المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة): - أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني

[ناصر بن مشري الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث ومسائله:

- ‌منهج البحث

- ‌مصطلحات البحث ورموزه:

- ‌المطلب الأولتعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما

- ‌أولا: تعريف الفجر:

- ‌ثانيًا: نوعا الفجر، وبيان الفرق بينهما:

- ‌ثالثًا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة):

- ‌المطلب الثانيأحكام الصلاة المترتبة على طلوع الفجر الثاني

- ‌المسألة الأولى: أول وقت صلاة الفجر:

- ‌المسألة الثانية: آخر وقت الضرورة لصلاة العشاء:

- ‌المسألة الثالثة: انتهاء وقت أداء صلاة الوتر:

- ‌المسألة الرابعة: ابتداء وقت سنة الفجر:

- ‌المسألة الخامسة: ابتداء أول أوقات النهي عن التطوع بالصلاة

- ‌المسألة السادسة: انتهاء وقت النزول الإلهي للسماء الدنيا:

- ‌المطلب الثالثأحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني

- ‌المسألة الأولى: أول وقت وجوب الإمساك الشرعي للصائم عن المفطرات:

- ‌المسألة الثانية: الشك في طلوع الفجر للصائم:

- ‌المسألة الثالثة: طهارة الحائض والنفساء قبل طلوع الفجر وتأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوعه:

- ‌المسألة الرابعة: يجب على المجامع في رمضان النزع عند طلوع الفجر:

- ‌المسألة الخامسة: الصائم يصبح جنبًا، ويغتسل بعد طلوع الفجر:

- ‌المسألة السادسة: تبييت النية لصيام الفرض قبل طلوع الفجر:

- ‌المسألة السابعة: تأخير السحور للصائم إلى قبيل طلوع الفجر:

- ‌المطلب الرابعأحكام الحج المترتبة على طلوع الفجر الثاني

- ‌المسألة الأولى: ابتداء وقت الوقوف بعرفة:

- ‌المسألة الثانية: انتهاء وقت الوقوف بعرفة، وفوات الحج على من لم يكن وقف بها في وقت الوقوف الشرعي:

- ‌المسألة الثالثة: ابتداء وقت الدفع من مزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها:

- ‌المسألة الرابعة: ابتداء وقت الوقوف بالمزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها:

- ‌المسألة الخامسة: ابتداء وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر:

- ‌المسألة السادسة: أول وقت طواف الإفاضة:

- ‌المطلب الخامسمسائل متفرقة تترتب على طلوع الفجر الثاني

- ‌المسألة الأولى: أول وقت الغسل لصلاة الجمعة:

- ‌المسألة الثانية: أول وقت الغسل لصلاة العيدين:

- ‌المسألة الثالثة: بداية وقت وجوب إخراج زكاة الفطر:

- ‌المسألة الرابعة: بداية وقت ذبح الأضحية:

- ‌خاتمة بأهم نتائج البحث

- ‌مصادر البحث ومراجعة

- ‌ملخص البحث

الفصل: ‌ثالثا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة):

باتفاق أهل العلم، وأما الفجر الكاذب (الأول) فلا يتعلق بطلوعه حكم شرعي، وقد نصت الأحاديث السابقة على هذا (1).

‌ثالثًا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة):

كان المسلمون على مدى أربعة عشر قرنًا مضت يعتمدون في تحديد وقت صلاة الفجر على الرؤية بالعين المجردة حيث لم يكن يوجد ما يشوش عليهم رؤية ضوء الفجر، ولكن بعد ظهور الكهرباء وانتشار الضوء الصناعي لم يعد بالإمكان تحديد وقت صلاة الفجر داخل المدن والقرى، مما اضطر الناس إلى الاستعانة بالتقاويم شيئًا فشيئًا حتى أصبح الاعتماد عليها في تحديد مواقيت الصلاة اعتمادًا كليًا (2).

ومعظم التقاويم المستخدمة حاليًا لم تبن على دراسات ميدانية، إنما بنيت على ما يعرف عند الفلكيين بالشفق الفلكي، الذي يبدأ في الظهور عندما تكون الشمس على (18)

(1) وسيأتي مزيد أدلة أثناء مسائل البحث إن شاء الله.

وانظر في اتفاق أهل العلم على هذه المسألة: تفسير القرآن العظيم (1/ 520) الجامع الصحيح (3/ 86) ابن بطال، شرح صحيح البخاري (2/ 251، 252) شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 163، 167)؛ بدائع الصنائع (1/ 122) المغني (2/ 30) المحلى (2/ 224).

(2)

انظر: مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (30).

ص: 23

درجة تحت الأفق، ورغم اتفاق الفلكيين على تعريف وتحديد أنواع الشفق، إلا أنه لا توجد دراسة فلكية علمية عملية مؤصلة تحدد الوقت الذي يبدأ أو ينتهي عنده الشفق (1).

والشفق ينقسم عند الفلكيين إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الشفق المدني (civil twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بست درجات قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (96 درجة).

الثاني: الشفق البحري (Nautical Twilight)؛ ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق باثنتي عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (102 درجة).

الثالث: الشفق الفلكي (Astronoomical Twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بثماني عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب، أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (108 درجات)(2).

ويعتبر الشفق الفلكي أول إضاءة من جهة الشرق، بينما

(1) انظر: مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (30) أوقات الصلاة في البلاد ذات خطوط العرض العالية (14).

(2)

انظر: علم الفلك والتقاويم (244، 245) مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (31).

ص: 24

الشفق البحري تظهر خلال مدته الخطوط الخارجية للأشكال دون الحاجة إلى الاستعانة بالضوء، كما تتلألأ نجوم القدر الأول في صفحة السماء. بينما يتميز الضوء خلال مدة الشفق المدني بأنه ضوء النهار، ولكنه مشوب بحمرة (1).

ومعظم التقاويم وضعت بداية توقيت صلاة الفجر على الشفق الفلكي، وبعضها يقدمه إلى (19 درجة) كتقويم أم القرى، من باب الاحتياط لعبادة الصيام، أو إلى (19.5 درجة) كتقويم هيئة المساحة المصرية (2).

وأشهر التقاويم التي يعتمد عليها الناس في مواقيت الصلاة في الوقت الراهن ما يلي:

1 -

تقويم أم القرى؛ وهو أشهرها وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (19) درجة.

2 -

تقويم رابطة العالم الإسلامي؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (18 درجة).

3 -

تقويم المساحة العامة المصرية؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (19.5 درجة).

4 -

تقويم جامعة العلوم الإسلامية بباكستان كراتشي، وزاوية

(1) انظر: الموسوعة الفلكية (170، 171) مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (31، 32).

(2)

انظر: أوقات الصلاة في البلاد ذات خطوط العرض العالية (14) مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (32).

ص: 25

الشمس تحت الأفق عند الفجر (18 درجة).

5 -

تقويم الجمعية الإسلامية بأميركا الشمالية (المعروفة بالإسنا)؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (15 درجة)(1).

ويلاحظ التفاوت الكبير بين هذه التقاويم؛ ما بين (19.5 إلى 15 درجة) وهذا يدل على أن هناك خللا فيها؛ إذ لا يعقل أن يبلغ التفاوت بين تقويمين قرابة عشرين دقيقة؛ ولعل السبب في هذا التفاوت الكبير والخلل أن معظم هذه التقاويم قد وضعت على الفجر الكاذب المعروف بـ (الشفق الفلكي) مع تقديم يسير في بعضها (2).

وهذه الإشكالية تفطن لها بعض أهل العلم المحققين، ونبهوا إلى وجودها، وأنه ينبغي عدم التعجل في إقامة صلاة الفجر اعتمادًا عليها.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة

(1) انظر: التقاويم قديمًا وحديثًا (41، 48) مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (32) مواقيت الصلاة بين علماء الشريعة والفلك (19، 20).

(2)

انظر: أوقات الصلاة في البلاد ذات خطوط العرض العالية (15) مشروع دراسة الشفق المرحلة الأولى (33).

ص: 26

لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة؛ لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر (1).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وقد رأيت ذلك بنفسي مرارًا، من داري في جبل هملان، جنوب شرق عمان، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين، أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة؛ أي قبل الفجر الكاذب أيضًا! وكثيرًا ما سمعت إقامة صلاة الفجر في بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضًا قبل وقتها في شهر رمضان .. وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي

(2).

(1) فتح الباري (4/ 235).

(2)

سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/ 52)(2031).

ص: 27

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لصلاة الفجر، المعروف أن التوقيت الذي يعرفه الناس ليس بصحيح، فالتوقيت مقدم على الوقت بخمس دقائق على أقل تقدير، وبعض الإخوان خرجوا إلى البر، فوجدوا أن الفرق بين التوقيت الذي بأيدي الناس، وبين طلوع الفجر نحو ثلث ساعة فالمسألة خطيرة، ولهذا لا ينبغي للإنسان في صلاة الفجر أن يبادر في إقامة الصلاة، وليتأخر نحو ثلث ساعة أو (25) دقيقة، حتى يتيقن أن الفجر قد حضر وقته (1).

ونظرًا لخطورة هذه المسألة وتعلقها بالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ فقد اهتم بها أهل العلم قديمًا وحديثًا، وعقد من أجلها العديد من الندوات والمؤتمرات، وصدر فيها العديد من الفتاوى من الهيئات العلمية الشرعية المتخصصة (2).

نذكر منها بعض ما صدر في هذه البلاد المباركة؛ حيث أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (61) وتاريخ (12/

(1) شرح رياض الصالحين (3/ 216) وانظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (2/ 48).

(2)

يطول البحث بذكرها وعرض ما جاء فيها من توصيات وقرارات، وهي ليست مقصود البحث، وقد جمعها الأستاذ الدكتور محمد الهواري، في بحثه القيم: مواقيت الصلاة بين علماء الشريعة والفلك، المقدم للمجتمع الفقهي بمكة في دورته التاسعة عشرة، المنعقدة في مكة (22 - 27)(10/ 1428 هـ).

ص: 28

4/ 1398 هـ) بعد دراسة أعدتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جاء فيه مختصرًا:

أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدًا في الصيف ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا.

ثانيًا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفًا، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها، معتمدين في ذلك على أقرب البلاد إليهم، تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض (1).

وأما المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي فقد أولى هذا الموضوع عنايته الفائقة؛ فدرسه في الدورة الخامسة المنعقدة في الفترة (8 - 16/ 1402 هـ) وأصدر بشأنه قرارًا. ثم أعاد دراسته في الدورة التاسعة المنعقدة في الفترة (12 - 19/ 7/ 1406 هـ) وأصدر بشأنه قرارًا، ولا زالت بعض إشكالات هذا الموضوع قائمة لدى المسلمين

(1) انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء (4/ 459 - 462).

ص: 29

المقيمين في البلاد ذات خطوط العرض العالية؛ ولأجل هذا فقد أعاد المجمع الفقهي دراسة الموضوع في دورته التاسعة عشرة المنعقدة في الفترة (22 - 27/ 10/ 1428 هـ) وأصدر بشأنه القرار الثاني، والذي جاء فيه مختصرًا ما يلي:

يؤكد المجلس على ما جاء في القرار الثالث في دورته الخامسة، والقرار السادس في دورته التاسعة؛ حيث قسم القرار المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاث مناطق، وذكر أحكامها.

الأولى: البلاد الواقعة: ما بين خطي العرض (45) و (48) درجة شمالاً وجنوبًا، وتتميز فيها العلامات الظاهرة للأوقات في (24 ساعة) طالت الأوقات أو قصرت؛ فهذه يجب على أهلها الالتزام بالصلاة في مواقيتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبين الفجر الصادق إلى غروب الشمس، عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم.

الثانية: البلاد الواقعة: ما بين خطي العرض (48 درجة) و (66 درجة) شمالاً وجنوبًا، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من الأيام؛ كأن لا يغيب الشفق الذي يبتدئ به العشاء، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر؛ فالحكم في هذه البلاد أن تقدر مواقيت الصلاة فيها بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45

ص: 30

درجة) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز؛ فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45 درجة) يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.

والثالثة: البلاد الواقعة: فوق خط عرض (66) درجة شمالاً وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا أو ليلاً، فتقدر فيها جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها، في خط عرض (45 درجة) وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة في المنطقة من (66 درجة) إلى القطبين، كما تقسم الأوقات الموجودة في خط عرض (45 درجة) فإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45 درجة) في الساعة الثانية صباحًا مثلاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وبديء الصوم منه حتى وقت المغرب المقدر.

ويوصي مجلس المجمع برابطة العالم الإسلامي بإنشاء مركز في مكة المكرمة للعناية بالعلوم الشرعية الفلكية؛ ليكون مرجعًا للمسلمين في مواقيت الصلاة في جميع مدن العالم، وخاصة البلاد غير الإسلامية، ولإصدار تقويم هجري موحد لجميع المسلمين، وللسعي إلى التقريب بين بلدان العالم الإسلامي في شأن رؤية الهلال، والتعاون مع المراصد الفلكية في سبيل تحقيق هذا الغرض. كما يرى المجلس تكليف

ص: 31

الأمانة العامة للمجمع بتكوين لجنة شرعية فلكية لإعداد تقويم للصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية، على ما ورد في القرار (1).

وبعد هذا العرض الملخص عن الموضوع، فإن تحديد الفجر الصادق يختلف عما هو مثبت في التقاويم، ولم يصدر بحقه إلى الآن تقويم زمني شامل معتمد موحد، وأقرب التقاويم إلى تحديده: تقويم رابطة العالم الإسلامي، وتقويم جامعة العلوم الإسلامية بالباكستان.

ومن خلال بعض القواعد والضوابط التي وضعها أهل العلم والمختصون، يمكن تحديد وقت طلوع الفجر الصادق على ما يلي:

أولا: من خلال كلام الشيخين الجليلين؛ الألباني، وابن عثيمين عليهما رحمة الله، فيما سبق، فإن الفجر الصادق يكون بعد وقت الأذان المحدد في التقاويم (خصوصًا تقويم أم القرى) بمدة تتراوح بين (20 إلى 30 دقيقة) حسب اختلاف الصيف والشتاء (2).

ثانيًا: من خلال الاستقراء والتجارب التي قام بها بعض علماء الفلك المختصين، تبين أن وقت الفجر والعشاء يرتبطان

(1) ملخصًا من نسخة مكتوبة على الآلة لقرارات المجمع في دورته (19) وانظر: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (203 - 205).

(2)

انظر: ما سبق عنهما في هذا البحث.

ص: 32

بانتشار الضوء في ظلام الليل أو اختفائه كليًا، نتيجة انعكاس ضوء الشمس غير المباشر على طبقات الغلاف الجوي، المحيطة بالكرة الأرضية.

وأن وقت الشفق الأبيض والفجر الصادق يتساويان في المكان الواحد تقريبًا، وأنهما يرتبطان بحركة الشمس الظاهرية تحت الأفق. وأن ضوء الشمس غير المباشر والمنعكس على الغلاف الجوي ينتهي أو يبدأ عندما تصل درجة ميل الشمس تحت الأفق بما يعادل (18 درجة)(1).

وأن الشعاع الضوئي عندما يقابل الغلاف الجوي، بزاوية أكبر من (18 درجة) وهي ما يعرف بالزاوية الحرجة، فإنه ينعكس إلى الفضاء الخارجي، ولا يصل إلى سطح الأرض؛ وهو ما يعرف بالفجر الكاذب، ويستمر هكذا مع حركة الشمس الظاهرية، حتى تكون هذه الزاوية مساوية (18 درجة) وعند ذلك ينعكس الشعاع الشمس على الطبقة الهوائية، ويتجه إلى سطح الأرض حيث يبدأ ظهور الفجر الصادق (2).

إذًا من خلال ذلك فإن الفلكيين يرون أن الفجر الصادق يبدأ عندما تكون زاوية الشمس تحت الأفق الشرقي (18 درجة) ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره

(1) انظر: مواقيت الصلاة بين علماء الشريعة والفلك (17).

(2)

بتصرف من مواقيت الصلاة بين علماء الشريعة والفلك (19).

ص: 33

عرضًا في الأفق، وهو ما حدده قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي رقم (6) في دورته التاسعة المنعقدة في الفترة (12 - 19/ 7/ 1406هـ)(1).

وقد اعتمدت بعض التقاويم على هذا التحديد؛ منها: تقويم رابطة العالم الإسلامي؛ ويتطابق معها في ذلك: تقويم العجيري؛ وتقويم جامعة العلوم الإسلامية بكراتشي بالباكستان (2).

ثالثًا: قام فضيلة الدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين، بجامعة القصيم، برصد طلوع الفجر الصادق لمدة عام كامل، فثبت له أن وقت الفجر حسب تقويم أم القرى متقدم عن التوقيت الشرعي للفجر ما بين (15 دقيقة) إلى (24 دقيقة) حسب فصول السنة (3).

رابعًا: قامت لجنة علمية من ثمانية علماء متخصصين في علوم الشريعة والفلك، يمثلون قسم الفلك بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، ورئاسة إدارة البحوث

(1) انظر: أوقات الصلاة في البلاد ذات خطوط العرض العالية (12) مشروع دراسة الشفق (33) مواقيت الصلاة بين علماء الشريعة والفلك (19) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (202).

(2)

انظر: أوقات الصلاة في البلاد ذات خطوط العرض العالية (13).

(3)

وقد أفاد بذلك في بحثه (أوقات الصلوات المفروضة) لم ينشر بعد، بواسطة: مشروع دراسة الشفق المرحلة الأولى (39).

ص: 34

العلمية والإفتاء، ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة، بدراسة علمية شرعية فلكية، استخدمت فيها المعايير الدقيقة في رصد وقت الفجر مكانًا وزمانًا، وبعد عام كامل من الرصد الميداني لتحديد بداية الفجر الصادق (الشفق الشرعي) في منطقة الرصد، تبين أنه ينضبط باستخدام المعيار الفلكي، عندما تكون الشمس تحت الأفق بمقدار (14.6) درجة قوسية، وانحراف معياري بمقدار (.3) درجة قوسية (1) فالله أعلم.

(1) انظر: مشروع دراسة الشفق، المرحلة الأولى (55).

ص: 35