المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب تنزيه الصوم] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَمِنْ تَحِلُّ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْإِنْفَاقِ وَكَرَاهِيَةِ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ]

- ‌[بَابُ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا يَعُودُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ]

- ‌[باب في مسائل متفرقة من كتاب الصوم]

- ‌[بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[باب في توابع لصوم التطوع]

- ‌[بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعَوَاتِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[ثَوَابُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ]

- ‌[بَابُ رَحْمَةِ اللَّهِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمَنَامِ]

- ‌[بَابُ الدَّعَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ]

الفصل: ‌[باب تنزيه الصوم]

1997 -

وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: «دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: " هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

1997 -

(وَعَنِ الْعِرْبَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّحُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا (فِي رَمَضَانَ قَالَ) عَطْفٌ أَوْ تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ " هَلُمَّ " أَيْ تَعَالَ، فِي النِّهَايَةِ: فِيهِ لُغَتَانِ، فَأَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُؤَنَّثُ اهـ وَجَاءَ التَّنْزِيلُ بِلُغَةِ الْحِجَازِ " قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ " أَيْ أَحْضِرُوهُمْ " إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ " وَالْغَدَاءُ مَأْكُولُ الصَّبَاحِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ وَضَبَطَهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ أَوَّلِهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِيهِمَا.

ص: 1388

1998 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنَ التَّمْرُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1998 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ ") بِفَتْحِ السِّينِ لَا غَيْرَ " التَّمْرُ " قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا مَدَحَ التَّمْرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي نَفْسِ السَّحُورِ بَرَكَةٌ، وَتَخْصِيصُهُ بِالتَّمْرِ بَرَكَةً، عَلَى بَرَكَةِ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، لِيَكُونَ الْمَبْدُوءُ بِهِ وَالْمُنْتَهَى إِلَيْهِ الْبَرَكَةَ (رَوَاهُ أَبُو دُوَادَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) .

ص: 1388

[بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ]

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

1999 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

(بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ)

أَيْ بَيَانُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَجِبُ تَبْعِيدُ الصَّوْمِ عَمَّا يُبْطِلُهُ أَوْ يُبْطِلُ ثَوَابَهُ أَوْ يَنْقُصُهُ.

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

1999 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَدَعْ ") أَيْ يَتْرُكْ " قَوْلَ الزُّورِ " أَيِ الْبَاطِلَ وَهُوَ مَا فِيهِ إِثْمٌ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الزُّورُ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ، أَيْ مَنْ لَمْ يَتْرُكِ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ اجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ارْتِكَابُهَا " وَالْعَمَلَ " بِالنَّصْبِ " بِهِ " أَيْ بِالزُّورِ يَعْنِي الْفَوَاحِشَ مِنَ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهَا فِي الْإِثْمِ كَالزُّورِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ " أَيِ الْتِفَاتٌ وَمُبَالَاةٌ، وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ يَنْفِي السَّبَبَ وَإِرَادَةَ نَفْيِ الْمُسَبِّبِ " فِي أَنْ يَدَعَ " أَيْ يَتْرُكَ " طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " فَإِنَّهُمَا مُبَاحَانِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا تَرَكَهُمَا وَارْتَكَبَ أَمْرًا حَرَامًا مِنْ أَصْلِهِ اسْتَحَقَّ الْمَقْتَ، وَعَدَمَ قَبُولِ طَاعَتِهِ فِي الْوَقْتِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ تَرْكُ الْمَعَاصِي مُطْلَقًا لَا تَرْكًا دُونَ تَرْكٍ، وَكَأَنَّ هَذَا مَأْخَذُ مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّوْبَةَ عَنْ بَعْضِ الْمَعَاصِي غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَالصَّحِيحَةُ حِصَّتُهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهَا بِنَاءً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْقَبُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّوْمِ كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَتَطْوِيعُ الْأَمَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِصَوْمِهِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ نَظَرَ عِنَايَةٍ، فَعَدَمُ الْحَاجَةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالْقَبُولِ، وَكَيْفَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ تَرَكَ مَا يُبَاحُ مِنْ غَيْرِ زَمَانِ الصَّوْمِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَارْتَكَبَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ وَالزُّورَ أَصْلُ الْفَوَاحِشِ، وَمَعْدِنُ الْمَنَاهِي، بَلْ قَرِينُ الشِّرْكِ، قَالَ - تَعَالَى - {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشِّرْكَ وَالزُّورَ مُضَادٌّ لِلْإِخْلَاصِ، وَالصَّوْمُ بِالِاخْتِصَاصِ فَيَرْتَفِعُ بِمَا يُضَادُّهُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ الْحَاكِمِ الَّذِي صَحَّحَهُ:" «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» "، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ يَتَأَكَّدَ اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي عَلَى الصَّائِمِ كَمَا قِيلَ فِي الْحَجِّ، لَكِنْ لَا يَبْطُلُ ثَوَابُهُ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ كَمَالُهُ، فَلَهُ ثَوَابُ الصَّوْمِ وَإِثْمُ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ ثَوَابُهُ مِنْ أَصْلِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَعَلِيلٍ مُبِينٍ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: يَتَأَكَّدُ عَلَى الصَّائِمِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ فَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ وَاجِبًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ وَسَائِرَ جَوَارِحِهِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ كَفُّ مَا ذُكِرَ عَنِ الْمَعَاصِي بِأَسْرِهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ، إِذِ الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عَنِ الْمُبَاحَاتِ غَيْرُ وَاجِبٍ، بَلْ قَوْلُهُ يُكْرَهُ لَهُ شَمُّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا وَلَمْسُهَا مُحْتَاجٌ إِلَى نَهْيٍ وَارِدٍ مَقْصُودٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.

ص: 1388

2000 -

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِأَرَبِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ".

ــ

2000 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ رَخَّصَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ عُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهَا إِذَا لَمْ تُحَرِّكِ الشَّهْوَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْرَهُ لِلشَّابِّ وَيُرَخَّصُ لِلشَّيْخِ (وَيُبَاشِرُ) أَيْ بَعْضَ نِسَائِهِ، يُلْصِقُ الْبَشَرَةَ بِالْبَشَرَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ يَلْمِسُ نِسَاءَهُ بِيَدِهِ (وَهُوَ صَائِمٌ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ صَائِمًا، زَادَ مُسْلِمٌ: فِي رَمَضَانَ، قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَعِنْدَنَا كُرْهُ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْجِمَاعَ أَوِ الْإِنْزَالَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنَ الْفِتْنَةِ اهـ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهَا رضي الله عنها (وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ) مِنْ مَلَكَ إِذَا قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ أَوْ صَارَ حَاكِمًا عَلَيْهِ (لِأَرَبِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْحَاجَةُ وَتُرِيدُ بِهِ الشَّهْوَةَ، وَقَدْ يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَيُفَسَّرُ تَارَةً بِأَنَّهُ الْحَاجَةُ وَتَارَةً بِأَنَّهُ الْعَقْلُ وَتَارَةً بِأَنَّهُ الْعُضْوُ، وَأُرِيدَ هَاهُنَا الْعُضْوُ الْمَخْصُوصُ، كَذَا ذُكِرَ لِأَنَّ الصَّدِّيقَةَ رضي الله عنها ذَكَرَتْ أَنْوَاعَ الشَّهْوَةِ مُتَرَقِّيَةً مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، فَبَدَأَتْ بِمُقَدِّمَتِهَا الَّتِي هِيَ الْقُبْلَةُ ثُمَّ ثَنَّتْ بِالْمُبَاشَرَةِ مِنْ نَحْوِ الْمُدَاعَبَةِ وَالْمُعَانَقَةِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تُعَبِّرَ عَنِ الْمُجَامَعَةِ فَكَنَّتْ عَنْهَا بِالْأَرَبِ، وَإِلَى عِبَارَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحْسَنَ إِذًا أَنَّ الْأَرَبَ بِمَعْنَى الْحَاجَةِ كِنَايَةً عَنِ الْمُجَامَعَةِ، وَأَمَّا الذَّكَرُ فَغَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْأُنْثَى كَمَا لَا يَخْفَى، لَا سِيَّمَا فِي حُضُورِ الرِّجَالِ، ثُمَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ أَغْلَبَكُمْ وَأَقْدَرَكُمْ عَلَى مَنْعِ النَّفْسِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَرَادَتْ بِمِلْكِهِ حَاجَتَهُ فَبَعُدَ قَمْعِهِ الشَّهْوَةَ فَلَا يَخَافُ الْإِنْزَالَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ الْقُبْلَةُ وَالْمُلَامَسَةُ بِالْيَدِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى حِفْظِ نَفْسِهِ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى هَوَاهُ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ، وَغَيْرُهُ قَلَّمَا يَصْبِرُ عَلَى تَرْكِهِمَا، لِأَنَّ غَيْرَهُ قَلَّمَا يِمْلِكُ هَوَاهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونَانِ مَكْرُوهَيْنِ لِغَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ «أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه هَشَّ أَيْ نَشَطَ وَارْتَاحَ فَقَبَّلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَائِلًا: صَنَعْتُ أَمْرًا عَظِيمًا، فَقَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ص: 1389

2001 -

وَعَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2001 -

(وَعَنْهَا) أَيْ عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ) أَيِ الصُّبْحُ (فِي رَمَضَانَ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ (وَهُوَ جُنُبٌ) سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِ الْجَنَابَةِ سَبَبًا لِتَجَنُّبِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِمَا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ أَوْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ (مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيُضَمُّ، وَهُوَ صِفَةٌ مُمَيِّزَةٌ أَيْ مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ بَلْ مِنْ جِمَاعٍ، فَإِنَّ الثَّانِي أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ فَيُعْرَفُ حُكْمُ الْأَوَّلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بَلْ وَلَوْ وَقَعَ الِاحْتِلَامُ فِي حَالِ الصِّيَامِ لَا يَضُرُّ مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَالِمُونَ مِنِ الِاحْتِلَامِ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ تَأَتِّي الشَّيْطَانِ فِي حَالِ الْمَنَامِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا احْتَاجَتْ عَائِشَةُ لِقَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَحْتَلِمُونَ لِأَنَّ هَذَا النَّفْيَ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَحْتَلِمُونَ بِرُؤْيَةِ جِمَاعٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ وَهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ بِمَعْنَى نُزُولِ الْمَنِيِّ فِي النَّوْمِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ وِقَاعٍ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ نَحْوِ امْتِلَاءِ الْبَدَنِ فَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْخِلْقِيَّةِ أَوِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي يَسْتَوِي فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَفِيهِ أَنَّ الِاحْتِمَالَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِدْلَالِ (فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا اغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صَوْمَهُ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يُبْطِلُ الْفَرْضَ دُونَ النَّفْلِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ شَرْحِ السُّنَّةِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْآيَةِ: فِي تَجْوِيزِ الْمُبَاشَرَةِ إِلَى الصُّبْحِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْغُسْلِ إِلَيْهِ وَصِحَّةُ صَوْمِ الْمُصْبِحِ جُنُبًا، قَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً إِلَى الِانْفِجَارِ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِسَالُ إِلَّا بَعْدَ الصُّبْحِ اهـ وَقَالَ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ لَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ: يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ، وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1389

2002 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2002 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ) قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَمَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الصَّوْمِ مَعَ الْإِحْرَامِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ صَائِمًا مُحْرِمًا» ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَاوِيهِ " وَهُوَ صَائِمٌ " يُبْطِلُ مَا قِيلَ إِنَّمَا احْتَجَمَ، لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا، وَالْمُسَافِرُ لَهُ الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَجْهُ إِبْطَالِهِ لَهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الصَّوْمَ مَعَ الْحِجَامَةِ إِذْ لَا يُقَالُ: أَكَلَ وَهُوَ صَائِمٌ اهـ وَفِيهِ بَحْثٌ، قَالَ الْمُظْهِرُ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الْحِجَامَةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْتِفَ شَعْرًا، وَكَذَا لِلصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَبْطُلُ صَوْمُ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ عَطَاءٌ: يَبْطُلُ صَوْمُ الْمَحْجُومِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُكْرَهُ لَهُ مَخَافَةَ الضَّعْفِ، وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُمْ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1390

2003 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2003 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ نَسِيَ ") أَيْ أَنَّهُ فِي الصَّوْمِ " وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فَأَكَلَ وَشَرِبَ " فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ " يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِنَا مِنْ وُجُوبِ إِتْمَامِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، فَانْدَفَعَ تَقْيِيدُ ابْنِ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: وُجُوبًا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فَرْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ:" «مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» " لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» " قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ صَائِمٌ، فَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَاسْتَمَرَّ ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ: لَا يُفْطِرُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ كَثِيرًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَبْطُلُ الصَّوْمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ بِاخْتِيَارِهِ الْمُقْتَضِي لِفَسَادِ صَوْمِهِ بَلْ لِأَجْلِ إِنْسَائِهِ - تَعَالَى - لَهُ لُطْفًا بِهِ وَتَيْسِيرًا عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَّلَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ " فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ: يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي الْجِمَاعِ دُونَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْجِمَاعِ دُونَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِمُ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» "، وَأَمَّا إِنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَقْضِي فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْضِي فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» " وَلَنَا أَنَّ الْمُفْطِرَ وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَفْسَدُ صَوْمُهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّاسِي، إِلَّا أَنَّا نَزَّلْنَاهُ فِيهِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَصَارَ كَمَا إِذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ بِيَدِهِ، وَأُجِيبَ عَنِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا نَفْيُ الْمَأْثَمِ وَرَفْعُهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّوْمِ اللُّغَوِيُّ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْإِمْسَاكِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، كَالْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ وَنَحْوِهِ، مَدْفُوعٌ أَوَّلًا بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ أَمْكَنَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ وَجَبَ، وَثَانِيًا بِأَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يَدْفَعُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَصَوْمُهُ إِنَّمَا كَانَ الشَّرْعِيَّ، فَإِتْمَامُ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْعِيِّ، وَثَالِثًا بِأَنَّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ صَائِمًا فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" «أَتِمَّ صَوْمَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ» " وَفِي لَفْظٍ: وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَزَادَ فِيهِ: فَلَا تُفْطِرُ.

ص: 1390

2004 -

وَعَنْهُ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: " مَا لَكَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " هَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا قَالَ: " اجْلِسْ " وَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ، قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ؟ "، قَالَ: أَنَا، قَالَ: " خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ "، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتِ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي؟ ! فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: " أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

2004 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ) أَيْ جَالِسُونَ أَوْ ذَوُو جُلُوسٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الرَّجُلُ عَلَى مَا ضَبَطْنَا هُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَيَاضِيُّ، وَقِيلَ: سُلَيْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ وَهُوَ أَصَحُّ، وَكَانَ قَدْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ، كَذَا وَجَدْنَاهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ أَصَابَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ) أَيْ بِحُصُولِ الذَّنْبِ

ص: 1390

لِي، وَفِي الْمَصَابِيحِ: وَأَهْلَكْتُ، أَيْ زَوْجَتِي بِأَنْ حَصَّلْتُ لَهَا ذَنْبًا (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " مَا لَكَ؟ " أَيُّ شَيْءٍ حَصَلَ أَوْ وَقَعَ لَكَ؟ وَفِي الْمَصَابِيحِ: مَا شَأْنُكَ ; وَأَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَمْرُكَ وَحَالُكَ (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي) أَيْ جَامَعْتُهَا، وَزَادَ فِي الْمَصَابِيحِ: فِي رَمَضَانَ (وَأَنَا صَائِمٌ) كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: (وَاقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهَذَا أَخَذَ أَئِمَّتُنَا فَقَالُوا: إِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْآتِيَةُ بِالْجِمَاعِ إِنْ كَانَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ يُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِخَصَائِصَ كَثِيرَةٍ، وَكَذَا الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» " قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالْإِفْطَارِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ وَاقِعَةِ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ الْفِطْرِ بِأَمْرٍ خَاصٍّ لَا بِالْأَعَمِّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بِالْجِمَاعِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ لِأَحَدٍ، بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِمَاعُ الرَّجُلِ وَهُوَ السَّائِلُ لِمَجِيئِهِ مُفَسَّرًا كَذَلِكَ بِرِوَايَةٍ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ رَجُلًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قُلْنَا: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ تَعْلِيقُهَا بِالْإِفْطَارِ فِي عِبَارَةِ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا أَفَادَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ خُصُوصِ الْأَحْوَالِ الَّتِي شَاهَدَهَا فِي قَضَائِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَمِعَ مَا يُفِيدُ أَنَّ إِيجَابَهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْإِفْطَارِ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ فِي أُصُولِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إِذَا نَقَلَ الرَّاوِي بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَإِنَّهُمُ اخْتَارُوا اعْتِبَارَهُ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الرَّاوِي، وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى، فَهَذَا مِثْلُهُ بِلَا تَفَاوُتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهَا إِذَا طَاوَعَتْهُ، فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى عَلَى نَظِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَتَكُونُ ثَابِتَةً لِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّهَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِجِنَايَةِ الْإِفْطَارِ: يَعْنِي وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِمَاعًا أَوْ غَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: مَأْخُوذٌ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْتِقَ» . . . الْحَدِيثَ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي حَدِيثِ " الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ " عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ:«أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا» . . الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ، وَعِنْدَنَا هُوَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَأَيْضًا دَلَالَةُ نَصِّ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ تُفِيدُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَنْ عَلِمَ اسْتِوَاءَ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ أَكَفُّ عَنْ كُلِّهَا، ثُمَّ عَلِمَ لُزُومَ عُقُوبَةٍ عَلَى مَنْ فَوَّتَ الْكَفَّ عَنْ بَعْضِهَا جَزَمَ بِلُزُومِهَا عَلَى مَنْ فَوَّتَ الْكَفَّ عَنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ حُكْمًا لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ الِاسْتِوَاءِ، غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ فِيهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ، أَعْنِي بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمَيْنِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الثَّالِثُ، وَيَفْهَمُ كُلُّ عَالِمٍ بِهِمَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي لُزُومِهَا تَفْوِيتُ الرُّكْنِ لَا خُصُوصُ رُكْنٍ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ لَا خَفِيٌّ يَحْتَاجُ إِلَى تَرْتِيبِ مُقَدِّمَاتٍ مِنْ مَقِيسٍ وَمَقِيسٍ عَلَيْهِ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ وَدَقَائِقِهِ الْمُحْتَاجِ إِلَى إِدْرَاكِ جَامِعِهِ وَفَارِقِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ " أَيْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً " تُعْتِقُهَا " أَيْ كَفَّارَةً لِهَذَا الذَّنْبِ ( «قَالَ: لَا، قَالَ: " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " هَلْ تَجِدُ " بِدُونِ الْفَاءِ " إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا» ) قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ رَتَّبَ الثَّانِيَ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّالِثَ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الثَّانِي، فَدَلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقَالَ مَالِكٌ بِالتَّخْيِيرِ، فَإِنَّ الْمُجَامِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ عِنْدَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهَا مُخَيَّرَةٌ كَالْكَفَّارَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَجَابُوا بِأَنَّ أَوْ كَمَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَا تَمْنَعُهُ كَمَا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْدِيرُ: أَوْ يَصُومُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ أَوْ يُطْعِمُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ، وَرُوَاتُهَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَقَدْ رَوَاهَا عِشْرُونَ صَحَابِيًّا، وَهِيَ حِكَايَةُ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُوَاةُ هَذَا اثْنَانِ، وَهُوَ لَفْظُ الرَّاوِي، وَخَبَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ وَنَحْرِ بَدَنَةٍ ضَعِيفٌ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ الْحَسَنُ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَاءَ فِي أَصْلِنَا الْمُوَافِقِ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ فِي الثَّانِي غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَأَمَّا فِي أَصْلِ الْبُخَارِيِّ فَمَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا مَفْقُودٌ، وَأَمَّا الْفَاءُ فِي الْأَوَّلِ فَمَوْجُودٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ يَكْفِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى

ص: 1391

التَّرْتِيبُ لِعِلْمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ:" اجْلِسْ " وَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا أَيْ لَبِثَ وَتَوَقَّفَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَسَكَتَ بِالسِّينِ أَوِ التَّاءِ فَتَصْحِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْأُصُولَ الْمُعْتَمَدَةَ (فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْجُلُوسِ وَالْمُكْثِ (أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ جِيءَ (بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ) أَيْ بِفَتْحَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ (الْمِكْتَلُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ الزِّنْبِيلُ (الضَّخْمُ) بِسُكُونِ الْخَاءِ أَيِ الْعَظِيمُ، قِيلَ: الْمَنْسُوجُ مِنْ نَسَائِجِ الْخُوصِ، فِي الْمُغْرِبِ: يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَفًّا، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَيَكُونُ سِتِّينَ مُدًّا لِأَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ " قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ " أَيْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ (قَالَ: أَنَا) أَيْ أَنَا هُوَ، أَوْ أَنَا السَّائِلُ " قَالَ: فَخُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ " أَيْ عَلَى الْفُقَرَاءِ (فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: هُوَ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَكْثَرَ حَاجَةً مِنِّي (يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَفِيهِ نَوْعُ اسْتِعَانَةٍ وَاسْتِغَاثَةٍ بِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَيَّنَ أَفْقَرِيَّتَهُ بِقَوْلِهِ الْمُؤَكَّدِ بِقَسَمِهِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ (فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أَيِ الْمَدِينَةِ (يُرِيدُ) أَيْ يَعْنِي الرَّجُلُ بِاللَّابَتَيْنِ (الْحَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ مِنَ الشَّرْقِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ، الْحَرَّةُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ: الْأَرْضُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ السُّودِ، وَالْمَعْنَى مَا بَيْنَ أَطْرَافِهَا (أَهْلُ بَيْتٍ) أَيْ جُمْلَةٌ مُجْتَمِعُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ (أَفْقَرُ مِنِّي) بِالرَّفْعِ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: (أَهْلُ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَا، (وَأَفْقَرَ) خَبَرُهُ إِنْ جَعَلْتَهَا حِجَازِيَّةً، وَبِالرَّفْعِ إِنْ جَعَلْتَهَا تَمِيمِيَّةً بِأَفْقَرَ (فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ) أَيْ ظَهَرَتْ (أَنْيَابُهُ) جَمْعُ نَابٍ وَهُوَ الَّذِي بَعْدَ الرَّبَاعِيَةِ (ثُمَّ قَالَ: " أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ") وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: فَلَا تُفْطِرْ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الْأَدَاءِ لَا الْفِعْلِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَالَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ شَيْءٌ، فَلَمَّا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَصَارَ قَادِرًا أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ أَخَّرَهُ عَلَيْهِ إِلَى الْوُجْدِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ هَذَا خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَقِيلَ: مَنْسُوخٌ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنَ الْأَخِيرَيْنِ، إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِمَا، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السِّتَّةِ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، وَفِي لَفْظٍ: أَنْيَابُهُ، وَفِي لَفْظٍ: نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ: زَادَ الزُّهْرِيُّ: رُبَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ، قَالَ الْمُنْذِرُ: قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ، قَالَ: لِانْتِسَاخِهِ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ " كُلْهَا أَنْتَ وَعِيَالُكَ " اهـ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا رَفْعُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ: يُجْزِئُكَ وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ، فَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ، وَكَذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا لَفْظُ الْفَرَقِ بِالْفَاءِ بَلْ بِالْعَيْنِ، وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى مَا قِيلَ، قُلْنَا: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَخَّرَ عَنْهُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا فِي الْحَالِ عَاجِزًا عَنِ الصَّوْمِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ لَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْكَ، وَلَفَظُ (وَأَهْلَكْتُ) لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَضَعَّفَهُ الْحَاكِمُ اهـ مُلَخَّصًا.

ص: 1392

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

2005 -

عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمَصُّ لِسَانَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

(الْفَصْلُ الثَّانِي)

2005 -

(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ) أَيْ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ (وَيَمَصُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُ (لِسَانَهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ فِي التَّصْحِيحِ: اعْلَمْ أَنَّ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ دِينَارٍ الطَّلْحِيَّ الْبَصْرِيَّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ مُرَّةَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَوْلُهُ " وَيَمَصُّ لِسَانَهَا " فِي الْمَتْنِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ، قِيلَ: إِنَّ ابْتِلَاعَ رِيقِ الْغَيْرِ يُفْطِرُ إِجْمَاعًا، وَأُجِيبَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْصُقُهُ وَلَا يَبْتَلِعُهُ، وَكَانَ يَمَصُّهُ وَيُلْقِي جَمِيعَ مَا فِي فَمِهِ، وَالْوَاقِعَةُ الْفِعْلِيَّةُ إِذَا احْتُمِلَتْ لَا دَلِيلَ فِيهَا اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مَعَ بُعْدِهِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ صَائِمَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 1392

2006 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

2006 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ» ) قِيلَ: هِيَ مَسُّ الزَّوْجِ الْمَرْأَةَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: هِيَ الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ بِالْيَدِ (فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ) أَيْ عَنْهَا (فَنَهَاهُ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتَأَمَّلْنَا حَالَهُمَا (فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ) أَيْ فِيهَا (شَيْخٌ، وَأَمَّا الَّذِي نَهَاهُ) أَيْ عَنْهَا (شَابٌّ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَجَابَهُمَا بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، إِذِ الْغَالِبُ عَلَى الشَّيْخِ سُكُونُ الشَّهْوَةِ وَأَمْنُ الْفِتْنَةِ فَأَجَازَ لَهُ، بِخِلَافِ الشَّابِّ فَنَهَاهُ اهْتِمَامًا لَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ لِلتَّحْرِيمِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ.

ص: 1393

2007 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا.

ــ

2007 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ " بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ فِي الْخُرُوجِ " وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ " لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ " وَلَوِ اسْتَقَاءَ " أَيْ مِنْ تَسَبُّبٍ لِخُرُوجِهِ " وَعَمْدًا " أَيْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنِ النِّسْيَانِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، إِذِ الْجَهْلُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَكَذَا الْخَطَأُ وَالْإِكْرَاهُ " فَلْيَقْضِ " قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: عَمِلَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالُوا: مَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ ذَرَعَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: بُطْلَانُ الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَزِينٍ الْبَكْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَوْلَاةٌ لَنَا يُقَالُ لَهَا: سُلْمَى مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟ " فَأَتَتْهُ بِقُرْصٍ فَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ، فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟ كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ إِنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» " لِجَهَالَةِ الْمَوْلَاةِ لَمْ يُثْبِتْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى جَمَاعَةٍ، فَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، وَرُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ إِذِ الْفِطْرُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُودُ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى لَا يُحِسَّ بِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي نَقْلِ ابْنِ الْهُمَامِ حَسَنٌ غَرِيبٌ (لَا نَعْرِفُهُ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا (إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَا أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لَا أَظُنُّهُ (مَحْفُوظًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَدِيثِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مُنْكَرًا اهـ وَهَذَا مِنْهُ مُنْكَرٌ، إِذْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا لِهَذَا يَعْنِي لِلْغَرَابَةِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ هُوَ الشَّاذُّ الْمَقْبُولُ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، ثُمَّ قَدْ تَابَعَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيٍّ أَيْضًا، وَمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «خَرَجَ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِالْمَاءِ فَشَرِبَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُهُ، قَالَ: " أَجَلْ، وَلَكِنْ قِئْتُ» "، مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ عُرُوضِ الضَّعْفِ، ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ آثَارِ الْفِطَرِ مِمَّا دَخَلَ وَبَيْنَ آثَارِ الْقَيْءِ أَنَّ فِي الْقَيْءِ يَتَحَقَّقُ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ وَإِنْ قَلَّ فَلِاعْتِبَارِهِ يُفْطِرُ، وَفِيمَا إِذَا ذَرَعَهُ إِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادِ، فَكَانَ كَالنِّسْيَانِ لَا الْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ اهـ قَالَ الشُّمُنِّيُّ: لَوْ تَقَيَّأَ دُونَ مِلْءِ الْفَمِ لَا يَقْضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ حُكْمًا، وَيَقْضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ.

ص: 1393

2008 -

وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ، قَالَ: فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ، قَالَ: صَدَقَ، وَأَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

2008 -

(وَعَنْ مَعْدَانَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَهُ) أَيْ أَخْبَرَهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ) أَيْ عَمْدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ (فَأَفْطَرَ) يَعْنِي عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (قَالَ) أَيْ مَعْدَانُ (فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ) هُوَ مَوْلًى اشْتَرَاهُ صلى الله عليه وسلم وَأَعْتَقَهُ (فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ، وَقِيلَ: مُنْصَرِفٌ أَيْ مَسْجِدِ الشَّامِ (فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ، قَالَ) أَيْ ثَوْبَانُ (صَدَقَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (وَأَنَا صَبَبْتُ) أَيْ سَكَبْتُ (لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَضُوءَهُ) بِالْفَتْحِ أَيْ مَاءَ وُضُوئِهِ، قَالَ مِيرَكُ: احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالثَّوْرِيُّ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ، وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى غَسْلِ الْفَمِ وَالْوَجْهِ، أَوْ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ، وَالثَّانِي أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلَوْ قَرِينَةُ السِّيَاقِ تَقْضِي بِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ لِلتَّنْظِيفِ، نَعَمْ يَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِلنَّقْضِ عَلَى تَحَقُّقِ الْوُضُوءِ السَّابِقِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْخَارِجِ عَنِ الْقَرِينَةِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّدْبِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ: رِوَايَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ حِكَايَةَ قَيْءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لِأَيِّ عِلَّةٍ أَفْطَرَ، لِلْقَيْءِ أَوْ لِغَيْرِهِ ; وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ " الْحَدِيثَ، أَنَّ الْقَيْءَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْفِطْرِ، فَظَهَرَ أَنَّ السَّبَبَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عَوْدُ مَا قَاءَ أَوْ وُصُولُ الْمَاءِ إِلَى الْجَوْفِ عِنْدَ غَسْلِ الْفَمِ، وَقَوْلُ ثَوْبَانَ: صَدَقَ، تَصْدِيقٌ لِلْقَيْءِ وَالْإِفْطَارِ لَا تَصْدِيقُ كَوْنِ الْإِفْطَارِ لِلْقَيْءِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ جَوَّدَ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ حُسَيْنٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ.

ص: 1394

2009 -

وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

2009 -

(وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لَا أُحْصِي) أَيْ مِقْدَارًا لَا أَقْدِرُ عَلَى إِحْصَائِهِ وَعَدِّهِ لِكَثْرَتِهِ وَقَوْلُهُ (يَتَسَوَّكُ) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَمَا مَوْصُولَةٌ، وَلَا أُحْصِي صِفَتُهَا وَهِيَ ظَرْفٌ لِ (يَتَسَوَّكُ) أَيْ يَتَسَوَّكُ مَرَّاتٍ لَا أَقْدِرُ عَلَى عَدِّهَا، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ مِيرَكُ: وَلَعَلَّهُ حَمَلَ الرُّؤْيَةَ عَلَى مَعْنَى الْعِلْمِ فَجَعَلَ (يَتَسَوَّكُ) مَفْعُولًا ثَانِيًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ، وَيَتَسَوَّكُ حِينَئِذٍ حَالٌ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ صَائِمٌ) حَالٌ أَيْضًا إِمَّا مُتَرَادِفَةٌ وَإِمَّا مُتَدَاخِلَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَقُولُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَقَالِ، وَالتَّدَاخُلُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْحَالِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: لَا يَضُرُّ السِّوَاكُ لِلصَّائِمِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ، بَلْ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ خُلُوفَ الصَّائِمِ أَثَرُ الْعِبَادَةِ، وَالْخُلُوفُ يَظْهَرُ عِنْدَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ مِنَ الطَّعَامِ، وَخُلُوُّ الْمَعِدَةِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ غَالِبًا، وَإِزَالَةُ أَثَرِ الْعِبَادَةِ مَكْرُوهٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، قَالَ الشُّمُنِّيُّ: لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ مَبْلُولًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ بِالرُّطَبِ وَالْمَبْلُولِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ فِيهِ إِزَالَةَ الْخُلُوفِ الْمَحْمُودِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» "، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» " وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ وَذَلِكَ لَا يُزَالُ بِالسِّوَاكِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: بَلْ إِنَّمَا يُزِيلُ أَثَرَهُ الظَّاهِرَ عَنِ السِّنِّ مِنَ الِاصْفِرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الْخُلُوفِ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنَ الطَّعَامِ، وَالسِّوَاكُ لَا يُفِيدُ شَغْلَهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ مِثْلُ مَا قُلْنَا، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيَّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ؟ قَالَ: أَيَّ النَّهَارِ شِئْتَ، غَدْوَةً وَعَشِيَّةً، قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّةً، وَيَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ "، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ

ص: 1394

لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِفِيِّ الصَّائِمِ خُلُوفٌ وَإِنِ اسْتَاكَ، وَمَا كَانَ بِالَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا، مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، بَلْ فِيهِ شَرٌّ إِلَّا مَنِ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا. قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ "، إِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ مَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا، فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ شَيْءٌ» ، قِيلَ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ تَكْثِيرًا لِلْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ " وَمَنْ تَصَنَّعَ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ " إِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا، وَفِي الْمَطْلُوبِ أَيْضًا أَحَادِيثُ مُضَعَّفَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا لِلِاسْتِشْهَادِ وَالتَّقْوِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا إِسْحَاقُ الْخُوَارَزْمِيُّ قَالَ:«سَأَلْتُ عَاصِمًا الْأَحْوَلَ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنَ الْمَاءِ؟ قُلْتُ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَمَّنْ رَحِمَكَ اللَّهُ، قَالَ: عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ،» وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، قُلْنَا: كَفَى ثُبُوتُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ تَعَدُّدِ الضَّعِيفِ فِيهِ مَعَ عُمُومَاتِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ، وَأَمَّا مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم " «إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدْوَةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُقَاوِمُ مَا قَدَّمْنَا اهـ وَبِهِ بَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: بِعَدَمِ كَرَاهَةِ تَسَوُّكِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ أَنَّ الْمَانِعَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لَا سِيَّمَا إِذَا وَرَدَ عَنِ الشَّارِعِ أَحَادِيثُ مُطْلَقَةٌ شَامِلَةٌ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، وَخُصُوصًا إِذَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُمْ وَإِفْتَاؤُهُمْ عَلَى جَوَازِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَيْفَ يَصْلُحُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ الْخُلُوفِ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى مَنْعِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَرْفِ الْإِطْلَاقِ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيلٍ صَحِيحٍ، وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُبَالَغَةٌ فِي فَضِيلَةِ الصَّوْمِ، كَمَا يُبَالِغُ أَحَدٌ وَيَقُولُ: لَعَرَقُ فُلَانٍ الَّذِي يَحْصُلُ حَالَ كَدِّهِ فِي آخِرِ النَّهَارِ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ، فَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَرَاهَةِ إِزَالَةِ الْعَرَقِ بِالِاغْتِسَالِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ اهـ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.

ص: 1395

2010 -

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اشْتَكَيْتُ عَيْنِي أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَأَبُو عَاتِكَةَ الرَّاوِي يَضْعُفُ.

ــ

2010 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اشْتَكَيْتُ عَيْنَيَّ) بِالتَّشْدِيدِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أَشْكُو مِنْ وَجَعِ عَيْنَيَّ " أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ " أَيْ حَالَ كَوْنِي صَائِمًا (قَالَ: نَعَمْ) فِيهِ جَوَازُ الِاكْتِحَالِ بِلَا كُرْهٍ لِلصَّائِمِ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: مَكْرُوهٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ عُذْرٍ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: الِاكْتِحَالُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِلصَّائِمِ وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) وَقَالَ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ (وَأَبُو عَاتِكَةَ الرَّاوِي يَضْعُفُ) وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ» ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ، فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَالْمَجْمُوعُ يُحْتَجُّ بِهِ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ، وَأَمَّا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ:" لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ " فَضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُوَافِقُهُ خَبَرُ الْبَيْهَقِيِّ وَالْحَاكِمِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ» ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَخَبَرُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَيْنَاهُ مَمْلُوءَتَانِ مِنَ الْكُحْلِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ صَائِمٌ» ، فِي إِسْنَادِهِ مَنِ اخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ.

ص: 1395

2011 -

وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

2011 -

(وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: الْجَهَالَةُ بِالصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ أَيْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ (قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقَالَ: مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَحَلٌّ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ( «يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ» ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، أَيْ مِنْ أَجْلِ دَفْعِ أَحَدِهِمَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُكْرَهَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَأَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ بُرُودَتُهُ فِي بَاطِنِهِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَوِ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ سَوَاءً وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرُهُ دَاخِلًا مِنَ الْمَسَامِّ، وَالْمُفْطِرُ الدَّاخِلُ مِنَ الْمَنَافِذِ كَالْمُدْخَلِ وَالْمُخْرَجِ لَا مِنَ الْمَسَامِّ الَّذِي هُوَ جَمِيعُ الْبَدَنِ، لِلِاتِّفَاقِ فِيمَنْ شَرَعَ فِي الْمَاءِ يَجِدُ بَرْدَهُ فِي بَاطِنِهِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله ذَلِكَ أَعَنِيَ الدُّخُولَ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفِ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الضَّجَرِ فِي إِقَامَةِ الْعِبَادَةِ، لَا لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْإِفْطَارِ اهـ فَكَأَنَّ الْإِمَامَ حَمَلَ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِظْهَارِ الْعَجْزِ وَالتَّضَرُّعِ عِنْدَ حُصُولِ الْآلَامِ وَعَلَى ارْتِكَابِ الْحِكْمَةِ فِي دَفْعِ الْمَضَرَّةِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْأَسْبَابِ اسْتِعَانَةً لِلْقِيَامِ بِوَاجِبِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّ الْأَرْبَابِ، وَإِشَارَةً إِلَى مُشَارَكَتِهِ الْأُمَّةَ الْآمِنَةَ فِي الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ، مَيْلًا إِلَيْهِمْ وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَخِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ إِظْهَارِ الْعَجْزِ لِلرَّحْمَةِ عَلَى ضُعَفَاءَ الْأُمَّةِ (رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ) أَيْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِانْحِصَارِ الطَّرِيقِ فِي وَاحِدٍ.

ص: 1396

2012 -

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ «أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم أَتَى رَجُلًا بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ مَنْ رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ أَيْ تَعَرُّضًا لِلْإِفْطَارِ: الْمَحْجُومُ لِلضَّعْفِ، وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمَلَازِمِ.

ــ

2012 -

(وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى رَجُلًا) أَيْ مَرَّ عَلَيْهِ (بِالْبَقِيعِ) أَيْ بِمَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ (وَهُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (يَحْتَجِمُ وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (آخِذًا) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (بِيَدِي) إِشَارَةً إِلَى كَمَالِ قُرْبِهِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم (لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَيُكْسَرُ (خَلَتْ) أَيْ مَضَتْ (مِنْ رَمَضَانَ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِفْظِ الرَّاوِي وَضَبْطِهِ بِذِكْرِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَحَالِهِ (فَقَالَ) وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ " «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» " قَالَ الطِّيبِيُّ: عَمِلَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مُعَارِضٌ، ثُمَّ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحُوهُ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ) أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (رَحْمَةُ اللَّهِ) وَفِي نُسَخَةٍ صَحِيحَةٍ رحمه الله (وَتَأَوَّلَهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (بَعْضُ مَنْ رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ) وَهُمُ الْجُمْهُورُ، فَبَعْضُهُمْ قَالُوا أَيْ (تَعَرُّضًا لِلْإِفْطَارِ) كَمَا يُقَالُ هَلَكَ فُلَانٌ أَيْ تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ (الْمَحْجُومُ لِلضَّعْفِ) أَيْ لِحُصُولِ الضَّعْفِ لَهُ بِالْحِجَامَةِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْفِطْرِ (وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ شَيْءٌ) أَيْ مِنَ الدَّمِ (إِلَى جَوْفِهِ بِمَصٍّ

ص: 1396

الْمَلَازِمِ) بِإِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ الْمِلْزَمَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَارُورَةُ الْحَجَّامِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الدَّمُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَقْبِضُهُ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِمَا مَسَاءً فَقَالَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا بِذَلِكَ أَيْ قَدْ أَمْسَيَا وَدَخَلَا وَقْتَ الْإِفْطَارِ، وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ: أَفْطِرَا، أَيْ بَطَلَ أَجْرُهُمَا بِالْغِيبَةِ كَالْإِفْطَارِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَالْمُرَادُ بُطْلَانُ كَمَالِ أَجْرِهِ لَا أَصْلُ ثَوَابِهُ كَمَا سَبَقَ، وَذَكَرَ السَّيِّدُ عَلِيٌّ الْقَاضِي أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ جَمْعٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالُوا: يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسَدُ الصَّوْمُ بِهَا، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى التَّشْدِيدِ، وَأَنَّهُمَا نَقَصَا أَجْرَ صِيَامِهِمَا وَأَبْطَلَاهُ بِارْتِكَابِ هَذَا الْمَكْرُوهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا بَأْسَ بِهَا، إِذْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ تَعَرَّضَ لِلْإِفْطَارِ كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي الْمَتْنِ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذِكْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرَةٍ، وَحَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ سَنَةَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَارَةً بِمَكَّةَ وَتَارَةً بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ احْتِجَامَهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَرُوِيَ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" أَفْطَرَ هَذَا "، ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِنَسْخِ الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ نُبْذَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ:" أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ، وَنَقَلَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ، تَمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ، ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، يَعْنِي حَدِيثَيْ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ، وَكَذَا عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» " وَصَحَّحَهُ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا، وَبَلَغَ أَحْمَدَ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ وَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: مُتَوَاتِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِيِّ، وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا ادِّعَاءُ النَّسْخِ، وَذَكَرُوا فِيهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ثَابِتٍ «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا كَرِهْتُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " أَفْطَرَ هَذَانِ» ، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، وَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ بَعْدَ مَا قَالَ:" أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا قَالَ الْحَدِيثَ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَطَلْحَةُ هَذَا احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ وَهِيَ الَّتِي أَخْرَجَهَا ابْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَظْهَرُ سَنَدًا وَأَظْهَرُ تَأْوِيلًا، إِمَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إِلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ جَوَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَنَّ الْحِجَامَةَ كَانَتْ مَعَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَبَا طِيبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إِفْطَارِ الصَّائِمِ فَحَجَمَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ: " كَمْ خَرَاجُكَ؟ " قَالَ: صَاعَانِ، فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا» اهـ. وَالثَّانِي التَّأْوِيلُ بِأَنَّ مُرَادَهُ ذَهَابُ ثَوَابِ الصَّوْمِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجُمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ "، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ» ، لَكِنْ أُعِلَّ بِالِاضْطِرَابِ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا إِنَّمَا مَنَعَ إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ خَشْيَةَ الضَّعْفِ، تَمَّ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مُخْتَصَرًا.

ص: 1397

2013 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: أَبُو الْمُطَوِّسِ الرَّاوِي لَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ.

ــ

2013 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ " كَسَفَرٍ " وَلَا مَرَضٍ ") أَيْ: مُبِيحٌ لِلْإِفْطَارِ مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ " لَمْ يَقْضِ عَنْهُ " أَيْ: عَنْ ثَوَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ " صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ " أَيْ: صَوْمُهُ فِيهِ، فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي، نَحْوُ مَكْرُ اللَّيْلِ (وَكُلِّهُ) لِلتَّأْكِيدِ " وَإِنْ صَامَهُ " أَيْ وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَمْ يَجِدْ فَضِيلَةَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ بِصَوْمِ النَّفْلِ، وَإِنْ سَقَطَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلِذَلِكَ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ صَامَهُ "، أَيْ: حَقَّ الصِّيَامِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ كُلِّهِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَمَّا أَفْطَرَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُجْزِئُهُ، قَالَ بِهِ عَلَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ يَوْمٌ بَدَلَ يَوْمٍ وَإِنْ كَانَ مَا أَفْطَرَهُ فِي غَايَةِ الطُّولِ وَالْحَرِّ، وَمَا صَامَهُ بَدَلَهُ فِي غَايَةِ الْقِصَرِ وَالْبَرْدِ، وَأَوْجَبَ بَدَلَ الْيَوْمِ رَبِيعَةُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، لِأَنَّ السَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَالنَّخَعِيُّ ثَلَاثَةَ آلَافِ يَوْمٍ، وَلَا يُكْرَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي زَمَنٍ، وَشَذَّ مَنْ كَرِهَهُ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَمَنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا عَقِبَ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَلِعُذْرٍ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَعْنَى الصَّوْمِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابٍ) أَيْ: فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا يُقَالُ بَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الصَّوْمِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: أَبُو الْمُطَوِّسِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ (الرَّاوِي لَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ: وَلَا أَدْرِي سَمِعَ أَبُو الْمُطَوِّسِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا، وَقَالَ ابْنُ خَلَفٍ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ إِسْنَادُهُ غَرِيبًا وَإِنْ سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ، وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْدِيدِ فَغَفْلَةٌ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ غَرِيبًا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ ضَمِّهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ، فَإِنَّهُ إِذَا سَكَتَ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فَوَجْهُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ لِلْكُلِّ، وَوَقَعَ الشَّكُ فِي اتِّصَالِ سَنَدِهِ، فَتَأَمَّلْ.

ص: 1398

2014 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» ". رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَذَكَرَ حَدِيثَ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ فِي بَابِ سُنَنِ الْوُضُوءِ.

ــ

2014 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ ") أَيْ: حَاصِلٌ أَوْ حَظٌّ " مِنْ صِيَامِهِ " أَيْ: مِنْ أَجْلِهِ " إِلَّا الظَّمَأُ " بِالرَّفْعِ أَيِ: الْعَطَشُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْجُوعِ، وَاخْتَارَ الظَّمَأَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَشَقَّتَهُ أَعْظَمُ " وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ " أَيْ: فِي اللَّيْلِ " لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ " أَيْ: أَثَرٌ " إِلَّا السَّهَرُ " أَيْ: وَنَحْوُهُ مِنْ تَعَبِ الرِّجْلِ وَصَفَارِ الْوَجْهِ وَضَعْفِ الْبَدَنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَنِبًا عَنِ الْفَوَاحِشِ مِنَ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَنَاهِي فَلَا حَاصِلَ لَهُ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَإِنْ سَقَطَ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَأَدَاؤُهَا بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ اهـ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَكَذَا جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ إِذْ لَمْ تَكُنْ خَالِصَةً اهـ. كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِمَا إِلَّا خَسَارَةُ الْمَالِ، وَتَعَبُ الْبَدَنِ فِي الْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ وَأَنَّ النَّفْيَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الْمَرَائِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثَوَابٌ أَصْلًا (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُهُ " «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُهُ:«رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنَ الصِّيَامِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ» (وَذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أَبُو رَزِينٍ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ صَبْرَةُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ (فِي بَابِ سُنَنِ الْوُضُوءِ) وَالْحَدِيثُ قَوْلُهُ بَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ مِنْ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ وَهُوَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا لَا يَخْفَى ; لِأَنَّ إِيرَادَ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْمَوْضُوعِ لِلْحُكْمِ السَّابِقِ مِنْهُ أَوْلَى.

ص: 1398

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2015 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ وَالِاحْتِلَامُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ الرَّاوِي يَضْعُفُ فِي الْحَدِيثِ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

2015 -

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَيِ: الْخُدْرِيِّ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثٌ ") أَيْ: خِصَالٌ " لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ " بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيِ: الِاحْتِجَامُ، وَقَدْ عَلِمْتَ الْخِلَافَ فِيمَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ " وَالْقَيْءُ " أَيْ: إِذَا غَلَبَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ " وَالِاحْتِلَامُ " أَيْ: وَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنَامَ وَرَأَى الْمَنِيَّ فِي أَيَّامِ الصِّيَامِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ لَكِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَضُرُّهُ بِالْإِجْمَاعِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ الرَّاوِي يَضْعُفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: إِنَّهُ أَصَحُّ اهـ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» " قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا إِسْنَادًا وَأَصَحِّهَا، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجِبُ أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَضَعْفُ رُوَاتِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْحِفْظِ لَا الْعَدَالَةِ، فَالتَّظَافُرُ دَلِيلُ الْجَادَّةِ فِي خُصُوصِهِ.

ص: 1399

2016 -

وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: «سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2016 -

(وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ ثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ مِنْ أَعْلَامِ الْبَصْرَةِ، صَحِبَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً (قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنْتُمْ) وَلَفْظُ ابْنِ الْهُمَامِ: أَكُنْتُمْ ( «تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا» ) أَيْ: مَا كُنَّا نَكْرَهُهَا (إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ) أَيْ: لِلْمَحْجُومِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ كَمَا هُوَ فِي الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ ظَاهِرَةٌ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ سَنَدٍ فَيَكُونُ حُجَّةً لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 1399

2017 -

وَعَنِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ.

ــ

2017 -

(وَعَنِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ) أَيِ: الِاحْتِجَامَ احْتِيَاطًا أَوْ خَوْفًا مِنَ الضَّعْفِ (فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ) قَالَ مِيرَكُ: حَقُّ الْإِيرَادُ عَلَى مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ إِلَخْ، ثُمَّ يَقُولُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.

ص: 1399

2018 -

وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ الْمَاءِ لَا يَضِيرُ أَنْ يَزْدَرِدَ رِيقَهُ، وَمَا بَقِيَ فِي فِيهِ، وَلَا يَمْضُغُ الْعِلْكَ فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكَ لَا أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابٍ.

ــ

2018 -

(وَعَنْ عَطَاءٍ) تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (قَالَ: إِنْ مَضْمَضَ) أَيِ: الصَّائِمُ (ثُمَّ أَفْرَغَ) أَيْ: صَبَّ (مَا فِي فِيهِ) أَيْ: جَمِيعَ مَا فِي فِيهِ (مِنَ الْمَاءِ) بَيَانٌ لِمَا الْمَوْصُولَةِ (لَا يَضِيرُهُ) أَيْ: لَا يَضُرُّ صَوْمَهُ مِنْ ضَارٍّ، لُغَةٌ بِمَعْنَى ضَرَّ (أَنْ يَزْدَرِدَ رِيقَهُ) أَيْ يَبْتَلِعُهُ (وَمَا بَقِيَ فِي فِيهِ) أَيْ فَمِهِ عَطِفَ عَلَى رِيقِهِ، وَقِيلَ: مَا نَافِيَةٌ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَظُنُّ أَنَّهُ سَقَطَتْ كَلِمَةُ ذَا عَنِ النَّاسِخِ، وَكَانَ أَصْلُهُ: وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ، وَكَذَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ هَذَا التَّعْلِيقَ: وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الصَّائِمُ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَزْدَرِدُ رِيقَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ: لَا يَضُرُّهُ، وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ؟ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ اهـ. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الصَّائِمُ إِنْ دَخَلَ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ أَوْ ذُبَابٌ حَلْقَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْبَلَلِ الْبَاقِي فِي الْمَضْمَضَةِ (وَلَا يَمْضُغُ الْعِلْكَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الَّذِي يُمْضَغُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا عِنْدَ ابْنِ سِيدَهْ، وَلَا نَافِيَةٌ أَوْ نَاهِيَةٌ، فِي الْقَامُوسِ مَضَغَهُ كَمَنَعَهُ: لَاكَهُ

ص: 1399