الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الاسم والمسمى
وأما مسألة الاسم والمسمى وهل هو عين المسمى أم لا؟
فهي مسألة حادثة في آخر القرون المفضلة وهي ناتجة عن الخلاف مع المعتزلة في عهد الإمام أحمد. وهي أحد فروع مسألة خلق القرآن.
فلما قال المعتزلة أن القرآن مخلوق اطرد ذلك عندهم إلى القول أن الأسماء مخلوقة وهي غير المسمى فجاء رد السلف عليهم. وأول من رد عليهم الإمام أحمد رحمه الله وإن كان شق عليه ذلك لعظم الكلام في مسألة حادثة. قال الإمام الطبري رحمه الله، "وأما القول في الاسم هل هو المسمي أم هو غيره فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيها شين والصمت عنها زين. (1)
وقال " ثم حدث في زماننا حماقات خاض فيها أهل الجهل والعناد ونوكى (2) الأمة والرعاع يتعب إحصاؤها ويُمل ويكثر تعدادها، منها القول في اسم الشيء أهو هو أم هو غيره". (3)
وهذا هو رأي الغزالي رحمه الله في المسألة إذ يقول إن مسألة الاسم والمسمى طويلة الذيل قليل النيل قليلة الجدوى. (4)
(1) صريح السنة لابن جرير الطبري صـ 52.
(2)
النوكى: جمع أنوك وهو الأحمق، لسان العرب 3/ 746.
(3)
صريح السنة للطبري صـ 22.
(4)
المقصد الأسنى صـ 21.
وقد أمسك بعض السلف عن هذه المسألة فهذا الإمام إبراهيم الحربي (ت 285 هـ) وكان من أخص الناس بالإمام أحمد رحمه الله روى عنه الذهبي بسنده إلى إبراهيم الحربي قال ولم يكن في وقته مثله يقول وقد سئل عن الاسم والمسمى، لي مذ أجالس أهل العلم سبعون سنة ما سمعت أحداً منهم تكلم في الاسم والمسمى. (1)
وفي موضع آخر، أن أبا طاهر المخلص قال سمعت أبي سمعت إبراهيم الحربي وقد وعدنا أن يملي علينا مسألة في الاسم والمسمى وكان يجتمع في محله ثلاثون ألف محبرة وكان إبراهيم مقلاً وكانت له غرفة يصعد فيشرف منها على الناس فيها كوة إلى الشارع فلما اجتمع الناس أشرف عليهم فقال لهم، قد كنت وعدتكم أن أملي عليكم في الاسم والمسمى ثم نظرت فإذا لم يتقدمني في الكلام فيها إمام نقتدي به فرأيت الكلام فيه بدعة فقام الناس وانصرفوا، وحين سأله أحدهم عن هذه المسألة قال، ألم تحضر مجلسنا بالأمس، قال، بلى، قال، أتعرف العلم كله، قال، لا، قال، فاجعل هذا مما لم تعرف. (2)
وسبب هذه المسألة مقولة الجهمية والمعتزلة في أن أسماء الله مخلوقة فيقولون الاسم غير المسمى أو أسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق. وهؤلاء هم الذين أنكر عليهم الأئمة.
أما ما حدث بعدهم هل هو هو أو هو غيره أو لا يقال هو هو ولا هو غيره أو يفصل في ذلك فهذا اشتهر بعد الأئمة بعد أحمد وغيره كما يذكر ذلك ابن تيمية. (3)
وتوضيح هذا الأمر كما يلي،
(1) سير أعلام النبلاء 13/ 359.
(2)
سير أعلام النبلاء 13/ 361.
(3)
الفتاوى 6/ 187، 88
ذهبت الجهمية والمعتزلة إلى أن الاسم غير المسمى وأن أسماء الله تعالى مستعارة مخلوقة من وضع البشر وهي ليست توقيفية، قال القاضي عبد الجبار، "اعلم أن جميع ما ذكرناه في الدلالة على حسن إجراء الاسم على المسميات من غير إذن يدل على حسن إجرائها على القديم تعالى ذكره من غير إذن" وقال، "إن استعمال الأسماء والأوصاف يحسن من جهة اللغة وإن لم يرد بها التوقيف، وإذا صح ذلك صارت اللغة هي الأصل فيه. (1)
وسلفه في ذلك بشر المريسي إذ قال " إن أسماء الله غير الله، مستعارة، مخلوقة، كما أنه قد يكون شخص بلا اسم فتسميته لا تزيد في الشخص ولا تنقص (2)، وعلَّة الجهمية ومن وافقهم هنا اتفاقهم على استحالة إثبات اسم لله تعالى بدون ألا يكون له صفة في الأزل. والصفات غير الموصوف، فلو كان متصفاً بصفات أزلاً للزم تعدد القدماء ومن هنا قالوا هي مستعارة مخلوقة وأنها لم تزده شيئاً كما إن الاسم لا يزيد مسماه ولا ينقص منه.
وقد ناقش أئمة السلف رحمهم الله هذه الدعاوى. واشتد إنكارهم على من ادعى أن أسماء الله مخلوقة قال الإمام الشافعي رحمه الله، إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة. (3)
وقال الأصمعي إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى فاحكم أو قال فاشهد عليه بالزندقة لفظهما سواء. (4)
(1) المغني للقاضي عبد الجبار 5/ 179.
(2)
الرد على المريسي للدارمي صـ 363.
(3)
شرح السنة للالكائي 2/ 236.
(4)
شرح السنة للالكائي 2/ 237.
وقال إبراهيم بن هاني سمعت أحمد بن حنبل وهو مختفٍ عندي، فسألته عن القرآن، فقال، من زعم أن أسماء الله مخلوقة فهذا كافر. (1)
ومثله عن الإمام إسحاق بن راهويه (2) قال، أفضوا إلى أن قالوا، أسماء الله مخلوقة لأنه كان ولا اسم وهذا الكفر المحض لأن لله الأسماء الحسنى فمن فرق بين الله وبين أسمائه أو بين علمه ومشيئته فجعل ذلك مخلوقاً كله والله خالقها فقد كفر. (3) وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله، " من زعم أن أسماء الله غيره فهذا ضال"(4)، وقال أبو داود صاحب السنن “من زعم الاسم غير المسمى، فقد زعم أن الله غير الله وأبطل في ذلك". (5) وقد توسع في الرد عليهم عقلياً الإمام الدارمي (6) رحمه الله في رده على بشر المريسي العنيد. ومثله الإمام اللالكائي (7) في شرحه لأصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ألزموهم بعدة لوازم باطلة، إذا كان الاسم غير المسمى منها،
1 -
إن من أعظم الشرك أن يقال اعبدوا الله اسماً مخلوقاً في قوله تعالى، {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} النساء 36. فتكون العبادة للاسم.
(1) المصدر السابق 2/ 240.
(2)
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، عالم خراسان في عصره، أخذ عنه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، قال الخطيب: إجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد (ت 238 هـ) الأعلام (1/ 292).
(3)
المصدر السابق 2/ 240.
(4)
الإبانة للأشعري 2/ 240.
(5)
شرح السنة للالكائي 2/ 241.
(6)
عثمان بن سعيد الدارمي، محدث هراة، له باع في الرد على الجهمية (ت 280 هـ) الأعلام (4/ 205).
(7)
هبة الله بن الحسن بن منصور من فقهاء الشافعية له عناية بتدوي أصول السنة (ت 418 هـ) الأعلام (8/ 71).
2 -
إن الآيات كثيرة بالأمر بذكر الله على الذبائح وغيرها {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} الأنعام 118، وعلى قولهم لو ذكر اسم زيداً وعمرو أو اللات أو العزى فإنه يجزيه لأن هذه الأسماء مخلوقة كما إن أسماء الله عندهم مخلوقة.
3 -
يلزم على قولهم أن يقول المؤذن أشهد أن الذي اسمه الله لا إله إلا هو أشهد أن الذي اسمه محمد رسول الله.
4 -
ويلزم أن الناس يحلفون بغير الله فيحلفون باسمه المخلوق على زعمهم أن الاسم غير المسمى. (1)
والحاصل أن السلف رحمهم الله شق عليهم الكلام فيه. فمما روي عن أحمد أنه كان يشق عليه الكلام في الاسم والمسمى، أو يقول هذا كلام محدث ولا يقول أن الاسم غير المسمى، ولا هو هو ولكن يقول، إن الاسم للمسمى إتباعاً لقوله تعالى، {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف 7، ولأنها عنده أعلام على المسميات، فلذلك قال هي له. (2)
ونقل عنه في موضع آخر، أنه عظم عليه الكلام في الاسم والمسمى وتكلم أصحابه في ذلك فمنهم من قال، الاسم للمسمى أو منهم من قال، الاسم هو المسمى، والذين طلبوا السلامة أمسكوا وقالوا لا نعلم. (3)
فالخلاف في هذه المسألة بينهم على أقوال منها،
(1) بتصرف من شرح السنة لللالكائي 2/ 228 وما بعدها.
(2)
طبقات الحنابلة 2/ 270.
(3)
المصدر السابق 2/ 299.
1 -
الإمساك عن هذا القول نفياً وإثباتاً كما هو الحال في المروي عن الشافعي وإبراهيم الحربي.
2 -
أن الاسم هو المسمى، وهو قول أبي قاسم الطبري، ومعمر بن المثنى (1) وابن فورك والبغوي واللالكائي والحارث المحاسبي (2)، ومرادهم أن اللفظ هو التسمية والاسم ليس هو اللفظ بل هو المراد باللفظ.
3 -
أن الاسم للمسمى وهو قول أكثر أهل السنة في مقدمتهم الإمام أحمد والإمام الطبري وغيرهم، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام وساق أدلتهم. وهذا القول لا يخالف الكتاب والسنة، ويدل عليه قوله تعالى، {ولله الأسماء الحسنى} الأعراف 180. ومن السنة " أن لله تسعة وتسعين اسماً"، وقوله، " أن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي وأنا الحاشر". (3)
فهذه النصوص تدل على أن الاسم للمسمى ويدل عليه. وهذا القول موافق لمنهج أهل السنة والجماعة في عدم إطلاق الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة التي هي محتملة لمعنيين صحيح وباطل. فإذا سئل أهل هذا القول عن الاسم أهو المسمى أم غيره، أجابوا بجوابين، الأول، أن هذه المسألة حادثة لم ترد في الكتاب والسنة، ولم ترد عن السلف الصالح.
الثاني، أن هذا السؤال فيه إجمال فلا يجاب بإطلاق إنما يفصل في ذلك، ويقال، "الاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى. فإذا قلت، قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده ونحو ذلك، فهذا المراد به المسمى نفسه. وإذا قلت الله، اسم عربي، والرحمن اسم عربي،
(1) معمر بن المثنى التيمي بالولاء أبوعبيدة النحوي من أئمة العلم بالأدب واللغة (ت 209 هـ) الأعلام (7/ 272).
(2)
أسماء الله الحسنى، عبد الله الغصن ص 31.
(3)
رواه البخاري ح (4517).
والرحمن من أسماء الله تعالى ونحو ذلك، فالاسم هنا للمسمى ولا يقال غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال. فإذا أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله. (1)
والبخاري رحمه الله في صحيحه سار على منهج السلف الصالح من أن النصوص الدالة على أن الاسم للمسمى من غير أن يدخل في تفصيل ذلك، فبوب بقوله باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها، وأورد فيه حديث الذكر عند النوم "بسمك ربي وضعت جنبي" وحديث ذكر الله على ما أرسلت إليه كلبك المعلّم، وحديث النهي عن الحلف إلا بالله.
والبخاري رحمه الله ساق بعض النصوص، واختلف الشراح في بيان قصده -
رحمه الله على عدة آراء،
1 -
أنه لم يدخل أصلاً في موضوع الاسم والمسمى لأنه كان يرى رأي القائلين بعدم الخوض كمعاصره الإمام الحربي (2) وأن الترجمة لبيان كيفية دعاء الله باسماءه.
2 -
أن الاسم للمسمى وهو ما انتهى إليه تقرير شيخ الإسلام. (3)
3 -
أن مقصوده تصحيح القول، بأن الاسم هو المسمى كما نقله الحافظ عن ابن بطال (4). (5)
(1) شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز صـ 102.
(2)
شرح كتاب التوحيد د. عبد الله الغنيمان 1/ 223.
(3)
الفتاوى 6/ 185
(4)
علي بن خلف بن عبدالملك من أهل قرطبة، له شرح البخاري (ت 449 هـ) الأعلام (4/ 285).
(5)
فتح الباري 13/ 391.
والذي يظهر والله أعلم، أن البخاري عاش هذه الفتنة وعاصر الخلاف فيها ومراده في الكتاب الرد على الجهمية والمعتزلة. وهم القائلون بأن الاسم غير المسمى، كما فصل ذلك الإمام الدارمي في رده على بشر المريسي. (1)
وأبواب الكتاب تؤيد أنه يتعرض لغالب ما ظهر من بدع الجهمية والمعتزلة في وقته، والأدلة التي ساقها هي الأدلة التي يوردها أهل السنة في أن الاسم للمسمى. ومن ثم يفصلون في ذلك كما فصل هذه المسألة شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى- في رسالة كاملة. (2) ويظهر لي أن هذا مراده رحمه الله خاصة أنه حين قرر الاستعاذة بالاسم فمعنى هذا صحتها كما صحت الاستعاذة بالذات وهذا هو المروي عن الشافعي.
وأتبعه أيضاً بعدم الحلف إلا بالله تأكيداً لهذه المسألة وأن الاسم للمسمّى والله أعلم.
(1) الرد على المريسي صـ 366، 367.
(2)
الفتاوى وقد افرد رسالة كاملة للاسم والمسمى 6/ 185 - 213.