الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ أَفْضَلُ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ أَيِ: الرَّحْمَةُ لِأَجْلِهِ إِلَى الْأَرْضِ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِنْ صَحَّ أَنْ تَهْبِطَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَإِلَّا فَالسِّيَاقُ وَالْمَعْنَى مَعًا قَاضِيَانِ بِأَنَّهُ الْمُثَنَّاةُ التَّحْتِيَّةُ وَأَنَّ ضَمِيرَهُ لِجِبْرِيلَ غَيْرُ مُوَجَّهٍ، فَإِنَّ النُّسَخَ الْمُصَحَّحَةَ وَالْأُصُولَ الْمُعْتَمَدَةَ اتَّفَقَتْ عَلَى الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ فِي ضَبْطِهَا، وَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ إِلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ لَفْظِهِ وَرِوَايَتِهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ: إِنْ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بَيْنَ مَلَائِكَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيَقُولُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلَانٍ فِي الْأَرْضِ الْأُولَى وَيَقُولُهَا مَلَائِكَتُهَا ثُمَّ يَقُولُهَا فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْعُلْيَا فَقَطْ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّصَرُّفِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْأَظْهَرُ وَمَا بَنَاهُ عَلَى دَلَالَةِ السِّيَاقِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مُطَابِقٌ فِي الْإِجْمَالِ لِرِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
2380 -
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] قَالَ: " كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.
ــ
2380 -
(وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل فَمِنْهُمْ) الْفَاءُ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ} [فاطر: 32] وَقِيلَ: مِنَ الْعِبَادِ {ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32] أَيْ: بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيَّاتِ {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [فاطر: 32] أَيْ: يَخْلِطُ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] أَيْ: بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ) إِيذَانٌ بِأَنَّ: جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا مُبْتَدَأُ خَبَرِ الضَّمِيرِ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ لِلْمُقْتَصِدِ وَالسَّابِقِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْجِنْسُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32] إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيرَاثِ أَوِ الِاصْطِفَاءِ أَوِ السَّابِقِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْكَشَّافُ مِنْ أَنَّ (جَنَّاتٍ) بَدَلٌ مِنَ الْفَضْلِ الْكَبِيرِ الْمَعْنِيِّ بِهِ السَّبْقُ وَأُخْرِجَ الظَّالِمُ وَالْمُقْتَصِدُ مِنْ هَذَا الْعَامِّ وَمِنَ الْفَضْلِ الْكَبِيرِ وَالْجَنَّاتِ، وَيُطَابِقُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُمْ:{إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] أَيْ: كَثِيرُ الْغُفْرَانِ لِلظَّالِمِ وَكَثِيرُ الشُّكْرِ أَيِ: الْإِثَابَةِ لِلسَّابِقِ فَالْتَأَمَ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ) وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الْبَعْثِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: «سَابِقُنَا سَابِقٌ وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ وَظَالِمُنَا مَغْفُورٌ لَهُ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه لِثَوْبَانَ: أَمَّا السَّابِقُ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنِ اتَّبَعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَأَمَّا الظَّالِمُ فَمِثْلِي وَمِثْلُكَ، وَعَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - الظَّالِمُ أَنَا وَالْمُقْتَصِدُ أَنَا وَالسَّابِقُ أَنَا، فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنَا الظَّالِمُ بِمَعْصِيَتِي وَمُقْتَصِدٌ بِتَوْبَتِي وَسَابِقٌ بِمَحَبَّتِي، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: السَّابِقُ مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَالْمُقْتَصِدُ مَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ وَالظَّالِمُ الَّذِي تَرَجَّحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: فِرَقُ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثُ فِرَقٍ، ثُمَّ سَمَّاهُمْ.
(عِبَادُنَا) أَضَافَهُمْ إِلَى نَفْسِهِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَكَرَمًا وَجَعَلَهُمْ أَصْفِيَاءَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَفَاوُتِ مُعَامَلَاتِهِمْ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ فِي آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33] وَبَدَأَ بِالظَّالِمِينَ إِخْبَارًا بِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَحْضِ كَرَمِهِ، وَأَنَّ الظُّلْمَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاصْطِفَائِيَّةِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمُقْتَصِدِينَ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، ثُمَّ خَتَمَ بِالسَّابِقِينَ لِئَلَّا يَأْمَنَ أَحَدٌ مَكْرَهُ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ كَرْمِهِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِحُرْمَةِ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَقَالَ الْجُنَيْدُ: لَمَّا ذَكَرَ الْمِيرَاثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ فِيهِ خَاصٌّ وَعَامٌّ، وَأَنَّ الْمِيرَاثَ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا، وَأَصَحُّ أَدَبًا فَتَصْحِيحُ النِّسْبَةِ هُوَ الْأَصْلُ فَالظَّالِمُ الَّذِي يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُحِبُّهُ لَهُ، وَالسَّابِقُ الَّذِي أَسْقَطَ عَنْهُ مُرَادَهُ بِمُرَادِ الْحَقِّ فِيهِ فَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ طَلَبًا وَلَا مُرَادًا لِغَلَبَةِ سُلْطَانِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يَجْزَعُ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْبَلَاءِ وَالسَّابِقُ الَّذِي يَشْكُرُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
[بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمَنَامِ]
(بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمَنَامِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
2381 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَى قَالَ: " أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: "«رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» " (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
ــ
(بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ)
يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا طَرَفَا النَّهَارِ، وَأَنْ يُقْصَدَ بِهِمَا النَّهَارُ وَاللَّيْلُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ (وَالْمَنَامِ) أَيْ: فِي مَكَانِ النَّوْمِ أَوْ زَمَانِهِ أَوِ الْمَنَامِ، مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْ: عِنْدَ إِرَادَةِ النَّوْمِ أَيْ: دَخَلَ فِي الْمَسَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ اللَّيْلِ.
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
2381 -
(عَنْ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَى قَالَ: أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ» ) أَيْ: دَخَلْنَا فِي الْمَسَاءِ وَدَخَلَ فِيهِ الْمُلْكُ كَائِنًا لِلَّهِ وَمُخْتَصًّا بِهِ، أَوِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ أَوْ بِدُونِهِ أَيْ: أَمْسَيْنَا وَقَدْ صَارَ، بِمَعْنَى: كَانَ وَدَامَ الْمُلْكُ لِلَّهِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ أَيْ: صِرْنَا نَحْنُ وَجَمِيعُ الْمُلْكِ وَجَمِيعُ الْحَمْدِ لِلَّهِ. اهـ أَيْ: عَرَفْنَا فِيهِ أَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَأَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُسْتَقِلَّةً وَالتَّقْدِيرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ (وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) عَلَى تَأْوِيلٍ وَأَمْسَى الْفَرْدَانِيَّةُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ مُخْتَصَّيْنِ بِاللَّهِ (وَحْدَهُ) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، أَيْ: مُنْفَرِدًا بِالْأُلُوهِيَّةِ (لَا شَرِيكَ لَهُ) أَيْ: فِي صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلِذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ (لَهُ الْمُلْكُ) أَيْ: جِنْسُهُ مُخْتَصٌّ لَهُ (وَلَهُ الْحَمْدُ) أَيْ: بِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ: مَشِيءٍ أَوْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَاءَ (قَدِيرٌ) كَامِلُ الْقُدْرَةِ تَامُّ الْإِرَادَةِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) أَيْ: نَصِيبًا وَأَمْرًا وَحَظًّا وَافِيًا (مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ) أَيْ: ذَاتِهَا عَيْنِهَا (وَخَيْرِ مَا فِيهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مِنْ خَيْرِ مَا يَنْشَأُ فِيهَا وَخَيْرِ مَا يَسْكُنُ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى:{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ} [الأنعام: 13] وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مِمَّا أَرَدْتَ وُقُوعَهُ فِيهَا لِخَوَاصِّ خَلْقِكَ مِنَ الْكَمَالَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَخَيْرُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا فِيهَا، أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي قَارَنَ وَجُودُهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَخَيْرُ كُلِّ مَوْجُودٍ الْآنَ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا) فِي الْحَدِيثِ إِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى تَصْرِيفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ بِيَدِ اللَّهِ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ لِيَتَعَلَّمُوا آدَابَ الدُّعَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ مَسْأَلَتُهُ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مَجَازٌ عَنْ قَبُولِ طَاعَاتٍ قِدَّمَهَا فِيهَا، وَاسْتِعَاذَتُهُ مِنْ شَرِّهَا مَجَازٌ عَنْ طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْ ذَنْبٍ قَارَفَهُ فِيهَا ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ» ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ: التَّثَاقُلِ فِي الطَّاعَةِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْكَسَلُ التَّثَاقُلُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي التَّثَاقُلُ عَنْهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِعَدَمِ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ مَعَ ظُهُورِ الِاسْتِطَاعَةِ (وَالْهَرَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: كِبَرِ السِّنِّ الْمُؤَدِّي إِلَى تَسَاقُطِ بَعْضِ الْقُوَّةِ وَضَعْفِهَا وَهُوَ الرَّدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ; لِأَنَّهُ يَفُوتُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِالْحَيَاةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:{لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] فَانْدَفَعَ بِهِ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ سَبَبَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ كَوْنُهُ لَا دَوَاءَ لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ (وَسُوءِ الْكِبَرِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً أَيْ: مَا يُورِثُهُ الْكِبَرُ مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَاطِ الرَّأْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوءُ بِهِ الْحَالُ، وَرُوِيَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَطَرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالدِّرَايَةُ تُسَاعِدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْبَطَرِ وَالْهَرَمِ بِالْعَطْفِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ: أَشْهَرُ رِوَايَةً، وَأَمَّا دِرَايَةً فَالثَّانِي يُفِيدُ مَا لَا يُفِيدُهُ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْهَرَمُ فَهُوَ تَأْسِيسٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنَ التَّأْكِيدِ. اهـ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ غَايَةَ الظُّهُورِ عَلَى الطِّيبِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُلَاءَمَةِ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفِينَ كَمَا اعْتَبَرَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي، مَعَ أَنَّ الطِّيبِيَّ لَمْ يَقُلْ بِالتَّأْكِيدِ بَلْ
فَسَّرَ سُوءَ الْكِبَرِ بِمَا يَنْشَأُ مِنَ الْهَرَمِ، فَالتَّغَايُرُ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفَظُ (سُوءِ) الْمُنَاسِبِ لِلْكِبَرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ ; فَإِنَّ الْكِبْرَ بِسُكُونِ الْبَاءِ يُذَمُّ مُطْلَقًا (وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا) أَيْ: مِنَ الِافْتِتَانِ بِهَا وَمَحَبَّتِهَا أَوِ الِابْتِلَاءِ بِفِتْنَةٍ فِيهَا (وَعَذَابِ الْقَبْرِ) أَيْ: نَفْسِ عَذَابِهِ، أَوْ مِمَّا يُوجِبُهُ (وَإِذَا أَصْبَحَ) أَيْ: دَخَلَ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّبَاحِ (قَالَ ذَلِكَ) أَيْ مَا يَقُولُ فِي الْمَسَاءِ (أَيْضًا) أَيْ: لَكِنْ يَقُولُ بَدَلَ أَمْسَيْنَا وَأَمْسِي الْمُلْكُ لِلَّهِ ( «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ» ) وَيُبَدِّلُ الْيَوْمَ بِاللَّيْلَةِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ» ، وَيَذْكُرُ الضَّمَائِرَ بَعْدَهُ (وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ يَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ سُوءِ الْكِبَرِ: ( «رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» ) وَالتَّنْكِيرُ فِيهِمَا لِلتَّقْلِيلِ لَا لِلتَّفْخِيمِ كَمَا وَهِمَ ابْنُ حَجَرٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
2382 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: " «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2383 -
وَمُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ.
ــ
2382 -
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ: أَتَى فِرَاشَهُ وَمَرْقَدَهُ (مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ: فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ، وَتَكَلَّفَ الطِّيبِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: كَأَنَّهُ قِيلَ أَخَذَ حَظَّهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُ حَظٌّ بِالسُّكُونِ وَالنَّوْمِ وَالرَّاحَةِ قَالَ تَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: 73] وَالْمَضْجَعُ مَصْدَرٌ. اهـ. فَفِي الْقَامُوسِ: ضَجَعَ كَمَنَعَ ضَجْعًا وَضُجُوعًا: وَضَعَ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ، وَالْمَضْجَعُ كَمَقْعَدٍ مَوْضِعُهُ (وَضَعَ يَدَهُ) أَيْ: كَفَّهُ الْيُمْنَى (تَحْتَ خَدِّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ ; إِشْعَارًا بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ وَمَنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ خَفَّ نَوْمُهُ وَطَابَ يَوْمُهُ (ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ) قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: الِاسْمُ قَائِدٌ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ
(إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا) ،
أَيْ: بِكَ (أَمُوتُ وَأَحْيَا) أَيْ: أَنَامُ وَأَسْتَيْقِظُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بِاسْمِكَ الْمُمِيتِ أَمُوتُ وَبِاسْمِكَ الْمُحْيِي أَحْيَا، أَوْ بِذِكْرِ اسْمِكَ أَحْيَا مَا حَيِيتُ وَعَلَيْهِ أَمُوتُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ: (بِاسْمِكَ أَمُوتُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَيْ: أَنْتَ تُمِيتُنِي وَأَنْتَ تُحْيِينِي وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] أَيْ سَبِّحْ رَبَّكَ، هَكَذَا قَالَ جُلُّ الشَّارِحِينَ، نَقَلَهُ مِيرَكُ ( «وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا» ) أَيْ: رَدَّ عَلَيْنَا الْقُوَّةَ وَالْحَرَكَةَ بَعْدَ مَا أَزَالَهُمَا مِنَّا بِالنَّوْمِ (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أَيِ: الرُّجُوعُ بَعْدَ الْمَمَاتِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ نُشِرَ الْمَيِّتُ نُشُورًا: إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنْشَرَهُ اللَّهُ، كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّشُورِ هُوَ التَّفَرُّقُ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الْهُدُوءِ وَالسُّكُونِ بِالنَّوْمِ وَهُمَا الْمُشَبَّهَانِ بِالْمَوْتِ وَالْبَعْثِ بَعْدَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِأَمَاتَنَا النَّوْمُ، وَأَمَّا النَّشْرُ فَهُوَ الْإِحْيَاءُ لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَنَبَّهَ صلى الله عليه وسلم بِإِعَادَةِ الْيَقَظَةِ بَعْدَ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ كَالْمَوْتِ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ النَّوْمِ هِيَ الَّتِي لِلتَّمْيِيزِ، وَالَّتِي تُفَارِقُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ هِيَ الَّتِي لِلْحَيَاةِ وَهِيَ الَّتِي يَزُولُ مَعَهَا التَّنَفُّسُ، وَسُمِّيَ النَّوْمُ مَوْتًا لِأَنَّهُ يَزُولُ مَعَهُ الْعَقْلُ وَالْحَرَكَةُ تَمْثِيلًا وَتَشْبِيهًا، وَقَدْ يُسْتَعَارُ الْمَوْتُ لِلْأَحْوَالِ الشَّاقَّةِ كَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَالسُّؤَالِ وَالْهِرَمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْجَهْلِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: النَّوْمُ وَالْمَوْتُ يَجْمَعُهُمَا انْقِطَاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا وَهُوَ النَّوْمُ، وَلِذَا قِيلَ: النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَبَاطِنًا وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإِطْلَاقُ الْمَوْتِ عَلَى النَّوْمِ يَكُونُ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي انْقِطَاعِ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي إِطْلَاقِ الْمَوْتِ عَلَى النَّوْمِ أَنَّ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَاةِ إِنَّمَا هُوَ بِتَحَرِّي رِضَا اللَّهِ عَنْهُ وَقَصْدِ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ، فَمَنْ زَالَ عَنْهُ هَذَا الِانْتِفَاعُ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ فَحَمْدًا لِلَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَزَوَالِ ذَلِكَ الْمَانِعِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُطَابِقُ السَّابِقَ مِنْ قَوْلِهِ:«أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» ، وَيُوَافِقُ اللَّاحِقَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا إِلَخْ وَعَلَى هَذَا يَنْتَظِمُ قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أَيْ: وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ فِي نَيْلِ الثَّوَابِ بِمَا يُكْتَسَبُ فِي الْحَيَاةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَحِكْمَةُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ النَّوْمِ وَالْيَقْظَةِ أَنْ تَكُونَ خَاتِمَةُ أَعْمَالِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَوَّلُ أَفْعَالِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) أَيْ: عَنْ حُذَيْفَةَ
2383 -
(وَمُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ) فَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخِلَافُ فِي الصَّحَابِيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
2384 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» " وَفِي رِوَايَةٍ " «ثُمَّ لْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ لْيَقُلْ بِاسْمِكَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ «فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا» .
ــ
2384 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى) بِالْقَصْرِ وَيُمَدُّ أَيْ: نَزَلَ (أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ) أَيْ: مَرْقَدِهِ، وَتَفْسِيرُ ابْنِ حَجَرٍ أَوَى بِجَاءَ لَا يُلَائِمُهُ إِلَى (فَلْيَنْفُضْ) بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ: فَلْيُحَرِّكْ (فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ) وَهِيَ حَاشِيَتُهُ الَّتِي تَلِي الْجَسَدَ وَتَمَاسَّهُ، وَقِيلَ: هِيَ طَرَفُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: مِمَّا يَلِي طَوْقَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: طَرَفُهُ الَّذِي عَلَى الْجَسَدِ الْأَيْمَنِ، قَيَّدَ النَّفْضَ بِإِزَارِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَرَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ثَوْبٌ غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَقُيِّدَ بِدَاخِلِ الْإِزَارِ لِيَبْقَى الْخَارِجُ نَظِيفًا، وَلِأَنَّ هَذَا أَيْسَرُ، وَلِكَشْفِ الْعَوْرَةِ أَقَلُّ وَأَسْتَرُ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ رَسْمَ الْعَرَبِ تَرْكُ الْفِرَاشِ فِي مَوْضِعِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلِذَا عَلَّلَهُ وَقَالَ:(فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ أَوِ الْمُرِيدَ لِلنَّوْمِ (لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ) بِالْفَتَحَاتِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْ: مِنَ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَاتِ، أَوْ مِنَ الْأَوْسَاخِ وَالْعِظَامِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ قَامَ مَقَامَهُ بَعْدَهُ مِنْ تُرَابٍ أَوْ قَذَاةٍ أَوْ هَامَّةٍ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً مُعَلَّقَةً بِيَدْرِي، أَوْ مَوْصُولَةً (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْفِرَاشِ، وَقِيلَ: أَمَرَهُ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ دُونَ خَارِجَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ وَأَجْدَى وَأَجْدَرُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْخَبَرِ عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُؤْتَزِرَ إِذَا ائْتَزَرَ يَأْخُذُ أَحَدَ طَرَفَيْ إِزَارِهِ بِيَمِينِهِ وَالْآخَرَ بِشِمَالِهِ فَيَرُدُّ مَا أَمْسَكَهُ بِشِمَالِهِ عَلَى جَسَدِهِ وَذَلِكَ دَاخِلَةُ الْإِزَارِ، فَإِذَا صَارَ إِلَى فِرَاشِهِ فَحَلَّ بِيَمِينِهِ خَارِجَةَ الْإِزَارِ وَتَبْقَى الدَّاخِلَةُ مُعَلَّقَةً وَبِهَا يَقَعُ النَّفْضُ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يُقَدَّرُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَكْسِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ تِلْكَ الْهَيْئَةَ هِيَ صَنِيعُ ذَوِيِ الْآدَابِ فِي عَقْدِ الْإِزَارِ، وَرُوِيَ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ بِكَسْرِ النُّونِ وَهِيَ: جَانِبُهُ الَّذِي لَا هُدْبَ لَهُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَانِبَ يُجْعَلُ دَاخِلَةَ الْإِزَارِ (ثُمَّ يَقُولُ) أَيْ: بَعْدَ النَّفْضِ وَوَضْعِ الْجَنْبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ ثُمَّ لْيَضْطَجِعْ ثُمَّ لْيَقُلْ (بِاسْمِكَ رَبِّي) أَيْ: بِاسْمِكَ الْقَوِيِّ وَالْقَادِرِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِاسْمِ اللَّهِ (وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ) أَيْ: بِاسْمِكَ أَوْ بِمَعُونَتِكَ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَإِرَادَتِكَ وَقُدْرَتِكَ (أَرْفَعُهُ) أَيْ حِينَ أَرْفَعُهُ، فَلَا أَسْتَغْنِي عَنْكَ بِحَالٍ (إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي) أَيْ: قَبَضْتَ رُوحِي فِي النَّوْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ أَمَتَّهَا (فَارْحَمْهَا) أَيْ: بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ فَاغْفِرْ لَهَا (وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا) بِأَنْ رَدَدْتَ الْحَيَاةَ إِلَيَّ وَأَيْقَظْتَنِي مِنَ النَّوْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ " وَإِنْ رَدَدْتَهَا " أَيْ رُوحِي الْمُمَيَّزَةَ بِرَدِّ تَمْيِيزِهَا الزَّائِلِ عَنْهَا بِنَوْمِهَا (فَاحْفَظْنِي) أَيْ: مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (بِمَا تَحْفَظُ بِهِ) أَيْ: مِنَ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَالْأَمَانَةِ (عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) أَيِ: الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَعِبَادِهِ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42] جَمَعَ النَّفْسَيْنِ فِي حُكْمِ التَّوَفِّي، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ جِهَتِيِ التَّوَفِّي بِالْحُكْمِ بِالْإِمْسَاكِ وَهُوَ قَبْضُ الرُّوحِ، وَبِالْإِرْسَالِ وَهُوَ رَدُّ الْحَيَاةِ أَيِ: اللَّهُ تَعَالَى يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الَّتِي تُقْبَضُ وَالَّتِي لَا تُقْبَضُ فَيَمْسِكُ الْأَوْلَى وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى، وَالْبَاءُ فِي (بِمَا تَحْفَظُ) مِثْلُهَا فِي كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، وَمَا مَوْصُولَةٌ مُبْهَمَةٌ وَبَيَانُهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ صِلَتُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَحْفَظُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ مِنَ الْمَعَاصِي وَمِنْ أَنْ لَا يَتَهَاوَنُوا فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ بِتَوْفِيقِهِ وَلُطْفِهِ وَرِعَايَتِهِ وَحِمَايَتِهِ (وَفِي رِوَايَةٍ «ثُمَّ يَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» ) قِيلَ: أَنْفَعُ هَيْآتِ النَّوْمِ الِابْتِدَاءُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ الِانْقِلَابُ إِلَى الْيَسَارِ ثُمَّ إِلَى الْيَمِينِ، وَفِيهِ نَدْبُ الْيَمِينِ فِي النَّوْمِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الِانْتِبَاهِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْقَلْبِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، فَيُعَلَّقُ فَلَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ بِخِلَافِ النَّوْمِ عَلَى الْأَيْسَرِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ يَسْتَقِرُّ فَتَكُونُ الِاسْتِرَاحَةُ لَهُ أَبْطَأَ لِلِانْتِبَاهِ، ثُمَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا دُونَهُ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ، فَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام بَيْنَ النَّوْمِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُؤْثِرُ الْأَيْمَنَ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، وَلِتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ، وَلِمُشَابَهَتِهِ بِحَالِ الْمَوْتِ وَوَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ (ثُمَّ لْيَقُلْ بِاسْمِكَ إِلَخْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ النُّونِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ أَيْ: بِطَرَفِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ
بِحَاشِيَةِ إِزَارِهِ الَّتِي تَلِي الْجَسَدَ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِلَّا فَفِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ صَنِفَةُ إِزَارِهِ بِكَسْرِ النُّونِ: طَرَفُهُ مِمَّا يَلِي طُرَّتَهُ، قُلْتُ: زَادَ الْفَارِسِيُّ وَقِيلَ: جَانِبُهُ الَّذِي لَا هُدْبَ لَهُ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ صَنِفَةُ الثَّوْبِ كَفَرِحَةِ، وَصِنِفَتُهُ بِكَسْرِهِمَا حَاشِيَتُهُ أَيَّ جَانِبٍ كَانَ أَوْ جَانِبُهُ الَّذِي لَا هُدْبَ لَهُ أَوِ الَّذِي فِيهِ الْهُدْبُ اهـ. وَفِي الْمَشَارِقِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ النُّونِ، فَقِيلَ: طَرَفُهُ، وَقِيلَ: حَاشِيَتُهُ، وَقِيلَ: هِيَ النَّاحِيَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْهُدْبُ، وَقِيلَ: الطُّرَّةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرَفُهُ. فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْفَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالرِّوَايَةِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) مُبَالَغَةٌ فِي النَّظَافَةِ ( «وَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا» ) أَيْ: بَدَلَ قَوْلِهِ فَارْحَمْهَا.
2385 -
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ " يَا فُلَانُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، إِلَى قَوْلِهِ أَرْسَلْتَ، وَقَالَ: فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
2385 -
(وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ» ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ: جَانِبِهِ (الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ) أَيْ: أَخْلَصْتُ (نَفْسِي) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ: ذَاتِي (إِلَيْكَ) أَيْ: مَائِلَةً إِلَى حُكْمِكَ (وَوَجَّهْتُ وَجْهِي) أَيْ: وَجْهِي وَقَصْدَ قَلْبِي (إِلَيْكَ) وَجَعَلْتُ وَجْهِي إِلَى قِبْلَتِكَ، وَقِيلَ: النَّفْسُ وَالْوَجْهُ هُنَا بِمَعْنَى الذَّاتِ، يَعْنِي جَعَلْتُ ذَاتِي طَائِعَةً لِحُكْمِكَ وَمُنْقَادَةً لَكَ، وَقَوْلُ الطِّيبِيِّ: إِنَّ أَسْلَمْتُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَوَارِحَهُ مُنْقَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، مُسْتَقِيمٌ غَايَةَ الِاسْتِقَامَةِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ ابْنِ حَجَرٍ بِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ نَوْمٍ وَهُوَ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الطِّيبِيَّ رحمه الله لَا يُرِيدُ حِينَ تَحَقَّقَ النَّوْمُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ; بَلْ مُرَادُهُ إِمَّا قَبْلَ النَّوْمِ مُطْلَقًا، أَوْ حِينَ إِرَادَةِ النَّوْمِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ يَنْبَغِي أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ الْوَقْتَ لِيَنَامَ مُطِيعًا، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ الطِّيبِيِّ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام (وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أُمُورَهُ الْخَارِجَةَ وَالدَّاخِلَةَ مُفَوَّضَةٌ إِلَيْهِ، لَا مُدَبِّرَ لَهَا غَيْرُهُ اهـ. وَالْمَعْنَى: تَوَكَّلْتُ فِي أَمْرِي كُلِّهِ عَلَيْكَ (وَأَلْجَأْتُ) أَيْ أَسْنَدْتُ (ظَهْرِي إِلَيْكَ) أَيْ: إِلَى حِفْظِكَ لِمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا سَنَدَ يُتَقَوَّى بِهِ سِوَاكَ وَلَا يَنْفَعُ أَحَدًا إِلَّا حِمَاكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ تَفْوِيضِ أُمُورِهِ الَّتِي هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهَا وَبِهَا مَعَاشُهُ وَعَلَيْهَا مَدَارُ أَمْرِهِ، مُلْتَجِئٌ إِلَيْهِ مِمَّا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الدَّاخِلَةِ وَالْخَارِجَةِ (رَغْبَةً وَرَهْبَةً) قِيلَ: مَفْعُولٌ لَهُمَا لِأَلْجَأْتُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: مَنْصُوبَانِ عَلَى الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ أَيْ: فَوَّضْتُ أُمُورِي طَمَعًا فِي ثَوَابِكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي مِنَ الْمَكَارِهِ إِلَيْكَ مَخَافَةً مِنْ عَذَابِكَ اهـ. وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ ; بَلْ صَنْعَةُ بَدِيعٍ، وَأَبْدَعَ ابْنُ حَجَرٍ بِالتَّعَرُّضِ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا تَحَكُّمٌ، وَالْوَجْهُ بَلِ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ مُعَلَّلٌ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ نَصْبَهُمَا عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ: رَاغِبًا وَرَاهِبًا، أَوِ الظَّرْفِيَّةِ أَيْ: فِي مَجَالِ الطَّمَعِ وَالْخَوْفِ، يَتَنَازَعُ فِيهِمَا الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ كُلُّهَا، وَقَوْلُهُ:(إِلَيْكَ) إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِرَغْبَةً وَهِيَ السِّعَةُ فِي الْإِرَدَاةِ، وَمُتَعَلِّقُ رَهْبَةً مَحْذُوفٌ أَيْ: مِنْكَ وَهِيَ الْمَخَافَةُ مَعَ التَّحَرُّزِ وَالِاضْطِرَابِ وَإِمَّا بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مُتَوَجِّهًا بِهِمَا إِلَيْكَ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ: أَيْ طَمَعًا فِي ثَوَابِكَ وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِكَ، وَإِلَيْكَ مُتَعَلِّقٌ بِرَغْبَةً كَقَوْلِهِمْ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا اهـ. وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَنَازَعَا فِي إِلَيْكَ أَيْ: رَغْبَتِي إِلَيْكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَرَهْبَتِي إِلَيْكَ، بِمَعْنَى إِنِّي حَالَةَ الْخَوْفِ لَا أَرْجِعُ إِلَّا إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ ( «لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ» ) مَلْجَأٌ مَهْمُوزٌ وَمَنْجَا مَقْصُورٌ، وَقَدْ يُهْمَزُ مَنْجَا لِلِازْدِوَاجِ وَقَدْ يُعْكَسُ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَالْمَعْنَى لَا مَهْرَبَ وَلَا مَلَاذَ وَلَا مَخْلَصَ مِنْ عُقُوبَتِكَ إِلَّا إِلَى رَحْمَتِكَ وَهَذَا مَعْنَى مَا وَرَدَ " أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ " وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَا مَنْجَا مَقْصُورٌ وَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِ عَصَا، فَإِنْ قُلْتَ: فَهُوَ يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ أَوْ بِغَيْرِهِ، قُلْتُ: فِي هَذَا التَّرْكِيبِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ مِثْلُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَصْبِهِ وَفَتْحِهِ بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ، وَعِنْدَ التَّنْوِينِ تَسْقُطُ الْأَلِفُ، قَالَ: وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا إِنْ كَانَا مَصْدَرَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَا مَكَانَيْنِ فَلَا، إِذِ اسْمُ الْمَكَانِ لَا يَعْمَلُ، وَتَقْدِيرُهُ لَا مَلْجَأَ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا إِلَيْكَ وَلَا مَنْجَا إِلَّا إِلَيْكَ (آمَنْتُ) اسْتِئْنَافٌ فِيهِ تَعْلِيلٌ (بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ) أَيْ: عَلَيَّ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الْحَاثُّ عَلَى التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْبَهِيَّةِ وَسَائِرِ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَالْحَالَاتِ السَّنِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَنْتُ بِكِتَابِكَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، وَلَمَّا غَفَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْمَعْنَى الْعَامِّ اعْتَرَضَ عَلَى الطِّيبِيِّ بِقَوْلِهِ: لَا تَعْمِيمَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي حِينِ ثَبَاتٍ لَا عُمُومَ فِيهِ كَالنَّكِرَةِ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ، فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَكَ وَجْهُ
الْخَلَلِ (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) وَفِي نُسْخَةٍ بِنَبِيِّكَ، وَإِنَّمَا آمَنَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَسُولًا حَقًّا فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ:" وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " وَلَمَّا تَضَمَّنَ الْإِيمَانُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُلُومَ الْخَاصَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: تَخْصِيصٌ مِنَ التَّخْصِيصِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا قَرَّرَهُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوْضَحِ عِنْدَهُ، وَقَالَ: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَأَمُّلِ مَا قَالَهُ وَمَا قُلْتُهُ، قُلْتُ: لَوْ تَأَمَّلَ مَا احْتَاجَ إِلَى الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ فَتَأَمَّلْ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلْ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَهُنَّ) أَيِ: الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ (ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ) أَيْ تَحْتَ حَادِثَةٍ فِيهَا، وَمِنْ أَعْجَبِ الْعُجَابِ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: أَيْ عَقِبَ طُلُوعِ فَجْرِهَا، وَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْحَدِيثِ الْآتِي (فَإِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، أَوْ فِي لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا) اعْتَرَضَ عَلَى الطِّيبِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَمَعْنَى تَحْتَ لَيْلَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهُ إِلَى النَّهَارِ ; لِأَنَّ اللَّيْلَ يُسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارُ فَهُوَ تَحْتَهُ، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى إِنْ مِتَّ تَحْتَ نَازِلَةٍ عَلَيْكَ مِنْ لَيْلَتِكَ أَيْ: مِنْ أَجْلِ مَا يَحْدَثُ مِنْ لَيْلَتِكَ بِقَوْلِهِ، وَفِي جَمِيعِهِ نَظَرٌ وَكَوْنُ اللَّيْلِ سُلِخَ مِنْهُ النَّهَارُ لَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي مَعْنَى التَّحْتِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، أَوْ يَكُونُ إِلَخْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالتَّكَلُّفِ، وَالْأَحْسَنُ عِنْدَهُ أَنَّ سَبَبَ التَّعْبِيرِ بِالتَّحْتِ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اللَّيْلَ لِبَاسًا فَالنَّاسُ مَغْمُورُونَ وَمَسْتُورُونَ تَحْتَهُ كَالْمَسْتُورِ تَحْتَ ثِيَابِهِ وَلِبَاسِهِ وَهَذَا مَعْنًى وَاضِحٌ جِدًّا ; فَالْعُدُولُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ عُدُولٌ عَنِ الْجَوْهَرِ إِلَى الصُّدَفِ، قُلْتُ: هَذَا الْمَعْنَى هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَوَّلًا، وَهُوَ مَعْنَى يُسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارُ، فَالْجِلْدُ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِاللِّبْسِ فَمُؤَدَّى مَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَاحِدٌ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَجَرٍ آخِرًا يُنَاقِضُ تَفْسِيرَهُ أَوَّلًا، وَكَانَ سَبَبُ الِاعْتِرَاضَاتِ: عَجَبَهُ وَغُرُورَهُ بِالْفِقْهِيَّاتِ، وَجَهْلَهُ بِدَقَائِقِ الصِّنَاعَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ، وَعَدَمَ فَهْمِهِ بِحَقَائِقِ الِاعْتِبَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ قَالَ فِي حَقِّ الطِّيبِيِّ: سَبَبُ وُقُوعِهِ فِيمَا عَلِمَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي رَدَدْتُهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوَّلَ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ فِيهِ غَرَائِبَ وَعَجَائِبَ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الثِّقَاتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ تَبَجُّحًا فَلَمْ يُصِبِ الْجَادَّةَ الْوَاضِحَةَ فِي أَكْثَرِ شَرْحِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ مَا ذَكَرَهُ وَمَا ذَكَرْتُهُ اهـ. وَبِتَأَمُّلِ كَلَامَيْهِمَا ظَهَرَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَيْثُ مَا بَلَغَ فَهْمَ الْمُتَعَقَّبِ وَهْمُ عَقِبِهِ مِنْ تَحْقِيقِ أَرَبِهِ وَتَدْقِيقِ أَدَبِهِ لَوْلَا شَرْحُهُ - شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ، وَفَتَحَ قَبْرَهُ - لَمَا فَهِمَ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِهِ مَا قَبْلَهُ، وَالْفَضْلُ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَالْأَجْرُ الْكَامِلُ لَهُ، وَمَا وَقَعَ مِنْهُ كَانَ تَحَدُّثًا لَا تَبَجُّحًا، وَعَلَامَةُ صِدْقِهِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِمَّنْ زَيَّنَ كَلَامَهُ وَبَيَّنَ مَرَامَهُ رَاجِيًا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي سِلْكِ مَنْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِ ( «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ، هَذَا وَلَوْ تُتُبِّعَ شَرْحُ ابْنِ حَجَرٍ وَتُفُحِّصَ مِنْهُ الْعُجَرُ وَالْبُجَرُ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا فُرُوعٌ فِقْهِيَّةٌ أَوْ كَلِمَاتٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْصَافِ نِسْبَةُ الْحَلَوِيَّاتِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِسْنَادُ الْمُرِّيَاتِ عَلَى زَعْمِهِ لِأَخِيهِ ; بَلْ لِنَفْسِهِ، وَمَعَ هَذَا نَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ فِي رَمْسِهِ (مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ) أَيِ: الْإِسْلَامِ (وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ) أَيِ: الْبَرَاءُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ:) قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ (يَا فُلَانُ إِذَا أَوَيْتَ) أَيْ: قَصَدْتَ الْمَأْوَى (إِلَى فِرَاشِكَ) أَيْ: لِلنَّوْمِ، وَلِهَذَا قَالَ: أَيْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَ فِرَاشَكَ مَكَانَ نَوْمِكَ (فَتَوَضَّأْ) أَمْرُ نَدْبٍ (وُضُوءَكَ) أَيْ: وُضُوءً كَامِلًا مِثْلَ وُضُوئِكَ لِلصَّلَاةِ، ( «ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ» ) فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَنِ ( «ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، إِلَى قَوْلِهِ: أَرْسَلْتَ» ، وَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ الْبَرَاءِ، عُطِفَ عَلَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ الْبَرَاءُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَالَ لَكِنَّهُ مُوهِمٌ لِلْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ مَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَيُؤَيَّدُ الرَّفْعَ أَنَّ الْخِطَابَ لِلصَّحَابِيِّ، وَلَيْسَ لِلصَّحَابِيِّ أَنْ يُخَاطِبَ مِثْلَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ (فَإِنْ مِتَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا (مِنْ لَيْلَتِكَ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي لَيْلَتِكَ (مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ) أَيْ: عَلَى التَّوْحِيدِ (وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا) أَيْ خَيْرًا كَثِيرًا، أَوْ خَيْرًا فِي الدَّارَيْنِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي بَعْضِ طُرُقِهِ
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قُلْتُ: وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَقَالَ وَنَبِيِّكَ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ وَرَسُولِكَ لَمْ يَبْقَ يُفِيدُ قَوْلُهُ: الَّذِي أَرْسَلْتَ، إِلَّا مَحْضَ التَّأْكِيدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِأَنَّ الْبَيَانَ صَارَ مُكَرَّرًا مِنْ غَيْرِ إِفَادَةِ زِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ الْبَلِيغُ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ فَائِدَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِأَنْ يُقَالَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ إِلَيْنَا أَوْ أَرْسَلْتَهُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً مَعَ أَنَّ التَّأْكِيدَ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ - فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 38 - 26] وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ صُبْحٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ) فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خِلَافًا لِمَا وَهِمَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي وَجْهِ الرَّدِّ أَنَّ الْأَدْعِيَةَ الْوَارِدَةَ لَا تُغَيَّرُ عَنْ أَلْفَاظِهَا وَكَذَا الْأَحَادِيثُ، وَفِي مَعْنَاهَا التَّصَانِيفُ، وَإِنَّمَا جَازَ نَقْلُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ بِنِسْيَانِ لَفْظِهِ فَإِنَّ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ، وَأَمَّا نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى مَعَ حِفْظِهِ لَفْظَهُ فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ( «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ) وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَلَابُدَّ أَيْضًا مِنْ مُرَاعَاةِ الْقَوَاعِدِ النَّحْوِيَّةِ وَمُحَافَظَةِ الْمَخَارِجِ وَالصِّفَاتِ الْحَرْفِيَّةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: النَّبِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ النَّبَأِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ تَحْقِيقُ الْهَمْزِ وَتَخْفِيفُهُ النَّبِيُّ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبَاوَةِ وَهِيَ الشَّيْءُ الْمُرْتَفِعُ، وَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْبَرَاءِ حِينَ قَالَ وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ لِيَخْتَلِفَ اللَّفْظَانِ وَيَجْتَمِعَ الثَّنَاءُ بَيْنَ مَعْنَى الِارْتِفَاعِ وَالْإِرْسَالِ، وَيَكُونَ تَعْدِيدًا لِلنِّعْمَةِ فِي الْحَالَيْنِ، وَتَعْظِيمًا لِلْمِنَّةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اهـ وَعَلَّلَ النَّهْيَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا قَبْلَ أَنْ كَانَ رَسُولًا، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّ النَّوَوِيَّ اسْتَحْسَنَ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ: سَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْأَذْكَارَ تَعَبُّدِيَّةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ، وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَتَعَيَّنَ أَدَاؤُهَا كَمَا هِيَ اهـ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوَارُدِ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَارِدِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ وَلْيَجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ.
2386 -
وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمْنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُئْوِيَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2386 -
(وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا» ) أَيْ: دَفَعَ عَنَّا شَرَّ الْمَوْذِيَاتِ، أَوْ كَفَى مُهِمَّاتِنَا وَقَضَى حَاجَاتِنَا (وَآوَانَا) قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ وَأَوَيْتُ مَقْصُورٌ، وَأَمَّا آوَانَا فَمَمْدُودٌ هَذَا هُوَ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ، وَحُكِيَ الْقَصْرُ فِيهِمَا وَحُكِيَ الْمَدُّ فِيهِمَا اهـ. أَيْ: رَزَقَنَا مَسَاكِنَ وَهَيَّأَ لَنَا الْمَأْوَى، وَزَادَ ابْنُ حَجَرٍ مَعَ تَيْسِيرِ الْخَدَمِ وَتَوَفُّرِ الْمُؤَنِ فِي السَّلَامَةِ خَالِيًا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْمِحَنِ اهـ وَهُوَ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنَ الْحَدِيثِ كَمَا لَا يَخْفَى (فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْهَمْزِ فَهُوَ سَهْوٌ (وَلَا مُئْوِيَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ وَلَهُ مُقَدَّرٌ أَيْ: فَكَمْ شَخْصٍ لَا يَكْفِيهِمُ اللَّهُ شَرَّ الْأَشْرَارِ ; بَلْ تَرَكَهُمْ وَشَرَّهُمْ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاؤُهُمْ وَلَا يُهَيِّئُ لَهُمْ مَأْوًى ; بَلْ تَرَكَهُمْ يَهِيمُونَ فِي الْبَوَادِي وَيَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: ذَلِكَ قَلِيلٌ نَادِرٌ فَلَا يُنَاسِبُ كَمِ الْمُقْتَضِي لِلْكَثْرَةِ عَلَى أَنَّهُ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] فَالْمَعْنَى: أَنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى أَنْ عَرَّفَنَا نِعَمَهُ وَوَفَّقَنَا لِأَدَاءِ شُكْرِهِ فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَلَا يَشْكُرُونَ، وَكَذَلِكَ اللَّهُ مَوْلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ ; لَكِنَّهُ نَاصِرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُحِبٌّ لَهُمْ، فَالْفَاءُ فِي فَكَمْ لِلتَّعْلِيلِ، وَقَالَ مَوْلَانَا عِصَامُ الدِّينَ رحمه الله قَوْلُهُ: فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْلَى كُلِّ أَحَدٍ أَيْ: لَا يَعْرِفُونَ مَوْلًى لَهُمْ فَلِمَ لَمْ يَتَفَرَّعْ عَلَى كَفَانَا ; بَلْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَافِي الَّتِي يُسْتَفَادُ مِنَ الِاعْتِرَافِ، وَإِنَّمَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى الطَّعَامِ وَالسَّقْيِ وَكِفَايَةِ الْمُهِمَّاتِ فِي وَقْتِ الِاضْطِجَاعِ ; لِأَنَّ النَّوْمَ فَرْعُ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَفَرَاغِ الْخَاطِرِ عَنِ الْمُهِمَّاتِ وَالْأَمْنِ مِنَ الشُّرُورِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى أَوَانَا هُنَا: رَحِمَنَا، فَقَوْلُهُ: كَمْ مِمَّنْ لَا مُئْوِيَ لَهُ أَيْ: لَا رَاحِمَ وَعَاطِفَ عَلَيْهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
2387 -
ــ
2387 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ: بَيْتَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنَ الْحَدِيثِ (تَشْكُو إِلَيْهِ) إِمَّا مَفْعُولٌ لَهُ بِحَذْفِ أَنْ تَخْفِيفًا أَيْ: أَتَتْ إِلَيْهِ إِرَادَةَ أَنْ تَشْكُوَ، أَوْ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنْ فَاعِلِ أَتَتْ أَيْ: مُقَدِّرَةً الشَّكْوَى (مَا تَلْقَى) أَيْ: مِنَ الْمَشَقَّةِ الْكَائِنَةِ (فِي يَدِهَا) وَفِي نُسْخَةٍ فِي يَدَيْهَا (مِنَ الرَّحَى) أَيْ: مِنْ أَثَرِ إِدَارَةِ الرَّحَى (وَبَلَغَهَا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَتَتْ أَيْ: وَقَدْ بَلَغَ فَاطِمَةَ (أَنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ (جَاءَهُ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (رَقِيقٌ) مِنَ السَّبْيِ وَالرَّقِيقِ الْمَمْلُوكِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ (فَلَمْ تُصَادِفْهُ) أَيْ: لَمْ تَجِدْ فَاطِمَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ (فَذَكَرَتْ) عَطْفٌ عَلَى أَتَتْ (ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ) كَذَا نُسَخُ الْمُتُونِ خِلَافُ نُسَخِ الشَّرْحِ (قَالَ) أَيْ: عَلِيٌّ رضي الله عنه (فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا) أَيْ: جَاءَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَالَ كَوْنِنَا مُضْطَجِعِينَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ فَجَاءَانَا أَيْ: هُوَ وَهِيَ، غَيْرُ مُطَابِقٍ لِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ (فَذَهَبْنَا نَقُومُ) أَيْ: شَرَعْنَا وَقَصَدْنَا لِنَقُومَ لَهُ (فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا) أَيِ: اثْبُتَا عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ مِنَ الِاضْطِجَاعِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيِ: الْزَمَاهُ وَلَا تَقُومَا مِنْهُ، وَالْمُرَادُ دَوْمًا وَاثْبُتَا عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ، فَانْعِكَاسٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ حَاصِلُ الْمَعْنَى (فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ قَدَمَيْهِ (عَلَى بَطْنِي) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا كَانَا تَحْتَ لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عُرْيَانًا مَاعَدَا الْعَوْرَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهُ وَضَعَ قَدَمَيْهِ الْكَرِيمَتَيْنِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِهِمَا لِيَسْرِيَ إِلَيْهِمَا إِلَخْ (فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا) أَيْ: طَلَبْتُمَا مِنَ الرَّقِيقِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَلَبٍ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوِ الْحَالِ أَوْ، نَزَلَ رِضَاهُ مَنْزِلَةَ السُّؤَالِ، أَوْ لِكَوْنِ حَاجَةِ النِّسَاءِ حَاجَةَ الرِّجَالِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ لِلسُّؤَالِ إِلَّا بِإِذْنِ عَلِيٍّ فَيُحْتَمَلُ لَا يُجْزَمُ بِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْكَلَامُ إِلَى تَقْدِيرِ قَالَا نَعَمْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ ; فَإِنَّ أَلَا تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّنْبِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْهَمْزَةَ لِلِاسْتِفْهَامِ لِمَا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ مَيْلُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ. فَقَالَ قَبْلَ الْجَوَابِ ( «إِذَا أَخَذْتُمَا مَضْجَعَكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ» ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْمَصَابِيحِ: فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ التَّكْبِيرُ أَوَّلًا، وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ يُرَجِّحُهُ وَيَقُولُ: تَقَدُّمُ التَّسْبِيحِ يَكُونُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَتَقَدُّمُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ النَّوْمِ، أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ تَارَةً وَيُؤَخَّرُ أُخْرَى عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى وَأَحْرَى مِنْ تَرْجِيحِ الصَّحِيحِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْصِيلُ هَذَا الْعَدَدِ وَبِأَيِّهِنَّ بُدِئَ لَا يَضُرُّ كَمَا وَرَدَ فِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ، وَفِي تَخْصِيصِ الزِّيَادَةِ بِالتَّكْبِيرِ إِيمَاءٌ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الصِّفَاتِ التَّنْزِيهَيَّةَ وَالثُّبُوتِيَّةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَهُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الذِّكْرِ (خَيْرٌ) أَيْ: أَفْضَلُ (لَكُمَا) أَيْ خَاصَّةً لِأَنَّكُمَا مِنْ أَرْبَابِ الْكَمَالِ، وَكَذَا لِأَتْبَاعِكُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْحَالِ (مِنْ خَادِمٍ) الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخَدَمِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَهَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَقَّةِ الدُّنْيَا وَمَكَارِهِهَا مِنَ الْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ عَلَى الْغَنِيِ الشَّاكِرِ فَهُوَ عَلَى بَابِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ مِنَ التَّفْضِيلِيَّةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.
2388 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ: (أَلَا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ خَادِمٍ، تُسَبِّحِينَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَعِنْدَ مَنَامِكِ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
2388 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِمًا» ) أَيْ: رَقِيقًا، وَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهَا جَاءَهَا ( «فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ خَادِمٍ، تُسَبِّحِينَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ» ) تَكْمِلَةً لِلْمِائَةِ (عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ، بَعْدَ كُلِّ مَفْرُوضَةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ (وَعِنْدَ مَنَامِكِ) وَلَعَلَّ تَخْصِيصَهَا بِالْخِطَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا الْبَاعِثُ الْأَصْلِيُّ فِي طَلَبِ الْخَادِمِ، أَوْ هَذَا الْحَدِيثُ نُقِلَ بِالْمَعْنَى، أَوْ بِالِاخْتِصَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَأَنَّ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ عِنْدَ الْمَنَامِ تُزِيلُ تَعَبَ خِدْمَةِ النَّهَارِ وَالْآلَامَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
2389 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: (اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
2389 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ) أَيْ: دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ (قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا) الْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ خَبَرُ أَصْبَحْنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: أَصْبَحْنَا مُلْتَبِسِينَ بِحِفْظِكَ، أَوْ مَغْمُورِينَ بِنِعْمَتِكَ، أَوْ مُشْتَغِلِينَ بِذِكْرِكَ، أَوْ مُسْتَعِينِينَ بِاسْمِكَ، أَوْ مَشْمُولِينَ بِتَوْفِيقِكَ، أَوْ مُتَحَرِّكِينَ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، وَمُتَقَلِّبِينَ بِإِرَادَتِكَ وَقُدْرَتِكَ (وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ) أَيْ: بِاسْمِكَ الْمُحْيِي (نَحْيَا، وَبِكَ) أَيْ: بِاسْمِكَ الْمُمِيتِ (نَمُوتُ) قِيلَ: هُوَ حِكَايَةُ الْحَالِ الْآتِيَةِ بِمَعْنَى: يَسْتَمِرُّ حَالُنَا عَلَى هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَسَائِرِ الْحَالَاتِ، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا» أَيْ: لَا أَنْفَكُّ عَنْهُ وَلَا أَهْجُرُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْتَ تُحْيِينِي وَأَنْتَ تُمِيتُنِي (وَإِلَيْكَ) أَيْ: إِلَى حُكْمِكَ (الْمَصِيرُ) أَيِ: الْمَرْجِعُ فِي الدُّنْيَا وَالْمَآبُ فِي الْعُقْبَى (وَإِذَا أَمْسَى) عَطْفٌ عَلَى إِذَا أَصْبَحَ (قَالَ: «اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا» ) بِتَقَدُّمِ أَمْسَيْنَا (وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ) أَيِ: الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّفَرُّقُ بَعْدَ الْجَمْعِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ: رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ وَلَفْظُهُمْ فِي الصَّبَاحِ النُّشُورُ وَفِي الْمَسَاءِ الْمَصِيرُ، وَجَاءَ فِي أَبِي دَاوُدَ فِيهِمَا النُّشُورُ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ فِيهِمَا الْمَصِيرُ اهـ وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ وَارِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ عَكَسَ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ مَعَ أَنَّهَا الْمُنَاسِبَةُ لِلطَّرَفَيْنِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَرَكَّبَ تَرْكِيبًا خَاصًّا لَمْ يَرِدْ بِهِ رِوَايَةٌ.
2390 -
وَعَنْهُ «قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ: (قُلِ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
2390 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ) أَيْ: دَائِمًا لِطَرِيقِ الْوِرْدِ ( «إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» ) أَيْ مَا غَابَ مِنَ الْعِبَادِ وَظَهَرَ لَهُمْ (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ: مُخْتَرِعَهَا وَمُوجِدَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَقُدِّمَ الْعِلْمُ هُنَا لِأَنَّهُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ قَائِمَةٌ، وَقُدِّمَ الْفَاطِرُ فِي التَّنْزِيلِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاسْتِدْلَالِ (رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْقَدِيرِ بِمَعْنَى الْقَادِرِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) أَيْ: وَلَا يَجِيءُ مِنْكَ إِلَّا الْخَيْرُ، وَلَا أَكِلُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِي إِلَى الْغَيْرِ ( «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي» ) لِأَنَّهَا مَنْبَعُ الْأَشْرَارِ كَمَا أَنَّ الْقَلْبَ مَعْدِنُ الْأَسْرَارِ
(وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ) أَيْ: وَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ وَإِضْلَالِهِ (وَشِرْكِهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ وَأَظْهَرُ فِي الدِّرَايَةِ، أَيْ: مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَيُرْوَى بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: مَصَائِدِهِ وَحَبَائِلِهِ الَّتِي يَفْتَتِنُ بِهَا النَّاسُ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى الْأَوَّلِ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ، وَعَلَى الثَّانِي مَحْضَةٌ، وَالْعَطْفُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّخْصِيصِ بَعْدَ التَّعْمِيمِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ (قُلْهُ) أَيْ: قُلْ هَذَا الْقَوْلَ (إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ) أَيْ: كَمَا الْتَزَمْتَ (وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ) أَيْ: أَيْضًا لِزِيَادَةِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
2391 -
«وَعَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ) فَكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالَجٍ فَجَعَلَ الرَّجُلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ: مَا تَنْظُرُ إِلَيَّ أَمَا إِنَّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةٍ " «لَمْ تُصِبْهُ فُجَاءَةُ بَلَاءٍ ". حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ تُصِبْهُ فُجَاءَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ» ) .
ــ
2391 -
(وَعَنْ أَبَانَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ يُصْرَفُ لِأَنَّهُ فَعَالٌ وَيُمْنَعُ لِأَنَّهُ أَفْعَلُ، وَالصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ الصَّرْفُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَزَيَنُ الْعَرَبِ وَتَبِعَهُمُ ابْنُ حَجَرٍ (ابْنِ عُثْمَانَ) أَيِ: ابْنِ عَفَّانَ (قَالَ) أَيْ: أَبَانُ (سَمِعْتُ أَبِي) أَيْ: عُثْمَانَ (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ) أَيْ: فِي أَوَائِلِهِمَا، وَأَمَّا نَقْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ، ثُمَّ تَوْجِيهُهُ - فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ (بَاسِمِ اللَّهِ) أَيْ: أَسْتَعِينُ أَوْ أَتَحَفَّظُ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ بِاسْمِ اللَّهِ (الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ) أَيْ: مَعَ ذِكْرِ اسْمِهِ بِاعْتِقَادٍ حَسَنٍ وَنِيَّةٍ خَالِصَةٍ (شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) أَيْ: مِنَ الْبَلَاءِ النَّازِلِ مِنْهَا (وَهُوَ السَّمِيعُ) أَيْ: بِأَقْوَالِنَا (الْعَلِيمُ) أَيْ: بِأَحْوَالِنَا (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ظَرْفُ يَقُولُ (فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ) بِالنَّصْبِ، جَوَابُ مَا مِنْ عَبْدٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَبِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى يَقُولُ، عَلَى أَنَّ الْفَاءَ هُنَا كَهِيَ فِي قَوْلِهِ:( «لَا يَمُوتُ لِمُؤْمِنٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ» ) أَيْ: لَا يَجْتَمِعُ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ الْمَضَرَّةِ كَمَا لَا يَجْتَمِعُ مَسُّ النَّارِ مَعَ مَوْتِ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْوَلَدِ بِشَرْطِهِ اهـ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لَكِنَّ الرَّفْعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى التَّكْلِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ (فَكَانَ أَبَانُ) بِالْوَجْهَيْنِ (قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالَجٍ) أَيْ: نَوْعٌ مِنْهُ، وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيِ الْبَدَنِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَنْسَدُّ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ (فَجَعَلَ الرَّجُلُ) أَيِ: الْمُسْتَمِعُ (يَنْظُرُ إِلَيْهِ) أَيْ: تَعَجُّبًا (فَقَالَ لَهُ أَبَانُ: مَا تَنْظُرُ إِلَيَّ) قَالَ الطِّيبِيُّ: مَا هِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَصِلَتُهَا مَحْذُوفَةٌ وَتَنْظُرُ إِلَيَّ حَالٌ أَيْ: مَالَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ (أَمَا) لِلتَّنْبِيهِ وَقِيلَ: بِمَعْنَى حَقًّا (إِنَّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ ; وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ) أَيْ، مَا قَدَّرَ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُولَهُ (يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ) بِفَتْحِ الدَّالِّ أَيْ: مَقْدُورَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْقَوْلِ وَلَيْسَ بِغَرَضٍ لَهُ كَمَا فِي قَعَدْتُ عَنِ الْحَرْبِ جُبْنًا، وَقِيلَ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَاقِبَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:(لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ) وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: اللَّامُ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْغَرَضِ الْبَاعِثِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَبْعَثَهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ ; وَإِنَّمَا هِيَ دَالَّةٌ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ بِالنِّسْبَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فَخَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ إِمْضَاءَ اللَّهِ لَا مَحْذُورَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَسَبَبًا لِعَدَمِ قَوْلِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا النَّفْيُ فِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ وَلَيْسَ بِغَرَضٍ لَهُ أَيْ: لِلْعَمْدِ، لَا لِلَّهِ كَمَا يُوهِمُ الْمُعْتَمِدُ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ لَا تُعَلَّلُ بِالْأَغْرَاضِ بَلْ بِالْحِكَمِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْعَالِ الْعَبْدِ مِنَ الْعَمَلِ وَتَرْكِهِ وَتَذَكُّرِهِ وَنِسْيَانِهِ. غَايَتُهُ أَنَّ هُنَا لَيْسَ غَرَضُ الْعَبْدِ وَبَاعِثُهُ مِنْ تَرَكَ قَوْلِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ إِمْضَاءَ الرَّبِّ قَدَرَهُ وَقَضَاءَهُ، وَلِذَا جَعَلَهُ الطِّيبِيُّ عِلَّةً سَبَبِيَّةً حَقِيقِيَّةً، أَوْ عِلَّةً غَائِيَّةً مَجَازِيَّةً، فَتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَاتِ لِئَلَّا تَقَعَ فِي الزَّلَلِ مِنَ الْخَيَالَاتِ الْجَبْرِيَّةِ وَالْخَبَاطَاتِ الْقَدَرِيَّةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَفِي رِوَايَتِهِ) أَيْ: رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (لَمْ تُصِبْهُ فُجَاءَةُ بَلَاءٍ) بِالْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةٌ، وَهُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ مَمْدُودًا وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ
الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: فَجَأَهُ الْأَمْرُ وَفَجِئَهُ فُجَاءً بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وَفَجْأَةً بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ، وَفَاجَأَهُ مُفَاجَأَةً إِذَا جَاءَهُ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبٍ اهـ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَجْأَةِ مَا يُفَجَأُ بِهِ، وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْمَدِّ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلُ الطِّيبِيِّ: قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ عَلَى الْمَرَّةِ، مُرَادُهُ ضَبْطُ اللَّفْظَةِ لَا حَقِيقَةُ مَعْنَاهَا مِنَ الْوَحْدَةِ فَتَنَبَّهْ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ، ثُمَّ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ إِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ التَّدْرِيجِ بِالْأَوْلَى هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى إِذْ لَا دَلِيلَ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا لِأَنَّهُ أَفْظَعُ وَأَعْظَمُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَمْ تُصِبْهُ بَلِيَّةٌ عَامَّةٌ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْلُو عَنْ عِلَّةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ ذِلَّةٍ، هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِمَضَرَّةِ الْفَجْأَةِ مُفَسِّرَةً وَمُبَيِّنَةً لِمَفْهُومِ الْمَضَرَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوِ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْمَضَرَّةِ عَدَمُ الْجَزَعِ وَالْفَزَعِ فِي الْبَلِيَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ (حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهُ) أَيْ: تِلْكَ الْكَلِمَاتِ (حِينَ يُصْبِحُ لَمْ تَمَسَّهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ) بِالْوَجْهَيْنِ (حَتَّى يُمْسِيَ) وَفِي الْغَايَتَيْنِ، أَعْنِي: حَتَّى يُصْبِحَ وَحَتَّى يُمْسِيَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحِفْظِ مِنَ الْفَجْأَةِ وَالْمَضَرَّةِ عَقِيبَ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ أَوَائِلِ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ بَلْ وَفِي سَائِرِ أَثْنَائِهِمَا، وَدَعْوَى ابْنِ حَجَرٍ وَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَثْنَاءَ النَّهَارِ أَوِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَحْصُلُ لَهُ تِلْكَ الْفَائِدَةُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْإِثْبَاتَ فِي وَقْتٍ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ فِي آخَرَ.
2392 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى (أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَمِنْ سُوءِ الْكِبَرِ، أَوِ الْكُفْرِ» ) وَفِي رِوَايَةٍ ( «مِنْ سُوءِ الْكِبَرِ وَالْكِبْرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَتِهِ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ سُوءِ الْكُفْرِ.
ــ
2392 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى (أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِعْرَابًا وَمَعْنًى ( «رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ» ) أَيْ: مِنَ التَّقْدِيرَاتِ الْإِلَهِيَّةِ (وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا) أَيْ: مِنَ اللَّيَالِي أَوْ مُطْلَقًا ( «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ» ) أَيِ: الْقَضَايَا السُّبْحَانِيَّةِ (وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ) أَيْ: فِي صَالِحِ الْعَمَلِ (وَمِنْ سُوءِ الْكِبَرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِهَا أَيْ: مِنْ سُقُوطِ الْقُوَى وَنُقْصَانِ الْعَقْلِ، أَوْ مَا يَنْشَأُ مِنْهُ مِنَ التَّكَبُّرِ (أَوِ الْكُفْرِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ: مِنْ شَرِّ الْكُفْرِ وَإِثْمِهِ وَشُؤْمِهِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ الْكُفْرَانُ (وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ سُوءِ الْكِبَرِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ: كِبَرِ السِّنِّ (وَالْكِبْرِ) بِسُكُونِهَا أَيِ: التَّكَبُّرِ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا خَبْطُ ابْنِ حَجَرٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَبِكَسْرٍ فَفَتْحٍ فَخِلَافُ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ ( «رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ» ) أَيْ: عَذَابٍ كَائِنٍ فِي النَّارِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى سُهُولَةِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، فَتَفْسِيرُ ابْنِ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ بِهَا غَيْرُ مُلَائِمٍ، وَلِأَنَّ الْعَذَابَ فِيهَا يَكُونُ فِيهَا وَبِغَيْرِهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهَا، وَلِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي لَا أَنْ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَأُرِيدَ بِالْعَذَابِ الَّذِي فِيهَا مَزِيدُ الْبُعْدِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ - فَخَطَأٌ فَاحِشٌ إِذْ مَطْلُوبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُرَادُهُ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ مُطْلَقِ الْبُعْدِ، فَإِرَادَةُ الزِّيَادَةِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَكَمَالُ نُقْصَانٍ مِنْ قَائِلِهِ (وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ تَعَالَى مِنْهُمَا: التَّحَفُّظُ وَالتَّوَقِّي مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي تَجُرُّ إِلَيْهِمَا (وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَذْكَارِ (أَيْضًا) أَيْ: إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: " «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ» " بَدَلَ " «أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ» "(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ) أَيِ: التِّرْمِذِيِّ (لَمْ يُذْكَرْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَرُوِيَ مَعْلُومًا (مِنْ سُوءِ الْكُفْرِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ.
2393 -
وَعَنْ بَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهَا فَيَقُولُ: ( «قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2393 -
(وَعَنْ بَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهَا) أَيْ: مَا يَنْفَعُهَا أَيْ مِنْ جُمْلَتِهَا (فَيَقُولُ) الْفَاءُ عَاطِفَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ تَفْسِيرِيَّةً، أَيْ: فَيَقُولُ (قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ) عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَبِحَمْدِهِ) أَيْ: أُنَزِّهُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَأَبْتَدِئُ بِحَمْدِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ أَيْ: سُبْحَانَكَ بِجَمِيعِ آلَائِكَ وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ (لَا قُوَّةَ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا قُوَّةَ (إِلَّا بِاللَّهِ) أَيْ: عَلَى التَّسْبِيحِ أَوِ التَّحْمِيدِ وَغَيْرِهِمَا (مَا شَاءَ اللَّهُ) أَيْ: وُجُودَهُ (كَانَ) أَيْ: وُجِدَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَهُ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ وُجِدَ فَوْرًا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ مَوْضُوعَةٌ لِإِحَاطَةِ الْمَشِيئَةِ بِالْأَشْيَاءِ الْكَائِنَةِ، وَبِقَيْدِهِ يَخْرُجُ الْكَائِنَاتُ التَّدْرِيجِيَّةُ، أَوْ يَلْزَمُ مِنْهُ قِدَمُ الْأَشْيَاءِ الْمُرَادِيَّةِ أَزَلِيَّةً، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ إِجْمَاعًا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ وَإِنْ عَرِيَتْ مِنْهُمَا الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةُ (وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ: لَمْ يُوجَدْ أَبَدًا (أَعْلَمُ) أَيْ: أَعْتَقِدُ أَنَا (أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ: شَاءَهُ (قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) . قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَانِ الْوَصْفَانِ) عَنِ الْقُدْرَةِ الشَّامِلَةِ وَالْعِلْمِ الْكَامِلِ هُمَا عُمْدَةُ أُصُولِ الدِّينِ وَبِهِمَا يَتِمُّ إِثْبَاتُ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَرَدُّ الْمَلَاحِدَةِ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَحَشْرَ الْأَجْسَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالِي إِذَا عَلِمَ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ وَعَلَى الْإِحَاطَةِ عَلِمَ الْأَجْزَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ الْمُتَلَاشِيَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى جَمْعِهِمَا أَحْيَاهَا فَلِذَلِكَ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ التَّامِّ، وَأَمَّا طَعْنُ ابْنِ حَجَرٍ عَلَيْهِ فَمِنْ غَفْلَةٍ نَشَأَتْ عَنْ فَهْمِ الْمَرَامِ (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِي. (مَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ) أَيْ: مِنَ الْبَلَايَا وَالْخَطَايَا مِنْ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ ( «حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَفِي الْحِصْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، قَالَ مِيرَكُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ بَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أُمُّ عَبْدِ الْحَمِيدِ لَا أَعْرِفُهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَكَأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ.
2394 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] إِلَى قَوْلِهِ {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] ، أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2394 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ) أَيْ: نَزَّهُوهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ، وَفِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ سُبْحَانَ اللَّهِ:( «إِنَّهَا بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنَ السُّوءِ» ) لَا يُقَالُ النَّفْيُ لَا يَكُونُ مَدْحًا إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ ثُبُوتًا لِأَنَّ نَفْيَ النَّقْصِ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ إِذَا الْكَمَالُ مُسَلَّمٌ لَهُ تَعَالَى عِنْدَ الْكُلِّ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]{وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] فَثُبُوتُ الْكَمَالِ مِنْ صِفَاتِ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ لَهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَإِنَّمَا أُمِرَ الْخَلْقُ بِالتَّنْزِيهِ عَنِ التَّشْبِيهِ، وَلِهَذَا مَا جَاءَتِ الرُّسُلُ إِلَّا لِلْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيدِ، أَوْ صَلُّوا لِلَّهِ وَأَعْطُوا حَقَّ عُبُودِيَّتِهِ (حِينَ تُمْسُونَ) أَيْ: تَدْخُلُونَ فِي الْمَسَاءِ وَهُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أَيْ: تَدْخُلُونَ فِي الصَّبَاحِ وَهُوَ وَقْتُ الصُّبْحِ (وَلَهُ الْحَمْدُ) أَيْ: ثَابِتٌ (فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لِأَنَّهُمَا نِعْمَتَانِ عَامَّتَانِ عَظِيمَتَانِ لِأَهْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ حَمْدُهُ، وَقِيلَ: يُحْمَدُ عِنْدَ أَهْلِهِمَا، وَقِيلَ: بِحَمْدِهِ أَهْلَهُمَا لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَهُوَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ حَالِيَّةٌ (وَعَشِيًّا) عَطْفٌ عَلَى حِينَ وَأُرِيدَ بِهِ وَقْتُ الْعَصْرِ (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) أَيْ: تَدْخُلُونَ فِي الظَّهِيرَةِ وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَمَّا كَانَ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ مَحَلَّ ظُهُورِ هَذِهِ الْحَالَاتِ يُنَاسِبُهَا التَّنْزِيهُ عَنِ الْحُدُوثِ وَالْآفَاتِ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ قَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَقَالَ جَمَعَتِ الْآيَةُ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَمَوَاقِيتَهَا اهـ وَاخْتَارَ الطِّيبِيُّ عُمُومَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ التَّنْزِيهِ فَإِنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الْأَوْلَى مِنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مِنْ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ مَعَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْأَعَمِّ أَتَمُّ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُعَقِّبَ قَوْلَهُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِقَوْلِهِ فَسُبْحَانَ اللَّهِ، كَمَا جَاءَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَقَوْلَهُ وَعَشِيًّا بِقَوْلِهِ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، فَمَا فَائِدَةُ الْفَصْلِ؟ وَلِمَ خُصَّ التَّسْبِيحُ بِظَرْفِ الزَّمَانِ؟ وَالتَّحْمِيدُ بِالْمَكَانِ؟ قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَمْدَ أَشْمَلُ مِنَ التَّسْبِيحِ فَقَدَّمَ التَّسْبِيحَ وَعَلَّقَ بِهِ الْإِصْبَاحَ وَالْإِمْسَاءَ، وَأَخَّرَ التَّحْمِيدَ وَعَلَّقَ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِيَجْمَعَ فِي الْحَمْدِ بَيْنَ ظَرْفَيِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، إِذِ اقْتِرَانُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ تَعَلُّقٌ مَعْنَوِيٌّ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَعَلُّقٌ لَفْظِيٌّ، وَلَوْ قُدِّمَ الْحَمْدُ لَاشْتَرَكَا فِي الظَّرْفَيْنِ، وَلَوْ أُخِّرَ لَخُصَّ الْحَمْدُ بِالْمَكَانِ اهـ وَمَنْ فَهِمَ حُسْنَ كَلَامِهِ وَطِيبَ مَرَامِهِ لَا يَطْعَنُ فِيهِ بِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَفْهَمُ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا يَعْلَمُ مَنْ تَأَمَّلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله فَإِنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ نَفْسِهِ عَلَيْهِ بِقِلَّةِ الْفَهْمِ لَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إِلَيْهِ (إِلَى قَوْلِهِ) أَيْ: تَعَالَى كَمَا فِي نُسْخَةٍ (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ وَهَذَا اقْتِصَارٌ مِنَ الرَّاوِي وَتَمَامُهُ (يُخْرِجُ الْحَيَّ) كَالْجَنِينِ وَالْفَرْخِ (مِنَ الْمَيِّتِ) كَالْمَنِيِّ وَالْبَيْضَةِ {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَيِّ الْمُؤْمِنُ، وَمِنَ الْمَيِّتِ الْكَافِرُ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَالصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ، وَالذَّاكِرُ وَالْغَافِلُ، وَيُحْيِي الْأَرْضَ أَيْ: بِالْإِنْبَاتِ، بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْ: يُبْسِهَا (وَكَذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ (تُخْرَجُونَ) مِنْ قُبُورِكُمْ أَحْيَاءً لِلْحِسَابِ وَالْعَذَابِ وَالنَّعِيمِ وَحُسْنِ الْمَآبِ (أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ) أَيْ: مِنَ الْخَيْرِ، أَيْ: حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ مَا فَاتَهُ مِنْ وِرْدٍ وَخَيْرٍ (فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ) أَيْ: تِلْكَ الْكَلِمَاتِ أَوِ الْآيَاتِ (حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ) . (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.
2395 -
وَعَنْ أَبِي عَيَّاشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ) فَرَأَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا عَيَّاشٍ يُحَدِّثُ عَنْكَ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ:(صَدَقَ أَبُو عَيَّاشٍ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
2395 -
(وَعَنْ أَبِي عَيَّاشٍ) بِالْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ صُحِّفَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَالَ) شَرْطِيَّةٌ (إِذَا أَصْبَحَ) ظَرْفِيَّةٌ ( «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ» ) أَيْ: أَبَدًا (وَلَهُ الْحَمْدُ) أَيْ: سَرْمَدًا (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) أَيْ: دَائِمًا (كَانَ) جَوَابُ الشَّرْطِ (لَهُ) أَيْ: لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ الْمَقَالَ (عَدْلُ رَقَبَةٍ) أَيْ: مِثْلُ عِتْقِهَا وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا بِمَعْنَى الْمِثْلِ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ: الْمِثْلُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَبِالْكَسْرِ مِنَ الْجِنْسِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ (مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) صِفَةُ رَقَبَةٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ: أَوْلَادُهُ وَالتَّخْصِيصُ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ مَنْ سُبِيَ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ وَلَا عَلَى نَفْيِهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنَ الْجَوَازِ وَقَالَ، وَالْقَوْلُ بِمَنْعِهِ عَجِيبٌ (وَكُتِبَ) أَيْ: أُثْبِتَ مَعَ هَذَا (لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُطَّ) أَيْ: وُضِعَ وَمُحِيَ (عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) أَيْ: مِنْ دَرَجَاتِ الْجِنَانِ (وَكَانَ فِي حِرْزٍ) أَيْ: حِفْظٍ رَفِيعٍ وَحِصْنٍ مَنِيعٍ (مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ: مِنْ شَرِّ إِغْوَائِهِ (حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الْجَزَاءِ (حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ) أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ (فَرَأَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرَى) أَيْ: فِي الْحَالِ أَوِ الْوَصْفِ الَّذِي يَرَاهُ (النَّائِمُ) قَالَ
الطِّيبِيُّ: وَضَعَهُ مَوْضِعَ فِي النَّوْمِ تَنْبِيهًا عَلَى حَقِيقَةِ هَذِهِ الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَاللَّامُ فِي النَّائِمِ لِلْعَهْدِ يَعْنِي الذِّهْنِيَّ، أَيِ: النَّائِمُ الصَّادِقُ الرُّؤْيَا، وَلَوْ قَالَ فِي النَّوْمِ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ (فَقَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ فِي النَّوْمِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا عَيَّاشٍ يُحَدِّثُ عَنْكَ بِكَذَا) وَفِي نُسْخَةٍ كَذَا (وَكَذَا) وَلَعَلَّ التَّكْرَارَ بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَتَيْنِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ (قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَيَّاشٍ) وَهُوَ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ، وَكَفَى بِهِ مَنْقَبَةً فِي حَقِّهِ وَدَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ السُّنِّيِّ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ:" «يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ» " هَذَا وَقَوْلُهُ: فَرَأَى رَجُلٌ، ذُكِرَ اسْتِظْهَارًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَنَامِ لَا يُعْمَلُ بِهَا لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَا لِأَنَّهَا حَقٌّ بِالنَّصِّ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بَلْ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا يَضْبُطُ فَرُبَّمَا نَقَلَ خِلَافَ مَا سَمِعَ، أَوْ كَلَامُهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَتَعْبِيرٍ وَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ، وَلِأَنَّهَا إِذَا وَافَقَتْ مَا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ فَالْعِبْرَةُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا لِأَنَّهَا إِذَا خَالَفَتْهُ لَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِهَا.
2396 -
وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ; فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتَّ فِي لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جَوَازٌ مِنْهَا، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كَذَلِكَ فَإِنَّكَ إِذَا مِتَّ فِي يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جَوَازٌ مِنْهَا» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2396 -
(وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ) عَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهِ) أَيْ: تَكَلَّمَ مَعَهُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَالْإِسْرَارُ الْإِعْلَانُ وَالْإِخْفَاءُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْهَمْزَةَ قَدْ تَكُونُ لِلسَّلْبِ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ الْإِعْلَانَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ تَكَلَّمَ مَعَهُ خِفْيَةً، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِي الْإِسْرَارِ تَرْغِيبُهُ فِيهِ حَتَّى يَتَلَقَّاهُ وَيَتَمَكَّنَ فِي قَلْبِهِ تَمَكُّنَ السِّرِّ الْمَكْنُونِ لَا الضِّنَّةِ أَيِ: الْبُخْلِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ (فَقَالَ إِذَا انْصَرَفْتَ) أَيْ: فَرَغْتَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ وَقَالَ: أَيْ رَجَعْتَ (مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ) أَيْ: بِكَلَامِ الدُّنْيَا (أَحَدًا) فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ فَيَقَعُ الدُّعَاءُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فِي الثَّنَاءِ (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي) أَيْ: خَلِّصْنِي (مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ) ظَرْفٌ لِقُلْ أَيْ: كَرِّرْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَعَلَّ النُّكْتَةَ فِي هَذَا الْعَدَدِ مُرَاعَاةُ سَبْعَةِ أَبْوَابِ النَّارِ وَطَبَقَاتِهَا، أَوْ سَبْعَةِ أَعْضَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا (فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ) أَيِ: الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ سَبْعًا (ثُمَّ مِتَّ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ (فِي لَيْلَتِكَ كُتِبَ) أَيْ: قُدِّرَ (لَكَ جَوَازٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ: خَلَاصٌ (مِنْهَا) أَيْ: مِنَ النَّارِ، أَيْ: دُخُولِهَا أَوْ خُلُودِهَا فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مِنَ النَّارِ مَوْضِعَ مِنْهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَالْجَوَازُ فِي الْأَصْلِ الْبَرَاءَةُ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى لَا يَمْنَعَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُرُورِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَدْفَعُهُ إِلَّا تَحِلَّةُ الْقَسَمِ (وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ) أَيْ: وَانْصَرَفْتَ (فَقُلْ) أَيْ: هَذَا الذِّكْرُ سَبْعًا (كَذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا (فَإِنَّكَ إِذَا مِتَّ فِي يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جَوَازٌ مِنْهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، قَالَ مِيرَكُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ، وَيُقَالُ الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
2397 -
ــ
2397 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ) أَيْ: يَتْرُكُ (هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَانَ نَاقِصَةٌ، وَجُمْلَةَ يَدَعُ خَبَرٌ لَهَا، أَيْ: يَكُنْ تَارِكًا لَهُنَّ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ بَلْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا فِيهِمَا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله حَيْثُ قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ (يَكُنْ) تَامَّةٌ، وَأَنَّ يَدَعُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنَ
(الْفَاعِلِ أَيْ: لَمْ يُوجَدْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَالَ كَوْنِهِ تَارِكًا لَهُ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ رَكَاكَةِ الْمَعْنَى مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ظُهُورِ نُقْصَانِ الْكَوْنِ وَخَفَاءِ تَمَامِهِ، ثُمَّ مِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُ نَاقَضَ كَلَامَهُ الْمُصَرَّحَ الدَّالَّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الطِّيبِيِّ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْكَشَّافِ: لَمْ يَكُنْ يَدَعُ هَؤُلَاءِ أَيْ: لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يَلِيقُ بِحَالِهِ أَنْ يَدَعَهَا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَرْكُهَا، وَيَلِيقُ بِحَالِهِ لِبَيَانِ جَوَازِ تَرْكِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلِلِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا اهـ اعْتِرَاضُهُ الثَّابِتُ بِهِ انْتِقَاضُهُ، وَأَقُولُ لَيْسَ مُرَادُ الشَّارِحِ إِلَّا الْمُبَالَغَةَ فِي الْمُوَاظَبَةِ كَمَا هِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قِرَاءَتَهُ هَذَا الدُّعَاءَ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى يُقَالَ بَلْ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَرْكُهَا إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُوهَمِ مِنْهُ تَسْلِيمُ كَوْنِهِ وَاجِبًا، وَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ لِبَيَانِ جَوَازِ التَّرْكِ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأَهَمِّ مِنْهُ، ثُمَّ تَرَكْتُ مَا أَطْنَبَهُ مِنْ إِيرَادِ كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَلَامِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} [غافر: 85] لِعَدَمِ تَعَلُّقِ النَّفْعِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ» ) أَيِ: السَّلَامَةَ مِنَ الْآفَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْحَادِثَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِتَحَمُّلِهَا وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَالرِّضَا بِقَضَائِهَا (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وَقِيلَ: دِفَاعَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعَبْدِ الْأَسْقَامَ وَالْبَلَايَا، وَهِيَ مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ سَيِّئَ الْأَسْقَامِ كَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ» ) أَيِ: التَّجَاوُزَ عَنِ الذُّنُوبِ (وَالْعَافِيَةَ) أَيِ: السَّلَامَةَ مِنَ الْعُيُوبِ (فِي دِينِي وَدُنْيَايَ) أَيْ: فِي أُمُورِهِمَا (وَأَهْلِي وَمَالِي) أَيْ: فِي حَقِّهِمَا ( «اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي» ) أَيْ: عُيُوبِي، أَوِ امْحُ ذُنُوبِي (وَآمِنْ رَوْعَاتِي) أَيْ: مَخُوفَاتِي فِي جُمْلَةِ حَالَاتِي، وَإِيرَادُهُمَا لِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَتِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَوْرَةُ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ وَيَسُوءُ صَاحِبُهُ أَنْ يُرَى، وَالرَّوْعَةُ الْفَزْعَةُ (اللَّهُمَّ احْفَظْنِي) أَيِ: ادْفَعِ الْبَلَاءَ عَنِّي (مِنْ بَيْنِ يَدِي) أَيْ: أَمَامِي (وَمِنْ خَلْفِي) أَيْ: وَرَائِي (وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17] : إِنَّمَا عُدِّيَ الْفِعْلُ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ بِحَرْفِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ مِنْهُمَا مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ، وَإِلَى الْأَخِيرَيْنِ بِحَرْفِ الْمُجَاوَزَةِ فَإِنَّ الْآتِيَ مِنْهُمَا كَالْمُنْحَرِفِ عَنْهُمُ الْمَارِّ عَلَى عُرْضِهِمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ جَلَسْتُ عَنْ يَمِينِهِ (وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ أَنْ (أُغْتَالَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُوخَذَ بَغْتَةً وَأَهْلِكَ غَفْلَةً (مِنْ تَحْتِي) قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الِاغْتِيَالُ هُوَ أَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ (قَالَ وَكِيعٌ) أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (يَعْنِي الْخَسْفَ) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاغْتِيَالِ مِنَ الْجِهَةِ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَسْفَ، فِي الْقَامُوسِ خَسَفَ اللَّهُ بِفُلَانٍ الْأَرْضَ: غَيَّبَهُ فِيهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَمَّ الْجِهَاتِ لِأَنَّ الْآفَاتِ مِنْهَا، وَبَالَغَ فِي جِهَةِ السُّفْلِ لِرَدَاءَةِ الْآفَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِ مَا يُخْشَى وُقُوعُهُ فِيهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا الْحِيلَةُ حَتَّى جِهَةِ الْفَوْقِ فَمِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
2398 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ أَصْبَحْنَا نُشْهِدُكَ وَنُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ، وَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ ذَنْبٍ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
2398 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ أَصْبَحْنَا نُشْهِدُكَ) أَيْ: نَجْعَلُكَ شَاهِدًا عَلَى إِقْرَارِنَا بِوَحْدَانِيَّتِكَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ إِقْرَارٌ لِلشَّهَادَةِ وَتَأْكِيدٌ لَهَا وَتَجْدِيدٌ لَهَا فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ وَعَرْضٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (وَنُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ) بِالنَّصْبِ: عَطْفٌ عَلَى الْحَمَلَةِ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ (وَجَمِيعَ خَلْقِكَ) أَيْ: مَخْلُوقَاتِكَ تَعْمِيمٌ آخَرُ (أَنَّكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ: عَلَى شَهَادَتِي وَاعْتِرَافِي بِأَنَّكَ (أَنْتَ اللَّهُ) أَيِ: الْوَاجِبُ الْوُجُودِ صَاحِبُ الْكَرَمِ وَالْجُودِ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) أَيْ: مَوْجُودٌ
(وَحْدَكَ) أَيْ: مُنْفَرِدًا بِالذَّاتِ (لَا شَرِيكَ لَكَ) أَيْ: فِي الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ) سَيِّدُ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَنَدُ الْمَوْجُودَاتِ (إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِمَّا هُوَ جَوَابٌ مَحْذُوفٌ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَيِ: الَّذِي قَالَ فِيهِ ذَلِكَ الذِّكْرَ، تَقْدِيرُهُ مَا قَالَ قَائِلٌ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ (مَا أَصَابَهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ) أَوْ يُقَدَّرُ نَفْيٌ أَيْ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا هَذِهِ الْحَالَةَ الْعَظِيمَةَ مِنَ الْمَغْفِرَةِ الْجَسِيمَةِ (مِنْ ذَنْبٍ) فَعَلَى هَذَا مَنْ فِي مَنْ قَالَ بِمَعْنَى مَا النَّافِيَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا زَائِدَةً وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:( «وَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ» ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ (مِنْ ذَنْبٍ) أَيْ: أَيِّ ذَنَبٍ كَانَ، وَاسْتَثْنَى الْكَبَائِرَ وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَالْإِطْلَاقُ لِلتَّرْغِيبِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، إِلَّا أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي الْحَدِيثِ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ فِي الشَّهَادَتَيْنِ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
2399 -
وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى وَإِذَا أَصْبَحَ ثَلَاثًا رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
ــ
2399 -
(وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ) التَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ: كَامِلٍ فِي إِسْلَامِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التَّنْوِينَ لِمُجَرَّدِ التَّنْكِيرِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ زِيَادَةِ مِنَ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ (يَقُولُ إِذَا أَمْسَى وَإِذَا أَصْبَحَ ثَلَاثَةً) أَيْ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِحُصُولِ الْجَمْعِيَّةِ فَنَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ: يَقُولُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ بِمَعْنَى جُمَلٍ مُفِيدَةٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ ثَلَاثًا وَيُؤَيِّدُهُ عَدَمُ وُجُودِهَا فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ بَيْنَهَا بِقَوْلِهِ:( «رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا» ) تَمْيِيزٌ: وَهُوَ يَشْمَلُ الرِّضَاءَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَضَايَا الْكَوْنِيَّةِ (وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا) وَفِيهِ التَّبَرُّؤُ عَنْ نَحْوِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ (وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا) وَيَلْزَمُ مِنْهُ قَبُولُ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ الْإِجْمَالِيَّةِ (إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ) أَيْ: حَقِيقَةَ التَّفَضُّلِ وَالتَّكَرُّمِ، وَهُوَ خَبَرُ كَانَ وَاسْمُهَا قَوْلُهُ (أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ) وَفِي الْحِصْنِ أَوْرَدَهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي رَضِينَا وَبِلَفْظِ رَسُولًا مَكَانَ نَبِيًّا وَبِدُونِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، قَالَ مِيرَكُ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَامٍ خَادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ ثَوْبَانُ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْحِصْنِ رَضِيتُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَنَبِيًّا وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ السُّنِّيِّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ رَسُولًا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ نَبِيًّا فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: " نَبِيًّا وَرَسُولًا " وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَانَ عَامِلًا بِالْحَدِيثِ، وَقَدَّمَ نَبِيًّا عَلَى رَسُولًا مَعَ أَنَّ الْأَخِيرَ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ لِتَقَدُّمِ وَصْفِ النُّبُوَّةِ عَلَى الرِّسَالَةِ فِي الْوُجُودِ، أَوْ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
2400 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَكَ أَوْ تَبْعَثُ عِبَادَكَ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
2400 -
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ» ) أَيِ: الْيُمْنَى كَمَا فِي رِوَايَةٍ (تَحْتَ رَأْسِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ: تَحْتَ خَدِّهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَعَبَّرَ كُلُّ رَاوٍ عَنْ رُؤْيَتِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْيَدِ تَحْتَ خَدِّهِ وَبَعْضَهَا تَحْتَ رَأْسِهِ فَعَبَّرَ كُلُّ رَاوٍ عَنْ بَعْضِ مَا تَبِيَّنَ لَهُ، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْغَلَبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ تَشَبُّهًا بِالْمُحْتَضِرِ وَالْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ (ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ قِنِي) أَيِ: احْفَظْنِي ( «عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَكَ، أَوْ تَبْعَثُ عِبَادَكَ» ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَتَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ عَنْ حُذَيْفَةَ.
2401 -
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ الْبَرَاءِ.
ــ
2401 -
(وَأَحْمَدُ) أَيْ: رَوَاهُ أَحْمَدُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (عَنِ الْبَرَاءِ) .
2402 -
وَعَنْ حَفْصَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2402 -
(وَعَنْ حَفْصَةَ) وَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ) أَيْ: يَنَامَ (وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ) وَفِي رِوَايَةٍ رَبِّ ( «قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ تَجْمَعُ عِبَادَكَ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وَفِي نُسْخَةٍ مِرَارًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
2403 -
وَعَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2403 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ» ) اسْمُ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ مَصْدَرٍ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ» ) أَيِ: الشَّرِيفِ الَّذِي يَدُومُ نَفْعُهُ وَيَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ، وَالْوَجْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الذَّاتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88](وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ) أَيِ: الْكَامِلَاتِ فِي إِفَادَةِ مَا يَنْبَغِي وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ أَوْ آيَاتُهُ الْقُرْآنِيَّةُ وَدَلَالَاتُهُ الْفُرْقَانِيَّةُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: خَصَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِالذَّاتِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْكُلَّ تَابِعٌ لِإِرَادَتِهِ وَأَمْرِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ كُنْ (مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ) أَيْ: هُوَ فِي قَبْضَتِكَ وَتَصَرُّفِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] وَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ أَيْ: مِنْ شَرِّ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنْ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ، وَقِيلَ: كَنَّى بِالْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ عَنْ فَظَاعَةِ شَأْنِ مَا تَعَوَّذَ مِنْهُ، إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ إِيمَاءً بِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ لِكُلِّ مَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ وَالْمُرْسِلُ لَهُ، لَا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ، وَلَا شَيْءَ يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ، وَبَيَّنَهُ قَوْلُهُ:(اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ) أَيْ: تُزِيلُ وَتَدْفَعُ (الْمَغْرَمَ) مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، وَالْمُرَادُ مَغْرَمُ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَقِيلَ: مَا اسْتُدِينَ فِيمَا كَرِهَ اللَّهُ، أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ (وَالْمَأْثَمَ) أَيْ: مَا يَأْثَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ، أَوْ هُوَ الْإِثْمُ نَفْسُهُ وَضْعًا لِلْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الِاسْمِ ( «اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ» ) أَيْ: لَا يُغْلَبُ وَلَوْ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ (وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَرَفْعِ وَعْدِكَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْخِطَابِ وَالنَّصْبِ وَالْمُرَادُ بِالْوَعْدِ: الْإِخْبَارُ الشَّامِلُ لِلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ وَعْدُكَ بِإِثَابَةِ الطَّائِعِ بِخِلَافِ تَعْذِيبِ الْعَاصِي فَإِنَّ خُلْفَ الْوَعِيدِ كَرَمٌ وَخُلْفَ الْوَعْدِ بُخْلٌ - فَقَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْعِبَادِ وَلِذَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ
…
لِمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ عَقْلًا أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا وَإِنَّمَا عُلِمَ عَدَمُهُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَقْلًا ; لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْحِكْمَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ، وَالْكُفْرُ نِهَايَةٌ فِي الْجِنَايَةِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ، وَرَفْعُ الْحُرْمَةِ أَصْلًا فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَدَفْعَ الْغَرَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الْأَخِيرَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 35 - 154] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] أَيْ: بِعُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَظُنُونِهِمُ الْكَاسِدَةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ صَاحِبَ الْعُمْدَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: تَخْلِيدُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّارِ وَالْكَافِرِينَ فِي الْجَنَّةِ يَجُوزُ عَقْلًا عِنْدَهُمْ أَيِ: الْأَشَاعِرَةِ إِلَّا أَنَّ السَّمْعَ وَرَدَ بِخِلَافِهِ
فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ لِدَلِيلِ السَّمْعِ، وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ أَيْ: عَقْلًا أَيْضًا فَإِنْ قُلْتَ: لَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ حَجَرٍ مَا عَدَا الْكُفْرَ فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَعَقْلًا، قُلْتُ: مَا عَدَاهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ جَوَازُ خُلْفِ الْوَعِيدِ، مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ تَظَاهَرَتْ بَلْ فِي الْمَعْنَى تَوَاتَرَتْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُونَ بِشَفَاعَةِ الْأَبْرَارِ أَوْ بِمَغْفِرَةِ الْغَفَّارِ، هَذَا وَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلْفُ الْوَعِيدِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ تَعَالَى:{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] أَيْ: بِوُقُوعِ الْخُلْفِ فِيهِ فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ أُبَدِّلَ وَعِيدِي، وَعَفْوُ الْمُذْنِبِينَ لِبَعْضِ الْأَسْبَابِ لَيْسَ مِنَ التَّبْدِيلِ، فَإِنَّ دَلَائِلَ الْعَفْوِ تَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْوَعِيدِ اهـ يَعْنِي بِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ فَصَّلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ الْأَدِلَّةِ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ سَمَّيْتُهَا:" الْقَوْلُ السَّدِيدُ فِي خُلْفِ الْوَعِيدِ "(وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (مِنْكَ الْجَدُّ) فُسِّرَ الْجَدُّ بِالْغِنَى فِي أَكْثَرِ الْأَقَاوِيلِ أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى غِنَاهُ مِنْكَ أَيْ: بَدَلَ طَاعَتِكَ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مِنْكَ مَعْنَاهُ: عِنْدَكَ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37] وَقِيلَ الْجَدُّ هُوَ: الْحَظُّ وَالْبَخْتُ، رُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: جَدِّي فِي النَّخْلِ، وَقَالَ الْآخَرُ: جَدِّي فِي الْإِبِلِ، وَآخَرُ قَالَ: جَدِّي فِي كَذَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ هَذَا الدُّعَاءَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يُنْجِيهُ حَظُّهُ مِنْكَ ; إِنَّمَا يُنْجِيهُ فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ، وَقِيلَ، الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَيْ: لَا يَنْفَعُ مُجَرَّدُ النَّسَبِ بَلْ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَرُوِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَأُرِيدَ الْجِدُّ فِي أُمُورِ الدِّينِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُهُ الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ وَرَحْمَتُهُ وَفَتْحُهُ وَبَرَكَتُهُ قَالَ تَعَالَى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2](سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ) أَيْ: أَجْمَعُ بَيْنَ تَنْزِيهِكَ وَتَحْمِيدِكَ وَتَقْدِيسِكَ وَتَمْجِيدِكَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
2404 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَوْ عَدَدَ رَمْلِ عَالَجٍ أَوْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ أَوْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
2404 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» ) يَجُوزُ فِيهِمَا النَّصْبُ صِفَةً لِلَّهِ أَوْ مَدْحًا، وَالرَّفْعُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَفْعُهُمَا عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِهُوَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ نُسِبَ إِلَى الْكِسَائِيِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يُوصَفُ (وَأَتُوبُ إِلَيْهِ) أَيْ أَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَأُرِيدُ التَّوْبَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَوَفِّقْنِي لِلتَّوْبَةِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ظَرْفُ قَالَ (غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ) أَيِ: الصَّغَائِرَ، وَيَحْتَمِلُ الْكَبَائِرَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ الصَّغَائِرُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَمُرَادِ رَسُولِهِ فَلَا يُقَالُ فِي كَلَامِهِمَا أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمَا مَعَ احْتِمَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الْكَبَائِرَ قَابِلَةٌ أَنْ تَكُونَ مُرَادَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48](وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ فِي الْكَثْرَةِ (مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ (عَدَدَ رَمْلِ عَالَجٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ مُنْصَرِفٌ، وَقِيلَ: لَا يَنْصَرِفُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ فِيهِ رَمْلٌ كَثِيرَةٌ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْعَالَجُ مَا تَرَاكَمَ مِنَ الرَّمْلِ وَدَخَلَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَجَمْعُهُ عَوَالِجُ، فَعَلَى هَذَا لَا يُضَافُ الرَّمْلُ إِلَى عَالَجٍ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ نَصَبَ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ إِلَى الشَّارِحِ مَعَ قَوْلِهِ: فَعَلَى هَذَا لَا يُضَافُ الرَّمْلُ إِلَى عَالَجٍ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ أَيْ: رَمْلٌ يَتَرَاكَمُ، وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ وَمَا يَحْوِيهِ عَوَالِجُ الرِّمَالِ اهـ.
وَيَرُدُّهُ إِضَافَةُ الرَّمْلِ إِلَى عَالَجٍ وَعَلَى مَا قَالَهُ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَعَلَى أَنَّهُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ فَيُضَافُ كَلَامُهُ، فَتَأَمَّلْ فِي تَقْرِيرِهِ وَحُسْنِ تَحْرِيرِهِ، وَفِي التَّحْرِيرِ: عَالَجُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ فَيُضَافُ، قَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ بِالْإِضَافَةِ فَعَلَى
قَوْلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، أَوِ الْإِضَافِيَّةُ بَيَانِيَّةٌ، وَقِيلَ: اسْمُ وَادٍ بَعِيدِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ كَثِيرِ الرَّمْلِ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ، وَعَدَدَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى مِثْلَ، وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الزَّبَدِ وَكَذَا قَوْلُهُ:(أَوْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ، أَوْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَوْقَاتُهَا وَسَاعَاتُهَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
2405 -
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا فَلَا يَقْرَبُهُ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ حَتَّى يَهُبَّ مَتَى هَبَّ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
2405 -
(وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ) أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: وَأَبُو الدَّرْدَاءِ كَانَ شَدَّادُ مِمَّنْ أُوتِيَ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ يَقْرَأُ سُورَةً) وَفِي رِوَايَةٍ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ فَيَقْرَأُ سُورَةً) قَالَ مِيرَكُ فِي حَاشِيَةِ الْحِصْنِ: كَذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ ; لَكِنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ بِلَفْظِ بِقِرَاءَةٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مُفْتَتِحًا بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ، وَقِيلَ: أَيْ مُلْتَبِسًا بِهَا (مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) أَيِ: الْقُرْآنِ الْحَمِيدِ وَالْفَرْقَانِ الْمَجِيدِ (إِلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا) أَيْ: أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْرُسَهُ، مِنَ الْمُضَارِعِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ (فَلَا يَقْرَبُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (شَيْءٌ يُؤْذِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْحِصْنِ:( «إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا يَحْفَظُهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِي» )(حَتَّى يَهُبَّ) بِضَمِّ الْهَاءِ (مَتَّى هَبَّ) أَيْ: يَسْتَيْقِظُ مَنِ اسْتَيْقَظَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ، أَوْ قُرْبِهِ مِنَ النَّوْمِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَفِي الْحِصْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:( «إِذَا وَضَعْتَ جَنْبَكَ عَلَى الْفِرَاشِ وَقَرَأْتَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْمَوْتَ» ) وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - مَوْقُوفًا: ( «مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَعْقِلُ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ الْأَوَاخِرَ مِنَ الْبَقَرَةِ» ) .
2406 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «خَلَّتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَلَا وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا» ) قَالَ: «وَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ قَالَ: (فَتِلْكَ خَمْسُونَ، وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ يُسَبِّحُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ ! قَالُوا: وَكَيْفَ لَا نُحْصِيهَا؟ ! قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صِلَاتِهِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَيَأْتِيهِ فِي مَضْجَعِهِ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ:(خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ)، وَكَذَا فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ قَالَ: ( «وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» ) وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
ــ
2406 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) بِحَذْفِ الْيَاءِ وَجَوَازِ إِثْبَاتِهَا (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَلَّتَانِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ: خَصْلَتَانِ (لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ) أَيْ: لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ (أَوْ لَا يَأْتِي بِهِمَا) عَبَّرَ عَنِ الْمُأْتَى بِهِ بِالْإِحْصَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْدُودَاتِ، أَوْ لَا يُطِيقُهُمَا، أَوْ لَا يَأْتِي عَلَيْهِمَا بِالْإِحْصَاءِ كَالْعَادِّ لِلشَّيْءِ (إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ: مِنَ النَّاجِينَ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ (أَلَا) حَرْفُ تَنْبِيهٍ (وَهُمَا) أَيِ: الْخَصْلَتَانِ وَهُمَا الْوَصْفَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (يَسِيرٌ) أَيْ: سَهْلٌ خَفِيفٌ لِعَدَمِ صُعُوبَةِ الْعَمَلِ بِهِمَا عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ (وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ: عَلَى وَصْفِ الْمُدَاوَمَةِ (قَلِيلٌ) أَيْ: نَادِرٌ لِعِزَّةِ التَّوْفِيقِ قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24] وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْمَعْنَى كَبِيرٌ فِي الْمَبْنَى، وَجُمْلَةُ التَّنْبِيهِ مُعْتَرِضَةٌ لِتَأْكِيدِ التَّحْضِيضِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِمَا وَالتَّرْغِيبِ فِي الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي وَهُمَا لِلْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ، فَتَنْبِيهُ (يُسَبِّحُ اللَّهَ) بَيَانٌ لِإِحْدَى الْخَلَّتَيْنِ، وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ (فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ: عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ (مَفْرُوضَةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا، قَالَ) أَيْ: ابْنُ عَمْرٍو (فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا) أَيِ الْعَشَرَاتِ (بِيَدِهِ) أَيْ: بِأَصَابِعِهَا أَوْ بِأَنَامِلِهَا أَوْ بِعُقُدِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: مَرَّ الْأَمْرُ بِالْعَقْدِ بِالْأَنَامِلِ فِي حَدِيثٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدِ الْأَنَامِلُ وَيُحْتَمَلُ الْعَكْسُ، فَفِيهِ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى لَا سِيَّمَا
وَهِيَ صَادِقَةٌ عَلَى الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْأَنَامِلِ وَإِرَادَةَ الْيَدِ بَعِيدٌ جِدًّا عَنِ الْمَقْصُودِ فَتَأَمَّلْ (قَالَ) وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَتِلْكَ) أَيِ: الْعَشَرَاتُ الثَّلَاثُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (خَمْسُونَ وَمِائَةٌ) أَيْ: فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثِينَ فِي خَمْسَةٍ أَيْ: مِائَةٌ وَخَمْسُونَ حَسَنَةً (بِاللِّسَانِ) أَيْ: بِمُقْتَضَى نُطْقِهِ فِي الْعَدَدِ (وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ) لِأَنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا عَلَى أَقَلِّ مَرَاتِبِ الْمُضَاعَفَةِ الْمَوْعُودِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ) بَيَانٌ لِلْخَلَّةِ الثَّانِيَةِ: وَإِذَا لِلظَّرْفِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ أَيْ: وَحِينَ يَأْخُذُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مَرْقَدَهُ (يُسَبِّحُهُ) أَيْ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ (وَيُكَبِّرُهُ) أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ (وَيَحْمَدُهُ) أَيْ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ. فَقَوْلُهُ (مِائَةٌ) عَدَدُ الْمَجْمُوعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَوَسُّطِ التَّكْبِيرِ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالتَّحْمِيدَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْمِلَةً لِلْمِائَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، (فَتِلْكَ) أَيِ: الْمِائَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ (مِائَةٌ) أَيْ: مِائَةُ حَسَنَةٍ (بِاللِّسَانِ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي اللِّسَانِ (وَأَلْفٌ) أَيْ: أَلْفُ حَسَنَةٍ عَلَى جِهَةِ الْمُضَاعَفَةِ (فِي الْمِيزَانِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ !) الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، وَفِي الِاسْتِفْهَامِ نَوْعُ إِنْكَارٍ يَعْنِي إِذَا حَافَظَ عَلَى الْخَصْلَتَيْنِ وَحَصَلَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ حَسَنَةٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ بِعَدَدِ كُلِّ حَسَنَةٍ سَيِّئَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فَأَيُّكُمْ يَأْتِي بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِنَ السَّيِّئَاتِ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ حَتَّى لَا يَصِيرَ مَعْفُوًّا عَنْهُ؟ ! فَمَا لَكُمْ لَا تَأْتُونَ بِهِمَا وَلَا تُحْصُونَهُمَا؟ ! (قَالُوا: وَكَيْفَ لَا نُحْصِيهَا؟ !) أَيِ: الْمَذْكُورَاتِ، وَفِي نُسْخَةٍ لَا نُحْصِيهِمَا أَيِ: الْخَصْلَتَيْنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ كَيْفَ لَا نُحْصِي الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَصْلَتَيْنِ وَأَيُّ شَيْءٍ يَصْرِفُنَا، فَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لِإِهْمَالِهِمْ فِي الْإِحْصَاءِ فَرَدَّ اسْتِبْعَادَهُمْ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْفُلَ عَنِ الذِّكْرِ عَقِيبَهَا وَيُنَوِّمُهُ عِنْدَ الِاضْطِجَاعِ كَذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (يَأْتِي أَحَدَكُمْ) مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ (الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ) أَيْ: يُوَسْوِسُ لَهُ وَيُلْقِي فِي خَاطِرِهِ (اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا) مِنَ الْأَشْغَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ النَّفْسِيَّةِ الشَّهَوِيَّةِ، أَوْ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّلَاةِ وَلَوْ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ (حَتَّى يَنْفَتِلَ) أَيْ: يَنْصَرِفَ عَنِ الصَّلَاةِ (فَلَعَلَّهُ) أَيْ: فَعَسَى (أَنْ لَا يَفْعَلَ) أَيِ: الْإِحْصَاءَ، قِيلَ: الْفَاءُ فِي فَلَعَلَّهُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي إِذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَفْعَلُ كَذَا فَعَسَى الرَّجُلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَإِدْخَالُ أَنْ فِي خَبَرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَعَلَّ هُنَا بِمَعْنَى عَسَى وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَغْلِبُهُ الشَّيْطَانُ عَنِ الْحُضُورِ الْمَطْلُوبِ الْمُؤَكَّدِ فِي صَلَاتِهِ، فَكَيْفَ لَا يَغْلِبُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنِ الْأَذْكَارِ الْمَعْدُودَةِ مِنَ السُّنَنِ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ عَنْ طَاعَتِهِ؟ (وَيَأْتِيهِ) أَيِ: الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ (مَضْجَعَهُ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ: يُلْقِي عَلَيْهِ النَّوْمَ (حَتَّى يَنَامَ) أَيْ: بِدُونِ الذِّكْرِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ) أَيْ: عَلَى الشَّكِّ (لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ) أَيْ: بَدَلَ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ (وَكَذَا فِي رِوَايَتِهِ) أَيْ: رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ. (بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، قَالَ: وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) أَيْ: بِدُونِ الْوَاوِ.
2407 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: (اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2407 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهُوَ الْبَيَاضِيُّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي) أَيْ: حَصَلَ لِي فِي الصَّبَاحِ (مِنْ نِعْمَةٍ) أَيْ: دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ، ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ (أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَالْمُرَادُ التَّعْمِيمُ (فَمِنْكَ وَحْدَكَ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي قَوْلِهِ فَمِنْكَ أَيْ: فَحَاصِلٌ مِنْكَ مُنْفَرِدًا لَا شَرِيكَ لَكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] وَمِنْ شَرْطِ الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلشَّرْطِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي الْآيَةِ إِلَّا بِتَقْدِيرِ الْإِخْبَارِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقُومُونَ بِشُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَكْفُرُونَهَا بِالْمَعَاصِي فَقِيلَ لَهُمْ: إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِأَنَّ مَا الْتَبَسَ بِكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْتُمْ لَا تَشْكُرُونَهَا سَبَبٌ لِأَنْ أُخْبِرَكُمْ بِأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَقُومُوا بِشُكْرِهَا، وَالْحَدِيثُ بِعَكْسِ الْآيَةِ أَيْ: إِنِّي أُقِرُّ وَأَعْتَرِفُ بِأَنَّ كُلَّ النِّعَمِ الْحَاصِلَةِ الْوَاصِلَةِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْحَيَاةِ إِلَى انْتِهَاءِ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَمِنْكَ وَحْدَكَ فَأَوْزِعْنِي أَنْ أَقُومَ بِشُكْرِهَا وَلَا أَشْكُرَ غَيْرَكَ فِيهَا اهـ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَهْمِ عِبَارَتِهِ (فَلَكَ الْحَمْدُ) أَيِ: الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ (وَلَكَ الشُّكْرُ) أَيْ: عَلَى الْإِنْعَامِ الْجَزِيلِ، قِيلَ: هَذَا تَقْرِيرٌ لِلْمَطْلُوبِ وَلِذَلِكَ قُدِّمَ الْخَبَرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْمُفِيدِ لِلْحَصْرِ، يَعْنِي: إِذَا كَانَتِ النِّعْمَةُ مُخْتَصَّةً بِكَ فَهَا أَنَا أَنْقَادُ إِلَيْكَ، وَأَخُصُّ الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ لَكَ قَائِلًا: لَكَ الْحَمْدُ لَا لِغَيْرِكَ وَلَكَ الشُّكْرُ لَا لِأَحَدٍ سِوَاكَ ( «فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي» ) لَكِنْ يَقُولُ أَمْسَى بَدَلَ أَصْبَحَ (فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّكْرَ هُوَ الِاعْتِرَافُ بِالْمُنْعِمِ الْحَقِيقِيِّ، وَرُؤْيَةُ كُلِّ النِّعَمِ دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا مِنْهُ، وَكَمَالُهُ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّ النِّعَمِ وَيَصْرِفَهَا فِي مَرْضَاةِ الْمُنْعِمِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ غَنَّامٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
2408 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَاغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ.
ــ
2408 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ) وَفِي الْحِصْنِ يَقُولُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ) زِيدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ لَفْظَةُ السَّبْعِ (وَرَبَّ الْأَرْضِ) أَيْ: خَالِقَهُمَا، وَمُرَبِّي أَهْلِهِمَا، وَزِيدَ فِي الْحِصْنِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ (وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ (فَالِقَ الْحَبِّ) الْفَلْقُ بِمَعْنَى الشَّقِّ (وَالنَّوَى) جَمْعُ النَّوَاةِ وَهِيَ عَظْمُ النَّخْلِ وَفِي مَعْنَاهُ عَظْمُ غَيْرِهَا، وَالتَّخَصُّصُ لِفَضْلِهَا أَوْ لِكَثْرَةِ وَجُودِهَا فِي دِيَارِ الْعَرَبِ، يَعْنِي: يَا مَنْ شَقَّهَا فَأَخْرَجَ مِنْهُمَا الزَّرْعَ وَالنَّخِيلَ (وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ) مِنَ الْإِنْزَالِ، وَقِيلَ مِنَ التَّنْزِيلِ (وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) وَفِي الْحِصْنِ الْفُرْقَانِ بَدَلَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُفْرَقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلَعَلَّ تَرْكَ الزَّبُورِ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي التَّوْرَاةِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مَوَاعِظَ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ النَّظْمِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ؟ قُلْتُ: وَجْهُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ: مَالِكُهُمَا وَمُدَبِّرُ أَهْلِهِمَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى لِيَنْتَظِمَ مَعْنَى الْخَالِقِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] تَفْسِيرٌ لِفَالِقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمَعْنَاهُ يُخْرِجُ الْحَيَوَانَ النَّامِيَ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالْحَبَّ مِنَ النَّوَى، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أَيْ: يُخْرِجُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّامِي، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِخْرَاجُ الْأَشْيَاءِ مِنْ كَتْمِ الْعَدَمِ إِلَى فَضَاءِ الْوُجُودِ إِلَّا لِيُعْلَمَ وَيُعْبَدَ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِكِتَابٍ يُنْزِلُهُ وَرَسُولٍ يَبْعَثُهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: يَا مَالِكُ يَا مُدَبِّرُ يَا هَادِي أَعُوذُ بِكَ، وَهَذَا كَلَامٌ طَيِّبٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا
يَلِيقُ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ حَتَّى يَذْهَبَ (أَعُوذُ) ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ وَأَعُوذُ بِوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الْمُلَاطَفَةِ، وَالْمَعْنَى أَعْتَصِمُ وَأَعُوذُ (بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ) وَفِي الْحِصْنِ: مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ (أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: مِنْ شَرِّ كُلِّ دَآبَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا (أَنْتَ الْأَوَّلُ) وَفِي الْحِصْنِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ أَيِ: الْقَدِيمُ بِلَا ابْتِدَاءٍ (فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ) قِيلَ: هَذَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ الْأَوَّلُ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ بِقَرِينَةِ الْخَبَرِ بِاللَّامِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَنْتَ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَعَلَى هَذَا مَا بَعْدَهُ (وَأَنْتَ الْآخِرُ) أَيِ: الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءٍ (فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) أَيْ: بَعْدَ آخِرِيَّتِكَ الْمُعَبَّرِ بِهَا عَنِ الْبَقَاءِ شَيْءٌ يَكُونُ لَهُ بَقَاءٌ لِذَاتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَكَ بِمَعْنَى غَيْرِكَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ غَيْرَكَ فَإِنَّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَقَاءٌ مَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وَ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ الْآنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ الْمُسْتَحْسَنُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
، قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ: تَمَسَّكَتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ: " لَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ " عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ تَفْنَى بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِخِلَافِهِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْفَانِيَ هُوَ الصِّفَاتُ، وَالْأَجْزَاءَ الْمُتَلَاشِيَةُ بَاقِيَةٌ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَقَاءِ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَمَا صَحَّ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ (وَأَنْتَ الظَّاهِرُ) أَيِ: الْأَفْعَالُ وَالصِّفَاتُ، أَوِ الْكَامِلُ فِي الظُّهُورِ (فَلَيْسَ فَوْقَكَ) أَيْ: فَوْقَ ظُهُورِكَ (شَيْءٌ) يَعْنِي: لَيْسَ شَيْءٌ أَظْهَرَ مِنْكَ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ عَلَيْكَ، وَقِيلَ: لَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ فِي الظُّهُورِ، أَوْ أَنْتَ الْغَالِبُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ غَالِبٌ (وَأَنْتَ الْبَاطِنُ) أَيْ: بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ (فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ) أَيْ: لَيْسَ شَيْءٌ أَبْطَنَ مِنْكَ، وَدُونَ يَجِيءُ بِمَعْنَى غَيْرٍ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ - غَيْرَكَ - فِي الْبُطُونِ شَيْءٌ أَبْطَنَ مِنْكَ، وَقَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى قَرِيبٍ، فَالْمَعْنَى: لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْبُطُونِ قَرِيبًا مِنْكَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الظُّهُورِ وَالْبُطُونِ تَجَلِّيهِ لِبَصَائِرِ الْمُتَفَكِّرِينَ وَاحْتِجَابُهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: ظَاهِرٌ فِي عَيْنِ الْبَاطِنِ وَبَاطِنٌ فِي عَيْنِ الظَّاهِرِ (اقْضِ عَنِّي) وَفِي رِوَايَةٍ عَنَّا (الدَّيْنَ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حُقُوقُ اللَّهِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ جَمِيعًا، وَلَمَّا «قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ تَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَعِيذُ مِنَ الدَّيْنِ،» بَيَّنَ لَهَا صلى الله عليه وسلم أَنَّ الدَّيْنَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ كَخُلْفِ الْوَعْدِ وَتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، وَلِذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الدَّيْنِ " «هَمٌّ بِاللَّيْلِ مَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ» " (وَاغْنِنِي) وَفِي رِوَايَةٍ وَاغْنِنَا (مِنَ الْفَقْرِ) أَيْ: الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْمَخْلُوقِ، أَوْ مِنَ الْفَقْرِ الْقَلْبِيِّ، لِمَا وَرَدَ:" كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا "(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَهَ (وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ) كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ.
2409 -
وَعَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ الْأَنْمَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: (بَاسِمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَاخْسَأْ شَيْطَانِي وَفُكَّ رِهَانِي، وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الْأَعْلَى» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2409 -
(وَعَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ الْأَنْمَارِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَهُ صُحْبَةٌ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ، بِاسْمِ اللَّهِ» ) أَيْ: أَرْقُدُ، وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ إِنْ أُرِيدَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى، أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ (وَضَعْتُ جَنْبِي لِلَّهِ) وَفِي الْحِصْنِ بِدُونِ لِلَّهِ فَوَضَعْتُ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ: وَيَحْتَمِلُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: وَضَعْتُ أَيْ: بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي حَالَ كَوْنِ وَضْعِهِ لِلَّهِ أَيْ: لِلتَّقْوَى عَلَى عِبَادَتِهِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي) الْمُرَادُ بِهِ ذَنْبُهُ اللَّائِقُ بِهِ، أَوْ ذَنْبُ أُمَّتِهِ أَوْقَعُ تَسْلِيمًا أَوْ تَعْلِيمًا (وَاخْسَأْ شَيْطَانِي) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ أَوَّلَهُ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ آخِرَهُ أَيْ: أَبْعِدْهُ، مِنْ خَسَأَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] .
وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ مِنْ خَسَأْتُ الْكَلْبَ أَيْ: طَرَدْتُهُ، فَهُوَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى أَيِ: اجْعَلْهُ مَطْرُودًا عَنِّي وَمَرْدُودًا عَنْ إِغْوَائِي، قَالَ الطِّيبِيُّ: إِضَافَةٌ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ قَرِينَةً مِنَ الْجِنِّ أَوْ مَنْ قَصَدَ إِغْوَاءَهُ أَيْ: مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (وَفُكَّ رِهَانِي) أَيْ: خَلِّصْ رَقَبَتِي عَنْ كُلِّ حَقٍّ عَلَيَّ، وَالرِّهَانُ الرَّهْنُ وَجَمْعُهُ وَمَصْدَرُ رَاهَنَهُ وَهُوَ مَا يُوضَعُ وَثِيقَةً لِلدَّيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ بِعَمَلِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ( «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُرْتَهِنَةٌ بِدَيْنِهِ» ) أَيْ: مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ، وَفَكُّ الرَّهْنِ تَخْلِيصُهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، يَعْنِي: خَلِّصْ نَفْسِي عَنْ حُقُوقِ الْخَلْقِ وَمِنْ عِقَابِ مَا اقْتَرَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تَرْضَاهَا بِالْعَفْوِ عَنْهَا، أَوْ خَلِّصْهَا مِنْ ثِقَلِ التَّكَالِيفِ بِالتَّوْفِيقِ لِلْإِتْيَانِ بِهَا، وَزَادَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ:" وَثَقِّلْ مِيزَانِي " أَيْ: بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ( «وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الْأَعْلَى» ) وَرُوِيَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَالنَّدِيُّ بِفَتْحٍ ثُمَّ الْكَسْرِ ثُمَّ التَّشْدِيدِ هُوَ: النَّادِي وَهُوَ الْمَجْلِسُ الْمُجْتَمِعُ، قِيلَ: النَّدِيُّ أَصْلُهُ الْمَجْلِسُ، وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ أَيْضًا، وَيُرِيدُ بِالْأَعْلَى الْمَلَأَ الْأَعْلَى وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ أَهْلَ النَّدِيِّ إِذَا أَرَادَ الْمَجْلِسَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: النَّدِيُّ يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْلِسِ إِذَا كَانَ فِيهِ الْقَوْمُ فَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يَكُنْ نَدِيًّا، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْمِ، وَأَرَادَ الْمَلَأَ الْأَعْلَى، أَوْ مَجْلِسَهُمْ، وَالْمَعْنَى: اجْعَلْنِي مِنَ الْمُجْتَمِعِينِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَقَامِ الْأَعْلَى الدَّرَجَةُ الرَّفِيعَةُ وَمَقَامُ الْوَسِيلَةِ الَّذِي قَالَ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِعَبْدٍ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) أَيْ: ذَلِكَ الْعَبْدُ، قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ: وَيُرْوَى فِي النِّدَاءِ الْأَعْلَى وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَالنِّدَاءُ مَصْدَرُ نَادَيْتُهُ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُنَادَى بِهِ لِلتَّنْوِيهِ وَالرَّفْعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ نِدَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمُ الْأَعْلَوْنَ رُتْبَةً وَمَكَانًا عَلَى أَهْلِ النَّارِ كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} [الأعراف: 44] وَالنِّدَاءُ الْأَسْفَلُ هُوَ نِدَاءُ أَهْلِ النَّارِ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وَالْمَعْنَى: اجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَعَبَّرَ بِفِي لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْ مِنْ وَنَظِيرُ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ أَيِ: اجْعَلْنِي مُنْدَرِجًا فِي جُمْلَتِهِمْ مَغْمُورًا فِي بَرَكَتِهِمْ، بِخِلَافِ اجْعَلْنِي مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ عَدَدِهِمْ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَخْرٍ اهـ وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّدِيِّ الْقَوْمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ الْمَجْلِسُ فَيَتَعَيَّنُ وُجُودُ فِي، وَلَعَلَّ إِيرَادَ فِي لِيَقْبَلَ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَأَمَّا دَعْوَاهُ الْأَبْلَغِيَّةَ فَمَمْنُوعَةٌ لِأَنَّهُ إِذَا صَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِيهِمْ، بَلِ الْأَبْلَغُ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ أَنْ يُقَالَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ فِيهِمْ وَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ إِلَّا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّوَاضُعِ بِفِي أَكْثَرُ مِمَّا فِي التَّوَاضُعِ بِمِنْ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " «وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» " إِذْ فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَالَغَةِ مِنَ التَّوَاضُعِ مَا لَا يَخْفَى، بَلِ التَّحْقِيقُ أَنَّ (اجْعَلْ) مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم: 40] وَ {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35] فَيُرَادُ فِي لِتَضْمِينِ الْجَعْلِ مَعْنَى الْإِيقَاعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي، وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ؛ إِذْ لَيْسَ نَظِيرَهُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ.
2410 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
2410 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ» ) أَيْ: مِنَ اللَّيْلِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي» ) أَيْ: عَنِ الْخَلْقِ أَغْنَانِي (وَآوَانِي) بِالْمَدِّ أَيْ: جَعَلَ لِي مَسْكَنًا يَدْفَعُ عَنِّي حَرِّي وَبَرْدِي وَسَتَرَنِي عَنْ أَعْدَائِي (وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي) أَيْ: أَشْبَعَنِي وَأَرْوَانِي (وَالَّذِي مَنَّ) أَيْ: أَنْعَمَ (عَلَيَّ فَأَفْضَلَ) بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالْوَاوِ أَيْ: زَادَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَحْسَنَ (وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ) أَيْ: فَأَعْظَمَ، أَوْ أَعْظَمَ مِنَ النِّعْمَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِيهِ لِتَرْتِيبِهَا فِي التَّفَاوُتِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَقَوْلِكَ خُذِ الْأَفْضَلَ فَالْأَكْمَلَ وَاعْمَلِ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ، فَالْإِعْطَاءُ حَسَنٌ وَكَوْنُهُ جَزِيلًا أَحْسَنَ وَهَكَذَا الْمُعَنْوَنُ، وَقَدَّمَ الْمَنَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِعَمَلِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ
الْإِعْطَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَسْبُوقًا بِهِ ( «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» ) أَيْ: وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَائِرَ الْحَالَاتِ مِنَ الْمِحَنِ وَالْبَلِيَّاتِ مِمَّا يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا إِمَّا رَافِعَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَإِمَّا رَافِعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ، بِخِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهُمْ فِي حَالِ الْمَعْصِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَفِي حَالِ الْعُقُوبَةِ فِي الْعُقْبَى، فَلَيْسَ هُنَاكَ شُكْرٌ بَلْ صَبْرٌ عَلَى حُكْمِهِ وَأَمْرِهِ وَرِضًا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَهُوَ مَحْمُودٌ بِذَاتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِصِفَاتِهِ فِي كُلِّ فِعَالٍ ( «اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ» ) أَيْ: مُرَبِّيهِ وَمُصْلِحَهُ (وَمَلِيكَهُ) أَيْ: مَلِكَهُ وَمَالِكَهُ (وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ: مَعْبُودَهُ وَمَقْصُودَهُ وَمَطْلُوبَهُ وَمَحْبُوبَهُ بِلِسَانِ حَالِهِ أَوْ بَيَانِ قَالِهِ، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ( «أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ» ) أَيْ: مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَيْهَا مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ حَالٍ يُوجِبُ الْعَذَابَ وَيَقْتَضِي الْحِجَابَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
2411 -
وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «شَكَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الْأَرَقِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظَلَّتْ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ، كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَنْ يَبْغِيَ، عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَالْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ الرَّازِيُّ قَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
ــ
2411 -
(وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ شَكَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) أَيِ: السَّهَرَ (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) فِي الْقَامُوسِ: شَكَا أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ شَكْوَى وَيُنَوَّنُ، وَشِكَايَةً بِالْكَسْرِ، وَشَكَيْتُ لُغَةٌ فِي شَكَوْتُ اهـ فَعَلَى اللُّغَةِ الْأَوْلَى الَّتِي هِيَ الْفُصْحَى يُكْتَبُ شَكَا بِالْأَلِفِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِالْيَاءِ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي عِلْمِ الْخَطِّ ( «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الْأَرَقِ» ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: مِنْ أَجْلِ السَّهَرِ، وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرَّجُلِ النَّوْمَ مِنْ وَسْوَاسٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَوَيْتَ) بِالْقَصْرِ ( «إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظَلَّتْ» ) أَيْ: وَمَا أَوْقَعَتْ ظِلَّهَا عَلَيْهِ (وَرَبَّ الْأَرَضِينَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيِ: السَّبْعِ (وَمَا أَقَلَّتْ) أَيْ: حَمَلَتْ وَرَفَعَتْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ (وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ) أَيْ: وَمَا أَضَلَّتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَمَا هُنَا بِمَعْنَى: مَنْ، وَفِيمَا قَبْلُ غُلِّبَ فِيهَا غَيْرُ الْعَاقِلِ، وَيُمْكِنُ أَنَّ (مَا) هُنَا لِلْمُشَاكَلَةِ، أَوْ تَنْزِيلًا لِلْمَنْزِلَةِ، أَوْ أَنَّهَا فِي الْكُلِّ بِمَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ (كُنْ لِي جَارًا) مِنِ اسْتَجَرْتُ فَلَانًا فَأَجَارَنِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88] أَيْ: كُنْ لِي مُعِينًا وَمَانِعًا وَمُجِيرًا وَحَافِظًا (مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جَمِيعًا) حَالٌ، فَهُوَ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ أَجْمَعِينَ (أَنْ يَفْرُطَ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ: مِنْ أَنْ يَفْرُطَ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ شَرِّهِمْ، أَوْ لِئَلَّا يَفْرُطَ، أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْرُطَ أَيْ: يَسْبِقَ (عَلَيَّ أَحَدٌ) أَيْ: بِشَرِّهِ (مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ خَلْقِكَ، وَفِي الْمَفَاتِيحِ أَيْ: يَقْصِدُ بإذَائِي مُسْرِعًا (أَوْ أَنْ يَبْغِيَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ: يَظْلِمَ عَلَيَّ أَحَدٌ (عَزَّ جَارُكَ) أَيْ: غَلَبَ مُسْتَجِيرُكَ وَصَارَ عَزِيزًا كُلُّ مَنِ الْتَجَأَ إِلَيْكَ وَعَزَّ لَدَيْكَ (وَجَلَّ) أَيْ: عَظُمَ (ثَنَاؤُكَ) يُحْتَمَلُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُثَنَّى غَيْرَهُ أَوْ ذَاتَهُ فَيَكُونَ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ (وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) تَأْكِيدٌ لِلتَّوْحِيدِ وَتَأْيِيدٌ لِلتَّفْرِيدِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَالْحَكَمُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَفِي أَصْلِ السَّيِّدِ الْحَكِيمُ بِالْيَاءِ، وَفِي الْهَامِشِ صَوَابُهُ الْحَكَمُ (ابْنُ ظُهَيْرٍ) كَمَا فِي الْكَاشِفِ وَالتَّقْرِيبِ (الرَّاوِي) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ (قَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ) وَفِي الْحِصْنِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إِلَّا أَنَّ فِيهَا " وَتَبَارَكَ اسْمُكَ " بَدَلَ " جَلَّ ثَنَاؤُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ " قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا وَفِيهِ " «عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» ".
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
2412 -
عَنْ أَبِي مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبِرْكَتَهُ وَهُدَاهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَمِنْ شَرِّ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
2412 -
(عَنْ أَبِي مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ) أَيْ: خَالِقِهِمْ وَسَيِّدِهِمْ وَمُصْلِحِهِمْ وَمُرَبِّيهِمْ، وَفِيهِ تَغْلِيبُ ذَوِي الْعُقُولِ لِشَرَفِهِمْ ( «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ» ) أَيِ: الظَّفَرَ عَلَى الْمَقْصُودِ (وَنَصْرَهُ) أَيِ: النُّصْرَةَ عَلَى الْعَدُوِّ (وَنُورَهُ) بِتَوْفِيقِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ (وَبَرَكَتَهُ) بِتَيْسِيرِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ (وَهُدَاهُ) أَيِ: الثَّبَاتَ عَلَى مُتَابَعَةِ الْهُدَى وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ فَتْحَهُ وَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ، وَالْفَتْحُ هُوَ الظَّفَرُ بِالتَّسَلُّطِ صُلْحًا وَقَهْرًا، وَالنَّصْرُ الْإِعَانَةُ وَالْإِظْهَارُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا أَصْلُ مَعْنَاهُمَا، وَيُمْكِنُ التَّعْمِيمُ فِيهِمَا يَعْنِي: فَيُفِيدُ التَّأْكِيدَ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ) أَيْ: فِي هَذَا الْيَوْمِ (وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ) وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ سُؤَالِ خَيْرِ مَا بَعْدَهُ إِشْعَارًا بِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ (ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ) بِأَنْ يَقُولَ: أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ. . . . . وَخَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. . . . . وَيُؤَنِّثَ الضَّمَائِرَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ.
2413 -
ــ
2413 -
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَيِ: الْبَصْرِيِّ الثَّقَفِيِّ، وُلِدَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَيْثُ نَزَلَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ بِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، تَابِعِيٌّ كَثِيرُ الْحَدِيثِ سَمِعَ أَبَاهُ وَعَلِيًّا وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ (ابْنِ أَبِي بَكْرَةٍ) بِالتَّاءِ، وَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: يُقَالُ إِنَّ أَبَا بَكْرَةَ تَدَلَّى يَوْمَ الطَّائِفِ بِبَكْرَةٍ وَأَسْلَمَ فَكَنَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي بَكْرَةٍ وَأَعْتَقَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَالِيهِ (قَالَ) أَيْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ (قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا (أَسْمَعُكَ) أَيْ: أَسْمَعُ مِنْكَ، أَوْ أَسْمَعُ كَلَامَكَ حَالَ كَوْنِكَ (تَقُولُ كُلَّ غَدَاةٍ) أَيْ: صَبَاحٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا سَيَأْتِي ( «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي» ) أَيْ: لِأَقْوَى عَلَى طَاعَتِكَ وَنُصْرَةِ دِينِكَ ( «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي» ) خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يُدْرِكُ آيَاتِ اللَّهِ الْمُثْبَتَةَ فِي الْآفَاقِ، وَالسَّمْعَ لِإِدْرَاكِ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ، فَهُمَا جَامِعَانِ لِدَرْكِ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَفِي تَقَدُّمِ السَّمْعِ إِيمَاءٌ إِلَى أَفْضَلِيَّتِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " «اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنَّا» " (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) إِقْرَارٌ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَاعْتِرَافٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ كَمَالُ الْعُبُودِيَّةِ (تُكَرِّرُهَا) أَيْ: هَذِهِ الْجُمَلَ، أَوْ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ، بَدَلٌ مِنْ تَقُولُ، أَوْ حَالٌ (ثَلَاثًا حِينَ تُصْبِحُ) ظَرْفٌ لِتَقُولَ (وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي) أَيْ: أَيْضًا (فَقَالَ: يَا بُنَيَّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالتَّصْغِيرُ لِلشَّفَقَةِ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِنَّ) أَيْ: كَذَلِكَ (فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ) أَيْ: أَقْتَدِي (بِسُنَّتِهِ) وَأَتَتَبَّعَ سِيرَتَهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ.
2414 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: (أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْعَظَمَةُ لِلَّهِ، وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَمَا سَكَنَ فِيهِمَا لِلَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ هَذَا النَّهَارِ صَلَاحًا وَأَوْسَطَهُ نَجَاحًا وَآخِرَهُ فَلَاحًا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) » . ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بِرِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيِّ.
ــ
2414 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْكِبْرِيَاءُ» ) أَيِ: الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ (وَالْعَظَمَةُ) أَيِ: الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ (لِلَّهِ) أَيْ: وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ " «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَصَمْتُهُ» ". (وَالْخَلْقُ) أَيِ: الْإِيجَادُ التَّدْرِيجِيُّ (وَالْأَمْرُ) أَيِ: الْإِيجَادُ الْآتِي، أَوْ وَاحِدُ الْأَوَامِرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، أَوْ وَاحِدُ الْأُمُورِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّصَرُّفُ وَالْحُكْمُ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ الْإِيجَادُ وَبِالْأَمْرِ الْإِمْدَادُ، وَقَدْ يُشَارُ بِالْأَوَّلِ لِعَالَمِ الصُّورِ وَبِالثَّانِي لِعَالَمِ الْمَعَانِي وَمِنْهُ:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85](وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) أَيْ: زَمَانُهُمَا وَمَكَانُهُمَا (وَمَا سَكَنَ فِيهِمَا) أَيْ: وَتَحَرَّكَ، أَوْ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ نَحْوَ: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أَيْ: وَالْبَرْدَ، أَوْ سَكَنَ بِمَعْنَى ثَبَتَ (لِلَّهِ) أَيْ: لَا شَرِيكَ لَهُ وَفِيهِ رَمْزٌ