المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يجب فيه الزكاة] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَمِنْ تَحِلُّ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْإِنْفَاقِ وَكَرَاهِيَةِ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ]

- ‌[بَابُ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا يَعُودُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ]

- ‌[باب في مسائل متفرقة من كتاب الصوم]

- ‌[بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[باب في توابع لصوم التطوع]

- ‌[بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعَوَاتِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[ثَوَابُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ]

- ‌[بَابُ رَحْمَةِ اللَّهِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمَنَامِ]

- ‌[بَابُ الدَّعَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ]

الفصل: ‌[باب ما يجب فيه الزكاة]

النِّصَابِ مُعَيَّنًا، وَمُشَخَّصًا، فَيَسْتَقِيمُ الْخَلْطُ بِمَا بَقِيَ مِنَ النِّصَابِ، قُلْتُ: هَذَا الْكَلَامُ مَعَ مُصَادَرَتِهِ الْمُسْتَلْزَمَةِ لِلدَّوْرِ الْحَاصِلِ مِنْهُ التَّكَلُّفُ النَّاشِئُ عَنِ الِاضْطِرَابِ لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْبَصَائِرِ وَأُولِي الْأَلْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (هَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ قَوْلَهُ قَدِ احْتَجَّ (وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي خَالَطَتْ) أَيْ فِي لَفْظِ خَالَطَتْ الْوَاقِعِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ (تَفْسِيرُهُ) أَيْ مَعْنَاهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ مَقُولُ قَوْلِ أَحْمَدَ (إِنَّ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ غَنِيٌّ) شَكٌّ لِلرَّاوِي، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَوْ لِلتَّنْوِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغِنَى أَخَصُّ مِنَ الْيَسَارِ. اهـ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَدَلِيلٍ وَبُرْهَانٍ (وَإِنَّمَا هِيَ) أَيِ الزَّكَاةُ (لِلْفُقَرَاءِ) أَيْ وَلِأَمْثَالِهِمْ وَغُلِّبُوا لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْبَقِيَّةِ، أَوْ لِكَوْنِ الْفَقْرِ شَرْطًا فِي غَالِبِ بَقِيَّتِهِمْ، وَلِابْنِ حَجَرٍ هُنَا مَبَاحِثُ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا فَأَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهَا.

ص: 1279

[بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

1794 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخِدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ)

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1794 -

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ السِّينِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْقَامُوسِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهِ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَهِيَ سِتُّونَ صَاعًا، وَكُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَكُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ وَثُلُثُ رِطْلٍ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّ مُدٍّ رِطْلَانِ، وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ الْوَسْقُ حِمْلُ الْبَعِيرِ، كَمَا أَنَّ الْوِقْرَ حِمْلُ الْبَعِيرِ، وَالْبِغَالِ، وَقُدِّرَ بِسِتِّينَ صَاعًا. اهـ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَرَدَ سِتُّونَ صَاعًا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ ابْنُ حَيَّانَ وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ قَدْرُ ثَمَانِمِائَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا (مِنَ التَّمْرِ) التَّاءُ الْمُثَنَّاةُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْمُثَلَّثَةِ كَذَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (صَدَقَةٌ) قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا الْحَالُ فِي الزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجِبُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهَا، مِنَ النَّبَاتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ بِاعْتِبَارِ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَالثَّانِيَ عَامٌّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ حُجَّةٌ لَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي عَدِّهِ وُجُوبَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَأَوَّلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُهُ لِذَلِكَ بِمَا لَا يُقَاوِمُ هَذَا الْحَدِيثَ بَلْ وَلَا يُقَارِبُهُ فَمَرْدُودٌ بِمَا سَنَذْكُرُهُ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أُوقِيَّةٍ بِالْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَالْجَمْعِ، قَدْ يُشَدَّدُ فَيُقَالُ أَوَاقٍ كَبَخَاتِيِّ جَمْعُ بُخْتِيَّةٍ، وَقَدْ يُخَفَّفُ وَيُقَالُ أَوَاقٍ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فِي الشَّرْعِ، وَهِيَ أُوقِيَّةُ الْحِجَازِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَتِ الْأُوقِيَّةُ قَدِيمًا عِبَارَةً عَنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَهِيَ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ نَصِفُهُ سُدُسُ الرِّطْلِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهِيَ مِنَ الْوِقَايَةِ، لِأَنَّهَا تَقِي صَاحَبَهَا الْحَاجَةَ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَوَاقٍ بِالتَّنْوِينِ وَبِإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ مُشَدَّدًا وَتَخْفِيفًا جَمْعُ أُوقِيَّةٍ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَحُكِيَ: وَقِيَّةٌ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْوَاوِ. اهـ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ فِي حَدِيثٍ وَقِيَّةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَسْقَلَانِيَّ عَبَّرَ عَنْهُ بِحَكْيٍ، ثُمَّ مِقْدَارُ الْوَقِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالِاتِّفَاقِ (مِنَ الْوَرِقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا أَيِ الْفِضَّةِ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا

ص: 1279

(صَدَقَةٌ) وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الْأَغْلَبُ، وَأَمَّا نِصَابُ الذَّهَبِ فَعِشْرُونَ مِثْقَالَا، وَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهَا (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ) رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ، وَرُوِيَ بِتَنْوِينِ خَمْسٍ فَيَكُونُ ذَوْدٌ بَدَلًا عَنْهَا، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ هِيَ الْأُولَى، وَالْمُرَادُ مِنْهُ خَمْسُ إِبِلٍ مِنَ الذَّوْدِ، لَا خَمْسُ أَذْوَادٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِابْنِ الْمَلَكِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الذَّوْدُ مِنَ الْإِبِلِ قِيلَ: مَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ إِلَى التِّسْعِ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرَةِ، وَاللَّفْظُ مُؤَنَّثٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ: وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْوَاحِدِ عَلَى نَظِيرِ اسْتِعْمَالِ الرَّهْطِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] اهـ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الذَّوْدُ مِنَ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِمَا، قِيلَ: إِنَّ إِضَافَةَ الْخَمْسِ إِلَى الذَّوْدِ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُضَافَ إِلَى الْجَمْعِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَقِيلَ: رُوِيَ خَمْسٌ مُنَوَّنًا فَيَكُونُ ذَوْدٌ بَدَلًا عَنْهُ، وَمِنَ الْإِبِلِ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِذَوْدٍ، بِخِلَافِ الْوَرِقِ، وَمِنَ التَّمْرِ، فَإِنَّهُمَا مُمَيَّزَتَانِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَمُسْلِمٌ، وَلَفْظُهُ:" «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوْسُقٍ» "، ثُمَّ أَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ تَمْرٍ ثَمْرٌ بِالْمُثَلَّثَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْمُثَنَّاةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِيهِ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ مَخْتُومًا، وَابْنُ مَاجَهْ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَلَأَبَى حَنِيفَةَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم:" «فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» " وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّازِقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ الْعُشْرُ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَارُضٌ عَامٌّ، أَوْ يَقُولُ يَتَعَارَضَانِ، وَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ إِنْ لَمْ يُعْرَفُ التَّارِيخُ، وَإِنْ عُرِفَ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ، وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ كَقَوْلِنَا يَجِبُ أَنْ يَقُولَ بِمُوجَبِ هَذَا الْعَامِّ هُنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ مَعَ حَدِيثِ الْأَوْسَاقِ فِي الْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَانَ الْإِيجَابُ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ، فَمَنْ تَمَّ لَهُ الْمَطْلُوبُ فِي نَفْسِ الْأَصْلِ الْخِلَافِيِّ تَمَّ لَهُ هُنَا، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْخُرُوجِ عَنِ الْغَرَضِ لَأَظْهَرْنَا صِحَّتَهُ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الْبَحْثَ يَتِمُّ عَلَى الصَّاحِبَيْنِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ حَمْلِ مَرْوِيِّهِمَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ طَرِيقَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. اهـ، كَلَامُ الْمُحَقِّقِ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ.

ص: 1280

1795 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ، وَلَا فِي فَرَسِهِ "، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:" لَيْسَ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1795 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ) قَالَ ابْنُ الْحَجَرِ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ بِأَنْوَاعِهَا الْإِسْلَامُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الصِّدِّيقِ فِي كِتَابِهِ الْآتِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ فِي الدُّنْيَا، بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ أَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَفْهَمَهُ، قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ - الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6 - 7] وَقَالُوا {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ) أَيِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُعَدَّا لِلتِّجَارَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهَا، وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي إِنَاثِ الْخَيْلِ دِينَارًا فِي كُلِّ فَرَسٍ، أَوْ يُقَوِّمُهَا صَاحِبُهَا، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا حُجَّةٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْفَرَسِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الْخَيْلِ وَالْعَبِيدِ مُطْلَقًا فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِهَا فِي الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْخِدْمَةِ، وَحُمِلَ الْعَبْدُ عَلَى الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ، وَالْفَرَسُ عَلَى فَرَسِ الْغَازِي. اهـ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ قَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ شَرِيفَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ الْهُمَامِ، فَرَاجِعْهُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ تَحْقِيقَ الْكَلَامِ، قَالَ مِيرَكُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «لَيْسَ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَائِيَّةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: إِلَّا قَوْلُهُ: إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ.

ص: 1280

1796 -

«وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرِينِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ، فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى السِّتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِيهِ الْحِقَّةُ، وَيُجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطَى شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بَنَتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقُّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بَنْتَ لِبَوْنٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطَى مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بَنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَلَا تُخْرَجَ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

1796 -

(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ) أَيْ لِأَنَسٍ (هَذَا الْكِتَابَ) أَيِ الْمَكْتُوبَ الْآتِي (لَمَّا وَجَّهَهُ) أَيْ حِينِ أَرْسَلَهُ أَبُو بَكْرٍ (إِلَى الْبَحْرِينِ) مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ قُرَيْبَ الْبَصْرَةِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ بَيْنَ بَحْرَيْنِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بَدَلٌ مِنَ الْكِتَابِ، بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ كَتَبَ لَهُ هَذِهِ النُّقُوشَ الَّتِي هِيَ بِسْمِ اللَّهِ إِلَخْ (هَذِهِ) أَيِ الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَيْهَا النُّقُوشُ اللَّفْظِيَّةُ الْآتِيَةُ (فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ) بِالْإِضَافَةِ أَيْ مَفْرُوضَةُ الصَّدَقَةِ (وَالَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ بِأَمْرِهِ - تَعَالَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فَرَضَ أَيْ بَيَّنَ وَفَصَّلَ. اهـ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إِنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ جُمْلَةً بِمَكَّةَ، وَفُصِّلَتْ بِالْمَدِينَةِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، إِذْ بَعْضُ الْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَالَّتِي) عَطْفٌ عَلَى الَّتِي، عَطْفُ تَفْسِيرٍ، أَيِ الصَّدَقَةُ الَّتِي (أَمَرَ اللَّهُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الصَّدَقَةِ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْشَأْ عَنِ الِاجْتِهَادِ بَلْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَدَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ الْإِجْمَالِيَّ بِالنَّصِّ، وَتَفْصِيلُ الْأُمُورِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا، عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَكَانَ الطِّيبِيُّ لَاحَظَ هَذَا الْمَعْنَى وَفَسَّرَ قَوْلَهُ " فَرَضَ " بِقَوْلِهِ بَيَّنَ وَفَصَّلَ، وَغَفَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ فَخَلَطَ بَيْنَ التَّفْسِيرَيْنِ، حَيْثُ قَالَ: أَيْ أَوْجَبَهَا وَبَيَّنَهَا وَفَصَّلَهَا، ثُمَّ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَتَحْرِيرٍ وَتَقْرِيرٍ، فَإِذَا كَانَتِ الصَّدَقَةُ وَاجِبَةً بِأَمْرِ اللَّهِ وَمُبَيَّنَةً بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فَمَنْ سُئِلَهَا) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ طَلَبَهَا (مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي فِي سُئِلَهَا أَيْ كَائِنَةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ بِلَا تَعَدٍّ (فَلْيُعْطِهَا) لِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَمَنْ سُئِلَهَا فَوْقَهَا) أَيْ فَوْقَ حَقِّهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَزْيَدَ مِنْ وَاجِبِهَا كَمِّيَّةً أَوْ كَيْفِيَّةً، وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعِيَّةً إِجْمَالًا، لَا اجْتِهَادِيَّةً، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ يَقْدُمُ السَّاعِي (فَلَا يُعْطَ) أَيْ شَيْئًا مِنَ الزِّيَادَةِ، أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَى السَّاعِي، بَلْ إِلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَائِنًا فَتَسْقُطُ طَاعَتُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَدِّقَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَظْلِمَ الْمُزَكِّي فَلَهُ أَنْ يَأْبَاهُ، وَلَا يَتَحَرَّى رِضَاهُ، وَدَلَّ حَدِيثُ جَرِيرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ:" «أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ، وَإِنْ ظُلِمْتُمْ» "، عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ أُولَئِكَ الْمُصَدِّقِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا ظَالِمِينَ، وَكَأَنَّ نِسْبَةَ الظُّلْمِ إِلَيْهِمْ عَلَى زَعْمِ الْمُزَكِّي أَوْ جَرَيَانٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، وَهَذَا عَامٌّ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. اهـ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَالْجَوَازِ أَوِ الْأَوَّلَ إِذَا كَانَ يَخْشَى التُّهْمَةَ وَالْفِتْنَةَ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الدَّفْعِ عَنْ مَالِهِ إِذَا طُولِبَ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْإِمَامِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ إِذَا ظَهَرَ فِسْقُهُمَا بَطَلَ حُكْمُهُمَا. اهـ، وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ إِذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا إِذَا طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ لَا يُعْطِي الزَّائِدَ بَلْ يُعْطِي الْوَاجِبَ، وَهَذَا مُرِيحٌ فِي بَقَاءِ وِلَايَتِهِمَا، وَإِنْ فُسِّقَا بِطَلَبِ غَيْرِ الْوَاجِبِ (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ ثُمَّ أَتَى بِهِ بَيَانًا لَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِي أَرْبَعٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ لِيُعْطِ أَيِ الْوَاجِبَ أَوِ الْمَفْرُوضَ أَوِ الْمُعْطَى فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ (مِنَ الْإِبِلِ) تَمْيِيزٌ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمْوَالَهُمْ أَوْ أَنْفُسَهَا (فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ) بَيَانٌ لِلْأُمِّ فِي الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الَّذِي (مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) أَيِ الْوَاجِبُ مِنَ الْغَنَمِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ إِبِلًا مَنْ كُلِّ خَمْسِ إِبِلٍ شَاةٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ:(مِنَ) الْأُولَى ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِشَاةٍ تَوْكِيدًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: خِمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَالثَّانِيَةُ لَغْوٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، أَيْ لِيُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ شَاةً، كَائِنَةً مِنَ الْغَنَمِ، لِأَجْلِ كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَقِيلَ: مِنَ الْغَنَمِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ الصَّدَقَةُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ مِنَ الْغَنَمِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُ بَيَانٍ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَوْلُهُ مِنَ الْغَنَمِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ بِإِسْقَاطِ (مِنْ) ، وَصَوَّبَهَا بَعْضُهُمْ، وَقَالَ عِيَاضٌ: مَنْ أَثْبَتَهَا فَمَعْنَاهُ زَكَاتُهَا، أَيِ الْإِبِلُ مِنَ الْغَنَمِ وَ " مِنْ " لِلْبَيَانِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، وَمَنْ حَذَفَهَا فَالْغَنَمُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مُضْمَرٌ فِي قَوْلِهِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنَّمَا

ص: 1281

قُدِّمَ الْخَبَرُ لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيَانُ الْمَقَادِيرِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُوبِ النِّصَابِ، فَحَسُنَ التَّقْدِيمُ، كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَيِ الْإِبِلُ أَوِ الْأَرْبَعُ وَالْعِشْرُونَ (خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمَّتْ لَهَا سَنَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ حَامِلًا، وَالْمَخَاضُ الْحَوَامِلُ مِنَ النُّوقِ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، بَلْ وَاحِدَتُهَا خِلْفَةٌ، وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْمَخَاضِ، وَالْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ بِنْتَ نُوقٍ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ فِي نُوقٍ حَوَامِلَ تُجَاوِرُهُنَّ تَضَعُ حَمْلَهَا مَعَهُنَّ، كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ مِنْ أَنَّ أُمَّهَا صَارَتْ مَخَاضًا أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَخَاضُ وَجَعُ الْوِلَادَةِ، فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: ذَاتُ مَخَاضٍ، وَإِنَّمَا قَالَ (أُنْثَى) تَوْكِيدًا كَمَا قَالَ - تَعَالَى - {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْبِنْتَ هَاهُنَا، وَالِابْنَ فِي ابْنِ لَبُونٍ كَالْبِنْتِ وَالِابْنِ فِي بِنْتِ طَبَقٍ، وَابْنِ آوَى يَشْتَرِكُ فِيهِمَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصْفَ الْبِنْتِ بِالْأُنْثَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، كَالْوَلَدِ إِذْ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَدْ يُطْلَقُ الْبِنْتُ وَالِابْنُ وَيُرَادُ بِهِمَا الْجِنْسُ، كَمَا فِي ابْنِ عِرْسٍ وَبِنْتِ طَبَقٍ، وَهِيَ سُلْحِفَاةٌ تَبِيضُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ بَيْضَةً، عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، ثُمَّ هَذَا الْحُكْمُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ فِيهَا خَمْسَ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِي ذَلِكَ (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ تُرْضِعُ بِهِ أُخْرَى غَالِبًا (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، أَيْ مَا لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ (طَرُوقَةُ الْجَمَلِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيْ مَرْكُوبَةٍ لِلْفَحْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَحْلَ يَعْلُو مِثْلَهَا فِي سِنِّهَا، وَفِي النِّهَايَةِ: هِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَتَحْمِلَ، وَيَطْرَقَهَا الْجَمَلُ، قِيلَ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ (فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، مَا لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا وَالْجَذَعُ السُّقُوطُ، وَقِيلَ: لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُقَالُ لِلْإِبِلِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ أَجْذَعُ وَجَذَعٌ اسْمٌ لَهُ فِي زَمَنٍ لَيْسَ سِنٌّ يَنْبُتُ، وَلَا يَسْقُطُ، وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهِ بِنْتَا لَبُونٍ) فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ (فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ) قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ: تَقْدِيرُ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ أَمْرٌ تَوْفِيقِيٌّ ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِبِلِ هُوَ الْإِنَاثُ أَوْ قِيمَتُهَا، بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِيهِمَا الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) قَالَ الْقَاضِي: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْحِسَابِ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ، يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا زَادَ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَمْ تُسْتَأْنَفِ الْفَرِيضَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: تُسْتَأْنَفُ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ خَمْسٌ لَزِمَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ، وَهَكَذَا إِلَى بِنْتِ مَخَاضٍ، وَبِنْتِ لَبُونٍ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ، فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى عَشْرٍ وَمِائَةٍ تُرَدُّ الْفَرَائِضُ إِلَى أَوَّلِهَا، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابًا لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ اسْتُؤْنِفَتِ الْفَرِيضَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ كُتُبَ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا كِتَابُ الصِّدِّيقِ، وَمِنْهَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَمِنْهَا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِلِيهِ، وَقَدْ بَسَطَ ابْنُ الْهُمَامِ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فَرَاجِعْهُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ تَمَامَ الْمَرَامِ.

ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ. اهـ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّا نَقُولُ: الْحَدِيثُ إِذَا

ص: 1282

تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَصَحَّ وَلَهُ مُسْنَدٌ مِنْهَا يَرْجِعُ عَلَى الْبُخَارِيِّ: لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَعَلَّقَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الْبُخَارِيَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالضَّعْفِ النَّاشِئِ بَعْدَ الْمُجْتَهِدِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ ( «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهِ صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» ) أَيْ مَالِكُهَا وَصَاحِبُهَا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا، فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ مُتَّصِلٌ إِطْلَاقًا لِلصَّدَقَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ كَمَا فُهِمَ مِمَّا سَبَقَ (فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهِ شَاةٌ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ) يَتَعَيَّنُ أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، دَاخِلَةٌ عَلَى الْفَاعِلِ أَيْ وَمَنْ بَلَغَتْ إِبِلُهُ (صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ) بِالنَّصْبِ، وَالْإِضَافَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ بَلَغَتِ الْإِبِلُ نِصَابًا يَجِبُ فِيهِ الْجَذَعَةُ. اهـ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ صَدَقَةٍ بِتَنْوِينِهَا وَنَصْبِ الْجَذَعَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا) أَيِ الْقِصَّةُ أَوِ الْحِقَّةُ أَوْ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ (تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ) تَفْسِيرٌ (وَيَجْعَلُ) ضَمِيرُهُ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْحِقَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ (شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، أَوْ أُنْثَى وَذَكَرٍ مِنَ الضَّأْنِ مَا لَهَا سَنَةٌ، وَمِنَ الْمَعْزِ مَا لَهَا سَنَتَانِ (أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) جَبْرًا وَعَشْرٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النُّزُولِ وَالصُّعُودِ مِنَ السِّنِّ الْوَاجِبِ عِنْدَ فَقْدِهِ إِلَى سَنٍّ آخَرَ يَلِيهِ، وَعَلَى أَنَّ جَبْرَ كُلِّ مَرْتَبَةٍ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى أَنَّ الْمُعْطِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالشَّاتَيْنِ (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ) بِأَنْ كَانَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ) بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ اسْمُ إِنَّ أَوْ فَاعِلُ تُقْبَلُ فَالضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ (وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ) أَيِ الْعَامِلُ أَوِ الْمُسْتَحِقُّ إِنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ (عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، إِلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ) إِعْرَابُهُ كَمَا سَبَقَ، وَفِي أَصْلِ ابْنِ الْحَجَرِ فَإِنَّهَا أَيْ بِنْتَ اللَّبُونِ تُقْبَلُ مِنْهُ. اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ ذِكْرِ بِنْتِ لَبُونٍ بَعْدَ قَوْلِهِ تُقْبَلُ مِنْهُ (وَيُعْطَى) أَيِ الْمَالِكُ (شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَرَةَ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ مِنَ السِّنِّ الْوَاجِبِ إِلَى الْمَالِكِ. اهـ، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُمَا شُرِعَا تَخْفِيفًا لَهُ، فَفَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى اخْتِيَارِهِ (وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقُتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ) أَيْ بِنْتُ اللَّبُونِ (عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ مَخَاضٌ وَيُعْطَى) أَيِ الصَّاحِبُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَمَعَهَا حَالٌ مِمَّا يُعِدُّهُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ (عِشْرِينَ دِرْهَمًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، كَائِنَةً مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ، فَلَمَّا قُدِّمَ صَارَ حَالًا (أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ) أَيْ بِنْتُ مَخَاضٍ (عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ (عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا) بِأَنْ فَقَدَهَا حِسًّا أَوْ شَرْعًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ أَصْلًا، أَوْ لَا تَكُونَ صَحِيحَةً بَلْ مَرِيضَةً فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ، أَوْ لَا تَكُونَ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مُتَوَسِّطَةٌ، بَلْ لَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى غَايَةِ الْجَوْدَةِ (وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ) أَيْ بَدَلًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، قَهْرًا عَلَى السَّاعِي (وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ

ص: 1283

ابْنِ لِبَوْنٍ شَيْءٌ آخَرُ مِنَ الْجُبْرَانِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ رحمه الله: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَضِيلَةَ الْأُنُوثَةِ تُجْبَرُ بِفَضْلِ السِّنِّ (وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ آلَةُ الدِّفَاعِ، فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ، ثُمَّ الضَّأْنُ وَالْمَاعِزُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ (فِي سَائِمَتِهَا) بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، أَوْ حَالٌ أَيْ لَا فِي مَعْلُوفَتِهَا، وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَرْعَى فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالسَّائِمَةُ الَّتِي تَرْعَى وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ، وَفِي الْفِقْهِ: هِيَ تِلْكَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِ ذَلِكَ لِقَصْدِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، حَوْلًا، أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ أُسِيمَتْ أَيِ الْإِبِلُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ لَمْ تَكُنِ السَّائِمَةُ الْمُسْتَلْزَمَةُ شَرْعًا لِحُكْمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، بَلْ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَسَامَهَا لِلتِّجَارَةِ كَانَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ، لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ. اهـ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً، فَأَمَّا الْمَعْلُوفَةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً، وَأَوْجَبَهَا مَالِكٌ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ وَنَوَاضِحِ الْإِبِلِ. اهـ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ: النَّصُّ عَلَى السَّوْمِ فِي الْإِبِلِ أَيْضًا، وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ (إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ) مُبْتَدَأٌ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ) أَيْ وَبَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَقِيلَ إِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا أَرْبَعٌ. اه، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ أَنْ تَزِيدَ مِائَةً أُخْرَى فَتَصِيرَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَيَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَاحِدَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ. اهـ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ (فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ) وَكَذَا الْمَرْأَةُ (نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً) تَمْيِيزٌ (وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ إِمَّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ مَفْعُولُ " نَاقِصَةً "، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهَا، وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَهِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً (فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) أَيْ تَطَوُّعًا (وَلَا تُخْرَجُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ (فِي الصَّدَقَةِ) أَيِ الزَّكَاةُ (هَرِمَةٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَيِ الَّتِي أَضَرَّ بِهَا كِبَرُ السِّنِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: كَالْمَرِيضَةِ (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِضَمٍّ أَيْ صَاحِبَةُ عَيْبٍ وَنَقْصٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ إِذِ الْعَيْبُ يَشْمَلُ الْمَرَضُ وَالْهَرَمَ، وَغَيْرَهَمَا، وَمَنْ فَسَّرَهُمَا بِالنَّقْصِ وَالْعَيْبِ أَرَادَ التَّأْكِيدَ ; إِذِ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ مُتَّحِدَانِ. اهـ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَيْبَ أَعَمُّ مِنَ النَّقْصِ، مَعَ أَنَّ الْهَرَمَ لَيْسَ مَعِيبًا فِي اللُّغَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعِيبًا فِي الشَّرْعِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا إِذَا كَانَ كُلُّ مَالِهِ أَوْ بَعْضُهُ سَلِيمًا، فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ مَعِيبًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ وَسَطِهِ (وَلَا تَيْسٌ) أَيْ فَحْلُ الْغَنَمِ، قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ إِذَا كَانَتْ كُلُّ الْمَاشِيَةِ أَوْ بَعْضُهَا إِنَاثًا لَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ وَرَدَ بِهِمَا السُّنَّةُ، الْأَوَّلُ أَخْذُ التُّسْعِ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ وَالثَّانِي أَخْذُ ابْنِ اللَّبُونِ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ مَكَانَ بِنْتِ الْمَخَاضِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُورًا فَيُؤْخَذُ الذَّكَرُ وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَقْصِدُ مِنْهُ الْفُحُولَةَ فَيَتَضَرَّرُ بِإِخْرَاجِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِنَتَنِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ فَهُوَ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ الْوَاجِبَ هِيَ الْأُنْثَى (إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَهُوَ الْمَالِكُ، وَجُمْهُورُ الْمُحْدَثِينَ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ الْعَامِلُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَيْسٌ، إِذْ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ ذَاتَ عَوَرٍ فِي صَدَقَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ مَا شَاءَ مِمَّا يَرَاهُ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنَّهُ وَكِيلُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَتِ الْمَوَاشِي كُلُّهَا مَعِيبَةً، هَذَا كَلَامُ الشُّرَّاحِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا إِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا، وَالْمَعْنَى لَا يُخْرِجُ الْمُزَكِّي النَّاقِصَ وَالْمَعِيبَ، لَكِنْ يُخْرِجُ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقِ مِنَ السَّلِيمِ وَالْكَامِلِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقِيلَ بِتَشْدِيدِهَا أَيِ الْمَالِكُ، بِأَنْ تَمَحَّضَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً، أَوْ ذُكُورًا، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ أَيْضًا، وَعَجِيبٌ مِمَّنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَالِكِ وَجَعَلَهُ رَاجِعًا إِلَى التَّيْسِ فَقَطْ. اهـ، وَهُوَ غَيْرُ

ص: 1284

مُتَّجِهٍ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (وَلَا يَجْمَعُ) نَفْيُ مَجْهُولٍ (بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ) بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ (بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) نُصِبُ عَلَى الْعِلَّةِ رَاجِعَةً إِلَيْهِمَا، أَيْ مَخَافَةَ تَقْلِيلِهَا، وَتَكْثِيرِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ خَشْيَةَ فَوْتِ الصَّدَقَةِ وَتَقْلِيلِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ خَشْيَةَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ أَوْ كَثْرَتِهَا إِنْ رَجَعَ لِلْمَالِكِ وَخَشْيَةَ سُقُوطِ الصَّدَقَةِ أَوْ قِلَّتِهَا إِنْ رَجَعَ إِلَى السَّاعِي، قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: النَّهْيُ لِلسَّاعِي عَنْ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَةِ مِثْلَ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعَةِ مِثْلَ أَنْ يُفَرِّقَ مِائَةً وَعِشْرِينَ لِرَجُلٍ أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ، لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالنَّهْيُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَجْمَعَ أَرْبَعِينَهُ مَثَلًا إِلَى أَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ لِتَقْلِيلِ الصَّدَقَةِ، وَأَنْ يُفَرِّقَ عِشْرِينَ لَهُ مَخْلُوطًا بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ لِسُقُوطِهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا نَهْيٌ لِلْمَالِكِ، وَالسَّاعِي جَمِيعًا، نَهَى رَبَّ الْمَالِ عَنِ الْجَمْعِ، وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى تَكْثِيرِ الصَّدَقَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَأْتِي هَذَا فِي صُوَرٍ أَرْبَعٍ أَشَارَ إِلَيْهَا الْقَاضِي بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِلْمَالِكِ عَنِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ، أَوْ تَقْلِيلِهَا ; كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَيَخْلِطُهَا بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ لِيَعُودَ وَاجِبُهُ مِنْ شَاةٍ إِلَى نِصْفِهَا، وَكَمَا إِذَا كَانَ لَهُ عِشْرُونَ شَاةً مَخْلُوطَةً بِمِثْلِهَا فَفَرَّقَهَا لِئَلَّا يَكُونَ نِصَابًا، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نُهِيَ السَّاعِي أَنْ يُفَرِّقَ الْمَوَاشِيَ عَلَى الْمَالِكِ فَيَزِيدَ الْوَاجِبُ، كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً وَوَاجِبُهَا شَاةٌ فَفَرَّقَهَا السَّاعِي أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ لِتَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ تَزِيدَ كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُتَفَرِّقَةٌ فَجَمَعَهَا السَّاعِي لِيَأْخُذَ شَاةً أَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَصِيرَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ شِيَاهٍ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْخَلْطَةَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا تَأْثِيرًا كَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ ( «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» ) يُعَضِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ اهـ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ إِذْ يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشَارَكَةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ بِالسَّوِيَّةِ أَيْ بِالْعَدَالَةِ بِمُقْتَضَى الْحِصَّةِ، فَيَشْمَلُ أَنْوَاعَ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَكُونُ مُنَاصَفَةً، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِثْلَ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسُ إِبِلٍ فَأَخَذَ السَّاعِي وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا شَاةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا ظَلَمَ وَأَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: قَوْلُهُ مَا كَانَ إِلَخْ أَيِ الْوَاجِبُ الَّذِي أَخَذَ السَّاعِي مِنَ الْخَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، أَمَّا الرُّجُوعُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَائِلُ بِأَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْطَةِ فِي حُكْمِ الصَّدَقَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمِلْكُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَمِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ السَّاعِي شَاتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَائِعَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا قَبْلَ قِسْمَتِهِمَا الْأَغْنَامَ فَالْمَأْخُوذُ مَنْ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ شَاةٌ وَثُلُثٌ، وَوَاجِبُهُ فِي الثَّمَانِينَ شَاةٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا شَاةٍ، وَوَاجِبُهُ فِي أَرْبَعِينَ شَاةٌ، فَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ شَاةٍ، حَتَّى تَرْجِعَ حِصَّةٌ مِنْ ثَمَانِينَ شَاةٍ إِلَى تِسْعٍ وَسَبْعِينَ، وَحِصَّةُ صَاحِبِهِ مِنْ أَرْبَعِينَ إِلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ خَلْطَةُ الْجِوَارِ ثَلَاثُونَ بَقَرًا وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ، وَأَخَذَ السَّاعِي تَبِيعًا مِنْ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ، وَمُسِنَّةً مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ، فَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ تَبِيعٍ عَلَى الثَّانِي، وَيَرْجِعُ الثَّانِي بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ الْمُسِنَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالْعَكْسِ رَجَعَا بِالْعَكْسِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ، وَفِي خَلْطِ الشُّيُوعِ يَرْجِعُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَدِ اشْتَمَلَ كِتَابُ الصِّدِّيقِ وَكِتَابُ عُمَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَهِيَ مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ إِذَا كَانَ مَبْنَى بَعْضِ الْخِلَافِ، وَذَلِكَ إِذْ كَانَ النِّصَابُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، وَصَحَّتِ الْخَلْطَةُ بَيْنَهُمْ، بِاتِّحَادِ الْمَسْرَحِ وَالْمَرَاحِ، وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ، وَالْمُحْلَبِ، تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. . . " الْحَدِيثَ، وَفِي عَدَمِ الْوُجُوبِ تَفْرِيقُ الْمُجْتَمِعِ، وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَفِي الْوُجُوبِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِذِ الْمُرَادُ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْأَمْلَاكِ لَا الْأَمْكِنَةِ، أَلَا يُرَى أَنَّ النِّصَابَ الْمُفَرَّقَ فِي أَمْكِنَةٍ مَعَ وَحْدَةِ الْمِلْكِ يَجِبُ فِيهِ، وَمَنْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً لَيْسَ لِسَاعٍ أَنْ يَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ، بِأَنْ يُفَرِّقَهَا فِي مَكَانَيْنِ، فَمَعْنَى لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ السَّاعِي بَيْنَ الثَّمَانِينَ مَثَلًا، أَوِ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، لِيَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ، وَثَلَاثَةً، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ أَيْ لَا يُجْمَعُ مَثَلًا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً لِيَجْعَلَهَا نِصَابًا، وَالْحَالُ أَنَّ لِكُلِّ عِشْرِينَ، قَالَ: وَمَا كَانَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ إِلَخْ قَالُوا: أَرَادَ بِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِحْدَى وَسِتُّونَ مَثَلًا مِنَ الْإِبِلِ، لِأَحَدِهِمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ، وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا بِنْتَ لَبُونٍ، وَبِنْتَ مَخَاضٍ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةِ مَا أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ مِلْكِهِ زَكَاةَ شَرِيكِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 1285

وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ: مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ ثُبُوتٌ فِيمَا لَا صَدَقَةَ فِيهِ، أَيْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ وَالْجَمْعَ كَيْلَا تَثْبُتَ الصَّدَقَةُ فِي مَا لَا صَدَقَةَ فِيهِ وَاجِبَةً، كَمَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَانِينَ حَيْثُ تَجِبُ ثِنْتَانِ، وَالْوَاجِبُ فِيهَا لَيْسَ إِلَّا وَاحِدَةً، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشْرِينَ لِرَجُلَيْنِ لِتَجِبَ وَاحِدَةٌ، وَالْوَاقِعُ أَنْ لَا وُجُوبَ فِيهَا (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، أَصْلُهُ وَرِقٌ، وَهُوَ الْفِضَّةُ، حُذِفَ مِنْهُ الْوَاوُ، وَعَوَّضَ عَنْهَا التَّاءُ، كَمَا فِي عِدَةٍ وَدِيَةٍ (رُبْعُ الْعُشْرِ) بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِي، وَضَمِّهِمَا فِيهِمَا يَعْنِي إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَرُبْعُ الْعُشْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَرَّ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا لِلْغَالِبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ خَبَرُ الدِّينَارِ أَيِ الْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، قَالَ: هَذَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَفِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهِ، وَإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى مَعْنَاهُ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِسْنَادِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمِثْقَالُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ الْمُعْتَدِلِ خُمُسَا حَبَّةٍ، وَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةٍ، وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ اهـ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ زِنَةُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَالْمِثْقَالُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شُعَيْرَاتٍ مُتَوَسِّطَاتٍ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيِ الرِّقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ (إِلَّا تِسْعِينَ) أَيْ دِرْهَمًا (وَمِائَةً) أَيْ دَرَاهِمَ، وَالْمَعْنَى إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ نَاقِصَةً عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ) أَيْ لَا يَجِبُ إِجْمَاعًا (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) أَيْ يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَ مَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ، فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ فِيهَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، هَذَا يُوهِمُ أَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ مِائَتَيْنِ كَانَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تِسْعِينَ لِأَنَّهُ آخِرُ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الْمِائَةِ، وَالْحِسَابُ إِذَا جَاوَزَ الْمِائَةَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْفُصُولِ وَالْعَشَرَاتِ، وَالْمِئَاتِ وَالْأُلُوفِ، فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيمَا نَقَصَ عَنْ كَمَالِ الْمِائَتَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» "، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ أَنَّ دَلَالَةَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقَلِّ مَا نَقَصَ مِنَ النِّصَابِ إِنَّمَا يَتِمُّ بِحَدِيثِ " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» "، وَيُسَمَّى هَذَا فِي الْأُصُولِ النَّصَّ الْمُقَيَّدَ بِمُفَارَقَةِ نَصٍّ آخَرَ، وَيَنْصُرُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، لَكِنْ إِذَا ضُمَّ مَعَهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: مُقَطَّعًا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَهُوَ كِتَابٌ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَزَادَ فِيهِ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَقَدْ يُوهِمُ لَفْظُ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِيهِ الِانْقِطَاعَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَمِنَ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا» .

ص: 1286

1797 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

1797 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ) أَيِ الْمَطَرُ وَالسَّيْلُ وَالْأَنْهَارُ (وَالْعُيُونُ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ (أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُخَفَّفَةِ، وَقِيلَ: بِالتَّشْدِيدِ وَغَلَطٌ، وَقِيلَ: بِإِسْكَانِهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فِي النِّهَايَةِ ; هُوَ مِنَ النَّخْلِ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، يَجْتَمِعُ فِي حُفَيْرَةٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَذْيُ، وَهُوَ الزَّرْعُ الَّذِي لَا يَسْقِيهِ إِلَّا مَاءُ الْمَطَرِ، قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَوَّلُ هَاهُنَا أَوْلَى لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ، وَعَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ أَيِ الثَّانِي، هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ التُّورِبِشْتِيُّ، وَقِيلَ: مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ تَكُونُ رَطْبَةً أَبَدًا، لِقُرْبِهَا مِنَ الْمَاءِ، مِنْ عَثَرَ عَلَى الشَّيْءِ يَعْثُرُ عُثُورًا، وَعَثَرَ أَيْ طَلَعَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَهَجَّمَ عَلَى الْمَاءِ فَنُسِبَ إِلَى الْعَثَرَةِ (الْعُشْرُ) أَيْ يَجِبُ عُشْرُهُ (وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ) أَيْ وَفِيمَا سُقِيَ بِبَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ، وَالنَّضْحُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى السَّقْيِ، فِي النِّهَايَةِ: وَالنَّوَاضِحُ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَالْوَاحِدُ نَاضِحٌ. اهـ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ. اهـ وَفِيهِ بَحْثٌ ; وَيُسَمَّى هَذَا الْحَيَوَانُ سَانِيَةً (نِصْفُ الْعَشْرِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُؤْنَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. اهـ، وَجَاءَ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ:«فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ أَيِ الْمَطَرُ عُشْرٌ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ:«فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا أَيْ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْمَاءِ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» .

ص: 1286

1798 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخَمُسُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1798 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْعَجْمَاءُ) أَيِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ تَأْنِيثُ الْأَعْجَمِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ (جَرْحُهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْمَفْهُومُ مِنَ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَبِالضَّمِّ الْجِرَاحَةُ، وَالْمُرَادُ إِتْلَافُهَا، قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَرْحِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ، وَقِيلَ: هُوَ مِثَالٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ (جُبَارٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ هَدْرٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ لِيَصِحَّ حَمْلُ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ هَدْرٌ بَاطِلٌ. اهـ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ وُجُودِ جَرْحِهَا، فَإِنَّهَا مَعَهُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، نَعَمِ الْجُمْلَتَانِ الْمُتَأَخِّرَتَانِ تَحْتَاجَانِ إِلَى تَقْدِيرٍ، كَمَا لَا يَخْفَى، يَعْنِي إِذَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَائِدٌ وَلَا سَائِقٌ وَكَانَ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَحَدٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِتَقْصِيرِهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ لَيْلًا، لِأَنَّ الْمَالِكَ قَصَّرَ فِي رَبْطِهَا، إِذِ الْعَادَةُ أَنْ تُرْبَطَ الدَّوَابُّ لَيْلًا، وَتُسَرَّحَ نَهَارًا، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَابْنُ الْمَلَكِ (وَالْبِئْرُ) بِهَمْزٍ وَيُبْدَلُ (جُبَارٌ) أَيِ الْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ بِلَا تَعَدٍّ إِذَا وَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ، أَوِ انْهَارَ عَلَى الْحَافِرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ فِي الْأَوَّلِ وَلِلْأَمْرِ فِي الثَّانِي (وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) كَالْبِئْرِ فِي الْوَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِذَا حَفَرَ أَحَدٌ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ، وَوَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ أَوْ دَابَّةٌ لَا ضَمَانَ عَلَى حَافِرِهَا، أَمَّا إِذَا حَفَرَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَكَذَا إِذَا حَفَرَ وَاحِدٌ مَوْضِعًا فِيهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ لِيُخْرِجَ مِنْهُ وَوَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ أَوْ دَابَّةٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، وَكَذَلِكَ الْفَيْرُوزَجُ وَالطِّينُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِذَا اسْتَأْجَرَ حَافِرًا لِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوِ اسْتِخْرَاجِ الْمَعْدِنِ فَانْهَارَ عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ، وَكَذَا إِذَا وَقَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ فَهَلَكَ، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَفْرُ عُدْوَانًا وَإِنْ كَانَ فَفِيهِ خِلَافٌ (وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (الْخَمُسُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الرِّكَازُ الْمَعْدِنُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ:" الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ "، وَدَفِينُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَالْمُنَاسِبُ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ، قِيلَ: وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِذِكْرِ انْهِيَارِ الْمَعْدِنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اللُّغَةُ تَحْتَمِلُهَا لِأَنَّ كُلًّا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ أَيْ ثَابِتٌ، وَيُقَالُ رَكَزَهُ أَيْ دَفَنَهُ، قِيلَ: الْحَدِيثُ عَلَى رَأْيِ الْحِجَازِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُسُ لِكَثْرَةِ نَفْعِهِ وَسُهُولَةِ أَخْذِهِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الرِّكَازُ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ، وَالْكَنْزَ لِأَنَّهُ مِنَ الرَّكْزِ، مُرَادًا بِهِ الْمَرْكُوزُ، أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوِ الْمَخْلُوقَ، فَكَانَ إِيجَابًا فِيهِمَا وَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إِرَادَةِ الْمَعْدِنِ بِسَبَبِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إِفَادَةِ أَنَّهُ جُبَارٌ، أَيْ هَدْرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِلَّا لَتَنَاقَصَ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَعْدِنِ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّقُ فِي ضِمْنِ الرِّكَازِ، لِيَخْتَلِفَ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، إِذِ الْمُرَادُ بِهِ أَيْ إِهْلَاكُهُ، أَوِ الْهَلَاكُ بِهِ لِلْأَجِيرِ الْحَافِرِ لَهُ، غَيْرُ مَضْمُونٍ، لَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ; إِذِ الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي كَمِّيَّتِهِ لَا فِي أَصْلِهِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ "، قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، يَوْمَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ» "، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ، فَهُوَ وَإِنْ سُكِتَ عَنْهُ فِي الْإِمَامِ مُضَعَّفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَيْسَ بِجَامِدٍ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ، وَجَامِدٌ لَا يَنْطَبِعُ كَالْجَصِّ وَالنَّوْرَةِ وَالزَّرْنِيخِ، وَسَائِرِ الْأَحْجَارِ كَالْيَاقُوتِ، وَالْمِلْحِ، وَلَا يَجِبُ الْخُمُسُ إِلَّا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُبْ إِلَّا فِي النَّقْدَيْنِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

ص: 1287

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

1799 -

عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةً الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِنْ زَادَتْ فَثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَيْءٌ، وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ» .

ــ

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

1799 -

(عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» ) أَيْ إِذَا لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ، وَفِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَفَوْتُ مُشْعِرٌ بِسَبْقِ ذَنْبٍ، مِنْ إِمْسَاكِ الْمَالِ عَنِ الْإِنْفَاقِ، أَيْ تَرَكْتُ وَجَاوَزْتُ عَنْ أَخْذِ زَكَاتِهِمَا مُشِيرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَالٍ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ اهـ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ

ص: 1287

مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَعْنَى إِذَا عَفَوْتُ عَنْهُمَا وَعَنْ أَمْثَالِهِمَا مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ الْأَمْوَالِ (فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ) أَيْ زَكَاةَ الْفِضَّةِ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ (مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ) بَيَانٌ لِلنِّصَابِ (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَيِ الرِّقَةُ (مِائَتَيْنِ فَقَطْ) أَيْ بَعْدَ حَوْلٍ أَيِ الْوَاجِبُ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ لَأَبَى دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ) أَيِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أَبُو زُهَيْرٍ، وَهُوَ مِمَّنِ اشْتُهِرَ بِصُحْبَةِ عَلِيٍّ، وَقِيلَ: لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ (عَنْ عَلِيٍّ قَالَ زُهَيْرٌ) بِالتَّصْغِيرِ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (أَحْسَبُهُ) أَيْ أَظُنُّهُ (مَرْوِيًّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ، أَوِ النَّبِيُّ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ: أَحْسَبُهُ قَالَ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، لَيْسَ فِيهِ قَالَ زُهَيْرٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ (هَاتُوا) أَيْ فِي كُلِّ حَوْلٍ (رُبْعَ الْعُشْرِ) أَيْ مِنَ الْفِضَّةِ وَبَيَانُهُ (مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ) أَيْ مِنَ الزَّكَاةِ (حَتَّى تَتِمَّ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ أَيْ تَبْلُغَ أَيِ الرِّقَةُ أَوِ الْوَرِقُ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ بَالِغَةً مِائَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] (فَإِذَا كَانَتْ) أَيِ الرِّقَةُ أَوِ الْوَرِقُ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: سَوَاءً كَانَتْ مَسْكُوكَةً، أَوْ لَا، وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، مَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مَسْكُوكًا مِنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقَوُّمِ، وَالْعُرْفُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَسْكُوكِ، وَكَذَا نِصَابُ السَّرِقَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ (فَفِيهَا) أَيْ حِينَئِذٍ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ) أَيْ عَلَى أَقَلِّ نِصَابٍ (فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ) أَيْ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ كَمَا عُلِمَ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَأُعِيدَ هُنَا لِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ، لِمَا جُبِلَتِ النُّفُوسُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّحِّ، وَمَنْعِ الزَّكَاةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا عَفْوَ فِي الدَّرَاهِمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الزَّائِدِ عَلَى النِّصَابِ بِقَدْرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّائِدُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ هُوَ الْأَرْبَعِينَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ مِيرَكُ: إِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ، قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: وَعَاصِمٌ تَكَلَّمَ فِيهِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ الْمَذْكُورِ، وَالْحَارِثِ وَتَكَلَّمُوا فِيهِمَا وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ مَوْقُوفًا. اهـ، أَقُولُ: وَثَّقَ عَاصِمًا الْمَذْكُورَ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْعَجْلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: صَدُوقٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ وَسَطٌ، وَأَمَّا الْحَارِثُ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَقَوَّى أَمْرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلِحَدِيثِهِ شَوَاهِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ الثِّقَاتِ، إِلَّا قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ. اهـ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَرِوَايَةُ الْحَارِثِ وَالْأَعْوَرِ لَيْسَتْ فِي الْمَصَابِيحِ، وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ: مِمَّا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ (وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ) بَدَلٌ مِنْ فِي الْغَنَمِ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (شَاةً) تَمْيِيزٌ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32] قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَيْسَ " شَاةً " هَاهُنَا تَمْيِيزًا مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، لِأَنَّ دِرْهَمًا بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاحِدِ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَلَا يُعْلَمُ هَذَا مِنَ الرِّقَةِ فَيَكُونُ شَاةً هُنَا لِمَزِيدِ التَّوْضِيحِ، وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ (شَاةٌ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَفِي الْغَنَمِ خَبَرُهُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ " كُلِّ " زَائِدَةٌ، أَوِ الْمُرَادُ بِهَا اسْتِغْرَاقُ أَفْرَادِ الْأَرْبَعِينَ، لِيُفِيدَ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِكُلٍّ مِنْ أَرْبَعِينَ، أَوِ الْوَاجِبُ شَاةٌ مُبْهَمَةٌ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ لِلثَّانِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا لَفَسَدَ الْمَعْنَى، إِذْ لَا تَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ هُنَا بِتَكَرُّرِ الْأَرْبَعِينَ إِجْمَاعًا، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ (إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ زَادَتْ) أَيْ وَاحِدَةً أَوِ الْغَنَمُ عَلَى مِائَتَيْنِ (فَثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَإِذَا) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ

ص: 1288

(زَادَتْ) أَيِ الشَّاةُ (عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ) أَيْ وَبَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ (فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ (إِلَّا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَيْءٌ، وَفِي الْبَقْرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ) أَيْ بَقْرًا (تَبِيعٌ) أَيْ مَا لَهُ سَنَةٌ، وَسُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ، وَالْأُنْثَى تَبِيعَةٌ (وَفِي الْأَرْبَعِينَ) أَيْ مِنَ الْبَقَرِ (مُسِنَّةٌ) أَيْ مَا لَهُ سَنَتَانِ، وَطَلَعَ سِنُّهَا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَا تَتَعَيَّنُ الْأُنُوثَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا فِي الْغَنَمِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ، لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ فَضْلًا فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْإِبِلِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَفِيهَا تَبِيعَانِ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِزِيَادَةِ عَشْرٍ فَعَشْرٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ. اهـ. وَهُوَ رِوَايَةُ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، لِقَوْلِ مُعَاذٍ فِي الْبَقْرِ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَفِيمَا زَادَ يُحْسَبُ إِلَى سِتِّينَ، وَفِيهَا ضَعْفُ مَا فِي ثَلَاثِينَ، فَفِي الْوَاحِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ تَبِيعٍ، وَعَلَى هَذَا لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ النَّصْبِ بِالرَّأْيِ، فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُ (وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ) وَلَوْ بَلَغَتْ نِصَابًا (شَيْءٌ) فَعَلَى بِمَعْنَى فِي، أَوِ التَّقْدِيرُ عَلَى صَاحِبِ الْعَوَامِلِ، وَهِيَ جَمْعُ عَامِلَةٍ مِنَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فِي الْحَرْثِ، وَالسَّقْيِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مَالِكٍ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَفِي مَعْنَاهُ الْحَوَامِلُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَوَامِلَ تَصْدُقُ عَلَى الْحَوَامِلِ وَالْمُثِيرَةِ فَالنَّفْيُ عَنْهَا نَفْيٌ عَنْهَا، وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ اسْمِ الْمُثِيرَةِ حَدِيثٌ مُضَعَّفٌ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ: لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. اهـ وَالْمُثِيرَةُ عَلَى مَا فِي الْبَقَرِ تُثِيرُ الْأَرْضَ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ كَمَا اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ أَنَّ الْعَوَامِلَ مِنَ الْبَقَرِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْحَقُ بِهَا الْإِبِلُ قِيَاسًا، وَإِنَّ أَسَاسَهَا الْمَالِكُ كُلَّ الْحَوْلِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمُدَّةُ الْعَمَلِ الْمُؤَثِّرَةُ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ. اهـ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَلَبَةِ.

ص: 1289

1800 -

«وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

1800 -

(وَعَنْ مُعَاذٍ) بِالضَّمِّ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ) أَيْ جَعَلَهُ مُتَوَجِّهًا (إِلَى الْيَمَنِ) عَامِلًا عَلَى الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا (أَمْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْبَقْرُ مِنْ بَقَرَ إِذَا شَقَّ ; سُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالتَّاءُ فِي بَقَرَةٍ لِلْوَحْدَةِ، فَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لَا لِلتَّأْنِيثِ (مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ) أَيْ بَقَرَةً (تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً) يَعْنِي أَوْ مُسِنًّا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ، قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: زَعَمَ ابْنُ بَطَّالِ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ هَذَا مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ مَسْرُوقًا رَاوِيَهُ عَنْ مُعَاذٍ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِشَوَاهِدِهِ، فَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ نَحْوُهُ، وَطَاوُسٌ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمِينِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَغَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمِينِ، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا، وَهَذَا أَصَحُّ، وَيَعْنِي بِالدِّينَارِ مِنَ الْحَالِمِ الْجِزْيَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرَّجَاهُ، وَأَعَلَّهُ

ص: 1289

عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ: إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ فِعْلُ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَمَسْرُوقٌ عِنْدَنَا بِلَا شَكٍّ أَدْرَكَ مُعَاذًا بِسِنِّهِ وَعَقْلِهِ، وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ يَقِينًا، وَأَفْتَى فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ بِالْيَمَنِ أَيَّامَ مُعَاذٍ، بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ عَنْ مُعَاذٍ، فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُجْعَلُ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ مَا فَشَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ كَذَا وَكَذَا، وَالْحَقُّ قَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِحَدِيثِهِ عَنْ مُعَاذٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمُعَاصَرَةِ، مَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ اللِّقَاءِ، وَأَمَّا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ مِنَ الْعِلْمِ بِاجْتِمَاعِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً، فَكَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا وَجَّهَهُ ابْنُ حَزْمٍ. اهـ، كَلَامُ الْمُحَقِّقِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ أَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قَالُوا: فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُهُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ، فَقَالَ: " لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» " قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ، وَفِي السَّنَدِ ضَعْفٌ وَفِي الْمَتْنِ أَنَّهُ رَجَعَ فَوَجَدَهُ حَيًّا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ أَيْ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ حَدِيثٌ آخَرُ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَفِي السِّتِّينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا أَنْ تَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا، وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَاعْتِرَاضٌ أَيْضًا بِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ صلى الله عليه وسلم حَيًّا، وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا. . . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذٌ، وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، وَأُخْرِجَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا جَمِيلًا حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ يُدَانُ حَتَّى أَغَرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ وَمَعَهُ غُرَمَاؤُهُ. . . فَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَبَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ لَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْبُرَكَ وَيُؤَدِّيَ عَنْكَ دَيْنَكَ، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ مُعَاذٌ. . الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْحَاكِمَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى أَنَّهُ «قَدِمَ فَسَجَدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " يَا مُعَاذُ مَا هَذَا؟ " قَالَ: وَجَدْتُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْيَمَنِ يَسْجُدُونَ لِعُظَمَائِهِمْ، وَقَالُوا هَذِهِ تَحِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» "، وَفِي هَذَا أَنَّ مُعَاذًا أَدْرَكَهُ صلى الله عليه وسلم حَيًّا. اهـ وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 1290

1801 -

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

ــ

1801 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُعْتَدِي) أَيِ السَّاعِي الْمُتَجَاوِزِ عَنْ قَدْرِ الْوَاجِبِ (فِي الصَّدَقَةِ) أَيْ فِي أَخْذِهَا (كَمَانِعِهَا) أَيْ فِي الْوِزْرِ، وَقِيلَ: الْمَالِكُ الْمُعْتَدِي بِكَتْمِ بَعْضِهَا أَوْ وَصْفِهَا عَلَى السَّاعِي حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ مَا لَا يُجْزِئُهُ، أَوْ تَرَكَ عَنْهُ بَعْضَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، كَمَانِعِهَا مِنْ أَصْلِهَا فِي الْإِثْمِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُعْتَدِيَ بِمَا ذُكِرَ مَانِعٌ حَقِيقَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ؟ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمُخَادِعُ فِي صُورَةِ الْمُعْطِي حَيْثُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ مَانِعٌ فَشُبِّهَ بِهِ لِيُعْلَمَ قُبْحُ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْمُعْتَدِي هُوَ الَّذِي يُعْطِيهَا غَيْرَ مُسْتَحِقِّهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ السَّاعِيَ إِذَا أَخَذَ خِيَارَ الْمَالِ فَإِنَّ الْمَالِكَ رُبَّمَا يَمْنَعُهَا فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى، فَكَانَ ظُلْمًا لِلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونُ هُوَ فِي الْإِثْمِ كَالْمَانِعِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِي الصَّدَقَةِ، بِحَيْثُ لَا يُبْقِي لِعِيَالِهِ شَيْئًا، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُعْطِي وَيَمُنُّ وَيُؤْذِي، فَالْإِعْطَاءُ مَعَ الْمَنِّ وَالْأَذَى كَالْمَنْعِ عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، قَالَ - تَعَالَى - {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263] فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ

ص: 1290

عَلَى الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْإِثْمِ مَا عَلَى الْمَانِعِ، فَلَا يَحِلُّ لِرَبِّ الْمَالِ كِتْمَانُ الْمَالِ، وَإِنِ اعْتَدَى عَلَيْهِ السَّاعِي، قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ الِاسْتِمْرَارِ فِي الْمَنْعِ، فَإِذَا فُقِدَ الْقَيْدُ فُقِدَ التَّشْبِيهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ اهـ، وَهُوَ كِنْدِيٌّ بَصْرِيٌّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يُرْوِهِ غَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

ص: 1291

1802 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

1802 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ) أَيْ وَلَا زَبِيبٍ (صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: بَلْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، فَكَانَ يَنْبَغِي إِيرَادُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

ص: 1291

1803 -

وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: «عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» . مُرْسَلٌ رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ــ

1803 -

(وَعَنْ مُوسَى) وَهُوَ أَبُو عِيسَى (بْنِ طَلْحَةَ) أَيِ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْقُرَشِيِّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ، تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَبَاهُ وَجَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ (قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ بَعْضُهُمْ: أَحَذَ مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ إِنْ تَعَلَّقَ عَنِ النَّبِيِّ بِقَوْلِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: كَانَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مُعْتَرِضًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ، قُلْتُ: بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ كِتَابَهُ بِهَذَا الْمَضْمُونِ أَوْ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: قَالَ، وَيُقَوِّيهِ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: مُرْسَلٌ، قَالَ: وَإِنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ كَانَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ كِتَابٍ فِي الْخَبَرِ، أَيْ صَادِرًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا، بَلْ يَكُونُ هَذَا وِجَادَةً. اهـ، لَكِنْ يَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ وِجَادَةً عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِ الْكِتَابِ بِخَطِّ مُعَاذٍ، وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الْإِذْنَ بِالرِّوَايَةِ، وَحِينَئِذٍ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُرْسَلِ، لَكِنْ فِيهِ ثُبُوتُ الِاتِّصَالِ لِلِارْتِبَاطِ الْمُفِيدِ ثُبُوتَ النِّسْبَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لِمَنْ شَرَطَ الِاتِّصَالَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، كَالصَّحِيحَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، فَكَوْنُهُ وِجَادَةً لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُرْسَلًا، فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ قَالَ: هَذَا مِنْ بَابِ الْوِجَادَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَقْلٍ مِنْ كِتَابِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةٍ وَلَا سَمَاعٍ، وَلَا قِرَاءَةٍ. اهـ، فَعَلَى هَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُرْسَلًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوِجَادَةِ، فَإِطْلَاقُهُ الْوِجَادَةَ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ لَا الِاصْطِلَاحِ، فَلَا مُنَافَاةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَا قِيلَ إِنَّ مُوسَى هَذَا وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَمَّاهُ لَمْ يَثْبُتْ (أَنَّهُ) أَيْ مُعَاذٌ (قَالَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا (أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ) أَيِ الزَّكَاةَ وَهِيَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ (مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ، بَلْ تَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ إِذَا كَانَ قُوتًا، وَعِنْدَنَا فِيمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ قُوتًا كَانَ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ غَيْرُهَا. اهـ، وَسَبَقَهُ الْمُظْهِرُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا إِنْ صَحَّ بِالنَّقْلِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَمَعْنَاهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنَ الْمُعْشَرَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ، وَغَلَّبَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْحُبُوبِ لِكَثْرَتِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَأَصَالَتِهَا فِي الْقُوتِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِمَّا يَزْرَعُهُ النَّاسُ وَتَغْرِسُهُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ سَوَاءً كَانَ قُوتًا أَوْ غَيْرَ قُوتٍ، فَذَكَرَ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ عِنْدَهُ لِلتَّغْلِيبِ أَيْضًا (مُرْسَلٌ) قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ شَائِبَةُ الِاتِّصَالِ بِوَاسِطَةِ الْوِجَادَةِ إِنْ صَحَّ أَنَّ الْكِتَابَ بِخَطِّ مُعَاذٍ (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) وَفِي مَعْنَاهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْحَصْرُ فِيهِ إِضَافِيٌّ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ، وَصَحَّحَهُ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالسَّيْلُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ الْمُقْتَاتِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ أَيْ بِالْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَهِيَ الرَّطْبَةُ فَعَفْوًا عَنَّا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ لَمْ يُوجِبْ فِيهِ شَيْئًا، فَمُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ وَبُرْهَانٍ وَتَوْضِيحٍ وَبَيَانٍ.

ص: 1291

1804 -

وَعَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فِي زَكَاةِ الْكُرُومِ: " إِنَّهَا تُخْرَصُ كَمَا تُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا، كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

1804 -

(وَعَنْ عَتَّابٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ (بْنِ أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَاسْتَعْمَلَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَكَّةَ، وَعُمْرُهُ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَأَقَرَّهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ مِنْ سَادَةِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي زَكَاةِ الْكُرُومِ) أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ زَكَاتِهَا، وَهِيَ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الْكَرْمِ وَهُوَ شَجَرُ الْعِنَبِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يُنَافِي تَسْمِيَةُ الْعِنَبِ كَرْمًا خَبَرَ الشَّيْخَيْنِ: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا، فَإِنَّ الْكَرْمَ هُوَ الْمُسْلِمُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» ، لِأَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ عَلَى أَنَّ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، أَوْ خَاطَبَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِهِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا سَمَّتِ الْعَرَبُ الْعِنَبَ كَرْمًا لِكَثْرَةِ حَمْلِهِ، وَسُهُولَةِ قَطْفِهِ، وَكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، إِذْ هُوَ فَاكِهَةٌ وَقُوتٌ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ خَلٌّ وَدِبْسٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْخَمْرُ كَرْمٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحُثُّهُمْ عَلَى الْكَرَمِ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا لِتَضَمُّنِهِ مَدْحَهَا، فَتَتَشَوَّقُ إِلَيْهَا النُّفُوسُ، وَكَانَ اسْمُ الْكَرْمِ بِالْمُؤْمِنِ وَبِقَلْبِهِ أَلْيَقَ وَأَعْلَقَ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَنَفَعِهِ، وَاجْتِمَاعِ الْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ فِيهِ. اهـ، وَفِيهِ أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ إِنَّمَا هُوَ مَظَنَّةُ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي: بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم فِي زَكَاةِ الْكُرُومِ فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ (إِنَّهَا تُخْرَصُ) أَيْ تُحْزَرُ وَتُخَمَّنُ (كَمَا تُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ) أَيِ الْمَخْرُوصِ (زَبِيبًا) قَالَ الْمُظْهِرُ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ إِذَا ظَهَرَ فِي الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ حَلَاوَةٌ يُقَدِّرُ الْحَازِرُ أَنَّ هَذَا الْعِنَبَ إِذَا صَارَ زَبِيبًا كَمْ يَكُونُ، فَهُوَ حَدُّ الزَّكَاةِ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا (كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ وَلَا أَدْرَكَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ مَاجَهْ، لَكِنْ بَيَّنَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ أَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَسَنَدُهُ صَحِيحًا، أَوْ حَسَنًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا، فَالْجُمْهُورُ يَجْعَلُونَ الْمُرْسَلَ حُجَّةً، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً، إِلَّا إِذَا اعْتُضِدَ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَصَحُّ فِيهَا إِنَّمَا يُعْتَدُّ بِهَا إِذَا اعْتُضِدَتْ بِإِسْنَادٍ أَوْ إِرْسَالٍ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، أَوْ يَقُولُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ حِكْمَةَ جَعْلِ النَّخْلِ فِيهِ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتِ الْأَوَّلَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَبِهَا نَخْلٌ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا، فَلَمَّا فَتَحَ الطَّائِفَ وَبِهَا الْعِنَبُ الْكَثِيرُ أَمَرَ بِخَرْصِهِ، كَخَرْصِ النَّخْلِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ، وَهُوَ الْأَحْسَنُ، أَوْ أَنَّ النَّخْلَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ وَأَشْهَرَ.

ص: 1292

1805 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: " «إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

1805 -

(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ (حَدَّثَ) أَيْ رَوَى وَأَخْبَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا خَرَصْتُمْ) أَيْ خَمَّنْتُمْ أَيْ أَيُّهَا السُّعَاةُ (فَخُذُوا) أَيْ زَكَاةَ الْمَخْرُوصِ مِنْ آفَةٍ (وَدَعُوا) أَيِ اتْرُكُوا (الثُّلُثَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهِ أَيْ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلِجِيرَانِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ:" فَخُذُوا " جَوَابٌ لِلشَّرْطِ، وَدَعُوا، عَطْفٌ عَلَيْهِ إِذَا خَرَصْتُمْ فَبَيِّنُوا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ، ثُمَّ خُذُوا ثُلْثَيْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَاتْرُكُوا الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الْمَالِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: حُذِفَ فَخُذُوا، وَجُعِلَ " فَدَعُوا " جَوَابًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ، قَالَ الْقَاضِي: الْخِطَابُ مَعَ الْمُصَدِّقِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا لِلْمَالِكِ ثُلُثَ مَا خَرَصُوا عَلَيْهِ أَوْ رُبُعَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ، حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهِ هُوَ عَلَى جِيرَانِهِ وَمَنْ يَمُرُّ بِهِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لَا عِبْرَةَ بِالْخَرْصِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الرِّبَا، وَزَعَمُوا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ كَانَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ عَتَّابٍ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَتَحْرِيمُ الرِّبَا كَانَ مُقَدَّمًا. اهـ، كَلَامُهُ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فِي الصَّحِيحِ صَرِيحٌ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا أَخْذُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَتْرُكُ السَّاعِي لَهُ نَخْلَةً أَوْ نَخْلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ: لَا يَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا وَأَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ: دَعُوا لَهُ ذَلِكَ لِيُفَرِّقَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى نَحْوِ أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِمْ، لِطَمَعِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُ (فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا) أَيْ لَهُ (الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٍ: لَا يُتْرَكُ شَيْءٌ مِنَ الزَّكَاةِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي يَهُودِ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَاقَاهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِصْفَهَا، فَأَمَرَ الْخَارِصَ أَنْ يَتْرُكَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ مُسَلَّمًا لَهُمْ، وَيُقَسِّمَ الْبَاقِي نِصْفًا لَهُمْ وَنِصْفًا لَهُ صلى الله عليه وسلم (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ (وَالنَّسَائِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

ص: 1292

1806 -

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودٍ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ، قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1806 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ) أَيْ يُرْسِلُ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودٍ) أَيْ فِي خَيْبَرَ (فَيَخْرُصُ النَّخْلَ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ يَحْزِرُهَا (حِينَ يَطِيبُ) بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ أَيْ يَظْهَرُ فِي الثِّمَارِ الْحَلَاوَةُ (قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَأَبَى دَاوُدَ: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ الثِّمَارُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرُ الْيَهُودَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُوهُ إِلَيْهِ بِهِ، لِكَيْ يُحْصِيَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ، وَهَذِهِ زَكَاةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَرَكُوهَا فِي أَيْدِي الْيَهُودِ يَعْمَلُونَ فِيهَا. اهـ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، فَبَيَّنَهُ بِأَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ لَمْ يَخْرُصْ عَلَيْهِمْ إِلَّا حِصَّةَ الْغَانِمِينَ، دَفَعُوا إِلَيْهِمْ نَخْلَهَا لِيَعْمَلُوا فِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ التَّمْرِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) أَيْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ هُوَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ شَاهِدًا لَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

ص: 1293

1807 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَزُقٍّ زِقٌّ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرُ شَيْءٍ.

ــ

1807 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَزُقٍّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ (أَفُعْلٍ) جَمْعُ قِلَّةٍ (زِقٌّ) بِكَسْرِ الزَّايِ مُفْرَدُهُ، وَهُوَ ظَرْفٌ مِنْ جِلْدٍ يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْعَسَلِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَأَحْمَدُ، وَفِي الْجَدِيدِ لَا عُشْرَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ) أَيِ التِّرْمِذِيُّ (فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ) أَيْ مَحَلُّ قَوْلٍ، أَوْ قَوْلٌ ; قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مَوْضِعُ قَوْلٍ لِلْمُحَدِّثِينَ أَيْ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَطَعَنُوا فِي صِحَّتِهِ (وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ بَابِ زَكَاةِ الْعَسَلِ (كَثِيرُ شَيْءٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَحَادِيثَ دَالَّةً عَلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ: وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ، مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ مِنْ أَوْسَطِهَا مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهِ، وَغَايَةُ مَا فِي حَدِيثِ الْقِرَبِ أَنَّهُ كَانَ أَدَاؤُهُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً، وَهُوَ فَرْعُ بُلُوغِ عَسَلِهِمْ هَذَا الْمَبْلَغَ، أَمَّا النَّفْيُ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ فَضَعِيفٌ.

ص: 1293

1808 -

وَعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

1808 -

(وَعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ (قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ) أَيْ أَخْرِجْنَ زَكَاةَ أَمْوَالِكُنَّ (وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، فَكَسْرُ اللَّامِ وَتَشْدِيدُ التَّحْتِيَّةِ وَاحِدُهُ: حَلْيٌ، بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، مَا تَحَلَّى أَيْ تَزَيَّنَ بِهِ لُبْسًا أَوْ غَيْرَهُ، دَلَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَلْيِ الْمُبَاحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَلْيِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا زَكَاةَ فِي الْحَلْيِ الْمُبَاحِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ (فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ لِمَحَبَّةِ الدُّنْيَا الْبَاعِثَةِ عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ، وَالصَّدَقَةِ لِلْعُقْبَى (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.

ص: 1293

1809 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا: " تُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ؟ " قَالَتَا: لَا. فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ " قَالَتَا: لَا، قَالَ: " فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَى الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ نَحْوَ هَذَا، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ وَابْنُ لَهِيعَةَ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ. وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ.

ــ

1809 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَسْوِرَةٌ لِجَمْعِ الْيَدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ فِي يَدَيْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سِوَارَيْنِ (مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا: تُؤَدِّيَانِ) أَيْ أَتُؤَدِّيَانِ (زَكَاتَهُ) أَيِ الذَّهَبَ أَوْ مَا ذَكَرَ مِنَ السِّوَارَيْنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِيهِ بِمَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68](قَالَتَا: لَا. فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتَا: لَا، قَالَ: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَلْيِ، قَالَ الْأَشْرَافُ: وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّطَوُّعُ، أَوِ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ الْإِعَارَةُ. اهـ، وَهُمَا فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ إِذْ لَا وَعِيدَ فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ وَالْإِعَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الزَّكَاةِ عَلَى الْعَارِيَةِ، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، قَالَ: أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ كَثِيرًا بِالْإِسْرَافِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ مُتَّخَذًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، قَدْ بَقِيَتْ فِيهِ زَكَاةٌ. اهـ، وَهُمَا أَبْعَدُ مِنَ الْأَوَّلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالصَّدَقَةِ التَّطَوُّعُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْعِيدِ، فَإِنَّهُنَّ حِينَئِذٍ لَمْ يُخْرِجْنَ رُبْعَ الْعُشْرِ مِنَ الْحَلْيِ عَلَيْهِنَّ، بَلْ كُنَّ يَرْمِينَ مَا كَانَ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَلْيِ فِي حِجْرِ بِلَالٍ. اهـ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُنَافِي صَدَقَةَ الْفَرْضِ، سَوَاءً كَانَتْ بِمِقْدَارِ الْفَرْضِ، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَئِنْ سَلِمَ (فَلَوْ) هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ تَصَدَّقْنَ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى مِمَّا يَجِبُ فِيهِ مِنَ الْحَلْيِ، وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ " «فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ» " اهـ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ مِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَهُوَ حَمْلُ " لَوْ " عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَلَا يُرَادُ بِهَا حَقِيقَتُهَا بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ " لَوْ " هُنَا مِثْلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» "، أَيِ اتَّقُوهَا بِمَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ قَلَّ كَشِقِّ تَمْرَةٍ، أَوْ كَثُرَ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ:" «فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ» "، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ تَعْلِيلِ الطِّيبِيِّ بِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَى الْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَيْبٍ نَحْوَ هَذَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: وَضَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ الرَّاجِعِ إِلَى الْحَدِيثِ، وَأَرَادَ بِنَحْوِ هَذَا مَعْنَاهُ (وَالْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ مِيرَكُ: أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ هَذَا الْحَدِيثَ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَوَى الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِلَخْ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ تَقْرِيبِ ذِكْرِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَتَضْعِيفِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِجْمَالُ وَالْإِغْلَاقُ فِي نَقْلِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ (وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ) قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: بَلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيِّهِمَا أَيِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ سَوَاءً كَانَ مُبَاحًا أَوْ لَا حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَضُمَّ الْخَاتَمَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَحِلْيَةَ السَّيْفِ، وَالْمُصْحَفِ، وَكُلَّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَالْمَنْقُولَاتِ مِنَ الْعُمُومَاتِ وَالْخُصُوصَاتِ تُصَرِّحُ بِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم " «هَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» "، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ، وَمِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ:«أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ بِنْتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: " أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ " قَالَتْ: لَا، قَالَ: " أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ " قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ فِي كِتَابِهِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْمُنْذِرُ فِي مُخْتَصَرِهِ: إِسْنَادُهُ لَا يُقَالُ فِيهِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ رَجُلًا رَجُلًا، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: أَتَتِ امْرَأَتَانِ. . فَسَاقَهُ، وَتَضْعِيفُ التِّرْمِذِيِّ وَقَوْلُهُ:" لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ " مُؤَوَّلٌ وَإِلَّا فَخَطَأٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ قَصَدَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا، وَإِلَّا فَطَرِيقُ أَبِي دَاوُدَ لَا مَقَالَ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لِحَدِيثٍ إِلَى دَاوُدَ: وَبِهَذَا ضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ ضَعِيفَيْنِ، ابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَاحِ، وَمِنْهُمَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ:«دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتِ وَرِقٍ، فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ " فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ "، فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: " هُنَّ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ» "، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الْحَدِيثَ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْمَطْلُوبِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَرْفُوعَةٌ، غَيْرَ أَنَّا اقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى مَا لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهِ، وَالتَّأْوِيلَاتُ الْمَنْقُولَاتُ عَنِ الْمُخَالِفِينَ مِمَّا يَنْبَغِي صَوْنُ النَّفْسِ عَنْ إِحْضَارِهَا وَالِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ مَا يُصَرِّحُ بِرَدِّهَا. اهـ، كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مُلَخَّصًا، وَمِنْ جُمْلَةِ تَأْوِيلِهِمْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الْحَلْيَ كَانَ مُحُرَّمًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، فَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ حِينَئِذٍ لِتَحْرِيمِهِ، فَلَمَّا أُبِيحَ زَالَتْ زَكَاتُهُ.

ص: 1294

1810 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: " مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» ". رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

1810 -

(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ) فِي النِّهَايَةِ: هُوَ جَمْعُ وَضَحٍ بِفَتْحَتَيْنِ نَوْعٌ مِنَ الْحَلْيِ، يُعْمَلُ مِنَ الْفِضَّةِ سُمِّيَ بِهِ لِبَيَاضِهِ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟) أَيِ أَسْتِعْمَالُ الْحَلْيِ كَنْزٌ مِنَ الْكُنُوزِ الَّذِي تُوُعِّدَ عَلَى اقْتِنَائِهِ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا (فَقَالَ: مَا بَلَغَ) أَيِ الَّذِي بَلَغَ (أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ) أَيْ نِصَابًا (فَزُكِّيَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَلَيْسَ بِكَنْزٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الْبُخَارِيِّ، اهـ، وَأَقُولُ: وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا. اهـ، وَأَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ص: 1295

1811 -

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1811 -

(وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي) أَيْ مِنَ الْمَالِ الَّذِي (نُعِدُّهُ) أَيْ نُهَيِّئُهُ (لِلْبَيْعِ) أَيْ لِلتِّجَارَةِ، وَخُصَّ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُنْوَى بِهِ الْقِنْيَةُ لَا زَكَاةَ فِيهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله: سَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ، وَهَذَا تَحْسِينٌ مِنْهُمْ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ حَسَنٌ. اهـ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ بِوُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَيَدُلُّ لَهَا أَيْضًا خَبَرُ الْحَاكِمِ بِسَنَدَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ» " وَالْبَزُّ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ، وَالسِّلَاحُ، وَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةُ عَيْنٍ، فَصَدَقَتُهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَأَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه كَمَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مَنْ يَبِيعُ الْأُدْمَ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ وَيُخْرِجَ زَكَاتَهُ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَرِوَايَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَةٌ.

ص: 1295

1812 -

وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبِيلَةِ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ» ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1812 -

(وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ) أَيْ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ) أَيْ خَصَّ (لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَيْلَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ مَجْرُورَةٌ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى (قَبَلٍ) اسْمُ مَوْضِعٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَحْفُوظُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ. اهـ، وَلَعَلَّ غَيْرَ الْمَحْفُوظِ كَسْرُ الْقَافِ وَسُكُونُ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْإِقْطَاعُ مَا يَجْعَلُهُ الْإِمَامُ لِبَعْضِ الْأَجْنَادِ وَالْمُرْتَزِقَةِ مِنْ قِطْعَةِ أَرْضٍ لِيَرْتَزِقَ مِنْ رِيعِهَا، فِي النِّهَايَةِ: الْإِقْطَاعُ يَكُونُ تَمْلِيكًا، وَغَيْرَهُ وَفِي حَدِيثٍ أَبْيَضَ: أَنَّهُ اسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ، أَيْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ إِقْطَاعًا يَتَمَلَّكُهُ، وَيَسْتَبِدُّ بِهِ، وَيَنْفَرِدُ. اهـ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي أَعْطَاهُ لِيَعْمَلَ فِيهَا وَيُخْرِجَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ بَاطِنَةً، فَإِنَّ الظَّاهِرَةَ لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا (وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ وَضَبَطَ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَيْضًا مَوْضِعٌ وَاسِعٌ بِعَيْنِهِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، أَوْ أَقَلُّ، وَفِيهِ مَسَاجِدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبِهِ قُرًى كَثِيرَةٌ، وَهُوَ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ مِنْ دَرْبِ الْمَاشِي، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ (فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ) بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ) أَيْ لَا يُأْخَذُ مِنْهَا الْخَمُسُ، قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ إِلَّا رُبْعُ الْعُشْرِ، كَزَكَاةِ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فَيُوجِبَانِ الْخُمُسَ فِي الْمَعْدِنِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِيِّ: إِنْ وَجَدَهُ بِتَعَبٍ وَمُؤْنَةٍ يَجِبُ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَإِلَّا فَالْخُمُسُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ.

ص: 1295