراغ من الصلاة.
وأما غير أهل الأمصار؛ من البوادي والقرى التي لا يصلى فيها العيد، فأول وقتها في حقهم بعد مضي قدر الصلاة والخطبة بعد دخول وقت صلاة العيد؛ لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها، وهذا يوافق القول الثاني؛ وبهذا تجتمع الأدلة، والله الموفق.