الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
1836 -
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا، فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَ، رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
1836 -
(عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ) أَيْ وَافَقَ هَوَى نَفْسِهِ فَأَنْكَرَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ الْقَلْبِيِّ بِالْإِلْهَامِ الْغَيْبِيِّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: سَأَلَ عُمَرُ رضي الله عنه إِذْ رَابَهُ فَإِنَّهُ أَعْجَبَهُ طَعْمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ يَأْلَفُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الرِّيبَةِ وَحَمْلِهِ عَلَى الْوَرَعِ (فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ) أَيْ مَرَّ (عَلَى مَاءٍ) أَيْ مَكَانِ مَاءٍ وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: أَيْ مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، وَمَا الْمَانِعُ أَنَّهُ وَرَدَ الْمَاءَ نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ لَازِمِ وُرُودِهِ مَحَلَّهُ اهـ وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ لَا تَخْفَى (قَدْ سَمَّاهُ) أَيْ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ " فَإِذَا " لِلْمُفَاجَأَةِ (نَعَمٌ) بِفَتْحَتَيْنِ (مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ) أَيِ الرُّعَاةُ أَوْ أَهْلُ النَّعَمِ (يَسْقُونَ) أَيِ النَّعَمَ (فَحَلَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا) أَيْ فَأَعْطُونِي هَذَا فَأَخَذْتُهُ (فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي) بِكَسْرِ السِّينِ (فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ يَدَهُ) أَيْ فِي فَمِهِ أَوْ حَلْقِهِ (اسْتِقَاءَ) أَيْ فَتَقَيَّأَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ جَوْفِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا غَايَةُ الْوَرَعِ وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الشُّبَهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ كَانَ الشَّارِحُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ قَوْلَ أَئِمَّتِهِ: إِنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَرَامًا لَزِمَهُ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ إِنْ أَطَاقَهُ وَإِنْ عُذِرَ فِي تَنَاوُلِهِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ اللَّبَنِ حَرَامًا لِأَنَّ الْقَابِضَ إِذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَهْدَاهُ لِغَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى فَرْضٍ أَنَّ عُمَرَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ فَلَا شَكَّ فِي حِلِّيَّتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ بَرَيْرَةَ أَنَّهُ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ فَكَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِهَذَا وَظَنَّ أَنَّ اللَّبَنَ حَرَامٌ، وَأَيْضًا لَا فَائِدَةَ فِي اسْتِقَائِهِ إِذْ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَنْقِيَةُ الْبَاطِنِ مِنْ أَثَرِ الْحَرَامِ أَوِ الشُّبْهَةِ وَهَذَا لَا شُبْهَةَ أَنَّهُ وَرَعٌ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: وَإِنَّمَا تَقَيَّأَ مَا شَرِبَهُ مَعَ الْجَهْلِ حَتَّى لَا يَنْبُتَ مِنْهُ لَحْمٌ يَثْبُتُ وَيَبْقَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَا يَدْرِي فَلَا يَضُرُّهُ، لِأَنَّ الْحَرَامَ إِذَا أُكِلَ وَحَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ أَثَّرَ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ صَاحِبُهُ وَلِذَا تَقَيَّأَ عُمَرُ رضي الله عنه لِأَنَّهُ شَرِبَ عَلَى جَهْلٍ، وَهَذَا وَإِنْ أَفْتَيْنَا بِأَنَّهُ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ فَإِنَّمَا أَحْلَلْنَاهُ بِحُكْمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَهُوَ كَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ إِذَا أَحْلَلْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَلْتَحِقُ بِالطَّيِّبَاتِ اهـ (رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .
[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَمِنْ تَحِلُّ لَهُ]
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
1837 -
ــ
(بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَمَنْ تَحِلُّ لَهُ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
1837 -
(عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ مُخَارِقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، (قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ: مَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ لِدَفْعِ وُقُوعِ حَرْبٍ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَالِ أَيْ يَسْتَدِينُهُ وَيَدْفَعُهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْحَمَالَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ (فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْحَمَالَةِ بِمَعْنَى لِأَجْلِهَا (فَقَالَ: " أَقِمْ ") أَمْرٌ مِنَ الْإِقَامَةِ بِمَعْنَى اثْبُتْ وَاصْبِرْ " حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ " أَيْ يَحْضُرَنَا مَالُهَا " فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا " أَيْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ بِالْحَمَالَةِ (ثُمَّ قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ ") أَيِ السُّؤَالَ وَالشَّحْذَةَ " لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ " فِي شَرْحِ
ابْنِ الْمَلَكِ قَالُوا: هَذَا بَحْثُ سُؤَالِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا سُؤَالُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَمَنْ لَا يَقْدِرْ عَلَى كَسْبٍ لِكَوْنِهِ زَمِنًا أَوْ ذَا عِلَّةٍ أُخْرَى جَازَ لَهُ السُّؤَالُ بِقَدْرِ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَا يَدَّخِرُ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ لِاشْتِغَالِ الْعِلْمِ جَازَتْ لَهُ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لِاشْتِغَالِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَصِيَامِهِ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ وَيُكْرَهُ لَهُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ جَلَسَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ فِي بُقْعَةٍ وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ وَرِيَاضَةِ الْأَنْفُسِ وَتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ يُسْتَحَبُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَسْأَلَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَكِسْرَاتِ الْخُبْزِ لَهُمْ وَاللِّبَاسَ لِأَجْلِهِمْ " رَجُلٍ " بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أَحَدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِنْ ثَلَاثَةٍ وَبِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ " تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ " أَيْ جَازَتْ بِشَرْطِ أَنْ يُتْرَكَ الْإِلْحَاحُ وَالتَّغْلِيظُ فِي الْخِطَابِ " حَتَّى يُصِيبَهَا " أَيْ إِلَى أَنْ يَجِدَ الْحَمَالَةُ أَوْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ (ثُمَّ يُمْسِكَ) أَيْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، يَعْنِي إِذَا أَخَذَ مِنَ الصَّدَقَاتِ مَا يُؤَدِّي ذَلِكَ الدَّيْنَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ آخَرَ مِنْهَا، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَفِيهِ نَظَرٌ " وَرَجُلٌ " بِالْوَجْهَيْنِ " أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ " أَيْ آفَةٌ وَحَادِثَةٌ مُسْتَأْصِلَةٌ مِنْ جَاحَهُ يَجُوحُهُ إِذَا اسْتَأْصَلَهُ وَهِيَ الْآفَةُ الْمُهْلِكَةُ لِلثِّمَارِ وَالْأَمْوَالِ (اجْتَاحَتْ) أَيِ اسْتَأْصَلَتْ وَأَهْلَكَتْ " مَالَهُ " مِنْ ثِمَارِ بُسْتَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ " فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ " أَيْ سُؤَالُ الْمَالِ مِنَ النَّاسِ " حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا " أَيْ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ مَا تَقُومُ بِهِ حَاجَتُهُ الضَّرُورِيَّةُ " مِنْ عَيْشٍ " أَيْ مَعِيشَةٍ مِنْ قُوتٍ وَلِبَاسٍ " أَوْ قَالَ " شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي " سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ " بِالْكَسْرِ وَهُوَ الصَّوَابُ مَا يُسَدُّ بِهِ الْفَقْرُ وَيُدْفَعُ وَيَكْفِي الْحَاجَةَ " وَرَجُلٍ " بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ غَنِيٍّ " أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ " أَيْ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ اشْتُهِرَ بِهَا بَيْنَ قَوْمِهِ " حَتَّى يَقُومَ " أَيْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ " ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا " بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ أَيِ الْعَقْلِ الْكَامِلِ (مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ) أَيْ يَقُومَ ثَلَاثَةٌ قَائِلِينَ هَذَا الْقَوْلَ، وَالْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي ثُبُوتِ الْفَاقَةِ، قَالَ الصَّغَانِيُّ: هَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ: يَقُومَ، وَالصَّحِيحُ: يَقُولَ بِاللَّامِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا فِي الْمَصَابِيحِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَ الْقَوْلِ مَعَ الْقِيَامِ آكَدُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ: وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي مَعْنَى " يَقُومَ "، انْدَفَعَ قَوْلُ الصَّغَانِيِّ وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّ كَلَامَ الصَّغَانِيِّ فِي تَصْرِيحِ الرِّوَايَةِ لَا فِي تَصْحِيحِ الدِّرَايَةِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى التَّقْدِيرِ أَظْهَرُ فِي مَقَامِ التَّقْرِيرِ، هَذَا وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ " يَقُومَ " بِمَعْنَى " يَقُولَ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ الْقَوْلَ يَأْتِي بِمَعْنَى الْفِعْلِ لَا الْعَكْسُ كَمَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى بَرَاءَةِ السَّائِلِ عَنِ التُّهْمَةِ فِي ادِّعَائِهِ وَأَدْعَى لِلنَّاسِ إِلَى سُرْعَةِ إِجَابَتِهِ، وَخَصَّ بِكَوْنِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْعَالِمُونَ بِحَالِهِ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ وَالتَّعْرِيفِ إِذْ لَا مَدْخَلَ لِعَدَدِ الثَّلَاثِ مِنَ الرِّجَالِ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْإِعْسَارَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْبَعْضِ إِلَّا بِثَلَاثَةٍ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَثُلِّثَتْ عَلَى خِلَافِ مَا اعْتِيدَ فِي الْإِثْبَاتِ لِلْحَاجَةِ، وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ نَقْلًا عَنِ التَّخْرِيجِ: أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُقْبَلُ مِنْ عَدْلَيْنِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِهِ وَالْإِعْسَارِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْمَالِ " فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ " أَيْ فَسَبَبُ هَذِهِ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ صَارَتْ حَلَالًا لَهُ " حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ " وَيَخْتَلِفُ فَاعِلُ قَالَ بِاخْتِلَافِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ فَتَأَمَّلْ " فَمَا سِوَاهُنَّ " أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ " سُحْتٌ " بِضَمَّتَيْنِ وَبِسُكُونِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَكْثَرُ هُوَ الْحَرَامُ الَّذِي لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ لِأَنَّهُ يُسْحِتُ الْبَرَكَةَ أَيْ يُذْهِبُهَا " يَأْكُلُهَا " أَيْ يَأْكُلُ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْمَسْأَلَةِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ: وَالْحَاصِلُ يَأْكُلُ حَاصِلُهَا " صَاحِبُهَا سُحْتًا " نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَأْكُلُهَا وَجَعَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ حَالًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالْمَسْأَلَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
1838 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
1838 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ ") أَيْ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، يُقَالُ سَأَلْتُهُ الشَّيْءَ وَعَنِ الشَّيْءِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ فَنَصْبُهُ لِنَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَقِيلَ: بَدَلُ اشْتِمَالٍ " تَكَثُّرًا " مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ لِيَكْثُرَ مَالُهُ لَا لِلِاحْتِيَاجِ " فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا " أَيْ قِطْعَةً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، يَعْنِي مَا أَخَذَ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ بِالنَّارِ، وَجَعَلَهُ جَمْرًا لِلْمُبَالَغَةِ فَهَذَا كَقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] أَيْ مَا يُوجِبُ نَارًا فِي الْعُقْبَى وَعَارًا فِي الدُّنْيَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْرًا حَقِيقَةً يُعَذَّبُ بِهِ كَمَا ثَبَتَ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ " فَلْيَسْتَقِلَّ " أَيْ مِنَ السُّؤَالِ أَوِ الْجَمْرِ " أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ " أَيْ لِيَطْلُبْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَهَذَا تَوْبِيخٌ لَهُ أَوْ تَهْدِيدٌ، وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ أَوِ اسْتَقَلَّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
1839 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
1839 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ ") أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ بَيَانِ الْحَالِ " حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ " بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ وَحُكِيَ فَتْحُ الْمِيمِ أَيْضًا وَالضَّمُّ هُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَيْ قِطْعَةٌ يَسِيرَةٌ مِنَ اللَّحْمِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا جَاءَ لَهُ وَلَا قَدْرَ، مِنْ قَوْلِهِمْ لِفُلَانٍ وَجْهٌ فِي النَّاسِ أَيْ قَدْرٌ وَمَنْزِلَةٌ أَوْ يَأْتِي فِيهِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ لَحْمٌ أَصْلًا إِمَّا عُقُوبَةً لَهُ وَإِمَّا إِعْلَامًا بِعَمَلِهِ اهـ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَامَةً لَهُ يَعْرِفُهُ النَّاسُ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ تَفْضِيحًا لِحَالِهِ وَتَشْهِيرًا لِمَا لَهُ وَإِذْلَالًا لَهُ كَمَا أَذَلَّ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا وَأَرَاقَ مَاءَ وَجْهِهِ بِالسُّؤَالِ، وَمِنْ دُعَاءِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنْ سُجُودِ غَيْرِكَ فَصُنْ وَجْهِي عَنْ مَسْأَلَةِ غَيْرِكَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
1840 -
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمِ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
1840 -
(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ» ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى السُّؤَالِ أَيْ لَا تُبَالِغُوا وَتُلِحُّوا، مِنْ أَلْحَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِذَا أَلَحَّ فِيهَا " فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي " أَيْ بِالْإِلْحَافِ " أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ " بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ مَنْصُوبًا وَمَرْفُوعًا وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ سَبَبِيَّةٌ فِي الْإِخْرَاجِ " لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ يَعْنِي لِإِعْطَائِهِ أَوْ لِذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الدَّالِّ عَلَيْهِ يَخْرُجُ " كَارِهٌ " وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ " فَيُبَارَكَ " بِالنَّصْبِ مَجْهُولًا أَيْ فَإِنْ يُبَارَكْ " لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ " أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِلْحَافِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: نَصْبُهُ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ أَيْ لَا يَجْتَمِعُ إِعْطَائِي كَارِهًا مَعَ الْبَرَكَةِ اهـ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ فَيُقَدَّرُ هُوَ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ بَاعِثَ الْمُعْطِي الْحَيَاءُ مِنْهُ أَوْ مِنَ الْحَاضِرِينَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَعْطَاهُ - فَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ بَدَلِهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ السُّؤَالِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُمَا حَرَامٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، وَالثَّانِي حَلَالٌ مَعَ الْكَرْهَةِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَلَّا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُكَلِّفَ بِالْمَسْئُولِ، فَإِنْ فَقَدَ أَحَدَ الشُّرُوطِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ.
1841 -
وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
1841 -
(وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ") أَيْ فَيَجْمَعَ حَطَبًا ثُمَّ يَرْبُطَ بِهِ " لِيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ " قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْحُزْمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ، قَدْرُ مَا يُحْمَلُ بَيْنَ الْعَضُدَيْنِ وَالصَّدْرِ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَى الظَّهْرِ مِنَ الْحَطَبِ " فَيَبِيعَهَا " قِيلَ: مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ " أَنْ "، أَيْ فَأَنْ يَبِيعَ تِلْكَ الْحُزْمَةَ وَثَمَنَهَا " فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ " أَيْ يَمْنَعَ عَنْ إِرَاقَةِ مَاءِ وَجْهِهِ بِالسُّؤَالِ " خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ " أَيْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ فِي أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا حَدِيثُ «مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ» .
1842 -
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: " يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى "، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
1842 -
(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بَعْدَهُ زَايٌ (قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ شَيْئًا (فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ لِي) أَيْ بَعْدَ السُّؤَالِ الثَّالِثِ، أَوْ بَعْدَ مَا فَنِيَ الْمَالُ، أَوْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ " يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ " أَيِ الْمَالَ الَّذِي بِأَيْدِي النَّاسِ أَوْ جِنْسَهُ أَوْ نَوْعَهُ الْحَاصِلَ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَتَعَبٍ " خَضِرٌ " بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ طَرِيٌّ نَاعِمٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ غَايَةَ الرَّغْبَةِ " حُلْوٌ " أَيْ لَذِيذٌ عِنْدَ النَّفْسِ تَمِيلُ إِلَيْهِ بِالطَّبْعِ غَايَةَ الْمَيْلِ، وَقِيلَ: الْخَضِرُ فِي الْعَيْنِ طَيِّبٌ وَالْحُلْوُ يَكُونُ فِي الْفَمِ طَيِّبًا إِذْ لَا تَمَلَّ الْعَيْنُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْخَضِرِ بَلْ يَقْوَى النَّظَرُ إِلَيْهِ قُوَّةَ الْبَصَرِ، وَلَا يَمَلُّ الْفَمُ مِنْ أَكْلِ الْحُلْوِ، وَكَذَلِكَ النَّفْسُ حَرِيصَةٌ بِجَمْعِ الْمَالِ لَا تَمَلُّ عَنْهُ، فَقِيلَ: إِنَّهُ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ مِنْ حَيْثُ زَهْرَتُهَا وَبَهْجَتُهَا وَبَهَاؤُهَا ثُمَّ سُرْعَةُ فَنَائِهَا مَا فِي الْأَمْوَالِ مِنْ زِيَادَةِ عَنَائِهَا وَخِسَّةِ شُرَكَائِهَا " فَمَنْ أَخَذَهُ " أَيِ الْمَالَ أَخْذًا مُلْتَبَسًا " بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ " أَيْ مِنَ الْأَخْذِ يَعْنِي بِلَا سُؤَالٍ وَلَا إِشْرَافٍ وَلَا طَمَعٍ أَوْ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ مِنَ الْمُعْطِي " بُورِكَ لَهُ فِيهِ " لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي أَخْذِهِ إِلَى رَبِّهِ مُمْتَثِلٌ لِأَمْرِهِ قَائِمٌ لِشُكْرِهِ مُتَقَوٍّ بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ لَا حَظَّ لَهُ فِي قَبُولِهِ إِلَّا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3] وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا الْحَالِ حَدِيثُ «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، وَخَبَرُ:«ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ» " وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ " يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ أَيْ بِطَمَعٍ أَوْ حِرْصٍ أَوْ تَطَلُّعٍ " لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ " قِيلَ: الْإِشْرَافُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ يُرَى بِكَرَاهِيَتِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ بِالْإِعْطَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ نَفْسِ الْمُعْطِي وَاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيضٍ مِنَ السَّائِلِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعْطَهُ لَتَرَكَهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَوِ الْمُرَادُ نَفْسُ السَّائِلِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الْإِعْطَاءِ أَوْ عَنْ إِنْفَاقِ الصَّدَقَةِ وَعَدَمِ إِمْسَاكِهَا " وَكَانَ " أَيِ السَّائِلُ الْآخِذُ الصَّدَقَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْبَرَكَةِ وَكَثْرَةِ الشَّرِهِ وَالنَّهْمَةِ " كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ " أَيْ كَذِي آفَةٍ يَزْدَادُ سُقْمًا بِالْأَكْلِ وَهُوَ مُعَبَّرٌ عَنْهُ بِجُوعِ الْبَقَرِ وَفِي مَعْنَاهُ مَرَضُ الِاسْتِسْقَاءِ " وَالْيَدُ الْعُلْيَا " أَيِ الْمُعْطِيَةُ أَوِ الْمُتَعَفِّفَةُ " خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى " وَهِيَ الْآخِذَةُ أَوِ السَّائِلَةُ وَقِيلَ السُّفْلَى الْمَانِعَةُ (قَالَ حَكِيمٌ) أَيْ بَعْدَ مَا سَمِعَ فِي السُّؤَالِ مِنْ نَقْصِ الْحَالِ وَعَدَمِ بَرَكَةِ الْمَالِ فِي الْمَالِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ قَبْلَ الزَّايِ أَيْ لَا أُنْقِصُ " أَحَدًا " أَيْ مَالَ أَحَدٍ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَالْأَخْذِ مِنْهُ (بَعْدَكَ) أَيْ بَعْدَ سُؤَالِكَ هَذَا أَوْ بَعْدَ قَوْلِكَ هَذَا شَيْئًا؛ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَرْزَأَ بِمَعْنَى أُنْقِصُ (حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا) أَيْ إِلَى أَنْ أَمُوتَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
1843 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ: " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
1843 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ (يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ) أَيْ فَضْلَهَا وَالْحَثَّ عَلَيْهَا أَوْ حُكْمَ أَخْذِهَا أَوْ سُؤَالِهَا (وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الْكَفُّ عَنِ الْحَرَامِ وَعَنِ السُّؤَالِ عَنِ النَّاسِ " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ " أَيِ الْمُعْطِيَةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْمُتَعَفِّفَةُ مِنَ الْعِفَّةِ، وَرَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّعَفُّفِ وَالسُّؤَالِ، وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ الْمُنْفِقَةَ أَعْلَى مِنَ الْآخِذَةِ وَالْمُتَعَفِّفَةَ أَعْلَى مِنَ السَّائِلَةِ، قِيلَ: الْإِنْفَاقُ يَدُلُّ عَلَى التَّعَفُّفِ مَعَ زِيَادَةٍ وَيُنَاسِبُ التَّحْرِيضَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَرِوَايَةُ الشَّيْخَيْنِ أَوْلَى وَأَصَحُّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً اهـ. وَالتَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْأَرْجَحُ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْهَا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: مَرْدُودٌ، بَلِ الرَّاجِحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْحَالَتَيْنِ لِأَصْحَابِهِمَا مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ التَّرْجِيحَ لِرِوَايَةِ الْمُتَعَفِّفَةِ عَلَى الْمُنْفِقَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِنِظَامِ الْمَرَامِ لَا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَئِمَّةِ الْأَنَامِ " وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ " قَالَ الشَّيْخُ:
أَبُو النَّجِيبِ السُّهْرَوَرْدِيُّ فِي آدَابِ الْمُرِيدِينَ: وَأَجْمَعُوا أَيِ الصُّوفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالرِّضَا، فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» "، وَقَالَ: الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ قِيلَ لَهُ: الْيَدُ الْعُلْيَا تَنَالُهَا الْفَضِيلَةُ بِإِخْرَاجِ مَا فِيهَا، وَالْيَدُ السُّفْلَى تَنَالُهَا الْمَنْقَصَةُ بِحُصُولِ الشَّيْءِ فِيهَا اهـ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْغَنِيَّ بِإِعْطَاءِ بَعْضِ الْمَالِ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاخْتِيَارِ الْفَقْرِ، وَالْفَقِيرَ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَالِ مَالَ إِلَى الْغِنَى فَتَنْقُصُ حَالُهُ وَيُخْشَى مَآلُهُ، وَفِي هَذَا مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَلَالَةٌ جَسِيمَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ عَلَى الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حَالُ السَّائِلِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَيْفَ حَالُ الْمُتَعَفِّفِ وَالْآخِذِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّائِلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا، وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْحَالُ فَانْقَلَبَ الْمِثَالُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَعْنِي خَوَاجَةَ عُبَيْدَ اللَّهِ السَّمَرْقَنْدِيَّ - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ - لَمَّا سُئِلَ: الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَفْضَلُ أَمِ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ؟ فَقَالَ: بَلِ الْفَقِيرُ الشَّاكِرُ، وَهُوَ إِمَّا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ أَوِ الشِّكَايَةَ الضَّرُورِيَّةَ أَوِ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وَاللَّهُ أَعْلَمُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
1844 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
1844 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: إِنَّ أُنَاسًا) وَفِي نُسْخَةٍ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ أَيْ جَمَاعَةً (مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ شَيْئًا (فَأَعْطَاهُمْ) أَيْ إِيَّاهُ (ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَنِيَ (مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: " مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ ") أَيْ مَالٍ، وَ " مِنْ " بَيَانٌ لِـ " مَا "، وَمَا خَبَرِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلشَّرْطِ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مَوْجُودٌ عِنْدِي أُعْطِيكُمْ " فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ " وَلَمْ أَمْنَعْهُ مِنْكُمْ " وَمَنْ يَسْتَعِفَّ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْفَكِّ أَيْ: مَنْ يَطْلُبْ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَوْ يَطْلُبِ الْعِفَّةَ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَيْسَ السِّينُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ " يُعِفَّهُ اللَّهُ " أَيْ يَجْعَلْهُ عَفِيفًا مِنَ الْإِعْفَافِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْعِفَّةِ وَهِيَ الْحِفْظُ عَنِ الْمَنَاهِي، يَعْنِي مَنْ قَنِعَ بِأَدْنَى قُوتٍ وَتَرَكَ السُّؤَالَ تَسْهُلُ عَلَيْهِ الْقَنَاعَةُ وَهِيَ كَنْزٌ لَا يَفْنَى " وَمَنْ يَسْتَغْنِ " أَيْ يُظْهِرْ الْغِنَى بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالتَّعَفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ حَتَّى يَحْسَبَهُ الْجَاهِلُ غَنِيًّا مِنَ التَّعَفُّفِ " يُغْنِهِ اللَّهُ " أَيْ يَجْعَلْهُ غَنِيًّا أَيْ بِالْقَلْبِ، فَفِي الْحَدِيثِ:«لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» " وَمَنْ يَتَصَبَّرْ " أَيْ يَطْلُبْ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَالَ - تَعَالَى - {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] أَوْ يَأْمُرْ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ وَيَتَكَلَّفْ فِي التَّحَمُّلِ عَنْ مَشَاقِّهِ، وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّ الصَّبْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى صَبْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْبَلِيَّةِ، أَوْ مَنْ يَتَصَبَّرْ عَنِ السُّؤَالِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ بِأَنْ يَتَجَرَّعَ مَرَارَةَ ذَلِكَ، وَلَا يَشْكُوَ حَالَهُ لِغَيْرِ رَبِّهِ (يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: يُسَهِّلْ عَلَيْهِ الصَّبْرَ فَتَكُونُ الْجُمَلُ مُؤَكِّدَاتٍ وَيَزِيدُ إِرَادَةَ مَعْنَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً) أَيْ: مُعْطًى أَوْ شَيْئًا (هُوَ خَيْرٌ) أَيْ: أَفْضَلُ لِاحْتِيَاجِ السَّائِلِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْمَقَامَاتِ (وَأَوْسَعُ) أَيْ: أَشْرَحُ لِلصَّدْرِ (مِنَ الصَّبْرِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقَامَ الصَّبْرِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ بِمَا لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ وَالْحَالَاتِ، وَلِذَا قُدِّمَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45] وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَوْسَعَ أَنَّهُ تَتَّسِعُ بِهِ الْمَعَارِفُ وَالْمَشَاهِدُ وَالْأَعْمَالُ وَالْمَقَاصِدُ، فَإِنْ قِيلَ: الرِّضَا أَفْضَلُ مِنْهُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، أُجِيبُ: بِأَنَّهُ غَايَتُهُ الَّتِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِلَّا مَعَهَا فَلَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] إِذِ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّهِ، وَنَحْوُهُ مَا يَكُونُ مَعَهُ رِضًا، وَإِلَّا فَهُوَ مَقَامٌ نَاقِصٌ جِدًّا، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ - تَعَالَى - {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] وَ {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] وَ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ (خَيْرٌ) أَيْ: هُوَ خَيْرٌ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ (خَيْرًا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ عَطَاءٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَوَقَعَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ:" مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرٌ " بِلَا لَفْظِ هُوَ وَهُوَ مُقَدَّرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ " خَيْرًا " بِالنَّصْبِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، فَفِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. تَسَاهُلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1845 -
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: " خُذْهُ، فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
1845 -
(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ) قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ أَجْرَ عَمَلِهِ فِي الصَّدَقَةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ السَّاعِدِيِّ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ (فَأَقُولُ: أَعْطِهِ) الضَّمِيرُ لِلْعَطَاءِ أَوْ لِلسَّكْتِ (أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي) أَيْ: أَحْوَجَ (فَقَالَ: خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ) أَيْ: اقْبَلْهُ وَأَدْخِلْهُ فِي مَالِكَ، أَيْ إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجًا (وَتَصَدَّقْ بِهِ) أَيْ عَلَى أَفْقَرَ مِنْكَ إِنْ كَانَ فَاضِلًا عَنْكَ عَمَّا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ (فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ) إِشَارَةً إِلَى جِنْسِ الْمَالِ أَوِ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ (وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْإِشْرَافُ الِاطِّلَاعُ عَلَى شَيْءٍ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الطَّمَعُ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّكَ غَيْرُ طَامِعٍ لَهُ (وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ) أَيْ: فَاقْبَلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجًا (وَمَا لَا) أَيْ: وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِيئَكَ هُنَالِكَ إِلَّا بِتَطَلُّعٍ إِلَيْهِ وَاسْتِشْرَافٍ عَلَيْهِ (فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) مِنَ الْإِتْبَاعِ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: فَلَا تَجْعَلْ نَفْسَكَ تَابِعَةً لَهُ وَلَا تُوصِلِ الْمَشَقَّةَ إِلَيْهَا فِي طَلَبِهِ، حُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ اشْتَرَى (شَيْئًا) مِنَ السُّوقِ فَحَمَلَهُ بَنَانُ الْحَمَّالُ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، وَكَانَ الْخَبْزُ مَنْشُورًا لِيَبْرُدَ أَمَرَ وَلَدَهُ أَنْ يُعْطِيَ قُرْصًا لِبَنَانَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ، فَامْتَنَعَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَهُ وَيُعْطِيَهُ، فَأَخَذَهُ، فَتَعَجَّبَ الْوَلَدُ مِنِ امْتِنَاعِهِ أَوَّلًا، وَأَخْذِهِ ثَانِيًا، فَسَأَلَ الْإِمَامَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَمَّا دَخَلَ وَرَأَى الْعَيْشَ وَقَعَ مِنْهُ إِشْرَافٌ عَلَى مُقْتَضَى الطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَلَمَّا خَرَجَ وَجَاءَهُ الْخُبْزُ مِنْ غَيْرِ إِشْرَافٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَخَذَهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي حَدِيثٍ:«مَنْ أَتَاهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَرَدَّهُ فَكَأَنَّمَا رَدَّهُ عَلَى اللَّهِ» ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ بِوُجُوبِ قَبُولِهِ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
1846 -
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
1846 -
(عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمَسَائِلُ " جَمْعُ الْمَسْأَلَةِ، وَجُمِعَتْ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا سُؤَالُ أَمْوَالِ النَّاسِ (كُدُوحٌ) مِثْلَ: صُبُورٍ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْكَدْحِ بِمَعْنَى: الْجَرْحِ، فَالْإِخْبَارُ بِهِ عَنِ الْمَسَائِلِ بِاعْتِبَارِ مَنْ قَامَتْ بِهِ، أَيْ: سَائِلُ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ جَارِحٌ لَهُمْ بِمَعْنَى مُؤْذِيهِمْ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَوْ جَارِحٌ وَجْهَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ، وَبِضَمِّ الْكَافِ جَمْعُ كَدْحٍ، وَهُوَ أَثَرٌ مُسْتَنْكَرٌ مِنْ خَدْشٍ أَوْ عَضٍّ، وَالْجَمْعُ هُنَا أَنْسَبُ لِيُنَاسِبَ الْمَسَائِلَ (يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ) أَيْ: يَجْرَحُ وَيَشِينُ بِالْمَسَائِلِ (وَجْهَهُ) وَيَسْعَى فِي ذَهَابِ عَرْضِهِ بِالسُّؤَالِ بِرِيقُ مَاءِ وَجْهِهِ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ لَهُ، وَالْكَدْحُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْجَرْحِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6] (فَمَنْ شَاءَ) أَيِ: الْإِبْقَاءَ (أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ) أَيْ: مَاءِ وَجْهِهِ مِنَ الْحَيَاءِ بِتَرْكِ السُّؤَالِ وَالتَّعَفُّفِ (وَمَنْ شَاءَ) أَيْ: عَدَمَ الْإِبْقَاءِ، (تَرَكَهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْإِبْقَاءَ (إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ) أَيْ: حُكْمٍ وَمُلْكٍ بِيَدِهِ بَيْتُ الْمَالِ، فَيَسْأَلُ حَقَّهُ، فَيُعْطِيهِ مِمَّنْ إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ، وَالصَّحِيحُ إِنْ غَلَبَ فِي يَدِهِ الْحَرَامُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَمْ تَحِلَّ وَإِلَّا حَلَّتْ يَعْنِي: حَرُمَ سُؤَالُهُ، وَالْأَخْذُ مِنْهُ كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَاعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ بَالَغَ فِي رَدِّهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ سُؤَالًا وَأَخْذًا، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي قَبُولِ عَطَاءِ السُّلْطَانِ، فَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَأَبَاحَهُ آخَرُونَ (أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ أَجْلِهِ (بُدًّا) أَيْ: عِلَاجًا آخَرَ غَيْرَ السُّؤَالِ أَوْ لَا يَجِدُ مِنَ السُّؤَالِ فِرَاقًا وَخَلَاصًا كَمَا فِي الْحَمَالَةِ وَالْجَائِحَةِ وَالْفَاقَةِ ; بَلْ يَجِبُ حَالَ الِاضْطِرَارِ فِي الْعُرْيِ وَالْجُوعِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا يَجِبُ السُّؤَالُ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ فَتَرَكَهُ حَتَّى أَعْسَرَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّهُ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي وَرْطَةِ الْفِسْقِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذِهِ الزَّلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْفِسْقِ بِسُؤَالِ الْأَغْنِيَاءِ مَا يُؤَدِّي بِهِ هَذَا الْوَاجِبَ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ نِزَاعُ بَعْضِهِمْ لِلْغَزَالِيِّ فِي الْوُجُوبِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ) .
1847 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ ، قَالَ:" خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
1847 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ ") أَيْ: عَنِ السُّؤَالِ وَيَكْفِيهِ بِقَدْرِ الْحَالِ " جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ " أَيْ: أَثَرُهَا " فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ " أَيْ: جُرُوحٌ " أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ " بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي: جَمْعُ خَمْشٍ وَخَدْشٍ وَكَدْحٍ، فَـ " أَوْ " هُنَا إِمَّا لِشَكِّ الرَّاوِي، إِذِ الْكُلُّ يُعْرِبُ عَنْ أَثَرِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مِنْ مُلَاقَاةِ الْجَسَدِ مَا يُقَشِّرُ أَوْ يَجْرَحُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا: آثَارٌ مُسْتَنْكَرَةٌ فِي وَجْهِهِ حَقِيقَةً، أَوْ أَمَارَاتٌ لِيُعْرَفَ وَيُشْتَهَرَ بِذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِتَقْسِيمِ مَنَازِلِ السَّائِلِ فَإِنَّهُ مُقِلٌّ أَوْ مُكْثِرٌ أَوْ مُفَرِّطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَذَكَرَ الْأَقْسَامَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَالْخَمْشُ أَبْلَغُ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْخَدْشِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْكَدْحِ، إِذِ الْخَمْشُ فِي الْوَجْهِ، وَالْخَدْشُ فِي الْجِلْدِ، وَالْكَدْحُ فَوْقَ الْجِلْدِ، وَقِيلَ: الْخَدْشُ قَشْرُ الْجِلْدِ بِعُودٍ، وَالْخَمْشُ قَشْرُهُ بِالْأَظْفَارِ، وَالْكَدْحُ الْبَعْضُ، وَهِيَ فِي أَصْلِهَا مَصَادِرُ لَكِنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ أَسْمَاءً لِلْآثَارِ جُمِعَتْ (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟) أَيْ: كَمَا هُوَ أَوْ أَيُّ مِقْدَارٍ مِنَ الْمَالِ يُغْنِيهِ؟ (قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا) أَيْ: قِيمَةُ الْخَمْسِينَ مِنَ الذَّهَبِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهُوَ غَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قَدْرَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ فِي أَغْلَبِهَا، فَهُوَ غَنِيٌّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِكَسْبِ يَدٍ أَوْ تِجَارَةٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِمُ التِّجَارَةَ، وَكَانَ هَذَا الْقَدْرُ أَعْنِي: خَمْسِينَ دِرْهَمًا كَافِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ، قُدِّرَ بِهِ تَخْمِينًا، وَبِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ أَعْنِي: الْأُوقِيَّةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، فَلَا نَسْخَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقِيلَ: حَدِيثُ (مَا يُغْنِيهِ) مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْأُوقِيَّةِ، وَهُوَ بِحَدِيثِ خَمْسِينَ، وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ مُرْسَلًا: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَعِنْدَهُ عَدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا، وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي مَذْهَبِهِ مَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالسُّؤَالِ، فَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْأَنْسَبُ بِمَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ النَّسْخِ بِالْعَكْسِ بِأَنْ نُسِخَ الْأَكْثَرُ، فَالْأَكْثَرُ إِلَى أَنْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ تَدْرِيجِيًّا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ كَمَا وَقَعَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَوَقَعَ التَّدْرِيجُ فِي الزِّيَادَاتِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكَمُ الْإِلَهِيَّاتُ عَلَى وَفْقِ الطِّبَاعِ وَالْمَأْلُوفَاتِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .
1848 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ، فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ» " قَالَ النُّفَيْلِيُّ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ " وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ " وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ " أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
1848 -
(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ " أَيْ: مِنَ السُّؤَالِ وَهُوَ قُوتُهُ فِي الْحَالِ " فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ " يَعْنِي: مَنْ جَمَعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالسُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَأَنَّهُ جَمَعَ لِنَفْسِهِ نَارَ جَهَنَّمَ (قَالَ النُّفَيْلِيُّ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ مَنْسُوبٌ إِلَى أَحَدِ آبَائِهِ (وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ) أَيِ: الْحَدِيثِ (فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) أَيْ: فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى زِيَادَةً عَلَى الْأُولَى " وَمَا الْغِنَى " الظَّاهِرُ: قِيلَ: وَمَا الْغِنَى " الَّذِي لَا تَنْبَغِي " بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ (مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ " قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ " أَيْ: قَدْرُ كِفَايَتِهِمَا بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ عِلْمٍ أَوْ حَالٍ، التَّغْدِيَةُ إِطْعَامُ طَعَامِ الْغُدْوَةِ، وَالتَّعْشِيَةُ إِطْعَامُ طَعَامِ الْعَشَاءِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَسْأَلَهَا بِقَدْرِ مَا يَتِمُّ بِهِ نَفَقَةُ سَنَةٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَكِسْوَتُهُمَا ; لِأَنَّ تَفْرِيقَهُمَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً (وَقَالَ) أَيِ: النُّفَيْلِيُّ (فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) أَيْ: فِي الْجَوَابِ عَمَّا يُغْنِيهِ " أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ " بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، أَيْ: مَا يُشْبِعُهُ مِنَ الطَّعَامِ أَوَّلَ يَوْمِهِ وَآخِرَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِسُكُونِ الْبَاءِ، مَا يُشْبِعُ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمَصْدَرُ، وَفِي الْقَامُوسِ الشَّبَعُ بِالْفَتْحِ، وَكَعَنَبٍ ضِدَّ الْجُوعِ، وَبِالْكَسْرِ وَكَعِنَبٍ اسْمُ مَا أَشْبَعَكَ " أَوْ لَيْلَةً وَيَوْمٍ " شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
1849 -
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ، وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا» ". رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
1849 -
(وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) سَبَقَ أَنَّ إِبْهَامَ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ ; لِأَنَّ الْأَصَحَّ ; بَلِ الصَّوَابَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَمَنْ وَقَعَ لَهُ مِنْهُمْ زَلَّةٌ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِلتَّوْبَةِ بِبَرَكَةِ مَا حَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الصُّحْبَةِ، وَلَوْ بِاللَّحْظَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ ") بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْفِضَّةِ " أَوْ عَدْلُهَا " بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ، أَيْ: مَا يُسَاوِيهَا مِنْ ذَهَبٍ وَمَالٍ آخَرَ " فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا " أَيْ: إِلْحَاحًا وَإِسْرَافًا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ (رَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ وَأَقَرَّهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
1850 -
وَعَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَضْفًا يَأْكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
1850 -
(وَعَنْ حُبْشِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحِّدَةِ (ابْنِ جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أَبُو الْجَنُوبِ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَعَدُّوهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ» " أَيْ مَا يَكْفِيهِ لِيَوْمِهِ " وَلَا لِذِي مِرَّةٍ " بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَيْ: قُوَّةٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ " سَوِيٍّ " أَيْ: صَحِيحٍ سَلِيمِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْكَسْبِ " إِلَّا لِذِي فَقْرٍ " اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْأَخِيرِ " مُدْقِعٍ " أَيْ: شَدِيدٍ مِنْ أَدْقَعَ لَصَقَ بِالدَّقْعَاءِ وَهُوَ التُّرَابُ " أَوْ غُرْمٍ " بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ: دَيْنٍ " مُفْظِعٍ " أَيْ: شَنِيعٍ مِثْقَالٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْمُرَادُ مَا اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فِي مَبْلَغٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَوِ الْمَعْصِيَةِ وَصَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ، أَوْ تَابَ اهـ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَزِمَهُ مِنَ الْغَرَامَةِ بِنَحْوِ دِيَةٍ وَكَفَّارَةٍ " وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ " أَيْ: وَاحِدًا مِنْهُمْ " لِيُثْرِيَ " مِنَ الْإِثْرَاءِ " بِهِ " أَيْ: بِسَبَبِ السُّؤَالِ وَبِالْمَأْخُوذِ " مَالَهُ " بِفَتْحِ اللَّامِ وَرَفْعِهِ أَيْ: لِيَكْثُرَ مَالُهُ، مِنْ أَثْرَى الرَّجُلُ إِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَفِي النِّهَايَةِ الثَّرَى الْمَالُ وَأَثْرَى الْقَوْمُ كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَفِي الْقَامُوسِ الثَّرْوَةُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ مِنَ النَّاسِ وَالْمَالِ، وَثَرِيَ الْقَوْمُ كَثُرُوا وَنَمَوْا وَالْمَالُ كَذَلِكَ وَثَرِيَ كَرَضِيَ كَثُرَ مَالُهُ كَأَثْرَى، إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ: مَالَهُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ أَثْرَى لَازِمٌ فَيَتَعَيَّنُ رَفْعُهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا مَوْصُولَةٌ وَلَهُ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِيُثَرِّيَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ، وَهُوَ يَحْتِمَلُ اللُّزُومَ كَأَثْرَى، وَيَحْتَمِلُ التَّعْدِيَةَ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ " كَانَ " أَيِ: السُّؤَالُ أَوِ الْمَالُ " خُمُوشًا " بِالضَّمِّ أَيْ: عَبَسًا " فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أَيْ: عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ " وَرَضْفًا " بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ: حَجَرًا مَحْمِيًّا " يَأْكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ " أَيْ: فِيهَا، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيقُ وَالتَّعْذِيبُ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ، وَلَعَلَّ الْخَمْشَ عَذَابٌ لِوَجْهِهِ لِتَوَجُّهِهِ إِلَى غَيْرِهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَأَكْلُ الْحَجَرِ عَذَابٌ لِلِسَانِهِ وَفَمِهِ فِي السُّؤَالِ مِنَ الْمَخْلُوقِ الْمُتَضَمِّنِ لِلشِّكَايَةِ مِنْ مَوْلَاهُ - تَعَالَى، وَلِذَا وَرَدَ: كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا " فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقُلْ " أَيْ: هَذَا السُّؤَالُ أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ النَّكَالِ " وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ " وَهُمَا أَمْرُ تَهْدِيدٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الكهف: 29](رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
1851 -
ــ
1851 -
(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ " فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ " بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ تَقْرِيرِيٍّ وَ " مَا " نَافِيَةٌ وَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ سَقَطَتْ مِنْ أَصْلِ ابْنِ حَجَرٍ فَقَالَ: فِيهِ حَذْفُ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ " فَقَالَ: بَلَى حِلْسٌ " أَيْ: فِيهِ حِلْسٌ وَهُوَ بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ كِسَاءٌ غَلِيظٌ يَلِي ظَهْرَ الْبَعِيرِ تَحْتَ
الْقَتَبُ " نَلْبَسُ " بِفَتْحِ الْبَاءِ " بَعْضَهُ " أَيْ: بِالتَّغْطِيَةِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ " وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ " أَيْ: بِالْفَرْشِ " وَقَعْبٌ " بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ: قَدَحٌ " نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ " مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوْ زَائِدَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ " قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا " أَيْ: بِالْحِلْسِ وَالْقَعْبِ " فَأَتَاهُ " أَيْ: بِهِمَا كَمَا فِي نُسْخَةٍ " فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ " أَيِ: الْمَتَاعَيْنِ، فِيهِ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَإِظْهَارِ الْمَرْحَمَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ عَلَيْهِمَا رَغِبَ فِيهِمَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِمَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الشَّدِيدِ (قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا) بِضَمِّ الْخَاءِ وَيُحْتَمَلُ كَسْرُهَا (بِدِرْهَمٍ، قَالَ: " مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ " مَرَّتَيْنِ) ظَرْفٌ لِقَالَ (أَوْ ثَلَاثًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، فَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بِيعِ الْمُعَاطَاةِ (وَقَالَ: " اشْتَرِ ") بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفِي لُغَةٍ بِسُكُونِهَا " بِأَحَدِهِمَا " أَيْ: أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ " طَعَامًا فَانْبِذْهُ " بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيِ: اطْرَحْهُ " إِلَى أَهْلِكَ " أَيْ: مِمَّنْ يَلْزَمُكَ مُؤْنَتُهُ " وَاشْتَرِ بِالْأُخَرِ قَدُومًا " بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِّ أَيْ: فَأْسًا " فَائْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ " أَيْ: بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ (فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُودًا) أَيْ: مُمْسِكًا " بِيَدِهِ " أَيِ: الْكَرِيمَةِ (ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ، فَاحْتَطِبْ) أَيِ: اطْلُبِ الْحَطَبَ وَاجْمَعْ " وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا " أَيْ:، لَا تَكُنْ هُنَا هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا أَرَاكَ، وَهَذَا مِمَّا أُقِيمَ فِيهِ الْمُسَبَّبُ مَقَامَ السَّبَبِ، وَالْمُرَادُ نَهْيُ الرَّجُلِ عَنْ تَرْكِ الِاكْتِسَابِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لَا نَهْيُ نَفْسِهِ عَنِ الرُّؤْيَةِ (فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَهُ، وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا) أَيْ: حُبُوبًا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةَ ") أَيْ: إِذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا أَوْ مُطْلَقًا، لِأَنَّ السُّؤَالَ ذُلٌّ فِي التَّحْقِيقِ وَلَوْ أَيْنَ الطَّرِيقُ " نُكْتَةً " أَيْ: حَالَ كَوْنِهَا عَلَامَةً قَبِيحَةً أَوْ أَثَرًا مِنَ الْعَيْبِ " فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ " أَيْ: لَا تَحِلُّ وَلَا تَجُوزُ وَلَا تَصِحُّ " إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ " أَيْ: شَدِيدٍ " أَوْ لِذِي غُرْمٍ " أَيْ: غَرَامَةٍ أَوْ دَيْنٍ " مُفْظِعٍ " أَيْ: فَظِيعٍ وَثَقِيلٍ وَفَضِيحٍ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ لَكِنَّ الْحُكْمَ جَوَازُ السُّؤَالِ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، فَيُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ اهـ. وَفِيهِ مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ أَوِ الْحُكْمُ يُخَالِفُهُ، وَهَذَا خُلْفٌ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، إِذِ الْحُكْمُ جَوَازُ أَخْذِ الزَّكَاةِ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ، لَا جَوَازُ السُّؤَالِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلْمَذْهَبِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الْخِلَافِ الْمُرَتَّبِ " أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ " بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا أَيْ: مُؤْلِمٍ، وَالْمُرَادُ دَمٌ يُوجِعُ الْقَاتِلَ وَأَوْلِيَاءَهُ بِأَنْ تَلْزَمَهُ الدِّيَةُ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يُؤَدِّي بِهِ الدِّيَةَ، وَيَطْلُبُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْهُمْ، وَتَنْبَعِثُ الْفِتْنَةُ وَالْمُخَاصَمَةُ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُوجِعُ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ فَلَا تَكَادُ ثَائِرَةُ الْفِتْنَةِ تُطْفَأُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَقُومُ لَهُ مَنْ يَتَحَمَّلُ الْحَمَالَةَ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَتَحَمَّلَ الدِّيَةَ فَيَسْعَى فِيهَا، وَيَسْأَلَ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ، وَلَيْسَ لَهُ وَلِأَوْلِيَائِهِ مَالٌ، وَلَا يُؤَدِّي أَيْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا قَتَلُوا الْمُتَحَمِّلَ عَنْهُ، وَهُوَ أَخُوهُ أَوْ حَمِيمُهُ، فَيُوجِعُهُ قَتْلُهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مُطَوَّلًا، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ. ذَكَرَهُ مِيرَكُ. (وَرَوَىَ ابْنُ مَاجَهْ إِلَى قَوْلِهِ: يِوْمَ الْقِيَامَةِ) .
1852 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغَنَاءِ، إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ، أَوْ غِنًى آجِلٍ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
ــ
1852 -
(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ ") أَيْ: حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْفَقْرِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ " فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ " أَيْ: عَرَضَهَا عَلَيْهِمْ، وَأَظْهَرَهَا بِطَرِيقِ الشِّكَايَةِ لَهُمْ، وَطَلَبَ إِزَالَةَ فَاقَةٍ مِنْهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ: نَزَلَ بِالْمَكَانِ، وَنَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ، وَمِنَ الْمَجَازِ نَزَلَ بِهِ مَكْرُوهٌ، وَأَنْزَلْتُ حَاجَتِي عَلَى كِرِيمٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ فِي سَدِّهَا عَلَى سُؤَالِهِمْ " لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ " أَيْ: لَمْ تُقْضَ حَاجَتُهُ، وَلَمْ تَزَلْ فَاقَتُهُ، وَكُلَّمَا تُسَدُّ حَاجَةٌ أَصَابَتْهُ أُخْرَى أَشَدُّ مِنْهَا " وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ " بِأَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَوْلَاهُ " أَوْشَكَ اللَّهُ " أَيْ: أَسْرَعَ وَعَجَّلَ " لَهُ بِالْغَنَاءِ " بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ: أَيِ: الْكِفَايَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْغِنَى. قَالَ شُرَّاحُ الْمَصَابِيحِ: رِوَايَةُ بِالْغِنَى بِالْكَسْرِ مَقْصُورًا عَلَى مَعْنَى الْيَسَارِ تَحْرِيفٌ لِلْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ قَالَ: يَأْتِيهِ الْكِفَايَةُ عَمَّا هُوَ فِيهِ (إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ) قِيلَ: بِمَوْتٍ قَرِيبٍ لَهُ غَنِيٍّ، فَيَرِثُهُ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 - 3] " أَوْ غِنَى " بِكَسْرٍ وَقَصْرٍ: أَيْ: يَسَارٌ " آجِلٍ " أَيْ: بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا وَيَجْعَلَهُ غَنِيًّا. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ هَكَذَا: أَيْ: بِالْعَيْنِ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ " أَوْ غِنًى آجِلٍ " بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ دِرَايَةً لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] اهـ. وَفِيهِ بَحْثُ تَأَمُّلٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ) .
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
1853 -
عَنِ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ، أَنَّ الْفِرَاسِيَّ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْأَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا وَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ، فَسَلِ الصَّالِحِينَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
1853 -
(عَنِ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ) : بِكَسْرِ الْفَاءِ (أَنَّ الْفِرَاسِيَّ) هُوَ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ: قَالَ (قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْأَلُ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ: أَيْ: وَأَطْلُبُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا ") : أَيْ: لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ " وَإِنْ كُنْتَ ": أَيْ: سَائِلًا " لَا بُدَّ ": أَيْ: لَكَ مِنْهُ، وَلَا غِنًى لَكَ عَنْهُ " فَسَلْ " بِالْوَجْهَيْنِ: أَيِ: اطْلُبِ " الصَّالِحِينَ " لِأَنَّ الصَّالِحَ لَا يُعْطِي إِلَّا مِنَ الْحَلَالِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا كِرِيمًا وَرَحِيمًا، وَلَا يَهْتِكُ الْعِرْضَ، وَلِأَنَّهُ يَدْعُو لَكَ، فَيُسْتَجَابُ، وَلِذَا كَانَ فُقَرَاءُ بَغْدَادَ يَسْأَلُونَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ، وَمِنْ غَرِيبِهِ مَا وَقَعَ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِ الْإِمَامِ احْتَاجُوا إِلَى الْخَمِيرَةِ فِي حَالِ الْعَجْنِ مَرَّةً، فَطَلَبُوا مِنْ بَيْتِ وَلَدِهِ، وَكَانَ قَدْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ، وَمِنْ صَلَاحِهِ وَتَقْوَاهُ يَرْقُدُ عِنْدَ بَابِهِ فِي اللَّيْلِ قَائِلًا: لَعَلَّهُ احْتَاجَ إِلَيَّ، وَلَمَّا خَبَزُوا انْكَشَفَ لِلْإِمَامِ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً، فَسَأَلَهُمْ، فَحَكَوْا لَهُ بِالْقَضِيَّةِ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ، وَتَبِعُوهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ نُعْطِيهِ لِلْفُقَرَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ إِجْلَاءِ عَيْبِهِ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ الْفُقَرَاءُ، فَرَمَوْهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى فِعْلِهِمُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْحُوتِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) .
1854 -
ــ
1854 -
(وَعَنِ ابْنِ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ) : أَيْ: جَعَلَنِي عَامِلًا (عَلَى الصَّدَقَةِ) : أَيْ: عَلَى أَخْذِهَا وَجَمْعِهَا وَحِفْظِهَا (فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا) : أَيْ: مِنْ أَخْذِهَا (وَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِ) : أَيْ: إِلَى عُمَرَ (أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَفِي الْقَامُوسِ مُثَلَّثَةٌ: أُجْرَةُ الْعَمَلِ (فَقُلْتُ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ وَأَجْرِي) : بِالْوَجْهَيْنِ (عَلَى اللَّهِ، قَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ:
صِيغَةُ الْمَفْعُولِ (فَإِنِّي قَدْ عَمِلْتُ) : أَيْ: عَلَى الصَّدَقَةِ (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَمَّلَنِي) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ: أَعْطَانِي أُجْرَةَ الْعَمَلِ، وَالْمَعْنَى: أَرَادَ إِعْطَاءَهَا، أَوْ أَمَرَ لِي بِالْعَطَاءِ (فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَهُ فَكُلْ» ") : أَيْ: حَالَ كَوْنِكَ فَقِيرًا " وَتَصَدَّقْ ": أَيْ: حَالَ كَوْنِكَ غَنِيًّا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْعَامِّ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا كَالْقَضَاءِ وَالْحِسْبَةِ وَالتَّدْرِيسِ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ كِفَايَةُ هَؤُلَاءِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ وُجُوبُ قَبُولِ مَا أُعْطِيَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، أَوِ الْإِبَاحَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1855 -
وَعَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ يَوْمَ عَرَفَةَ رَجُلًا يَسْأَلُ النَّاسَ، فَقَالَ: أَفِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي هَذَا الْمَكَانِ تَسْأَلُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ؟ فَخَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ. رَوَاهُ رَزِينٌ.
ــ
1855 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ يَوْمَ عَرَفَةَ رَجُلًا يَسْأَلُ النَّاسَ، فَقَالَ:) : أَيْ: عَلِيٌّ (أَفِي هَذَا الْيَوْمِ، وَفِي هَذَا الْمَكَانِ) : أَيْ: أَنَّ زَمَانَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَمَكَانَ قَبُولِ الثَّنَاءِ، وَحُصُولِ الرَّجَاءِ؟ (يُسْأَلُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ) : أَيْ: شَيْئًا حَقِيرًا مِثْلَ الْغَدَاءِ، أَوِ الْعَشَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: هَذَا الْمَكَانُ، وَهَذَا الْيَوْمُ يُنَافِيَانِ السُّؤَالَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ السُّؤَالُ فِي الْمَسَاجِدِ، إِذْ لَمْ تُبْنَ إِلَّا لِلْعِبَادَةِ اهـ. وَنَظِيرُهُ مَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْسِيِّ - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَازِمًا لِزِيَارَةِ سَيِّدِنَا حَمْزَةَ " فَتَبِعَهُ رَجُلٌ " فَانْفَتَحَ لِلشَّيْخِ بَابُ التُّرْبَةِ مِنْ غَيْرِ مِفْتَاحٍ، فَدَخَلَ فَرَأَى رَجُلًا مِنْ رِجَالِ الْغَيْبِ، فَسَأَلَ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ: فَرَحَّمْتُ عَلَى رَفِيقِي، فَقُلْتُ لَهُ: أَدْرَكْتَ وَقْتَ الْإِجَابَةِ، فَاطْلُبْ مَقْصُودَكَ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى، فَسَأَلَ دِينَارًا، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ بَابَ الْمَدِينَةِ نَاوَلَهُ رَجُلٌ دِينَارًا، فَدَخَلْتُ عَلَى شَيْخِي السَّيِّدِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: قَبْلَ نَقْلِ الْقَضِيَّةِ يَا دَنِيَّ الْهِمَّةِ، أَدْرَكْتَ وَقْتَ الْإِجَابَةِ وَسَأَلْتَ دِينَارًا، لِمَ لَا سَأَلْتَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ مِثْلَ أَبِي الْعَبَّاسِ؟ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا حُكِيَ عَنِ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ النَّقْشَبَنْدِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ: مَا رَأَيْتَ فِي حَجِّكَ مِنَ الْعَجَائِبِ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا بَاعَ وَاشْتَرَى فِي سُوقِ مِنًى كَذَا وَكَذَا مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَمْ يَغْفُلْ عَنِ اللَّهِ سَاعَةً، وَرَأَيْتُ شَيْخًا كَبِيرًا مُتَعَلِّقًا بِالْمُلْتَزَمِ طَالِبًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - الدُّنْيَا، وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَنْ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُ الْإِجَابَةِ (فَخَفَقَهُ) : أَيْ: ضَرَبَهُ (بِالدِّرَّةِ) : بِكَسْرِ الدَّالِّ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، فِي الْقَامُوسِ هِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْخَفْقُ الضَّرْبُ بِالشَّيْءِ الْعَرِيضِ (رَوَاهُ رَزِينٌ) .
1856 -
وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: تَعْلَمُنَّ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ، وَأَنَّ الْإِيَاسَ غِنًى، وَأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا يَئِسَ عَنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ. رَوَاهُ رَزِينٌ.
ــ
1856 -
(وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: تَعْلَمُونَ) : خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: تَعْلَمُنَّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: لَتَعْلَمُنَّ، وَفِيهِ شُذُوذَانِ؛ إِيرَادُ اللَّامِ فِي أَمْرِ الْمُخَاطَبِ، وَحَذْفُهَا مَعَ كَوْنِهَا مُرَادَهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: مُحَمَّدُ تَغْدُ نَفْسُكَ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ (تَعْلَمُنَّ) جَوَابَ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ، وَاللَّامُ الْمُقَدَّرَةُ هِيَ الْمَفْتُوحَةُ، أَيْ: وَاللَّهِ لَتَعْلَمُنَّ (أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ الطَّمَعَ) : أَيْ: فِي الْخُلُقِ (فَقْرٌ) : أَيْ: حَاضِرٌ، أَوْ يَجُرُّ إِلَيْهِ (وَأَنَّ الْإِيَاسَ) بِمَعْنَى الْيَأْسِ مِنَ النَّاسِ (غِنًى، وَأَنَّ الْمَرْءَ) : تَفْسِيرٌ لِمَا تَقَدَّمَ (إِذَا يَئِسَ)، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: إِذَا أَيِسَ (عَنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ) وَلِذَا قِيلَ: الْيَأْسُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ لَمَّا طُلِبَ مِنْهُ عِلْمُ الْكِيمْيَاءِ: هُوَ فِي كَلِمَتَيْنِ: اطْرَحِ الْخَلْقَ عَنْ نَظَرِكَ، وَاقْطَعْ طَمَعَكَ عَنِ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَكَ غَيْرَ مَا قَسَمَ لَكَ (رَوَاهُ رَزِينٌ) .