المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في توابع لصوم التطوع] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَمِنْ تَحِلُّ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْإِنْفَاقِ وَكَرَاهِيَةِ الْإِمْسَاكِ]

- ‌[بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ]

- ‌[بَابُ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ]

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ]

- ‌[بَابُ مَنْ لَا يَعُودُ فِي الصَّدَقَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ]

- ‌[باب في مسائل متفرقة من كتاب الصوم]

- ‌[بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ]

- ‌[بَابُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[باب في توابع لصوم التطوع]

- ‌[بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ الدَّعَوَاتِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[ثَوَابُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ]

- ‌[بَابُ رَحْمَةِ اللَّهِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمَنَامِ]

- ‌[بَابُ الدَّعَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ]

الفصل: ‌[باب في توابع لصوم التطوع]

(7)

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ: سَلَمَةُ بْنُ قَيْصَرَ الْحَضْرَمِيُّ وَقَالَ: حَدِيثُهُ عِنْدَ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ لَهِيعَةَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سَلَامَةَ بْنِ قَيْصَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «مَنْ يَصُومُ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ» ) إِلَخْ. قَالَ: وَلَا يُوجَدُ لَهُ سَمَاعٌ وَلَا إِدْرَاكٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَنْكَرَ أَبُو زُرْعَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَالَ: رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُعَدُّ فِي أَهْلِ مِصْرَ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: سَلَمَةُ بْنُ قَيْصَرَ تَابِعِيٌّ أَرْسَلَ حَدِيثًا لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هُنَا أَنَّ مَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمِشْكَاةِ: سَلَمَةُ بْنُ قَيْسٍ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ سَلَمَةُ بْنُ قَيْصَرَ، وَاللَّهُ الْهَادِي جل جلاله وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ.

ص: 1430

[باب في توابع لصوم التطوع]

بَابٌ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2075 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: (هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟) فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: (فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ) . ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: (أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا) فَأَكَلَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

(7)

بَابٌ

بِالتَّنْوِينِ، وَقِيلَ: بِالسُّكُونِ، وَفَى نُسْخَةٍ: فِي تَوَابِعَ لِصَوْمِ التَّطَوُّعِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

2075 -

(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ) : أَيْ: يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، أَوْ سَاعَةَ يَوْمٍ، أَوْ أَوْقَاتَ يَوْمٍ، أَوْ فِي نَهَارٍ. (فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟) : أَيْ: مِنَ الطَّعَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ؟ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَا يُأْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. (فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي إِذًا) : بِالتَّنْوِينِ (صَائِمٌ) وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: فَإِنِّي إِذَنْ أَصُومُ، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِيَّةِ النَّفْلِ فِي النَّهَارِ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَدَاوُدُ: يَجِبُ التَّبْيِيتُ كَمَا فِي الْفَرْضِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ. (ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُهْدِيَ لَنَا) : أَيْ أُرْسِلَ إِلَيْنَا بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ (حَيْسٌ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ تَمْرٌ مَخْلُوطٌ بِسَمْنٍ وَأَقِطٍ، وَقِيلَ: طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزُّبْدِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَقَدْ يُبْدَلُ الْأَقِطُ بِالدَّقِيقِ، وَالزُّبْدُ بِالسَّمْنِ، وَقَدْ يُبْدَلُ السَّمْنُ بِالزَّيْتِ، (فَقَالَ: أَرِينِيهِ) : أَمْرٌ مِنَ الْإِرَاءَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَدْنِيهِ وَأَرِنِيهِ كِنَايَةٌ عَنْهَا، لِأَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا يَكُونُ مَرْئِيًّا، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَأَمَّا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ فَغَيْرُ مَوْجُودَتَيْنِ، وَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ أَوْ نُسْخَتَانِ لِلطِّيبِيِّ. (فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا) أَيْ: مُرِيدًا لِلصَّوْمِ (فَأَكَلَ) وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ كُنْتُ نَوَيْتُ الصَّوْمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَتَقْدِيرِ عُذْرٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِفْطَارِ النَّفْلِ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بِعُذْرٍ، وَأَمَّا بِدُونِهِ فَلَا، وَقَالَ الْقَاضِي: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ لَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ عَنْهُ، كَمَا قَالَ: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجِبُ إِتْمَامُهُ، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ إِنْ أَفْطَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْقَضَاءِ، وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا يُقَاوِمُ الصَّحِيحَ، عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ كَالْأَصْلِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّفْلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ لِمُضِيِّ مُعْظَمِ الْعِبَادَةِ بِلَا نِيَّةٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ التَّبْيِيتُ فِيهِ كَالْفَرْضِ بِحَدِيثِ: ( «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) فَالْإِمْسَاكُ أَوَّلُ النَّهَارِ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ إِذْ نَفْلُهَا كَفَرْضِهَا فِي النِّيَّةِ. قَالَ: وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السُّؤَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْئُولَ مُعَدًّا لِلْإِفْطَارِ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ لِلْعِبَادَةِ، وَلَا يَتَكَلَّفَهُ لِتَحْصِيلِ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَالُوا لَهُ أَيْ: إِنِّي صَائِمٌ كَمَا كُنْتُ، أَوْ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْفِطْرِ لِعُذْرٍ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: تَمِّمِ الصَّوْمَ، وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ اقْتِرَانُهَا بِهِ كَاقْتِرَانِهَا بِمَا قَبْلَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ رِوَايَةُ: إِذَنْ أَصُومُ، وَرِوَايَةُ: مِنْ غَدَاءٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ: فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَزَادَ النَّسَائِيُّ، وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَصَحَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ يُفْطِرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَيَقْضِي، وَفِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَضَاهُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إِذَا فَسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ، بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي نَفْسِ الْإِفْسَادِ هَلْ يُبَاحُ أَوْ لَا؟ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا إِلَّا بِعُذْرٍ، وَرِوَايَةُ الْمُنْتَقَى: يُبَاحُ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلِ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لَا؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَقِيلَ:

ص: 1430

لَا. وَقِيلَ: عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ، وَعِنْدِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجَهٌ، قَالَ: وَأَحْسَنُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ لِلشَّافِعِيِّ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ، يَعْنِي الْحَدِيثَ السَّابِقَ، وَلَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] الْآيَةُ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ ذَمِّهِمْ عَلَى عَدَمِ رِعَايَةِ مَا الْتَزَمُوهُ مِنَ الْقُرَبِ الَّتِي لَمْ تُكْتَبُ عَلَيْهِمْ، وَالْقَدْرِ الْمُؤَدِّي عَمَلَ كَذَلِكَ، فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ عَنِ الْإِبْطَالِ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، فَإِذَا أَفْطَرَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ تَفَادِيًا أَيْ تَبَعُّدًا عَنِ الْإِبْطَالِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْآتِي، وَأَمَّا الْقِيَاسُ، فَعَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ النَّفْلَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إِذَا أُفْسِدَا.

ص: 1431

2076 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: (أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ) ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

2076 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: " «أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ ". ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا» ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلضَّيْفِ الصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُضِيفِ، أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ مِنَ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ دُعَاءَ الصَّائِمِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَهَذَا الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يُؤَيِّدُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الضِّيَافَةَ غَيْرُ عُذْرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا عُذْرٌ، وَلَكِنَّهُ مُخَيَّرٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:( «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَطْعَمْ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ. وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَالنَّهْيُ عَنِ التَّكَلُّفِ الْمُسْتَفَادِ بِمَا رُوِيَ: " «أَنَا وَصَالِحُو أُمَّتِي بَرَاءٌ مِنَ التَّكَلُّفِ» " إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَتَكَلَّفُ بِمَشَقَّةٍ، وَأَمَّا مَنْ أَتَى بِمَا عِنْدَهُ وَإِنْ شَرُفَ فَلَا يُسَمَّى مُتَكَلِّفًا اهـ. وَالْغَرَابَةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَقَامَ لَا يَقْتَضِي هَذَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ أَصْلًا، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

ص: 1431

2077 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

2077 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ ") أَيْ: نَفْلًا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَوْمَ قَضَاءٍ وَنَحْوَهُ. (فَلْيَقُلْ) أَيْ: نَدْبًا (إِنِّي صَائِمٌ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَمَرَ صلى الله عليه وسلم الْمَدْعُوَّ حِينَ لَا يُجِيبُ الدَّاعِي أَنْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: إِنِّي صَائِمٌ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِبُّ إِخْفَاءَ النَّوَافِلِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى عَدَاوَةٍ وَبُغْضٍ فِي الدَّاعِي.

(وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ) : أَيِ الدَّعْوَةَ (فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ رَكْعَتَيْنِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَقِيلَ: فَلْيَدْعُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِالْبَرَكَةِ، أَقُولُ: ظَاهِرُ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: وَالضَّابِطُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِنْ تَأَذَّى الْمُضِيفُ بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ أَفْطَرَ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ) : أَيْ: فَلْيَأْكُلْ نَدْبًا، وَقِيلَ: وُجُوبًا، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ إِذَا كَانَ يَتَشَوَّشُ خَاطِرُ الدَّاعِي، وَيَحْصُلُ بِهِ الْمُعَادَاةُ إِنْ كَانَ الصَّوْمُ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْرَحُ بِأَكْلِهِ وَلَمْ يَتَشَوَّشْ بِعَدَمِهِ فَيُسْتَحَبُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَيْنِ عِنْدَهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ، سَوَاءً حَضَرَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَرَوَى أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ:( «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» ) . وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ. كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ.

ص: 1431

وَالْعَجَبُ مِنَ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَ الضِّيَافَةِ عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:" «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» ". أَيْ: فَلْيَدْعُ لَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْتِدَاءٍ ثَبَتَ، ثُمَّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ، يَعْنِي حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ:«آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبَى الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ. قَالَ: فَصَلَّيْنَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنْ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: (صَدَقَ سَلْمَانُ) » .

وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ، وَكَذَا مَا أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِلَى جَابِرٍ قَالَ:«صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا، فَدَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: (مَا لَكَ؟) قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: (تَكَلَّفَ أَخُوكَ وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ، كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) » اهـ.

قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ: ( «أَخُوكَ تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَكَ طَعَامًا وَدَعَاكَ، أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» ) وَرَوَاهُ الدَّرَاقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي صَنَعَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه.

ص: 1432

2078 -

عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَلَى يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَنَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ أُمَّ هَانِئٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ لَهَا: (أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟) قَالَتْ: لَا. قَالَ: (فَلَا يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ ; وَالتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ. وَفِيهِ:«فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ: (الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» ) .

ــ

2078 -

(عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) : بِهَمْزٍ بَعْدَ نُونٍ مَكْسُورَةٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ (قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ) أَيِ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ (فَتْحِ مَكَّةَ) : بِالْجَرِّ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ (جَاءَتْ فَاطِمَةُ) : أَيْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، (فَجَلَسَتْ عَلَى يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : وَلَعَلَّ اخْتِيَارَ الْيَسَارِ كَانَ بِإِشَارَةٍ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام، أَوْ إِيمَاءً إِلَى قَصْدِ تَوَجُّهِ قَلْبِهِ وَخَاطِرِهِ إِلَيْهَا بِحُسْنِ الْمُقَابَلَةِ وَالِالْتِئَامِ، وَإِمَّا تَوَاضُعًا مِنْهَا مَعَ بِنْتِ عَمِّهَا، وَأُخْتِ زَوْجِهَا، وَعَمَّةِ أَوْلَادِهَا، مَعَ إِمْكَانِ أَنَّهَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا، وَإِمَّا لِشَغْلِ الْيَمِينِ أَوَّلًا بِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا:(وَأُمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ) : فَإِنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَلَسَتْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِمَّا حَالٌ أَيْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ وَجَلَسَتْ عَلَى يَسَارِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِمَّا عَطْفًا عَلَى تَقْدِيرِ: وَجَاءَتْ أُمُّ هَانِئٍ، فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْكَلَامُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ: وَأَنَا جَالِسَةٌ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ جَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّجْرِيدِ كَأَنَّهَا تَحْكِي عَنْ نَفْسِهَا بِذَلِكَ، أَوْ أَنَّ الرَّاوِيَ وَضَعَ كَلَامَهُ مَكَانَ كَلَامِهَا اهـ. يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ نَقَلَ بِالْمَعْنَى. (فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ) : أَيِ: الْأَمَةُ (بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ) : أَيْ: مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (فَنَاوَلَتْهُ) : أَيِ الْجَارِيَةُ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْإِنَاءُ (فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ) : أَيِ الْإِنَاءَ. وَفِي الْمَصَابِيحِ: ثُمَّ نَاوَلَهَا أَيْ: بَقِيَّةَ الْمَشْرُوبِ (أُمَّ هَانِئٍ) : إِمَّا لِكَوْنِهَا عَنِ الْيَمِينِ، أَوْ لِسَبْقِهَا بِالْإِيمَانِ، أَوْ لِكِبَرِ سِنِّهَا أَوْ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمِّ أَهْلِ الْبَيْتِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ أَفْطَرْتُ) : يَحْتَمِلُ الْمُضِيَّ وَالْحَالَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَيَأْتِي (وَكُنْتُ صَائِمَةً) : أَيْ: فَمَا الْحُكْمُ؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا لَمْ تَذْكُرْ هَذَا قَبْلَ تَنَاوُلِهَا إِيثَارًا لِمَا آثَرَهَا بِهِ مِنَ التَّقَدُّمِ عَلَى بِنْتِهِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ عِنْدَهَا أَشْرَفُ وَأَعْلَى مِنَ الصَّوْمِ اهـ.

ص: 1432

وَيُمْكِنُ أَنَّهُ حَدَثَ لَهَا السُّؤَالُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، ثُمَّ فِي التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ قَدْ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ أَوْ قَصَدَهَا، فَإِنَّمَا لَمْ تَذْكُرْ خَوْفًا عَنْ فَوْتِ سُؤْرِهِ صلى الله عليه وسلم. (فَقَالَ لَهَا: أَكُنْتِ تَقْضِينَ) : أَيْ: بِهَذَا الصَّوْمِ (شَيْئًا؟) : أَيْ: مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْكِ. (قَالَتْ: لَا. قَالَ: فَلَا يَضُرُّكِ) : أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكِ إِثْمٌ فِي فِطْرِكِ (إِنْ كَانَ) : صَوْمُكِ (تَطَوُّعًا) : وَهُوَ لِلتَّأَكُّدِ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ بِعُذْرٍ بَلْ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَسَبَقَ عَلَى وَفْقِ الْمَذْهَبِ تَحْرِيرُهُ. وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بِصَوْمٍ إِذَا أَبْطَلَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ) : وَقَالَ: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ. قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ، وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَبِيرٌ أَشَارَ إِلَيْهِ النَّسَائِيُّ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ.

(وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ) : بِالرَّفْعِ أَيْ مَعْنَاهُ (وَفِيهِ) : أَيْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْوُهُ (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ: الصَّائِمُ) : أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ (الْمُتَطَوِّعُ) : احْتِرَازٌ مِنَ الْمُفْتَرِضِ أَدَاءً وَقَضَاءً (أَمِيرُ نَفْسِهِ) : أَيْ: حَاكِمُهَا ابْتِدَاءً، وَفِي رِوَايَةٍ أَمِينُ نَفْسِهِ بِالنُّونِ بَدَلًا مِنَ الرَّاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُفْهَمُ أَنَّ الصَّائِمَ غَيْرَ الْمُتَطَوِّعِ لَا تَخْيِيرَ لَهُ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ. (إِنْ شَاءَ صَامَ) : أَيْ: نَوَى الصِّيَامَ (وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ) : أَيِ: اخْتَارَ الْإِفْطَارَ، أَوْ مَعْنَاهُ أَمِيرٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ إِنْ شَاءَ صَامَ أَيْ: أَتَمَّ صَوْمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ إِمَّا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَيَجِيءُ حُكْمُ الْقَضَاءِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَرَّمَ الْخُرُوجَ عَنِ النَّفْلِ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ وَلَا حَسَنٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ، فَارْجِعْ إِلَى أَرْبَابِ الِاعْتِمَادِ فِي مَعْرِفَةِ الْإِسْنَادِ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ مَرْدُودٌ. ثُمَّ قَوْلُهُ: أَوْ يُحْمَلُ عَلَى السَّنَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَرْدُودٌ أَيْضًا لِلِاحْتِيَاجِ إِلَى ثُبُوتِ إِسْنَادٍ آخَرَ وَإِلَّا فَهُوَ مُجَازَفَةٌ وَجَرَاءَةٌ.

ص: 1433

2079 -

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلَنَا مِنْهُ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلَنَا مِنْهُ. قَالَ (اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنَ الْحُفَّاظِ رَوَوْا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ.

ــ

2079 -

(وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ) : بِالرَّفْعِ (صَائِمَتَيْنِ) : أَيْ نَفْلًا (فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: عَرَضَهُ لَنَا أَحَدٌ أَيْ: عَلَى طَرِيقِ الْهَدِيَّةِ، وَلَفْظُ ابْنِ الْهُمَامِ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَدَرَتْ إِلَيْهِ حَفْصَةُ، وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا فَقَالَتْ: وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَيْ: فَظَهَرَ لَنَا طَعَامٌ (اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلَنَا مِنْهُ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْهِدَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعُرِضَ لَنَا طَعْمٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلَنَا مِنْهُ. قَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ» ) : أَيْ بَدَلَهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي التَّطَوُّعِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مَكَانَهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْقَضَاءُ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ وَالِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّ قَضَاءَ شَيْءٍ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَكَمَا أَنَّ فِي الْأَصْلِ كَانَ الشَّخْصُ فِيهِ مُخَيَّرًا، فَكَذَلِكَ فِي قَضَائِهِ. أَقُولُ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِذَا كَانَا نَفَلَيْنِ وَفَسَدَا، فَإِنَّ قَضَاءَهُمَا وَاجِبٌ اتِّفَاقًا. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَلْ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33](رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَ) : أَيِ التِّرْمِذِيُّ (جَمَاعَةً مِنَ الْحُفَّاظِ) : أَيْ صِفَتُهُمْ أَنَّهُمْ (رَوَوْا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُدْرِكْهَا اهـ. فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ مُرْسَلًا أَيْ مُنْقَطِعًا (وَلَمْ يَذْكُرُوا) : أَيْ جَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ (فِيهِ) : أَيْ: فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ (عَنْ عُرْوَةَ) : بَيْنَ الزُّهْرِيِّ وَعَائِشَةَ (وَهَذَا) : أَيْ كَوْنُهُ مُرْسَلًا (أَصَحُّ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَعْمَلَهُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فَقَالَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ. ثُمَّ أَسْنَدَ أَيِ التِّرْمِذِيُّ إِلَى ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَحَدَّثَكَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ عَنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْنَاهُ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ، عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

ص: 1433

2080 -

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ زُمَيْلٍ مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.

ــ

2080 -

(وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدِ بْنِ الْهَادِ (عَنْ زُمَيْلٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ) : قَالَ مِيرَكُ: نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِزُمَيْلٍ سَمَاعٌ مِنْ عُرْوَةَ وَلَا يَزِيدَ سَمَاعٌ مِنْ. . .، وَلَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَزُمَيْلٌ مَجْهُولٌ اهـ. وَزُمَيْلٌ بِضَمِّ الزَّايِ، وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبَّاسٌ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: قُلْنَا: قَوْلُ الْبُخَارِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَالْمُخْتَارُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعِلْمِ بِالْمُعَاصِرَةِ، وَلَوْ سَلِمَ إِعْلَالُهُ وَإِعْلَالُ التِّرْمِذِيِّ، فَهُوَ قَاضٍ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ غَيْرِهَا، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَهِ مِنْ حَدِيثِ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِهَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَصْبَحَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ.

وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ غَيْرِ الْكُلِّ فِي الْأَوْسَطِ ثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَالُ قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَهْدَيْتُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ هَدِيَّةً وَهُمَا صَائِمَتَانِ فَأَكَلَتَا مِنْهُ، وَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَا تَعُودَا» ) . فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ. لَوْ كَانَ كُلُّ طَرِيقٍ مِنْ هَذِهِ ضَعِيفًا لِتَعَدُّدِهَا، وَكَثْرَةِ مَجِيئِهَا. وَثَبَتَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَجْهُولَ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا أَسْنَدَ التِّرْمِذِيُّ إِلَيْهِ، عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَةٌ، أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ، فَكَيْفَ وَبَعْضُ طُرُقِهِ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ اهـ؟

وَبِهَذَا بَطَلَ مَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَدْ بَسَطَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ الْكَلَامَ سَنَدَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَيُحْمَلُ كَرِوَايَةٍ. «خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا. فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ وَأَقْضِي يَوْمًا» عَلَى النَّدْبِ، لِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ صَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ نَفْسِهِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:(دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ) ثُمَّ قَالَ لَهُ (أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إِنْ شِئْتَ) اهـ.

وَهُوَ لَيْسَ نَصًّا فِي مَدْعَاهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الشَّرْطِيَّةِ مُتَعَلِّقَةً بَأَفْطِرْ، وَالْجُمْلَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَفَائِدَتُهَا الْإِشْعَارُ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ فِيهِ لِلْوُجُوبِ، وَبِأَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْإِفْطَارُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِفْطَارِ الْمَفْهُومِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 1434

2081 -

«وَعَنْ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَتْ لَهُ بِطَعَامٍ، فَقَالَ لَهَا: (كُلِي) فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الصَّائِمَ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَفْرَغُوا» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

2081 -

(وَعَنْ أُمِّ عُمَارَةَ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَاسْمُهَا نُسَيْبَةُ (بِنْتِ كَعْبٍ) : أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَتْ) : أَيْ: طَلَبَتْ (لَهُ بِطَعَامٍ، فَقَالَ لَهَا: كُلِي، فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ: تَفْرِيحًا بِإِتْمَامِ صَوْمِهَا (إِنَّ الصَّائِمَ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ) : أَيْ: وَمَالَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَأْكُولِ وَاشْتَدَّ صَوْمُهُ عَلَيْهِ (صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ) : أَيِ: اسْتَغْفَرَتْ لَهُ عِوَضًا عَنْ مَشَقَّةِ الْأَكْلِ (حَتَّى يَفْرَغُوا) : أَيِ: الْقَوْمُ الْآكِلُونَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : قَالَ مِيرَكُ: كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَوْلَاةٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا: لَيْلَى. عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ لَيْلَى مُرْسَلًا (وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 1434