الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانة الشيخ ابن مانع عند شيخه
الإمام ابن باز (رحمه الله تعالى)
علاقة الشيخ عبد الله بن مانع بشيخه علاقة متينة.
وقد تجلى ذلك من عدة وجوه:
الوجه الأول: الحرص الشديد على الحضور وعدم الغياب، فقد حضر الدروس حضور الطالب الجاد، فكان قليل الغياب جدًا جدًا، حتى إنه حضر درس فجر الأربعاء، عام (1409)، وكان يوم زواجه كل ذلك خوفًا من أن يفوته شيء عن الشيخ.
الوجه الثاني: وإذا حضر كان يصغي ويقيد كلام الشيخ فلا يكاد يفوته شيء، بل حتى حركاته من تبسم وبكاء ووصف أمر باليد وغير ذلك، كل ذلك يقيده حتى قال له أحد تلاميذ الشيخ الكبار: تقيد كل شيء؟! قال: نعم، حتى لو قال الشيخ: الربا حرام قيدته!
ومعناه: أن حكم الربا معلوم بالكتاب والسنة والإجماع، ولسنا بحاجة لحكم خاص أحد من العلماء، ومع ذلك كان
الشيخ ابن مانع يُقيّد كلّ ما تكلم به شيخه ابن باز، ولو كان مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
وللأسف فإن ابن باز - رحمه الله تعالى - لم يخدم بما يليق بعلمه ومكانته.
فلم تسجل دروسه بالشكل المنتظم إلا متأخرًا (قبل وفاته بسبع سنين تقريبًا)، وكانت هناك جهود شخصية متقطعة لم تتم معها الفائدة.
وأيضًا: كان كثير من طلاب الشيخ لا يكتبون كلام الشيخ وتعليقاته سوى ما كان من الشيخ عبد الله بن مانع، وقليلٌ من تلامذة الشيخ الجادين، وكان الشيخ ابن مانع لا يفوته شيء، ويليه في الحرص على الكتابة: الشيخ عمر بن سعود العيد، هذا على حسب معرفتي وسماعي عن الكثير من المشايخ.
الوجه الثالث: وكان الشيخ ابن باز أثناء الدرس يطلب بحث مسائل من تلاميذه، فكان بعضهم ينشط في ذلك، ويؤدي ما طلب منه، وبعضهم قد لا يستطيع، إلا ما كان من الشيخ ابن مانع.
فبدأ يكتب بحوثًا للشيخ منذ عام (1409).
وكان أول بحث كتبه كان عن «صفة الإقعاء المسنون» (1).
وكان الشيخ يطلب منه نسخة من كل بحوثه.
وكان الشيخ رحمه الله يعلق على بحوثه، إما ثناءً أو تأييدًا أو تعليقًا أو مخالفة (في أحيان قليلة).
ومما يُستملح في هذا المقام: أن كثيرًا من بحوث الشيخ ابن مانع كانت لها عناوين مسجوعة، فكان الشيخ ابن باز رحمه الله يضحك أحيانًا ويدعو له.
وقد استمر الشيخ عبد الله على ذلك حتى عرف الشيخ جهد تلميذه ابن مانع، فأصبح يذكره باسمه، ويطلب منه أن يكتب له بحوثًا فيما يعرض له في الدرس، بل بلغ بإمام عصره (ابن باز) أن يرجئ البت في حكم مسألة حتى يحضر الشيخ ابن مانع.
فقد سمعت الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - وسمعه غيري يُسأل عن المسألة، فيقول: الشيخ عبد الله العتيبي
(1) انظر: نفح العبير (2: 61).
موجود؟ فربما قالوا: لا، فيقول: إذا جاء فأخبرونا، حتى يبحث لنا المسألة. فأي شرف أعظم من هذا؟!
ولم يكن ابن مانع يقرأ بحوثه على ابن باز، بل كان يعطيها الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم. وسألته عن ذلك، فقال: إجلالًا للشيخ ابن قاسم، ولأن الميكروفون عنده، ولئلا انشغل عن كتابة تعليقات الشيخ.
وسألت الشيخ ابن مانع: لِم لَم تختر كتابًا تقرأه على الشيخ ابن باز، وقد فعل ذلك كثير من طلابه، حتى ممن حضروا عن الشيخ بعدك؟ فقال: القراءة على الشيخ شرف، ولكنها تشغل عن كتابة تعليقات الشيخ.
ولما توفي العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى - تسابقت كثير من دور النشر لنشر علمه، ولكن لم يكن علم الشيخ محفوظًا بالشكل المطلوب.
فقد حُدّثت أن الإخوة المسؤولين عن دار الوطن جاءوا للشيخ عبد العزيز الراجحي - حفظه الله تعالى- -: يطلبون منه شروح وتعليقات ابن باز، فقال: ليس عندي كثير، اذهبوا إلى الشيخ عبد الله بن مانع العتيبي فأعتقد أنه أكثر واحد يفيدكم.
الوجه الرابع: ومن مكانه ابن مانع عند شيخه: أنه كان يكتب شفاعات لأناس عند الشيخ ابن باز فكان يقبلها، ويقول لهم: سلموا لي على الشيخ عبد الله.
وجاءه ذات مرة أحدُ طلاب العلم ومعه رسالة من الشيخ ابن مانع، فاطّلع الشيخ على كتابه، ولبّى طلبه، وأكره رسوله، وقال: أنتم من طرف الشيخ عبد الله ولازم نكرمكم.
وكتب الشيخ ابن مانع تزكيةً لأحد طلّاب العلم، فذهب المزكّى إلى الطائف، وأراد الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى- -: التثبُّيتَ، فاتّصل بالرياض بمقر عمل الشيخ عبد الله، وهاتفه: أصدرت منكم تزكية لفلان؟ فقال: نعم، فلبّى طلبه.
الوجه الخامس: اعتماد طلبة العلم والباحثين عليه في تقرير كلام الشيخ: وقد سجل أحد الباحثين رسالة ماجستير في الحديث، عن «وجود ابن باز في الحديث» ، فقال هذا الباحث: من أكثر من استفدت منه ابن مانع، ووجدت عنده مادة مفيدة جيدة.
وقد نفع الله خلقًا كثيرًا من طلبة العلم بمؤلفاته وتعليقاته عن الشيخ، ولبّى حاجةً كانوا ينتظرونها من مدة طويلة.
ولقد قد قال لي أحد طلبة العلم: جزى الله الشيخ ابن مانع خير الجزاء، والله لما قرأت كتاب «الحلل الإبريزية» كأني في الجامع الكبير أمام ابن باز!!
وأما عن طريقة إخراج تعليقات الشيخ فهذا أمر اجتهادي تختلف فيه أنظار الناس.